السبت 22 جمادى الأولى 1446 هـ :: 23 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

عيد الأضحى آداب وأحكام - 1435


عناصر المادة
أعياد المسلمين وتجلي مظاهر التوحيد
وقت الاغتسال لصلاة العيد
صلاة العيد وأحكامها في الإسلام
أدب التهنئة بالعيد وإظهار الفرح

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

أعياد المسلمين وتجلي مظاهر التوحيد

00:00:21

العيد وما أدراك ما العيد، شعار المسلمين وشعيرة الإسلام، تتجلى فيه مظاهر العبودية لله رب العالمين والمعاني الاجتماعية والنفسية لهذا الدين، الأعياد عند جميع الأمم كتابية أو وثنية أو غير ذلك، ولذلك كان عيدنا خاصاً بنا أهل الإسلام ليس في الإسلام أعياد سوى عيد الفطر عيد الأضحى، عيدان في السنة، والجمعة عيد الأسبوع.

عن أنس قال: "قدم رسول الله ﷺ المدينة ولهما يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله ﷺ: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر [رواه أبو داود: 1134، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 4381]  الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، كان لهم في الجاهلية يومان للهو واللعب، فجعل الله بدلاً منهما يومين للذكر والشكر والعفو والمغفرة تكبيراً له سبحانه وصلاة وختاماً للصيام وأضحية في عيد النحر، إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا ولذلك ينبغي علينا إحياء هذين العيدين وإدراك مقاصد هذين العيدين واستشعار المعاني، تميزت أعياد المسلمين عن أعياد الجاهلية بالتقرب إلى الله بتعظيم الله بإظهار الفرح والسرور شكراً على نعمة الطاعة والعبادة، فكما أن عيد الفطر يأتي تتويجاً لشهر الصيام والقيام، فكذلك عيد الأضحى يتخلل شعائر الحج العظام فقبله يوم عرفة وفيه هذه العبادات العظيمة المجتمعة رمي جمرة العقبة والحلق والنحر والطواف والسعي، وأهل البلدان يذبحون الأضاحي، فكل من العيدين يرتبط بركن من أركان الإسلام، أعياد المسلمين في الدنيا عند إكمال طاعتهم لمولاهم فيتعرضون لنفحاته ويُكتب لهم من الأجر والثواب ما يكتب، فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس: 58]، ويتعلق بالعيد سنن وأحكام، فمنها :تكبير الله تعالى، وقد قال سبحانه: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185]. فهذا في الفطر إذا أكملوا عدة رمضان، وفي الأضحى يكبّرون الله، كيف لا وهم يذهبون لنحر الهدي ونحر الأضاحي على اسم الله، بسم الله والله أكبر، قال الزهري - رحمه الله -: "كان الناس يكبّرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام سكتوا فإذا كبّر كبروا" [رواه ابن أبي شيبة: 5629]. يعني لصلاة العيد.

هذه التكبيرات سواء كانت ليلة عيد الفطر بعد إعلان دخول شوال إلى صلاة عيد الفطر، أو كانت تكبيرات مطلقة في العشر الأوائل من ذي الحجة، ومقيدة بعد أدبار الصلوات من بعد صلاة فجر يوم عرفة لأهل البلدان، وبعد صلاة الظهر من يوم النحر للحجاج تكبيراً مقيداً حتى ينتهي آخره بعد صلاة العصر يوم الثالث عشر من ذي الحجة تكبير، قال ابن مسعود في تكبيرات أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد [رواه لطبراني في الكبير: 9538، وابن أبي شيبة: 5633، وصحح إسناده الألباني في الإرواء].

وقد جاء في رواية أخرى عنه بتثليث التكبير: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله" [رواه ابن أبي شيبة: 5633].

وجاء بسند صحيح أيضًا عن ابن مسعود: "الله أكبر كبيراً الله أكبر كبيراً الله أكبر وأجل الله أكبر ولله الحمد" [رواه ابن أبي شيبة: 5646]، وكذلك جاء بسند صحيح عن سلمان: كبروا الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً 

هذا العيد من أحكامه استحباب الاغتسال قبل الذهاب للصلاة والتجمُّل والتزيُّن في ذلك اليوم، كما جاء عن ابن عمر : "كما كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلّى".

وسأل رجل علياً عن الغسل فقال: "اغتسل كل يوم إن شئت" فقال: لا الغسل الذي هو الغسل، قال: "يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم الفطر" رواه البيهقي بسند صحيح [رواه البيهقي في السنن الكبرى: 6124، وصححه الألباني في الإرواء: 1/177].

وقت الاغتسال لصلاة العيد

00:06:25

وأما وقت الاغتسال للعيد فالأفضل أن يكون ذلك بعد صلاة الفجر، ولو اغتسل قبل الفجر لضيق الوقت فلا بأس مع حاجة الناس للانصراف إلى صلاة العيد أحياناً بعد الفجر مباشرة وقد يكون المصلى بعيداً.

من هدي النبي ﷺ ومن هدي صحابته التجمُّل والتزيُّن في العيد، فكان ﷺ له جبة يلبسها للعيدين ويوم الجمعة كما صحّ عند ابن خزيمة، وعن ابن عمر أنه كان يلبس للعيد أجمل ثيابه كما جاء عند البيهقي بسند صحيح.

فينبغي للرجل أن يلبس أجمل ما عنده من الثياب عند الخروج للعيد، وأما المرأة فلا تلبس ما يلفت النظر، ولا تلبس ما فيه زينة وهي خارجة لصلاة العيد التي أكد النبي ﷺ على حضورها حتى للنساء لدرجة أنها تستعير الثياب لأجل حضور صلاة العيد إذا لم يكن لها جلباب  لتلبسها أختها من جلبابها  [رواه مسلم: 890].

صلاة العيد وأحكامها في الإسلام

00:07:37

ومن أحكام العيد وشعائره هذه الصلاة العظيمة، وذهب بعض العلماء إلى وجوبها كأبي حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قالوا: لأن النبي ﷺ واظب عليها ولم يتركها، وقال بعضهم: فرض كفاية، وقال بعضهم: سنّة مؤكدة، والنبي ﷺ أمر بإخراج الناس من البيوت لحضورها، وأمر التي ليس عندها جلباب أن تستعير من أختها، فينبغي الحرص على حضورها، لا يذهب بنا النوم ولا ننشغل عن الحضور وأن نشهد مشهد الخير والبركة والأجر العظيم والاقتداء بالنبي الكريم، وهذا الجمع الكبير للمسلمين.

إن صلاة العيد عز وفخار لأهل الإسلام وأنت ترى أهل طاعته قد اجتمعوا، وصلاة العيد ليست واجبة على المرأة ولكنها سنة في حقها مؤكدة، وصلاة العيد ركعتان يكبر في الأولى تكبيرة الإحرام، ثم يكبّر بعدها سبعًا، ثم يقرأ الفاتحة وسورة في الركعة الثانية يقوم مكبرًا تكبيرة الانتقال وبعدها يكبر خمسًا ويقرأ الفاتحة، ثم سورة قال ﷺ  التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما كلتيهما [رواه أبو داود: 1151، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 1045].

وإذا أدرك المأموم إمامه أثناء التكبيرات الزوائد يكبر مع الإمام ويتابعه ولا يلزمه قضاء التكبيرات، ماذا نقول بين التكبيرات؟ جاء عن ابن مسعود أن المصلّي يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي ﷺ ووافق على ذلك عدد من الصحابة، هذا بين التكبيرات.

والاستماع لخطبة العيد سنة لأنه ﷺ أنه صلى العيد وقال:  من أحبّ أن ينصرف فلينصرف ومن أحب أن يقيم للخطبة فليقم [رواه النسائي: 1571، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة: 1571]  .

وفي حال الجلوس للخطبة عليه أن يحرص على الإنصات لها ليستفيد، ومن فاتته صلاة العيد فالراجح أنه يُستحب له قضاؤها فيصليها على صفتها من دون خطبة، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد.

وروي عن أنس أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام يجمع أهله ومواليه ثم يأمر مولاه فيصلي بهم ركعتين يكبر فيهما".

ومن حضر يوم العيد والإمام يخطب فإنه يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة حتى يجمع بين المصلحتين،  ويسن التبكير بصلاة العيد بعد طلوع الشمس وقد أجمع الفقهاء على أن العيد لا تصلى قبل طلوع الشمس ولا عند طلوعها، وإنما تجوز عند جواز النافلة، يعني بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، قرابة اثني عشر دقيقة، ولا نافلة قبل صلاة العيد ولا بعدها إذا صُلِّيت في المصلى وقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي ﷺ خرج يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها" [رواه البخاري: 964].

وأما إذا صلى الناس العيد في المسجد فإنه يصلي تحية المسجد ركعتين إذا دخله قبل أن يجلس، النساء نساؤنا عرضنا وحرمتنا بهجة القلوب وأمهات الأولاد يُستحب لهن شهود صلاة العيد لحديث أم عطية قالت: "أُمرنا أن نُخرج الحيّض يوم العيدين والعواتق - جمع عاتق وهي البنت البالغة مالم تتزوج - وذوات الخدور جمع خدر وهو ستر يكون في ناحية البيت كانت البنت تمكث فيه، فيشهدن الخير وجماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيّض عن مصلاهن"

قالت امرأة: يا رسول الله إحدانا ليس لها جلباب، قال: لتلبسها صاحبتها من جلبابها  [رواه البخاري: 324].

يعني تعيرها من ثيابها ما يمكن أن تستغني عنه، لماذا؟ قال: العلة في الحديث شهودهن الخير ودعوة المسلمين ورجاء بركة ذلك اليوم وطهرته وعلى الحائض ألا تهجر ذكر الله ولا مواطن الخير فهي لا تدخل المسجد ولا المصلى، لكنها تمكث خارجه في سيارة مثلاً لسماع الخطبة والذكر.

ومن السُّنة أن يخرج إلى صلاة العيد ماشيًا ويرجع ماشيًا؛ لما جاء عن ابن عمر قال: "كان رسول الله ﷺ يخرج إلى العيد ماشياً ويرجع ماشياً". [رواه ابن ماجه: 1294، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 4932]، وعن علي قال: "من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً".

قال الترمذي: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً ويُستحب ألا يركب إلا من عذر هذا الذهاب من طريق والعودة من آخر" [رواه الترمذي: 530، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي: 530].

جاء في صحيح البخاري أن النبي ﷺ  إذا كان يوم عيد خالف الطريق  [رواه البخاري: 986]، ما هي الحكمة من ذلك؟ قال العلماء أقوالاً منها: ليشهد له الطريقان عند الله يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَ  [الزلزلة: 4، 5]، الله يكتب الملائكة تكتب،  نَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ  [يس: 12]، وهذا من آثارهم، وقيل: تفاؤلاً بتغير الحال إلى المغفرة والرضا، وقيل: لإظهار شعائر الإسلام في الطريقين وإظهار ذكر الله فيهما، وقيل: لأن الملائكة تقف في الطرقات فأراد أن يشهد له فريقان منهم، وقيل: لإغاظة الكفار والمنافقين، وقيل: ليسلّم على أصحابه هاهنا وهاهنا ويتمكن السائلون من استفتائه هاهنا وهاهنا وللسلام على الناس.

أدب التهنئة بالعيد وإظهار الفرح

00:14:35

ومن آداب العيد التهنئة الطيبة التي يتبادلها الناس فيما بينهم أياً كان لفظها كقول: تقبّل الله منا ومنكم، عيدكم مبارك ونحو ذلك من العبارات الطيبة، وقد جاء عن أصحاب رسول الله ﷺ أنه كانوا إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: "تقبّل الله منا ومنك" فكانت التهنئة معروفة عند الصحابة ورخّص فيها أهل العلم كالإمام أحمد وغيره، وقد ورد ما يدل على مشروعيتها،  وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا  [النساء: 86].

من مكارم الأخلاق من المظاهر الاجتماعية الحسنة بين المسلمين، أظهروا الفرح يا عباد الله، أظهروا السرور بما يرضي الله، وسِّعوا على أولادكم، هاتوا من اللعب المباح لأهليكم، وقد أجازت الشريعة ضرب الدُّف للنساء في الأعياد استثناء من المعازف، ويحتاج النساء والصغار لقدر أكبر في إظهار السرور لما جبلهم الله عليه من الميل، ولذلك صار لهن من الغناء المباح والإنشاد المهذَّب لفظا ومعنى، وضرب الدُّف أُسوة بالنكاح، فلا للغناء الماجن، ولا للموسيقى، ولا للألعاب الخطيرة المؤذية، ولا للاختلاط المحرّم، عن عائشة - رضي الله عنها - دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار بنات صغيرات تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث - يعني من الشعر - فقال أبو بكر: "أمزامير الشيطان في بيت رسول الله ﷺ؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله ﷺ:  يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا [رواه البخاري: 952].

وفي رواية: لتعلم يهود أن في ديننا فُسحة إني أُرسلت بحنيفية سمحة [رواه أحمد: 24854، وحسن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة: 1829].

إذن، إظهار السرور في الأعياد من الدين وهو يوم سرور شرعي، ومشروعية التوسعة على الأهل والعيال بالعيديات والإكرام بالمال والتوسعة بالطعام، ونحو ذلك مما يحصل فيه انبساط النفس وترويح البدن، كالخروج إلى الأماكن التي فيها هواء نقي وانبساط للأهل وموضع رحب، وينبغي على المسلم أن يعلم بأن هذه الفرصة تُغتنم لإدخال السرور على أولاده، وقد ثبت في السنة في يوم العيد أن الحبشة كانوا يلعبون بالحراب وهذه لعبة عسكرية بمحضر النبي ﷺ في مسجده الشريف، فأذن لها بالنظر إليهم، فعن عائشة قالت: "وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت النبي ﷺ وإما قال: تشتهين تنظرين؟  فقلت: نعم فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة  لقب للحبشة، حتى إذا مللتُ قال: ((حسبك)) قلت: نعم، قال: ((فاذهبي)) [رواه البخاري: 950، ومسلم: 892].

قالت عائشة - رضي الله عنها - فاقدروا قدر الجارية الحديثة الحسنة الحريصة على اللهو.

وكذلك فإن هذا العيد ينبغي أن يخلو من البدع، بعضهم يتقصد زيارة المقابر في يومي العيد وهذا مع مناقضة لمقصود العيد وشعاره من البشر والفرح والسرور ليس الآن وقت تذكر الأحزان فإنه مخالف لهدي النبي ﷺ لأنه يدخل في عموم نهيه ﷺ عن اتخاذ القبور عيداً، ولذلك تزار في أي يوم ولا يخص بها يوم العيد، وبعضهم يظن أن بر الوالدين والأقارب الأموات أن يزاروا قبل الأحياء في يوم العيد وكأنه يعيد عليهم، وهذه ليس لها أصل، زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة [رواه أحمد: 1236، وابن ماجه: 1569، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 3577]، على مدار السنة، وكذلك يوجد لعب بالميسر ومقامرات وقطع أرحام يستمر في يوم العيد -والعياذ بالله-، ولذلك اجعل من عيدك صلة يرجى لك بها عند الله الأجر العظيم والسعة في الرزق وطول العمر في الدنيا.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يفرحون بفضلك ورحمتك وممن يتبعون أمرك ولا يعصونك، وممن يقومون بالحق وبه يعدلون.

اللهم تقبل منا واغفر لنا أجمعين، وصلى الله على نبيه الأمين.