الخطبة الأولى
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
كمال الشريعة
فقد قال الله في كتابه العزيز: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًاسورة المائدة:3، نزلت على النبي ﷺ وهو واقف بعرفة يوم جمعة، هذا الكتاب العزيز الذي أتمه الله ، وأكمل لنا الدين، ففيه أصول الدين وفروعه والتوحيد: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُسورة البقرة:21، والنهي عن الشرك: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ سورة الأحقاف:5، وتوحيد الأسماء والصفات: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَاسورة الأعراف:180، والواجب على الأمة في معاملات أعدائها، وكيف تسلك معهم السبل في حال القوة والضعف: وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةًسورة التوبة:36، هذا في حال قوة الأمة الإسلامية: قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ سورة التوبة:29، ولا يجوز في حال قوة الأمة الدعوة إلى السلم أبداً: فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ سورة محمد:35، فإن كانوا في حال الضعف، واحتاجوا إلى هدنة للأخذ بأسباب القوة، وكان الأعداء صادقين، فقد قال: وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَاسورة الأنفال:61، فيه آداب المجالس والاستئذان: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَاسورة النــور:27، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا سورة المجادلة:11، آداب اللباس وغيرها: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍسورة النــور:60، قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ سورة الأحزاب:59، سد أبواب الفتنة: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّسورة النــور:31 إلى آخر الأشياء الدالة على كمال هذا الدين من جميع الجوانب، وأن فيه ما تحتاجه الأمة في السياسة والاقتصاد والاجتماع، والمعاملة بين أفرادها فيما بينهم، وبين غيرهم من الأمم: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍسورة النحل:89، ففيه ذكر أحوال المسلم الشخصية، وقسمة المواريث، وغير ذلك من أنواع الأموال، وما يجب فيها، وكيف يعيشون في هذه الدنيا، وإلى أي شيء سيقدمون عليه يوم القيامة، وبعد الموت، وماذا يوجد في الآخرة من الجنة والنار، والحساب والجزاء، والصراط والمحشر، وأنواع ما يكون في الآخرة من العذاب والنعيم، كل شيء مبين: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك [رواه ابن ماجه (44)]كما قال ﷺ، إنها بيضاء لا تقبل الاشتباه، لم يكن هناك شيء من دقيق الأمور وعظيمها إلا وهو مذكور في هذا الدين، قال أبو ذر : "لقد تركنا محمد ﷺ، وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً" [رواه أحمد (20854)]رواه أحمد، وهو حديث صحيح، فارق النبي ﷺ أصحابه بعدما بلغهم الدين كاملاً، وقال لهم في خطبته في عرفات في ذلك المجمع العظيم: " وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون ، قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت، فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاث مرات" [رواه مسلم (1218)]رواه مسلم، فكلنا نشهد أنه ﷺ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وبلغنا ديناً كاملاً من الله، لا يقبل زيادة، ولا تنقيحاً، إنه دين كامل مهيمن على ما سبقه من الأديان، فيه دقائق الأمور، حتى آداب قضاء الحاجة، روى مسلم: أن المشركين قالوا لسلمان الفارسي: قد علمكم نبيكم ﷺ كل شيء حتى الخراءة؟ قال سلمان: "أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم" [رواه مسلم (262)]، فلا روث الدواب، ولا العظام تجزئ في الاستجمار، وهي طعام المسلمين من الجن إذا ذُكر اسم الله على مذبوحها، لقد كانت تلك الآداب العظيمة التي تستحسنها العقول الصحيحة يفتخر بها المسلمون على غيرهم، إنها شريعة فخر وعظمة، إنها شريعة كاملة، وهذا الكمال لا يقبل الزيادة بأي حال من الأحوال، فمن ذا الذي يجرؤ أن يزيد على شريعة الله، وعلى دينه ؟!
المبتدع يتهم الدين بالنقص
إن الذي يزيد على شريعة الله مجرم؛ لأنه يتهم الله بالنقص، لقد كان ديناً كاملاً لا يقبل زيادة أبداً فيما شرعه الله ، وحذرنا ﷺ، وكان يكرر ذلك في خطبه: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة [رواه مسلم (867)]، وقال للصحابة بعدما أبكاهم بموعظته: من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة[رواه أبو داود (4607)]، "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم" كما قال ابن مسعود [رواه الدارمي (205)].والغريب العجيب أن بعض الناس يقولون: هناك بدعة حسنة، كيف يقال هذا والنبي ﷺ يقول:
كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار الغريب العجيب أن بعض الناس يقولون: هناك بدعة حسنة، كيف يقال هذا والنبي ﷺ يقول: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
. [رواه النسائي (1578)]، قال ابن عمر رضي الله عنهما: "كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة"، وقد جاءت الشريعة من كمالها بسد الباب في وجه البدع، والتحذير منها، وأن من ابتدع في الدين فقد ضل عن الصراط المستقيم، والمبتدع يتهم النبي ﷺ ضمناً أنه لم يكمل الدين، وأن الدين فيه مجال للزيادات، وهذه البدعة واحدة من الزيادات، والبدعة الأخرى زيادة أخرى، وهكذا؛ ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً ﷺ خان الرسالة؛ لأن الله يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْسورة المائدة:3، فما لم يكن يومئذ -أي: على العهد النبوي- ديناً لا يكون اليوم -بعد النبي ﷺ ديناً، قال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ فإن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها؛ ولذلك قال النبي ﷺ: إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته [رواه المنذري (87)]؛ لماذا؟ لماذا التوبة بعيدة عن المبتدع؟ لأن المصيبة العظيمة في هذا المبتدع أنه يظن نفسه يحسن عملاً: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا سورة الكهف:103-104؛ ولذلك المبتدع لا يشعر بالدافع للتوبة، لماذا يتوب، وهو يعتقد بأن بدعته من الدين؟! لماذا يتوب؟! المبتدع لا يقول: أنا مبتدع، ولا يعتقد أنه مبتدع، العاصي ربما يعرف أنه عاصي، الزاني يعرف أنه عاصي، شارب الخمر يعرف أنه عاصي، لكن المبتدع لا يقر بأنه مبتدع أبداً، يظن نفسه يحسن صنعاً، يظن نفسه يتقرب إلى الله، يظن نفسه الآن يعمل الصالحات، ويزداد من الحسنات، ولذلك لا يوفق للتوبة، ألم يكفهم حديث النبي ﷺ: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد[رواه مسلم (1718)]؟! فهذه البدعة مردودة على صاحبها، ألا يكفيهم أن الإثم عليهم فيمن قلدهم: من سن في الإسلام سنة سيئة، فعُمل بها بعده، فكتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء [رواه مسلم (1017)]، والبدعة تمنع ورود الحوض حوض النبي ﷺ، فقال لنا في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: إني لكم فرط أي: أتقدمكم، أنا قبلكم على الحوض، إني لكم فرط على الحوض، فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم هذا؟ لماذا نُحيَ عن الحوض، وأبعد؟ فأقول: فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً [رواه مسلم (2295)]أي: بعداً بعداً، هذه البدعة تجر إلى اللعنة، وتجر اللعنة إلى صاحبها.
قال ﷺ في خطورة الابتداع في المدينة، وإيواء المبتدعين في المدينة النبوية: المدينة حرم ما من عير إلى ثور ما بين هذين الجبلين حرم، فمن أحدث فيها حدثاً، وفي رواية: أو آوى محدثاً؛ فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً، ولا عدلاً [رواه البخاري (6755)، ومسلم (1370)].
البدع أنواع
البدعة من أسباب سوء الخاتمة؛ وهو ما حصل لعدد من المبتدعة، وخصوصاً المبتدعين في الأمور الاعتقادية، والبدع نوعان: بدع اعتقادية، وبدع عملية، بدع اعتقادية اعتقد فيها أناس ببدع باطلة، وظنون كافرة بالله ، فقالوا: هو كل شيء في الكون، لا يعرف أحدهم أين ربه، ولو قلت له: أين ربك؟ أين الله؟ قال: في كل مكان، وهو على عرش بائن منفصل من خلقه، ليست ذاته متصلة بذواتهم، ولا حال بذواتهم، وهؤلاء الحلولية يقولون: إن الله حل في المخلوقات، تعالى الله عن قولهم! ويقولون: كل ما ترى بعينك فهو الله، تعالى الله عن قولهم: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىسورة طـه:5! ومنهم من اعتقد أن القرآن مخلوق، وهو كلام الله، وصفات الله غير مخلوقة، فلا يده، ولا وجهه، ولا سمعه، ولا بصره، ولا كلامه مخلوقة، وإنما هي له على الوجه الذي يليق بجلاله وعظمته.
عباد الله: إن المبتدعة يُلبَّسون بالسواد يوم القيامة، قال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ سورة آل عمران:106، قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة، وتسود وجوه أهل البدعة.
تزيد صاحبها بعداً من الله: ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا ازداد من الله بعداً [رواه أبو نعيم (3/9)].
هناك بدع كثيرة في الأعمال، صلوات مخترعة كصلاة الرغائب، اثتنا عشرة ركعة يصلونها في ليلة الجمعة الأولى من شهر رجب بكيفية مخصوصة، قال عنها النووي: بدعة قبيحة مذمومة.
وهناك بدع تركية، وبدع فعلية، فبعض الناس يتركون النكاح تعبداً، يتركون النوم، يتركون الطعام، أو أنواع من الطعام تعبداً، لماذا أنكر النبي ﷺ على ذلك الذي نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم، ويصوم طيلة الدهر؟ لماذا صعد المنبر، وقال للناس: إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني [رواه البخاري (5063)]، فبعض المباحات تحريمها بدعة أيضاً.
قد يكون العمل مشروعاً، فيقيده بعض الناس بسبب لم يرد في الشريعة، فيتحول إلى بدعة: "عطس رجل إلى جنب ابن عمر، فقال: الحمد لله، والسلام على رسول الله" أحد ينكر السلام على رسول الله، كلنا نقول: الصلاة والسلام على رسول الله، "فقال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله، والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله ﷺ، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حال"، عند العطاس: "الحمد لله"، "الحمد لله رب العالمين"، "الحمد لله على كل حال"، كلها روايات صحيحة في العطاس، لكن الحمد لله والسلام على رسول الله، لم ترد، فإذا قيدها بهذا السبب، فقد ابتدع في الذكر، بدع في الأذكار أنكرها ابن عمر رضي الله تعالى عنه.
قد يكون العمل مشروعاً في الأصل لكنه يتحول إلى بدعة من جهة الكيفية؛ لأنه يفعل على كيفية لم ترد عن النبي ﷺ، وأحياناً تكون الكيفية جهر بشيء أسر به النبي ﷺ، الفرق بين السنة والبدعة هنا الجهر والإسرار، فمثلاً: نحن نعلم أن من سنن الأذان الصلاة على النبي ﷺ لكن ليس جهراً في مكبرات الصوت، فلو جهر به المؤذن، وأضاف هذه الصلاة على النبي ﷺ جهراً، فجهره بها بدعة.
التلفظ بالنية، الصحيح أن النية في القلب، والله يعلم ماذا تنوي، وماذا تريد أن تفعل، ولكن لو جهرت، فقلت: "نويت أن أصلي كذا وكذا، إماماً، مأموماً، أداءً، قضاءً، ظهراً، عصراً...، إلى آخره، وسطور البدع طويلة، فتتحول القضية إلى بدعة، لماذا؟ لأن هذه عبادة، ولست أكمل من النبي ﷺ في فعلها أبداً، ولم ينقل عنه أنه جهر بنيته قبل أن يفتتح الصلاة، فيتحول الجهر بالنية إلى بدعة.
الذكر الجماعي بصوت واحد، الذكر مشروع، ذكر الله من أعظم العبادات لكن الاجتماع عليه بصوت واحد، هذه الكيفية الإضافية تحوله إلى بدعة، روى الدارمي عن أبي موسى الأشعري أنه قال لعبد الله بن مسعود: "يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيراً، قال: فما هو؟ قال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً، ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة -هذا القائد يقول: كبروا مائة-؛ فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة؛ فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة؛ فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم: قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأي، وانتظار أمرك -أنت أعلم مني-، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم، ثم مضى، ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟! قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم؟! هؤلاء صحابة نبيكم ﷺ متوافرون -لم ينقرضوا بعد-، متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر"! لم يطل العهد بعده؛ لا زال ثيابه، وآنيته موجودة، "والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحوا باب ضلالة؟! قالوا: والله، يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه"؛ كل مبتدع يقول: أنا نيتي طيبة، أنا أردت الخير، أنا أردت التعبير عن محبتي لنبيي، أنا أردت الزيادة في العبادة، أنا أردت التقرب إلى الله، نقول: "وكم من مريد للخير لن يصيبه" ليست القضية أن تعبد فقط، وإنما يجب أن تعبد على الطريقة المعينة التي علمنا إياها رسول الله ﷺ، تعبد الله بما شرع، وليس تعبد الله بأهوائك وأفكارك، تعبد الله نعم، لكن التكملة طريقة العبادة، تعبد الله بما شرع لا بالبدع.
قال ابن مسعود: "إن رسول الله ﷺ حدثنا: أن قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، قال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج"، أدت البدعة بهم في النهاية أن يخرجوا على الأمة، ويضعوا فيها السيف، ويسفكوا دماء المسلمين، ويقاتلوا الصحابة.
أيها الإخوة: إن التقليل من شأن البدع، والتهاون بها يجر شروراً عظيمة، احذر صغار البدع؛ فإنها تعود كباراً، تبدأ زاوية الانحراف ضيقة، ثم تتسع الزاوية، قد يكون العمل مشروعاً بعدد معين، فإذا زاد عليه يتحول إلى بدعة كالوضوء ثلاثاً، قال النبي ﷺ: فمن زاد؛ فقد أساء، وتعدى، وظلم [رواه النسائي (140)]، وهناك أذكار مفتوحة من زاد أحسن، كلما زدت من "سبحان الله وبحمده"، "لا حول ولا قوة إلا بالله"، قراءة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌسورة الإخلاص:1 يبنى لك بها قصر في الجنة، كلما زدت فالله خير وأكثر ثواباً ، وهناك أشياء مقيدة بعدد معين لا يجوز الزيادة عليه، والزيادة في ألفاظ الأذان بدعة، كمن زاد لفظة: "سيدنا"، مع أنه سيدنا، لكن إذا جئت إلى الأذان، وقلت: "أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله" كانت الزيادة بدعة، لو كانت هذه الزيادة صحيحة لو كانت سنة لقالها من هو خير منا، وعلمها نبينا بلالاً، وابن أم مكتوم، لكنه لم يفعل ذلك، فلا بد أن نقتصر على ما ورد.
وهؤلاء يزيدون: "حي على خير العمل"، وآخرون يزيدون الصلاة في آخر الأذان على النبي جهراً، وهكذا تزاد، وزيدت الأذان والإقامة لصلاتي العيد والكسوف مع أنه لا يشرع لهما أذان ولا إقامة، واخترع في الأذكار أشياء كثيرة، ومنها الذكر بلفظ الجلالة مفرداً: "الله الله الله الله الله" وهكذا، ثم قال الضلال: هناك ذكر خاصة الخاصة: "هو هو هو هو" أين هذا؟! قالوا: "لا إله إلا هو" الذكر ما هو؟ "لا إله إلا الله"، أو "هو هو هو" التي يقول بها هؤلاء؟! سبحان الله العظيم!
ويخصصون زماناً معيناً بعبادة معينة، ومكاناً معينة بعبادة معينة لم يرد الشرع بها فتتحول إلى بدعة، وهكذا تقديم وتأخير يكون بدعة كتقديم خطبة العيد على الصلاة، وربما يبتدعون أيضاً أشكالاً أو أنماطاً، والصحابة رفضوا ذلك من دقائقه؛ ولذلك "لما قام بشر بن مروان على المنبر يوم الجمعة، ورفع يديه فقال له الصحابي: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله ﷺ ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعه المسبحة" [رواه مسلم (874)] يعني: عند الدعاء، إلا في الاستسقاء في خطبة الجمعة، فإن رفع اليدين سنة.
وهكذا يكون أحياناً قراءة القرآن على هيئة معينة بدعة، كما يفعله من يجلب القارئ في العزاء ليقرأ، أو يقول: وحدوه أثناء صلاة الجنازة، وتكرر الذكرى الأولى في اليوم الأول، والأربعين، والسنوية للميت، وسكتة الحداد، ودقيقة صمت على روح فلان، والفاتحة على روح فلان، والورود إلى قبر الجندي المجهول، وغير ذلك من الاحتفالات، كالاحتفال بليلة السابع والعشرين من رجب، يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج، نصف شعبان يحتفلون، ليلة المولد، وما أدراك ما ليلة المولد؟ يحتفلون، يقرؤون قصائد، يقولون أذكاراً، يصنعون طعاماً وحلويات، هناك حلويات خاصة لا تُعمل إلا في المولد، ومنهم من يقيم في المساجد، ومنهم من يقيم في البيوت، ومنهم من يقول: كل أسبوع مولد، وكل شهر مولد، واجتماعات، وبدع في الأذكار، بدع في التوسل بجاه النبي ﷺ بعد موته، وأعمال شركية، واستغاثة بالنبي ﷺ بعد موته: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًاسورة الجن:21، ولا يملك النفع والضر إلا الله، ويتوسلون، ويطلبون يقولون: "يا رسول الله، المدد المدد"!
الاحتفال بالمولد النبوي
أين نشأ المولد والاحتفال به؟
أيها الإخوة: لقد كان الضلال في الدولة العبيدية الفاطمية المنسوبة إلى عبيد الله بن ميمون القداح اليهودي التي حكمت مصر من سنة ثلاث مائة وسبعة وخمسين للهجرة إلى خمسمائة وسبعة وستين للهجرة أحدثوا أشياء عظيمة، ومن ذلك ما شرعه هؤلاء الزنادقة العبيديون -أحفاد عبد الله بن سبأ اليهودي-، ولا يمكن أن يفعلوه قاصدين به خيراً أبداً، بل فعلوه إشغالاً للأمة، وتحويل الدين إلى احتفالات، وتحويل الدين إلى مناسبات، يحضرها الفسقة والفاسقات، بل لو كان كافراً كما أن نابليون النصراني حضر المولد، وتظاهر بالدين والصلاح، حضر المولد، وهكذا يتظاهر به الطواغيت والكفار، ويتظاهر به أهل الردة يحضرون الموالد، ولماذا لا يحضرون الموالد؟ إن هي إلا احتفالات، وصارت الراقصات والفنانات والمغنيات يتقربن إلى الله في هذا الموسم المولد بالرقص مجاناً، أو التصدق بريع الحفلة حفلة المولد في سبيل الله، أو إلى إخواننا في فلسطين -كما يفعل هؤلاء الفسقة-؛ تضليلاً وتحسيناً لصورتهم القبيحة في عيون الناس.
هل فعل النبي عليه الصلاة والسلام المولد؟ فهل فعله خلفاؤه الراشدون من بعده؟ نحن خير أم هم؟ نحن أفقه أم هم؟ نحن أكمل اتباعاً أم هم؟ لماذا لم يفعلوه؟ لماذا لم يجمع أبو بكر الناس في عهده على المولد؟ لماذا لم يجمع عمر الناس في خلافته على المولد؟ لماذا لم يعمل الصحابة موالد؟ لماذا كانت القضية في الفاطميين الزنادقة الذين نشروها في القرن الرابع الهجري، وما بعده؟
أيها الإخوة: إنها تقليد للنصارى في عيد ميلاد عيسى، إنها مشابهة لهؤلاء الضلال: من تشبه بقوم فهو منهم[رواه أبو داود (4031)].
إنها -أيها الإخوة- إنها مخالفة واضحة لحديث النبي ﷺ: وإياكم ومحدثات الأمور[رواه أبو داود (4607)].
المولد ليس صاروخاً يخترع، ولا سيارة جديدة، ولا محركاً من طراز حديث حتى نقول: اخترعوا في أمور الدنيا ما تشاءون، المولد يقصدون به التقرب إلى الله، الذي يحضر المولد يريد أن يقول لك: إنني أعبر عن محبتي لنبيي، وأتقرب إلى الله بحضوري، وأقرأ القصائد، وأسمع الذكر، ويزداد إيماني، وترتفع روحانيتي في هذا المشهد العظيم الكبير، إذن يريدون به تعبداً أم لا؟ لا يستطيعون الإنكار، يريدون به التعبد، هل هذا التعبد شرعه نبينا ﷺ بأمر من الله؟ هل الخلفاء الراشدون فعلوه؟ التعبد هذا أين كان إذن؟ أين كان عنه من قبلنا؟ القرون الثلاثة الأولى خير الأمة، لو كان خيراً لسبقونا إليه، أين يغيب عنهم وهم أفضل منا؟
يا عباد الله: هذا الذي فعلوه من التبديل والتغيير، قال حذيفة بن اليمان: "كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله ﷺ فلا تتعبدوها".
ثم يريدون إحياء ليالي المولد، ولماذا؟ لماذا لا تحيي الليالي كلها بالقيام؟ التعبير عن محبتنا للنبي ﷺ كل يوم، وكل وقت، وفداؤه بأنفسنا -لو كان حياً- واجب علينا، والمحبة الحقيقية بالاتباع، الدليل: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِيسورة آل عمران:31، وليس ابتدعوا، قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ سورة آل عمران:31، كلكم يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى[رواه البخاري (7280)].
لو كان حبك صادقاً لأطعته | إن المحب لمن يحب مطيع |
يحتفل أصحاب العمائم، وغيرهم، ويجمع، ويحشدون، وتنقل على القنوات الفضائية البدع في طول العالم وعرضه، ويُتباهى بها، ويزين القبحاء أشكالهم بحضورهم فيها، ويريد أصحاب الردة والطواغيت أن يستروا عوراتهم بحضورها.
ماذا يفعلون في الموالد؟
ماذا يُفعل فيها؟ ماذا يُفعل فيها -يا عباد الله-؟ يقولون: قراءة السيرة النبوية، نقول: نحن نقرؤها كل يوم إذا أردنا، وعندكم أكثر من ثلاثمائة يوم في السنة تقرؤون فيها السيرة، أخصصتم هذا اليوم بالذات لأجل ذلك؟ ثم ما هي الخصيصة والميزة لهذا اليوم؟ يوم إثنين، يوم مولد، يوم اثنا عشر ربيع الأول، أي الأيام كان في رأيكم أكثر أثراً في تحويل مجريات الأمور في التاريخ والعالم يوم مولده أو يوم بعثته؟ يوم مولده أو يوم هجرته؟ يوم مولده أو نصر بدر؟ فلماذا طنطنتم الدنيا في يوم المولد، ولم يحدث في يوم المولد من التحويل والتغيير لمجريات الأمور كما حدث في البعثة والهجرة، وغيرها؟!
فإن قالوا: نحتفل بالكل، فنقول: ابتدعتم في الكل، ثم لا شك أنكم تبتدعون في يوم مولده ما لا تبتدعون، وتزيدون في يوم مولده ما لا تفعلون في غيره، هو عندكم يوم مقدس يزيد العمل فيه، والاحتفالات عن سائر الأيام الأخرى، فلم تخرجوا من البدعة -والله- بأي شكل من الأشكال.
يوم الاثنين قال عنه رسول الله ﷺ: يوم ولدت فيه، وأنزل علي فيه [رواه أحمد (22031)] ما هو المشروع في يوم الإثنين من العبادات؟ الصيام، وهذا الذي فعله ﷺ، لم يفعل أكثر من ذلك، الصيام.
ثم يقولون: نقرأ القصائد المؤثرة؟ ما هي؟ قصيدة البردة، ماذا فيها؟ اسمع يا عبد الله:
"يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به *** سواك"
ما في غيرك، "يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به *** سواك"
لا يوجد أي أحد آخر "عند حلول الحادث العمم"، والمصيبة الكبيرة الطاغية ما لي غيرك، والله يقول: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَسورة يونس:106، من هو الملتجى؟ ومن هو المستعاذ؟ وإلى من فزع عند نزول الشدائد؟ أليس إلى الله؟ أليس هو مفرج الكروب؟ فلماذا يقول المشرك:
"يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به *** سواك"؟
ثم يقول: "فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن"
من للتبعيض "علومك علم اللوح والقلم" من جوده الدنيا وضرتها، هذا تكذيب للقرآن، يقول الله:وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى سورة الليل:13 كلها لله، فلماذا إذن الغلو في النبي ﷺ، وقد قال: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم [رواه البخاري (3445)]؟ قالوا: ابن الله، قالوا: ثالث ثلاثة، قالوا: هو الله، وهؤلاء يقولون -مشركوا أمتنا-: الدنيا والآخرة منه.
"ومن علومه علم اللوح والقلم" ماذا بقي لله؟ سؤال، إذا كان من علومه، إذا كان من العلوم النبوية أن يعلم اللوح المحفوظ كله، وماذا قال الله في نبيه؟ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ سورة الأعراف:188 لو كنت أعلم الغيب، إذن لا يعلم الغيب إلا ما علمه الله بأشياء محددة معينة، وليس كل الغيب؛ ولذلك من قال: إن أحداً يعلم الغيب غير الله فقد كفر.
ثم يقول:
"ما سامني الدهر ضيماً واستجرت به | إلا ونلت جواراً منه لم يضم" |
يعني: ما أصابني الدهر بمرض، ولا هم، ولا غم، ولا شدة، ولا كذا إلا كانت نهايته وزواله على يدك، استجارة بك، فادفع هذا، "ما سامني الدهر ضيماً واستجرت به" استجرت، استجارة بالنبي ﷺ "إلا ونلت جواراً منه لم يضم" قال إبراهيم جد نبينا: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِسورة الشعراء:80، وقال الله تعالى لنبينا: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّما قال: فلا كاشف له إلا أنت، قال: فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَسورة الأنعام:17هو الذي يكشف الضر ، فنبينا علمنا قائلاً: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله [رواه الترمذي (2516)].
وهكذا يقول أيضاً:
"لعل رحمة ربي حين يقسمها | تأتي على حسب العصيان في القسم" |
سبحان الله! "تأتي على حسب العصيان في القسم" يعني: أن قسمة الرحمة على حسب معاصي العباد، فمن كان أكثرهم معاصي كان أكثرهم رحمة من الله، سبحان الله! أليس الله يقول: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ سورة الأعراف:56، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَسورة الأعراف:156؟
ثم يقول:
"أقسمت بالقمر المنشق إن له | من قلبه نسبة مبرورة القسم" |
ما حكم الحلف بالقمر؟ ما حكم الحلف بغير الله؟ من حلف بغير الله فقد أشرك[رواه أبو داود (3251)].
كل هذا الشرك الموجود في القصيدة من الأكبر والأصغر، والأشياء المغلوطة في التصورات عن الله ورسوله ودينه، ثم تسمى قصيدة البردة، البُرأة، لماذا؟ قالوا: لأن ناظمها لما نظمها -وكان مريضاً- نام رأى نبي الله أعطاه بردته، فلبسها؛ فبرئ من مرضه، وقام ليس به شيء، سبحان الله على الكذب! وما أكثر كذبهم في الرؤى والمنام.
يقولون: نقرأ دلائل الخيرات، وماذا يوجد فيه؟ من المقدمة يقول الكاتب الخزرجي "طبعة سينغافورة"! حتى تعرف الشرك إلى أي بلد يصل، "طبعة سينغافورة"! يقول: "مستمداً من حضرته العالية" إذن هو يكتب الآن الكتاب مستمداً العون من الحضرة النبوية العالية، والله هو الذي يستمد منه العون، يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ سورة آل عمران:125، إذا استعنت فاستعن بالله[رواه الترمذي (2516)]، ويوجد في هذا الكتاب حزب النصر لأبي الحسن الشاذلي يقول: "يا هو، يا هو، يا هو، يا من بفضله لفضله نسأل العجل" بدع في أسماء الله.
ثم يقول هذا الكاتب في أسماء النبي ﷺ: من أسمائه "المحيي"، لا تستغرب هذا موجود، "المحيي، المنجي، الناصر، المغيث، كاشف الكرب، صاحب الفرج"! شرك شرك، شرك يتوالى -يا عباد الله-، والنبي ﷺ في عبارة: "ما شاء الله، وشئت وقف"، قال: أجعلتني ولله عدلاً؟! بل ما شاء الله وحده[رواه أحمد (1842)].
يقول: "اللهم صل على محمد ما سجعت الحمائم: ونفعت التمائم"، وكيف تنفع التمائم، والنبي ﷺيقول: من علق تميمة فقد أشرك [رواه أحمد (16969)]؟!
وهكذا حتى يصل إلى الكفر العظيم في قوله -يدعو ربه-، في صفحة ستة وعشرين: "وانشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة" إذن التوحيد أوحال وأوساخ؛ فانشلني منه، "وأغرقني في عين بحر الوحدة" الوحدة وحدة الوجود المذهب عظيم الخطورة، المذهب العظيم الكفر الذي فيه: إن كل ما ترى بعينك فهو الله، كل الوجود هو الله، أنا وأنت والجدار وبيت الخلاء، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً!.
فهذا ما يقرؤونه "البردة" و"دلائل الخيرات"، وهذا بعض ما فيها من الشرك العظيم، فأين إذن التقرب إلى الله؟ إن هو إلا تقرب إلى الشيطان.
اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، اللهم اجعلنا على سنة نبيك متبعين، ولا تجعلنا من المبتدعين يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، صلى الله عليه بما هدانا وعلمنا، وأرشدنا وأدبنا، صلى الله عليه صلاة تامة إلى يوم الدين، وعلى من اتبعه بإحسان، وعلى أزواجه وذريته الطيبين الطاهرين.
خذ العبرة من الاختبارات
عباد الله: وأولادنا في غمرة الاختبارات نتذكر بذلك اختبارات الآخرة، وامتحان القبر، أسئلة في القبر: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟[رواه الترمذي (3120)] ويوم القيامة: مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَسورة القصص:65، وفي النار، فتنة في النار عندما يقول خزنتها سائلين لأهل النار، أسئلة في هذه المواطن، فماذا أعدت للجواب -يا عبد الله- في قبرك؟ ماذا أعددت للجواب في يوم المحشر؟ وماذا أنت قائل؟ فانظر لنفسك؛ فإن كتابة الإجابات دقيقة ليس فيها خطأ، وليس هناك دور ثان، ولا ثالث.
نصائح مهمة أيام الاختبارات
عباد الله: يا أولياء الأمور ويا آباء، نحتاج أن نذكر أولادنا حتى في هذه الأيام بالتوحيد، ونقول لهم: إن نبينا ﷺ قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف المؤمن القوي بجسده، وعلمه، وثقافته الشرعية الصحيحة، ووعيه بالحال الواقع، المؤمن القوي بتخصصه، وخبرته التي ينفع بها الدين، المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وعلى رأس ذلك قوة الإيمان، ولا شك، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز [رواه مسلم (2664)] كلمات يسيرة: احرص على ما ينفعكتنفعك الدراسة ادرس، تنفعك المراجعة راجع، تنفعك المذاكرة ذاكر، واستعن بالله لا تعتمد على حفظك، ولا على دراستك، ولا على مراجعتك، ولا تغتر بذكائك وعبقريتك، لا تغتر بنفسك.
استعن بالله ولا تعجز لا تعجز، لا تعجز عن اتخاذ أي وسيلة مشروعة، لا تعجز؛ لأن العجز مصيبة، وقد أتي كثير من الطلاب من جهة العجز، فهم كسالى طيلة السنة، يستطيع أحدهم أن يذاكر لو أراد، لكن عجز، كسل، تواني، إهمال، لا مبالاة، حتى صار بعض الآباء والأمهات أشد هماً من أبنائهم بالامتحانات والاختبارات، بل ربما ذاكر المادة، وراجعها، وفهمها ليفهمها للولد، ففهمها الأب، ولم يفهمها الولد!.
الالتجاء إلى الله بالدعاء من الأسباب المشروعة في الاختبار، وغيره: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي سورة طـه:25-26، ولا مجال للبدع، كما سمعت أن بعض الأوراق التي فيها أدعية النجاح، وأدعية الاختبارات فيها: "اللهم ارزقني فهم النبيين" سبحان الله على هذا الغلو! ومن الذي يملك فهم النبيين إلا النبيون؟!
عباد الله: إننا نحتاج إلى تأسيس منهج الاعتماد على الله، والتوكل عليه مع الحرص على الأخذ بالأسباب الشرعية، ونقول: الأسباب الشرعية؛ لأن ظاهرة الغش قد انتشرت كثيراً، وقد قال ﷺ: من غش فليس منا[رواه الترمذي (1315)]، والغش انتشاره يعود إلى ضعف مراقبة الله في نفوس الطلاب، وإهمال أيضاً عند بعض من يراقبهم، والتسامح مع الغشاش يؤدي إلى خروج عضو غشاش في المجتمع، ومن غش اليوم في معلومة سيغش الأمة غداً فيما هو أكبر، فلا كتابات على أجزاء الجسد، ولا على الأدوات، ولا على أوراق تصغر، وأصحاب محلات خدمة الطلاب يكونون من المشاركين في الإثم والعدوان إذا ساعدوا على تصغير هذه القصاصات؛ لأن من أعان على منكر فهو شريك فيه، الذي ينتظر العنب ليصبح زبيباً ليبيعه على من يتخذه خمراً فقد تقحم النار على بصيرة [رواه الطبراني في الأوسط (5356)] كما جاء في الحديث الصحيح، تقحم النار على بصيرة؛ لأنه شارك في المنكر، وأمد صاحبه بما يساعده على تحقيق غرضه المحرم، واستخدام أنواع الآلات في الغش، أنواع الآلات والجوالات، والسلكية واللاسلكية، وغيرها، ولا نريد التفصيل لأجل ألا ندل على الشر الذي يعرفه الكثيرون مع الأسف.
إن هناك نوعاً من الخطأ في التصور منتشر عند بعض الطلاب كما أفادت إحصائية في إحدى دول الخليج: أن اثنين وأربعين بالمائة من الطلاب مقتنعون أن ممارسة الغش في قاعة الامتحان ليس غشاً، وإنما هو من قبيل التعاون.
وتناقل ورقة الطالب المجد بينهم، وتبادل أوراق الإجابة، وغير ذلك، واستراق النظر، وهكذا، ثم جاءت شبكة الإنترنت لتزيد الطين بلة في دلة في هذا الجانب، وتنشر أوراق الاختبارات فيها، وهكذا يفاكس بعضهم بعضاً بها، وتباع وتشترى الأسئلة، وتدفع الرشاوى والخيانة، والخيانة عاقبتها وخيمة، الخيانة ببيع أسئلة، أو الخيانة بتغشيش طالب معين أو الطلاب، أو الخيانة في التصحيح وزيادة من لا يستحق الزيادة، أو الخيانة بمحاباة طالب لمكانه عنده، أو معرفته بأبيه، ونحو ذلك.
عباد الله: ما بني على باطل فهو باطل؛ ولذلك أفتى علماؤنا: أن الغش إذا ولد شهادة، فما حكم العمل بها؟ ما بني على باطل فهو باطل.
عباد الله: القضية خطيرة، وستعود وبالاً على صاحبها فيما بعد، ويشعر بالأسى والحزن وهو يرى مكسبه، إذن من الآن لا للغش، لا في مادة اللغة الإنجليزية، ولا في غيرها، ومن زعم أن الغش فيها، أو في غيرها مباح فليأتنا بسلطان مبين لو كان صادقاً.
أيها الإخوة: المعاونة على الغش محرمة، وما يصدر عنها من أنواع الشهادات، وشراء الشهادات المزورة مصيبة، وإن أولادنا ليحتاجون حقاً إلى الأخذ بالأسباب المشروعة، وهذا يجب أن يكون من قديم، وليس في ليلة الاختبارات فقط، يفزعون إلى كتب، فماذا ينهي الآن في هذه المدة اليسيرة؟
فليتذكر قبل خروجه من بيته: بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله [رواه الترمذي (3426)] اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي [رواه أبو داود (5094)] إنه دعاء نافع جداً ل