الجمعة 1 ربيع الآخر 1446 هـ :: 4 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

قبل أن يدخل ولدك المدرسة


عناصر المادة
الخطبة الأولى
تربية الأولاد أمانة
أنظمة عجيبة في التربية
كلام قيم في تربية الأبناء
مهمة الآباء قبل المدرسة
الخطبة الثانية
وصايا وعبر

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

تربية الأولاد أمانة

00:00:29

فإن الله قد وضع علينا أمانات كثيرة حملنا إياها، ومنها أمانة تربية الأولاد، وقضية الساعة الداخلية هي العودة إلى المدارس، وهنا لا بد لنا من وقفات مع أنفسنا وأولادنا، وبيوتنا ومدارسنا.

عباد الله: إن أعظم الأمور نحو الأولاد هو التربية، وكثير من الناس يعلمون ظاهراً من المدارس والجامعات تجاه أولادهم، ولكنهم لا يدركون الحقائق، فينشغلون بقضية تعليم الأولاد عن تربيتهم، والفرق بين التعليم والتربية واضح، فلا بد أن يكون هناك سعي لتربية الأولاد، وليس لتعليمهم فقط، ذلك التعليم الذي قد انحصر في عقول كثير من الآباء في زوايا معينة من ظواهر هذه الحياة الدنيا.

لقد كانت التربية الناجحة في عهود المسلمين الأولى هي سبب النبوغ والتفوق الذي كان لأجيال الأمة فيما مضى، وفيما يلي أمثلة من ذلك:

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في ترجمة محمد بن أبي بكر الصديق، قال: قُتل في صفر سنة ثمان، ولما بلغ عائشة قتله حزنت عليه، وتولت تربية ولده القاسم، فنشأ في حجرها، فكان من أفضل أهل زمانه، لقد تولت عائشة رضي الله عنها تربية ذلك الولد، وهو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فكان عالماً إماماً عظيم الشأن؛ لأنه تربى في حجر تلك العمة الطاهرة الشريفة العالمة العابدة، فكان الأثر واضحاً عليه.

وقال ابن الجوزي في كتابه المنتظم في ترجمة الحسين بن علي بن محمد النيسابوري، قال: ولد سنة ثلاث وتسعين ومائتين، ورباه أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، من هو الذي رباه أيها الإخوة؟ ابن خزيمة، وما أدراك ما ابن خزيمة؟! فسمع منه الحديث ومن غيره، وكان جاره الأدنى، وفي حجره من حين ولد إلى أن توفي أبو بكر، وكان ابن خزيمة إذا تخلف عن المجالس بعث بالحسين نائباً عنه، وكان يقدمه على أولاده، ويقرأ له وحده ما لا يقرأ لغيره، وكان حسين يحكي ابن خزيمة في وضوئه وصلاته، يشابهه مشابهة تامة للتربية التي تلقاها، ما رأيت في الأغنياء أحسن طهارة وصلاة منه، ولقد صحبته قريباً من ثلاثين سنة في الحضر والسفر، وفي الحر وفي البرد، فما رأيته ترك صلاة الليل، وكان يقرأ في كل ليلة سُبعاً من القرآن، ولا يفوته ذلك، وكانت صدقاته دائمة في السر والعلانية، ولما وقع الاستنفار لطرسوس، دخلت عليه وهو يبكي، ويقول: قد دخل الطاغي ثغر المسلمين طرسوس، وليس في الخزانة ذهب ولا فضة -أي: أموال للجهاد والدفاع-، فباع ضيعتين نفيستين من أجل ضياعه بخمسين ألف درهم، وأخرج عشرة من الغزاة المتطوعة الأجلاد، وكان يقول: اللهم إنك تعلم أني لا أدخر ما أدخره، ولا أقتني هذه الضياع إلا للاستغناء عن خلقك، والإحسان إلى أهل السنة والمستورين.

وهذا الحسن بن علي النسفي البزدوي أبو ثابت الإمام لما مات والده حمله عمه إلى بخارى، ورباه أحسن تربية، ونشأ مع ولده، وتفقه ثم ولي القضاء، وكان حسن السمت، وقوراً لازماً بيته حسن الصلاة.

وهذا محمد بن عبد الله بن حبيب المعروف بابن الجنازة، قال ابن الجوزي رحمه الله: قرأت عليه كثير من الحديث والتفسير، وكان نعم المؤدب يأمر بالإخلاص وحسن القصد.

فإذن -أيها الإخوة- كانت التربية هي الدعامة التي يقوم عليها التعامل مع الأولاد منذ صغرهم في ذلك الزمان، تربية شاملة عامة، ليست للمعلومات فقط، وليست للآداب فقط، وليست تمريناً على الجهاد فقط، وإنما تشمل سائر الأمور، فمن وراء ذلك خرجت أجيال عظيمة قادت العالم، ولما تدهور مستوى التربية لدينا، وسلمنا التربية لمن يضر بالأولاد كالأجهزة التي تبث الفساد، وكثير من المفسدين من الأشخاص من شياطين الإنس والجن، وتركنا الأولاد على أهوائهم بغير تربية خرجت أجيال الفسق والانحلال والإجرام، وضاع المجتمع في كثير من ألوان الانحراف نتيجة فساد التربية.

لقد كانت تربية عند الأوائل تشمل حتى الاهتمام باللغة والضرب على اللحن وهو الخطأ، كما قال عمرو بن دينار: إن ابن عمر وابن عباس كانا يضربان أولادهما على اللحن، إذا أخطأ في اللغة تربية له على سليم نطقه.

أنظمة عجيبة في التربية

00:07:25

وكانت تتبع في تربية الغلمان والعبيد على القتال والجهاد في الدول الإسلامية السالفة أنظمة عجيبة تُتبع، كما حكى بعض المؤرخين في تربية الغلمان وتصنيفهم من اليوم الذي يبتاعون فيه إلى أن يترعرعوا، ويتبوءوا المقامات الرفيعة، فكانوا حين يشترون الغلام يضعونه راجلاً أولاً بقَباء لا يسمح له بركوب الخيل سراً أو علانية، فحين تنقضي السنة يُكلم رئيس عنبره الحاجب في أمره، فيؤمر له بمهر تركي بسرج غير مدبوغ ولجام جلدي، وبعد خدمة سنة بمهر وسوط فقط، ويعطى في السنة الثالثة سيفاً معكوفاً يشده على وسطه، في الرابعة جعبة وكنانة سهام يرتديهما عند امتطاء الجواد، وفي الخامسة سرجاً أحسن ولجاماً مكوكباً وقباءً، وفي السادسة يولَّى السقاية ويوكل بالماء، ويعلق في وسطه القدح، وفي السابعة يوكل باللباس، وفي الثامنة يعطى خيمة من عمود واحد في ستة عشرة وتد، ويضاف إلى فوجه ثلاثة غلمان صغار، وكذلك يُظل يزاد في ألبسته وآلاته، وعُدده وعدد أفراده ومقامه سنوياً إلا أن يصبح قائد فوج، فإذا ظهرت كفاءته وجدارته وشجاعته تولى الولايات الكبيرة في الخامسة والثلاثين أو الأربعين، ولا يقل عن ذلك، فإذن كانت الأمة في قوة لما كانت التربية قائمة على العبادة والعلم والخشية من الله والجهاد واللغة وسائر النواحي، ولما تضعضعت التربية نزلنا إلى المستوى الذي هوينا إليه، وقد كان علماؤنا رحمهم الله يهتمون بذكر تفاصيل تربية الأطفال منذ ولادتهم ليبنوا أن هناك منهجاً إسلامية، وطريقة ربانية في التعامل مع النشء، وأن القضية ليست ضياعاً وفوضى كما يحدث في كثير من بيوت المسلمين.

كلام قيم في تربية الأبناء

00:10:13

فهذا ابن القيم رحمه الله يذكر في تحفة المودود بأحكام المولود فصولاً نافعة في تربية الأطفال تحمد عواقبها عند الكبر، قال: ينبغي أن يكون رضاع المولود من أمه بعد ولادته مباشرة من أمه لا من غيرها؛ لأهمية اللبن الذي يخرج منها، ثم قال: وينبغي أن يُمنع حملهم والطواف بهم حتى يأتي عليهم ثلاثة أشهر فصاعداً لضعف أبدانهم، ثم قال: وينبغي أن يُقتصر بهم على اللبن وحده إلى نبات أسنانهم لضعف معدتهم فإذا نبتت أسنانه قويت معدته وتغذى بالطعام، فإن الله سبحانه أخَّر إنباتها إلى وقت حاجته إلى الطعام لحكمته ولطفه، ورحمة منه بالأم، وحلمة ثديها فلا يعضه الولد بأسنانه، وينبغي تدريجهم في الغذاء، فيطعمون الألين الألين حتى يشتدوا، فإذا قربوا من وقت التكلم، وأريد تسهيل الكلام عليهم دُلكت ألسنتهم بالعسل، فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، وليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه وتوحيده، وأنه فوق عرشه ينظر إليهم ويسمع كلامهم، وهو معهم، فهذا تلقين المراقبة والخشية لله، ولهذا كان أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، بحيث إذا وعى الطفل وعقل علم أنه عبد الله، وأن الله هو سيده ومولاه، فإذا حضر وقت نبات أسنانه دلكت اللثة بالزبد والسمن، ولا ينبغي أن يشق على الأبوين بكاء الطفل وصراخه، لا سيما لشربه اللبن إذا جاع لفوائد ذلك عليه، وينبغي أن لا يُهمل أمر قماطه ورباطه إلى أن يصلب بدنه وتقوى أعضاؤه، وأن يوق كل أمر يفزعه من الأصوات الشديدة الشنيعة، والمناظر الفظيعة، والحركات المزعجة، ويُستعمل تمهيده بالحركة اللطيفة شيئاً فشيئاً، ويفطم عند إرادة الوالدين وتراضيهما وتشاورهما بحيث لا يضر الولد، ومن سوء التدبير أن يمكنوا من الامتلاء من الطعام وكثرة الأكل والشرب، ومن أنفع التدبير لهم أن يعطوا دون شبعهم، قبل حد الشبع، فإن أحببت أن يكون الصبي حسن الجسد مستقيم القامة فقه كثرة الشبع، فإن الصبي إذا امتلأ وشبع يكثر نومه من ساعته ويسترخي.

ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج –والكلام لابن القيم رحمه الله– الاعتناء بأمر خلقه، فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره من حرد وغضب، ولجاج وعجلة، وخفة وطيش، وحدة وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك، وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له، لهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم من قبل التربية التي نشأ عليها، ويجب أن يتجنب الصبي إذا عقل مجالس اللهو والباطل والغناء، وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء، فإنه إذا عَلِق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر، وعز على وليه استنقاذه منه، والعوائد من أصعب الأمور، وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره، ويستولي على الأشياء من أيدي الآخرين غاية التجنب، فإنه متى اعتاد الأخذ صار طبيعة له، ونشأ بأن يأخذ لا بأن يُعطي، ويعوده البذل والإعطاء، وإذا أراد الولي أن يعطي شيئاً أعطاه إياه على يده، أي على يد الولد، كإعطائه مالاً للصدقة على فقير، ليذوق حلاوة الإعطاء، ويجنبه الكذب والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع، فإنه إذا سهل له سبيل الكذب والخيانة أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة، وحرمه كل خير، ويجنبه الكسل والبطالة، والدعة والراحة بل يأخذه بأضدادها، ولا يريحه إلا بما يجِمُّ نفسه وبدنه للشغل، فالراحة وسيلة للعمل بعدها، وليست غاية، فإن الكسل والبطالة عواقب سوء، ومغبة ندم، وللجد والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا، وإما في العقبى.

ويجنبه فضول الطعام والكلام، والمنام ومخالطة الأنام -الأمور الزائدة في الطعام والكلام والمنام ومخالطة الأنام-، فإن الخسارة في هذه الفضلات، وهي تفوِّت على العبد خير دنياه وآخرته، ويجنبه مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب، فإن تمكينه من أسبابها يفسده فساداً يعز عليه بعده صلاحه.

والحذر كل الحذر من تمكينه من تناول ما يزيل عقله من مسكر وغيره، أو عشرة من يخشى فساده، أو كلامه له، فإن ذلك الهلاك.

ولا يدخل الجنة ديوث، فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء وإهمالهم، واستسهالهم شرر النار بين الثياب، فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه، وهم لا يشعرون، فكم من والد حرم ولده خير الدنيا والآخرة، وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله، وإضاعتهم لها، ويجنبه لبس الحرير كما يجبنه سائر المفسدات، والصبي وإن لم يكن مكلفاً فإنه مستعد للتكليف، وإن لم يكن مكلفاً فوليه مكلف، لا يحل له تمكينه من المحرم، والصبي مستعد للتكليف، ولذلك لا يمكَّن من الصلاة بغير وضوء، ولا من الصلاة عرياناً ونجساً، ولا من شرب الخمر والقمار واللواط، ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال، ثم ذكر رحمه الله شيئاً مما يناسب مراعاة ميول الأولاد في عصره، فقال: يُبدأ بالعلم الشرعي إن كان عنده استعداد، وإلا صرفه للجهاد والفروسية، وإلا صرفه إلى حرفة ينتفع بها.

مهمة الآباء قبل المدرسة

00:18:37

أيها المسلمون: إننا في مطلع هذا العام الدراسي، ينبغي أن نوجه جهودنا لتربية أولادنا، لقد سُحنا بهم سياحة في الصيف، وذهبنا بهم فسحات كثيرة، وتجولنا بهم في الغالب، وكثر لعبهم في هذه الإجازة، وكثر سهرهم، وحصل تفريط كثير، وينبغي الآن عند العودة إلى مقاعد الدراسة أن يكون لنا عودة نحن إلى أنفسنا في الاهتمام بتربية أولادنا، وليس أن نلقي الثقل على المدارس، وأن المدرسين هم الذين يربون الأولاد، كلا، بل إن مسؤولية الأب فيما يذهب به ولده إلى المدرسة، وما يرجع به منها لمسؤولية عظيمة والله.

إن انتقاء المدرسة والمدرس والمتابعة للولد في المدارس هي أمور في غاية الأهمية، إن المسلمين كانوا يوصون المؤدبين لأولادهم بالعناية بهم، ويبذلون في ذلك الغالي والنفيس لأجل تأديب الأولاد، وكانت سنة المؤدبين في المجتمع الإسلامي الماضي سنة قائمة، وخصوصاً عند المقتدرين يتخذون المؤدبين لأولادهم.

أيها الإخوة: إن كل أب، وكل ولي مسؤول عما يعلم أولاده، إن تعليم الأولاد كلام الله، وذكر الله، وحفظ القرآن، وشيء من الحديث، وغرس معاني المراقبة لله تعالى، واستشعار أنه المؤمن المهيمن العليم الخبير بعباده، هذا الغرس في النفس هو بداية الصلاح، وطريق الفلاح للولد في المستقبل.

إن قضية المحافظة على صلاة الجماعة للذكور منهم، وعلى الصلاة في أوقاتها لإناثهم، وعلى الإحسان في شروط الصلاة، وقراءة القرآن بالتجويد، وانتهاز فرص التحفيظ وحلقه، وكذلك الإتيان بالقصص الإسلامي الطيب، مع الفوائد والعبر التي تتلى على المسامع إن ذلك مما يغرس في الأولاد مفاهيم عظيمة، وفيها تربية بالغة.

إن إتاحة الفرصة للعب بما يتماشى مع حاجة الطفل وسنه، وانتقاء الألعاب المفيدة للأولاد إن ذلك من تربيتهم، وأما ما جاءتنا به الحضارة الغربية والشرقية من الألعاب الفظيعة الشنيعة التي تربي الأولاد على أمرين: الخنا والعنف، على الخنا والعنف، على الفحشاء والمنكر، إن هذه الألعاب ما أتتنا بخير أبداً، سواءً كانت عرائس بنات بثياب فاضحة، وتعويد للبنت على التشبه بالكافرات، أو كانت ألعاب حاسب آلي فيها صور العري والنساء بلباس إلى منتصف الفخذ، بل بالتعري الكامل في بعض الألعاب، وما هو مدسوس في الأقراص المدمجة، ودسكات الحاسب الآلي، وما يتداوله الأولاد، وما يحصل تحميله من شبكة نسيج العنكبوت وغيره مما يتلقفه هؤلاء ويتداولونه، في المدرسة، وبعدها، وفي الشارع، إن في ذلك لخطراً عظيماً على نفوس أولادنا ودينهم، فتمعن فيما يتسلون به في أجهزتهم وألعابهم، تجد من المنكرات ما لا يحصيه إلا الله، وتجد أننا بألعاب الننتندو وسوني ندخل على أولادنا من الخطر والدمار لعقائدهم وأخلاقهم الشيء الكثير العظيم، وربما نحس بالارتياح إذا وجدناهم فرحين متسمرين وراء الأجهزة والشاشات، وهم يتابعون بما يُتلف أعصابهم من تلك الألعاب وتلك الحركات، أين التربية الإسلامية أيها الإخوة؟ لقد أسلمناهم إلى أجهزة وألعاب اخترعها اليهود والنصارى والبوذيون، فأين دين الإسلام؟ أين التربية على الأدب؟ على آداب القعود والشرب والطعام، والمشي والنوم والسلام، والعطاس والمساجد وغيرها؟ أين متابعة الأولاد ذكوراً وإناثاً في مراحل الطفولة المبكرة؟ وفي مراحل المراهقة؟ أين متابعتهم فيمن يجلس بجانبهم في الفصول الدراسية، وفيمن يكون قرناؤهم وأصدقاؤهم في حياتهم؟

أيها الإخوة: يشتكي الكثيرون من تمرد الأولاد، وعدم سماعهم كلام الآباء والأمهات، ونعم إن الواقع فيه إجرام كثير قد يطغى على بعض جهود الآباء والأمهات، ولكن الفساد والخلل من الأساس، نحن لم ننتبه لخطورة القضية من السن المبكرة، لم نرب، ولم نعظ، ولم نذكر، ولم نتابع.

نسأل الله أن يغفر لنا تفريطنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، وأن يجعلنا للمتقين إماماً.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:25:46

الحمد لله الحي القيوم، الرب الذي يربي عباده ، فيرزقهم ويعافيهم، وينزل عليهم وحياً فيه صلاح أديانهم وقلوبهم، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول الله ربى أصحابه على دين الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطاهرين الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وصايا وعبر

00:26:31

عباد الله: إننا في مطلع هذا العام الدراسي ينبغي أن نركز على التربية الإسلامية لأولادنا أكثر مما نركز على مباني المدرسة وتجهيزاتها، وأكثر مما نركز على تحضير الأدوات المدرسية وتجهيزها، إن إعداد هؤلاء الأولاد إعداداً إسلامياً وفق ما أمرت به هذه الشريعة هي المسؤولية العظيمة التي ينبغي أن نقوم بها ونتابعها.

إن استهلال هذا الموسم الدراسي بالدعاء لله أن يجعله موسم توفيق وصلاح لأولاد المسلمين، ونسأل الله ذلك، هو النية الصالحة، وإن الحرص على استمرار الأنشطة الخيرية والدعوية التي بدأ بها عدد من الطلاب في فصل الصيف، عن طريق المراكز الصيفية وغيرها، إن الاستمرار في الأنشطة الخيرية في المدارس بعد المراكز إن ذلك جزء من المتابعة، وينبغي أيها الإخوة أن نكون حكماء في صرف الأموال، فإن كثيراً من الإسراف يحدث في شراء الأدوات المدرسية، بل إن في بعضها منكرات ومسايرة للموضات وتقليعات، وفيها صرف أموال وكسر لنفوس الفقراء ينبغي أن نوفر ما تبقى من السنة الماضية وغيرها مما لا نريد استعماله لإعانة الأسر الفقيرة، وأن نتذكر أن هناك من الأسر من لا يقدر على شراء الأدوات المدرسية لأولاده، واستشعار النعمة التي يعيش فيها بعض الناس من جهة استطاعتهم توفير كل ما يحتاج إليه الأولاد أو يتمنونه، ينبغي أن لا يصرفهم عن الشعور بمشاعر الآخرين، وأن نضع في حسابنا عدم الإسراف في الورق، بل إن المدراء والمدرسين ينبغي أن يكون عندهم أمانة في الطلب؛ لأنه إذا طلب ما لا يحتاج إليه الولد لم يكن ناصحاً للمسلم، بل كان من أسباب تضييع الورق الذي له قيمة سنسأل عنها.

إن الاستعداد للعودة إلى المدارس يرينا عمق الفجوة بين استعداداتنا الدنيوية واستعداداتنا الأخروية، ومعنى هذا -أيها الإخوة- أن بعض الناس يحصل عندهم استنفار عظيم للتجهيزات المدرسية، ولكن لا يحصل عندهم نفس الدرجة في الاستنفار لمتابعة الولد وتربيته، والمهمة الحقيقية وهي معرفة ماذا يدور في المدرسة، ومتابعته في ذلك، إن تهيئة الأولاد للمدارس ينبغي أن تكون على أمور الشريعة، وأن تراعى فيها آداب الشريعة، لقد فرطنا في سهر الأولاد، وفي الليلة الأولى للمدرسة نحرص جداً على أن يناموا مبكرين، ولكن على أي شيء كانوا يسهرون في الليالي السابقة؟ هل حاسبنا أنفسنا في هذه القضية، وصار عندنا حرص على متابعتهم في ذلك؟

أيها الإخوة: إن تدريب الولد على الأدب مع المدرس من الأمور العظيمة -خصوصاً وقد تفشت قلة الأدب في الأولاد-، يا عبد الله، انظر من بجانبك في الفصل، يا أيها الطالب، إنه جارك الذي سيجاورك أكثر من خمس ساعات في اليوم، ويكون أشد تأثيراً عليك من أبيك وأمك، فهو جارك في الصف فانظر من تجاور، وإذا رزقت يا طالب الجامعة بزميل صالح ذي دين يسكن معك فإنها النعمة الكبرى، وبمسجد قريب تصلي فيه الصلوات الخمس، إن تلك هبة ربانية تستحق الشكر لله ، ولذلك لا بد أن نتوجه لقضية الرفقة، والجو الذي سيعيش فيه الأولاد والطلاب.

اللهم إنا نسألك أن تهيئ لنا من أمرنا رشداً، اللهم اجعل عيشتنا عيشة حميدة، واجعل ميتتنا شهادة في سبيلك يا رب العالمين، نسألك البر والتقوى، والتمسك بالعروة الوثقى، آمنا في أوطاننا وسائر المسلمين يا رب العالمين، واجعل بلدنا هذا آمنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وعلم أولادنا ما ينفعهم، وانفعهم بما علمتهم إنك أنت العليم الحكيم، 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.