الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
خطر إشاعة الفاحشة
فيا عباد الله: إذا كانت أعراض المسلمين في خطر، إذا كانت الفاحشة تشيع في الذين آمنوا، إذا كانت التقنية الحديثة تُستعمل لمعصية الله، إذا كانت روائح الفضائح تزكم الأنوف، إذا هُتكت الأعراض، وعمت البلايا، واخترقت الحرمات، فمن هو المسئول؟ وماذا نفعل في هذا الحال؟.
نشكو إلى الله تعالى ظلم الظالمين، قال الله : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَسورة النور:19، أن تشيع: تظهر وتنتشر، يحبون ذلك، ويعملون له، ويختارون ويقصدون، ظهور القبيح، ظهور الفاحشة، يحبون أن يذيع الزنا في المجتمع كما قال قتادة رحمه الله: أن يظهر الزنا، وفعل القبيح، ومن أعان على نشرها فهو كالذي يقود النساء والصبيان إلى الفاحشة، وكذلك كل صاحب صنعة تعين على ذلك.
عباد الله: إن الله يغار، وغيرة الله أن تنتهك حرماته، يحبون أن تشيع منه ما يكون بالقول، ومنه ما يكون بالفعل، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأما ما يكون من الفعل بالجوارح، فكل عمل يتضمن محبة أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا داخل في هذا، بل يكون عذابه أشد، فإن الله قد توعد بالعذاب على مجرد محبة أن تشيع الفاحشة، فكيف بالذي يعمل على ذلك؟ فإذا كان الذي يحب فقط أن تشيع له عذاب أليم في الدنيا وفي الآخرة، وليس فقط في الآخرة، فكيف إذا اقترن بالمحبة أقوال وأفعال لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا؟ حشر الله امرأة لوط مع قومها في العذاب؛ لأنها رضيت بفعلهم.
عباد الله: إن هذه من صفات المنافقين، ولماذا نهى العلماء عن الشعر الفاضح والغزل الذي فيه التشبيب بالنساء، ووصفهن؛ لأنه يثير الغرائز، ولأنه يدعو إلى إشاعة الفاحشة، ماذا لهم؟ عذاب أليم موجع في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، الله يعلم؛ ولذلك شرع الأحكام، الله يعلم المفسد من المصلح، الله يعلم شدة العذاب، وأنتم لا تتخيلونه، ولا تقدرون أن تتصوروا عذاب الله في الآخرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌسورة النور:21، لا لطرق الشيطان، لا لخطوات الشيطان التي يدخل فيها العباد في المعاصي.
زمن إشاعة الفاحشة
عباد الله: نحن في زمن إشاعة الفاحشة، تجارة الجنس في العالم تقدر بسبع وخمسين بليون دولار في العام الماضي، منها أربعة ونصف بليون دولار لتجارة الجنس عبر الهاتف، وأربعة بلايين عبر الإنترنت وأقراص الحاسوب، اثنا عشر في المائة من إجمالي مواقع الشبكة لتجارة الجنس ونشره، ثلاثمائة واثنان وسبعون مليون صفحة، وتحمل حركة البريد الإلكتروني يومياً قرابة اثنين بليون ونصف رسالة تتضمن مواضيع وإعلانات جنسية لإثارة الشهوات، ونشر الفاحشة، خمس وعشرون في المائة من إجمالي عدد طلبات مستخدمي الشبكة في محركات البحث في موضوعات في الفاحشة والحرام والجنس، وأكثر من مائة ألف صفحة إنترنت توفر صوراً فاضحة للأطفال.
وهكذا جاءت جوالات الباندا وغيرها لتعلن انضمامها إلى مسلسل القذارة في نشر هذه الفواحش، صور ثابتة، وأخرى متحركة، وأنواع التصوير من الكاميرات الثابتة، وتصوير الفيديو، والتصوير التلفزيوني، وعندما كانت كاميرا الجوال تنقل خمسة عشر ثانية فقط في التصوير ظهرت البرامج التي يصور بها الآن ثلاث ساعات، وتقنية البلوتوث التي ترسل مقاطع الفيديو والصور لأشخاص في محيط هذا الجوال بعشرات الأمتار، وستمتد المسافة بتقدم هذه التقنية ليكون كل من في محيط جوال من هذه الجوالات يلتقط هذه اللقطات المختلفة.
وتقول الأخبار: أنتجت كوداك طابعة تعمل بتقنية البلوتوث لدى معظم أجهزة الجوالات الحديثة بالتعاون مع شركة نوكيا ليصبح بالإمكان تحقيق الاتصال بين الطابعة وأي جوال لديه هذه التقنية ليستفيد -بزعمهم- أصحاب أجهزة الجوال ذات الكاميرا المدمجة، وظهرت لهم مواقع تشجع على الإبداع -بزعمهم- في مجال التصوير، وتمكن صاحب الجوال من حفظ ألبوم الكتروني من الصور الفوتغرافية.
انتشار عجيب لهذه التقنية التي ظهرت في عام ألفين وواحد، ثم انتشرت في العالم انتشاراً عجيباً.
إن المبيعات تزداد، وفي عام ألفان وثمانية يتوقع أن يكون نصف الجوالات في العالم في الكرة الأرضية مزود بهذه الكاميرات، وربما قبل ذلك، وبعض الشركات لن تنتج أيضاً في موديلاتها الجديدة جوالات بغير كاميرا، تسعين مليون هاتف محمول من هذا النوع في أمريكا الشمالية وحدها، وستون في المائة من جوالات اليابانيين مزودة بالكاميرا، وماذا لدينا نحن؟ ربما نسبة أكبر من هذا، فإننا نتسارع ونسارع -بزعمنا- إلى اقتناء التقنية في أحدث صورها؛ تباهياً واختيالاً وتظاهراً، وهذه المظهرية التي ذبحت الكثيرين.
عباد الله: إن التقنية نعمة لكنهم يجعلونها نقمة، إنها تحول إلى وسيلة اليوم لنشر الفاحشة والفضيحة في الذين آمنوا.
وطلعت الأخبار، وتناقلت المواقع، وعمت الصحف، وساحات الحوار تلك الأحداث الأليمة التي تحدث لبنات المسلمين في بلدان المسلمين: " لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، قالت زينب رضي الله عنها: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم، إذا كثر الخبث" [رواه البخاري (3346)، ومسلم (2880)] أنهلك وفينا الصالحون؟! نعم، إذا كثر الخبث، فسروه بالزنا وبالفسوق والفجور، وهكذا أين إقامة دين الله، والغيرة على حرمات الله يا عباد الله؟ إن القضية خطيرة جداً، وإن سفينة المجتمع ستغرق إذا لم نقم لله بالحجة، إذا لم يقم بما أمَرَنا به.
حكم التصوير في الإسلام
عباد الله: لماذا التساهل في التصوير أيضاً؟ وماذا قال العلماء في التصوير؟ إن الذي يتمعن في كلام العلماء في التصوير ليجد حكماً عجيبة، كلما تقدم الوقت تدل الأحداث على أن هذا الحكم جدير بالعناية، والاهتمام، والحرص، إن هذا التصوير، هذا التشكيل، جعل الهيئة، الإتيان به على صفة معينة، هذه السمة والعلامة، هذه الصورة، سواء كانت مرسومة، أو مطبوعة، أو منقوشة، منحوتة، نافرة، أو مستوية، سواء كانت بكاميرا عادية، أو فيديوية، أو ديجتالية، أو تلفزيونية، ونحو ذلك، كانت مرسومة، أو بالآلة، كلها صور وتصوير في الحقيقة، وماذا ستقول عنها غير التصوير؟
عباد الله: إنها كارثة عظمى كبيرة عندما ينتشر، بحاجة وبغير حاجة، إن النبي ﷺ قال: إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم[رواه البخاري (5951)، ومسلم (2108)]، وقال: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون متفق عليه [رواه البخاري (5950)، ومسلم (2109)]، وقد لعن النبي ﷺ المصورين[رواه البخاري (5347)]، وقال: كل مصور في النار[رواه مسلم (2110)]، وكذلك فإن العلماء قد بين كثير منهم أن ذلك يشمل جميع أنواع الصور إلا ما كان لضرورة، أو حاجة.
إن التصوير لغرض التعليم في الحالات الطبية وغيرها، أو لأجل الإثباتات في الأمور الأمنية وغيرها، أو لأجل التصوير على التدريبات العسكرية، والتقاط ما ينفع المسلمين من صور الأعداء ونحوها، وغير ذلك من أنواع التصوير للحاجة، أو للضرورة كتتبع المجرمين ونحوهم، إن هذا التصوير للحاجة، أو للضرورة قد بين العلماء جوازه.
لكن الآن يتم التصوير لحاجة ولغير حاجة، وتنتشر الصور، وتنقل الصور، وعلى من تعرض الصور، يا عباد الله؟! صور نسائنا وبناتنا، وصور الجنس والخلاعة، وأثر هذه القنوات والمجلات واضح، وفعل الصورة في النفوس واضح، إنها ليست صوراً تنقل جراحاتنا ومآسينا لنستعملها في الجهاد الإعلامي، ولكنها صور تنقل عوراتنا، إنها صور تنقل أجساد نسائنا.
عباد الله: وكم فعلت هذه الصور من الأفاعيل في الأسر، وكم افتري بها على المظلومين والمظلومات، وحصلت بها أنواع الفتن والويلات، حتى الداعيات إلى الله لم يسلمن من ذلك، فتلتقط صورهن في محاضرات النساء لتركب في الشبكة، وتؤخذ هذه الصور أيضاً من قبل الذين يصطادون البنات في هذه الصور للفتيات في الأعراس ليبتزوهن بها بعد ذلك، وهذه أخت تتألم من أنها فوجئت بقيام من صورها أثناء قيامها بالوضوء في المدرسة، وأخرى فوجئت بطلاق زوجها، فإذا هي مكيدة مدبرة نتيجة صورة التقطت بكاميرا الهاتف المحمول، خمسة وخمسون كاميرا جوال تم ضبطها في ليلة زفاف واحدة.
النظر المحرم
عباد الله: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب شديد، ثم بعد ذلك عندما تلتقط وتنشر، فهل يجوز النظر إليها؟ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَسورة النور:30، يغضوا من أبصارهم عن النظر إلى العورات، والنساء الأجنبيات، وكل من لا يجوز النظر إليه، ويحفظ فروجهم عن الحرام، يا علي، لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى أي: نظرة الفجاءة، وليست لك الآخرة[رواه الترمذي (2777)].
عباد الله: حتى النساء لا يجوز لهن النظر إلى الرجال نظر الفتنة؛ ولذلك فإن العلماء قد بينوا من أحكام النظر ما هو مهم جداً في هذا الباب، فيقولون: إن الصورة التي لا يجوز التقاطها لا يجوز النظر إليها، ويقولون أيضاً: إن الصور التي تعلق حرمتها أشد من الموضوعة في مكان خفي، وإن الصور على الملابس من ذوات الأرواح محرمة كذلك بدليل: أن النبي ﷺ لما رأى في بيت عائشة ستاراً فيه تصاوير لم يدخل، وقام على الباب، وعرفت الكراهية في وجهه، حتى قالت عائشة: "يا رسول الله، أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ فقال: ما بال هذه النمرقة؟قلت: اشتريتها لك، قال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وقال: إن البيت الذي فيه صور لا تدخله الملائكة[رواه البخاري (2105)، ومسلم (2107)].
عباد الله: إننا نجد اليوم أن من النساء من فتنت بالنظر إلى صور الرجال؛ ولذلك فإنها إذا كانت تنظر نظراً يفتن فلا يجوز لها ذلك، وأما الرجل فأمره واضح في هذه القضية.
عباد الله: إن التوسع في التصوير قد أدى بنا إلى مآس أليمة، وكذلك فإن على المؤمن أن يطهر نفسه، وأن يحصن فرجه.
عباد الله: إن قضية نشر صور النساء التي تحدث الآن، وتبادلها في الجوالات واضح التحريم، ولعلك -يا عبد الله- تتمعن في هذا الحديث، قال ﷺ فيما رواه البخاري: لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها[رواه البخاري (5240)] ما معنى: فتنعتها لزوجهاأي: تصفها لزوجها في بدنها ونعومته، وجسدها أو ليونته، وما فيها من أنواع الجمال كصفة الوجه والكفين، ونحو ذلك، كأنه ينظر إليها الوصف الدقيق، فما بالكم إذا كانت صورة تنقله بدقته، وتأخذه بتمامه، فأيهما أولى بالتحريم؟ إذا كان قال: لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها، وهو متزوج! عنده امرأة! لا تنعتها كأنه ينظر إليها، فما بالكم بالصورة التي تغني عن الوصف تماماً، وتزيد عليه، أيهما أولى بالتحريم؟!
إذًا: تناقل صور النساء -ولو كانت عما يسمى بالفضائح أو غيرها- أمور محرمة لا تجوز.
اللهم إنا نبرأ إليك مما فعل السفهاء منا، ونعوذ بك من هذا الباطل والفحشاء، ونجأر إليك أن تطهر قلوبنا وبيوتنا ومجتمعاتنا من الرذائل والفواحش يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على كل حال، أشهد أن لا إله إلا الله، وأصلي على محمد والآل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ما ترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً إلا حذرنا منه.
خطورة كاميرا الجوال
هذه الشرور قد حذرنا منها محمد بن عبد الله ﷺ في هذه الشريعة التي بينت حكم الصور، والأمر بغض البصر، التي بينت تحريم الفحشاء وكل طريق يوصل إليها، التي أمرت بالستر والحجاب والعفاف، التي جاءت لتطهير المجتمع: وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًاسورة النساء:27.
عباد الله: إن هذه المخاطر العظيمة التي صارت اليوم في هذا الجوال ذي الكاميرا وغيره عندما تلتقط الصور، وتخزن الصور، وترسل الصور، وتعرض الصور، بوسائط عجيبة وتقنية رهيبة، إنه تخزين بكميات هائلة، وسرعة في النشر والإرسال، وأساليب جذابة في العرض لكي يجملها في الأعين، ثم يتلقف هذه التقنية من الفسقة والفاسقات ما يريدون به إشاعة الفاحشة بيننا، وتبتز النساء، تصور النساء في الأعراس والحفلات، والمدارس والكليات، وتركب على صور خليعة من الشبكة، ثم يحدث الابتزاز، وإرادة هدم البيوت، وهذه انتحرت، وهذه أصيبت بمرض مستمر، وتلك اعتزلت في بيتها ستة أشهر، وأخرى طلقها زوجها، وبعضهن بريئات، وبعضهن ظالمات مفتريات، فالبريئة من الذي يصدق براءتها، وأن هذه مركبة، وأنها التقطت بغير علمها، ونحو ذلك، تخرب البيوت وتعطل النساء عن الزواج، وتحصل الفضائح في المجتمع.
يقوم شباب مسعورون من الذين يريدون أن تشيع الفاحشة بالتصوير والنقل والفضح دون مراعاة لحرمات الله، إنهم ينتهكون حدود الله، وقد قال ﷺ: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها[رواه البيهقي في السنن الكبرى (20217)].
لقد كان ﷺ يبطش، متى كان يبطش؟ ما انتقم لنفسه قط إنما كان ينتقم عندما تنتهك حرمة الله، لقد أمر بإخراج من كان يصف النساء من البيوت، وحذر من الدخول قال: لا يدخلن هذا عليكن[رواه البخاري (5235)، ومسلم (2181)]، فحجبه مع أنه مريض ليس فيه شهوة النساء أصلاً، لكن لأنه صار يلتفت إلى معالم الجمال في المرأة، وينقل ذلك الوصف، وتأتي الفتاة الخبيثة الموكلة بأخذ الصور لتجلس بين المدعوات وقد امتلأ قلبها حقداً على هذه العائلة المحترمة بيدها الجوال لتصور وتنقل للعروس وغيرها من النساء الحاضرات، وتُنقل الصور، وتوزع في الاسطوانات، وفي مواقع الإنترنت، ليفاجأ هذا بصورة زوجته قد أُخذت خلسة، والآخر بصورة زوجته، أو ابنته، أو أخته، ونساء أهل بيته، أسفرت القضية عن قطيع للأرحام، أسفرت القضية عن ترك بعض المخلصين لحضور الزواجات، وفعلاً إنه قرار صائب عندما لا تكون هناك الاحتياطات، فأعرب العدد من الرجال عن اتفاقهم مع نسائهم على عدم حضور حفلات الزفاف مع أنها لأقارب خشية هذه القضية.
وكذلك صارت هناك الحاجة حقيقة للاحتياطات الكثيرة، إذا كان الكفار يحتاطون، هم يقولون: مخاوف لدينا في مراكز اللياقة البدنية من لوس أنجلس إلى تورانتو من قضية الهاتف المحمول، وامتد المخاوف إلى الشركات التي تخشى عملية التجسس الصناعي، ومنعت شركة تويوتا ضيوفها وزائرها من حمل الهواتف ذات الكاميرات، وكذلك اشترطت حكومة كوريا الجنوبية على الشركات أن يصدر الجهاز المزود بكاميرا صوتاً عالياً عند التقاط أي صورة، فإذا كان البوذيون عندهم شيء اسمه الاحتياط، والعمل على منع ما ينتهك الخصوصية، نحن عندنا قضية أعلى من الخصوصية؛ لأن خصوصيتنا في هذه الشريعة، في هذه الأحكام، في هذا الدين، في الأمانة التي حُمِّلناها.
إن هذا الأمر الذي يخشون منه لأجل السرقات الرقمية، نحن عندنا أغلى من الأشياء العلمية، والمعلومات، والمستندات التي يخشون تصويرها، عندنا أعراضنا، إنها أثمن من ذلك، عندما تقوم جمعية حاملي أجهزة الاتصالات والنشر اليابانية بتوزيع ثلاثمائة ألف ملصق في مكتبات البلاد تحذر من القيام بالسرقات الرقمية، فإن عندنا ما يدعونا إلى ما يدعو إلى أكثر من ذلك بكثير؛ لأنه أثمن، وأشد حرمة من تلك الأشياء العلمية، وإذا كان يساورهم القلق في برك السباحة، وأندية اللياقة، وغرف تبديل الملابس، فعندنا القضية شرعية دينية، مرتبطة برب العالمين، وبكتابه وبنبيه وبدينه، مرتبطة بالفضيلة، مرتبطة بشرف المسلم.
يا عباد الله: مطاعم تمنع دخول جوالات لمنع الإزعاج، مطاعم راقية في باريس، ومساجدنا تنتهك حرماتها بالجوالات الموسيقية، عباد الله، صارت القضية إذن الآن بحاجة إلى حارسات عند أبواب المدارس والكليات، والصالات والاستراحات، وتفتيش المدارس، إن القضية حتى في الحرم.
إن مسألة التصوير الذي يقوم به هؤلاء شيء عجيب، إن إنساناً في الصلاة لما رن جواله وأخرجه رأى الذي بجانبه صورة نانسي مجرم على الشاشة داخل المسجد، يضعون صور الفنانات، وذوات الفسق والفجور لتظهر، إن ولاءه لهذه المجرمة، وذلك الفاسق، وتلك الداعرة، وهذا الخبيث، ولاء شبابنا -كثير من هؤلاء المراهقين والمراهقات-، لماذا توضع هذه الصور المحرمة؟ لماذا توضع في واجهات الجوالات؟ ومشرف يأخذ جوالاً من طالب متهم بالتصوير ليرى فيه الويلات من الصور الفاضحات، وهذا يسرق، يخطف جوال سائق سيارة من يده، ويهرب، فيتصل سائق السيارة على الحرامي، ويقول: عيب عليك، صور بناتي في الجوال، قال: تستاهل.
عباد الله: المسألة الآن في هؤلاء المتساهلين في التصوير، الذين يحتفظون بصور بناتهم، وزوجاتهم، وأخواتهم لتنقل بعد ذلك، وتختلس، وتنسخ، وترسل، ثم الفساد الذي انتشر بسبب هذا، شيء لا يعلمه إلا الله، القضية خطيرة، ووصلت إلى المجاهرة، فبعضهم يفعل الفاحشة، ويصور، وينشر الصور: كل أمتي معافى إلا المجاهرين[رواه البخاري (6069)، ومسلم (2990)]، إلا المجاهرون كما في رواية أخرى [مجمع الزوائد للهيثمي (17475)]، بلية عمت، وفضائح طمَّت، ثم بعد ذلك تنتقل الصور لكي تظهر أن المجتمع كله هكذا، مع أن المجتمع فيه أخيار كثر، وأفاضل كثر، وأطهار كثر، لكن هكذا يعمم أن المجتمع كله هكذا، ليقال للذي ليس بفاسد: لا مناص من الفساد، محاولة إجبار الجميع على أن يكونوا هكذا.
ثم عندما نسمع بأن هناك من خرجت عمداً مع شباب، أو شاب، وتم التصوير، فإننا نقول: يا عباد الله، قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًاسورة التحريم:6،كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته[رواه البخاري (893)، ومسلم (1829)]، فتيات في عمر الزهور يخرجن بما حباهن الله به، يُشاهَدْن في الليل من شارع إلى آخر، وعلى متن الطائرات، وفي المطارات من بلد إلى آخر، قد تزينَّ بالملبوسات الشفافة، والعطورات الجذابة التي تريد أن تقول للشباب من أول وهلة مرحبة: أين أنت؟ تعال، اتبعني، وهلمَّ، والخطوات، والالتفاتات، والحركات تدعو، ورمش العين، والإشارات، خروج الفتيات، خروج البنات، والجوالات مع السائقين، ويريدون الآن سائقات، وعبارات الإعجاب بعربون الصداقة، والورقة، والإشارة، والبلوتوث الذي صار يغني عن الأوراق، ثم يقول بعض الناس: نثق في البنات، بناتي أثق بهنَّ، تنصحه: يا أخي، بناتك يخرجن -أنت جاري- بمنظر لا يرضاه الله، قال: أنا واثق، واثق من ماذا؟ واثق من عقوبة الله التي ستنزل عليك لتساهلك، واثق بماذا؟! أين الآباء؟! أين الإخوة؟! أين العقلاء؟! أين هؤلاء الرجال؟! أين الرجولة؟! ما معنى الرجولة؟!
الغيرة يا أهل الغيرة
يا عباد الله: كاميرات جوالات، ورسيفارات، ودشات، وفتيات، هكذا يخرجن متبرجات، أين الغيرة؟! الغيرة الحمية والغضب لمحارم الله، الغيرة تغير القلب وهيجانه أَنَفة وحمية لله، لا أحد أغير من الله؛ ولذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله، يغار إذا رأى الناس يعصون الله، ويغار على بناته وحرماته هو.
لما أرادوا الدخول على عثمان لقتله، وأحاط به أعداؤه، جاءت امرأته نائلة، ونشرت شعرها أرادت أن تستره لتحميه، قال: خذي خمارك، فلعمري لدخولهم علي -يعني لقتلي- أهون علي من حرمة شعرك.
وعلي بن أبي طالب لما رأى شيئاً من الاختلاط في السوق، قال للناس: ألا تستحون؟ ألا تغارون أن يخرج نساؤكم؟ فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن الرجال والعلوج.
كان فتى على عهد النبي ﷺ حديث عهد بعرس يستأذن النبي ﷺأثناء حفر الخندق في وسط النهار ليذهب إلى امرأته، ثم يرجع إلى الحفر، فوجدها واقفة بين البابين لما ذهب إليها، فأهوى إليها بالرمح مباشرة ليطعنها به، أصابته الغيرة على امرأته، قالت: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت لتنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا هو بحية عظيمة منطوية على فراشه.. الحديث، هذا الذي تعلق قلبه بامرأته، وليطمئن إليها، ليس عنده مانع أن يخترقها برمح؛ لأنه رآها بين البابين، فما بالكم الآن أين كثير من الفتيات في هذه المجمعات التجارية؟! بين البابين؟!
عباد الله: حتى بعض الكفرة الذين عندهم شيء من سلامة الفطرة عندهم غيرة، فما بال أهل الإسلام؟ نحن لا نوافق على فعل بعض الكوبيين الذين تم الإبلاغ في بلادهم عن اثني عشر هجوماً بحمض الكبريتيك على بعض الأجساد التي تعرت في الشارع غيرة، لكن عندنا غيرة إيمانية أقوى من هذا يا عباد الله، ونرى الطرق الشرعية من النصيحة، والموعظة، وإنكار المنكر، والقيام لله بالحجة.
الله يغار، والأنبياء يغارون، والمؤمنون يغارون، ومن عنده شهامة وغيرة يغار، بل حتى ذكور الماعز تغار، والديكة والإبل والقرود يغارون، فلو جعلت اثنين من الديكة بين الدجاج لرأيت قتالاً شنيعاً تدمي منه الريش، فكيف بالحال بين البشر؟
يا عباد الله: البخاري روى في صحيحه حديثاً عجيباً يبين حتى الغيرة بين القرود عندما روى عمرو بن ميمون الأودي -والحديث في صحيح البخاري-: عن قرد جاء بقردة فاضطجع، ثم مد يده لها، فاضطجعت بجانبه، فلما نام انسلت، وجاء قرد آخر، فذهب معها -إذن الأول الزوج والثاني هو الغريب- ثم شعر زوجها؛ فانتفض وأزعجه، ثم صارت المطاردة، واجتمعت القردة، فتجمعت، وقاموا برجمها، قال عمرو بن ميمون الأودي من كبار التابعين من تلاميذ عبد الله بن مسعود الثقة الصادقة يقول: "فرجمتها معهم"[رواه البخاري (3849)]، والحادثة وقعت في اليمن.
إذا كان هذا القرد عنده غيرة، فما بال أهل الإيمان؟ أين ذهبت غيرتك عندما تأمر المرأة امرأتك أن تصافح الأقارب من الرجال، وأن تجلس مع الرجال سواء كانوا من إخوانك أو لا، وهي كاشفة ينظر إليها هذا وهذا، ثم يدلي هذا بنظارته لينظر إليها ضحكة من نكتة فلان أم لا؟ لماذا تجعلها أصلاً في مجلس الاختلاط؟ يا عباد الله، هؤلاء الذين يرضون لنسائهم أن يخرجن بالعباءات المزخرفة المزينة المطيبة، هؤلاء أين الغيرة؟ هل يريدون أن يجعلوا من نسائهم لوحات فنية ينظر إليها الغادي والرائح، يستمتع بمظهرها غيرك؟ أين ذهبت الغيرة من الرجال الذين يسافرون بنسائهم إلى خارج البلاد، إلى أماكن السفور والتعري والتبرج؟ أين الغيرة عند الذين يتركون بناتهم يسافرن إلى بلاد بعيدة من أجل الدراسة والتعليم -كما يقال- لا محرم، ولا حسيب، ولا رقيب؟ أين الغيرة من الذين يتركون بناتهم وأخواتهم يسافرن المسافات الطويلة بلا محرم؟ أين الغيرة من أولئك الرجال الذين تتكلم نساؤهم مع اللاعبين والمطربين والفنانين على القنوات الفضائية أمام الله وخلقه لإبداء الإعجاب بالفنان والمطرب، والمشاركة في برامج الواقع، والتصويت بالصوت المباشر لملكات الجمال، وما يسمى بهذا من القبح والخلاعة؟ أين الغيرة ممن يسمح لامرأته أن تداخل مداخلة على الهواء مباشرة، وتكلم المذيع؛ لأجل ساقط من الساقطين؟
والذي يأخذها إلى السوق متبرجة، عباءة مخصرة ضيقة جداً، وغطاء شفاف، وعندما يناصحه ناصح، يقول: أنا ما وضعتها لك الذي يريد ينظر ينظر، رجل يجيء مع أخته في غاية التبرج بهذه الأصباغ، وعندما ينكر عليه يقال: يا أخي لا تنظر أنت، لماذا تنظرون، الوقح الذي جاء بها الآن، ثم ينكر على غيره النظر.
أعرابي من الأعراب في القديم لما رأى رجلاً ينظر إلى زوجته، ويقلب نظره فيها طلقها، ونحن لا نقول طلقها؛ لأنه لا ذنب لها، لكن الأعرابي طلقها، ولما عوتب في ذلك قال:
وأترك حبها من غير بغض | ولكن كثرة الشركاء فيه |
إذا وقع الذباب على طعام | رفعت يدي ونفسي تشتهيه |
وتجتنب الأسود ورود ماء | إذا رأت الكلاب ولغن فيه |
يؤتى إلى أب يقال له: هناك فتاتان تمشيان تعاكسان في المنتزه، يقول: أنا قلت لهم لا تروحوا بعيد.
عباد الله: عندما نسمع هذا التساهل الفاضح، وقلة الغيرة، عندما نسمع اللامبالاة، والله القلب يحترق، ثم بعد ذلك يقال: كيف ضبطت فلانة مع فلان في استراحة؟ كيف ظهرت صورة فلانة مع فلان في كاميرا، في الجوالات، في المواقع؟
مررت على المروءة وهي تبكي | فقلت لها: لم تبكي الفتاة |
فقالت: كيف لا أبكي وأهلي | جميعاً دون خلق الله ماتوا |
عباد الله: مشية الرجل مطأطئ الرأس، وامرأته بغاية التبرج، وعندما ينكر عليه يقول: أنا كلمتها يا شيخ، كلمها أنت، ما هذا الضعف؟ ما هذا الخور؟ أين الرجولة عندما يترك الرجل زوجته تعرض لون الجلد على الصائغ، وعلى غيره من صاحب الإكسسوارات والملابس ليختار اللون المناسب لبشرتها.
مشية الرجل مطأطئ الرأس، وامرأته بغاية التبرج، وعندما ينكر عليه يقول: أنا كلمتها يا شيخ، كلمها أنت، ما هذا الضعف؟ ما هذا الخور؟ أين الرجولة عندما يترك الرجل زوجته تعرض لون الجلد على الصائغ، وعلى غيره من صاحب الإكسسوارات والملابس ليختار اللون المناسب لبشرتها.
إذا كان زوج وزوجة في العصر العباسي لما تقدما للشكاية طالبته بخمسمائة دينار من صداقها، فأنكر الزوج، فجاءت الشهود، فطلب القاضي من المرأة أن تكشف وجهها للشهود؛ ليعرفوا أنها فلانة، فقال: أعطيها المهر كله؛ لأنه غار أن تكشف المرأة للشهود في مجلس القضاء، في شيء يجوز النظر إليه، في حال الاضطرار، لماذا يحدث هذا؟
كثرة الذنوب والمعاصي، قال ابن القيم: من عواقب المعاصي أن تطفئ في القلب نار الغيرة، لماذا يحدث هذا؟ انسياق وراء العواطف، فإذا عرف، وقيل له ورأى من بعض أهل بيته ما لا يرضاه الشرع لان، والتمس الأعذار، والتمس المخارج، وغض الطرف، لماذا قلة الغيرة، وانتشار المنكرات؟ سوء التربية، يتربى الصغير وينشأ وهو يرى أمه تخرج بلا ضوابط شرعية، وأبوه لا يغير! وأخته تفعل ما شاءت، وأبوه لا يمنع! وتأثر بحياة الغرب، ونقدم اليوم سيدات المجتمع اللاتي يقلن: نحن من المهتمات بالسفر والتنقل من بلد لآخر للتعرف على الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم، والبرامج ما قصِّرت، والقنوات الفضائحية، ومناظر العري، ودعاة الفتنة، وأعداء الفضيلة، إلى من نشكو؟ إلى من نلجأ؟ والله لا ملجأ إلا إلى الله، هذا دين، وهذه أعراضنا!
اللهم إنا نسألك أن تردنا إلى الحق رداً جميلاً، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم إنا نسألك أن تطهر قلوبنا، وأن تحصن فروجنا، اللهم إنا نسألك التقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك أن تحارب من حارب الفضيلة، اللهم كف أيديهم، وشرد بهم، واقطع دابرهم، وأخرس ألسنتهم، وشل أيديهم، الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في عبادك يا رب العالمين.
اللهم نسألك الأمن والإيمان لبلادنا وبلاد المسلمين، من أراد بلدنا هذا بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان، والسلامة والثبات على الإسلام يا رحيم يا رحمن.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.