الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد.
أحوال الدنيا
فقد قال --: هو الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًاالملك:2 يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِالإنشقاق :6، لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍالبلد: 4 الدنيا دار امتحان، يمتحن الله فيها العباد؛ لينظر كيف يعملون، وهو عالم بما سيعملونه قبل أن يخلقهم، وخلقهم تعالى في كبد، في تعب ومشقة، لا يزال الواحد يقاسي فنون الشدائد من وقت نفخ الروح فيه وحتى تخرج منه، وهو يكدح في هذه الحياة كدحًا فملاقيه يوم القيامة، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، يتقلب المرء بين ثنايا الأفراح والأحزان، واليسر والعسر، وهكذا الدنيا موسومة بالنصب، فخيرها موصول بشرها، وأفراحها ممزوجة بأتراحها، والإنسان فيها مخلوق يجري على تصاريف قدر الله تعالى ابتلاء وامتحانًا.
ولا يمكن مضادة قدر الله، فلا يسترد ماضيًا، ولا يمنع آتيًا، وفي تقلب الأيام عبر وعظات، ومن كان يطلب الدنيا فلا أدنى منه، فإن الدنيا دنية، ومن كان يطلب الآخرة فإن خيره عظيم، ولكن أكثر الناس طلاب دنيا، وهي دنية، تغلي بهم وتفور، دنية وأدنى منها من يطلبها، وأخس منها من يخطبها، ولذلك فإن في النار عقوبات، وفي الجنة مكافآت.
والله لو شاهدت هاتيك الصدور | رأيتها كمراجل النيران |
ووقودها الشهوات والحسرات والآ | لام لا تخبو مدى الأزمان |
أرواحهم -أهل النار-
أرواحهم في وحشة وجسومهم | في كدحها لا في رضَ الرحمن |
هؤلاء مشغولون في الدنيا،
ما سعيهم إلا لطيب العيش في | الدنيا ولو أفضى إلى النيران |
هربوا من الرق الذي خلقوا له | فبلوا برق النفس والشيطان |
لا ترض ما اختاروه هم لنفوسهم | فقد ارتضوا بالذل والحرمان |
لو ساوت الدنيا جناح بعوضة | لم يسق منها الرب ذا الكفران |
لكنها والله أحقر عنده من | ذا الجناح القاصر الطيران |
طبعت على كدر فكيف تنالها | صفوًا أهذا قط في الإمكان |
والله لو أن القلوب سليمة | لتقطعت أسفًا من الحرمان |
لكنها سكرى بحب حياتها الد | نيا وسوف تفيق بعد زمان |
بالله ما عذر امرئ هو مؤمن | حقًا بهذا ليس باليقظان |
عباد الله: إنها أيام تتصرم، وأفعال نقرب بها إلى قبورنا يومًا بعد يوم، إنها عجلة تدور.
طبعت على كدر وأنت تريدها | صفوًا من الأقذار والأكدار |
ومكلف الأيام ضد طباعها | متطلب في الماء جذوة نار |
وإذا رجوت المستحيل فإنما | تبني الرجاء على شفير هار |
فالعيش نوم والمنية يقظة | والمرء بينهما خيال سار |
هذه حال الدنيا فماذا فعلنا فيها؟ هذه حال الدنيا فماذا أعددنا لما بعدها؟ هذه حال الدنيا فكيف أبلينا في أيامها؟
حال الناس اليوم
عباد الله: إننا إذا نظرنا إلى حياتنا اليوم وجدنا مشكلات كثيرة، وقضايا معقدة، وظلم منتشر، واعتداءات ظاهرة، إن شرع الغاب الذي يسيطر على دولها اليوم، يسيطر كذلك على أفرادها، تصورات خاطئة، وتخلي عن المحتاجين، وظلم للزوجات والبنات، وقطيعة للأرحام، ونكث للعهود، وظلم للأجراء، ونقض للعقود، وتضييع للأمانات، قال النبي ﷺ: يوشك أن يأتي زمان يغربل فيه الناس غربلة وتبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فكانوا هكذا وشبك بين أصابعه، قالوا: كيف بنا يا رسول الله؟ قال: تأخذون ما تعرفون يعني من الدين والحق وتدعون ما تنكرون وتقبلون على أمر خاصتكم أهل الدين أهل العلم قلة أقبلوا عليهم وتقبلون على أمر خاصتكم وتذرون أمر عامتكم[أبوداود:4342] لأن الأكثر ليسوا على الحق، فاتبعوا الأقل الذين على الحق، ومتى كان الحق يعرف بالأكثرية ؟ إنه مبدأ ضلال من الغرب مأخوذ، والحق ما وافق الكتاب والسنة، وإن كنت وحدك، ناس مرجت عهودهم، خفت أماناتهم، لا يكاد يوجد من يقوم بحق الله إلا من رحم الله.
صور من الظلم الأسري
- هذا أهل السوء وقرناء الشر أشغلوه بالملذات، ينفق راتبه على السفريات والمحرمات، الراتب ينتهي قبل نهاية الشهر بمدة طويلة، رمى المرأة وأولادها، لا يأتي إلى البيت إلا نادرًا، الأولاد فيهم مرضى ومعوقون وضعفة يحتاجون إلى مصاريف، وهو متغيب، الإيجار طاف عليه تسعة أشهر وصاحب البيت يشتكي، ويطرق الباب على الضعيفة المغلوبة وحدها في البيت، وأهل الخير يعطون الزوجة بعض المساعدات، وذاك المجرم يأتي كل شهر يومًا يفتح شنطة زوجته، ويأخذ من مال الصدقات الذي أعطيه أولاده؛ ليذهب فينفقه في المحرمات، طلق امرأته.
- آخر تزوج بأخرى، عنده أولاد من الأولى، لعبت بينهم للتفرقة، وضعت سوء الظن، وقالت له: إن أولادك سيضعون لك سحرًا، ثم اتهمتهم بأنهم يريدون أن يضعوا له سمًا، طلق زوجته الأخرى، وهكذا لم يعد يأتيها، ولا يأتي أولادها.
- انتقلت المسكينة إلى بيت أختها المتزوجة الأخرى، لأنها ليس لها مأوى، ليس لها أهل يضمونها، وتجد حرجًا عظيمًا كيف تعيش في بيت وهي غريبة، وزوج أختها موجود، ويعيش بقية الأولاد الذين طردهم الأب ولم ينفق عليهم، أوزاعًا: مفرقين في البيوت هذا عند جدته، وهذا عند أخواله، وهذه عند أختها المتزوجة، ثم نقول: لماذا تنحرف البنات؟ لماذا يقبلن عروض الشباب؟
- وآخر طلق أمها، وعمرها شهرين، والآن البنت عمرها ثمان وعشرين سنة، لم تر أباها إلا مرة واحدة في زيارة عارضة، لا أنفق عليها، ولا سأل عنها، ويتقدم الخطاب وهو يردهم، وعلى أحسن الأحوال مهمل لا يقابلهم، ولو كان لهذه البنت أخ في هذه الحالة، فهل تراه إذا ذهب ليتزوج سيهتم بدعوة أبيه لحضور العرس، وهو الذي ضيعه؟ وكفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت[أبوداود:1692].
- وآخر طلق زوجته، ولا يسأل عن الأولاد، ثم أصيبت الأم بمرض، وماتت ولم يأتِ حتى للعزاء، وما جاء يسأل عن الأولاد، ماذا نملك له إذا نزع الله الرحمة من قلبه؟ فوجد أهل الزوجة أنهم أمام واجب اجتماعي لا يستطيعون التخلي عنه، إلى من سيتركون الأولاد؟ ألهذا الأب المضيع الذي طلق ولم يعد يسأل.
- وبيت آخر فيه بنات مستضعفات، وإخوان لهن من أهل السكر والعربدة، وتعاطي المخدرات، والإتيان بالمومسات، وهؤلاء البنات المستضعفات يغلقن على أنفسهن الأبواب بالليل، ولا يخرجن حتى إلى دورة المياه فإن الخروج معاملة تقتضي متابعة، ونظر بعد نظر من ثقب الباب، أو من أسفله؛ لأنهن لا يدرين هؤلاء العرابيد ماذا سيفعلون؟ وماذا يوجد في البيت؟ هل يوجد شلة سوء ومخدرات ستغير عليهن؟
- وآخر عنده بنتان وولد، وعمر الأب ثلاثون عامًا، يستعمل المخدرات منذ خمس سنين، ضاعت الوظيفة، ضاعت النفقة، تهدمت الأسرة، صبرت الأم، واحتسبت على أولادها، من أهلها، من تعبها، من عملها المتقطع، بالراتب القليل، حتى ماتت بحسرتها، لكن قبل أن تموت بحسرتها مات هو لتقوم تلك الوفية بتسديد ديونه، صاحب مخدرات مات، ترى أن عليها شيئًا من الواجب الاجتماعي، وليست مكلفة شرعًا لا بنفقته ولا بديونه، بل هو عليه دين لها، لأن النفقة إذا أعسر الزوج تبقى دينًا عليه، قامت تفي بديونه، بعد أن مات صاحب المخدرات، تجمع من المحسنين، ترى أنه يستحق مساعدة من قلبها الرحيم.
- قضايا سحر أخرى تعم في المجتمع، أولئك يذهبون لعمله وعقده، وهؤلاء يذهبون إلى السحرة لفكه وإزالته، وصار الناس نهبًا لمقاولة السحرة، فهذا يعقد، وهذا يفك، وبالآلاف أموال تهدر في الشر والشرك والسحر والكفر، ينصحون، فيقولون جربناه فنفع.
يا أيها الناس: سلامة العقيدة والدين أهم من سلامة البدن، أين التوكل على الله ؟ أين الرقية بالأذكار الشرعية؟ النبي ﷺ سحره بعض اليهود فأنزل الله المعوذات، ولم ينزل الذهاب إلى السحرة، بل أخبر أنهم يعلمون الناس الكفر، يتعلمون ما يفرقون به بين المرء وزوجه.
عباد الله: وهؤلاء السحرة يستغلون الأوضاع؛ ليقولون من أتاهم إن الذي عمل لكم السحر فلانة، أختكم، زوجة أخيكم، زوجة ابنكم، زوجة أبيكم لتقوم الحروب داخل الأسرة الواحدة، ويعمّ سوء الظنّ في البيت، ثم سباب وشتائم، وطرد من البيوت، وملاحقات، وظلم اجتماعي عظيم.
وعندما تكون الواحدة تعيش في بيت هكذا حاله بئس وشقاء وشتيمة وسباب، ثم يتصل عليها ذئب لئيم، ينساب كلامه عذبًا عبر الأسلاك ليدخل إلى ذلك الذهن الخالي من الإيمان، والقلب المريض المملوء بالظلم الذي وقع عليها، فلا غرابة أن تجيبه، وأن تخرج معه؛ ليقع المكروه، وتقوم المصيبة، ويفقد الشرف، وينتهك العرض، ويحمل بالحرام.
عباد الله: إن بخلًا يدور في بعض البيوت فتمسك النفقة، ويأخذ راتب الزوجة، ولا يعطيها شيئًا منه، ولا من راتبه.
- وآخر يفصل الكهرباء عن البيت، ويفرغ الثلاجة من الطعام؛ لتضطر إعطائه الراتب إذا امتنعت.
- وآخر يضيق عليها، ويكدر عيشها، حتى تسدد ما عليه من أقساط السيارة، وتشتري له جوالًا، وتدفع راتب الخادمة، وتشتري له أرضًا بالأقساط، وهكذا.
إن المرأة ترى غدرًا أن يأخذ مالها ليتزوج به عليها، والزواج حلال فكيف وهذا يأخذ مالها ظلمًا وعدوانًا؟ وقمار يلعب في أماكن مختلفة، وسوء خلق يردي، ما هذا -أيها الإخوة-؟
الشعور بالمسؤولية في معاملة الأسرة
إنه يا عباد الله الظلم بعينه، إنه الظلم والله، وعدم الخوف من الله الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ الملك:2 ما قال أيكم أسوأ عملًا وإنما قال: أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًاالملك:2،قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَالأنعام:162،أين الخوف من الله؟ أين التقوى؟ وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ الأعراف:26 .
إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى | تقلب عريانًا وإن كان كاسيًا |
وخير لباس المرء طاعة ربه | ولا خير فيمن كان لله عاصيًا |
دخل علي المقبرة، فقال: "يا أهل القبور ما الخبر عندكم؟ إن الخبر عندنا: أن أموالكم قد قسمت، وأن بيوتكم قد سكنت، وأن زوجاتكم قد زوجت، ثم بكى، ثم قال: والله لو استطاعوا أن يجيبوا لقالوا: إنا وجدنا أن خير الزاد التقوى".
أنت في دار شتات | فتأهب لشتاتك |
واجعل الدنيا كيوم | صمته عن شهواتك |
واجعل الفطر عند اللـ | ـه في يوم وفاتك |
لا خير في من لا يراقب ربه | عند الهوى، ويخافه إيمانًا |
حجب التقوى سبل الهوى فأخو | التقوى يخشى إذا وافى المعاد هواناً |
عباد الله: أين العدل الذي قامت به السموات والأرض؟ أين العدل في هذه المآسي الاجتماعية؟ أين الشعور بالمسؤولية؟ العدل الذي لما اختصم علي بن أبي طالب مع يهودي في درع عند ذلك اليهودي، والدرع لعلي، قال: أقاضيك يا أمير المؤمنين، فقام أمير المؤمنين يمشي مع اليهودي إلى القاضي، فقال اليهودي مجيبًا لعلي لما قال، الدرع درعي، قال اليهودي: هي بيدي، والأصل أن الشيء لمن هو بيده، فقال القاضي المسلم لعلي خليفة المسلمين: عندك شهود؟ قال: الحسن والحسين قال: لا تجوز شهادة الأبناء للأب، قال: سيدا شباب أهل الجنة! قال: أحكام الآخرة بخلاف أحكام الدنيا، فحكم القاضي بالدرع لليهودي، فلما خرج اليهودي، قال: يا أمير المؤمنين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، الدرع درعك، سقطت منك وأنت خارج إلى صفين،- أي المعركة – رأيتها، فاختلستها! هذا العدل الذي قامت به السموات والأرض، أين العدل اليوم؟ في هؤلاء الأزواج، وعند هؤلاء الآباء؟ وعند هؤلاء الإخوة والأخوات، أين التقوى، إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناًالأنفال:29أين الرقابة؟ أين الشعور بالمسؤولية؟ أين النفقة التي أمر الشرع بها؟ أين هي؟ لِيُنفِقْ هذا أمر ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًاالطلاق:7.
اللهم اجعلنا ممن يخافك ويتقيك، ويقف عند حدودك، يا رب العالمين، اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، أشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، فصلوات الله وسلامه عليه إلى يوم نلقاه.
من مظاهر الظلم المعاصر
عباد الله: الظلم ظلمات عباد الله، إن الذين ينتهكون حرمات الله، ويتعدون حدود الله، ويظلمون أنفسهم، ثم يظلمون أهليهم، ويظلمون من حولهم، فأين هم من الله؟
- دفع البنغالي تسعة آلاف ثمنًا للفيزا لمكتب الاستقدام، وباع ذهب الزوجة، ورهن البيت ليأتِ ليعمل عاملًا على أن راتبه ثمانمائة، فلما وصل قيل: له ثلاثمائة، أو ترجع، كيف يرجع وقد دفع كل ما لديه؟ أين قول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِالمائدة:1؟ وكم دفع لمكتب الاستقدام حتى يأتي؟
- يقول: أتوسل إليك أن تتركني آتي بزوجتي، قال صاحب الشركة: كلا، ولما قدم الخواجة طلبًا باستقدام الكلب استقدم له كلبه، وجاء ذلك الرجل إلى الطبيب في المستشفى، يقول: شوف لي البنت، قال: فيها صداع خفيف بعد الكشف، قال وبالطريق شوف لي معك الخدامة، اتضح أن فيها جرح غائر، فسألها الطبيب، قالت: منذ ستة أشهر لم أستلم راتبي، والشغل عشرين ساعة في اليوم، وذاك بيده مفتاح البنز والمسبحة يقلب يمنيًا وشمالًا.
- وتجد على الجانب الآخر من يؤمنهم صاحب العمل على خزينته، فلا يقصرون في السرقة منها، وعلى آلة الحساب في الدكان، فلا يأمنه عليه منهم، وتزوير تواقيع لنهب صاحب العمل، لماذا يحدث ذلك؟ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِالذاريات:56هل هذه العبادة التي خلقنا لها؟ لماذا يحدث ذلك؟ أين الأمانة؟ أين الإخلاص؟ اتقوا الظلم فإنه الظلم ظلمات، يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا[مسلم:2577]، إن المؤمن جمع إحسانًا وخشية، وإن المنافق جمع إساءة وأمنا،قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُلأنعام:15-16، إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا الأحزاب:72،وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًاطـه:111، قال ﷺ: إني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم ولا مال[ابن ماجة:2200]، خير خلق الله يرجو أن يلقى الله ليس ظالمًا لأحد.
- الظلم الذي فيه تأخير رد الدين، لأن النبي ﷺ قال: مطل الغني ظلم[البخاري:2287ومسلم:1564] المماطلة في إعادة الدين.
- الظلم الذي تؤكل به الأراضي، من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين[البخاري:2452]يوم القيامة يحمله غلًا في رقبته إلى سبع أرضين في الأسفل، وهو شبر واحد في الأعلى.
- الظلم الذي فيه أكل مال اليتيم، إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًاالنساء:10.
- الظلم قال أنس "كان النبي ﷺ يحتجم ولم يكن يظلم أحدًا أجره"[البخاري:2280]لا تأخير، ولا مماطلة ولا منع.
- الظلم التي يحلف بها يمين غموس، تغمسه في النار؛ لكي يأخذ بها مال أخيه المسلم، فيحلف زورًا عند القاضي، أما لئن حلف على ماله-على مال الآخر- ليأكله ظلمًا ليلقين الله وهو عنه معرض، من حلف على يمين صبر، يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان[البخاري:2356،ومسلم:138].
- الظلم الذي يجعل بعض الشركاء يأخذ من نصيب شريكه، لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ص: 24.
- الظلم الذي يجعل الإنسان يفسر حتى مواقف أخيه خطأ، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله[البخاري:1468، و مسلم:983]، كلها وقف للجاهد، فكيف تجب عليه الزكاة؟ فلا تقولوا منع خالد الزكاة.
علاج المشاكل الاجتماعية.
عباد الله،نحتاج في معالجة مشكلاتنا الاجتماعية، إلى هذا المزيج من تقوى الله، والعلم الشرعي، الذي يعرف به الإنسان ما هي الحقوق الواجبة عليه؟ وما هي الحقوق التي له؟
نحتاج في معالجة مشكلاتنا الاجتماعية، إلى هذا المزيج من تقوى الله، والعلم الشرعي، الذي يعرف به الإنسان ما هي الحقوق الواجبة عليه؟ وما هي الحقوق التي له؟
ضياع الحقوق اليوم مصيبة، لا يعرف ما هي حقوقه؟ وما هي حقوق الآخرين عليه؟ كيف تعرف الحقوق؟ بالعلم الشرعي، ثم لا بدّ أن يكون هناك خوف من الله، ولا بدّ أن يكون هناك خوف من الظلم، لا بدّ أن يكون هناك خلق حسن، وإلا فأنت ترى هذه النماذج السيئة التي تعمّ وتدور في أفراد المجتمع.
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن ييسر لنا اليسرى، ويجنبنا العسرى، وأن يجعلنا ممن يؤدون حقه وحقوق عباده، اللهم لا تجعلنا من الظلمة يا رب العالمين، واجعلنا من أهل العدل المقسطين، واجعلنا على منابر من نور عن يمينك يوم الدين، اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا يا رب العالمين، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، وطهر بيوتنا، واجعل ألسنة عامرة بذكرك، مشتغلة بطاعتك، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، آمنا في البلاد، وأصلح أئمتنا وولاة العباد، واغفر لنا يوم المعاد.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَالصافات:180ـ181