الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ونبيك محمد بن عبد الله، الذي زهِدَ في الدنيا وأعرض عن زخارفها، وهو الذي بلغنا وحي الله وفيه: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى 131 سورة طـه.
شهوة التوسع وأسبابها
وهكذا علّم الله نبيه ﷺ أن لا يستحسن هذه الدنيا وأحوال أهلها، ولا يمدَّ عينيه معجباً بما فيها طامحاً ببصره إلى زخارفها، ووصفها تعالى بقوله: زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا؛ لأن لها ظاهراً جميلة تبتهج به نفوس المغترين، ويأخذ الإعجاب بأبصار المعرضين كما يطلِع النباتُ زهرتَه لامعة جذابة، ولحسنها ونظارتها كأنها زهرة تطلبها النفوس طلباً حثيثاً ولكنها سرعان ما تذبل وتنمحي.
قال تعالى: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ 131 سورة طـه، أي: جعلها فتنةً وابتلاءً واختباراًكما قال سبحانه: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7 سورة الكهف.
ثم ذكر بالباقي، فقال: وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى 131 سورة طـه، فرزق الله من العلم والإيمان والأعمال الصالحة هو الذي يبقى عند الله بأجر في جنة الخلد لا يفنى، قال تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى 16-17 سورة الأعلى.
وإن من مدِّ العين في هذا الزمن نحو الدنيا إقبال الكثيرين على التوسع فيها رغم ضيق حالهم، فترى بعضَهم يستدين ويقترض ليتوسع ويتمتع بزهرة الدنيا، وكأن هذه الحياة حياة شهوة واستمتاع.
يعمد كثيرون فيها إلى الاستزادة من نعيمها أكثر مما يطيقون، ولذلك كثرت القروض، وعمَّ الاقتراض، وعمَّ البلاء ببطاقات الائتمان، فهذا لا يقنع إلا بأفخم الشقق وأحدث السيارات وأفخمها، ولا يرضى في السفر إلا بأترف الرحلات، وأعظم الفنادق، وأرفه الأطعمة، وأفخر الثياب، وآخر الموديلات، وحتى هذه التقنيات التي استنزفت من جيوب الناس ما استنزفت عبر أجهزتها المحمولة والمنقولة والثابتة، وتباهى الناس في الأفراح يستدينون ليقيموا المناسبات، ويسافرون بالدَين لتزجية الأوقات، ثم يقع الضغط من ربة المنزل لاستبدال الأثاث، وهكذا يستدينون لإدخال أولادهم في المدارس ذات الرسوم العالية، ولا ذهاب إلا إلى أغلى المستشفيات، وكذلك تتعلق النساء بآخر الأزياء والموضات فيبقى هذا الذي يدفع تحت نير الدَين، كله بسبب أن المجتمع يجاري بعضه بعضاً في المباهاة والتفاخر والتنافس في مباهج الدنيا.
ومن النساء من تستبدل جميع ملابسها مع بداية كل عام، وهكذا استقدام الخادمات من أجل المكانة الاجتماعية، بل والعدد منهن.
لماذا تتفشى مثل هذه الظواهر في المجتمع؟
لأن كثيراً من الناس ما عرفوا قيمة الدنيا، بل إنهم توسعوا فيها أكثر مما يطيقون، فحملوا على كواهلهم من الديون ما يرهنون به أنفسهم في قبورهم؛ فالإنسان مرتهن بدينه في قبره.
وإن من الأسباب الداعية إلى مثل هذا الاستسلام لرغبات النفس وشهواتها، والنفس طماعة لا ترضى بالقليل، قال النبيﷺ: لو كان لابن آدم واد من ذهب أحب أن له وادياً آخر، ولن يملأ فاه إلا التراب، والله يتوب على من تاب وقال ﷺ: منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا.
وقد أمر الله تعالى بالإنفاق ولكن على قدر الرزق الذي يؤتاه العبد، قال الله : لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ يعني ضيق فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا7 سورة الطلاق، والنفس إذا فطمت على طاعة الله وعرفت حقيقة الدنيا وقدرها لم تجرِ وراءها بهذا اللهاث.
يا نفس خافي الله واقتصدي | واسعي إليه سعي مجتهد |
يا طالب الدنيا ليجمعها | جمحَت بك الآمالُ فاقتصد |
وأراك تركب ظهر مطمعةٍ | تهوي بها بلداً إلى بلد |
أوَ ما ترى الآجال راصدة | لتحول بين الروح والجسد؟ |
وإذا المنية أممت أحداً | لم تنصرف عنه ولم تِحد |
أيام عمرك كلها عددٌ | ولعل يومك آخر العدد |
منَّتك نفسك أن تتوب غداً | أو ما تخاف الموت دون غد |
مرَّ جابر بن عبد الله على عمر ومعه لحم فقال: ما هذا يا جابر؟ قال: لحم اشتهيته فاشتريته، قال: أو كلما اشتهيت شيئاً اشتريته؟ أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا 20 سورة الأحقاف؟.
وعندما تجد المصارف سوقاً رائجة لبطاقاتها الائتمانية التي تحمل الناس على الاستدانة حملاً، وتغريهم بالشراء بهذه الأرقام التي لا يرونها، لا يرى أوراقاً نقدية يشتري بها، وإنما هي أرقام في أرصدة، يشتري بهذه البطاقة ثم بعد ذلك يبوء بالهم المنتفخ من الديون.
ومن الأسباب تقليد الآخرين ومجاراتهم، فلا يتحمل بعض الناس أن يرى صاحبه قد اشترى سيارة من النوع الفلاني أو جوالاً من النوع الفلاني ثم لا يكون له مثله، فهو يريد أن يسعى بأي طريقة إلى شراء المثيل، وكأن النفس لن تطمئن ولن تهدا حتى أنها لا ترى لغيرها مزية عليها في الدنيا، وكان الواجب التنافس في الآخرة كما قال تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ 26 سورة المطففين.
وهذا شأن الكثير من النساء أيضاً فإذا رأت على صاحبتها شيئاً سألتها: من أين وبكم؟ ولا يهدأ لها بال حتى تذهب لتشتري مثله أو أحسن منه في نظرها.
ومن الأسباب لهذه الظاهرة الانسياق وراء الدعايات الإعلامية، ولا شك أن التجار وشركات الدعاية والإعلان تتحمل جزءاً من حمل الناس على الشراء بهذه الطريقة المحمومة لكن يبقى النصيب الأكبر على من يندفع ويتخذ القرار؛ فإن الله جعل لنا عقولاً، ولا يصلح أن يقع الإنسان فريسة لهذه الإعلانات.
وانتشار التمويلات البنكية وبيوع التقسيط مما شجع الناس على الدخول في الديون للتوسع في الدنيا، وترى من أنواع الدعايات قروض سيارات، قروض بناء، قروض شخصية بدون دفعة أولى، وبدون كفيل، ونحو ذلك!
خطوات العلاج
هل المطلوب من الإنسان المسلم أن يورط نفسه في الديون؟ وأن يتدين ليتزين؟ أو ما كان الأولى للإنسان التدين بالدِّين وليس بالدَّين؟
ومن كمال فقه الرجل مراعاة بيئته فإن بعض الناس إذا خالط من هو أعلى منه تعب نفسياً ومالياً، قال عون بن عبد الله –رحمه الله-: صحبت الأغنياء فلم أر أحداً أكبر هماً مني، أرى دابة خيراً من دابتي، وثوباً خيراً من ثوبي، وصحبت الفقراء فاسترحت.
ومما ينبغي أن يحرص عليه المسلم أن يفهم حقيقة الغنى وأنه ليس بالكثرة وإنما الغنى غنى القلب، قال ﷺ: ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس[رواه البخاري ومسلم] وقال ﷺ: وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.
وليعالج المسلم هذا الأمر في نفسه ينبغي له أولاً أن يعلم حقيقة هذه الدنيا وأنها دار فناء، قال النبي ﷺ: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل.
لكل ضيق من الأمور سعة | والليل والصبح لا بقاء معه |
قد يقطع الثوب غير لابسه | ويلبس الثوب غير من قطعه |
ويجمع المال غير آكله | ويأكل المال غير من جمعه |
ويرفع البيت غير ساكنه | ويسكن البيت غير من رفعه |
فارض من العيش ما أتاك به | من قر عيناً بعيشه نفعه |
لا تحقرن الوضيع علك أن | تخضع يوماً والله قد رفعه |
ونعيم الدنيا زائل، قال ﷺ: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار، يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيراً قط؟ هل مرَّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤساً قط؟ هل مرَّ بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مرَّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدَّة قط[رواه مسلم].
من قنع طاب عيشه، ومن طمع طال طيشه، والراحة في الدنيا ليست بالتوسع فيها، ولكن كما قال ﷺ: من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا ونعمة الصحة عظيمة، لا يعدلها مال.
إني وإن كان جمع المال يعجبني | فليس يعدله عندي صحة الجسد |
المال زين وفي الأولاد مكرمة | والسقم ينسيك ذكر المال والولد |
فتأمل ما عندك من رأس المال يا عبد الله، وما آتاك من الصحة تجد أن لك فيه مغنماً، وأن عندك خيراً كثيراً، قال ﷺ: انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم فمن أراد أن تعظم نعمة الله في عينه فليتأمل من هو أقلُّ منه حالاً.
ثم ينبغي أن تربى النفوس على الزهد، والزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، دخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيت أبي ذر فقال: يا أبا ذر، أين متاعكم؟ قال: إن لنا بيتاً نوجه إليه متاعنا، قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا، قال إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه!
رغيف خبز يابس | تأكله في عافية |
وكوز ماء بارد | تشربه من صافية |
وغرفة ضيقة | نفسك فيها راضية |
أو مسجد بمعزل | عن الورى في ناحية |
تقرأ فيه مصحفاً | مستنداً بسارية |
معتبراً بمن مضى | من القرون الخالية |
خير من الساعات في | فيء القصور العالية |
وينبغي أن نتبع الميزان الذي وضعه الله وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا 67 سورة الفرقان.
اللهم إنا نسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، الرحمة المهداة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن ولاه.
معاني أسماء النار والجنة
عباد الله: ذكَّرنا الله بالدارين والجزاءين والمصيرين، وعظَّم من شأنهما، وجعل لهما أوصافاً وأسماء، وكلما كثرت أسماء الشيء في اللغة دلَّ ذلك على عظمته وأن له شأناً، فجهنم شيء عظيم خطير، وكذلك جنة الفردوس، وقد سمى الله دار العذاب جهنم من الجُهمة، وهي الظلمة الشديدة، قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا 36 سورة فاطر.
وسميت بذلك؛ لبعد قعرها، قال تعالى: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا 21 سورة النبأ.
وسماها لظى، فقال:كَلَّا إِنَّهَا لَظَى 15 سورة المعارج، وقال: فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى 14 سورة الليل، واللظى في اللغة اللهب الخالص، سميت بذلك لشدة توقدها وتلهبها.
وكذلك سماها سقر، فقال: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ 26 سورة المدثر، وسقر من التغير والذوبان والانصهار، فهي نار شديدة محرقة، قال تعالى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ 48 سورة القمر، يعني ألم النار وغيظها ولهبها.
وسماها الحطمة، فقال: كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ4-7 سورة الهمزة، يعني تأكل الجسد حتى تخلص إلى القلب والفؤاد.
وهي الجحيم، قال : وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ 12 سورة التكوير، وكل نار عظيمة تأجج فهي جحيم.
وسماها السعير، فقال: وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا 10 سورة النساء، يعني عذاباً أليماً حارَّاً لا يطاق.
وسماها الهاوية، فقال: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ 9-11 سورة القارعة، والهاوية أسفل دركات النار من وقع فيها لم يخرج منها أبداً، وسميت أماً لأنه لا مأوى له غيرها، قال: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ 9 سورة القارعة.
وسماها سموماً، فقال: وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ 27 سورة الطور، والسموم أصله الريح الجافَّة الحارة جداً، فهذا مما يدل على شدة عذاب من يدخلها، نسأل الله السلامة والعافية منها، وأن يعتق رقابنا من النار.
ثم إنه سمى دار كرامته بأسماء متعددة، فسماها جنة الخلد قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ 15 سورة الفرقان، وذلك لخلود أهلها فيها.
وسماها جنة المأوى، قال تعالى: عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى15 سورة النجم، وقال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى 40-41 سورة النازعات، والمأوى هو المكان الذي يستقر به الإنسان.
وسماها جنة عدن، فقال: جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا61 سورة مريم، يقال: عدن بالمكان إذا أقام به ولبِث.
وسماها جنات النعيم، فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ 8 سورة لقمان، فجمع الجنات وأضافها إلى النعيم؛ لما تضمنته من أنواع النعيم في المآكل، والمشارب، والملابس، والمناكح، وغير ذلك.
وسماها الفردوس، فقال: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ 10-11 سورة المؤمنون،والفردوس في اللغة البستان، فيطلق الفردوس على جميع الجنة، ويطلق خصيصاً على أفضلها وأعلاها وهو أوسطها كما قال النبي ﷺ: فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن.
وسماها الله –تبارك وتعالى- دار السلام، فقال: لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ 127 سورة الأنعام؛ وذلك لسلامتها من المنغصات والمكدرات، ولأن كلام أهلها سلام لا لغو فيه ولا فحش.
وسماها دار المقامة، فقال: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ34-35 سورة فاطر، فهي لا يموت فيها أهلها ولا يتحولون، ولذلك سماها دار المقامة؛ لأنهم لا يرغبون عنها ولا يخرجون منها.
وهي الحسنى التي قال الله فيها: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ 26 سورة يونس، فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن.
وهي الدار الآخرة، ودار المتقين، وهي الحيوان التي قال الله فيها: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ 64 سورة العنكبوت، أي: الحياة الحقيقة، الممتلئة بالحياة التي لا فناء فيها.
وهي المقام الأمين، كما قال الله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ 51 سورة الدخان يعني مكان آمِن.
وهي مقعد الصدق التي قال الله فيها: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ 54-55 سورة القمر.
اللهم اجعلنا من أهلها يا أرحم الراحمين، وأورثناها يا أكرم الأكرمين، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، اللهم إنا نسألك الجنة برحمتك، اللهم إنا نسألك جنة الفردوس يا رب العالمين، اللهم أعتق رقابنا من النار، واغفر ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا يا أرحم الراحمين، اللهم اقض ديوننا، وفرج كروبنا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وآمن روعاتنا، واستر عوراتنا، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تكتبنا من السعداء وأن لا تجعلنا من الأشقياء، اللهم اعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهُِنَّا، وزدنا ولا تنقصنا، وعافنا واعف عنا.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.