الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله في هذا المجلس، نسأل الله أن يجعلنا من الذاكرين والشاكرين ونسأله - سبحانه - أن يحيينا مؤمنين وأن يتوفانا مسلمين، وأن يجعلنا من عباده الصالحين ويدخلنا الجنة مع الأبرار.
مقدمة
قال ربنا سبحانه: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ [آل عمران: 79]، ما معنى ربانيين؟ وكيف نكون ربانيين؛ خصوصاً أن الله أمر بهذا كونوا ربانيين الله قال لنبيه ﷺ:يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا[الأحزاب: 45 - 46].
وقال عن وظيفة نبيه ﷺ: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[الجمعة: 2]، ولا يزال في هذه الأمة بعد نبيها ﷺ من يقوم بهذا العمل وهو يعلّمهم ويزكّيهم، التعليم الكتاب والسنة، والتزكية التربية، تربية النفس وتزكيتها حملها على الفضائل وتطهيرها من الرذائل في مباشرات، نحن صحيح الآن نعيش في وقت أزمة عظيمة وكوارث وحروب على الأمة واستئصال وتهجير وقتل وتشريد، لكن الله وعد؛يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف: 8] وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33]. الله بشّرنا بأن هذه الأمة سيكون لها السناء والتمكين والرفعة وبأن هذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، مشارق الأرض ومغاربها، وما يبقى بيت مدر ولا وبر لا طين ولا حجر، لا شعر ولا بناء، إلا أدخله الله هذ الدين، بشّرنا بفتح القسطنطينية قبل فتح روميا، وفتح القسطنطينية عاصمة الروم الأرثوذكس الكنيسة الشرقية، وروميا عاصمة النصارى الكاثوليك الكنيسة الغربية، بشّرنا ﷺ أن الله يبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها، بشّرنا،لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم بطاعته إلى يوم القيامة [رواه ابن ماجه: 8، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 7692]. بشّرنا يحمل هذا العمل من كل خلف عدوله، من كل جيل ينفون عنه تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالين، يحاربون الجهل وأهل الباطل والغلو، بشّرنا بأن هذه الأمة ستنتصر على بقية الأمم في النهاية، وأن الدجال يتبعه اليهود ستكون نهايتهم آخر الزمان على يد عيسى ومعه المسلمون، والنصارى ستكون نهايتهم في مرج دابق قريب منها جداً؛ لأن المسلمين إذا انتصروا على النصارى بمرج دابق والنصارى مليون يتوجهون إلى فتح القسطنطينية، فتح آخر غير هذا، ثم يخرج الشيطان يقول: خرج الدجال فيذهبون للقائه فيقتله عيسى في بيت لُد، وتنتهي أكبر ديانتين مناوئة للإسلام من أهل الكتاب، وبعدها ينتهي يأجوج ومأجوج أيضاً، بعد ذلك ما يبقى في الأرض إلا مسلم، فالشاهد أن النهاية للإسلام، ولو كان الآن مذابح لكن نلاحظ أن عدد المسلمين يزداد أكثر دين في العالم انتشاراً الإسلام، عدد القنوات الإسلامية تزداد، عدد المواقع الإسلامية يزداد، عدد الكتب الإسلامية المطبوعات تزداد، ترجمات القرآن تُباع جميعها، كل شيء واضح جدًا، هذا الدين يتغلغل وينتشر برغم كل المؤامرات والمكايد، فالحمد لله النتائج في النهاية لصالح الدين، ما في دين حورب مثل الإسلام أبدًا، ومع ذلك هو في ازدياد،كُونُوا رَبَّانِيِّينَ [آل عمران: 79] هذا خطاب لخواص هذه الأمة، أنتم يا أيها الربانيون قادة الأمة، أنتم الفضلاء أنتم العلماء، أنتم القدوة، رفعكم بالعلم وزينكم بالحلم، عرفتم الحلال والحرام والضار والنافع والحسن والقبيح، أنتم ورثة الأنبياء، أنتم أصحاب الحجة والبيان، أنتم تستغفر لكم الحيتان في البحار، والنمل في الجحر، وتضع لكم الملائكة أجنحتها، أنتم فقدكم أعظم مصيبة،أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا[الرعد: 41]، فسّره طائفة من السلف ذهاب فقهائها وخيارها،نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا[الرعد: 41]، من علمائها، الأطراف الخيار الكرام والعلماء الربانيون الراسخون مثل النجوم يُهتدى بها، مثَل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء، إذا ظهرت لهم شاهدوا، وإذا غابت عنهم تاهوا، كونوا ربانيين، هذه الكلمة وردت في آية:مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ[آل عمران: 79]، بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وفي قراءة:تَعْلمونَ الْكِتَابَ تتعلمون، تعلمون في قراءة، معناها: تتعلمون تعلّمون تبلّغون غيركم، إذن، هم جمعوا بين أمرين؛ أنهم يتعلمون وأنهم يعلمون، هذه من خصائص الربانيين، إذا كنت تريد أن تكون ربانياً كما أمر الله لازم تتعلم دين الله وتعلم دين الله، ومعنى ربانيين: الرباني نسبة إلى الرب، الرب الله معناها أن هذا يتبع ربه، معناها أن هذا مختص بربه، معناها أن هذا شديد التمسُّك بطاعة الله، معناها أن هذا الإنسان لاحظته عين الرعاية الإلهية، هذا رباني من التربية، ثانياً: يعني من الرب هذا أول يتبع ربه أول من التربية يربي الناس بصغار العلم قبل كباره يعطيهم القواعد والأُسس قبل الفرعيات والتفصيلات، وكذلك منسوب إلى الربان ثالثًا.
معانى الربانية ومصادر اشتقاقها
يعني لو واحد قائل: ما معنى ربانيين؟ من أين أُخذت؟ إما إنها مأخوذة من الرب فهم يطيعون ربهم، أو مأخوذة من التربية، فهم يربون الناس بكبار العلم قبل صغاره، وبالمتفق عليه قبل المختلف فيه.
أو ثالثا: منسوب إلى الربَّان، والرُّبان في اللغة: الرُّبان رب الشيء المتخصص فيه يصلحه ويقوم عليه ويفيده ويتعهده ويدبّر مصالحه" [لسان العرب: 1/399]، هذا الربان، الربانيون أرباب العلم، الربانيون يدبّرون أمور الناس، يربونهم، يصلحون شأنهم، يقومون عليهم، الرباني الذي يربُّ الناس يعني يصلح أمورهم، هؤلاء هم عماد الناس من أهل الفقه والعلم والدين، هؤلاء الربانيون فوق مرتبة الأحبار؛ لأنه ليس فقط يعلّمون، لا، عندهم تدبير للناس، عندهم رأي للناس، عندهم قيام على مصالح الناس، لاحظوا الفرق بين المجرد، واحد يعلّم وواحد رباني، أن الرباني يعلّم ويتعاهد ويربّي ويصلح ويقوم بالمصالح ويتابع مهمة، فإذن، كونوا ربانيين: أنتم تعلّمون الناس أنتم قُدوة للناس، أنتم تحلون مشاكل الناس، أنتم تتابعون الناس، أنتم تحرصون على مصالح الناس، أنتم ربانيون، أنتم تقومون عليهم، قال الله:لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ[المائدة: 63]، واضح الربانيون مرتبة فوق الأحبار، وكذلك فإنهم ربانيون من جهة إذا قلنا النسبة إلى الرب معناها: يؤمنون به يعبدونه يتبعونه ويطيعونه، الربانيون يغذون الناس بالحكمة، كما جاء عن علي ويربُّونهم عليها، ابن عباس قال: "الفقهاء المتعلمون" وقال مجاهد: "يربون الناس بصغار العلم قبل كباره" الربانيون أصحاب العلم والعمل، أصحاب الإصلاح أصحاب التربية، الربانيون جمعوا تعلُّم الهدى ودين الحق والعمل به بعد تعلمه والدعوة إليه وتعليمه بعد العلم والعمل والصبر على مشاق هذه الدعوة، بهذا يصبرون ربانيين، إذن إذا أردنا ان نكون ربانيين لابد أن يكون عندنا علم راسخ ثابت متجذّر قائم على الأدلة والبراهين والحجج ونكون أصحاب بصيرة، وكذلك يكون عندنا فقه وفهم للدين ليس مجرد الحفظ، بل لا بد يكون فيه فهم بما كنتم تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ[آل عمران: 79].
يعني تقرؤون، والدراسة في اللغة قراءة مع تكرار.
لو واحد قال لك ما الفرق بين قرأ ودرس؟ درس فيها تكرار وقرأ مرة واحدة، قرأ معروف معناها، درس قراءة بإعادة وتكرار في اللغة، درس الكتاب إذا قرأه بتمهل إذن فيها عنصر التأني، قرأ يحفظ ويتدبر إذن فيها عنصر الحفظ والفهم بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ[آل عمران: 79]. يعني: تدرسون.
الرباني يتضلّع من العلم ويتزود منه، قال علي : "الناس ثلاثة، فعالم رباني ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق" [حلية الأولياء: 1/80].
العلماء الربانيون هؤلاء ورثة الأنبياء، والأنبياء ما ورثوا دينارًا ولا درهمًا، الأنبياء ورثوا العلم.
أبو هريرة فاجأ الناس مرة في المدينة مفاجأة بإعلان صارخ مر على السوق قال: "يا أهل السوق ميراث رسول الله ﷺ يُقسم في المسجد ولا تذهبون" الحق الحق، فخرجوا سراعًا إلى المسجد دخلوا نظروا ورجعوا قالوا: أتينا المسجد فلم نر فيه شيئًا يُقسم، لكننا رأينا قومًا يقرئون القرآن وقومًا يتذاكرون الحلال والحرام، قال أبو هريرة: "ويحكم، فذاك ميراث محمد ﷺ " [رواه الطبراني في الاوسط: 1429، وقال الألباني في صحيح الترغيب: صحيح موقوف: 83].
من صفات الربانيين: العلم بالعمل
العلم شجرة والعمل ثمرة ليس يعد عالمًا، حتى يكون بعلمه عاملاً، العلم والد والعمل مولود، العلم النافع ينادي على العمل الصالح، لا يصلح هذا إلا بذاك، القرآن حُجّة لك أو عليك[رواه مسلم: 223].
معنى ذلك: حُجّة لك إذا عملت به وحجة عليك إذا تعلمته وما عملت.
إذا العِلمُ لم تعمَلْ به كان حُجَّةً | عليكَ ولم تُعذَرْ بما أنتَ جاهِلُهْ |
فإنْ كنتَ قد أُوتيتَ عِلمًا فإنَّما | يُصدِّقُ قولَ المرءِ ما هو فاعِلُهْ |
وهذه فريضة نحاسب عليها،لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن علمه ما فعل به[رواه الترمذي: 2416، والطبراني في الأوسط: 760، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 7299]. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28].
يقول ابن مسعود: "ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الخشية" [حلية الأولياء: 1/131].
وقال عطاء: "كل من خشي الله فهو عالم" [جامع بيان العلم وفضله: 2/823].
إذن، الرباني لازم يتبع العلم بالعمل، لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف: 2]، أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [البقرة: 44]، مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج مثل الشمعة يضيء للناس ويحرق نفسه، وهذا باب عظيم.
وصفة كبيرة من صفات الربانيين العلم يهتف بالعلم فإن أجابه وإلا ارتحل" من صفات الربانيين أيضاً التعليم فإنهم لا يكتفون بتعليم أنفسهم حتى يعلمون غيرهم، وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ [التوبة: 122]، وقال تعالى: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ [آل عمران: 79]، فإذن، علموا وعملوا وعلموا، إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جُحرها وحتى الحوت أتى بأصغر حيوان وأكبر حيوان؛ الحوت والنملة، ما بالهم؟ ليصلّون على معلّم الناس الخير رواه الترمذي وحسّنه. [رواه الترمذي: 2685، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1838]؟
وكل ما بينهما من مقاسات وأحجام الكائنات تدعوا لمعلم الناس الخير.
رابعاً: ومن صفات الربانيين: التربية يربون الناس يعني فيه معايشة فيه تعاهد فيه متابعة، ليس مجرد يلقي درساً ويمضي، فهي تعاهد، فيه معايشة فيه متابعة، يعطيه الأساس الأول ثم الثاني ثم الثالث، يبني قواعده، قواعد الأدب والخشية والتعلُّم العلم في نفس المتعلّم ثم يصعد عليها واحدًا واحدًا، هكذا تُبنى النفوس.
الرباني قدوة بلا شك حتى قال الشافعي لمؤدّب أولاد هارون الرشيد، قال له: "ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاحك نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما تستحسنه، والقبيح عندهم ما تركته" الرباني ينظر إلى ما تحتاجه الأمة فيُعد له من الرجال ومن الشخصيات ما يلزم، الأمة تحتاج علماء فقهاء قدوات، تحتاج أصحاب خشية وخشوع أخلاق آداب، تحتاج أخذ بأسباب القوة والتقنية، تحتاج الأمة في كل ثغرة يُعدُّ لها من يسدها، الرباني يشتغل من رياض الأطفال، ويكون هناك ربانيون متعاونون، فقد يتخصص بعضهم في الصغار وبعضهم في المراهقين، وبعضهم في الشباب المتقدِّم وبعضهم في الكهول، وبعضهم في الكبار وبعضهم يعمل على كل الخطوط، ويربي الطفل من أول أمره، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ [الضحى: 9]، ويعلمه كيف يفعل إذا قابل يتيمًا.
من صفات الربانيين الإخلاص
خامساً: من صفات الربانيين الإخلاص.
يتعلمون ويعلمون لوجه الله تعالى لا يريدون مالاً ولا أجرًا ولا جزاءً ولا شكوراً، والأجر يُحفظ إذا الواحد ما طلب من الناس شيئًا، بعضهم يقول: يريد أن يتصدق يقول للمتصدق عليه: ما نريد منك إلا الدعاء، حتى هذه لا تقلها ما نريد منك شيء أبدًا، الله سيلهمه أن يدعو لك إذا انصرف، يعني حتى أنت لو ما قلت له: يا اخي ما نبغى منك إلا الدعاء حتى هذه لو ما قلتها سيلهمه الله أن يدعو لك بظهر الغيب فلا تطلب من الناس شيئًا، لا تقل: أُعلّمك وتعطيني كذا، ولا تنتظر حمدًا ولا جزاءً ولا شكوراً، "لا يزال العبد بخير ما إذا قال قال لله، وإذا عمل عمل لله" كما قال الحسن، فادعوا الله مخلصين له الدين، عمل من كان مع مالك الموطآت، لما أظهر مالك فكرة الموطأ، كذا واحد أخرج موطأ، فقيل لمالك: شغلتَ نفسك بعمل هذا الكتاب والناس عملوا مثله؟ قال: "لتعلمُن أنه لا يرتفع من هذا إلا ما أريد به وجه الله" انظر أين الموطآت الأخرى شبه اندثرت وبقي موطأ مالك.
من تعلّم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة [رواه أحمد: 8457، وأبو داود: 3664، وابن ماجه: 252، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 6159].
يعني رائحتها، من طلب العلم ليماري به السفهاء وليباهي به العلماء أو ليصرف به وجوه الناس إليه فهو في النار [رواه ابن ماجه: 253، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبن ماجه: 253].
من صفات الربانيين: الاتباع
سادسًا: من صفات الربانيين: الاتباع.
يتبعون الوحي يتبعون الكتاب اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ [الأعراف: 3] ، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام: 153]، وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام: 155]، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ [الأعراف: 158] وبالمناسبة بعضهم يروج رسالة في الواتساب يقول: إن النبي ﷺ ما كان أُمّيًا، بل كان يعرف ويقرأ ويكتب، وأن الأمية تخلُّف وتجهل وما تليق بالنبوة، الآن الله وصف نبيه بأنه أُمّي، والأُمي في اللغة: لا يقرأ ولا يكتب، وقام هذا المسكين الجاهل المروّج لهذا يقول: الأُمي نسبة إلى أٌمّ القرى، سبحان الله، أصلاً لو جئت من أهل اللغة ما تمشي، لو جئت من جهة الواقع ما تمشي، ثم ماذا تقول في الآية: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت: 48]، جئنا على هذه النبي الأمي وحرفناها وقلنا أم القرى الأُمي نسبة إلى أُم القرى، أبو بكر أُمي من أُم القرى، عمر من أُم القرى وعثمان من أُم القرى، الصحابة المهاجرون من أُم القرى، ما الميزة؟ فإذن، الرسول ﷺ حتى تندفع عنه شُبهة إنه أخذ القرآن من فلان وعلان وأنه درس عند فلان وعلان، وأنه كان يقرأ كتب الأولين ويأخذ منها ويقتطف منها ويجمّع منها بعثه الله لا يقرأ ولا يكتب، حتى ما أحد يقول: أخذ من كذا كذا، فقال لهم: أنتم تقولون إنه يتبع أساطير الأولين ويقرأ فيها ويجمّع منها، إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل: 103]، وأنه وأنه، فهذا محمد ﷺ لا يقرأ ولا يكتب، فهذه مصدر قوي أنه النبي ﷺ لا يقرأ ولا يكتب، هذه مصدر قوي وتحدي، هذا الإعجاز هنا الصدمة لأعدائه، كيف جاء لا يقرأ ولا يكتب، كيف أتى به؟ أوحاه إليه ربه، والربانيون يقدّمون الوحي على العقل.
حسن السمت والوقار
من صفاتهم سابعاً: حسن السمت والوقار يكسوهم جمالاً وهيبة، السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة [رواه الترمذي: 2010، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 3692].
ولذلك فإنك تجدهم في الهيئة، حسن الهيئة، سنن الفطرة، الرائحة طيبة، الملابس حسنة، من صفات الربانيين التحلي بالمروءة استعمال كل خلق حسن ويتجنبون الدنايا والرذائل، ومروءة الإنسان مع نفسه: أن يحملها على ما يجمُل ويزين ويجمل ثانياً: المروءة مع الخلق يستعمل معهم الأدب حُسن الخلق. ثالثًا: المروءة مع الحق سبحانه بالحياء منه، قال الشافعي: "والله لو علمتُ أن الماء البارد يثلم من مروءتي شيئًا ما شربت إلا حارًا" [آداب الشافعي ومناقبه: 64].
والآن تأتي على هذه الدورات المزعومة تجدهم يفعلون بهم من الأفاعيل في خرم المروءة ما الله به عليم، حركات عجيبة ما تتناسب أبدًا مع حُسن السمت والوقار، ولا داعي للتفصيل.
التاسع: من صفات الربانيين: الحكمة، يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ [البقرة: 269]، وضع الشيء في محله، الحكمة: "حدّثوا الناس بما يفهمون" [رواه البخاري: 127، عن علي بلفظ: حدثوا الناس، بما يعرفون أتحبون أن يكذب، الله ورسوله] الحكمة التي من أوتيها أحسن التصرُّف.
وعاشراً: التواضع انكسار القلب لله أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [المائدة: 54]، رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: 29]، يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63]، بشِّر المخبتين يعني المتواضعين، قالوا: العلم ثلاثة أشبار: الشِّبر الأول من دخله تكبر والثاني من دخله تواضع والثالث من دخله علم أنه ما يعلم يخضع للحق وينقاد له، الكبر بطر الحق أكبر صفة للمتكبر إنه يتمرد على الحق ويرفض الحق، أكبر صفة للمتكبر؛ لأنه قال: الكبر بطر الحق وغمط الناس [رواه مسلم: 91].
غمط الناس ازدراؤهم واحتقارهم والاستهانة بهم معروف لكن أعظم منها وأسوأ منها بطر الحق أنه يعرض عليه الحق ويقال له الحق ويرفض ويأبى ويعرض.
قالوا إن الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - اتصل عليه شاب صغير قال: يا سماحة الشيخ الناس بأشد الحاجة إلى العلماء يفتونهم، وإنني أقترح على سماحتكم أن تجعلوا في كل مدينة مفتيًا ليسُهل على الناس الاتصال، فقال الشيخ: ما شاء الله أصلحك الله، كم عمرك؟ قال: ثلاثة عشر عامًا، فكتب الشيخ هذا اقتراح طيب يستحق الدراسة ابعثوا به إلى أمين هيئة كبار العلماء وكتب: أما بعد، فقد اتصل بي بعض الناصحين وقال إنه يقترح وضع مفتين في كل بلد، ونرى عرضه على اللجنة الدائمة لنتبادر الرأي في الموضوع، وبعد ذلك بمدة حصل، لكن الشيخ ما قال أنت ثلاثة عشر سنة وتتكلم وتقترح كما يفعل بعض الناس! يا أخي انظر هذا العالم الرباني.
كيف نصل إلى الربانية؟
وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ كيف نصل للربانية؟ ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الناس وبما كنتم تدرسون لازم نرتبط بكتاب الله لازم نتعلم كتاب الله، بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ [آل عمران: 79]. وقراءة: تعلَّمون في قراءة تعلِّمون وقراءة تعلَّمون يعني تتعلمون، فإذن، لا بد أن نتعلم الكتاب وأن ندرسه والدراسة فيها تكرار وفيها نظر وفيها تدبُّر، يتدارسونه بينهم معناها: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم وفقنا الله وإياكم ،،، [رواه أبو داود: 1455، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 5509]. يعني: يقرأ بعضهم على بعض، تصحيح الألفاظ كشف المعاني، يقرأ بعضهم عشرًا ثم يقرأ الآخر عشرًا، كذلك يتداولون المعاني يستخرجون المعاني، يربطون الآيات بالواقع، الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ [البقرة: 121]، يعني يعملون به يحلون حلاله ويحرمونه حرامه، الربانية توصل إلى الزهد في الدنيا؛ لأن الرب سبحانه يحب الزهد في الدنيا، "يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس" قال: ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس [رواه ابن ماجه: 4102، والحاكم: 7873، والطبراني في الكبير: 5972، ووصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 922].
و قال الله: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا الآيات لكن انسلخ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الأعراف: 176].
الربانية يوصل إليها بذكر الله ونوافل العبادات؛ لأن الرباني هذا ينطبق عليه حديث: كنتُ سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها [رواه البخاري: 6502].
فكيف يكون إلا بالمواظبة على النوافل بعد الفرائض فيترقى في درجات الإيمان.
ويوصل إلى الربانية بمجالسة العلماء الربانيين، بمصاحبتهم، بالاستفادة منهم، باتباع طريقتهم، بالاستنارة برأيهم، ما تقول في هذه الأحداث؟ ما تقول في هذا الواقع؟ كيف نفعل في هذه الفتن؟ ماذا تنيرونا وتفيدوننا؟ ماذا نفعل في الخطوات لمواجهة هذه الأزمة؟ هذا الوضع أحياناً تأتي على صعيد الإنسان الشخصي في ولد في زوجة في البيت في العمل جيران منكر في السوق في الواقع، أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90].
الربانية فيها تضرُّع إلى الله استعانة به، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ، لأن الربانية فيها إمامة للناس، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74]، هذا دعاء يقوله الربانيون، وَاجْعَلْنَا يدعون الله:وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[الفرقان: 74].
إبراهيم قال قومه عنه: سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ [الأنبياء: 60]، ماذا قال الله عنه: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً[النحل: 120]، هم يقولون فتى، والله يقول عنه:أُمَّةً إبراهيم أمة هو واحد لكن بأثره وعلمه أُمة، ثم يؤتم به ويُقتدى به،وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[الفرقان: 74]، لاحظ ما هو واجعلنا للناس إماماً، واجعلنا للمتقين، فالمتقون يقتدون بنا فإذا صار الواحد إماماً للمتقين، كيف هو؟ يقتدي بنا المتقون، اجعلنا أئمة هداة مهتدين، فإذا عرفنا طريق الوصول إلى الربانية فما هي وظائف الربانيين؟ وما هي مهام الربانيين في الأمة؟ طبعاً مهامهم عظيمة، نحن نتحدث الآن عن هذا الموضوع؛ لأننا نحتاج إليه والله الوضع الآن يحتاج أكبر حاجة أن تخرج الأمة ربانيين، لو تقول: الحاجة الآن أكثر للمال أو للتقنية وإلا للسلاح، أكبر شيء الأمة تحتاجه اليوم أن تخرّج أكبر عدد من الربانيين، والاستثمار في البشر أعظم أنواع الاستثمار كما يقول حتى الكفرة، هؤلاء الربانيون لو ظهر العدد منهم الأمة تتقدم ترتقي، يبينون العلم للناس، يعلّمون ويدعون إلى الله، عندهم بيان عندما تأتي وقت الحاجة يعطون البيان الفتوى، يبينون، وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ[آل عمران: 187]، ميثاق العهد المؤكد الثقيل لا يكتمونه معلّم الناس الخير يصلي عليه الله والملائكة، وهؤلاء رأس ما يفعلون تعليم القرآن، خيركم من تعلم القرآن وعلّمه [رواه البخاري: 5027]، ويصونون العلم عن الامتهان، لا يبذلون إهانة له، لا بأخذ مقابل ولا يذهبون به إلى الناس، أقصد الكبراء، ولما حاول بعضهم مع البخاري وغيره قال: تعال علِّم أولادي في القصر، قال: أرسلهم إلى بيت الله يتعلمون، مثلهم مثل غيرهم
يا جاعل الدين له بازيًا | يصطاد أموال السلاطين |
لا تبع الدين بدنيًا كما | يفعل ضلال الرهابين |
احتلتَ للدنيا ولذاتها | بحيلة تذهب بالدين |
وصرتَ مجنونا بها بعدما | كنت دواء للمجانين |
[جامع بيان العلم وفضله: 1/637].
وجّه هارون الرشيد إلى الإمام مالك بن أنس ليأتيه ليحدّثه، قال مالك كلمة: "العلم يُؤتى" فصار الرشيد إلى منزله فاستند معه إلى الجدار، قال: "يا أمير المؤمنين من إجلال الله تعالى إجلال العلم" فقام وجلس بين يديه، قال هارون بعد ذلك: "يا مالك تواضعنا لعلمك فانتفعنا به" [ترتيب المدارك وتقريب المسالك: 2/23].
أرسل أمير بخارى خالد بن أحمد الذهلي إلى البخاري ليعلم أولاده في بيته، قال: أولادي ما يأتون مع الناس في المسجد ما يجون مع عامة الناس، قال البخاري: "أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كانت لك إلى شيء منه حاجة فاحضر في مسجدي أو في داري فغضب وطرده، فجمع البخاري متاعه استعداداً للرحيل، فأتاه بعض من يحبه قال: يا أبا عبد الله كيف ترى هذا اليوم من اليوم نُثِر عليك فيه ما نُثِر، انظر اليوم فكر هذا اليوم الذي صار فيه أعطيت وأعطيته قال: "لا أبالي إذا سلم ديني" [سير أعلام النبلاء: 12/464].
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم | ولو عظّموه في النفوس لعُظّما |
ولكن أهانوه فهان ودنّسوا | محياه بالأطماع حتى تجهما |
[قصيدة القاضي الجرجاني].
وإذا الواحد صار قصارى ما يريده من العلم شهادة أو منصب أو أرض منحة أو من أمور الدنيا ما هي بركة هذا العلم؟ أين بركته؟ وهذا مثله ما ينزل إلى الناس يعلمهم ولا يحتسب في بيوت الله، يتصدى للناس هذا؛ لأنه بحسبه أن ينتظر أعطيات مكافآت، وهكذا.
من واجبات الربانيين: الدفاع عن الدين ضد أهل البدع المشككين وأصحاب الشبُّهات، الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا [الأعراف: 45]، شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، فيتصدون لهم ينفون تأويل الجاهين وانتحال المبطلين وتحريف الغالين ويردون على أهل البدع ويبينون حقيقتها ولا يسكتون.
وابن القيم - رحمه الله - ذكر في قضية محاربة البدع:
لأجاهدنّ عداك ما ابقيتني | ولأجعلنّ قتالهم ديدان |
ولأفضحنهم على رؤوس الملا | ولأفرين أديمهم بلساني |
ولأكشفن سرائر خفيت على | ضعفاء خلقك منهم ببيان |
إلى أن قال:
ولأنصحن الله ثم رسوله | وكتابه وشرائع الإيمان |
إن شاء ربي ذا يكون بحوله | إن لم يشأ فالأمر للرحمن |
يعني ينصح لله.
دور الربانيين في النوازل
الربانيون يقومون بالتصدي للنوازل، تتسرع المستجدات في عصرنا، سواء كانت مستجدات من جنس الاختراعات الأجهزة أو مستجدات من جنس الحروب والفتن، مستجدات من جنس العقود والمعاملات، مستجدات من جنس المعاهدات والمعاقدات، مستجدات يسميها العلماء نوازل، يعني أشياء جديدة لم تكن حدثت فيما مضى، ما حكمها؟ تقاس على ما يشبهها فيما مضى من كتب علماء الأمة، حتى نقيس كيف نستنبط حكمها، ما هي العلل الموجودة؟ ما هي الأوصاف حتى نقارن بعلل معلومة الحكم وأوصاف معلومة الحكم ونقول: هذه مثل هذه هل تشبهها أو لا تشبهها مثلها أو ليست مثلها إذا لم يوجد ربانيين في الأمة إذا لم يوجد من الربانيين في الأمة من يبين ماذا سيفعل الناس كل يوم معاملات مالية شكل ومختلفة وجديدة.
من واجبات الربانيين تثبيت الناس عند الفتن عند المحن؛ لأن العلماء أبصر بالفتن وأسبابها وعلاجها وتحذير الناس منها وتثبيتهم أمامها وبيان الزيف نفي الإرجاف، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83]، ولذلك ترد الأمور إليهم يعرفون المصلحة والمفسدة وأعلى المصلحتين وأدنى المفسدتين، فإذا اضطر إلى أن يضحي بأحد المصلحتين ضحى بالصغرى من أجل تحصيل الكبرى، وإذا اضطر لارتكاب أحد المفسدتين يرتكب الأدنى دفعًا للمفسدة الأشد، هذا فقه، من الذي يعرفه؟ من الذي يفهم أعلى المصلحتين وأدنى المفسدتين؟ وإذا في أمر اجتمع فيه مصلحة ومفسدة المصلحة أعظم وإلا المفسدة تبين، قد تكون المفسدة قليلة والمصلحة عظيمة، قد تكون المصلحة قليلة والمصلحة عظيمة، إذا لم يوجد فقه ستعكس وتتخذ قرارات ونتائج خاطئة.
واجب العلماء الربانيين
من واجبات الربانيين جمع الكلمة وتوحيد الصف المسلم، لمّ الشمل، نبذ التنازع، هذا أصل عظيم، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران: 103]، كونوا عباد الله إخوانا، كيف فعل شيخ الإسلام ابن تيمية لما جاء التتر إلى الشام؟ كيف كان يلفُّ على الناس على الأمراء وقادة الجيش والأجناد وعلى عامة الناس وعلى التجار، ويذهب من الشام إلى مصر ويخاطب هناك وجهاءها وأهلها ويقول لهم: إذا لم تدافعوا عن الشام من يدافع عنه؟ إن الشام إذا سقطت سيصلون إلى مصر، سيعبرون إليكم، اذهبوا إلى ملاقاتهم في الشام تحمون مصر والشام، حتى هدى الله السلطان قلاوون إلى ذلك، فأتى بجيش مصر إلى الشام ودارت المعركة العظيمة وانتصر المسلمون، وكانت الشام تتبع المماليك في مصر فقال ابن تيمية للسلطان: "لو قُدّر انكم لستم حكام الشام ولا ملوكه واستنصركم أهله وجب عليكم النصر" لو لم يكن تبعكم ولا له علاقة فيكم، وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال: 72]، كما أمر الله فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه خائفين من التتار؟ يجب عليكم أن تنصروا أهل الشام وهم رعاياكم وأنتم مسؤولون عنه وقوى جأشهم " يقول ابن كثير في البداية والنهاية هذا كلامه بالنص: "وقوّى جأشهم فخرجوا إلى الشام وظل - رحمه الله - يجمع المسلمين ويحرض على الجهاد وصد الأعداء وقاتل بنفسه حتى نصر الله المسلمين على التتار" [البداية والنهاية: 17/737].
مجالات العمل لدى الرباني
الربانية لها مجالات، الرباني يعمل على عدة أصعدة، قلنا: على صعيد العلم وتعليمه، ويبدأ بالأسهل، مثلاً المختصرات، يتدرج من الأسهل إلى الأصعب، يعطي العلم قليلاً قليلاً؛ حتى تتشربه نفوس طلابه، وبالقدر اليسير المحتمل، وإذا جاء واحد يريد أن يقفز يقول له: اصبر، كان الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - عنده ثلاث حلقات للمتقدمين والمتوسطين والمبتدئين ويا ويل من يراه من المبتدئين في حلقه المتوسطين والمتقدمين؛ لأن ذلك يورثه كبرًا وغرورًا بالإضافة إلى أنه يمكن ما يفهم وهذا إذا كان في الجامعة في شيء اسمه مثلا متطلبات، هذا الكورس حتى تأخذه لازم تكون أخذت هذاك الذي قبله وهذا شرط لذاك، والعلم الشرعي كذلك، هناك أشياء لازم تؤخذ قبل أشياء، ما في قفز، هذا القفز يؤدي للوقوع في الهاوية، يُقدَّم ما من شأنه التقديم، واحد يريد يبدأ مشوار طلب العلم ما يبدأ بحفظ كتاب الله تعالى، هذه بداية خاطئة، ما يبدأ بعلم التوحيد والإيمان، تكون بداية خاطئة، ما يبدأ بفروض الأعيان قبل فروض الكفايات، تكون بداية خاطئة، ما يبدأ بمسائل الإجماع والمتفق عليه قبل المختلف فيه، ستكون بداية خاطئة كذلك يتقن العلم مسائله وأصوله ومقاصده، لو قلت: أصول الفقه مصطلح الحديث علوم القرآن أصول التفسير.
الموازنة بين الشيخ والكتاب
ومن المهم للرباني أن يربي الناس على الأخذ عن العلماء وعلى المشايخ والموازنة مع الكتب، ما يقول: الكتب ممنوع، ولا يقول: الكتب كل شيء ولا داعي للمشايخ، كلاهما خطأ، وحتى قضية الكتب لها أصول، هناك كتب محققة، فيه كتب معتمدة، فيه نسخ موثوقة يعرفها أهل الخبرة.
كذلك في مجال طلب العلم الرباني يمزج لطالب العلم بين الحفظ والفهم، الحفظ رأس مال، لكن بدون فهم ما يكفي، الفهم يعين على الحفظ، والحفظ يعين على الفهم ثم قضية تعاهد العلم، كم مرة كررت الدرس، هناك علماء ما يقبل بأقل من عشرين مرة، وعلماء ما يقبل بأكثر من ذلك، وأيضاً ولازم يكون في أدب مع العلم تزكية نفوس مع العلم وألا يصير طالب علم متكبر مثلاً، طالب علم سباب عياب بذيء اللسان مثلا.
الربانية في التعليم من أسسها: أن تربي الناس على احترام النص الشرعي، لازم تعظّم الآية والحديث في نفوسهم، لازم يكون النص الشرعي له هيبته في النفوس، ما يجترئ الشخص على النص الشرعي، قال الله وقال رسوله انتهينا، لها هيبة، فالنص الصحيح لا بد أن يكون له هيبة، ولا بد أن يُفهم فهمًا صحيحًا، وعلى فهم السلف، المؤامرة المعاصرة الآن على النص الشرعي ماذا تستهدف؟ لازم نفهم المؤامرة، تستهدف: إبطال النص الشرعي، يغيرون على الآيات وعلى الأحاديث وإذا ما قدروا يغيروا على الآيات أغاروا على الأحاديث وقالوا: هذا حديث آحاد، وهذا حديث يريدون إسقاطه الباطنية لما تكلموا في الصحابة وطعنوا في أبي هريرة وطعنوا في عائشة، المقصد من وراء هذا الطعن ليس فقط ذات الراوي، فقط غرضهم إسقاط أبي هريرة، لا، ما وراء أبي هريرة روايات أبي هريرة، وإسقاط أبي هريرة يعني إسقاط خمسة آلاف حديث، إسقاط عائشة يعني إسقاط ثلاثة آلاف حديث، ليس فقط حقدًا على عائشة، استهداف أحاديث عائشة؛ لأنها من المكثرين، لاحظ المؤامرة، الباطنية درسوا من المكثرين من الأحاديث فاستهدفوهم، فيؤلفواا عليهم القصص ويطعنوا فيهم؛ لإسقاط أحاديثهم، هذه المؤامرة الضخمة الكبرى التي انتبه لها أبو زرعة - رحمه الله - وغيره من كبار المحدثين الربانيين.
إذن، إسقاط النص هذا أولاً، إذا ما استطاعوا إسقاط هيبة النص؛ هذا النص موروث فكري بشري من الموروثات الفكرية في البشر فهو وأراء البشر نتاج فكري، كله نتاج فكري، هذا وحي من الله ليس مصدر من البشر وآراؤكم من زبالات أذهانكم فكيف تريد أن تجمع بين هذا وهذا وتقول أن هذا بمستوى واحد؟
من المؤامرات المعاصرة على النص الآن قضية تحريف النص عن مراد الله ورسوله منه فيقول: النص على الرأس والعين لكن معناه كذا، والمعنى هذا الذي قالوه لا قاله الصحابة ولا التابعون ولا سلف الأمة ولا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، هم اخترعوا له مرادًا غير مراد الله ورسوله؛ لإبطال حكم، لإبطال عقيدة، اعتقاد معين عند أهل السنة مثلا ولذلك يقولون عن الصحابة هم رجال ونحن رجال، لماذا نحن ملزمون بفهمهم؟
من المؤامرات على النص: أن يجعلوا للنص تاريخ انتهاء صلاحية، كان النص صالحاً لأيام النبوة، بعد ذلك خلاص الآن مستجدات جديدة وتعرف، ماذا أعرف؟ أن هذا كان صالحاً فقط للمدة الأولى، الآن ما عاد صالحًا.
من وسائل التعطيل للنص المحاربة، هذه اسمها معركة النص بيننا وبين العلمانيين في هذا الزمان: النص للتبرُّك، تقرأ الآية لك عشر حسنات تضاعف الأجر نعم، لكن أن تلزم الناس بالنص لا! يقولون: النص للتبرُّك استشفاء رقية، يقرأ على الذي فيه جن على السحر للاستشفاء للبركة ، تريد الأجر كل حرف بعشر حسنات ما نختلف معك العلماني يقول لك: ما نختلف معك اقرأ وما تشاء كما تشاء، يُضاعف لك الأجر تريد تقرأه للاستشفاء والرقية ما نختلف معك لكن قراءة معنى ملزم للجميع لا هذه التي لا يريدونها.
الربانيون يعظّمون النصوص في نفوس الناس، ويرشدون الناس إلى معانيها، معنى النص الآية والحديث الصحيح، ما معناها على فهم سلف الأمة، أليسوا عايشوا التنزيل وكان وقت نزول الوحي وعرب أقحاح ليسوا مثلنا عربيتنا ذهبت، فأولئك فهم غير أرقى وأعلى وحجة، كذلك الله يعلم المستجدات التي تقع للبشر إلى قيام الساعة وأنزل شرعاً حكيماً مبيناً شاملاً مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 38]، يصلح إلى قيام الساعة.
الربانية في الدعوة إلى الله
الربانية في مجال الدعوة إلى الله، قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف: 108]، على حجة على دليل على برهان قل إني على بينة من ربي فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19]، من البصيرة العلم بأحوال المدعوين وظروفهم، من البصيرة وصف الدواء بعد تشخيص الداء، من البصيرة الاستعداد للقاء المدعوين، إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحِّدوا الله تعالى [رواه البخاري: 1458]، ثم انتقل للصلاة ثم الزكاة دعوة الكافر غير دعوة الفاسق، ودعوة المعاند غير دعوة الجاهل ودعوة المقبل غير دعوة المعرض، لما قال: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]، هذه مقامات، هناك جاهل تعليمه يحتاج إلى حكمة، هناك غافل عنده علم، لكن يحتاج إلى موعظة تذكير، فيه صاحب شبهة يحتاج إلى مجادلة حتى تنقشع الشبهة ويتبين له الحق ولذلك قال:ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]، الربانيون يخالطون الناس ويقتربون منهم يعرفون ماذا لديهم؟ ما هو من بعيد، ما تستطيع أن تعرف مشاكل الناس أو مصائب الناس أدواء الناس وأمراض الناس القلبية وغيرها إلا بالمخالطة حتى تسمع منهم، المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم [رواه أحمد: 5022، وابن ماجه: 4032، صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 6651]، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران: 159].
الرباني معهم يعزيهم في أتراحهم ويهنيهم في أفراحهم.
الربانية في التربية: تأسيس نشء صحيح من الصغر: ((يا غلام)) وبالأسس يبدأ والقواعد، إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله [رواه أحمد: 2763، والترمذي: 2516، وصححه الألباني في المشكاة: 5302].
أنت كيف تخرج شابًا نشأ في طاعة الله يستظل بظل العرش يوم القيامة إذا ما بدأت من تحت من الصغر منذ نعومة أظفاره، حفلت الأمة بعلماء ربانيين حقيقة كثر والحمد لله، وما لا أمة أخرى عندها مثل ما عندنا لا الأمريكان ولا الأوربيين ولا الصينيين ولا الهنود ولا الروس ولا الأمم الصقالبة ولا الفي كينج، لا توجد مثل أمة الإسلام في العلماء الربانيين، ما في أمة أنتجت قدوات، صح ممكن تجد حكيماً هندياً وحكيماً مكسيكياً يعطيك كذا جملة فيها حكمة من الحكم، لكن ربانيين عندهم صلة بالله وعبادات ونوافل وعلم الوحي الذي ليس فيه خطأ، فيه ميزة أنه شيء موثوق ما هو نظرية وبعدين بكره يثبت خطأها، قالوا الآن: والله اكتشفوا أن بعض ما جاء به نيوتن خطأ واللي جاء به أينشتاين أصح، وفي الجاذبية اكتشفوا أشياء هذا وحي ليس فيه احتمال الخطأ، لا يضل في كتاب، لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [طه: 52]، من العلماء الربانيين مثلاً: عبد الله بن عباس، من آل البيت الكرام، اللهم علّمه الحكمة، اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل دعا له بثلاث دعوات: اللهم علّمه الحكمة [رواه البخاري: 143]،.
اللهم فقّهه في الدين [رواه البخاري: 143].
أيضاً: اللهم علّمه التأويل أيضا رواها أحمد. [رواه أحمد: 2397، وصححه الألباني في التعليقات الحسان: 7015].
ببركة هذه الدعوات النبوية حاز ابن عباس درجات عليا في الفهم والعلم، قال ابن مسعود تواضعاً: "لو أن ابن عباس أدرك أسنانًا - يعني لو كان من كبار الصحابة ما عشره منا أحد يعني ما بلغ عشره في العلم، لكن ابن عباس كان صغيرًا في عهد النبي ﷺ، لما مات قال محمد بن الحنفية: "اليوم مات رباني هذه الأمة" [تهذيب التهذيب: 5/278].
كان ابن عباس صاحب مدرسة في التفسير وفي الفقه، ابن عباس ترك جبالاً في العلم؛ سعيد بن جبير، مجاهد بن جبر المكي، عطاء بن أبي رباح مفتي الحج، وغيرهم كثير، عكرمة تلميذه المشهور، من الربانيين الكبار في الأمة من أكبر الربانيين في الأمة عبد الله بن مسعود حتى قال حذيفة: "ما أعرف احدًا أقرب سمتاً وهدياً ودلاً يعني شكلاً بالنبي ﷺ" [رواه البخاري: 3762]. يقصد الشكل الهيئة الأدب الوقار السمت من ابن أم عبد رواه البخاري هذا اللي زكاه النبي ﷺ: من أحبّ أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد [رواه أحمد: 9754، وابن ماجه: 9754، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 5961].
هذا ابن مسعود رباني وربى تلاميذ والتلاميذ بعد ذلك، ربوا تلاميذ وسلاسل في العلم، ربى تلاميذ على طريقة عشر آيات ويتعلم ويتعامل بما فيها،" أخذنا القرآن عشراً عشرًا" كما قال أبو عبد الرحمن السلمي مقرئ الكوفة، نتعلّم ونعمل، وهكذا تلاميذ ابن مسعود ربَّوا تلاميذهم، ابن مسعود كان يشجِّع طلابه، كان هو وعلقمة يصفان الناس صفّين عند أبواب كندة، فيقرئ عبد الله رجلاً ويقرئ علقمة رجلاً، فإذا فرغا تذاكرا أبواب المناسك وأبواب الحلال والحرام، ماذا أنتج ابن مسعود؟ أنتج كباراً؛ علقمة هذا واحد من تلاميذ ابن مسعود، مدرسة ابن مسعود ممكن تكون أعظم مدرسة تعليمية في الصحابة، علقمة، منصور، إبراهيم، سفيان، وكيع، أحمد، أبو داود، إذا ما لقيت ابن مسعود ما ضرك، إذا ما لقيت علقمة ما ضرك إذا لقيت منصور، إذا ما لقيت منصور بن المعتمر ما ضرك إذا لقيت سفيان، إذا ما لقيت سفيان ما ضرك إذا لقيت وكيع، إذا فاتك وكيع ما ضرك إذا لقيت أحمد، إذا فاتك أحمد ما ضرك إذا لقيت أبا داود، سلاسل، وفي كلها إذا رسمت أشجار الأسانيد تعرف أين ابن مسعود تلاميذه، وكل واحد ماذا أخرج من التلاميذ يطلع عندك شجرة متشابكة الأغصان، عبد الله بن عمر عالم رباني خلّف مجاهد بن جبر وسالم بن عبد الله بن عمر ونافع مولى ابن عمر وسعيد بن جبير وعطاء وسليمان بن يسار ومحمد بن سيرين وزيد بن أسلم، تربية وتشجيع، مرة سئل عن مسألة في المواريث قال للسائل اسأل سعيد بن جبير فإنه يعلم منها ما أعلم ولكنه أعلم بالحساب مني، هذا سعيد من تلاميذ عبد الله بن عمر ومع ذلك يدل عليه من المتخصصين الربانيين من علماء الصحابة زيد بن ثابت لاسيما في الفرائض، أفرضهم زيد [رواه الترمذي: 3790، وابن ماجه: 154، وأحمد: 13990، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 895]، لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة اليوم: "مات رباني هذه الأمة ولعل الله أن يجعل في ابن عباس مثله خلفاً" [تهذيب التهذيب: 5/278]، هؤلاء الكبار من أكبر العلماء الربانيين في الأمة، هؤلاء أصحاب السلاسل والأسانيد، هؤلاء الذين عندهم طلبة وطلبة طلبة وطلبة طلبة الطلبة إلى ما شاء الله كبار الربانيين، وبعدهم ما انقطعت سلسلة الربانيين، فمثلا تأخذ عبد الله بن المبارك هذا شيخ الإسلام في زمانه جمع الفقه والحديث والعربية والشجاعة والسخاء، حتى يقول سفيان بن عيينة: نظرت في أمر الصحابة وأمر عبد الله بن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم للنبي ﷺ يعني إذا قارنت عبادة عبد الله بن المبارك بعبادات الصحابة وعلم عبد الله بن المبارك بعلم الصحابة وشجاعة عبد الله بن المبارك بشجاعة الصحابة وكرم عبد الله بن المبارك بكرم الصحابة قال: ما أرى أنه ينقص عنهم لكن أجر الصحابة هذا اللي ما أحد يفوق فيه ولا أحد يحصله أجر الصحبة، وإذا جئت بعد ذلك الإمام أحمد وغيره ومالك والشافعي يعني العلماء الربانيين الكبار؛ عمر بن عبد العزيز، ثم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، الحمد لله الأمة فيها خير كثير علماء ربانيون والحمد لله، ولو قال قائل: أنا عارف نفسي نقول يا أخي "ما لا يُدرك كله لا يُترك كله" خذ العشر خذ عشر المعشار، الحمد لله أن أبواب الفضائل ما في يا 100% يا صفر، يعني أنت ممكن تحوز درجة من الدرجات فنسأل الله أن يجعلنا من أئمة الهدى، اللهم اجعلنا للمتقين إماماً، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً.