الأحد 14 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 15 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

آداب الحوار


عناصر المادة
أهداف الحوار الشرعي ومقاصده وضوابطه
تحديد موضوع الحوار
تقديم الحوار بعبارات لطيفة ومناسبة
المجادلة بالحسنى
الإقبال على المحاور بوجهك
إكرام المحاور وحسن ضيافته
الإنصاف وتحري العدل
التسليم للحق إذا ظهر عند الطرف الآخر
المنهج العلمي في المناقشة والمناظرة
الحوار بأسلوب المناظرة وضرب الأمثال
الإقناع
تحريك الفطرة السليمة
شروط الحوار وآدابه

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أيها الإخوة والأخوات حياكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ونحن وإياكم في هذا الحوار أو في هذا الحديث المباشر عن الحوار وحديثنا نابع من قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125]، كم يحتاج إلى هذا المسلم، كم يحتاج إلى هذا وهو يناقش الآخرين كم يحتاج إخواننا المسلمون في المراكز الإسلامية في الخارج وهم يعيشون مع غيرهم ممن يحتاجون إلى دعوتهم ومخاطبتهم  وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص: 68]، فاوت بين العباد في العقول والمدارك والألسن والألوان والتصورات والأفكار والمفاهيم، وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [الروم: 22]، وأنتم تتخاطبون مع غيركم المسلمون لهم لغات كالمسلمين في الخارج منهم من لغته عربية ومنهم من لغته من بلاد الهند ومنهم من قدم من بلاد متعددة من أنحاء العالم واجتمعوا لسبب أو لآخر في تلك البلاد ولكن يجمعهم دين واحد دين الإسلام وهم يحتاجون إلى نقله إلى غيرهم ومحاورة هذا الغير، والمسلم اجتماعي بطبعه لا بد أن يخالط الناس وأن يتعامل معهم وأن يحاورهم، فأما الحوار الذي نريد أن نتحدث عنه في أساليبه وضوابطه ومحتواه والحوار الناجح، والتحاور المحاورة مراجعة الكلام والمخاطبة والمجاوبة يكون في المناظرة يكون في المناقشات، إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ  [الانشقاق: 14]، يعني يرجع، فإذن حار حوراً يعني: رجع، وفي الحوار فيه رجوع بالكلام إلى الطرف الآخر، وفيه مراجعة الكلام بين الطرفين بين شخصين بين فريقين، والمناظرة قريبة منها محاورة في الكلام يقصد كل واحد من المتناظرين تصحيح قوله وتفنيد القول الآخر، لكن الحوار بين المسلمين أوسع من هذا الحوار، أحياناً يكون بين المسلمين أنفسهم للتوصل إلى الحق، يعني أنا ممكن أدخل في حوار معك ليس لأجل أن أصحح كلامي وأبطل كلامك لكن لأجل أن أتوصل معك إلى ما هو الحق ما هو الصحيح، قد يكون الحوار عصفاً ذهنياً لإثراء موضوع ما، أو تجميع نقاط في موضوع ما، والحوار قد يكون مع موافق، وقد يكون مع مخالف، المناظرة هي التي تكون مع المخالف، الحوار فيه إظهار الحجج، وكذلك فيه الأدب،  ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  [النحل: 125]،

أهداف الحوار الشرعي ومقاصده وضوابطه

00:03:25

لكن ما هو الهدف؟ ما هي أهداف الحوار الشرعي؟ ما هي مقاصده؟ وما هي ضوابطه؟

في الحقيقة إن ربنا قد أمرنا بإقامة الحجة والوصول إلى الحق، وأمرنا بالدعوة إلى سبيله، والرد على الشبهات، والرد على الباطل، فنحن بالحوار نتعلم، بالحوار نستكشف الحق، بالحوار نثري مواضيعنا، بالحوار نتثاقف، ونوسع مداركنا، وبالحوار ندعوا إلى الله ، وبالحوار نرد على الشبهات والباطل، الدعوة إلى دين الله تحتاج إلى حوار من قلب مفتوح فعلاً، والحوار قد يكسب السامعين علماً، ويثبت المؤمنين، يثبت أهل الإيمان، وحتى بعض الناس الذين عندهم شكوك بالحوار يتثبت إيمانه، بالحوار أحياناً تلين القلوب؛ لأنه قد يكون فيه موعظة بالحوار، تتقارب وجهات النظر ويتعاون المسلمون في الهدف الواحد، من الأصول المهمة الشرعية في الحوار الإخلاص وصدق النية، هل الواحد داخل فقط للغلبة أو داخل لاستكشاف الحق أو معرفته؛ خصوصاً إذا كان الحوار مع إخوانه المسلمين، لا بد من توفر صفة الإخلاص، وحُسن النية، وسلامة القصد، والبعد عن الرياء، ولا يكون الهدف هو التفوق على الآخرين فقط وانتزاع الإعجاب والثناء والظهور الشخصي، لا، هذا رياء، أو هذا شيء ليس لله، والعقوبة عليه شديدة يوم القيامة.

 ثانياً: بالإضافة إلى الإخلاص لا بد من أن يكون الهدف الوصول إلى الحق والحذر من التعصب والهوى، وأن يكون السبيل معرفة الصواب وليس المكابرة، والإمام الشافعي - رحمه الله  قال: "ما ناظرتُ أحدًا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويُعان ويكون عليه رعاية من الله وحفظه، وما ناظرت أحداً إلا ولم أبال بين الله الحق على لساني أو لسانه" [حلية الأولياء: 9/118]، والشافعي أيضاً يقول: "ما ناظرتُ أحدًا فأحببتُ أن يخطئ، وما في قلبي من علم إلا وددت أنه عند كل أحد ولا يُنسب إليه"، أيضاً يُنقل عنه - رحمه الله  - أنه قال: "ما ناظرتُ أحدًا إلا على النصيحة"

ويُنقل عنه أيضاً أنه قال: "ما ناظرت أحداً إلا قلت: اللهم أجرِ الحق على قلبه ولسانه، فإن كان الحق معي اتبعني وإن كان الحق معه اتبعته" [سير أعلام النبلاء: 10/29].

تحديد موضوع الحوار

00:06:13

الأمر الثالث: تحديد موضوع الحوار.

كثير من الحوارات تبدأ غير منظمة وتنتهي إلى جدل عقيم.

الأمر الرابع: الاتفاق على أصل يُرجع إليه.

يعني مثلا إذا أردنا ان نتحاور في مسألة فقهية، هل نحن عندنا مرجعية في الحوار متفق عليها؟ بين المسلمين سنقول: الكتاب والسنة وكلام العلماء والأدلة بفهم العلماء، هذه الحجة، فلو واحد ما أتى بحجة من الكتاب والسنة وواحد أتى بحجة من الكتاب والسنة، فالحق مع هذا الذي أتى بها.

 ثانياً: لو واحد أتى بآية أو حديث لكن في غير موضع النقاش أو فسرها وشرحها من عنده غير شرح العلماء والسلف، فسيرد عليه.

الحجة من الكتاب والسنة شيء عظيم، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ  [العنكبوت: 51]،  فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ  [النساء: 59].

والنبي ﷺ قال: تركتُ فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم [رواه الحاكم: 319، والدراقطني: 4606، والبيهقي في السنن الكبرى: 20337، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 2937].

عندما يكون الموضوع محدد والمرجعية محددة سنسلم من الدوران في حلقات مفرغة وضياع الأوقات.

 خامساً: عدم مناقشة الفرع قبل الاتفاق على الأصل، أحياناً نختلف في الأمثلة، دعونا نتفق على القاعدة ثم الأمثلة سهلة فالبدء بالأهم من الأصول وضبطها والاتفاق عليها ثم الانطلاق منها لمناقشة الفروع.

وهناك آداب ينبغي على المتحاورين الالتزام بها والحرص عليها؛ تهيئة الجو المناسب للحوار، يعني الواحد ما يتناقش مع الغوغائيين أو في أماكن يمكن أن يأتي من هؤلاء الهوام من يغلب بصياحه، لكن عندما يكون مكان منظم محترم هادئ، فيه ضبط للوقت، فيه مدير للحوار، فيه نظام يلتزم به، هذه قضية مهمة، ثم يراعى الظرف، ظرف الآخر، وليس من العدل أن يتم الحوار مع شخص يعاني من إرهاق جسدي أو نفسي، اللهم إلا إذا صار مع عدو لله ولرسوله، كذلك لا بد يكون تعارف بين الطرفين، على الأقل يعرف بنفسه.

تقديم الحوار بعبارات لطيفة ومناسبة

00:08:52

ثم أيضاً التقديم للحوار بكلمات مناسبة، مقدمات لطيفة، حتى لو مع غير المسلمين، نحتاج إلى مدخل جميل، نحتاج إلى مدخل يفتح النفس، نحتاج إلى جذب الانتباه، ومن آداب الحوار الإصغاء وحسن الاستماع، والأدب يأسر، والنبي ﷺ في نقاشه مع عتبة بن ربيعة، وكان سيداً في قومه قال يوماً وهو جالس في نادي قريش، ونبي الله ﷺ في المسجد الحرام وحده، فقال لهم: "يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكفّ عنا" وكان هذا الكلام قاله حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب النبي ﷺ يزيدون ويكثرون فقالوا: بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله ﷺ فقال: يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلاهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت بهم من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها، فقال رسول الله ﷺ: قل يا أبا الوليد أسمع  وهذه التكنية فيها تقدير ومراعاة لهذا الرجل صاحب المكانة قال: قل يا أبا الوليد أسمع قال: يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودّناك عليك حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه - يعني تابعاً من الجن يتراءى لك- لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلبت التابع على الرجل حتى يداوى منه، فلما فرغ عتبة، ورسول الله ﷺ يستمع منه قال: أقد فرغت يا أبا الوليد قال: نعم، قال: فاسمع مني، قال: أفعل هذا، شيء فرض نفسه ما دام استمع إليه لا بد الآخر ان يستمع، فقال النبي ﷺ : بسم الله الرحمن الرحيم  حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ  [فصلت: 1 - 5] ومضى النبي ﷺ يقرأ عليه فلما سمع عتبة أنصت وألقى يديه خلف صدره معتمداً عليها يستمع منه وفي الآيات وعيد؛  فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ  [فصلت: 13]، والنبي ﷺ في قراءته أكمل القراءة وفي هذه السورة سجد في موضع السجدة ثم قال: قد سمعتَ يا أبا الوليد ما سمعتَ فأنت وذاك  [رواه ابن كثير: تفسير ابن كثير7: /162]، النبي ﷺ استمع أولاً ثم تكلم واستعمل الإنصات وسيلة للدعوة، وكان لا بد للمقابل أن ينصت، وهذا الأدب نحتاجه جداً استماع المحاور لمحاوره، والنبي ﷺ تابع عتبة باعتناء وأظهر له الإنصات، ومن أحسن الاستماع أحسن الرد، وقد تشوّق عُتبة للسماع بعد هذا الإنصات من النبي ﷺ، رأس الأدب: حسن الفهم والتفهُّم والإصغاء للمتكلم، والنبي ﷺ يعلم بطلان ما جاء به عُتبة، لكن كان يريد أن يستفرغ ما لديه ليرد عليه، وقبل ما يتكلم النبي ﷺ قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟  قلت كل ما عندك؟ هذا أجدى وأنفع وأخصر وأفيد، وتفهم ماذا يقول الخصم، والنبي ﷺ في هذا استعمل القرآن في الرد والله قال: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان: 52].

المجادلة بالحسنى

00:14:32

من آداب الحوار أن ديننا علّمنا المجادلة بالحسنى  ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والموعظة الحسنة  [النحل: 125]؛ لأن هناك واحد جاهل يحتاج إلى تعليم وكيف تبدأ بالتعليم؟ هذه تحتاج إلى حكمة، وكيف توصل له المعلومة وتفهمه؟ يعني هناك واحد يعرف لكن عنده شهوة وهوى يحتاج إلى موعظة، وهناك واحد يعرف ولكن عنده شبهة فيحتاج إلى جدال ولذلك الآية أتت بالحل للجاهل وصاحب الهوى وصاحب الشبهة، ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والموعظة الحسنة [النحل: 125]، هناك ناس يحتاجون إلى تعليم، وفيه ناس يعرف لكن عنده شهوة غلبته يحتاج إلى موعظة، وهناك ناس عندهم شبهة، تغشتهم شبهة يحتاجون إلى مجادلة بالتي هي أحسن لإزالة الشبهة، الله أوصانا قال: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ  [العنكبوت: 46]، وقال لموسى وهارون:  فَقُولَا لَهُ  [طه: 44]، يعني: لفرعون  فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى  [طه: 44].

كذلك من آداب الحوار حسن الخلق، التواضع للمحاور، لين الجانب، أكمل المؤمنين إيمانا احسنهم خُلُقاً [رواه أحمد: 7402، وأبو داود: 4682، والترمذي: 1162، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1230]،  خصوصًا عندما يكون التحاور بيننا نحن المسلمين، يعني مع الأسف نحن أحياناً ما نحسن النقاش بيننا في مسألة تتعلق بالصلاة بالمسجد مثلاً، حكم من الأحكام الشرعية، كيف نتخذ موقفاً من المواقف؟ لكن ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق، لو كان الواحد عنده حسن خلق في الحوار مع إخوانه، وحسن الخلق في الحوار حتى مع المخالفين، وطلاقة وجه، تواضع، ولين جانب، وعفة لسان، واحتمال الأذى، سينجح نجاحاً باهراً، والله قال: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ  [الحجر: 88]، ما تواضع أحد لله إلا رفعه، هذا التواضع يفتح قلب المحاور، امرأة كان في عقلها شيء قالت: يا رسول الله إني لي إليك حاجة فقال: يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك  [رواه مسلم: 2326]، وذهب معها في الطريق وفرغ من حاجتها، في عقلها شيء يعني: في عقلها شيء من التغير شيء من خبل جنون وهو يقول لها:  يا أم فلان  يعني هذه التكنية تكريم،

كان النبي محاورا متواضعا حتى دعا الخرقاء أم فلان
ويكلّم الأمة الضعيفة ماشيًا معها لحاجة بكل مكان
وعلى المحاور مقبلٌ لاسيما من جاء يسأله عن الإيمان

نحن نحتاج دائما في النقاشات استحضار مثل حديث: حُرّم على النار كل هيّن ليّن سهل قريب من الناس  رواه الإمام أحمد والترمذي وهو حديث صحيح.  [رواه أحمد: 3938، والترمذي: 2488، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 2609].

من آداب الحوار: الرحمة والشفقة بالمخالف، أنا أناقشه، أحاوره، أريد له الخير، أريد أن يهتدي، أريد أن يصل معي إلى الحق، ليس كيداً ولا انتقاماً ولا تشفياً ولا إظهاراً للتفوق الشخصي عليه،  فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ  [آل عمران: 159] وبالذات لما يكون الحوار مع إخوانك المسلمين؛ لأن الله قال:  وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ  [الشعراء: 215]، والنبي ﷺ كان محاوراً كما كان رفيقاً في الحوار كما يظهر مع الشاب الذي أتاه شاب أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا! فأقلب القوم عليه فزجروه قالوا: مه مه فقال ﷺ ((ادنُ)) فدنا منه قريباً قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟  قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لأختك؟  قال: لا جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، أتحبه لعمتك؟  قال: لا، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، أتحبه لخالتك؟ قال: لا قال  ولا الناس يحبونه لخالاتهم  مثل ما أنت ترفض هو كذلك مرفوض عند الآخرين مثل ما تريد عرضك نقياً صافياً طيباً طاهراً، احرص على أعراض الآخرين ثم وضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهّر قلبه وحصّن فرجه  ثلاث دعوات فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. [رواه أحمد: 22211، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 370].

ما عاد يلتفت إلى ترهات من المحرمات أبداً، عف وكف، ولو شفنا حوارات الأنبياء يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، يعني نوح، شعيب، وهكذا، وحوار موسى مع فرعون فيه أشياء رائعة، كيف أن الواحد يجيب؟ وكيف يرد من يحاوره إلى الموضوع وإن تهرب منه؟ من رب السماوات والأرض؟ فرعون خرج قال: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ  [الشعراء: 29]،  قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  [الشعراء: 24]، رجع به للموضوع بدون ما يقول أنت تهددني؟ رجع به للموضوع.

الإقبال على المحاور بوجهك

00:20:49

من آداب الحوار الإقبال على المحاور بوجهك حتى يشعر باحترامك له وتقديرك إياه، والنبي ﷺ كان يُقبل بوجهه على من يحدثه والنبي ﷺ لما جاءه شخص يقول: يا رسول الله رجل غريب، جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه؟ قطع الخطبة، قال: فأقبل عليّ رسول الله ﷺ وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديداً فقعد عليه رسول الله ﷺ وجعل يعلّمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها" [رواه مسلم: 876]. هذا الذي جاء يسأل عن كيفية الدخول في الإسلام يُقدَّم، لا يقال: انتظر؛ لأن الآن يجب تعليمه فوراً حتى لو جاءته منية تأتيه على الإسلام، وكذلك فإن النبي ﷺ كان يتبسم، والتبسم هذا جذاب غاية الجاذبية في الحوارات، وإذا كانوا إخواناً لك من المسلمين فإن تبسمك في وجه أخيك صدقة، وفيه تأليف للقلوب، حتى إن جرير بن عبد الله البجلي لما جاء للنبي ﷺ واستقبله، قال: "ما حجبني رسول الله ﷺ منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسَّم في وجهي" [رواه البخاري: 3822، ومسلم: 2475]، هذه رسالة محبة وود وحُسن خلق وكرم طبع وسعة نفس.

إكرام المحاور وحسن ضيافته

00:22:32

من آداب الحوار إكرام وحسن ضيافته.

مثلاً، لما جاء عدي بن حاتم إلى النبي ﷺ كان عدي يكره النبي ﷺ لكن أخذه ﷺ إلى بيته، وتناول وسادة من أدم محشوة ليفًا فأعطاه إياها، قال: اجلس على هذه، قلت: بل أنت فاجلس عليها، قال: ((بل أنت)) فجلست عليها وجلس رسول الله ﷺ بالأرض يقول عدي بن حاتم: فقلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك، هذا ليس ملكاً، يعني هذه أخلاق أنبياء، وهذا ليس ملك قال لي: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم قلت: إني من أهل دين، يعني أنا عندي دين نصراني، قال:  يا عدي بن حاتم أسلم تسلم  قلت: إني من أهل دين، قال: أنا أعلم بدينك منك، قلت: أنت أعلم بديني مني؟ قال: ((نعم)) ثم قال: إيه يا عدي بن حاتم، ألم تك ركوسيًا؟  هذه فرقة من النصارى، والنبي ﷺ كان عنده علم دقيق بفرق النصارى وأسمائها فقال له: ألم تك ركوسيًا؟  ويعرف مذاهبهم والفرق بينها قلت: بلى

قال: أولم تكُ تسير في قومك بالمرباع؟  يعني تأخذ ربع الغنيمة, قلت: بلى، قال: فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك يعني حسب أحكام الفرقة الركوسية من النصارى، هذا الفعل أنك تستأثر بالربع لا يجوز لك، قلت: أجل والله، وعرفت أنه نبي مرسل لأنه ما كان يعرف التفاصيل هذه إلا واحد نبي، قال: وبينا أنا عنده إذ أتاه رجل فشكى إليه الفاقة، يعني الفقر إلى آخر الحديث، وفيه بشارات نبوية بفتوحات وأشياء في المستقبل ومنها أن النبي ﷺ قال لعدي بن حاتم:  ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم  يعني في غير المسلمين، يعني الآن ليس لهم في ذلك الوقت، وما كان لهم الغلبة في الجزيرة،  وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتح عليهم يعني العراق ستفتح على المسلمين، قال عدي: "فأسلمتُ فرأيت وجه استبشر" [سيرة ابن هشام: 2/580]، هكذا إذن النبي ﷺ.

الإنصاف وتحري العدل

00:25:14

من آداب الحوار أيضاً الإنصاف وتحري العدل والله  قد أمرنا بذلك،  وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا  [الأنعام: 152]

التسليم للحق إذا ظهر عند الطرف الآخر

00:25:25

ومن الأمور المهمة جداً: التسليم للحق إذا ظهر، بعض الناس-سبحان الله- يتبين له الحق أثناء النقاش ويعرض عنه، يجادل بالباطل، وترى الإنسان صاحب المعدن الجيد الذي يسلم يظهر الحق، يقبل ولو جاء من عدو، والشيطان علم أبا هريرة آية الكرسي قبل النوم، وكان كلاماً صحيحاً، والنبي ﷺ أقر على ذلك، فمن هداه الله فتح الله قلبه للحق، يهودي جاء للنبي ﷺ فقال: إنكم تنددون وإنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت وتقولون: والكعبة  كلام اليهودي صحيح، فأمرهم النبي ﷺ إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة ويقولوا: ما شاء الله ثم شئت" [رواه النسائي: 3773، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 136]  

النبي ﷺ أقر اليهودي مع شدة عداوته لليهود، أقرهم على ذلك، أن انتقاد اليهودي صحيح، وهو أن بعض المسلمين عندهم شرك خفي، يقولون: ما شاء الله وشئت، والصحيح: ما شاء الله ثم شئت، كيف تجعل مشيئة الخالق ومشيئة المخلوق في رتبة واحدة؟ أنتم أيضاً تحلفون بالكعبة، تقولون: والكعبة، النبي ﷺ علّمهم قال: قولوا: ورب الكعبة  لا بد أن نحذر في حواراتنا من مصادرة رأي الآخرين، اسمع له، اسمع له، نقطع الكلام ونفرض أنه يقول ما لديه.

وقد يقول قائل: أحياناً الطرف الآخر يلقي شبهة قوية، نقول: إذن، لا تناقشه أمام الضعاف، إذن الخطأ أنك أتيت بواحد يعرف شُبه قوية أمام ناس ما عندهم خلفية، خطأ، ادعه إلى مناقشة فردية بينك وبينه أو يكون معك ناس من أهل العلم؛ لأن إعداد مسرح للحوار في غاية الأهمية، من الأخطاء الشنيعة الإعجاب بالنفس، الاستئثار بالحديث، اللغط، رفع الصوت فوق، يعني لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: 26] السباب والشتائم، انفلات النفس، وعدم السيطرة على النفس أثناء الحوار، ومن الأمور المهمة عدم تحرير محل النزاع، فتجد هذا يتكلم في الشرق وهذا يتكلم في الغرب، يا جماعة القضية التي يجب أن تكون محور النقاش هي هذه، الخروجات قد يكون سببها أحياناً منازع عقلية، يعني ليس كل الناس عقولهم مرتبة.

كذلك من الأخطاء الكبيرة الاعتقاد قبل الاستدلال، يعني واحد يقرر من عنده قاعدة بدون دليل، ثم يحاول يأتي لها بدليل، لا، أورد الأدلة واستخرج القاعدة، لاحظ معي، اجمع الأدلة واستخرج القاعدة، هات المقدمات واستخرج النتيجة، كذلك الإنسان أحياناً ما يتهم نفسه ويراها أنها فوق الانتقاد، لا، ممكن يقول: يا أخي أنا قد أكون أخطأت في الكلام، أنا قصرت في فهم كلامك، هذه الألفاظ وهذا الأدب يجعل الطرف الآخر أكثر قبولاً لك، ثم إن كثيرًا ما يكون الحوار بين مسلمين فلا يلتمس لأخيه عذراً، يكون بين مسلمين وما يردون إلى الكتاب والسنة، يكون بين مسلمين ويحصل نزاع وشقاق بعد الحوار أسوأ مما قبل، نحن الآن قلنا: الحوار حتى نتقارب، حتى نتآلف، حتى نزيل الاختلاف الذي بيننا، كذلك لا بد يكون في تعاون للوصول إلى الحق، وهذه قضية مهمة.

المنهج العلمي في المناقشة والمناظرة

00:29:11

ومن الأمور المهمة المنهج العلمي في المناقشة والمناظرة، المنهج العلمي هذا الذي أقوله حجة أو غير حجة؟ هذا رأي أو هذا حجة؟ دليل هذا شيء شخصي أو هذا حكم شرعي؟ إذا ما كان فيه منهج علمي في المناقشة تصبح ضياع وقت، ثم لا بد من الإقرار بالمسائل الاجتهادية، قد يكون المسألة التي فيها خلاف في الحوار، كلاهما يعني كلا الرأيين رأي معتبر لأهل العلم، يعني مثلاً الآن لو تحاورنا في قراءة الفاتحة للمأموم خلف الإمام في الصلاة الجهرية، الظن أنك ستحسمها في مناقشة هذه صعبة جدًا، الأئمة الكبار ما حسموها، نحن سنحسمها؟ نحن نحاول في النقاش بين طلبة العلم التوصل إلى ما هو الأقرب إلى الحق؟ القول بوجوب قراءتها في السر والجهر على المأموم قوي، هذا مذهب الشافعي، والقول بوجوب القراءة في السر دون الجهر هذا مذهب من مذاهب أهل العلم المعتبرة، ستحسم المسألة هكذا بجرة قلم في النقاش في الحوار؟ ما يمكن، فلا بد نسلم أن هذه مسألة اجتهادية، وممكن يكون قصارى ما نخرج به محاولة التوصل إلى أيهما أقرب، والصحابة حصل بينهم نقاشات في أشياء، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة، إذن، لا بد من التفريق بين الخلاف السائغ وغير السائغ، ليس كل خلاف معتبر ولا مقبول، هل ترضى بالخلاف في مسألة التوحيد مثلاً؟ هل ترضى بالخلاف في وجوب الصلوات الخمس؟ هل ترضى بالخلاف في الحدود الشرعية؟ أن الحد هو كذا؟ قد نختلف في المنطقة الفلانية، هل يقام الحد أم لا؟ هل يوجد للسلطان، للمسلمين، أو لا يوجد؟ لكن ما يمكن نختلف في قضية تحريم الخمر، ما يمكن هذا قطعي، فلا بد من التفريق بين القطعيات وبين الخلافيات، وبين الخلاف المعتبر والخلاف الغير معتبر، وأيضاً من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة وما أجمعت عليه الأمة هذا هو المردود، وأما قضية أنه طلاق الثلاث واحدة وإلا ثلاث، هذه مسألة اختلف فيها العلماء من قديم  وإذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر [رواه البخاري: 7352، ومسلم: 1716]، الحقيقة أن إدارة الحوار بالطريقة الجيدة ستؤدي إلى نتائج جيدة، وهناك ناس -سبحان الله- عندهم بيان وفصاحة وهم على باطل، وفيه ناس عندهم عي، لا يملكون الفصاحة وهم على حق فقد ينتصر في الظاهر الأول والحق مع الثاني

في زخرف القول تزيين لباطله والحق قد يعتريه سوء تعبير
تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن ذممت فقل قيء الزنابير

الحوار بأسلوب المناظرة وضرب الأمثال

00:32:30

وقد كان رسول الله أحسن الناس أسلوباً في المناظرة وتوصيل المعاني، ضرب الأمثال، توضيح العبارات، يستعمل أسلوب السؤال، يستعمل الإشارات وما يسمونه اليوم لغة الجسد، مثلاً النبي ﷺ جاءه واحد وقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك  قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال ((قاتله)) قال: أرأيت أن قتلني؟ قال: فأنت شهيد  قال: أرأيت إن قتلتُه قال: هو في النار  [رواه مسلم: 140]

الإقناع

00:33:05

الهدف من الحوار الإقناع والنبي ﷺ لما جاءه عمر قال: "هششتُ يومًا فقبّلتُ وأنا صائم، فأتيت النبي ﷺ قائلاً: صنعت اليوم أمراً عظيماً، فقبلت وأنا صائم، ما فسد الصوم، هذه كانت قبلة بدون إفساد للصوم فقال ﷺ:  أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس بذلك، فقال رسول الله ﷺ: ((ففيم؟)) رواه أبو داود.

فإذن، هو قرب له الحكم النتيجة أرأيت لو تمضمضت ثم مججته يضرك في الصيام؟ قال: لا، قال: فكذلك هذه  [رواه أحمد: 372، وقال محققه الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين]. المضمضة أول الشرب لكن إذا لفظها ما تضر، والقُبلة مفتاح الجماع لكن إذا كان يملك نفسه لا تضر وإذا ما يملك نفسه ما يجوز يقبل.

انطر الحوار في الإقناع العلمي؛ جاءت امرأة إلى النبيﷺ قالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر فقال: أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضينه؟  قالت: نعم، قال: فدين الله أحق بالقضاء  [رواه مسلم: 1148]، جاءه واحد أعطى أحد أولاده عطيّة وما أعطى الآخرين قال: أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟  ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، قال: أكلهم وهبت لهم مثل الذي وهبت لابنك هذا؟ قال: لا، قال: فلا تشهدني إذن، فإني لا أشهد على جور وفي رواية: "أنه سأله:  أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى، قال:  فلا إذن  [رواه مسلم: 1623]. اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. 

تحريك الفطرة السليمة

00:34:49

من أساليب الحوار تحريك الفطرة السليمة مثلما سأل الشاب عن الزنا: أتحبه لأمك؟... أتحبه لأختك؟ [رواه أحمد: 22211، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 370]. إيقاظ الفطرة السليمة النبي ﷺ مر على حصين والد عمران بن حصين الصحابي قال: ((يا حصين)) لاحظ، حصين كان رجلاً مشركاً يعبد الأصنام، قال: يا حصين، كم إلهًا تعبد؟ قال: سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء، يعني المشرك يقر بالله لكن يعبد معه غيره، فالرجل هذا لما سأله النبي ﷺ: كم إله تعبد، قال: سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء قال:  فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟ يعني لو كنت في البحر واضطربت الأمواج أوشكت على الغرق أي واحد من السبعة الذي تدعوه قال: الذي في السماء قال:  يا حصين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين تنفعانك فلما أسلم حصين قال: يا رسول الله علّمني الكلمتين اللتين وعدتني قال قل:  اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي  لكن الشاهد في الموضوع كم إلهاً عبد؟ سبعة، أي واحد الذي تعد لرغبتك ورهبتك؟ اللي تلجأ إليه في الشدة؟ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ [الأنعام: 41]، قال: "الذي في السماء" [رواه الترمذي: 3483، وقال الترمذي: هذا حديث غريب]، اعترف هذه حوارات تقود إلى الحق، قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ [الأنعام: 149].

وهناك حُجّة سمعية وحجة عقلية ونركز على الأشياء القاطعة للشكوك المانعة من العناد في المجادلة، لماذا إبراهيم انتقل: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة: 258]، هذا واحد قتله، وهذا واحد محكوم عليه بالإعدام، قال: عفونا عنك، هذا أحييه، إبراهيم ما ناقشه، ما جادله فيها، انتقل إلى شيء آخر ما يمكن النقاش فيه قال: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَر [البقرة: 258]، قبل ما ننتقل إلى نماذج من الحوارات.

شروط الحوار وآدابه

00:37:08

نريد أن نراجع معكم بعض الأشياء التي مضت في شروط الحوار وآداب الحوار

شروط الحوار ذكرنا الإخلاص، وذكرنا تحرير محل النزاع في الحوار، وذكرنا أيضاً الإخلاص وصدق النية، وذكرنا أيضاً الدليل والحجة، وذكرنا تحديد الهدف؛ وهو الوصول إلى الحق.

وكذلك ذكرنا أيضاً من شروط الحوار تحديد موضوع الحوار حتى لا يخرج عنه ولا تضيع الأوقات، وكذلك الاتفاق على أصول يرجع إليها أثناء الحوار، وذكرنا أيضاً البدء بالأصول قبل الفروع، القواعد العامة قبل ما ندخل في الفرعيات وكذلك فإن هناك آداب للحوار نراجعها معكم أيضاً واحداً واحداً، فمن آداب الحوار تهيئة الأجواء وكذلك من آداب الحوار الإنصات وحُسن الاستماع.

وكذلك من آداب الحوار لين الجانب، والتواضع، وهذه صفة مهمة من آداب الحوار الابتسامة وهي جذابة، ومن آداب الحوار الشفقة بالمخالف والحرص عليه وعلى مصلحته، وأيضاً من آداب الحوار الإقبال عليه والنظر في وجهه، ومن آداب الحوار أيضاً الإنصاف والعدل، وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا  [الأنعام: 152].

وكذلك من آداب الحوار التسليم للحق إذا ظهر والاعتراف الواضح الصريح.

وكذلك هناك أخطاء في الحوار ومنها مصادرة رأي الآخر ورفض الاستماع له، وأحيانًا التحكم فيه وعسفه ويقول: أنت تقول، تقوله مالم يقل، هو ما قال، ويقوّلونه مالم يقل.

ومن الأخطاء في الحوار الإعجاب بالنفس وهذه كارثة، وأيضاً من الأخطاء في الحوار الاستئثار بالحديث وعدم ترك المجال للطرف الآخر، وأيضاً من الأخطاء في الحوار المجادلة بالباطل والمعاندة، ومن الأخطاء في الحوار أيضاً الإسفاف والشتائم والنزول إلى المستوى الذي لا يرتضى شرعاً، وكذلك تجاهل مقاصد الطرف الآخر، ماذا يريد؟ ماذا يرمي إليه؟ هذه بعض الآداب والشروط والأخطاء، هناك كما قلنا حوارات في القرآن والسنة، وكذلك في كلام أهل العلم جميل جداً الرجوع إليها، مثلاً الله حاور الملاحدة الذين ينكرون وجوده فقال: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ [الطور: 35-36]فذكر لهم الاحتمالات أم خلقوا من غير شيء هؤلاء أصحاب نظرية البيج بانج يقولون: الكون جاء من العدم، يعني إذا سألت هؤلاء الملاحدة، كثير ما هم في الجامعات في الغرب وغيرها عندهم في الفلسفة بعضهم يقولون: لا خالق، لا يوجد خالق، وبعضهم يقولون: قد يوجد وقد لا يوجد، وما عندنا إثبات أنه يوجد والله  ناقش هؤلاء أم خلقوا من غير شيء، إذا قلت له: كيف جاء الكون هذا؟ سؤال كيف جاء الكون هذا؟ يقول: من الانفجار العظيم، فتقول له: قبل البيج بانج ماذا كان يوجد؟ سيقول: عدم ما في شيء!

تقول: فإذا كان لا يوجد شيء فما الذي انفجر؟ أنت الآن تقول: أن الكون جاء من الانفجار العظيم، طيب إذا كان قبل الانفجار العظيم كان هناك عدم لا يوجد شيء لم يكن هناك شيء لاحظ Nothing التي يقولونها هي بالضبط التي ذكرها الله أم خلقوا من غير شيء، إذا كان عدم كيف سيخلق من ماذا؟ ما الذي انفجر؟  أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور: 35]، هم خلقوا أنفسهم؟ أم خلقوا السماوات والأرض.

مسألة أخرى، مسألة تعدد الآلهة الله ناقشهم في القرآن قال: ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذن لو كان هناك آلهة لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض لو كان هناك عدة آلهة لذهب كل إله بما خلق وصارت حرب كونية بين الآلهة  وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ  [المؤمنون: 91]،  قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا  [الإسراء: 42]، فالاحتمالات موجودة في النقاش، إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه وإما أن يعلو بعضهم على بعض وإما أن يكونوا جميعا تحت قهر إله واحد فهو الرب ، ولو كان هناك آلهة كان ما استقر العالم كل واحد كله إله يريد أن يعمل شيئا ولذلك قال تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ [الأنبياء: 22] ، صراع الآلهة ولاحظ محاجة إبراهيم  أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام: 80 - 81]، وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام: 83]، غلبهم فعلا حتى في استعمال التاريخ، استعمل التاريخ في النقاش، الله في محاجة اليهود والنصارى في إبراهيم ذكر لهم التواريخ كيف قالت اليهود: إبراهيم منا؟ قالت النصارى: إبراهيم منا؟ طبعاً المسلمون يقولون: إبراهيم منا، ماذا قال الله لأهل الكتاب؟ يعني كيف تدعون إبراهيم يا أيها اليهود وما أنزلت التوراة إلا من بعده، يعني معروف تاريخياً إبراهيم قبل موسى كيف تدعون إبراهيم أنه نصراني يا أيها النصارى وما أنزل الإنجيل إلا من بعده، مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا  [آل عمران: 67]، حتى هذه الحجج في التواريخ قد ذكرت في القرآن الكريم، مناظرة أبي حنيفة - رحمه الله  - مع الدهرية الذين يقولون: لا خالق، قال: لو قلت لكم إني رأيت سفينة مشحونة مملوءة بالأمتعة والأحمال في البحر محاطة بالأمواج المتلاطمة والرياح المختلفة وهي تجري، ليس فيها ملاح يجريها، ويقودها ترسو وتنزّل وتحمّل وتمشي وترسو وتنزّل وتحمّل وتمشي مستوية مع الرياح العاتية والأمواج المتلاطمة قالوا: هذا شيء لا يقبله العقل، قال: يا سبحان الله إذا لم يجز في العقل وجود سفينة مستوية من غير متعهد ولا مجر لها فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها وتغير أمورها وسعة أطرافها من غير صانع ولا حافظ فبكوا واعترفوا بالحق، مثل مناقشة الباقلاني -رحمه الله - لما دخل مجلس النصارى وذهب إلى البابا صاحب أكبر صليب وقال: كيف حالك؟ وكيف حال أهلك وأولادك؟ فنخروا قالوا: ويلك وقر صاحبنا فوق مستوى الشهوات ما يليق به الزواج والأصحاب، قال: ويلكم نزّهتم صاحبكم عن الزوجة والولد ولم تنزهوا ربكم عن الزوجة والولد؟ لما قال بعضهم لعالم من النصارى قالوا: أنتم تتزوجون من نسائنا المحصنات من أهل الكتاب ونحن ما تجيزون لنا أن نتزوج من نسائكم أنتم المسلمون لماذا قال لهم: نحن نؤمن بنبيكم  فنتزوج من نسائكم فإذا آمنتم بنبينا زوجناكم من نسائكم". [سير أعلام النبلاء: 17/192].

كذلك نجد العلماء في نقاشاتهم كيف أنهم كانوا يردون على الباطل، وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ  [الأنعام: 55]، كيف حاور عبد الله بن سلام قومه، وكيف قال للنبي ﷺ الآن اسألهم عني لما جاءوا إليه وأعلن إسلامه قال: اسألهم عني؟ وقعوا فيه أول شيء قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشا لله ما كان أن يسلم، خرج عليهم عبد الله بن سلام وأعلن إسلامه قالوا: "شرُّنا وابن شرِّنا" [رواه البخاري: 3329]. وقعوا فيه وهكذا الأمثلة كثيرة لكن لضيق الوقت نكتفي بهذه الأمثلة، ولعلنا نعود إلى هذا الموضوع مرة أخرى، نسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يتوب علينا.