الإثنين 24 جمادى الأولى 1446 هـ :: 25 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الأحداث تكشف معادن الناس


عناصر المادة
الخطبة الأولى
فتنة الابتلاء بالخير والشر
الناس معادن
نماذج من قصص الثابتين والناكصين
الخطبة الثانية
ثبات الصحابة
ما ينبغي فعله في كسوف الشمس
أحوال الناس في كسوف الشمس
واجبنا في نصرة النبي ﷺ

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فتنة الابتلاء بالخير والشر

00:00:33

فإن الله يبتلي عباده بالخير والشر، ويمتحنهم بالمصائب تارة، وبالنعم أخرى، بالشدة بعد الرخاء، وبالرخاء بعد الشدة؛ ليظهر مبلغ شكر الشاكرين، ومدى صبر الصابرين: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَسورة الأنبياء35.

وهكذا الإيمان يحتاج إلى ابتلاء ليظهر كم ثباته: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ۝ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَسورة العنكبوت2-3، إنه ليس كلمة تقال وإنما هو حقيقة وأمانة ذات أعباء، جهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال، فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا، فلا يتركون لهذه الدعوى حتى يتعرضوا للفتنة فيظهر من يثبت على الدين والإيمان، فيخرج صافياً خالص القلب، كما تفتن النار الذهب ليظهر طيب معدنه، ويتنقى من الشوائب الرديئة، وهكذا الفتنة على الإيمان أصل ثابت وسنة جارية، قال تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَسورة العنكبوت3، والمقصود ظهور علمه في الواقع، وإلا فإنه يعلم الحقائق قبل أن يبتلي العباد، بل قبل أن يخلقهم، بل قد علم ذلك أولاً ، هذا الابتلاء يكشف للناس الحقائق، وتقوم به الحجة على العباد، إن الإيمان أمانة الله في الأرض، لا يحملها إلا من هم أهل لها.

وإن من الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى، ثم لا يجد النصير، وإن من الفتنة أن يبتلى بالرخاء، كما أن من الفتنة أن يبتلى بالشدة: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا أي: في إيمانهم، وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ فيما ادعوه.

الناس معادن

00:03:30

والناس معادن كما أخبر النبي ﷺ، كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، المعادن جمع معدن، وهو موضع العدن، أي: الإقامة اللازمة، ومنه جنات عدن، والمعدن الشيء المستقر في الأرض، فتارة يكون نفيساً وتارة يكون خسيساً، وكذلك الناس، والمعادن تتفاوت قيمتها بحسب ما اشتملت عليه نفاسة وخسة، وهكذا الناس يحوون أموراً في بواطنهم وحقائقهم ترفع أقدارهم أو تضعها بحسب ما اشتملوا عليه.

الناس معادن، أصول مختلفة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، فإذا استخرج ظهر ما اختفى منه، هذا الأصلي لا تتغير صفته، هذا الشريف لا يتغير في ذاته، إنه يبقى كالذهب، إنه يبقى كالجواهر الثمينة لا تؤثر فيه الرياح والعواصف.

وتأتي التجارب لكي تكسبه تلك الابتلاءات مزيداً من الخبرة والقوة، المعادن الثمينة لا تتغير مع الوقت، فيبقى الذهب ذهباً لا يصدأ ولا يتعفن، بينما بعض المعادن الأخرى سرعان ما تذوب وتتهاوى تحت عوامل الحت والتعرية والصدى.

نماذج من قصص الثابتين والناكصين

00:05:34

عباد الله: إن هذا يدلنا على أن الإنسان يجب أن يكون وفياً لدينه، ثابتاً على إيمانه، مهما تبدلت الأحوال وتغيرت الظروف، يبقى المسلم وفياً لهذا الإسلام، يقول أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة صاحب العقل عقل الصدقة، رجل من بني سليم بأي شيء تدعي أنك ربع الإسلام؟ قال: إني كنت في الجاهلية أرى الناس على ضلالة ولا أرى الأوثان شيئاً، ثم سمعت عن رجل يخبر أخبار مكة ويحدث أحاديث، فركبت راحلتي حتى قدمت مكة، فإذا أنا برسول الله ﷺ مستخف وإذا قومه عليه جرآء، فتلطفت له فدخلت عليه، فقلت: ما أنت؟ قال: أنا نبي الله فقلت: وما نبي الله؟ قال: رسول الله قلت: آلله أرسلك؟ قال: نعم قلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: بأن يوحد الله، ولا يشرك به شيء، وكسر الأوثان، وصلة الرحم فقلت له: من معك على هذا؟ قال: حر وعبد وإذا معه أبو بكر وبلال، قلت: إني متبعك، قال: إنك لا تستطيع ذلك يوماً كهذا، ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فألحق قال: فرجعت إلى أهلي وقد أسلمت، فخرج رسول الله ﷺ مهاجراً إلى المدينة، فجعلت أتخبر الأخبار، فركبت راحلتي حتى قدمت عليه المدينة، فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: نعم، ألست أنت الذي أتيتني بمكة؟ قلت: بلى، فقلت: يا رسول الله علمني مما علمك الله.[رواه مسلم832].

هذا رجل كان في الجاهلية يرى الناس على ضلالة، كان صاحب معدن جيد، حسن معدنه قاده إلى الإسلام، لما أسلم ثبت على ذلك، وانتظر كما أمره رسول الله ﷺ، فلما سمع أنه هاجر، جاء إليه، يبقى الوفاء للإسلام والدين، والأحداث تكشف المعادن.

قال بعض أهل العلم: "الناس سواء فإذا جاءت المحن تباينوا وتمايزوا"، قال الفضيل رحمه الله: "الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم البلاء صاروا إلى حقائقهم، فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه" فلا يعرف معدن الإنسان إلا في المحن وفي مواقفه منها.

إن هذا الدين يربينا على الصبر عند البلاء، قال : وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَسورة البقرة177، هذا المؤمن أمره دائماً خير في السراء والضراء: مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِسورة آل عمران179.

ألم تروا أن الله يريد أن يكشف حقائق النفوس، ألا ترون أنه سبحانه يريد أن يستخرج ما في بواطن الناس، ألا ترون أنه يجري من الحوادث ما تظهر به الحقائق.

لما توفي النبي ﷺ ظهر حقاً ثبات الصديق ، إن المعدن الأصيل لا يظهر إلا في الأزمات ويزداد بريقاً في المواقف الصعبة.

هؤلاء الأشعريون قوم أبي موسى كانوا إذا قل طعام عيالهم في المدينة وأرملوا وفني زادهم جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية.

عباد الله: لقد ظهر من إيثارهم وفضلهم وتكافلهم فيما بينهم في وقت الشدة إنه لا يظهر في وقت الرخاء، كل في حاله.

ومن ذلك أن الصديق لما افتتن الناس في قصة الإسراء والمعراج، وجاء المشركون إلى أبي بكر ليقولوا له: ألم تسمع أن صاحبك يقول: إنه قد أسري بي إلى بيت المقدس، وعرج به إلى السماء، ورجع إلى بيته في ليلة، قال: أشهد أنه صادق، قالوا: وتصدقه بأنه أتى الشام في ليلة واحدة ثم رجع إلى مكة؟ قال: نعم، إني أصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء، فسمي الصديق رضي الله تعالى عنه. هذه القصة قصة الإسراء والمعراج ارتد فيها بعض ضعاف الإيمان في مكة، لم تتحمل عقولهم هذه القضية؛ لأن الإيمان لم يثبت فيها؛ ولذلك كذبوا.

وأيضاً فإنه يعرض للإنسان من الشدائد ما يعرفه بحقائق الآخرين بالإضافة إلى حقيقة نفسه، لما أراد جبلة بن الأيهم الغساني أن يسلم كتب إلى عمر يعلمه بذلك ويستأذنه في القدوم عليه، فسر عمر فكتب إليه: أن أقدم ولك مالنا وعليك ما علينا، فخرج إليه جبلة في خمسمائة فارس، فلما دنا من المدينة لبس تاجه وألبس جنوده ثياباً منسوجة من الذهب والفضة، ودخل المدينة فلم يبق أحد إلا خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان، فلما انتهى إلى عمر رحب به وأدنى مجلسه، ثم أراد الحج فخرج معه جبلة فبينما هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل من بني فزارة فحله، أي: حل الإزار، فالتفت إليه جبلة مغضباً فلطمه فهشم أنفه، فاستعدى عليه الفزاري عمر بن الخطاب، اشتكى إليه ورفع القضية، فبعث عمر إلى جبلة، فقال: ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك هذا الفزاري فهشمت أنفه، قال: إنه وطئ على إزاري فحله، ولولا حرمة البيت لضربت عنقه، فقال له عمر: أما الآن فقد أقررت فإما أن ترضيه وإلا أقدتك منه، قال: أتقيده مني وأنا ملك وهو سوقة؟ قال عمر: يا جبلة إنه قد جمعك وإياه الإسلام، فما تفضله بشيء إلا بالتقوى، قال جبلة: والله لقد رجوت أن أكون في الإسلام، أعز مني في الجاهلية، قال عمر: دع عنك هذا، فإنك إن لم ترض الرجل أقدته منك، قال جبلة: إذن أتنصر، قال: إن تنصرت ضربت عنقك؛ لأن المرتد يقتل، قال جبلة: أخرني إلى غد يا أمير المؤمنين، قال: لك ذلك، فلما كان الليل خرج جبلة وأصحابه من مكة وسار إلى القسطنطينية فتنصر، فلما طال عليه العهد في الكفر تفكر في حاله فجعل يبكي، وأنشأ يقول:

تنصرت الأشراف من عار لطمة وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني منها لجاج ونخوة وبعت لها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني رجعت إلى القول الذي قال لي عمر
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة وكنت أسير في ربيعة أو مضر
ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة أجالس قومي ذاهب السمع والبصر

وقد يتندم بعض الناس قبل فوات الأوان، وكثير من يندم بعد فوات الأوان.

عباد الله: قد تأخذ بعض الناس نخوة الجاهلية، فيفعلون مثل هذا، هذه أحداث تكشف الحقائق فيزل من يزل ويرجع من يرجع ويصر من يصر.

من الناس من يخسر أمواله، ولكنه يعلم أن الدنيا فانية، ومنهم من جعل الله الدنيا أكبر همه فلا يثبت ولا يتحمل قلبه فيموت؛ ولذلك قال النبي ﷺ: لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا[رواه الترمذي3502]، ومن الناس من إذا خسر وجد من يواسيه، ومنهم من إذا ربح لا يتعرف على أحد من إخوانه السابقين، كان بعضهم يتاجر في الخيل فخسر جميع أمواله، فجاءه أحد إخوانه فوقف بجواره وعضده حتى استعاد تجارته مرة أخرى، فكان جميلاً لا ينساه له.

إن أخاك الحق من يسعى معك ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت فيه شمله ليجمعك

هؤلاء الأنصار لما قدم إليهم المهاجرين أكرموهم، وأرادوا أن يتنازلوا عن نصف أموالهم لهم: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ وهم الأنصار دار طيبة، يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌسورة الحشر9، هؤلاء نصروا الله ورسوله: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌسورة الأنفال74.

وكعب لما تخلف عن غزوة تبوك وقوطع هو ومن معه من الرجلين المؤمنين الآخرين، كانا كبيرين فقعدا في بيتهما يبكيان، وكان كعب أشب القوم فخرج يطوف بالأسواق، فتنكرت له نفسه وتنكرت الأرض والبلد والناس فما هي بالتي يعرف، لم يكلمه أحد ولا حتى رد السلام، في هذه اللحظات العصيبة يتقدم نبطي من أنباط الشام دخل المدينة، وكان هؤلاء الكفار قد سمعوا بما حصل لهذا المسلم من المقاطعة، فأرادوا انتهاز الفرصة، وأعداء الإسلام يريدون دائماً انتهاز الفرص في ضرب أهل الإسلام، فإذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، يقول كعب: حتى إذا جاءني دفع إلي كتاباً من ملك غسان، فلنتصور هذا الموقف، رجل مسلم قاطعه المسلمون بأمر النبي ﷺ، لا يكلمه أحد، حتى ابن عمه لا يرد ، يمشي بين الناس فلا يجلس إليه أحد ولا يقف له أحد، وفي هذا الظرف النفسي الصعب جداً يأتيه كتاب من ملك غسان، من ملك أولئك القوم، فإذا فيه: أما بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، ماذا كان الأثر في نفس كعب صاحب المعدن الجميل، صاحب الأصل الثابت في الإيمان؟ إنه التائب الصادق صدق رسول الله ﷺ فلم يكذب كما كذب المنافقون، نجاه الله بالصدق، فماذا فعل؟ ثبت هذا المعدن الجميل ثبت صاحبه، ثبت فلم يستجب لهذا الإغراء، لقد ثبت وقال لما قرأ الخطاب: وهذا أيضاً من البلاء، قال: فتيممت بها التنور فسجرته بها.

قارن بين هذا وبين المرتد الأفغاني، قصة فيها عجب: ذهب مع زوجته وبناته إلى ألمانيا، وهنالك فتن فتنصر، فلما رجع إلى بلده أبلغت زوجته وبناته أنه يجبرهن على قراءة الإنجيل والقيام بالصلوات الصليبية، وفي النهاية اعترف الرجل بأنه أراد ذلك فعلاً، وأنه غير قناعاته، فماذا حصل؟ لما حكم عليه بعض أهل الإسلام بحكم الشرع في قتله وهو المرتد، وهكذا إذا استتيب فأصر، والنبي ﷺ قال: من بدل دينه فاقتلوه[رواه الترمذي1458]أي: بدل دين الإسلام إلى غيره، فانتفضت له دنيا الكفار، وقاموا من أجله، واتصلوا وتواصلوا، وعرضوا عليه تلك العروض، لقد اهتموا به كل الاهتمام، منح اللجوء، والمناصرة، والتغطية الإعلامية، والضغوط، والمناشدات من كل حدب وصوب، المرتد عمله قبيح وفعله شنيع: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَسورة البقرة217، المرتد يحل دمه، المرتد ذنبه أقبح الذنوب، عرف الحق وتركه، دخل في دين الحق ورجع عنه؛ ولذلك كان هذا حكم الشريعة فيه وهو حكم عادل، وجزاء صائب فيمن هذا حاله، وهكذا أهل الكفر يتبنون المرتدين، فتلك التي أخرجت الفيلم تطعن في أهل الإسلام،ودين الإسلام، وحجاب المسلمة الذي فرضه الله، يختارونها كأشهر شخصية في أوروبا، ويدافعون عنها، ويستقبلونها ويكرمونها، وهي مرتدة تتهم دين الإسلام بإهدار حقوق المرأة، وتظهر النساء العاريات في فيلمها، وقد حفرت على أذرعتهن آيات قرآنية، ويقوم ذلك المخرج بإخراج فيلمها.

عباد الله: على عارية تنقش آيات تصور في فيلم، ويوجه ضد الإسلام وأنه يهين المرأة ونحو ذلك.

وتتبنى القضية من أولئك الكفرة، وما فعلوه مع المرتد الأفغاني، لو أنك قارنت ذلك مع ما حصل لبعض النسوة القبطيات اللاتي كن على ضلالة النصارى فهداهن الله إلى دين الإسلام، من دافع عنهن؟ من عرض عليهن حق اللجوء؟ من انتصر لهن؟ من الذي آواهن؟ لم يحدث، وإنما أسلمن إلى قومهن فأذاقوهن سوء العذاب، فهذه حبست، وهذه حرق شعرها، وهذه نزعت من زوجها المسلم، وهكذا.. غيبت أخريات من مسرح الحياة، مع أنهن اخترن طريق الحق، فسبحان الله تلك التي رحلت من دنياها لأجل دينها، وتحارب بنشر الشائعات وسائر الضغوط، ولم يقم لها أحد، فواعجباً كيف يهان المسلم، وكيف ينصر الكافر المرتد؟

وإن في أعناق أهل الإسلام مسئولية تجاه إخوانهم في الدين، فنسأل الله ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء، وأن يتجاوز عنا تفريطنا وإسرافنا في أمرنا، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وينصرنا على القوم الكافرين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:23:57

الحمد لله العلي الجبار، القوي القهار، مكور الليل على النهار، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، فصلى الله عليه  وعلى آله وصحبه وذريته وخلفائه وأزواجه.

ثبات الصحابة

00:24:33

عباد الله: لما فتحت الدنيا على الصحابة ثبتوا على الإسلام والدين وعلى الدعوة والجهاد لم تفتنهم الدنيا، فكان ذلك دليلاً على أصالة معادنهم، وعلى جودة بواطنهم، وعلى صدق قلوبهم، قلوبهم معادن الإيمان، صدورهم خزائن القرآن، وفيهم الإيثار والسخاء والصبر والوفاء والصفاء.

يقول عبد الرحمن بن عوف لما أوتي بطعام وكان صائماً: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه، وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، أعطينا من الدنيا ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.

أبو هريرة كان يخر بجانب منبر رسول الله ﷺ من الجوع؛ لأنه كان متفرغاً لحفظ الحديث، لم ينشغل بالتجارة والصفق بالأسواق، فجاع حتى خر من الجوع، غشي عليه، وبعد ذلك خرج في الفتوحات بعد وفاة النبي ﷺ واستعمله عمر وجعله أميراً، فهل غيرته الإمارة؟ هل فتنه المنصب؟

عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي: أن أبا هريرة أقبل في السوق يحمل حزمتي حطب وهو يومئذ أمير، فقال: أوسعوا الطريق للأمير، يا ابن أبي مالك، فقلت: يرحمك الله نكفيك، قال: أوسع الطريق للأمير والحزمة عليه، سبحان الله!

قام عمر فأوقد الفتيل، قالوا: كنا نكفيك يا أمير المؤمنين، قال: قمت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر.

ظهرت معادن الصحابة في شدائد الجهاد واجتماع الكفار عليهم، فهؤلاء في أحد اصطفى الله منهم شهداء، وخوفهم الكفار أنهم يريدون أن يرجعوا ليستأصلوهم: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْفماذا حصل؟ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُسورة آل عمران173.

وهكذا محص الله أولئك القوم: وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْسورة آل عمران141ويبقى المنافقون على المعدن القبيح، يرجعون من المعركة قبل بدأها، يخذلون ويثبطون، وهكذا يظهر من يعبد الله ممن هم في غفلة ولهو يلعبون.

ما ينبغي فعله في كسوف الشمس

00:27:25

وقد رأينا وسمعنا ما حصل في موضوع الكسوف، إنه عجب، هذا الكسوف وهو ذهاب ضوء الشمس ونور القمر كله أو بعضه، لماذا يحدث؟ له سبب طبيعي، فهذا الكوكب يحجب هذا الكوكب، ودورانات في أفلاك: كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَسورة الأنبياء33، ولكن أخبرنا النبي ﷺ عن سبب لهذا الحدث لا تدركه العقول، قال: ولكن يخوف الله بها عباده[رواه البخاري1048]، فأخبرنا عن الكسوف والخسوف أنه تخويف، آية من آيات الله، وقال تعالى: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًاسورة الإسراء59، وكما أنه في يوم القيامة يخسف القمر والشمس تنكدر، تلف ويذهب ضوءها، هكذا يحدث بهذين الكوكبين النيرين، يسلبهما الله نورهما يوم الدين، ويحدث التلاطم بين النجوم واختلال النظام يوم القيامة، فتصطفق الكواكب، وهكذا تضرب النجوم النجوم وتتهاوى وتنزع من أماكنها، فيكون الكسوف تذكير بما يحدث يوم القيامة من تغير العالم، ومن فراق عقد الكواكب، ومن ذهاب نور الشمس والقمر، فهذا تخويف بيوم القيامة، تذكير العباد بيوم القيامة؛ ولذلك فإن النبي ﷺ لما رأى الكسوف قام فزعاً يخشى أن تكون الساعة، ومعلوم أنه بينه وبين الساعة حوادث كثيرة من خروج الدجال مثلاً وغيره، ومع ذلك قام فزعاً يخشى أن تكون الساعة، لماذا؟ لأن انشغاله بالخوف من الله أذهله عن تذكر أن هنالك أشراط واستحضار إمكان القدرة غلبه على استحضار ما تقدم من الشروط، فأتى المسجد، أخذ بالخطأ لباس زوجته بدلاً من ردائه، من الفزع، ومن الخوف من الله قام يجر إزاره من المسجد فصلى صلاة طويلة لم يصل مثلها قط، وقال: فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم[رواه البخاري1040]فماذا شرع لنا ربنا في هذه الحالة؟

أولاً: صلاة الكسوف.

ثانياً: الدعاء.

ثالثاً: الصدقة: فإذا رأيتم ذلك صلوا وتصدقوا[رواه البخاري1044].

رابعاً: الذكر والاستغفار، قال في الحديث: فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره [رواه البخاري1059]، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه الندب للاستغفار عند الكسوف وغيره لأنه مما يدفع منه البلاء.

والعتق، قالت أسماء:"أمر النبي ﷺ بالعتاقة في كسوف الشمس"[رواه البخاري1054]. والتعوذ من عذاب القبر بالذات، فقد ورد النص عليه: فإنه ﷺ لما صلى بهم خطب بعدها، وقال ما شاء الله أن يقول، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر.[رواه البخاري1050]رواه البخاري، قال العلماء: والتعوذ من عذاب القبر مناسبته عند الكسوف، أن ظلمة النهار بالكسوف تشابه ظلمة القبر وإن كان نهاراً، فصاحب القبر في قبره ظلمة في ظلمة حتى ولو كانت الشمس طالعة فوق قبره، قالوا: والشيء بالشيء يذكر، فيخاف من هذا كما يخاف من هذا، فيحصل الاتعاظ بهذا في التمسك بما ينجي من غائلة الآخرة وعذابها، فماذا فعل الناس؟

أحوال الناس في كسوف الشمس

00:31:54

انظروا إلى العناوين في الجرائد، وأخبار مواقع الإنترنت.. انتعشت حركة السياحة خلال اليومين الماضيين بصورة أكبر من معدلاتها المعتادة في عدد من دول الشرق الأوسط، وذلك لمشاهدة ظاهرة الكسوف الكلي للشمس التي وقعت الأربعاء، الملايين في أنحاء العالم يشاهدون الكسوف الحلقي، ولاجتذاب السياح سارعت بعض الدول إلى تجهيز منشآت خاصة وبث إعلانات مغرية حول ظروف المراقبة على أراضيها، وخصص في بعضها عشرة مطارات، وخمسة مرافئ لاستقبال الزوار من سبعة وأربعين جنسية، حيث أعلن أن عدد السياح الأجانب سيصل إلى ما يزيد عن عشرة آلاف زائر لمتابعة هذا الحدث الفلكي، وفي تركيا حيث تمكن مشاهدة الكسوف من مواقع سياحية على ساحل المتوسط يجري الحديث عن تقديم أفضل الضمانات عبر التأكيد أن الطقس سيكون صافياً، وتشهد جزيرة كاست رزن اليونانية بجنوب بحر إيجا تدفقاً استثنائياً للزوار، وتجمع الآلاف في مدريد لمتابعة الكسوف، ماذا قالوا؟

وكانت تلك الظاهرة فرصة لترويج النظارات، والعروض الفنية، وقد أقيمت مهرجانات شعبية وعروض لفرق الرقص للترفيه عن السائحين، وفي واو الناموس على سبيل المثال نظم سباق للهجن، ومعارض لمنتجات شعبية، الله يخوف عباده بالكسوف ويذكرهم بيوم الدين، ويؤمرون بالاستعاذة من عذاب القبر، وهنا سباق للهجن، ومعارض للمنتجات الشعبية، وتمكن المتابعون من مشاهدة كوكبي عطارد والزهرة، واجتمعوا عند المرصد البيروني، وهكذا خرجت الفتيات سافرات لمشاهدة ذلك، لا صلاة ولا حجاب.

ما هذا؟!

قال تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ ۝ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ۝ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْسورة الأنبياء1-3ماذا سيقولون يوم الدين؟ يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَسورة الأنبياء97، ماذا سيقال للواحد منهم؟ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌسورة ق22، هؤلاء كما قال ربنا: وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَسورة الروم7، هؤلاء لو رأوا الآيات لا يؤمنوا، قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَسورة يونس7، غفلة مسيطرة، غفلة مستحكمة، ولم يكد أحد يذكر من هؤلاء الأخباريين صلاة الكسوف، ولا اجتماع عباد الله للمساجد فيها إلا قليلاً.

عباد الله: الغفلة يعاقب أصحابها أحياناً في الدنيا قبل الآخرة، حفلة على سفينة حفلة رقص صاخبة، حفلة عشاء اختلاط الرجال بالنساء تغرق السفينة يغرق الركاب، والله يعذب بالغرق ويعذب بالحرق.

نسأل الله أن يغفر للمسلمين والمؤمنين.

عباد الله: هذه الزلازل من بين أيدينا تذكرنا بالساعة، وهي من أشراط الساعة، وبعد ذلك الكسوف، يحدث زلزال، ويحدث غرق، ولكن الناس في غفلة، فأين المعادن؟ أين أهل الإيمان؟

واجبنا في نصرة النبي ﷺ

00:35:45

ونحن في هذه الحال نتذكر حق نبينا ﷺ، ونتذكر بغضنا لأولئك القوم الذين أساؤوا إليه فسبوه وشتموه، وقد أرسله الله إليهم هادياً ومبشراً ونذيراً، ولما قام المسلمون بالشيء الذي يستطيعونه في عملية ترك وليس فعل، ترك مقاطعة حاول أولئك الكفرة بشتى الوسائل إنهاء هذه المقاطعة، حتى لقد دخلوا على الإسلام من بعض أهله، وحتى جاءت بعض الأخبار بأن بعض هؤلاء مع الأسف يريدون إيقاف ما اجتمع عليه المسلمون من مقاطعة بضائع أولئك، وعندما قاطع المسلمون بضائع أولئك القوم ما كانوا يقصدون شركة معينة، ومعلوم أن الشركات لم تكن تلك التي رسمت تلك الكريكتيرات من البداية، ولكن إصرار القوم جعل المسلمين يلجئون إلى هذه الوسيلة كي تكون عامل ضغط على من كان وراء حماية تلك الصحيفة الجائرة، وينبغي أن تستمر هذه القضية لتحدث النتيجة، فإننا لم نر من القوم شيئاً إلا صلفاً وغروراً وعناداً وإصراراً، ومن كان المقصود؟ الصحيفة ومن وراءها ممن يحميها، وعندما تتخذ قرارات من نوع إيقاف المقاطعة أو استمرارها فلا بد أن تكون بعين فاحصة، لا بد أن تكون بتروٍ وتأنٍ، لا بد أن تكون في حرية تامة، وأما أن تسلق سلقاً كما يقولون وتخرج إخراجاً بتلك العجلة، والمفترض أن القوم مجتمعون لنصرة النبي ﷺ وليس لتخذيل من أراد أن ينصر النبي ﷺ، وليس المقصود خرق إجماع المسلمين الذي اتخذوه وعملوه، وهذه من الأحداث التي تجري لتكشف الأمور والحقائق، ويبقى المسلم -يا عبد الله- وفياً لدينه، عاملاً بالمصلحة الشرعية، وإذا كان لنا من الحكمة أن نثني على مواقف شركة لاعتذارها فإن هنالك فرق بين أن نشجع أولئك القوم بنوع ثناء، وبين خرق الإجماع؛ لأنك إذا نظرت في المقاطعة في بعض الأماكن لا ترى إلا هذه البضائع التي لو لم تقاطع الآن في هذه الشركة لما كان للمقاطعة معنى أصلاً، ولما وجدت شيئاً آخر تقاطعه.

عباد الله: هنالك ميادين ومعارك بين أهل الإسلام وأهل الكفران، فينبغي أن يثبت أهل الإسلام، وينبغي أن تتواصل هذه الجهود لنصرة النبي ﷺ.

اللهم انصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك في العالمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين، اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، اللهم من أراد أن يخرق أمننا فأخزه، اللهم من أراد أن يجعل في بلادنا الاضطراب والقلاقل فخذه، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد والنجاة يوم المعاد يا رب العباد.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه مسلم832
2 - رواه الترمذي3502
3 - رواه الترمذي1458
4 - رواه البخاري1048
5 - رواه البخاري1040
6 - رواه البخاري1044
7 - رواه البخاري1059
8 - رواه البخاري1054.
9 - رواه البخاري1050