الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن الله أراد من خلقه أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يكون هذا الخلق على طهر وعفاف، وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْسورة النساء27، يريد الله أن يخفف عنا، وخلق الإنسان ضعيفاً أمام الشهوات، ولذلك فإن الذين يتبعون الشهوات يريدون منا أن نميل ميلاً عظيماً.
ظاهرة الانجذاب بالمعاصي.
عباد الله: لقد كثرت هذه الدعوات للفساد، وأخذت أشكالاً متنوعة وضروباً متفننة، ومن ذلك هذه البرامج التي تدعو إلى الفساد والفحشاء، إقامة العلاقات بين الجنسين، وهدم الحواجز النفسية بين المسلم والمسلمة وبين المعصية، والاجتراء على حدود الله واقتحامها وانتهاكها، مع أنه ﷺ حذرنا بأن الله حد حدوداً فلا تنتهكوها.
وخطوات الشيطان التي يتلاعب بها اليوم بهؤلاء المجان كثيرة جداً، وقد حذرنا من اتباع تلك الخطوات فقال: وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِسورة البقرة168، فلماذا نجد لهذه البرامج اليوم انتشاراً وذيوعاً لماذا نجد عليها إقبالاً وللناس إليها انجذاباً، لماذا تحقق الشعبية الكبيرة، لماذا ينهمك الناس بها، لماذا يصرفون من أوقاتهم ما لا يعلمه إلا الله في متابعتها، لماذا يهلج بها الصغير والصغيرة، ويتحدث بها الطلاب والطالبات؟ وتكون موضوع الحوار في كثير من مجتمعات الناس وأنديتهم؟ لماذا أصبحت شغلاً شاغلاً، لماذا حققت هذه الجماهيرية المزعومة؟
أيها الأخوة: لو كانت هذه المسألة من المباحات لقلنا: منتج اشتهر وانتشر، وتسويق لسلعة بطريقة فنية جعلت لها رواجاً، لكن المصيبة عندما يكون هذا المنتشر على حساب الدين والأخلاق والطهر والعفة، عندما يكون هذا الشيء معصية عظيمة، بل يرقى أو ينحدر بعبارة أدق إلى كبيرة من الكبائر. فلماذا، لماذا ينجذب الناس إلى هذه الألوان من المعاصي؟ هذا الانجذاب وهذا التعلق لا شك أن له أسباباً، لقد درس شياطين الشر في العالم نفسيات الناس، وأرادوا أن يأتوا بهم إلى هذه المستنقعات ويجرونهم إليها، فاعتمدوا أساليب ومن ذلك أن هذه البرامج ليست تمثيلاً وكذباً وتظاهراً وإنما هي في عالم الحقيقة، إنها برامج غير مسجلة، فهي ليست تمثيليات والناس يريدون الشيء الطبيعي، النفس تميل إلى الشيء الطبيعي أكثر من التمثيل، فقالوا: لماذا لا نجعل إذن موضوع هذا الفجور الذي نريد أن نجر الناس إليه شيئاً حقيقياً يمارس واقعياً وليس تمثيلاً وقصة توزع أدوارها على الممثلين والممثلات، ليس حواراً مكتوباً سلفاً قد جرى التدريب عليه والتمرين، فهو يعرض بعد هذه التمرينات، بل إنه شيء حقيقي تدور أحداثه حقيقة، ثم إنه شيء مباشر، إنه ينقل إلى الناس حياً والناس ينجذبون إلى الأشياء الطازجة الحديثة أكثر من الأشياء القديمة، فكيف إذا كان الشيء يحدث الآن ويتابعه الإنسان وهو يحبس أنفاسه، كما يحدث اليوم في متابعة الأخبار والأحداث الحروب التي كانت يوماً ما تكتب في الكتب وتنقل بالكتابة لمن لم يرها ولم يعايشها، ولم يشهدها، لكنها اليوم مشهودة محضورة، وانتقلوا بالإعلام من حدثَ إلى يحدث، فهذا عالم جذب آخر.
ثم كانت كثير من هذه المشاهد والأفلام بلغات أجنبية، فهي الآن بلغة القوم، إن من يقوم بالأدوار فيها عرب، وكثير منهم في الأصل مسلمون، هم من أبناء المسلمين، فهم من جلدة القوم منهم وفيهم، فيكون الانجذاب إليها أكبر، وأيضاً كانت التمثيليات والمسرحيات والأفلام يضع فيها المخرج كل شيء ويحدد الأدوار ويعيِّن البطل والبطلة كما يقولون، ويكتب الحوار، يكتب سابقاً وسلفاً، ثم يوزع وتحدد الأدوار، أما الآن في هذه الأنواع من البث والبرامج يتدخل الجمهور والمشاهدون في تحديد أشياء، إذن هو شيء تفاعلي كان الفلم والمسلسل لا يتدخل فيه المشاهدون إلا بالمشاهدة، لكن صارت البرامج هذه اليوم فيها مساهمة من المتفرجين، لهم دور، فهم يرشحون، ويعلقون، ويرسلون الرسائل، وتظهر الرسائل فوراً على الشاشة من طريق الشبكة والاتصالات ونحو ذلك، ويصوتون ليبقى فلان في هذا البرنامج أو لا يبقى، وينتقل إلى الحلقة القادمة أو لا ينتقل، ومواعيد معينة لحسم التصويت والتعيين، فتتعلق نفوس الناس بها زيادة، لقد كانت العقلية تسويقية مصاحبة لترويج هذه البرامج، فلم تصبح دقة قديمة، وإنما هي شيء حديث متجدد حيوي، ولذلك صار لها رواج، وصار بها الانشغال حتى الأزواج والزوجات، وصار لهذا أثر على الناس.
لقد كان السلف رحمهم الله يقسمون الليل أثلاثاً فقال أبو عثمان النهدي رحمه الله: تضيفت أبا هريرة سبعاً عنده في البيت أسبوعاً، ماذا كان يفعل أبو هريرة بالليل؟ قال: فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل أثلاثاً يصلي هذا ثم يوقظ هذا، وكان الحسن بن صالح بن حي يقتسم الليل هو وأمه وأخوه، يقوم الأول وينامان، ثم يوقظ الثاني وينام، فيقوم الثاني صلاة الليل ثم يوقظ الثالث وينام الثاني ليتطهر الثالث فيتوضأ ويصلي إلى أن يوقظهم لصلاة الفجر، فلما ماتت أمه اقتسمه هو وأخوه.
الآن يسير هؤلاء على هذا المبدأ، فتذكر ثلاث أخوات أنهن يتناوبن في النوم في الليل حتى لا يفوتهن شيء من هذا البرنامج على مدار الأربع والعشرين ساعة، فلكل واحدة ساعات محددة من النوم ثم تستيقظ لتشاهده فتوقظ الأخرى بعد أن تنتهي النوبة، لكي تخبر كل واحدة الأخرى بخلاصة ما حصل، ثم من فاته شيء يستمع إليه في الصباح، ما هي أخبار فلان، ماذا فعلت فلانة، ماذا حصل في الساعات؟ متابعة، قيام الليل، التناوب في قيام الليل!
تحليل هذه الظاهرة.
أيها الإخوة: لا بد أن نحلل الموضوع بدقة لخطورة القضية؛ لأن المسألة ليست الآن إطلاق السباب والشتائم على هذه المسلسلات، وإنما يجب أن نعرف لماذا يحدث هذا؛ لأن العلاج بدون معرفة لماذا غير مجدٍ.
هذه القضية بهذه العوامل وهذه الإجراءات، وهذا النوع من التسويق ما هو شرعاً؟ أين نجده في كتاب الله؟ هل هناك أدلة تتناوله من القرآن الكريم؟
أيها الإخوة: هو لا شك تزيين، هذا يطلق عليه شرعاً تزيين، تزيين المنكر، تزيين الفاحشة، تزيين الفجور، تزيين المجون، تزيين الخلاعة، تزيين التهتك، تزيين العري، تزيين الاختلاط، تزيين إقامة العلاقات، تزيين الاستمتاع المحرم ضماً وتقبيلاً إلى آخره، تزيين كشف العورات، عملية تزيين هذه الأشياء في عقول الناس، تزيين هذه الأشياء في نظر الناس.
من الذي يقوم بهذا؟ من هو صاحب الفكرة؟
قال بعد أن تكبر إبليس لرفضه السجود لآدم: فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِسورة الحجر34-35، فطالب هنا إبليس ربه ورجاه قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَسورة الحجر36 أمهلي، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَسورة الحجر37-39، لأزينن لهم الدنيا، وأدعوهم إلى إيثارها على الأخرى، لأزينن لهم المعصية حتى يروها طاعة أو نحوها، لأزينن لهم الحرام حتى يرونه حلالاً، لأزينن لهم الشرك، لأزينن لهم البدعة، لأزينن الكبيرة، لأزينن لهم المعصية، قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَسورة الحجر39-40.
قال ابن القيم رحمه الله: ومن مكائده أي الشيطان أنه يسحر العقل دائماً حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله، فيزين للعبد، الفعل الذي يضره حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء، وينفر من الفعل الذي هو من أنفع الأشياء له حتى يخيل له أنه يضره. سحر، وتزيين، فلا إله إلا الله كم فتن بهذا السحر من إنسان، وكم حال به بين القلب وبين الإسلام والإيمان والإحسان، وكم جلا الباطل وأبرزه في صورة مستحسنة، وشنع الحق وأخرجه في صورة مستهجنة، وكم بهرج من الزيوف على الناقدين، وكم روج من الزغل على العارفين، يعني: حتى الناس الذين عندهم مسكة من عقل إذا بهم يقعون، فهو الذي سحر العقول حتى ألقى أربابها في الأهواء المختلفة، والآراء المتشعبة، وسلك بهم من سبل الضلال كل مسلك، وألقاهم من المهالك في مهلك بعد مهلك، وزين لهم عبادة الأصنام، وقطيعة الأرحام، ووأد البنات، ونكاح الأمهات، ووعدهم الفوز بالجنات مع الكفر والفسوق والعصيان، وأبرز لهم المنكر بقالب المعروف.
عباد الله: إن الله قال في كتابه العزيز: تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌسورة النحل63، زين لهم الشيطان أعمالهم، التزيين، الذي يحدث اليوم في البرامج الفضائية هذه تزيين للمنكر ليبدو في أعين الناس حسناً.
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًاسورة الكهف103-104.
وقال تعالى عن الشياطين، شياطين الإنس والجن: وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَسورة الزخرف37.
وهكذا إذن زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون.
هكذا إذن اتخذوه أولياء، أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًاسورة فاطر8.
نماذج من فساد هذه البرامج.
تقول الطالبة: استمعت من زميلاتي في الثانوية عن برنامج يعرضون فيه مجموعة من الفتيات والشباب يجلسون معاً في مكان واحد ليل نهار، وقالت لي صديقتي: يا فلانة أنت دائماً تقولين لي: ما أعرف أكلم شاب، ما أعرف كيف أبدأ معه، أشعر برهبة من إقامة علاقة مع أحدهم، والآن يا صديقتي تابعي هذا البرنامج لكي تتعلمي منه فنون العلاقات الشبابية، ركزي على برنامج كذا، وبرنامج كذا، مدة يومين فقط، وستكتشفين أن الرهبة والخوف الذي يتملكك من إقامة علاقة مع الشباب ما هي إلا رهبة التخلف وأن حياءك هذا هو عقدة نفسية، انتظرت أن أخرج من المدرسة بفارغ الصبر في ذلك اليوم ولما وصلت إلى البيت أخذت قائمة هذه المحطات لأبحث عن هذا البرنامج، فكنت أرى البنات والشباب يقبل بعضهم بعضاً بين ساعة وأخرى، ويضم بعضهم بعضاً وهكذا كلام واجتماع ونظر ومخالطة فقلت في نفسي: هؤلاء يفعلون هذا، يرقصون ويغنون سوياً، فضلاً عن هذه المشاهد الحميمة، وأنا ما زلت خائفة مترددة في الحديث الهاتفي مع شاب، وأصبحت بعد أيام من متابعتي لهذا البرنامج على الهواء أشعر فعلاً بأني فتاة متخلفة ومحرومة من الحياة الرومنسية المليئة بالحب ودفء المشاعر، ثم أصبحت أتمنى في كل لحظة أن أكون أنا التي في هذه الأكاديمية؛ لأحظى بالجلوس ساعات طوال مع هذا الفلاني وهذا الفلاني في هذا البرنامج الرائع، أريد أن أرقص مع فلان وأفعل وأفعل، ويفعل لي كذا وكذا، وبدأت أتخيل أن هذا معي في الغرفة، وأنه يتحدث إليَّ، إلى آخره، حتى صرت أبكي بحرقة على نفسي كيف ضاعت عليَّ هذه السنوات بدون هذا الاستمتاع وهذه المشاعر الفياضة وهذه التنعمات.
أيها الإخوة: هذه هي النتيجة.
وطالبتان في مرحلة متوسطة لم يحضرن كتبهن إلى المدرسة بل أحضرن بدلاً منها ملابس ملأن بها الحقيبة، وعند اكتشاف هذا الأمر المريب وبعد السؤال والجواب تبين أنهن قد واعدن ثلاثة من الشباب ليخرجوا معاً ليعيشوا على الهواء سواء.
أيها الإخوة: هذه القضية تدل على أن التعلق والدعوة بالكلام والفعل بالمشاهد أقوى من الحث المباشر، فلو قيل لفلان: افسد، افسد، افسد، تعال إلى الفساد، تعالى إلى الفساد، تعالى إلى الفساد، خذ هذا الرقم، خذ هذا الرقم، خذ هذا الرقم، اتصل، اتصل، اتصل، إن هذا سيكون له تأثير، لكن عندما ترى المشاهد عياناً ويحدث التفاعل يكون وقعها في النفس أكثر، إنها دعوة غير مباشرة إلى الفحشاء، دعوة إلى الفساد، دعوة إلى إقامة العلاقات، المشكلة أيضاً عندما يخرج بعض المنافقين فينا ليقولوا: هذا شيء طبيعي، لماذا تستنكرونه؟ أنتم يا أيها المتدينون، عملتم دعاية لهذا، مع أن الشيء انتشر واستشرى ومن زمان، وكلامنا عليه الآن هو مجرد تعليق وتحليل لشيء انتشر وليس التعليق هو الذي ينشره، وعندما ترى أن إحداهن تقول:إن هذا البرنامج رائع؛ لأنه ذو هدف، وليس كغيره من البرامج التي تملأ الفضائيات بلا هدف، يا سلام إنه بهدف، ما هو الهدف؟ قالت: روح الابتكار، وحب الموسيقى، ضيوف يأتون للبرنامج، تثقيف، مغني، ممثل، مشهور من المشاهير، وهكذا، وهكذا.
وعندما تقول امرأة مثقفة: إن ابني يمنع أخته من مشاهدة البرنامج، أو العكس، تقول: بنتي تمنع أخاها من مشاهدة البرنامج، كل يوم مشكلة، فأقول: خليه يشاهد ما يريد وخلُصنا.
إذن: بدون قيود، ما دام هناك ضغوط فلتلبى الضغوط، وتشاهد الخلاعة والمجون بأنواعها وكسر حواجز الحياء بين العباد وبين الله ، وتكسر الحواجز النفسية بين الناس وبين المعصية، وبعض الأساليب وقحة ومقززة جداً، وبعضهم يسجد لله شكراً أنه استمر في البرنامج، فعلى أي شيء يشكره، على أي شيء يشكر ربه، لماذا هذه السجدة، أيشكر الله على الاستمرار في المعاصي؟! أيشكر الله على المواصلة في الفجور:؟! أيشكر الله على التمرد على شرعه والخروج عن أحكامه؟!.
عباد الله: القضية خطيرة، ويقولون: يجب أن نشجع فلان لأنه من بلدنا، الفزعة يا شباب على التصويت، الفزعة، وهكذا يستفزعون ويستصرخون ويحشدون، لتصبح القضية مدارها في هذا من هم هؤلاء؟ إنهم مجموعة من التافهين، حفنة، حثالة من المتخلفين دينياً وعقلياً وأخلاقياً، وكثيراً ما يكونون من الفاشلين دراسياً، حثالة تركز عليهم الأضواء والكاميرات أربعاً وعشرين ساعة، وتهدر حتى الكرامة الإنسانية في تسليط الكاميرات عليهم وهم نيام، فيتكشف هذا، وتتكشف هذه، بل ربما تأتي الكاميرا بالغلط على باب الحمام الذي فتح فجأة، تهدر حتى الكرامة الآدمية.
ثمار هذه البرامج.
أيها الإخوة: إذن هذا التزيين الشيطاني لهؤلاء الذي يجعل الناس ينجذبون، وشريعة الله تخالف، وتداس الأحكام الشرعية، فقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّسورة الأحزاب53 يخالف، وقوله تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ سورة الأحزاب32يخالف، وقوله : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّسورة النور31 يخالف، وقول النبي ﷺ: ولا يخلون أحدكم بالمرأة، فإن الشيطان ثالثهما[رواه ابن حبان6728]، يخالف إلا إذا أدخلنا الكاميرا والجمهور لتنتفي الخلوة.
وحديث النبي ﷺ في منع اختلاط الرجال بالنساء لما رأى النساء في وسط الطريق، قال: استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق يعني: تسرن وسطه عليكن بحافات الطريق[رواه أبو داود5272]، قال الراوي أبو أسيد: فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به، رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه باب مشي النساء مع الرجال في الطريق.
وكانت الحادثة أن النبي ﷺ لما خرج من المسجد، من بيت الله، من أطهر البقاع وأحبها إلى الله، واختلط الرجال مع النساء في الطريق قال هذا الكلام.
ولماذا جعل النساء وراء الرجال في الصلاة؟ ولماذا خصص للنساء باباً خاصاً وما دخل منه ابن عمر حتى مات؟ محافظة على هذا التخصيص والفصل الذي يرونه اليوم عنصرية، تمييز عنصري، أن تميز بين الرجال والنساء في المداخل والمكان، اخلط، اخلط، لماذا هذا التمييز، يتضايقون من الآيات والأحاديث، صارت الأحكام الشرعية اليوم منبوذة، الدعوة في الصحافة إلى دخول، اقتحام المرأة عالم الرجل، وأما هذه الآيات والأحاديث فهي عندهم تخلف، ولا بد من تعميم الحرية وتطبيق الحرية، هل هناك تستر، أين الحجاب؟ أين وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّسورة النور31، أين هو، أين هو؟
ولما سأل أحد النصارى مسلماً، لماذا النساء عندكم لا يخالطن الرجال الأجانب؟
رد قائلاً ذلك الحكيم المسلم؛ لأنهن لا يرغبن في الإنجاب من غير أزواجهن، إذن القضية مآلها معروف وخاتمتها معروفة، ونهايتها واضحة.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، اللهم لا تعذبنا بما فعل السفهاء منا، اللهم لا تعذبنا بما فعل السفهاء منا، اللهم لا تعذبنا بما فعل السفهاء منا، اللهم انشر رحمتك علينا، وطهرنا يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين، أشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم ارض على خلفائه وأصحابه وذريته الطيبين الطاهرين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، يا أرحم الراحمين، أشهد أنه رسول الله حقاً، والداعي إلى سبيله صدقاً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ما ترك شراً إلا حذرنا منه، ولا خيراً إلا دلنا عليه، فصلوات ربي وسلامه عليه، دائماً وأبداً.
يوم فجور كامل.
عباد الله: إنما يحدث هذا من خطوات الشيطان فيه مصيبة عظيمة جداً، أيضاً من جهة أن يكون اليوم والحياة أيام، أن يكون هذا اليوم يوم فجور ومعصية من أوله إلى آخره، هذا الذي تؤزهم الشياطين إليه أزاً ليقدم كنماذج للأجيال، نماذج، عبارة عن يوم معصية، عن يوم فجور كامل، هل سمعنا باليوم الكامل، هناك يوم دراسي كامل، ونحو ذلك، هذا يوم فجور كامل، بالأيام التي بعده، المسلم مثلاً، يذكر الله قبل أن ينام، اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، واجعلهن آخر ما تقول[رواه البخاري6311]، ينام عليها، يستيقظ الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره[رواه الترمذي3401]، يحمد ربه أنه رد إليه الروح ويقوم يذكر الله يتوضأ يتطهر، يتسوك، يصلي من الليل، أو يقوم لصلاة الفجر، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما عليها، وخطوات بعد ذلك إلى المسجد، خطوة ترفع درجة، تحط خطيئة، وتكتب حسنة، وانتظار الصلاة في المسجد صلاة، والملائكة تصلي عليه وتدعو له، ويصلي الفجر، فهو في ذمة الله، ويجلس بعد الصلاة في أذكار الصلاة، وإذا كان ذا همة جلس إلى ارتفاع الشمس وصلى ركعتين، ولا ينسى الأذكار العظيمة، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته، ويرجع إلى البيت وكان قد أوقظ أهله للصلاة، وإذا رجع بعد الصلاة مباشرة أيقظهم، وحتى إذا قام الأولاد للمدرسة ذكرهم بواجباتهم، وتذكر الأم أطفالها بالأذكار، وأذكار الصباح، وأذكار المساء، وعندما يذهب لعمله يحتسب الأجر لينفق على أهله، ويشتغل صدقة، والطالب عندما يذهب إلى الكلية، أو إلى المدرسة ينوي أن يحصل علماً ينفع به الأمة، وقد تكون دروساً دينية يتفقه بها في الدين، ويمارس شيئاً من الدعوة إلى الله في ذلك المكان، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يدعو إلى الخير، وهكذا يرجع المسلم متقلباً بين الأذكار والصلوات والأدعية وأعمال الخير، إطعام مسكين، صيام يوم، وأيام البيض، ويذهب إلى المقبرة ليتعظ، ويفعل الخير ويصل الرحم، ويعين أبويه، ويزور المريض ويحسن إلى الجار، المفترض أن يكون اليوم يحيا فيه حياة إسلامية، هذا الوضع في البرامج بالعكس تماماً، يوم كامل ليلاً نهاراً متواصلاً من أوله إلى آخره في الاختلاط المحرم، والموسيقى المحرمة والغناء المحرم، والفحشاء.
أيها الإخوة: إذن تقديم نمط للحياة ليقول: يا أيها المسلمون دعوا حياتكم هذه التي تعيشونها في هذه العبادات وهذه الأمور التي تنفع الأمة وتقوية الأمة في العمل الدراسة وغير ذلك، وما ينفع المجتمع، وحراسة المجتمع، وكل واحد عليه واجب، ورجل الأمن عليه واجب، والطالب عليه واجب، والموظف عليه واجب، والبياع عليه واجب، والتاجر، ليقول: هذا يومكم، هذا هو النموذج. يا أيها الشباب ويا أيها الفتيات هذا هو النموذج المراد أن تعيشوه.
ثم تأتي قضية المجاهرة التي تنقل فيها هذه المعاصي ليلاً نهاراً بهذه الكاميرات والآلات والبث، ظهر الشر، يحبون أن تشيع الفاحشة، ويجهرون بالسوء من القول، حتى الكلام الفارغ المقذع المنتن المقرف المقزز يقولونه، حتى يتبادلون أخبار الفساء، فلان أحدث وهو نائم كذا، وفعل كذا، هذا ما قرأنا وسمعنا عن هذه الأشياء والتقارير التي كتبت عن هذه البرامج، والله يقول: لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِسورة النساء148، الفحش والتفحش كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وهؤلاء يجاهرون ويتبجحون ويعلنون، فليسوا في عافية أبداً، لا يعفو الله عنهم ولا يسلمهم؛ لأن معنى كل أمتي معافى يعني يعفو الله عنه أو يسلمه الله إلا المجاهرين[رواه البخاري6069]ليسوا في عفو الله أبداً؛ لأنهم جاهروا، لأن هذه دعوة للآخرين، الفرق بين الذي يفعل المعصية سراً وجهراً كبير، لماذا؟ لأنه ينشر الشر المجاهر، لأنه يدعو الآخرين، إن هذه المجاهرة خطيرة جداً جداً، وقد رأينا آثارها.
الواجب نحو هذه البرامج
ثم لا بد أن يكون للناس موقف، لا بد أن يكون للجمهور المسلم موقف، وقد دلت الأحداث والتجارب على أن الناس إذا اعترضوا على هذه المنكرات ولم يقبلوا بها ولم يرضوا بها، وطالبوا بحجبها وطالبوا بإلغائها أن هذا يحدث رضوخاً من منتجي هذه البرامج وممولي هذه البرامج، والذين يبثون هذه البرامج، كما حصل قريباً من الخبر الذي سمعناه في اعتراض مجموعة من الأخيار على برنامج من هذه البرامج فأوقف البرنامج، وانسحبت الشركة من البلد، طبعاً تكلم المنافقون وقالوا: خسرنا فرص استثمار وخسرنا و خسرنا، ماذا خسرنا؟ استثمار، أموال تضخ لكي تذهب الفضيلة لا بارك الله فيها، نحن أغنياء عنها، إذن عندما يقف الناس الموقف ويقومون لله بالحجة ويعلنون، عند ذلك ينخنس أهل الشر، وهذا مطلوب جداً أن يتصلوا ويكتبوا وينكروا ويعلنوا ويقولوا، لا بد أن يكون لمن في قلبه وازع من دين، أو ضمير، أو خلق موقف، وإلا سنؤكل كلنا، وستضيع الأجيال.
ثم المسألة ليست فقط أن نقاوم داخل البيت، ونقول لا تفتح الجهاز وشيل الجهاز، وهات المتحكم في القنوات، احجب ورقم سري، لا بد من محاربة الشر في مصدره؛ لئلا يسري إلى الآخرين وكل واحد فينا مسؤول عن أهل بيته، قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْسورة التحريم6، ليست أكلة غير مستساغة، قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْسورة التحريم6 ليس برد الشتاء، قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا، ناراً وأي نار؟ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُسورة التحريم6، فالناس هم مصدر اشتعال هذه النار، هم الوقود، الناس في النار هم الذين يزيدونها اشتعالاً، هم الذين يزيدونها إحماءً؛ لأن الله قال: وَقُودُهَا النَّاسُ الناس هم أنفسهم وقودها، وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِسورة آل عمران10، وعليها ملائكة غلاظ شداد، تتابع عمليات التعذيب المستمرة وتشرف عليها، وكلهم الله بذلك، عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَسورة التحريم6. فمن عرف حجم الخطر عمل، وأما المتهاون فهو لا يبالي حتى يموت، ويفسد أولاده، ويفسد أبناؤه وتفسد بناته وهو على الشر مقيم، أو قد غض الطرف، يعني تنازل عن موقع المسؤولية، يعني: السماح باستشراء الفساد، فالمسألة كبيرة أيها الإخوة.
اللهم اجعلنا ممن يخافك ويتقيك يا رب العالمين، اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة، وارزقنا كلمة الحق في الغضب والرضا، نسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، أصلحنا وذرياتنا وأزواجنا يا رب العالمين، اللهم خذ بنواصينا إلى البر والتقوى، وارزقنا التمسك بالعروة الوثقى، أحينا مسلمين وتوفنا مؤمنين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.