الأحد 14 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 15 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

نقطة الانطلاق في طريق الاستقامة


عناصر المادة
الهداية نقطة الانطلاقة
فوائد طلب المؤمن للهداية
الهداية منة الله
طرق الهداية وأسبابها
حوادث كانت سببا لهداية أصحابها
أمثلة واقعية على حصول الهداية من الله مباشرة بدون سبب بشري
الهداية بسبب قراءة الكتيبات النافعة
الهداية بسبب استماع القرآن والخطب والمواعظ
الهدية بسبب صلابة مواقف الملتزمين بالدين
الهداية بسبب سماع الموعظة المؤثرة
الهداية بسبب إظهار الشعائر التعبدية في الأماكن العامة والمفتوحة
الهداية بسبب إظهار أحكام الشريعة
الهداية باحتضان الدعاة والصالحين للمقصرين
الهداية بالنصيحة من شخص أدنى منزلة
الهداية بسبب نصيحة الأصدقاء القدامى
الهداية بسبب المحاورة والمجادلة بالتي هي أحسن
توجيه الدعوة إلى قائد القوم وكبيرهم
الهداية بسبب لوحة مركز توعية الجاليات
الهداية بسبب الإحسان إلى المدعوين
الهداية بسبب صدق الداعية
الهداية بسبب الصبر على أذى المدعوين والمسامحة في الحقوق الشخصية
الهداية بسبب سماع مآسي المسلمين في بلدان الاضطهاد
من قصص المهتدين

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

إخواني في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد:

فإنها لفرصةٌ طيبةٌ أُعرب لكم فيها عن سروري واغتباطي بلقياكم، وأسأل الله أن يحفظنا جميعاً، وهذا البلد الأمين من شر كل ذي شر إنه هو أرحم الراحمين.

وأسأله  أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا شقياً ولا محروماً.

الهداية نقطة الانطلاقة

00:01:01

أيها الإخوة: إن الهداية نعمةٌ من الله لا يملك أحدٌ أن يعطيها إلا الله .

وهي أثمن نعمة يمكن أن يحصل عليها العبد في دنياه.

وإذا اهتدى العبد سار في طريق الاستقامة.

فالهداية هي نقطة الانطلاق في طريق الاستقامة، فإن العبد إذا صار مهتدياً، عمل الخيرات، واشتغل بالطاعات، وابتعد عن المحرمات، فيصبح سالكاً لطريق الاستقامة.

إن الهداية هي نقطة الانطلاق، هي أمرٌ له ما بعده، وينبني عليه كثيرٌ من الأمور، وهذا هو عنوان المحاضرة: "نقطة الانطلاق في طريق الاستقامة".

ونقطة الانطلاق مهمة جداً؛ لأنها تغير مسار الشخص.

وعندما نستحضر في أذهاننا صوراً من بعض الصحابة الذين دخلوا في الدين وأسلموا، كان إسلامهم هو نقطة الانطلاق.

بالنسبة لهم نقطة انطلاقٍ عظيمةٍ؛ لأن الشخص يتغير كيانه واتجاهه.

فإذا فكرنا في حال بعض الصحابة الذين أسلموا بـمكة، ورجعوا بعد إسلامهم هداةً إلى قومهم، يهدون هداية الدلالة والإرشاد لعل الله أن يزرق أولئك الأقوام والقبائل هداية التوفيق والإلهام، فيكونون سبباً لإدخال الناس في دين الله، فيؤجرون الأجر العظيم.

يسلم، ويهديه الله، فينطلق للعلم بالإسلام، ينطلق للتفقه في الدين، بل إنه ينطلق للجهاد في سبيل الله، وينطلق لمفاصلة الكفار، وإعلان البراءة منهم.

وما حدث لـثمامة بن أثال لما أسلم بعد الثلاثة الأيام التي كان مقيداً فيها في المسجد، يرى صلاة النبي ﷺ بالمسلمين، ويسمع قراءته ﷺ للقرآن بذلك الصوت الخاشع، وينظر إلى التعامل الذي يتعامل به المسلمون مع نبيهم ﷺ، إنه يرى يومياً حياةً عمليةً منبثقةً عن دين الله.

لما أسلم ثمامة انطلق ليفاصل الكفرة، استأذن في عمرة، وذهب إلى كفار قريش ليعلن مقاطعةً اقتصاديةً لهم: ما يأتيكم حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله ﷺ.

فوائد طلب المؤمن للهداية

00:04:50

وهذه المحاضرة -أيها الإخوة- هي إكمالٌ لمحاضرة سابقة بعنوان: "بين الهداية والانتكاس" أذكر في مطلع هذه المحاضرة ببعض النقاط: الهداية التي هي نقطة الانطلاق -كما قلنا- من الله ، ولذلك نحن ندعو ربنا يومياً عدة مرات، ونحن نقول:  اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6] نطلب الهداية من الله.

فإذا قال إنسانٌ: أنا مستقيم على الدين، فلماذا أطلب الهداية؟

نقول: إن طلب الهداية من قبل المهتدي فيها فوائد، فمن ذلك: تثبيته على الهداية؛ لأن الإنسان قد يهتدي، ثم ينتكس، فيسأل الله أن يثبته على الهداية.

وكذلك أن يستزيد من الهداية، فإن الهداية مراتب، الهداية مثل الإيمان والعلم، فإذا اهتدى العبد، وصار في مرتبة من مراتب الهداية، يسأل ربه المزيد من هذه الهداية، والجنة درجات، فمن صار في الإيمان والعلم والتقى في المراتب العليا، صار في الجنة من أهل المراتب العليا.

قالت عائشة -رضي الله عنها- إنها فقدت النبي ﷺ مرةً من مضجعه، فلمسته بيدها، فوقعت عليه وهو ساجد، وهو يقول: رب آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها [رواه مسلم: 2722].

الهداية منة الله

00:06:44

فهذه التقوى والتزكية هي الهداية من الله ، لا أملكها أنا ولا أنت: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص: 56] من الذي يهدي إلى الحق؟ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ [يونس: 35]،  وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس: 25].

الهداية منة من الله:  بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ [الحجرات: 17].

إذا اغتر الداعية يوماً من الأيام بنفسه، فليتذكر قول الله : كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء: 94] منَّ عليكم بالهداية، فلا تحتقروا الناس، لا تستصغروا الناس، ولكن تذكر إذا رأيت عاصياً أنك كنت يوماً من الأيام مثله وربما أشد، إن هذه النظرة تسبب الرحمة والشفقة بالمدعو وهو أمرٌ مطلوبٌ لنجاح الدعوة.

اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداءً لك ما اقتفينا وثبت الأقدام إن لاقينا

[رواه البخاري: 3034].

هذه كلمات عامر بن الأكوع -رضي الله عنه ورحمه- التي أسمعها لبعض المسلمين في طريق السفر.

إن الأنصار لما عاتبهم النبي ﷺ على ما وجدوا في أنفسهم تجاهه ﷺ، لما أعطى قريشاً والمؤلفة قلوبهم ما أعطاهم، قال لهم: يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالةً فأغناكم الله بي؟  [رواه البخاري: 4330 ومسلم: 1061].

فإذاً، هدى الله أولئك الصحابة بالنبي ﷺ، فكان النبي ﷺ سبباً عظيماً، والهداية من الله، وأعظم منة على النبي ﷺ ما جاء في قوله تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى [الضحى: 7].

بل إن أهل الجنة عندما يدخلون الجنة، يقولون:  الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ  [الأعراف: 43].

طرق الهداية وأسبابها

00:09:33

والهداية ليس لها طرقٌ محددةٌ تأتي من خلالها، بل ربما تأتي بطريقة غير متوقعة، بعض الناس ذهبوا إلى بلاد الكفر ليزدادوا ضلالة، فإذا بهم يرجعون هداةً مهتدين، الهداية شيءٌ من الله، لو اجتمع أهل الدنيا على أن يهدوا شخصاً، ما هدوه، وقد يكون بين الكفار فيهتدي، فالذي هداه هو الله .

نعم، إن للهداية أسباباً، فالعلم الشرعي سبب للهداية.

الدعاء سبب للهداية.

المجاهدة سبب للهداية: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69].

والالتقاء بالناس الطيبين الخيرين هو سببٌ للهداية.

وهذه الهداية قد تقع بسبب شخص يجعل الله الهداية عن طريقه.

وقد تكون من الله مباشرةً دون أن يكون هناك سبب من شخص موجود.

والهداية قد تأتي للشخص تدريجياً يتغير حاله شيئاً بعد شيء حتى يصل إلى الاستقامة، وقد تحصل له فجأة، فيتغير في ثوانٍ، يقذف الله في قلبه نوراً، فيتغير من تلك اللحظة، وينقلب حاله، أو يرجع في الحقيقة للاستواء بعد أن كان منقلباً منكوساً.

من الأمثلة على دخول الهداية تدريجياً: ما حصل لـجبير بن مطعم، وكان من جملة أسارى بدر، قال: سمعت رسول الله ﷺ قرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ *  أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور:35 - 37] قال: كاد قلبي أن يطير" [رواه مسلم: 4854]، "وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي" [رواه البخاري: 4023] أول ما سكن وثبت  أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ [الطور: 35] من العدم: أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور: 35 ] لأنفسهم، أم هم الذين خلقوا السموات والأرض؟

فهو يناقشهم مناقشة قوية، قال ابن كثير -رحمه الله-: فكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة -يعني: هذا سبب، هذا شيء من الأشياء، عامل من العوامل- ما حمله على الدخول في الإسلام بعد ذلك.

قد تكون الموعظة، أو الخطبة، أو الشريط، أو الكتاب الذي يقرؤه، ونحو ذلك هذا عامل من العوامل، لكن ليس تأثيره قوياً للدرجة الكافية التي تغير الشخص، لكن تجتمع النقاط، فيمتلئ الكأس، كلمة، مع خطبة، مع موعظة، مع شريط، يستمع إليه، مع شيء يقرؤه، مع حادثٍ يحصل، مع رؤيا، ونحو ذلك، يتغير حال الشخص، مع جيرة طيبة، مع تعهد وتفقد من قبل الدعاة إلى الله.

وحصل في عهد السلف -رحمهم الله- حوادث كانت فيها معالم دعوية للدعاة إلى الله في كيفية التسلل إلى النفوس والتأثير في القلوب؛ من ذلك ما حصل لـزاذان أبي عمر الكندي أحد العلماء الكبار تاب على يد ابن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه- قال زاذان: كنت غلاماً حسن الصوت جيد الضرب بالطنبور -وهو من آلات اللهو- فكنت مع صاحب لي وعندنا نبيذٌ وأنا أغنيهم.

هذا فتى لاهٍ لاعب، لكن الله قدر أن يكون من كبار العلماء..

فلا بد من نقلة، لا بد من نقطة انطلاق لكي يمسك هذا الشخص بدرب الاستقامة، ويصل ويمشي فيه ويسرع الخطى إلى رتبة العلماء الكبار.

فكنت مع صاحبٍ لي وعندنا نبيذٌ وأنا أغنيهم، فمر ابن مسعود، فدخل وضرب الباطية -يعني: إناء الخمر- فبددها وكسر الطنبور، ثم قال: لو كان ما يسمع من حسن صوتك يا غلام بالقرآن كنت أنت أنت.

لو استعملت صوتك الحسن هذا بالقرآن بدل استعماله بالأغاني لكنت أنت أنت، لكنت أنت الرجل العظيم، وأنت الشخص المبارك، لكنت أنت بالمنزلة الرفيعة، ثم مضى، فقلت لأصحابي: من هذا؟ قالوا: هذا ابن مسعود، فألقى الله في نفسي التوبة، فسعيت أبكي وأخذت بثوبه، فأقبل علي فاعتنقني وبكى، وقال: مرحباً بمن أحبه الله، اجلس، ثم دخل وأخرج تمراً، إلى آخر القصة.

والقعنبي المحدث المشهور كانت هدايته على يد شعبة بن الحجاج، قال أحد أولاده: كان أبي يشرب النبيذ، ويصاحب الأحداث، فدعاهم يوماً وقد قعد على الباب ينتظرهم -ينتظر أصحاب السوء وقرناء السوء- فمر شعبة على حماره، وكان شعبة هو أمير المؤمنين في الحديث في عصره، وطلاب الحديث يسرعون وراء شعبة لكتابة الحديث، فقال: من هذا؟ قيل: شعبة، وقال: وأي شيء شعبة؟ لماذا هذا التجمهر حول هذا الرجل؟ فقالوا: محدث، فقام إليه وعليه إزار أحمر. ومعلوم أن لبس الأحمر الخالص للرجال منهيٌ عنه، لكنه كان شاباً ماجناً، لكن لما سمعهم يقولون محدث، جرى وراءه، فقال له: حدثني؟ فقال له شعبة وقد رأى هيئته ولباسه: ما أنت من أصحاب الحديث فأحدثك.

العلماء كانوا ينتقون الأشخاص الذين يضعون عندهم العلم، ما كانوا يضعون العلم عند فاسق يستغله في معصية الله، أو يخدع به الناس، بل يرتجون الأتقياء لجعل هذه الأحاديث بأسانيدها، يعني: أسانيد الحديث في ذلك الزمن كانت نوع كرامة أن يتصل اسم الشخص بسندٍ إلى النبي ﷺ، فكانوا لا يضعونها عند الفسقة، فيكونون كمن يقلد الخنازير عقود الدرر واللآلئ.

فقال له: ما أنت من أصحاب الحديث لأحدثك، فأشهر سكينة -هذا الشاب- وقال: تحدثني أو أجرحك؟ فقال له: حدثنا منصور عن ربعي عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله ﷺ: إذا لم تستح، فاصنع ما شئت فحدثه ونزل عند رغبته، لكن حدثه بحديث فيه توبيخ وتقريع له  إذا لم تستح، فاصنع ما شئت وهذا وعيد.

مثل قوله تعالى:  اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ  [فصلت: 40] والله سيجازيكم ويحاسبكم.

فرمى سكينته ورجع إلى منزله، وقد أثر فيه هذا الحديث وهذه الموعظة من المحدث، ورجع إلى منزله، فقام إلى جميع ما كان عنده من الشراب، فأراقه، وقال لأمه: الساعة أصحابي يجيئون، فأدخليهم وقدمي الطعام إليهم، فإذا أكلوا، فأخبريهم بما صنعت بالشراب.

أخبريهم أن حالي قد تغير.

وهذه مسألة مهمة: ينبغي أن يعرف قرناء السوء أن حال صاحبهم قد تغير، ينبغي أن يعرفوا أن هذا الشخص لا طريق له معهم، ينبغي على التائب أن ييأس قرناء السوء الذين كانوا معه، يجعلهم يصابون باليأس منه؛ لأن بقاء الأمر معلقاً وهو يخفي حاله الجديد خطيرٌ جداً عليه؛ لأنهم سيعاودون الكرة، ويحاولون إعادته مرة أخرى إلى ما كان عليه، لكن إذا كان من البداية صار التصريح بالتغيير، لم يكن هذا مؤثراً فيه، ومضى من وقته إلى المدينة، فلزم مالك بن أنس، فأثر عنه، ثم رجع إلى البصرة وقد مات شعبة، فما سمع منه غير هذا الحديث.

وعدد من السلف -رحمهم الله- تابوا بمواقف مثل: الفضيل بن عياض الذي تاب عندما سمع رجلاً يقرأ القرآن في الليل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد: 16] فلما سمعها، قال: بلى يا رب آن، فرجع، وكان يتسلق جداراً ليصل إلى امرأة يفجر بها، وكان يخوف المسافرين في طريق السفر؛ لأنه كان يقطع عليهم الطريق.

وفي سيرة مالك بن دينار، قيل: دخل عليه لصٌ، فما وجد ما يأخذه، فناداه مالك بن دينار، وكان زاهداً، ما عنده ممتلكات في البيت، ما عنده كماليات، أطقم من الحلي والمجوهرات، خزينة نقود، ما كان عنده في البيت أشياء يريدها اللصوص، فأحس مالك باللص في الليل، وناداه قائلاً: لم تجد شيئاً من الدنيا، أفترغب في شيء من الآخرة؟ فاستحيا اللص، قال: نعم، فقال: توضأ، وصلِّ ركعتين، ففعل، ثم جلس وخرج إلى المسجد، فسئل مالك بن دينار: من هذا الذي خرج من عندك؟ قال: جاء ليسرق فسرقناه".

حوادث كانت سببا لهداية أصحابها

00:22:28

وننتقل -أيها الإخوة- الآن لدراسة بعض الحالات التي اهتدى فيها بعض الأشخاص، وإلى أمثلة واقعية لقصص وحوادث حصلت كانت سبباً لهداية بعض الأشخاص، ونصل من خلالها إلى بعض التوصيات التي تهم الدعاة إلى الله .

أمثلة واقعية على حصول الهداية من الله مباشرة بدون سبب بشري

00:23:01

ونعود إلى النقطة التي ذكرناها في البداية وهي: أن الهداية تأتي أحياناً من الله دون سبب من شخص، ما يكون هناك شخص، لكن شيءٌ يحدثه الله في نفس المهتدي، فالله يهدي أناساً بأحداث يجريها، ليس لأحد من الدعاة فيها دور ولا حتى سبب.

والتمعن في هذه النقطة مهم حتى لا يغتر الدعاة بأنفسهم، أو يظنوا أن الهداية لا بد أن تأتي عن طريقهم.

إنهم أحياناً يعملون ويعملون يريدون هداية شخص ولا يهتدي.

وأحياناً يفاجئون بأن فلاناً قد اهتدى مع أن أحداً من هؤلاء الدعاة لم يحتك به مطلقاً، ذلك ليعلم هؤلاء أن الهداية من الله ، قد تكون بسببهم، وقد تكون بسبب آخر ليس على طريقهم.

الهداية من الله، ما هم -أي: الدعاة- إلا مجرد أسباب يجري الله على أيديهم الخير.

ومن الأمثلة على أن الهداية التي تأتي بعض الناس لا يكون لأحد من الدعاة فيها شيء، لو سألنا بعض المهتدين المستقيمين، قلنا لهم: ما سبب هدايتكم؟ -وسلف في البداية- قلت: لو أن بعضكم يعود بذهنه إلى الوراء ممن هداه الله واستقام، ويتذكر السبب الذي غير حياته، ونقله من معسكر أهل الفسق إلى معسكر أهل الإيمان والتوحيد.

هذا السبب التأمل فيه مهم يزيد الإنسان إيماناً.

أحياناً يرى الشخص رؤيا، أو يقع له حادث، أو يمرض مرضاً ويتغير، وينقذ بهذه الحادثة ويهتدي، ولم يكن هناك داعية اقترب منه، ولا إنسان ناصح تكلم معه، ولا أحد وعظه، تغير من تلقاء نفسه، هذا موجود في الواقع، تغير بفعل هذه الرؤيا التي رآها، أو هذا الحادث العنيف الذي حصل له، أو المرض الخطير الذي أصابه.

لكن ما مهمتنا نحن الدعاة إلى الله عند حصول هذا الشيء؟ لنا مهمة وعلينا واجب وهي أن نسعى لتعميق وتأصيل ما حصل لهذا الرجل بالعلم النافع والصحبة الطيبة واستمرار الوعظ.

فإذا رأيت رجلاً قد اهتدى وتأثر من شيء لا سبب لك فيه، ولا تدخل أحد من الناس، علمت عنه، الله قدمها فرصة لك أنت، وتخطى هذا الشخص بفضل الله العقبة الأساسية؛ لأن الانتقال حصل، الإكمال أسهل الآن؛ لأن الرجل تغير حاله، فوظيفتك أنت إذاً المتابعة.

الرجل يحتاج إلى تعليم.

يحتاج إلى وسط طيب.

صحيح النقلة الأساسية حصلت، فضل من الله ومنة ليس لي ولك، ولا لأي أحد من الدعاة، ولا لأي أحد من طلبة العلم أو الوعاظ فضل فيها ألبتة، النقلة حصلت، لكن يجب علينا المتابعة في حال هذا الشخص؛ لأن التأثير أحياناً لا يستمر ويكون تأثيراً مؤقتاً إذا لم يتابع الرجل أو لم تتابع المرأة هذه من قبل صاحبات طيبات تعود إلى الانتكاس مرة أخرى.

نأخذ بعض الأمثلة التي أرسلها لي بعض الإخوان من حوادث واقعية في هذه النقطة، يقول: كان هناك رجلٌ قريبٌ لي وكان يدخن، ولربما أنهى علبة أو علبتين في اليوم الواحد، وكان تاركاً للصلاة، وبينما هو في أحد الأيام يغسل أرضية منزله بمادة كيماوية (فلاش) استنشق رائحة هذه المادة، فخرج من صدره وهو يسعل مادة سوداء من أثر الدخان، وبعد أن رأى ما رأى أعطى لنفسه عهداً ألا يدخن بعد ذلك، ثم رجع إلى الصلاة، وصلى مع الجماعة، وأعفى لحيته، وهداه الله.

من الذي سبب لهذا الشخص هذه الحادثة؟

أن يغسل بمادة كيماوية، وتأثر منها حتى يسعل نتيجتها ويعرف ضرر التدخين ويتركه، ثم ينتقل لما هو أهم ذلك وهو من أداء الصلاة، إنه الله ، وليس لداعية فضل في ذلك.

وهذا شخص يقول: قد كنت شاباً من شباب المعاكسات، وإذا بصديقي يدخل السجن بسبب المعاكسات، وأخبروني بأني سأكون بعده، ففكرت بفكرة وهي رمي جميع الأشرطة من السيارة -أشرطة الغناء التي تكون دليلاً على أنه من المعاكسين- وشراء أشرطة قرآن حتى لا يشكوا في أمري إذا فتشوني، وأبعد الشبهة عن نفسي بأشرطة القرآن، وإذا بي أسمع أشرطة القرآن هذه -لأنه الآن يتظاهر بالصلاح- وإذا بي أسمع سورة يوسف في أحد الأشرطة، وكانت تلك هي أول مرة أسمعها في حياتي، وكيف أنه عرض عليه الزنا ولم يرض، فبكيت كثيراً، وعزمت على ألا أعود إلى ما كنت عليه من السوء، والتزمت بالدين، وهداني الله .

يا إخواني: انظروا إلى المدخل، قضية الهداية هذه من عجائب الله في خلقه، هذا أتى بالأشرطة لتكون تغطية، فكانت الأشرطة سبب الهداية.

وآخر يقول: أعرف شخصاً كانت هدايته أن صار في مأزق نظراً لمعصيةٍ اقترفها، كانت هذه المعصية كفيلة بذهاب وظيفته، فالتجأ إلى الله لجوءًا صادقاً بعدما كان بعيداً عن الله، أي: أن الله يقدر على شخص أن يمر بأزمة وضائقة، وهذه الأزمة والضائقة تكون سبباً في هدايته، فالتجأ إلى الله لجوءًا صادقاً بعدما كان بعيداً عن الله، وقال في دعائه: لئن أنجاني الله من هذا؛ لأعودن إلى الله وأستقيم، فستره الله وانتهت المشكلة بسلام من حيث لا يحتسب، ولم يفقد وظيفته، ولم يفتضح، فرجع إلى الله وصدق مع الله واستقام وكان ذلك مؤثراً في نفسه.

فإذاً، قد يكون ما يقدره الله على الشخص من المصائب أو الأزمات سبباً للهداية، مثل بعض الكفار لما دخلوا البحر فلعب بهم الموج وأوشكوا على الموت، عرفوا الله كما حدث لـعكرمة بن أبي جهل خرج هارباً من النبي ﷺ لما فتح مكة، فدخل البحر فأوشك على الغرق ولعب به الموج، فحلف إن أنجاه الله أن يأتي محمداً ﷺ فيدخل في الدين، ويبايع النبي ﷺ، وهذا بالفعل ما حصل، أنجاه الله، فعرف أن الله حق، وأنه هو الذي يرجع إليه في الأمور، وهو الذي يكشف السوء، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ولو كان كافراً، فرجع إلى الله .

وهذا آخر يقول: أعرف شخصاً كان -والعياذ بالله- من أسوأ الشباب الفاسق، وذات ليلة من الليالي عمل حادثاً، فأنجاه الله بأعجوبة، فكان هذا سبباً في هدايته، وأتلف بعد ذلك حقيبة بها ثلاثمائة شريط غناء، فسبحان الهادي!

وقلت سابقاً: إن بعض الناس يريهم الله رؤيا في المنام تكون سبباً في هدايتهم، قد يرى أن يوم القيامة قد قام، وأن الناس بعثوا من القبور، أو يرى نفسه في القبر، أو نحو ذلك، فيفزع، فتكون تلك الرؤيا تنبيهاً من الله -عز وجل-، ودافعاً له للعودة والتوبة.

يقول هذا الأخ: كنا جلوساً ذات يوم أنا وأهلي بعد صلاة الظهر، وكان أخي نائماً، وبينما كنا كذلك إذا بأخي ينتفض ويرتعش ويعرق وهو لا يزال نائماً، فلم نعرف ما أصابه، فأرقنا عليه الماء، وحملناه إلى سريره، ولكن حاله لم تتغير من الاضطراب والانتفاض والعرق، فحملناه إلى المستشفى ظناً منا أنه مريض، ولما صار في السيارة استيقظ، وقال: أرجعوني إلى البيت لست مريضاً، وبعد فترة سكنت نفسه وذهب ما به، وعندما سري عنه، سألناه عما به، فقال: إنه قد رأى في المنام النار وأشياء من الأهوال، فخاف منها خوفاً شديداً، فلذلك ظهر عليه ما ظهر وهو في النوم، وبعد هذه الرؤيا استقام أمره وتغير حاله بعد فسقه، ورجع إلى الله.

هذه أمثلة من حوادث واقعية من الله مباشرة، لم يكن فيها سبب بشري.

وواجبنا -كما قلت -أيها الإخوة- أن نسارع باحتضان مثل هؤلاء الأشخاص، يقع لأحدهم حادث في السيارة قد يموت من معه من رفقاء السوء وينجو هو، أو يموت صاحب له تربطه به علاقة قوية بإبرة مخدرات ويفارقه ذلك النديم، فتحدث له صدمةٌ ترشده، وهزةٌ توقظه فيرجع.

فينبغي المسارعة إذا رأى الإنسان حالة من هذه حادث حصل أمامه.

يسارع الآن في الضرب على الحديد وهو ساخن، فطرق الحديد وهو ساخن يطوع الحديد ويؤثر فيه فيتشكل.

ولذلك الموعظة بعد الحادث مباشرة، مثلاً: عند المرض الشخص يكون في حال من التأثر الشديد.

وهنا تكون النصيحة لها موقعها.

يصاب بمرض شديد، يدخل المستشفى إلى غرفة الإنعاش، إلى مرض خطير، إلى تقارير طبية سيئة، إلى كلام عن احتمال الوفاة يتغير الشخص، ويعاهد ربه على عدم العودة إذا كتبت له الحياة.

هنا يحتاج إلى زيارة وتذكير وإحاطة به بعد خروجه.

ويكفي الحالة التي يكون عليها هذا الشخص، أو من أصابه حادث لكي يكون الوقت مناسباً جداً للنصح.

كنت أسير مع أخٍ لي في سيارته في أحد الطرق السريعة بقرب المدينة، وبينما نحن نسير في الجانب الآخر كانت هناك سيارة قادمة مسرعة، وفجأة خرجت السيارة عن مسارها، ودخلت في الجزيرة التي هي بين الشارعين الرئيسيين، وتقلبت عدة مرات، وارتفع الغبار حتى غطى مكان الحادث، ما عدنا نرى شيئاً مطلقاً من الغبار المنبعث إلا أنني رأيت باب السيارة يتقلب حتى وصل إلى إسفلت الشارع، وإطار من إطاراتها يمشي حتى عبر الشارع وخط المساندة، ودخل في الرصيف المقابل، فأسرعنا إليهم، فلما انجلى الغبار رأينا أربعة أشخاص يخرجون من نوافذ السيارة، وهم الذين كانوا بها، لطف الله بهم؛ لأن الرمل ثبت السيارة بعد تقلبها، فثبتت وصار سقفها إلى الأسفل وعجلاتها إلى الأعلى، وهم يخرجون كالمتسللين من هذه الشبابيك المكسرة الزجاج.

ما هي العلامات التي كانت على وجوههم؟

القترة والغبار وجروح وخدوش، وهذا يعرج، وهذا يئن من الألم، فجلسوا على حافة الطريق، وهم مستغرقون في الدهشة؛ لأن الحادث -أيها الإخوة- إذا صار في ثوانٍ، يفاجأ به الشخص أيما مفاجأة.

وكان هناك صوت شريط بالغناء ينبعث من السيارة لا زال يعمل، فلما رآنا هذا الشخص أنا قدمنا عليهم، قال: أغلق هذا، الله يلعن هذه الموسيقى، يعني: تدارك الأمر، يعني: استحيا، كأنه عرف أننا سنقول له: تصور لو كانت نهايتك في هذا الحادث على سماع هذا الشريط.

المهم أن تلك اللحظة لحظة مواساة، قد لا يكون مناسباً أن ينزل عليهم الشخص بالتقريع والتوبيخ، هذه حالة مواساة، لكن يكون معها شيء من التذكير والوعظ، ويقول الإنسان مثلاً لهم: ربما كان هذا نذير من الله ، وتكون هذه فرصة لكم، عودوا إلى الله، ونحو ذلك.

المهم أن تلك اللحظات ينبغي أن تستغل، هذا هو الدرس الكبير الذي نخرج فيه من هذه المسألة.

عيادة المريض الكافر مشروعة ليدعى إلى الله، عاد النبي ﷺ كفاراً في حال مرضهم، وكتب لبعضهم الهداية على يدهﷺ؛ لأن هذه الحال حال تأثر.

الهداية بسبب قراءة الكتيبات النافعة

00:40:44

ومن الأشياء التي يكون هناك فيها تقبل من قبل أشخاص حالات كثيرة، وهذه الحالات تنبئ عن أمور ينبغي الاهتمام لها من قبل الدعاة إلى الله .

هذه قصة رجل كان منهمكاً في المعاصي وكان يعمل في أحد المقاهي، وكان يعرف نساء، فيحضر لهن رجالاً للزنا، وهو يفعل الفاحشة كذلك، حتى أصيب يوماً بمرض، فابتعد عن العمل، وابتعد عن المقهى، وكان لا ينام الليل، وفي يوم دعاه شخص من الساكنين معه إلى الصلاة، فذهب معه لصلاة العشاء، وبعد الصلاة قام أحد الدعاة إلى الله  بإعطاء الحاضرين بعض الرسائل الإسلامية الصغيرة، فأخذ منها رسالةً، فوضعها عنده، وفي ليلة لم يأته النوم فيها، قام ورأى هذا الكتاب فأخذه ليقرأه، وبعد قراءته أحس براحة تامة، واستمر كذلك يقرأ الكتب النافعة، واتجه إلى الله ، وحفظ القرآن في سنة، ثم ذهب إلى منطقته وتزوج، وهو الآن إمام أحد المساجد بأحد المدن.

ما هو الدرس الذي نأخذه نحن؟

أن إيصال الوسائل التي فيها التأثير أمرٌ مطلوبٌ من الدعاة إلى الله.

إيصال الأشرطة الطيبة والكتب النافعة إلى الناس مطلوب.

صحيح أن بعضهم يأخذها ولا يقرأها.

وبعضهم يجامل ويقول: شكراً، ويأخذ الكتب، لكن ربما في يوم من الأيام هو أو غيره يقرأ هذا الكتاب المرمي في البيت، أو يسمع هذا الشريط المرمي في السيارة.

ولذلك ينبغي علينا الجد والاجتهاد في ذلك.

الهداية بسبب استماع القرآن والخطب والمواعظ

00:42:59

ومن الأشياء المهمة: قراءة الأئمة وأصواتهم بالقرآن، وسماع الخطب المؤثرة، أو المواعظ، أو الدروس من مكبرات المساجد، بعض الناس لا يأتون المسجد، لكن هم في داخل بيوتهم يسمعون قراءة مؤثرة، أو يسمعون صوت شخص يلقي موعظة، فيكون هذا الصوت وسيلة لجذبهم.

يصاب بهموم وغموم، يطرد من المدرسة، أو الجامعة، أو الوظيفة، أو يصدم بسيارة، فيتسبب في حادث كبير، أو أبوه يطرده من البيت فيبحث عما يزيل الهم والغم، ينهمك في سماع الأغاني ومشاهدة الأفلام وشرب الدخان وتعاطي المخدرات هرباً من الواقع، أو يسافر إلى الخارج، لكنه لا يجد حلاً لمشكلته، ولا يزداد إلا هماً على هم وغماً على غم، ثم يعرض له نور وباب خير ينفتح، فيستمع لقراءة خاشعة من إمام مسجد على الطريق، أو يسمع شريط قرآن، فيكون هذا من أسباب التأثر والهداية.

يسمع قراءة الإمام الخاشع في التراويح يبكي والناس خلفه يبكون، يدعو والناس خلفه يؤمنون، يتأثر ويخشع ويجهش بالبكاء، ويتأسف على أيام الضياع، ويوقف سيارته على جانب الطريق، ويخرج علبة السجائر وأشرطة اللهو والباطل ويكسرها ويحطمها ويتلفها، وتكون هي نقطة الانطلاق في درب الاستقامة.

إذاً، ينبغي على الأئمة والخطباء الاعتناء بعملهم، يعتني بالحفظ، يعتني بالقراءة، بالتجويد، بالخشوع في الصلاة؛ لأن وراءه أناس يمكن أن يهدي الله بعضهم بتلك القراءة، خطيب الجمعة كم عليه من المسؤوليات! هذا المنبر ينبغي أن يعطى حقه، ينبغي أن يتقن العمل؛ لأنك أنت في موقع المسئولية، يسمعك أشخاص قد يهديهم الله بسبب خطبتك، فما أشد تقصير الخطيب الذي لا يحضر للخطبة، والإمام الذي لا يهتم بالإمامة ويغيب عن المسجد، ولا يهتم بالحفظ، فيكرر عليهم دائماً آيات ربما لا تقع منهم موقعاً، لما يرون من عدم حفظ إمامهم، فهذه من الأمور التي ينبغي الاعتناء بها.

الهدية بسبب صلابة مواقف الملتزمين بالدين

00:46:03

الهداية تكون أحياناً نتيجة لصلابة المواقف.

أحد الناس يتوب إلى الله وهو يرى مسلماً يعذب ويموت شهيداً ثابتاً على الحق، فيؤثر هذا في نفسه.

رجل يتقدم لخطبة فتاة، ولكنها ترفضه؛ لأنها مصرة على رجل ملتزم، فهنا يحدث في نفسه شيء، لماذا تصر هذه على رجل ملتزم؟ لماذا ردوني؟ لماذا لا أكون ملتزماً؟

الصلابة في المواقف تكون من أسباب الهداية، أنتم تعلمون قصة أم سليم مع أبي طلحة الذي تقدم لخطبتها، فرفضت الذهب والفضة، وقالت: مهري الإسلام، إن تسلم فذاك مهري.

ما في امرأة كانت أكثر بركة في زواجها ومن مهرها من هذه المرأة -رضي الله عنها-، فكان تصميمها على موقفها، وصلابتها في الحق وتأكيدها عليه هو سبب إسلام أبي طلحة؛ لأنه ذهب وأسلم بعد هذا الموقف.

الهداية بسبب سماع الموعظة المؤثرة

00:47:33

الموعظة من أكبر أسباب الهداية الذي يفتح الله عليه فيحسن الوعظ، ويعرف المدخل إلى القلوب.

هذه المسألة -أيها الإخوة- تحتاج إلى تمعن في الآيات التي يكون فيها وقع شديد على النفوس في الأحاديث التي فيها تذكير، القرآن كله لا شك حِكَم، كله مفيد، ليس هناك شيء في القرآن غير مفيد أبداً، لكن هناك آيات تؤثر أكثر من آيات لا شك، والآيات التي فيها -مثلاً- ذكر الجنة والنار، أو موقف الحساب تؤثر أكثر من الآيات التي فيها ذكر أحكام التيمم والوضوء، وقسمة المواريث، ونحو ذلك.

ولو أن تلك قد تكون سبباً في الهداية، ربما بعض الناس الذين يدرسون الاقتصاد، أو الأشياء المالية، إذا تمعنوا فيها، أو بعض الأطباء إذا تمعنوا في الآيات التي تصف الجنين في الرحم، قد تكون سبب هدايتهم.

لكن أقول: عادةً الآيات التي فيها ذكر الجنة والنار وموقف الحساب إذا انتقيت وقرئت بطريقة خاشعة من قلب صادق، أو حديث عن النبي ﷺ كما اهتدى بعض الناس بسبب حديث البراء بن عازب في تفصيل عذاب القبر وفتنة القبر، اهتدوا من هذا الحديث بسبب قراءة الحديث عليهم، فانتقاء هذه الأشياء والوعظ الذي يخرج من القلب من أكبر الأشياء التي تسبب الهداية، ولذلك من النوادر التي يذكرونها عن بعض الناس الذين لا يفهمون، أنه قرئت عليه آيات كثيرة في بعضها ذكر الجنة والنار، فما تحرك، ولما قرأ قارئ: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً [البقرة: 222] جلس يبكي، قال: يعني: أذى.

إذاً، بعض الناس عندهم خلل في الفهم، ولذلك انتقاء الأشياء لهم مهم، وفي بعض الأحيان يتأثر الأعاجم من تلاوة آيات القرآن مع أنهم لا يعرفون العربية، وهذا من تأثير القرآن وعظمته.

ذكر أحد الدعاة إلى الله أنه سافر مرة على باخرة من مصر إلى نيويورك، والرجل هذا لم يكن ملتزماً بحق، لكن فيه خير، فيه شيء من المعرفة بالدين والحرص على الدين مع أنه لم يكن كامل الاستقامة وقتها، قال: وكنا مجموعة قريباً من عشرين شخصاً، كلنا مسلمون في وسط مائة وكذا من الكفار، قال: فخطر في بالي أن نقيم صلاة الجمعة على ظهر السفينة، وأنا لا أتحدث الآن عن حكم إقامة صلاة الجمعة على ظهر السفينة في السفر البحري، لكن أروي لكم القصة ويهمنا العبرة منها، قال: فاستأذنا من قبطان السفينة، فوافق، وكان في السفينة عمالٌ نوبيون مسلمون، فاستأذنا لهم في حضور صلاة الجمعة معنا، فأذن لهم لمن لم يكن مشغولاً منهم في نوبته، وفرحوا؛ لأن تلك كانت هي أول مرة يحضرون فيها صلاة الجماعة منذ سنين طويلة، قال: فاجتمعنا وقمت فيهم خطيباً، فخطبت بهم بما تيسر، وقرأت بعض آيات القرآن، ثم أقمنا الصلاة وصليت بهم صلاة الجمعة، ووقف الركاب الكفار بالسفينة -أغلبهم- يحيطون بنا وينظرون بدهشة إلى ما نفعله، فلما انتهينا من أداء الصلاة، جاءوا يهنئوننا على نجاح القداس، ظنوا المسألة مثل مسائل النصارى، فشرحنا لهم المسألة، ثم جاءت امرأة كبيرة ذات ملامح أوروبية، جاءت تهنئنا بشدة على نجاح القداس، وعلى بلاغة القسيس الذي ألقى الكلمة، فشرحنا لها أنه لا يوجد في الإسلام قسيسون، وإنما هو الإمام الذي يخطب، أو يصلي بالناس، فقالت: ليس هذا الذي أثر في، الذي أثر فيَّ جداً من موقفه، تقول: أنني سررت بالكلام، لكن كانت هناك مقاطع معينة في كلامه شعرت أن لها وقعاً خاصاً في النفس، وتأثرت بها حتى بكيت، إنها مقاطع تختلف عن بقية كلامه، كأنه شيء روحاني، طبعاً هي كافرة تعبر عما في ذهنها، قال: فلم يكن اندهاشنا من تأثرها، لكن كان اندهاشنا عندما تفكرنا في معنى ما تقول، وما هي الأشياء التي لفتتت نظرها وأثرت فيها إلى حد البكاء في الكلام، ثم تفطنا إلى أنها تقصد الآيات القرآنية التي كان الخطيب يرددها، والتي قرأها الإمام في الصلاة.

إذاً، ممكن أن بعض الأعاجم يتأثرون من سماع الآيات لعظمة هذا القرآن، ولأنه كلام الله ، وهنا درس يؤخذ من هذه القضية وهو أهمية إعلان الشعائر الإسلامية، والهجرة تجب إذا لم يستطع الشخص إظهار الشرائع الإسلامية، ولكثير من الفوائد والحكم.

الهداية بسبب إظهار الشعائر التعبدية في الأماكن العامة والمفتوحة

00:54:20

ومن الأمور التي ينبغي للدعاة الاهتمام بها: إظهار الشعائر التعبدية في الأماكن المفتوحة والعلنية، فمثلاً: صلاة العيد تؤثر في الناس، صلاة الجمعة، ذلك الحشد العظيم يؤثر في الناس، فكونك تقوم وتصلي جماعة في المطار ونحوه، هذه دعوة صامتة لتاركي الصلاة، أو للفسقة، أو لمؤخري الصلاة عن أوقاتها أن يقوموا معك.

هو متقاعس عن الصلاة لكن لما رآك تؤدي الصلاة قام معك، صلاتك في الطائرة إذا لم يتمكن من الصلاة في المطار، الصلاة في الطائرة كونك تقوم وتأخذ بطانية من هذا المخزن في علو السقف وتبسطها على الأرض وتؤذن وتقيم الصلاة، إنك توقظ في إحساس أولئك الركاب القيام للصلاة وأهمية ذلك، فتراهم يقومون يصلون معك، أو يقومون بعدك يصلون نظراً لصغر المكان، من الذي أوقظ فيهم هذه الحاسة؟ إنه الفعل المبارك بإعلان الشعائر التعبدية.

الأذان كان سبباً في دخول أناس في الدين من الكفار، عندما يكون أذاناً خاشعاً فإنه يلفت نظرهم، وهكذا -أيها الإخوة- يكون إعلان الشعائر التعبدية من أسباب جلب الناس إلى طريق الهداية، فهذا درس مهم للدعاة إلى الله .

الهداية بسبب إظهار أحكام الشريعة

00:55:53

وكذلك من المسائل المهمة: إظهار أحكام الشريعة، والتمسك بأحكام الشريعة، هناك فتاة أمريكية تعيش في أمريكا في إحدى المدن الأمريكية، أسلمت وهداها الله ، وارتدت الحجاب، والسبب أنها كانت تعمل على آلة الحساب -قبض النقود في إحدى المحلات- وأنها كانت ترى بعض النساء يأتين للشراء من المحل وهن في حجاب كامل لا يظهر منهن شيء، فهذا المظهر كان منظراً غريباً جداً في ذلك المكان، وفي يوم من الأيام سألت إحداهن عندما كانت تحاسب، وقالت: ما هذا الذي ترتدينه؟ ولماذا ترتدينه؟ فشرحت لها أنها امرأة مسلمة، وهي زوجة أحد الطلاب الذين يدرسون في تلك المدينة الجامعية، وأنها مسلمة والإسلام يفرض عليها الحجاب، والله أوجب الحجاب ستراً للمرأة وصيانةً لها إلخ فكان هذا شيئاً قدح في نفس تلك المرأة الكافرة الإعجاب بهذا الدين، قالت: فرجعت إلى بيتي، وأخذت قطعة طويلة من القماش، فغطيت بها رأسي، وارتديت معطفاً ذا كم طويل، فأعجبني منظره، وذهبت بعد ذلك إلى مركز إسلامي قريب لأسأل عن هذا الدين، وما مكوناته، وما هي شعائره، فاطلعت وقرأت حتى اقتنعت ودخلت في الدين، والتزمت الحجاب، ما هو السبب؟ إنه ذلك التمسك بأحكام الشريعة التي قامت به تلك المرأة في ديار الكفر، فوا عجبي من الذين إذا ذهبوا بزوجاتهم إلى الخارج يأمرونهن بعدم ارتداء الحجاب، ويقولون: نخشى من الاستهزاء، نخشى من السرقة، نخشى من السخرية! يصورون على أننا من كوكب آخر، يفعلون ويستهزئون، الحجاب في تلك البلاد سبب اهتداء بعض الكافرات، وهذا المسلم يأمر زوجته المسلمة أن تخلع الحجاب في الخارج، مع أنهم لا بد أن يناقشوا في سبب ذهابهم إلى تلك البلاد، وما مشروعية ذلك.

الهداية باحتضان الدعاة والصالحين للمقصرين

00:58:43

ومن أسباب الهداية أيضاً -أيها الإخوة-: احتضان الدعاة إلى الله والصالحين للمقصرين كما يحدث لبعض الناس عندما يجاوره رجل صالح سواء يسكن بجانبه في شقة، أو فوقه، أو تحته في العمارة، فيزوره ويمر عليه ويذكره بالصلاة، ويهديه أشياء نافعة من الكتب والأشرطة الإسلامية، أو بعض الطلاب يدخلون الجامعة وفيهم تقصير، وفيهم فجور، فيسكن مع شخص طيب، فهذا الشخص الداعية من خلال السكن مع هذا الرجل يتأثر به ذلك الشخص ويقتبس منه ويأخذ عنه، فيكون سبب هدايته، أو تغشاه مجموعة صالحة يحيطون به -الاحتواء والاحتضان- ويزورونه ويكرمونه، ويتفقدونه ويخدمونه.

أحد الفسقة سافر إلى بلجيكا لزيارة أحد أقربائه الذي كان على علاقة بالمركز الإسلامي هناك، وخرج من الوسط التعيس الذي هو فيه إلى وسط جديد، أحاط به في بلاد الغربة مسلمون من الأقليات الإسلامية يعيشون هناك، ارتاح إليهم وأحبهم وكانوا سبب هدايته.

فنؤكد -إذاً- أن قضية الاحتواء والاحتضان من أكبر الأسباب المعينة على الهداية.

الهداية بالنصيحة من شخص أدنى منزلة

01:00:30

وأحياناً تحدث الهداية من نصيحة من شخص أصغر من هذا المقصر أو الفاسق، وأضعف فيرفض، فيحدث التأثر من الصغير للرفض، فيتأثر الكبير، كما حصل لشخص ذهب في سفر ومعه أخواته، وأدخل شريط الموسيقى في جهاز السيارة وأخذ يستمع، فنهرته أخته الملتزمة، فلم ينته، فأعادت عليه، فسخر منها، تأثرت لموقفه، وفي الطريق حدث حادث وماتت هذه الفتاة الملتزمة، فبقيت حسرة في نفس أخيها؛ لما المسألة وصلت إلى الموت، وأن هذه الفتاة أخته ماتت وفي قلبها حسرة لما لم يطعها، ولم يستجب لطلبها، كانت تلك الحادثة سبب هدايته.

وآخر كان عنده أخ صغير يعلم حكم الغناء، وأركب معه أخاه الصغير في مشوار، وأدخل الشريط يستمع إليه، أخوه الصغير قال: علمونا أنه حرام، قال: اسكت أنت لا تفهم، فأعاد عليه، قال: هذا حرام لا يجوز، فاستهزأ منه وسخر به، وبعد ذلك هدده، قال: إذا ما سكت، سأقف وأنزلك على قارعة الطريق وأمشي، إن هذه الكلمات الجارحة جعلت الولد الصغير يسكت، لكن كان سكوته بحرقة، أنتجت دمعة سقطت على خده، فرأى أخوه الكبير هذه الدمعة، فكانت هذه الدمعة هي سبب هدايته، لما رأى أن أخاه الأصغر صارت عنده حرقة وألم للرفض حتى أدى به ذلك إلى البكاء، عرف تقصيره وعرف خطأه.

فالمهم أن ننصح ولو كان المنصوح أكبر وأعلى في الدنيا، فإنها ولو ردت، لربما تكون هذه نقطة لتكون في المستقبل مع غيرها سبباً في للهداية.

الهداية بسبب نصيحة الأصدقاء القدامى

01:03:04

من الأمور أيضاً والحوادث التي تقع: أن يرجع المهتدي إلى أصدقائه القدامى بالنصيحة، ينتقي منهم واحداً وراء واحد، ما يرجع ليدخل فيهم وينتكس كما يفعل بعض الناس، مجرد ما يهتدي يعود إلى أصدقائه القدامى ويعاشرهم ويجلس معهم في مناسباتهم، وربما يلعب الورق، ويسكت عن سماع الغناء، ويقول: هذا تأليف للقلوب في سبيل الدعوة، هذه منافذ شيطانية وكلام فارغ، إما أن يكون المكان مهيأ لك لأن تدعو، أو تقول على الأقل كلمة الحق وتمشي إذا ما استجابوا وأسكتوا صوت المنكر، أو كفوا عن المنكر، وإلا لا تذهب إليهم وتخالطهم على فسقهم وتسكت عن المنكر، إما أن تذهب وتنكر وتتكلم، وإذا لم يصغوا لك؛ تمشي، أو يقفلون الأشياء ويلتفتون إليك ويجلسون للسماع.

بعض الأشخاص تابوا لما رجع إليهم بعض أصحابهم القدامى الذين اهتدوا؛ لأن العلاقات السابقة هي جسر في الحقيقة للمودة والتقبل؛ لأنه مهما كان هذا كائن بينك وبينه علاقة، أنت اهتديت وبقي على ضلالة، لكن هناك علاقة سابقة، العلاقة السابقة هذه تكون جسراً تعبر أنت عليه.

هذا شخص يقول: أحكي باختصار شديد قصة توبتي ورجوعي إلى الله، كنت أستعمل المخدرات في فترة مضت، ثم حصلت علي بعض النوائب التي لا يحسن ذكرها، ثم أخذت أبتعد عن المخدرات شيئاً فشيئاً، وفي يوم من الأيام مر بي أحد الأصحاب القدامى الذين منَّ الله عليهم بالهداية، ودعاني للذهاب معه إلى محاضرة، فوافقت، ثم بعد المحاضرة أخذني بالليل إلى إحدى المقابر في الدمام وكان فيها أحد الذين دفنوا بسبب المخدرات، وعندما رأيت الظلام الدامس لم أستطع الدخول، فأبيت الدخول ورجعت إلى البيت، وكأني أصبت بالصعقة، ثم منَّ الله عليَّ فهداني مع أصحاب لي.

فهذا الشخص الذي تاب الله عليه، رجوعه إلى بعض أصدقائه القدامى عبر جسر التواصل الذي كان موجوداً؛ قد يكون هذا سبباً للهداية، وينفتح باب خير على هذا الصديق القديم بسببك.

وآخر يقول: كنت أبحث عن السعادة، فلم أجدها، فنصحني أحد الناس وكان مثلي لا يصلي، ولا يعرف اتجاه القبلة، قال لي: هل تريد يا أخي السعادة التي كنا نبحث عنها معاً؟ قلت: نعم، قال: الصلاة، فجربت ذلك، فوجدت السعادة والإيمان في ذلك فعلاً، وكان ذلك سبب استقامتي، وأرسل الله لي هذا الشاب وإخوانه من بعده فنصحوني، ودخلت في الهداية.

الهداية بسبب المحاورة والمجادلة بالتي هي أحسن

01:06:20

وقد تكون الهداية بسبب المحاورة والمجادلة بالتي هي أحسن، الله يقول: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125].

قال هذا الأخ: من خلال نقاشي مع أحد الفلبينيين عن الإسلام سألته عن اعتقاده بأن عيسى هو الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، فأجابني بأنه لا يؤمن بذلك منذ سبع سنوات تقريباً، وأوضحت له بعض الأمور عن الإسلام وأركان الإيمان، فقال: إني أؤمن بهذا أيضاً، فقلت له: لماذا لا تكون مسلماً؟ فقال: لا أدري كيف أسلم؟ لم يعلمني أحد كيف أسلم؟ فعلمته وأسلم في تلك الجلسة والحمد الله.

توجيه الدعوة إلى قائد القوم وكبيرهم

01:07:14

ومن الأمور المهمة -أيها الإخوة- للدعاة إلى الله الذين يكون عندهم من الفطنة ما يسبب هداية أناس، وربما إسلام بعض الكفار على أيديهم: أن تكون الدعوة في حال وجود مجموعة من المنحرفين موجهة في البداية إلى قائدهم، أو كبيرهم؛ لأن المجموعات في الغالب يكون فيهم شخص هو أقوى شخصية من الجميع، ولو أن هذا الرجل اهتدى، فلعلهم أن يهتدوا بهدايته، أو على الأقل ينشق بعضهم عن بعض مما يسهل التأثير عليهم، يقول هذا الأخ: كنا مجموعة من الشباب في الجامعة، حاول فينا عدد من دعاة الشباب في السكن الجامعي ولم يفلحوا في التأثير علينا، وربما أعزو ذلك لاختلاف الطبائع والعادات، فبقينا على طبائعنا غير أنا كنا نؤدي الصلاة، لكننا نرى الأفلام، ونسمع الأغاني، ونقتني المجلات، وكان يتزعمنا في الجرأة والمعصية أحدنا، وفجأة يهتدي هذا الزعيم بين ليلة وصباحها، فتأثر نصفنا بهذا واجتمعنا على التوبة، وانقسمت مجموعتنا إلى قسمين، فتوفقنا في دراستنا ولله الحمد وتخرجنا، وانسحب النصف الآخر من الجامعة وطردوا بسبب تدني مستواهم الدراسي، فالحمد لله على الهداية والتوفيق.

إذاً، يكون التركيز على هذا الرأس من الأمور المهمة ولو كان عنيداً، وهذا لا يعني أن يترك البقية، لكن لا بد أن يحسب الداعية هذه الخطوة، ويعلم مكانة هذا الشخص للبدء به.

النبي ﷺ كان يركز كثيراً على زعماء القبائل، وكان يتألفهم ويكرمهم، ويبش في وجوههم -وهم كفرة- يتألفهم، فإذا هدى الله القائد، أو رئيس القبيلة في الغالب تتبعه القبيلة؛ نظراً لطبيعة العلاقة بين زعيم القبيلة وأفراد قبيلته التي كانت موجودة في الأيام الأولى.

الهداية بسبب لوحة مركز توعية الجاليات

01:10:10

وهذه قصة أخرى فيها عبرة وفائدة أيضاً في الدعوة إلى الله، -مختصرة جداً- اثنان أو ثلاثة من الفلبينيين بعدما رأوا اللوحة الخارجية لمركز توعية الجاليات في القصيم بعد صلاة العصر، دخلوا وتعلموا وأسلموا بعد صلاة المغرب، يمشون في الشارع، ربما يذهبون إلى حفلة، إلى مكان فسق، فسبب الهداية رؤية اللوحة -لوحة مركز توعية الجاليات- بعد صلاة العصر دخلوا، أسلموا بعد المغرب.

فالدرس هو أهمية الإعلان عن أماكن مراكز الدعوة والأعمال الإسلامية.

أيها الإخوة: إذا كان التجار وأصحاب المحلات التجارية يعملون الدعايات والإعلانات لمراكزهم التجارية، فإن الإعلان لأماكن التوعية وإعلانات الدروس والمحاضرات تجذب من في قلبه خير، أو حب استطلاع على الأقل، ثم يدخل الله الإيمان في قلبه.

الهداية بسبب الإحسان إلى المدعوين

01:11:32

ومن الأمور المهمة: الإحسان إلى المدعوين.

إن الإحسان إلى المدعوين في كثير من الأحيان هو سبب للهداية، يقول هذا الشخص: قدمت من مدينة أخرى إلى هذه المدينة للعمل، فسكنت مع زملائي -في المنطقة الشرقية - وكنت يومها لا أصلي إلا يوم الجمعة، وبعد حوالي أسبوع واحد على سكني مع زملائي هؤلاء، وجدتهم يشربون الخمر والحشيش، واليوم الذي لا يوجد فيه هذه الأمور نشتري (كلونية) ونشربها، وجلسات غناء وما إلى ذلك، وبعدما انتهت نقودي حصل سوء تفاهم بيني وبينهم، وهذا كثير ما يقع بين أهل الفسق والفجور، لا تدوم مودتهم، وأدركت أني أمشي في نفق مظلم، فاستأذنت، فخرجت من عندهم بعدما صرت لا أملك سوى عشر ريالات، فنزلت الشارع في حرارة الشمس لا أعلم إلى أين أتجه، وكنت قد سمعت من والدي الذي هو إمام جامع حديثاً في خطبة له، يحكي قصة الذي يريد التوبة، فقيل له: اذهب إلى قرية كذا وكذا، فإن فيها أناساً صالحين، فذهبت أنا إلى حي آخر مشياً، فجلست أمام دكان عقار قبل أذان العصر، وفي أثناء الجلوس مرَّ رجلٌ بسيارته، فأوقفها ونزل، وقال لي: ماذا تريد؟ فقلت: أريد صاحب الدكان لأستأجر منه شقة للإيجار، وهي كذبة؛ لأنني لا أعلم ماذا أفعل، وليس عندي نقود أصلاً، فقال لي: معك أحد؟ قلت: لا، قال: اركب، قلت: إلى أين؟ قال لي: عندي غرفة مع حمام ومطبخ في بيتي كانت لسائق، فخذها واسكن فيها، فقلت: ليس لدي مال، قال: لا بأس، فذهبت ووجدتها كما قال، وقال لي: هذا البيت وهذا المسجد أمامك، فنمت إلى صلاة المغرب، وعند الأذان قمت فصليت في المسجد، فبدأت حياتي من تلك اللحظة بالتحسن، وأسأل الله الثبات فيما بقي.

بعض الفسقة يكون عندهم حاجة، يكونون محتاجين، فلا شك أن مساعدتهم من أسباب هدايتهم.

الهداية بسبب صدق الداعية

01:14:10

وقد تكون الهداية من التأثر بصدق الداعية، لما يلمس المدعو الصدق، يكون هذا من أسباب هدايته.

قال أحدهم: خرجت مرةً مع عدد من الشباب في رحلة في وقت بين المغرب والعشاء، فقرؤوا لنا من كتاب الجنة دار الأبرار، فبكى بعضهم تأثراً، فأثر فيَّ بكاؤهم أشد التأثير، وذلك أنني أحسست منهم الصدق مع الله عندما بكوا، وأن البكاء لم يكن تمثيلاً، ولا يمكن تصنعه بسهولة، فأردت أن أكون مثلهم، فمشيت على منوالهم وهداني الله.

الهداية بسبب الصبر على أذى المدعوين والمسامحة في الحقوق الشخصية

01:14:54

ومن الأسباب أيضاً: الصبر على أذى المدعوين، يقول هذا الشخص، والظاهر أنه إنسان في مقتبل أمره، يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إلى إخواني المطاوعة بعد حمدك ربي على هدايتي.

هدايتي بسبب موقف وهو أنني أولاً كنت مع شباب ملتزمين، ثم كرهت الشباب وانتكست، وأصبحت أتكلم عن المطاوعة وأسبهم، لكن بارك الله فيهم، بصراحة أقول لك: كان عندهم سلاح عجيب وهو سماحة النفس والصبر، فتأثرت، فوقفت مع نفسي وقلت لها: كيف يصبرون على هذا الأذى؟ كيف هؤلاء البشر الذين أسبهم وأشتمهم وهم يحسنون إليَّ؟ وكثر الله من أمثال هؤلاء المطاوعة، آمين.

المسامحة في الحقوق الشخصية إذا أخطأ عليك أحد هؤلاء، أيضاً يكون سبباً لتأثره، قال هذا الرجل: سبب توبتي أنني كنت في عام (90)، وكانت سرقة السيارات وبالذات الكرسيدا موديل (90) منتشرة، فكنت أنا وواحد من رفاق السوء، وكان معنا سيارة من نوع كريسدا من موديل (81) فشاهدنا سيارة موديل (90) فوسوس الشيطان بنا فسرقنا السيارة، وإذا بالعصر يؤذن، انظر إلى الأذان -سبحان الله- فعدت إلى البيت وندمت وتوضأت وصليت العصر وعدت إلى مالك السيارة ورددتها إليه، وكانت سبب توبتي عندما رحب بي ودعاني إلى بيته، وكان بعد ذلك من أحسن أصدقائي.

الهداية بسبب سماع مآسي المسلمين في بلدان الاضطهاد

01:16:55

وبعضهم قد يهتدي بسبب سماع مآسي المسلمين في بلدان الاضطهاد، فبعضهم يتأثر -مثلاً- من مناظر المسلمين في البوسنة والأحداث التي تحصل عليهم من الظلم والقتل والاضطهاد والتعذيب، وانتهاك الأعراض، والإجلاء من البيوت، فيكون هذا سبباً لهدايته، وهذا بالتجربة فعلاً يحصل أن بعض الناس يرق قلبه من سماع مآسي المسلمين، وهذه من الأشياء التي إذا أحسن الدعاة إلى الله والخطباء استغلالها وانتهزوا الفرصة، يكون لها أثر عظيم في الناس.

في بعض الأحيان ييأس الداعية إلى الله، يحاول مع فلان، ويركز عليه، ولكن لا فائدة، ثم تكون الهداية بمثل هذه القصص، يقول أحد الدعاة: كان صديقي القديم كثير المعاصي، عظيم التفريط في جنب الله، فطالما نصحته ووعظته حتى مللت، ثم إني هجرته فترة من الزمن لعله أن يهتدي، ولكن بدون فائدة، فضاقت السبل عليَّ ونفضت يدي منه، وقلت في نفسي: هذا لا يهتدي حتى يلج الجمل في سم الخياط، ولكن كانت رحمة الله أقرب إليه مني، إذ ذهبت مرة معه إلى خطبة الجمعة، فذكر الخطيب حال المسلمين في إحدى البلدان، فبكى الخطيب وأبكى الناس، فما خرجنا من المسجد إلا وقد انقلب رأساً على عقب، بل إنه قال: أريد أن أذهب وأجاهد معهم، وقد صب عليه البلاء، ولكنه لم يزدد إلا إيماناً وتسليماً، ولا أزكيه على الله، فالحمد لله الذي كان أرحم بعبده هذا مني.

من قصص المهتدين

01:19:04

ومن الأشياء التي وردت من الإخوان هنا: هذا يقول في قصته: نشأت في أسرة متوسطة الحال، إلا أن ترتيبي الأخير من الذكور مما جعلني أنشأ بعض الشيء بعيداً عن التدين وتقلبت في التصوف، ودخلت عالم الشهوات والمسكرات، وحاولت تعلم السحر عند بعض السحرة إلا أن الله صرف ذلك عن قلبي وعن نفسي، فلم أتعلمه نظراً لمرض عضال ألم بي، وحاولت الصلاة وأنا أحافظ عليها، ودخلت المسجد تكراراً بعد أن كنت لا أدخل إلا نادراً، ثم هيأ الله لي طالب علم على علم جيد تعرفت عليه في المسجد، فصرت أسير معه، ففتح الله على يديه قلبي لمنهج السلف في الكتاب والسنة والفهم الصالح، فرباني وصبر على شقوتي ومعصيتي، فكم من مرة صرخت في وجهه وشتمته إلا أنه ما زاده ذلك إلا صبراً، وأسأل الله لي وله الثبات والزيادة في الأجر.

وهذا يقول: نقطة بدايتي في الاستقامة ولله الحمد كانت منذ ثلاث سنوات تقريباً تخللتها بعض الانتكاسات، ولكن ولله الحمد هذه المرة التزمت مع أصدقاء من الشباب الطيبين بعد أن حججت معهم.

إذاً، قضية الحج والعمرة والسكن بجوار البيت العتيق مع أصدقاء طيبين هذا بداية تغير كبيرة، ولذلك يحرص عليها وعلى هذا الأسلوب.

وصرت أحضر الدروس ولله الحمد، وكان من أسباب التزامي أيضاً هو أنني مرضت بمرض معين يعاودني بين الحين والآخر، وأضطر في الجلوس في البيت لمدة شهر، أو شهرين، لا أرى أحداً، فكان هذا أبعد لي عن قرناء السوء في ذلك الوقت، وكان خيراً لي ولله الحمد، وأسأل الله أن يثبتني وإياك والحاضرين.

اللهم آمين.