المقدمة
الحمد لله، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أن انتهينا أيها الإخوة من الكلام عن آداب تلاوة القرآن الكريم، نتحدث اليوم إن شاء الله عن أدب إسلامي آخر، وهو: المشي، آدب المشي في هذه الشريعة.
وربما يستغرب الإنسان ماذا يمكن أن يوجد عن المشي في هذه الشريعة.
والحقيقة أن هناك كلامًا كثيرًا في هذه الشريعة، ورد في النصوص الشريعة يتعلق بالمشي، فلعلنا نذكر بعضه -إن شاء الله- في هذا الموضع.
المشي في القرآن الكريم
أولًا: بالنسبة للقرآن الكريم، فإنه قد جاء ذكر آدب المشي في القرآن الكريم في عدد من السور، مثل سورة لقمان وسورة الفرقان، وقال الله عن وصية لقمان لولده: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ[لقمان: 18- 19].
ومعنى قول الله : وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا يعني مشية الخيلاء، متكبرًا، جبارًا عنيدًا، فإذا فعلت ذلك أبغضك الله، يقول الله : وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًاأي: مشية خيلاء متكبرًا جبارًا عنيدًا، فإن فعلت ذلك أبغضك الله، ولهذا قال: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ المختال المعجب في نفسه، والفخور أي على غيره.
وأوصى ولده بقوله: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ يعني: امش مقتصدًا مشيًا ليس بالبطيء المتثبط، ولا بالسريع المفرط، بل عدلاً وسطًا بين بين، هذا ما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله.
وقال العلامة الألوسي رحمه الله تعالى في شرحه: "روح المعاني"، قال: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ التي هي أحق الأماكن منزلة مَرَحًا أي فرحًا وبطرًا: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ هذا هو التعليل للنهي، والمختال من الخيلاء، وهو التبختر في المشي كبرًا، ولذلك قيل: إن اشتقاق الخيل من الخيلاء؛ لأنه ما ركبها أحد إلا وجد في نفسه نخوة، فسميت الخيل خيلاً من هذا.
وقوله تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ قال رحمه الله: بعد الاجتناب عن المرح فيه، أي توسط فيه بين الدبيب والإسراع من القصد، وهو الاعتدال. [روح المعاني: 11/89].
فإذًا، مشي التماوت الذي يخفى فيه الصوت، وتقل الحركات، ويتزيا صاحبه بزي العباد، كأنه يتكلف في اتصافه بما يقربه من صفات الأموات، ليوهم أنه ضعف من كثرة العبادة، هذا الذي يمشي مشية التماوت يريد أن يقول للناس يعيني من كثرة عبادتي وصيامي، مشي إنني متعب في المشي.
هذا من أنواع الرياء؛ لأن المسلم مطالب بإخفاء عمله، والسلف -رحمهم الله- كانوا من كثرة من الصيام، يصفر لونهم، فكانوا يدهنون، الدهن حتى لا يظهر جفاف الشفاه، ولصوق الجلد من كثرة الصيام، حتى لا يظهر، كانوا يدهنون في نهار اليوم الذي يصوم فيه، حتى لا يظهر أثر العبادة، أو لا يظهر الصيام، فيكون خفيًا، وهو أقرب إلى الله .
فمشية التماوت التي يظهر صاحبها أنه عنده تعب شديد من العبادة، فهذا أمر مذموم.
وورد في صفته ﷺ: إذا مشى كأنما ينحط من صبب. [رواه الطبراني في الكبير: 16/27، وهو في مختصر الشمائل للألباني: 6]. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ.
وكذلك: أنه كان ﷺ ينحط من صبب.
لا يتنافى يعني: "ينحط من صبب" مع قوله تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا[الفرقان: 63]؛ لأن بعض الناس إذا رأى مشية النبي ﷺ في الأحاديث: أنه ينحط من صبب، وأنه يسير بشيء من الإسراع، وأنه يتقلع تقلعًا، كان إذا مشى يتقلع -كما سيأتي- ظن أن هناك تعارضًا بين هذا وبين قوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا فيظن: أن الهون في المشي يتنافى مع أنه ينحط من صبب، كأنه من مكان مرتفع ينزل، وأنه يتقلع تقلعًا، فقال الألوسي -رحمه الله-: "إذ ليس الهون فيه المشي كدبيب النمل، وذكر بعض الأفاضل أن المذموم اعتياد الإسراع بالإفراط فيه.
وقال السخاوي: محل ذم الإسراع ما لم يخش من بطئ السير تفوت أمر ديني، لكن أنت تعلم أن الإسراع المذهب للخشوع لإدراك الركعة مع الإمام، مما لا ينبغي.
وعن مجاهد: أن القصد في المشي التواضع فيه.
وقيل: جعل البصر موضع القدم. [روح المعاني: 11/90].
فإن من العيوب أن الإنسان يتلفت، وهو يمشي يمينًا وشمالاً، يتفرج، وربما وقعت عيناه على امرأة، ونحو ذلك.
وقد ذكروا في مواضع في مسألة غض البصر، عن رجل كان يمشي وينظر إلى امرأة، وهو يمشي في جانب الطريق، فارتطم بعمود، فسال دمه من هذه الصدمة.
فإذًا، قضية أن الإنسان يلتفت أثناء المشي، يمشي ويتلفت يمينًا وشمالاً وهو يمشي إلى الأمام، لا ينظر أمامه، لا شك أنها من عيوب المشي.
قال: وقيل جعل البصر موضع القدم، هذا بالنسبة لما ذكره في هذا الموضع.
وقال: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ "من أقصد الرامي إذا سدد سهمه نحو الرمية ووجهه إليها ليصيبها، أي سدد في مشيك، والمراد أمش مشيا حسنًا، وكأنه أريد التوسط به بين المشيين السريع والبطيء". [روح المعاني: 11/90].
هذا بالنسبة لما ذكره في هذا الموضع.
وذكر الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" في تفسير سورة الإسراء: إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء: 37]، والنهي عن المشي مرحًا، قال: أصل المرح: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء: 37].
قال الشنقيطي رحمه الله: نهى الله جل وعلا الناس في هذه الآية الكريمة عن التجبر والتبختر في المشية.
وقرئ: "مرحًا ومرحِا"، لا تمش في الأرض في حال كونك متبخترًا متمايلاً مشي الجبارين، إذا قرأنا: ولا تمش في الأرض مرحِا يعني لا تمش في الأرض في حال كونك متبخترًا متمايلاً مشي الجبارين، قال: وأصل المرح في اللغة شدة الفرح والنشاط، وإطلاقه على مشي الإنسان متبخترًا مشي المتكبرين؛ لأن ذلك من لوازم شدة الفرح والنشاط عادة. [أضواء البيان: 3/156].
ولا شك أن الذي يمشي مشية الخيلاء متبخترًا متفاخرًا عرضة لعذاب الله، والدليل على ذلك: ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره، عن بسر بن جحاش عن النبي ﷺ قال: يقول الله تعالى يا ابن آدم أَنَّى تُعْجِزُنِي، وقد خلقتك من مثل، هذا حتى إذا سويتك وعدلتك، مشيت بين بردين، وللأرض منك وَئِيدٌ يعني: هذا مشي الجبارين المتغطرسين وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت جمعت الأموال ومنعت الفقراء حتى إذا بلغت التراقي، قلت: أتصدق، وأنى أوان الصدقة[رواه أحمد: 17876، وقال محققو المسند: إسناده حسن].
لأنه إذا بلغت الروح التراقي، لا توبة، ولا تنفع التصرفات المالية، أو لا تنفذ التصرفات المالية في تلك اللحظة.
وكذلك جاء عن النبي ﷺ في قصة الرجل الذي كان يمشي متبخترًا، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. [رواه مسلم: 5588].
فإذًا، في عقوبة للمتجبرين في مشيتهم الذي يمشي مشية الخيلاء، هذا متغطرس، مهدد بعقوبة من الله، ويوم القيامة يقول النبي ﷺ: يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال[رواه الترمذي: 2492، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 3583]، يطأهم الناس بأقدامهم.
وفي قوله تعالى:وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا[الفرقان: 63].
قضية المشي هذه قضية مهمة، ورد ذكرها في القرآن في هذه السور الثلاث في "لقمان" و"الفرقان" و"الإسراء"، فالمسألة مهمة، يقول الله -تعالى- في سورة الفرقان: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا[الفرقان: 63].
أول صفة لعباد الرحمن ذكرها: أنهم: يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا[الفرقان: 63].
معنى: هَوْنًا قال ابن كثير -رحمه الله-: أي بسكينة ووقار من غير جبرية، يعني بدون تجبر ولا استكبار؛ كما قال تعالى: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً[الإسراء: 37]، فأما هؤلاء -يعني المؤمنين عباد الله- فإنهم يمشون من غير استكبار، ولا مرح، ولا أشر، ولا بطر.
وليس المراد: أنهم يمشون كالمرضى من التصانع، تصنعًا ورياءً -يعني يمثلون تمثيلاً، ويتظاهرون تظاهرًا، يتماوتون تماوتًا-، تصنعًا ورياءً، فقد كان سيد ولد آدم ﷺ إذا مشى كأنما ينحط من صبب.
يعني ينزل من موضع منحدر، هذا في قوة مشيته وسرعته ﷺ، كأنما ينحدر من صبب، يعني لا تفهم من قوله تعالى: يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا يعني: مشية التماوت البطيء المتثاقل في الحركة، بل مشية لا تبختر، ولا تماوت، امش وسط بين بين، وكأنما الأرض تطوى له.
وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع، حتى روي عن عمر: أنه رأى شابًا يمشي رويدًا، فقال: ما بالك أأنت مريض؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، فعلاه بالدرة، وأمره أن يمشي بقوة. [تفسير القرآن العظيم: 6/121-121].
وإنما المراد بالهون ها هنا السكينة والوقار؛ كما قال رسول الله ﷺ: إذا أقيمت الصلاة، فلا تأتوها تسعون، تركض ركضًا وتهرول هرولة، وتسرع إسراعًا مبالغًا فيه، مفرطًا فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون عليكم السكينة، ولكن السكينة والوقار ما هو معناها أن نسحب أرجلنا سحبًا على الطريق وأتوها تمشون عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا[رواه البخاري: 908، ومسلم: 1389].
هذا بالنسبة لما ذكره رحمه الله في سورة الفرقان.
صفة مشي النبي عليه الصلاة والسلام
ولنشرع الآن في ذكر بعض الأحاديث التي وردت في صفة مشي النبي ﷺ، ورد في الصحيح، يعني: إما أن يكون في البخاري ومسلم، أو في أحدهما، أو في كليهما، أو ما ورد في الصحيح، يعني بشرط الحديث الصحيح.
ففي الصحيح من حديث أنس وهذا لفظ مسلم: "كان رسول الله ﷺ أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ". [رواه مسلم: 6200].
وكان ﷺ أيضًا إذا مشى لم يلتفت. [رواه الحاكم -رحمه الله تعالى-: 7794، وهو حديث صحيح، صححه الألباني في صحيح الجامع: 4786].
وقال المناوي في شرح الحديث: "لم يلتفت لأنه كان يواصل السير، ويترك التواني والتوقف". [فيض القدير: 2/205].
الالتفات للحاجة لا بأس به، الإنسان يحتاج للالتفات إذا مشى بسيارة أتت، ونحو ذلك، أو ليرى شيئًا، لكن ليس تلفت المتفرجين الذي يحصل من الناس اليوم، وهم يسيرون في الشوارع، وتقع أعينهم على ما لا يرضي الله، وكذلك التلفت يبطئ السير، والنبي ﷺ كان إذا مشى لحاجة مشى ومضى وعزم، ولم يكن يتباطأ في مشيته.
فإذًا، لم يتلفت؛ لأنه كان يواصل السير، ويترك التواني والتوقف.
والتلفت في المشي يسبب التواني والتوقف والتلكؤ في المشي، فإذا لم يكن حاجة للتلفت، من الأدب ألا يلتفت في مشيته وهو يمشي.
وكان ﷺ إذا مشى؛ مشى أصحابه أمامه، وتركوا ظهره للملائكة. [رواه ابن ماجة: 246، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة: 200].
والملائكة كانوا يحرسونه من أعدائه، والله سبحانه وتعالى حسبه.
وكان ﷺ إذا مشى أسرع. وهذا الحديث قد جاء مرسلاً، فهو حديث ضعيف. [رواه الحاكم: 5588، والطبراني في الكبير: 190، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع: 4452].
وكذلك مما ورد مما لم يصح، وهو مشهور عند الناس حديث الترمذي: "ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله ﷺ كان كأن الشمس تجرى في جبهته، وما رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله ﷺ كأنما الأرض تطوى له، انا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث"، هذا جاء في الترمذي عن أبي هريرة، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف. [رواه أحمد: 8588، والترمذي: 3648، وقال محققو المسند: حسن، وضعفه الألباني في مختصر الشمائل: 100].
لكن معناه موجود، قضية أنه كان جادًا في المشي.
وأنه كان ﷺ إذا مشى أقلع. [صححه الألباني في صحيح الجامع: 4784].
ومعنى: "أقلع" يعني يمشى بقوة، كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعًا قويًا، لا كمن يمشي مختالاً على طريقة النساء.
وجاء في الحديث الصحيح أيضاً: كان ﷺ إذا مشى كأنه يتوكأ. [رواه أبو داود: 4865، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 4785].
وهذا معناه: أنه كما قال: ملأ ما بين جري رجليه، وأوكأ عليه.
فإذًا، هو إذا مشى ﷺ كانت خطواته جادة، كان كأنما ينحدر من صبب.
وجاء عند ابن عساكر عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبي ﷺ كان يمشي مشيًا يعرف فيه أنه ليس بعاجز ولا كسلان. [تاريخ دمشق لابن عساكر: 4/61]. حديث صحيح.
وكان أشبه مشية بمشية النبي ﷺ، مشية ابنته فاطمة، فقد جاء في صحيح البخاري ومسلم أيضًا عن عائشة قالت: "كن أزواج النبي ﷺ عنده لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي، ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله ﷺ شيئا". [رواه البخاري: 6285، ومسلم: 6467، واللفظ له].
فكان أشبه الناس مشيًا بمشية النبي ﷺ، مشية فاطمة -عليها رضوان الله-.
مشي المرأة العفيفة في الشارع
لكن -طبعًا- مشية النساء في الشارع تختلف عن مشية الرجال، فالنساء لا بدّ أن تمشي المرأة على جانب الطريق، والرجال في الوسط، كما أخبر النبي ﷺ.
ثم إن المرأة إذا جاءت لرجل أجنبي للحاجة، كيف تكون مشيتها؟
ما أخبر الله -تعالى- به في كتابه في سورة القصص عن المرأة بنت الرجل الصالح لما جاءت إلى موسى للحاجة؛ لأن أباها لا يستطيع أن يأتي هو بنفسه، قال الله: فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء ليست بسلفعة خراجة ولاجة: تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء [القصص: 25] ما جاءت إليه جريئة سليطة، جاءت: تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء؛ لأن مخاطبة المرأة للرجل الأجنبي صعبة على العفيفة.
أما الآن صار أسهل عندهن من شربة الماء، من كثرة ما صار في المكالمات الهاتفية، والاختلاط في العمل، وكثير من الأماكن، صار كلام المرأة مع الرجل الأجنبي عادي جداً.
الآن المرأة تأتي للرجل الأجنبي، بكل ثقة وجرأة، ولا تأتي تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء.
-طبعًا- هذا من الأدب الإسلامي في مشية المرأة المسلمة.
صفة مشي النبي ﷺ من كلام ابن القيم رحمه الله
وقد وصف ابن القيم رحمه الله مشية النبي ﷺ في كتابه: "زاد المعاد"، فقال رحمه الله: "كان إذا مشى تكفأ تكفؤًا، وكان أسرع الناس مشية وأحسنها وأسكنها، قال أبو هريرة: "ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله ﷺ كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله ﷺ كأنما الأرض تطوى له" [رواه أحمد: 8930، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"، وضعفه الألباني في مختصر الشمائل: 100].
وذكر حديث الترمذي الذي تقدم ذكر ضعفه.
وقال علي بن أبي طالب : "كان رسول الله ﷺ إذا مشى تكفأ تكفؤًا، كأنما ينحط من صبب" [رواه الترمذي: 3637، وأحمد: 746، وصححه الألباني في مختصر الشمائل: 4].
وقال مرة: "إذا مشى تقلع: [رواه الترمذي: 3638، وصححه الألباني في إصلاح المساجد، ص: 179].
قلت يعني ابن القيم رحمه الله: والتقلع الارتفاع من الأرض بجملته.
ما يسحب رجليه سحب، كما يفعل بعض الناس.
النبي ﷺ كان يرفعها رفعًا، ويضعها وضعاً.
فإذًا، كان يرتفع من الأرض بجملته كحال المنحط من صبب، وهي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة، وهي أعدل المشيات وأروحها للأعضاء، وأبعدها من مشية الهوج والمهانة والمجانة والتماوت، فإن الماشي إما أن يتماوت في مشيه، ويمشي قطعة واحدة، كأنه خشبة محمولة، وهي مشية مذمومة قبيحة، وإما أن يمشي بانزعاج واضطراب مشي الجمل الأهوج، وهي مشية مذمومة أيضًا.
تجد أن كل شيء فيه يتحرك وهو يمشي، هذه مشية الأهوج.
وهي دالة على خفة عقل صاحبها.
يعني: إذا رأيت واحداً يمشي مشي أهوج في الشارع كل شيء يتحرك فيه، فاعلم أن في عقله خفة، ما هو لازم يكون مجنون، لكن في عقله خفه.
ولا سيما إذا كان يكثر الالتفات حال مشيه يمينًا وشمالًا.
هذا من علامات خفة العقل.
وإما -هذا الاحتمال الآخر- أن يمشي هونًا، وهي مشية عباد الرحمن، كما وصفهم بها في كتابه، فقال: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا[الفرقان: 63].
قال غير واحد من السلف: بسكينة ووقار من غير تكبر ولا تماوت، وهي مشية رسول الله ﷺ، فإنه مع هذه المشية كان كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له، حتى كان الماشي معه يجهد نفسه، ورسول الله ﷺ غير مكترث.
وهذا يدل على أمرين: أن مشيته لم تكن مشية بتماوت ولا بمهانة، بل مشية أعدل المشيات. [زاد المعاد في هدي خير العباد: 1/161].
المشي وأنواعه وحكم كل نوع
ثم قال رحمه الله: "والمشيات عشرة أنواع" -هذه الثلاثة منها التي مضت- وهي: التماوت، والهوجاء، والهون.
والرابع: السعي.
والخامس: الرمل، الرمل أكثر من السعي، وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى، ويسمى الخبب أيضاً. وفي الصحيح من حديث ابن عمر: أن النبي ﷺ خب في طوافه ثلاثًا، ومشى أربعًا. [رواه البخاري: 1603].
السادس من أنواع المشي: النسلان، وهو العدو الخفيف الذي لا يزعج الماشي، ولا يكرثه، يعين العدو الخفيف الذي لا يسبب الإجهاد الكثير، الهرولة اليسيرة، هذا النسلان، ولا يكرثه، وفي بعض المسانيد: أن المشاة شكوا إلى رسول الله ﷺ من المشي في حجة الوداع، يعني من عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى مشوا، هؤلاء كانوا، ومن منى إلى عرفة يمشون، شكوا إليه تعب المشي، فأوصاهم ﷺ بوصية فيها تخفيف عليهم تتعلق بسرعة المشي، قال: علكيم بالنسلان وهذا الحديث حديث صحيح. [رواه الحاكم: 1619، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وابن خزيمة: 2537، وصححه الذهبي، وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني: 465].
فإذا أنت كنت تمشي مسافة طويلة، وأردت أن تستعين بشيء لا يتعبك، أو يخفف عنك المشي الطويل، فعليك بالنسلان، وهو الهرولة الخفيفة، فعند ذلك ستجد أنك قطعت مسافة أكثر براحة أكثر.
والسابع: الخوزلة، وهي مشية التمايل، وهي مشية يقال: إن فيها تكسرًا وتخنثًا.
والثامن: القهقرى، وهي مشية إلى الوراء، وسيأتي حديث يتعلق به.
والتاسع: الجمزة، وهي مشية يثب فيها الماشي وثبة يقفز قفزًا.
والعاشر: مشية التبختر، وهي مشية أولي العجب والتكبر، وهي التي خسف الله -سبحانه- بصاحبها لما نظر في عطفيه وأعجبته نفسه، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة، قيل: إنه قارون.
وأعدل هذه المشيات: مشية الهون والتكفؤ.
أما مشيه مع أصحابه، فكانوا يمشون بين يديه وهو خلفهم، ويقول: خلو ظهري للملائكة[رواه أحمد: 15316، والدارمي: 45، وهو في السلسلة الصحيحة: 1557]، ولهذا جاء في الحديث: وكان يسوق أصحابه، يمشون أمامه وهو يمشي وراءهم، وكان يمشي حافيًا ومنتعلاً. [زاد المعاد: 1/161-162].
المشي حافيا أحيانًا
ومما يتعلق بآداب المشي: أن النبي ﷺ أمر الصحابة أن يحتفوا أحيانًا، لأجل أن يتعود الإنسان على الخشونة، يخشوشن؛ كما قال: وَتَمَعْدَدُوا انتسبوا إلى معد بن عدنان، يعني في هيأته وشمائله وَاخْشَوْشِنُوا[رواه الطبراني في الكبير: 15430، وهو في سلسلة الأحاديث الضعيفة: 3417].
وفي رواية: واخشوشفوا.
إذًا، اعتادوا الخشونة؛ لأن الإنسان تمر عليه ظروف، ليس دائمًا يكون عنده أماكن الترف، والأماكن المهيأة، قد يضطر أن ينام أحيانًا على الحجارة، وأن يمشي بدون نعال، فإذا كان هذا الإنسان مرفه ومترف، ما يستطيع أن يتحمل شيء.
ولذلك تجد الناس أصحاب الترف والميوعة، لا يكادون يطيقون الحج، ويقولون: تعبنا، وجهدنا، ونحو ذلك.
أصلاً ما هو متعود على المشقة، هذا أول ما يقع في نوع من المشقة؛ طواف طويل، أو زحام، ونحو ذلك، يتأفف، تأففًا عظيمًا.
وربما قال: ليتني ما حجيت، وهذه عبارة سمعناها من بعضهم، قال: ليتني ما جئت الحج، لو أدري هذا الحج ما جئت.
صفة مشي النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه
وكان يماشي أصحابه فرادى وجماعات، وكان في السفر ساقة أصحابه؛ يزجي الضعيف، ويردفه، ويدعو لهم، هذا الحديث [رواه أبو داود: ، وهو حديث صحيح]. [زاد المعاد في هدي خير العباد: 1/169].
وقد ذكر العلامة السفاريني رحمه الله في "غذاء الألباب شرح منظومة الآداب"، بعنوان: "المطلب المشيات عشرة أنواع"، ونقل كلام ابن القيم رحمه الله، وأضاف إليه بعض الإضافات، فمن الإضافات التي أضافها السفاريني على كلام ابن القيم، لما عرض أحاديث مشية النبي ﷺ، وأنه إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وأنه يمشي بنشاط وقوة، قال: "فدلت هذه الأحاديث وأمثالها مما لم نذكر أن مشيته ﷺ لم تكن بمماتة ولا مهانة، والصبب الموضع المنحدر من الأرض، وذلك دليل على سرعة مشيه؛ لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشيه، والتقطع الانحدار من الصبب، والتقطع من الأرض قريب بعضه من بعض، وأراد به قوة المشي، وأنه يرفع رجليه من الأرض رفعًا قويًا، لا كمن يمشي اخْتِيَالًا يقارب خطوه، فإن ذلك من مشي النساء". [غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: 2/349].
فإذًا، لعن رسول الله ﷺ المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال. [رواه مسلم: 5885] أن يمشي الرجل مشية المرأة.
ثم قال -رحمه الله- مستدركًا في قضية المشي إلى الصلاة: "نعم ينبغي للإنسان أن يقارب خطاه إذا كان ذاهبًا إلى المسجد لأجل الصلاة". [غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: 2/349]؛ لأن كل خطوة تكتب حسنة، وتمحو سيئة، وترفع درجة، فمن أجل هذا استحب بعض العلماء تكثير الخطا بتقاربها، حتى تصير الخطوات أكثر.
وقال رحمه الله مضيفًا مطلبًا، وهو "حكم المشي مع الغير، قال الإمام ابن عقيل: "من مشى مع إنسان فإن كان أكبر منه وأعلم، فعن يمينه، يقيمه مقام الإمام في الصلاة، وإذا كانا سواء استحب له أن يخلي له يساره، حتى لا يضيق عليه جهة البصاق والامتخاط".
فإذا أراد الآخر أن يمتخط ويبصق ما يكون هو عن يساره إذا كانا سواء.
"ومقتضى كلامه استحباب مشي الجماعة خلف الكبير، وإن مشوا على جانبيه، فلا بأس كالإمام في الصلاة". [غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: 2/350] يعني: يكتنفونه.
وفي صحيح مسلم في حديث يحيى بن يعمر: أنه هو حميد بن عبد الرحمن مشيا عن جانبي ابن عمر -رضي الله عنهما-، فإذا كان اثنان -مثلاً- إلى عالم اكتنفاه عن يمينه وشماله، هذا من الأدب أيضًا معه.
وإذا لم يكن لهم حاجة بالكلام معه فقدموه من الأدب، لكن عليه أن يحذر هو من أن يصيبه كبر، فإن ابن مسعود لما خرجوا يمشون وراءه، قال: "ارجعوا، فإنها ذلة للتابع، وفتنة للمتبوع". [الفوائد، لابن القيم، ص: 145].
ولذلك النبي ﷺ كان يتواضع، ويمشي وراء.
وقال عبد القادر -رحمه الله تعالى-: وإن كان دونه في المنزلة يجعله عن يمينه ويمشي عن يساره.
وقد قيل: المستحب المشي عن اليمين في الجملة عمومًا لتخلى اليسار للبصاق وغيره.
وقال مالك بن معوذ: "كنت أمشي مع طلحة بن مُصَرِّفٍ، فصرنا إلى مضيق فتقدمني، ثم قال: لو كنت أعلم أنك أكبر مني بيوم ما تقدمتك". [غذاء الألباب شرح منظومة الآداب: 2/274].
هذا بعض ما يتعلق بمشي النبي ﷺ وأدبه.
أحكام المشي وآدبه
أما بالنسبة للمشي، فإن المشي لا بدّ أن يكون في طاعة الله تعالى، فإن النبي ﷺ قال في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود، عن أبي هريرة: والرجلان يزنيان، فزناهما المشي [رواه أبو داود: 2155، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 1869] يعني المشي إلى ما حرم الله.
وذكر ابن القيم رحمه الله في "مدارك السالكين" في عبوديات الجوارح: "وأما المشي الواجب، فالمشي إلى الجمعات والجماعات" [مدارج السالكين: 1/121].
المشي في واجب، ومكروه، وجائز، ومحرم، ومستحب.
المشي الواجب ما هو؟
المشي إلى الجمعات والجماعات، والمشي حول البيت للطواف الواجب، مثل العمرة الواجبة، الحج الواجب، سواء كان فرضه أو كان نذره.
"والمشي بين الصفا والمروة بنفسه أو بمركوبه، والمشي إلى حكم الله ورسوله إذا دعي إليه" قال: تعال إلى القاضي، قال: يدعى إلى حكم الله ورسوله، لا بدّ أن يجيب "والمشي إلى صلة رحمه، وبر والديه" لو دعاه أبوه لا بدّ يأتي، صار مشيه هنا واجبًا "والمشي إلى مجالس العلم الواجب طلبه وتعلمه، والمشي إلى الحج إذا قربت المسافة، ولم يكن عليه فيه ضرر".
لما استحب بعضهم من حج الماشي، لكن بدون أن يكون من مسافات بعيدة، فإن النبي ﷺ ركب.
"والمشي الحرام، المشي إلى معصية الله، وهو من رجل الشيطان" ما هو الدليل؟
وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ [الإسراء: 64].
قال مقاتل: "استعن عليهم بركبان جندك ومشاتهم، فكل راكب وماش في معصية الله فهو من جند إبليس". [مدارج السالكين: 1/122].
إرخاء المرأة لجلبابها عند المشي
وأما بالنسبة لبعض ما يتعلق بالمشي من أبواب الفقه والأدب وغيرها، فمما يتعلق بالطهارة: مشي المرأة إذا كانت تمشي فمرت بموضع فيه قذر، وقد رخص لها بأن ترخي جلبابها شبرًا أو ذراعًا لأجل ألا تنكشف قدامها إذا هبت ريح، ونحو ذلك.
ولا شك أن ارتخاء الجلباب العباءة هذا -طبعًا- صار شيئًا غير موجود في هذه الأيام تقريبًا، ما في الآن امرأة تسحب عباءتها شبرًا أو ذراعًا، بخلاف النساء إلى عهد قريب، لربما بعض الناس إذا دقق في عباءة جدته، رأى أنها تسحب وراءها شبر شبرين، من أجل أنه إذا هبت الريح لا تنكشف.
أما الآن قصروا العباءات، وظهرت الأقدام، وأطراف السيقان، وغيرها، ظهرت أشياء كثيرة، ليست فقط الأقدام، أو الأصابع، ولو أنها مشت في مكان قذر، فما هو الحكم بالنسبة لهذا؟
جاء في بعض السنن في النسائي وغيره عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أنها سألت أم سلمة زوج النبي ﷺ، فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر؟ فقالت أم سلمة: قال رسول الله ﷺ: يطهره ما بعده الحديث هذا بهذا السند ضعيف؛ لأن فيه جهالة أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن. من هي أم الولد؟ ما ندري [رواه أبو داود: 383، والترمذي: 143، وابن ماجه: 531، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 409، وصحيح ابن ماجه: 430].
لكن قد جاء عند أبي داود بإسناد صحيح، عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: قلت: يا رسول الله إن لنا طريقًا إلى المسجد منتنة، فكيف نفعل إذا مطرنا؟ فقال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قلت: بلى، قال: فهذه بهذه [رواه أبو داود: 384، وأحمد: 27492، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 410، ومشكاة المصابيح: 512].
فإذًا، إذا كان بعده طاهر يطهر.
إذًا، التراب مطهر للنجاسة العالقة بالثياب، هذا حكم فقهي.
المشي إلى صلاة الجمعة
كذلك مما يتعلق بالمشي: المشي إلى صلاة الجمعة، وهو أفضل من الركوب، لقوله ﷺ كما ورد في الصحيح: من اغتسل يوم الجمعة وغسل -وفي لفظ: غسل واغتسل[رواه النسائي: 1381، وأحمد: 6954، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 693]- وغدا وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، وأنصت ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة[رواه أبو داود: 345 ، والنسائي: 1384، وأحمد: 16218، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه: 1087].
فإذًا، المشي إلى صلاة الجمعة، وإلى العيدين أفضل.
فإن كانت المسافة بعيدة جداً، ركب إلى الموضع الذي لا يشق عليه المشي منه، وأكمل الباقي مشيًا.
وفي صلاة العيدين، إذا ذهب ماشيًا من طريق، يرجع من طريق آخر.
هذا ما يتعلق أيضاً بأحكام المشي.
المشي للصلاة وفضائل ذلك
وأيضًا فإن المشي للصلاة من العبادات العظيمة، كصلاة الجمعة، فقد جاء في الصحيح عن يزيد بن ابن مريم قال: لحقني عباية بن رافع وأنا ماش إلى الجمعة، فقال: أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله، سمعت أبا عبس، يقول: قال رسول الله ﷺ: من اغبرت قدماه في سبيل الله فهو حرام على النار [رواه النسائي: 3116، 15977، وأصله في البخاري: 907].
فالمشي إلى صلاة الجمعة من سبيل الله.
فإذا اغبرت القدمان حرمهما الله على النار.
وكذلك فإن الوضوء مما يزيل آثار المعصية التي حدثت في الرجلين، فقد جاء عن النبي ﷺ أنه قال: إذا توضأ العبد المسلم -أو المؤمن- فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء قال في آخره: فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًا من الذنوب[رواه مسلم: 600].
إذًا، الاهتمام بالوضوء أمر مطلوب ذلك؛ لأن الوضوء المسبغ على السنة من الأسباب التي تكفر سيئات المشي المحرم الذي مشاه الإنسان برجليه.
وكذلك فإن المشي إلى الصلاة من مكفرات الذنوب، كما جاء في عدد من الأحاديث، كما قال النبي ﷺ: ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة [رواه النسائي: 103، وأحمد: 19091، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 185] يعني بعد خروجه من خطاياه بالوضوء الكامل المسبغ، يكون مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة.
وكذلك من الآداب: ما تقدم: أن الإنسان إذا مشى إلى الصلاة، فإنه يمشي وعليه السكينة والوقار، ولا يهرول هرولة، ويجري جريًا، كما يفعل كثير من الناس، إذا سمع الإقامة جاء يجري يدخل في الصلاة، وهو لاهث، وهو مضطرب الأنفاس، يضيق صدره، ويعلو وينخفض من شدة جريه وسعيه، على أنه قد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في بعض الأماكن في مواضع ذكر في مواضع أنه لا بأس أن يسرع أكثر من المعتاد، لأجل لحوق الركعة، خصوصًا إذا كانت هذه الركعة هذه إذا ما أدركها فيها فوات الصلاة، مثل لو جاء قبيل الركعة الثانية، أو الركوع الثاني، من صلاة الجمعة، لو فاتته فاتت الجمعة، يصلي ظهر، قال: لو أنه اشتد لأجل اللحوق لأجل هذه المصلحة الأعلى، فإنه لا بأس بذلك.
لكن الناس الآن يجرون بكل حال، حال ركوع الركعة الأولى، الثانية، وخصوصًا إذا صار مثل المسجد، عريض الصف، يركضون ويجرون جريًا، حتى يشوشوا على الناس، وعلى الإمام في الصلاة، وينهى عن ذلك النبي ﷺلقوله: فلا تأتوها تسعون وآتوها تمشون، وعليكم السكينة كما جاء في الصحيح [رواه البخاري: 908، ومسلم: 1389].
أما بالنسبة لقوله تعالى: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يــس: 12].
ففسر مجاهد: وَآثَارَهُمْ بالخطوات، المشي إلى الجمعة والجماعات، والصلوات، وكل هذا يكتب عند الله خطوات، ولذلك يقول النبي ﷺ كما ورد في الصحيح: إن أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصليها ثم ينام[رواه البخاري: 651، ومسلم: 1545].
فإذًا، بالنسبة للمشي يكون كلما كان بيتك أبعد كان أفضل، ولذلك لما أراد بنو سلمة أن ينتقلوا من موضعهم إلى قرب المسجد، نهاهم النبيﷺ عن ذلك، وقال: يا بنى سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم[رواه مسلم: 1551].
دياركم يعني الزموا دياركم تكتب آثاركم.
المشي لصلاة الجماعة متوضئا
وكذلك فمن الآداب المتعلقة بالمشي: أن الإنسان إذا كان مريضًا فأتى الجماعة وهو يحتسب هذه الخطوات المتثاقلة، مشي المريض، فإن أجره عظيم عند الله، قال ابن مسعود كما في صحيح مسلم: "لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة -يعني صلاة الجماعة- إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض، إن كان المريض -يعني حتى المريض من الصحابة- ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة" -يمشي وهو مريض حتى يأتي للصلاة-.
وكذلك فإن من الأحكام والآداب أيضاً: أن النبي ﷺ قال: من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحت خطيئة، والأخرى ترفع درجة[رواه مسلم: 1553].
ولذلك يقول أبي بن كعب: "كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة، قال فقيل له أو قلت له: لو اشتريت حمارًا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء؟ قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي؟ فقال رسول الله ﷺ: قد جمع الله لك ذلك كله[رواه مسلم: 1546].
فإذًا، المشي إلى الصلاة أجره ليس فقط بالذهاب، وإنما حتى في العودة.
المشي لعيادة المريض
وعيادة المريض أيضاً مما يمشى فيه في طاعة الله، فإنه قد جاء في الصحيح: أن النبي ﷺ قال: يا أخ الأنصار كيف أخي سعد بن عبادة؟ فقال: صالح -يعني مريض، لكن يقولونه تفاؤلاً- فقال رسول الله ﷺ: من يعوده منكم؟ فقام وقمنا معه، ونحن بضعة عشر، ما علينا نعال، ولا خفاف، ولا قلانس، ولا قمص، نمشي في تلك السباخ حتى جئناه" إلى آخر الحديث [رواه مسلم: 2177].
إذًا، هؤلاء مشوا إلى زيارة المريض، ما كان عندهم نعال، مشوا في السباخ، الأراضي السبخة التي المشي فيها صعب، ذلك لأجل الأجر، فليحتسب الإنسان المسلم مشيه لعيادة أخيه المسلم.
جمع الصلاة عند وجود المطر والوحل والطين
من أحكام المشي: أن الصلاة في المطر تجمع لأجل عدم إرهاق الناس في المشي في الوحل والطين، ولذلك جاء في الصحيح: "أن ابن عباس أمر المؤذن في يوم مطير، قال: إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال: أتعجبون من ذا، قد فعل ذا من هو خير مني؟ إن الجمعة عزمة، وإن كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض". [رواه البخاري: 901، ومسلم: 1637].
فإذا وجد الطين والزلق، حتى لو كان ما في مطر، فهذا مسوغ لجمع الصلاتين، فإذا نزل المطر من باب أولى.
مشي المصلي أثناء الصلاة لسد فرجة
ومن أحكام المشي أيضاً: مشي المصلي أثناء الصلاة، وهذا قد يكون لسد فرجة.
-طبعًا- إذا مشى خارج الصلاة المشية ينبغي أن يحتسبها، المشي لسد فرجة في الصف، هذه خطوة عند الله أجرها عظيم، كما ورد في الحديث، وإذا كان أمامه صف فيه فرجة، أو انكشفت فرجة، فمشى من صفه الخلفي إلى الأمام لسدها، فهذه خطوة أيضاً عظيمة.
ومشي المصلي شيئًا يسيرًا خطوات لفتح باب ونحوه أيضاً مما يجوز، فقد بوب النسائي رحمه الله في كتابه السنن: "باب المشي أمام القبلة خطا يسيرة" يعني بدون أن ينحرف عن القبلة، ويتغير اتجاهه، ثم جاء بحديث عائشة قالت: "استفتحت الباب ورسول الله ﷺ يصلي تطوعًا، والباب على القبلة" يعني الباب في جهة القبلة "فمشى عن يمينه أو عن يساره، ففتح الباب ثم رجع إلى مصلاه". [رواه النسائي: 1206، وأحمد: 26014، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي: 1206].
المشي كان عن يمينه أو شماله، لأجل فتح الباب الذي على القبلة.
المشي في الحج
وأما بالنسبة للمشي في الحج، فمن أحكامه ما تقدم: أن المشي يكون في الأشواط الأربعة الأخيرة عادي، والثلاثة الأشواط الأولى، يكون رملاً، ولذلك أمر النبي ﷺ أصحابه أن يرملوا ثلاثة أشواط، لأجل أن يروا المشركين جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟ هؤلاء أجلد من كذا وكذا؟ هكذا كما جاء في الحديث الصحيح [رواه مسلم: 3118].
فإذًا، هل انتهت السنة هذه بفتح مكة، وانتهاء الشرك في مكة؟
الجواب: لا، بقيت سنة، كل طواف قدوم، السنة فيه أنك ترمل في الأشواط الثلاثة الأولى، وتمشي في الأربعة الباقية.
وجاء أيضًا في الحديث: لما قدم النبي ﷺ مكة أتى الحجر فاستلمه، ثم مشى على يمينه، فرمل ثلاثًا، ومشى أربعًا [رواه مسلم: 3012].
المشي بين الصفا والمرة
وكذلك: فإن المشي في السعي من المشي في طاعة الله، كان النبي ﷺ "إذا نزل من الصفا مشى، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي" [رواه النسائي: 2981، وأحمد: 15211، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي: 2981].
هو بطن الوادي أوله العلم الأخضر الموجود الآن، بداية الوادي هذا الوادي كان موجود، والآن بعد أعمال التوسعة الوادي انتهى، صار كله مستوى واحد المسعى، لكن العلم الأخضر الأول ينبئك عن بداية الوادي، والعلم الثاني الأخضر، أو النور الأخضر، ينبئك عن نهاية الوادي.
فجاء في سنن النسائي وهو حديث صحيح: أن النبي ﷺ "كان إذا نزل من الصفا مشى، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي، سعى حتى يخرج منه". [رواه النسائي: 2981، وأحمد: 15211، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي: 2981].
وفي رواية له: "حتى إذا صعدت قدماه مشى حتى أتى المروة". [رواه النسائي: 2985، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي: 2985].
فإذًا، مشي بين العلمين أو في بطن الوادي يكون سعيًا شديدًا، حتى كان مأزره عليه الصلاة والسلام يدور من شدة السعي.
وبالنسبة لرمي الجمار، فقد جاء في الحديث الصحيح عند الترمذي: كان ﷺ إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهبا وراجعا" [رواه الترمذي: 900، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي: 900].
فالسنة إذًا المشي إلى الجمار ذاهبًا وراجعًا.
المشي إلى مسجد قباء
وكذلك فإن من الأحكام أيضاً المتعلقة: المشي إلى مسجد قباء، فقد جاء في الصحيح عن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ كان يزور قباء راكبًا وماشيًا [رواه مسلم: 3455].
وإذا صار يوم السبت فهو أفضل.
فالذهاب إليه مشيًا، أو الذهاب إليه راكبًا، كله ورد في السنة.
المشي مع الجنازة
أما بالنسبة للجنازة، والمشي فيها، فقد قال النبي ﷺ الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها، وعن يمينها وعن يسارها قريبًا منها. [رواه الإمام أحمد: 18206، وأبو داود: 3182، وصححه الألباني في صحيح وضعيف: 3180].
إذًا، الماشي إلى الجنازة في أي مكان يمشي، قريبًا منها، الراكب لا بدّ أن يكون خلفها، وقال ﷺ: الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها حديث صحيح [رواه الترمذي: 1031، والنسائي: 1942، وأحمد: 18187، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي: 1031].
أما المشي في الجنازة، فلا بدّ أن يكون إسراعًا، وقد جاء عند النسائي وهو حديث صحيح عن عيينة بن عبد الرحمن بن يونس قال: حدثني أبي قال: شهدت جنازة عبد الرحمن بن سمرة، وخرج زياد يمشي بين يدي السرير" -يعني سرير الجنازة- "فجعل رجال من أهل عبد الرحمن ومواليهم يستقبلون السرير، ويمشون على أعقابهم، ويقولون: رويدًا رويدًا، بارك الله فيكم" -يريدون أن تمشي الجنازة ببطء- "فكانوا يدبون دبيبًا، حتى إذا كنا في بعض طريق المربد، لحقنا أبو بكرة على بغلة، فلما رأى الذي يصنعون" -يعني من التباطؤ في المشي- "حمل عليهم ببغلته، وأهوى إليهم بالسوط، وقال: خلوا، فوالذي أكرم وجه أبي القاسم ﷺ، لقد رأيتنا مع رسول الله ﷺ وإنا لنكاد نرمل بها رملا، فانبسط القوم". [رواه النسائي: 1912، وصححه النسائي في صحيح وضعيف سنن الترمذي: 1912] وأسرعوا.
فهذه هي السنة في الجنازة.
لا شك أن المشي أيضاً في الجنازة فيه أجر عظيم، فقد أخبر النبي ﷺ أن من مشى مع الجنازة، حتى تدفن، يكون له من الأجر قيراطان.
والقيراط مثل الجبل العظيم.
عدم جواز المشي بين القبور بالنعال
ومن أحكام المشي أيضًا: عدم جواز المشي بين القبور بالنعال؛ لأن النبي ﷺ رأى رجلاً يمشي بين القبور في نعليه، قال: يا صاحب السبتيتين ألقهما[رواه النسائي: 2048، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي: 2048].
السبتية نوع معين من النعال.
وقد أغرب من زعم: أن النهي مختص بالنعال السبتية.
والصحيح: أن النهي عام في كل نعل، كل نعل لا يجوز المشي به بين القبور.
هناك طرقات رئيسية في المقبرة، واسعة، لا بأس بالمشي فيها بالنعال، لكن إذا دخلت في مكان القبور، في هذه المربعات، أو في هذه الأماكن التي فيها القبور، لا يجوز أن تمشي بين القبور بالنعال.
-طبعًا- القبور المقبور فيها الناس، القبور الفارغة لا ينطبق عليها الحكم، فكثير من الناس، وحتى بعضهم من الشباب المتدينين، إذا نظرت إليهم في المقبرة عند دفن الجنازة، تراه يطأ القبر بنعليه، ويمشي بين القبور بنعليه، ووطأه أشد ولا شك.
المشي مع العلماء والصالحين
وكذلك فإن من السنة: المشي مع الصالحين، وأهل العلم؛ لأن المشي معهم مكسب عظيم، فإن الإنسان يكسب علمًا وأدبًا وفائدة، وقد جاء في الصحيح عن أبي ذر قال: خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله ﷺ يمشي وحده ليس معه إنسان، قال: فظننت أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني، فقال: من هذا؟ فقلت: أبو ذر جعلني الله فداءك، قال: يا أبا ذر تعال قال: فمشيت معه ساعة، فقال: إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلى أن قال: فمشيت معه ساعة، قال: اجلس ها هنا فأجلسني في قاع حوله حجارة .. إلى آخر الحديث الذي فيه: رغم أنف أبي ذر[رواه البخاري: 6443، ومسلم: 2352].
هذا فيه فائدة المشي مع أهل العلم والصلاح، وأشار إلى ذلك العلماء.
وذكرنا في عيادة المريض ماشيًا، كما عاد النبي ﷺ وأبو بكر جابر بن عبد الله ماشيين، كما جاء في الحديث الصحيح أنهما عاده ماشيين. [انظر الحديث في البخاري: 4577، ومسلم: 4232].
المشي مع الضعفاء
وكذلك فإن من آداب المشي: أن يمشي الإنسان مع الضعفاء، فقد جاء في الحديث الصحيح: كان رسول الله ﷺ يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف -لا يستكبر- أن يمشي مع الأرملة والمسكين، فيقضي له الحاجة" [رواه النسائي: 1414، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 5833].
حكم من نذر أن يمشي إلى بيت الله حافيًا
ومن أحكام المشي أيضا: أن الإنسان إذا نذر أن يمشي إلى بيت الله لا يلزمه النذر، فقد جاء في الصحيح، عن عقبة بن عامر أنه قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله ﷺ فاستفته، فقال: لتمش ولتركب [رواه البخاري: 1866، ومسلم: 4339].
لماذا؟
لأن المشي حافي إلى الحج ليس عبادة وقربة في ذاته، فنذره لا يكون طاعة، ولا نذر عبادة.
ولذلك لما رأى النبي ﷺ لما رأى شيخًا يهادى بين ابنيه، فقال: ما بال هذا؟ قال: نذر أن يمشي، قال: إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني وأمره أن يركب [رواه البخاري: 1865، ومسلم: 4336]، وقال: اركب أيها الشيخ، فإن الله غني عنك وعن نذرك [رواه مسلم: 4337].
ومن آداب المشي: أن الإنسان إذا كان ماشيًا، فرأى شيئًا في الطريق عظمًا، أو حجرًا يؤذي الناس، فإنه يميطه، وله أجر عظيم.
إماطة الأذى عن الطريق
من آداب المشي: إماطة الأذى عن الطريق، فقد جاء عن أبي هريرة في الحديث الصحيح: أن النبي ﷺقال: بينما رجل يمشي بطريق، وجد غصن شوك على الطريق، فأخره، فشكر الله له، فغفر له[رواه البخاري: 652، ومسلم: 6835].
عدم المشي بنعل واحدة
وكذلك فإن من الأشياء المتعلقة بالمشي: أن الإنسان إذا فقد إحدى نعليه، أو انقطعت، فإنه لا يمش في نعل واحدة، فقد جاء في البخاري وغيره: أن النبي ﷺ قال: لا يمش أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعًا، أو ليخلعهما جميعًا[رواه البخاري: 5856، ومسلم: 5617].
وهذا يمكن أن يدخل في آداب الانتعال الذي سيأتي معنا -إن شاء الله تعالى-.
لكن هنا موضعه أيضاً في المشي.
تسليم الماشي على القاعد
وكذلك من الآداب المتعلقة بالمشي: قوله ﷺ: يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير [رواه البخاري: 6233، ومسلم: 5772].
فالراكب يسلم على الماشي؛ لأنه أقل منزلة منه، فيبدأ هو بالسلام تواضعًا له.
الماشي أرفع منزلة من القاعد، إذًا يسلم الماشي على القاعد.
هذا أيضًا من التواضع.
السلام على الصبيان
وكذلك من الآداب: أن الإنسان إذا كان يمشي فمر بصبيان أن يسلم عليهم تواضعًا، فقد قال ثابت: أنه كان يمشي مع أنس فمر بصبيان فسلم عليهم، وحدث أنس: أنه كان يمشي مع رسول الله ﷺ فمر بصبيان فسلم عليهم [رواه مسلم: 5793].
الاتعاظ بالمشي بالبعث والنشور يوم القيامة
وينبغي أن نعتبر أيضًا بما يحدث في يوم القيامة من خروج الناس من قبورهم على الهيئة التي وصفها النبي ﷺ: إنكم ملاقوا الله مشاة حفاة عراة غرلاً[رواه مسلم: 7379].
فلا يمش الإنسان إلا إلى ما يرضي الله. فكذلك يكون العباد يوم القيامة، ثم يكسون وأول من يكسى من الخلائق إبراهيم عليه السلام[رواه البخاري: 3349].
وقد أخبر النبي ﷺ: أن هناك أناسًا يحشرون على وجوههم، فاستغرب بعض الصحابة، فقال النبي ﷺ: أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟[رواه مسلم: 7265].
مشي الجنب مع الناس
وكذلك فإن مما يتعلق بالمشي: أن الجنب يجوز له أن يماشي الناس، لذلك قال البخاري: "باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره" وقال عطاء: "يحتجم الجنب، ويقلم أظفاره، ويحلق رأسه، وإن لم يتوضأ". [صحيح البخاري: 1/79].
احتساب أجر إصابة القدم إذا كانت تمشي في طاعة الله
وكذلك فإن الإنسان إذا كان ماشيًا، فجرحت قدمه، وقد يتعرض لهذا، فإنه يحتسب ذلك، وقد كان النبي ﷺ يمشي إذا أصابه جرح فعثر فدميت إصبعه، فقال:
هل أنت إلا أصبع دميت | وفي سبيل الله ما لقيت |
[رواه البخاري: 6146].
الإسراع في المشي
وفي البخاري في كتاب: "الاستئذان" عنون البخاري رحمه الله بعنوان، فقال: "باب من أسرع في مشيه لحاجة أو لقصد". [صحيح البخاري: 8/76].
ثم ذكر حديث عقبة بن الحارث قال: "صلى النبي ﷺ العصر فأسرع، ثم دخل البيت". [رواه البخاري: 6275].
فإذا أسرع الإنسان في المشي لحاجة، فلا بأس بذلك، يعني هذا لا ينافي ما تقدم من صفة المشي.
وهذا تقريبًا نهاية الكلام عن موضوع المشي، أو ما يتعلق به من الآداب والأحكام التي تيسر جمعها.
هذا والله -تعالى- أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.