الثلاثاء 8 شوّال 1445 هـ :: 16 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

صيانة العلاقات الأخوية


عناصر المادة
حاجتنا الماسة لمسألة الأخوة الإيمانية
الأخوة في الله تعزز الروابط الإيمانية
التبسُّم والمصافحة بين الإخوة في الله
أثر الكلام الطيب في بقاء المودة بين الأخوة
تلبيس الأخوة في الله بلباس المصلحة
أثر المزاح في إفساد العلاقات الأخوية
شكر الله تعالى على نعمة الأخوة في الله
ضرورة التواضع بين الإخوة في الله

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله رسوله وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فالحمد لله الذي جعل في دين الإسلام إخوة إيمانية تربط بين المؤمنين، وألف بين المؤمنين الأوائل بنعمته فأصبحوا إخواناً، والحمد لله الذي شرع لنا من الإخوة ما نستعين به على طاعته، ونواجه به عدونا، والحمد لله الذي جعل علاقة الإخوة الإيمانية فوق العلاقات الأخرى، إنه رباط الأُخوّة المقدس في هذا الدين، إنما المؤمنون إخوة، وأخوة المؤمنين أرفع إخوة وأسمى علاقة يمكن أن توجد بين البشر الذين لا بد لهم من علاقات، وهم اجتماعيون بطبعهم، فلأن رابطة العقيدة أقوى من رابطة النسب،  إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ  [هود: 46]. ولكنه هو الذي يقول بنفسه:  رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا  فهؤلاء إخوانه المقرّبون يدعو لهم الذين يدخلون بيوته، وكذلك يدعو لإخوانه ولو تباعد معهم في الزمن، وللمؤمنين والمؤمنات رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [نوح: 28]. وهذا المفهوم الإسلامي الأصيل الذي يجب علينا في هذا الزمان أن نفقهه جيداً؛ لأنه عندما هبّت رياح الفتن على هذه العلاقات بين الناس وعدت عوادي الشهوات والشبهات عليهم كان لا بد من إحياء هذه الفريضة الإسلامية والشعيرة الدينية لمواجهة هذه الرياح والفتن، وهذه الفريضة هي الأخوة في الله، ونحن لو نظرنا إلى ما في الشريعة من فضائل هذا الأمر علمنا أهميته، وخصوصاً في زمن غربة الدين، فإذا كان  رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه  [رواه البخاري: 660، ومسلم: 1031]. في ظل الله، ظل العرش يوم القيامة، وإذا كان المتحابون في جلال الله لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء وإذا كانت محبة الله قد وجبت للمتحابين فيه والمتواصلين فيه والمتزاورين فيه والمتباذلين فيه، وإذا كان الله قد أرسل ملكاً خصيصاً إلى رجل زار أخاً له في الله ليبلغه أن الله يحبه وإذا كان الرجلان لو تحابا في الله فإن أحبهما إلى الله أفضلهما، وأفضلهما هو أشدهما حُباً لصاحبه، إذا كان ذلك كذلك فإننا نعلم مقدار هذا، وعظم منزلته عند الله، إذا التقى المتحابان في الله فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه تحاتّت خطاياهما كما تحاتّ ورق الشجر، قاله مجاهد، قال عبدة: "فقلت له: إن هذا ليسير" المصافحة والتبسُّم، فقال: "لا تقل ذلك، فإن  الله يقول:  لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال: 63]. قال عبدة: "فعرفتُ أنه أفقه مني" [تفسير ابن كثير: 4/75].

فأنت تقول: إنها مصافحة وتبسُّم، لكنها في الحقيقة علاقة نشأت من الله ، الذي ألقى في قلوبهم الإيمان وألّف بينهم، لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولو دُفعت الأموال لتجميع الأشخاص لأصبحوا مجموعة من المرتزقة الذين يجتمعون إذا جاء المال وينفضّون إذا انقطع، ونحن إذا تأملنا معيشة النبي ﷺ في مكة، وكيف واجه الأعداء ثلاث عشرة سنة، يصبر ومن معه على البلاء، وعلى هذا الأذى العظيم الذي آذوه به، فإننا نعلم أنه لو كان هناك مجموعة أخرى ليس الدين يربط بينها تعرضت لهذا المقدار من الأذى لا يمكن أن تصمد فكيف صمدت المجموعة التي كان مع النبي ﷺ في مكة وهم يواجهون أصناف البلاء وأنواع الأذى والاضطهاد، إن ذلك كان برباط يجمعهم؛ وهو الأخوة الدينية، إن هذا الصمود الذي كان بمكة واستمر حتى انتقل المسلمون إلى المدينة، وخرجوا في الجيش يقاتلون، فيقتلون ويُقتلون، ويبذلون المهج والأرواح، وكانوا يأتمرون بأمر النبي ﷺ، لا شك بأن هذا العمل الذي عملوه كان لأسباب الإيمان والأخوة.

حاجتنا الماسة لمسألة الأخوة الإيمانية

00:07:12

ونحن في هذا الزمان نحتاج إلى هذه الرابطة حاجة ماسة، لأن الجاهلية اليوم عنيفة وقوية، وأثرها علينا شديد، وما يزرعونه من أنواع الفتن في الأرض كثير، والصمود غير ممكن بالشكل الانفرادي إلا من رحم الله، ولذلك كان لا بد للإنسان في المواجهة، وهو قليل بنفسه، أن يستكثر بإخوانه؛ لأن إخوان الصدق زينة في الرخاء وعصمة في البلاء، وهذه العصمة مهمة لنا جداً في هذا الزمان، ولذلك كان من طيب العيش لقاء الإخوان وقد أحسّ السلف بذلك فقالوا: "إخواننا أحب إلينا من أهلينا؛ لأن إخواننا يذكروننا بالآخرة، وأهلونا يذكرونا بالدنيا" وما هو طعم الحياة بدون إخوة إيمانية؟ والغريب من ليس له في الله حبيب

وكنت إذا الصديق نبا بأمري وأشرقني على حنق بريقي
غفرت ذنوبه وكظمت غيظي مخافة أن أعيش بلا صديق

[الصداقة والصديق: 311].

ولا شك أن الهموم التي نواجهها لا يمكن الصبر عليها بدون إخوة؛ لأن هذه الضغوط النفسية والانهيارات العصبية وأنواع البلاء الذي حل بالأجساد والأمراض التي غشيت الناس بسبب عدم وجود أشخاص صادقين يبوحون لهم بمشكلاتهم فيساعدونهم على الصمود، والإنسان بدون إخوة في الأزمات ينهار، فالأخوة مهمة جداً في مواجهة الأزمات العصبية التي نعيشها في هذا الزمان

هموم رجال في أمور كثيرة وهمي من الدنيا صديق مساعد
نكون كروح بين جسمين قسمت فجسماهما جسمان والروح واحد

[العقد الفريد: 2/231].

فإذن، لا بد لنا من إخوة صدق نعيشهم معهم ولذلك فإنه لا يمكن القيام بالمهمات العظيمة المطلوبة منا شرعاً بدون إخوة دينية فهذه مجالس العلم تعقد بالأخوة وهذه حلق التعليم والتربية بالأخوة، وهذه الواجبات الدعوية تقام بالأخوة وهكذا الأجواء الإيمانية التي يتربى فيها هؤلاء المدعوين تقام بالأخوة، وهكذا مقاومة الأعداء، والجهاد في سبيل الله، وتجييش الجيوش وصد المجرمين والمعتدين بالأخوة، ولا يمكن منع اختراق العدو للمسلمين إلا بتحقيق الأخوة، وهكذا، ولذلك فإن الأخوة تحلو بها الحياة، هذا من الجهة الفردية ومواجهة الأزمات، حتى لو كانت أزمة اجتماعية، أزمة في زواج، أزمة في دراسة، أزمة في مال، أزمة في تجارة، أزمة في وظيفة، وهكذا، بالأخوة.

ثم بعد ذلك القيام بالمهمات الشرعية لا يمكن أن يتم بدون الأخوة، ولذلك نجد أن الله شرع في كتابه ما يستطيع به العباد القيام بالدين، والتركيز على قضية:  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10].  فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا  [آل عمران: 103]. ألّف بينهم، هذه الأشياء وما جاء في الأحاديث الكثيرة، هذا يدل على أهمية هذا الأمر، وأن الله يعلم أن عباده لن يقوموا بالدين إلا بها، كانوا في الجاهلية عندهم أحلاف، حتى أهل الجاهلية أدركوا أنه لا بد من عمليات اتحاد، ولذلك عملوا الأحلاف لما جاء الإسلام قال النبي ﷺ:   لا حِلْف في الإسلام  [رواه البخاري: 2294، ومسلم: 2529]. والعلماء لهم كلام في هذا الحديث.

وجاء في صحيح مسلم أيضاً في تكملة الحديث: وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة [رواه مسلم: 2530]. فما معنى هذا الحديث؟ قال الحافظ ابن القيم -رحمه الله- في المراد بالحديث: "أن الله تعالى قد ألّف بين المسلمين بالإسلام، وجعلهم به إخوة متناصرين متعاضدين يداً واحدة بمنزلة الجسد الواحد، فقد أغناهم الإسلام عن الحلف، بل الذي توجبه إخوة الإسلام لبعضهم على بعض أعظم مما يقتضيه الحلف" [عون المعبود وحاشية ابن القيم: 8/100].

فأهل الجاهلية إذن كانت عندهم أحلاف يواجهون به أعداء مشتركين، تحالف قبيلة مع قبيلة، وبينهم أحلاف، معاقدات، مناصرات قديمة، جاء الإسلام فجعل هناك علاقة إيمانية أخوية لم يعد المسلمون بعدها بحاجة إلى أحلاف؛ لأن ما في الدنيا من نصرة بعضهم لبعض أعلى مما توجبه الأحلاف التي كانت في الجاهلية بين القبائل.

والنبي ﷺ لما آخى بين المهاجرين والأنصار قامت هذه المؤاخاة على قاعدة الأخوة الدينية، ولذلك لم يكن هناك شيء يتعب كثيراً في استمرارية هذه الأخوة على هيئة مؤاخاة، أو نزول بعضهم على بعض، أو إعانة بعضهم لبعض، وهكذا؛ لأن الأصل موجود متقرر حتى من العهد المدني، هكذا كانوا، ولذلك فإن النبي ﷺ لما جاء بأصحابه إلى المدينة وتطلّب الأمر تجييش جيوش وإقامة مجتمع مؤمن، كانت القاعدة النفسية موجودة مستقرة، وعليها بُني المجتمع الإسلامي، على الأخوة، والأخوة مبنية على المحبة في الله، والمحبة في الله من العقيدة، من الإيمان، فالمسألة إذن، هي قضية عقدية في الأصل، وقد قال ﷺ:  يد الله مع الجماعة  [رواه الترمذي: 2166، وابن حبان: 4577، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 3621].

قال في النهاية: "أي أن الجماعة المتفقة من أهل الإسلام في كنف الله ووقايته فوقهم، وهم بعيد عن الأذى والخوف" [النهاية في غريب الحديث والأثر: 5/293]. من فوائد الجماعة والأخوة أنهم بعيدون من الأذى، والخوف أن الله يبعد عنهم الأذى والخوف، كلام ابن الأثير كلام عميق دقيق، قال في النهاية: "أي أن الجماعة المتفقة من أهل الإسلام في كنف الله، ووقايته فوقهم، وهم بعيد عن الأذى والخوف، فأقيموا بين ظهرانيهم، انتقلوا إليهم وكونوا معهم وأقيموا بينهم"[النهاية في غريب الحديث والأثر: 5/293]. وقال في المجمع: "أي سكينته ورحمته مع المتفقين، وهم بعيد عن الخوف والأذى والاضطراب، فإذا تفرقوا زالت السكينة وأوقع بأسه بينهم، وفسدت الأحوال"[تحفة الأحوذي 6/323] ومن أيام قِدم هذا الدين، منذ عهدٍ مبكر والتحام الأخوة في الله في المجتمع المكي والمدني ظاهر معروف، قريبين من بعض، حتى لما كانوا ينزلون في السفر ما كان النبي ﷺ يرتضي أنهم يتفرقون ولو للراحة، يأخذ كل واحد نفسه ويذهب إلى مكان بعيد عن إخوانه، ولذلك جاء في حديث أبي ثعلبة الخشني قال: "كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، نزل رسول الله ﷺ منزلاً ذهبوا وتفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول ﷺ: إن تفرقكم من الشيطان  إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية، إنما ذلكم من الشيطان، فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم. رواه أبو داود.

إذن، هذا الاجتماع الذي حصل بقاعدة الأخوة، وكان الاجتماع يؤدي إلى تقوية الأخوة، والأخوة يُبنى عليها الاجتماع، والعملان متداخلان مع بعضهما البعض، ولذلك كان الهدف من الاجتماع: طاعة الله، والتفرُّق أيضا يؤدي إلى كوارث، فيقول ﷺ:  ما من ثلاثة في قرية ولو بدو لا تقام فيها الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية  [رواه أحمد: 27514، وأبو داود: 547، والنسائي في السنن الكبرى: 922، والحاكم: 765، وحسنه الألباني في المشكاة: 1067].

فإذن، استحوذ عليهم أي استولى عليهم وحولهم إليهم، والقاصية: الشاة المنفردة عن القطيع، والمقصود: أن الشيطان يتسلط على من يخرج عن طريق المؤمنين.

وكذلك فإننا نجد أن الأخوة التي كانت قائمة بينهم كانت تعينهم على مواجهة شظف العيش، لقد امتُحنوا في مكة وقوطعوا وجوّعوا، وقال ﷺ:  لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، مرت علي ثلاثين من بين يوم وليلة ليس لي ولبلال يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال  [رواه أحمد: 14055، والترمذي: 2472، وصححه الألباني في المشكاة: 5253]. شيء يسير جداً، كيف صبروا؟ يقول عمر : "وجدنا خير عيشنا بالصبر" عاشوا بالصبر، عاشوا بهذه الأخوة وبهذا الدين بالصبر، كم تصبح الحياة قاسية حين ينضب معين الأخوة، كم تصبح الحياة شرسة لا تُطاق عندما لا يكون هناك إخوان حول الإنسان، عندما تتقطع الأواصر، يحس الإنسان أنه غريب وحيد فريد، يسهُل على الشيطان أن يبتلعه، بل حتى هموم الدنيا أن تسيطر عليه، شتان بين مجتمع تسوده الألفة والأخوة الدينية والمودة في الله، ويشعر فيه الأفراد بأنهم قريبون من بعضهم البعض، وأنه يجمعهم شيء واحد، ومنهج واحد، وأن هؤلاء لهم حقوق؛ لأن الأخوة توجب حقوقاً، شتان بين هذا وبين من يعيشون متفرقين، ولذلك يوجد عدد من الناس فيهم دين وخير وصلاح في أنفسهم، لكنهم ليس لهم إخوان في الله، هم يعيشون في حالة انفراد وعُزلة، هؤلاء لو بقوا على الدين لو بقوا على الاستقامة وهم منفردون، فإنهم لا يحققون المطلوب الشرعي كله، يحققون أشياء معينة، لكن يموتون ولم يحققوا واجبات مهمة من الدين، وإذن لا يمكن أن يكون الإنسان ذا أثر في الواقع كبير وقيام بأمر الدين عندما لا يوجد له من إخوانه من يتواصى معهم بالحق والصبر؛ لأن هناك عبادات لا يمكن أن تقع إلا من طرفين على الأقل، كل صيغ المفاعلة؛ شارك، آخى، تآخى، ونحو ذلك، تواصى، تواصوا بالحق، تواصوا بالصبر، ما يمكن تتم إلا بين طرفين فأكثر، وكان الصحابة رضوان الله عليهم عندما يزور بعضهم بعضاً، لا يتوانى الواحد من إصلاح حال أخيه المسلم، وقصة سلمان مع أبي الدرداء مشهورة، وقبل نزول آية الحجاب رأى سلمان أم الدرداء متبذلة فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً هذه كانت بمقتضى الأخوة بين أبي الدرداء وسلمان فقال: كل، قال:" فإني صائم" يقول سلمان وهو الضيف: ما أنا بآكل حتى تأكل، فلما أكل ونقض الصوم جاء قيام الليل، فأراد أبو الدرداء أن يقوم، قال: "نم" فنام، ثم أراد أن يقوم قال: "نم" وهكذا حتى قام بعد ذلك لما كان آخر الليل، ثم علّمه درساً في التوازن والقيام بالواجبات، "إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه" [رواه البخاري: 1968].

أحياناً التصور يكون قاصر السلوك، يكون فيه اعوجاج، كيف يتم إصلاح هذا؟ إخوة يلاحظ بعضهم على بعض، لو لم يكن له أخ يلاحظ عليه لبقي الانحراف والخطأ مستمراً، والنبي ﷺ صوّب سلمان في فعله هذا وأن هذا الضيف الذي أبى أن يأكل حتى يكون لأبي الدرداء نصيب يكون لأهله نصيب، وليس فقط صيام وتباعد عن الأهل وقيام وتباعد عن الأهل، المرأة لها حاجة، وأخذ العلماء من هذا الحديث فوائد: مشروعية المؤاخاة في الله، وزيارة الإخوان، والمبيت عندهم، والسؤال عما يترتب عليه المصلحة في حال أخيه المسلم والنصح له وتنبيه من غفل وأغفل أشياء وكذلك أن النهي عن المستحبات يجوز إذا خُشي أن يفضي ذلك إلى السآمة والملل أو تفويت الواجبات أو تفويت الحقوق المطلوبة الواجبة أو المستحبة الراجح فعلها، وكذلك فإن هذه الأخوة ليست مثقلة؛ بحيث أن الإنسان يصبح عالة على أخيه المسلم، ما استغل المهاجرون الأنصار وأخذوا أموالهم بدون أن يعطوا شيئاً، وعبد الرحمن بن عوف قدّم مثلا عظيماً في هذا فلما قال له سعد بن الربيع: "إني أكثر الأنصار مالاً أقسم لك نصف مالي وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلّت طلقتها وانتهت العدة -استبرأ الرحم- تزوجتها أنت" هل انتهز الفرصة وقال هات نصف مالك وطلِّق لي زوجتك آخذها على المرتاح؟ وإنما قال: "بارك الله لك في أهلك ومالك، هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع فصار عبد الرحمن يغدو ويروح، وهو ماهر بالتجارة من مكة، وأصحاب المهارة لو حيل بينهم وبين تطبيق مهاراتهم، لو وجدوا جواً متاحاً فإنهم يرجعون إلى ما كانوا عليه من التفوق ورجع عبد الرحمن غنياً، خرج من مكة ما معه شيء، وهكذا آخى النبي ﷺ بين أصحابه.

إذن، هذه الأخوة التي تصحح ما انحرف وما صار فيه خطأ وقصور أو تقصير، هذه لا بد من صيانتها، قلنا في أول الحديث: إن هناك عوادي قد عدت على كثير من الأوساط الأخوية، وهبّت رياح الفتن من شبهات وشهوات على هؤلاء الإخوة في الله، ولا أشك أنهم مستهدفون من قبل أعداء الله؛ لأن أعداء الله يعلمون جيداً أن إفساد الأوساط الأخوية مما يحقق لهم أهدافهم ومصالحهم، ولست أشك أيضاً في أن وراء كثير من الدعوات المحمومة والمناهج المخترعة في الساحة وما يتصور أنه تديُّن في بعض الأحيان، هو عبارة عن طرق لشق الصفوف، وتدمير الأوساط الدعوية والإيمانية، لقد درس أعداؤنا حالنا جيداً، وربما يكون عندهم دراسات لأحوالنا أكثر مما عندنا نحن أنفسنا، وعلموا ما يفرّق الصفوف، وعلموا ما يثير الناس بعضهم على بعض، فدُفع أشخاص إلى الكتابة في موضوعات معينة، وآخرون إلى رفع الصوت بالدعوة إلى أشياء معينة، وبُذرت بذور التهجُّم على عدد من الذين عُرفوا بالدعوة إلى الله، ما هو الهدف؟ لكي تكون هذه الخطة محكمة كان لا بد من تلبيسها بلباس التديّن؛ لأنه لو قال: أنا عدو للإسلام فإنه وأفصح أنه يريد هدم الدين وأنه يريد تحطيم روابط الأخوة الإيمانية فإن القضية ستكون مكشوفة ولن يستمع أحد إليه وسيحذر منه المسلمون بسرعة ولذلك أُلبست القضية لباس التديُّن تارة بزعم المحافظة على المنهج الصحيح، أو محاربة البدع، ونحو ذلك.

وحتى تكون المسألة أخفى وأكثر مهارة في الفتنة استُدرج إليها بعض المغفلين ليدخلوا فيها، فدخلوا فيها فعلاً، وعمّت فتن وطمّت، ولا شك أن هذا وراءه ما وراءه من الأصابع الخفية، وقد يشجِّع على هذا من يكون أيضاً همه الهدم والتحطيم، وقد حصلت أمور إذا صحّ أن نسميها من النجاح لهذه التحركات المشبوهة، لكن الله  يمحّص؛  مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب  [آل عمران: 179]. فتهُب رياح الفتن ولكن لا بد أن تنجلي، تنجلي عن ضحايا سقطوا، وعن أناس تقهقروا، وعن أشخاص كانوا شعلة إن صح التعبير، أو كانوا قد امتلأوا حماساً، وقوة في الحركة لهذا الدين، والدعوة إليه، والمنافحة عنه وتربية النشء على هديه، ونحو ذلك لكي تنقشع الغمة عن ضحايا وعن انتكاسات وانقلابات حصلت وعن تشويش عظيم استهلك أوقات كثيرة جداً وأشياء مؤلمة كثيرة وجراحات حصلت في صدر أو في جسم هذه الدعوة، لكن للبيت رب يحميه، وللدين رب يعزه ويرفع لواءه، والتمحيص يريده رب العالمين، من إرادة رب العالمين التمحيص، لا بد من تمحيص، وهذا التمحيص يكون بمثل هذه الأشياء التي تحدث.

ونحن ولا شك لا بد أن يكون رائدنا هو الحرص على صحة النهج، صحة النهج أحب إلينا من الصداقات والعلاقات إلى آخره، لكن عندما تجد النهج في الجملة سليماً، والعقيدة في الجملة عقيدة السلف، وكذلك الدعوة قائمة، وإنكار المنكر وواجبات كثيرة متحققة، ثم تحدث فتنة تنجلي عن قعود عن إنكار المنكر، وبرود في مسألة الحركة لهذا الدين وترك النشء، كان يسعى في تربية النشء، كان يقوم بدعوة الطلاب، وبإخوانه، ونحو ذلك، وإذا بالمسألة تتغير، وهذا الواجب يُترك، وهذه الثغرات تُترك، وهكذا، ما معنى ذلك؟ كيف يمكن أن نبرّئ هذه القضية، أن تكون العبرة بالنتائج، هذه النتائج، ماذا فعل؟ فلو أنه قام يجرّح في هؤلاء المسلمين، ثم قام هو بالواجب وفعل ما عليه قام بالواجب وأدى ما عليه لقلنا: إنسان ناصح ولو قسى على إخوانه، لكن هو يبني من جهة أخرى عنده بناء كثير وعنده شيء من القسوة أو أخطأ مثلاً على إخوانه، لكن المشكلة عندما ترى وقوع ولوغ في أعراض وجرح، لكن لا يوجد بناء ماذا يفعل إذن هو في الطرف الآخر؟ ما هي المهمة التي نذر نفسه لها؟ ما هي المهمة؟ لو أن هناك أمراً فعلاً مما يجب القيام له في تصحيح انحراف أو مقاومة شرك، انحراف منهجي وعقدي واضح لقلنا: هذا نوع من الإصلاح، لكن عندما ترى المسألة فيها تفريق وهدم ولا يوجد فيها بناء، إذن، تضع علامة استفهام على المهمة التي نذر هذا الشخص لها نفسه.

الأخوة في الله تعزز الروابط الإيمانية

00:31:44

وكذلك فإننا نلاحظ أن الأخوة الإيمانية موجهة لأشياء بناءة، مثلا: تعزيز الروابط الإيمانية بأنواع من العبادة وأشياء من العمل للدين، هذا خير ما تعزز به الروابط الأخوية؛ لأننا قلنا قبل قليل: إن هذه الرياح التي هبّت والعوادي التي عدت والشبهات والشهوات، والأشياء الكثيرة التي صارت في عصرنا الآن، هذه الفضائيات، هذه الأشياء المرئية المفسدة، حتى ما يحدث في الأسواق والشوارع والمدارس والبيوت، هذه أتلفت روابط أخوية، ولا شك، وكان هناك دمار حصل بسبب الوقوع في هذه الشبهات والشهوات، هبّت علينا رياح فتن كثيرة، صمد بعض الناس، وبعض الناس ما صمد، وبعض الناس سقط وانتكس، وبعضهم خفّ إيمانه، برد، ضمر، نقص عمله، فتر، تقهقر نوعاً ما، وقف مكانه، حصلت أشياء، لكن ما هي الأمور التي تجعلنا نوجه الطاقات إليها وننشغل بها كإخوة بدلاً من أن ننشغل بأشياء من المفسدات للأخوة؟ نلاحظ أن الشريعة توجّه طاقات المؤمنين إلى أعمال مشتركة.

إذن، من الأشياء التي تساعد على ترميم الروابط الأخوية وتقويتها وتوجيهها الوجهة الصحيحة الجيدة إشغال هؤلاء بأمور من الطاعات، فمثلاً: عن أبي هريرة عن النبي ﷺ  قال: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده  [رواه مسلم: 2699]. إذن، هؤلاء الأخوة الذين اجتمعوا في مسجد يدرسون كتاب الله، صُرفت الأوقات والطاقات لأي شيء؟ على أي شيء يجتمعون؟ نحن نريد أن نعرف أيضاً لما نقول: أخوة واجتماع ولقاءات، ويواجه الأخ إخوانه، على أي شيء يكون الاجتماع؟ ما هو سبب الاجتماع؟ ما هو موضوع الاجتماع؟ وعلى أي شيء نجتمع فعندما تقدم لنا الشريعة هذه الأشياء ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم.

إذن، نحن نعرف الآن ما هو الموضوع الذي يجب أن نجتمع عليه؟ قال: يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إذن، هنا فيه سبب مهم جداً، موضوع أساس للاجتماع وهو تلاوة كتاب الله والتدارس، يعني: التفسير التدبُّر والتأمل، هذه قضية إذا صار اجتماع الإخوان عليها نكون قد حققنا مكاسب كبيرة جداً، وفيه فضل المشي إلى العلم، والاشتغال بالعلم الشرعي بقصد أن يريد وجه الله والعاقبة كبيرة؛ لأن السكينة والرحمة والملائكة والطمأنينة والشيء الذي ينزل عليهم من الله شرف وفضائل غاية في العظمة من الله .

التبسُّم والمصافحة بين الإخوة في الله

00:35:48

ليست الأخوة أشياء شكلية، ولذلك لما مر معنا في قصة عبدة مع مجاهد قال: المصافحة والابتسام، كأن المسألة شكلية يعني إذا كان على قضية المصافحة والابتسامة وتتحات الخطايا وتحصل هذه المغفرة العظيمة قضية سهلة فقال إن الله يقول:  لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ  [الأنفال: 63].

إذن، هذا الشيء إذا حدث الشكل الظهري يدل على معنى في الباطن، وهذا المعنى في الباطن لا يكون إلا بأمر من الله وتوفيق ومنّة من الله ، ولذلك فإن وضع المناسبات أو الموضوعات التي من المهم أن يتم الاجتماع عليها، وتحديد هذه الأشياء التي من المهم أن يتم الاجتماع عليها هو أمر في غاية الأهمية، ثم إننا نلاحظ أن الحديث الذي فيه تنزل عليهم السكينة والرحمة وتغشاهم والملائكة أن الاجتماعات الأخوية إذا وجهت وجهة عبادية يحصل من وراء ذلك تآلف قلوب؛ لأن الرحمة والسكينة والملائكة، ماذا سيحدث بين القلوب إذا نزلت هذه الأشياء؟ سيحدث هناك تقارب وتآلف، وقوة في العلاقة، وتوحُّد في النفوس، لماذا؟ نتيجة التعاون على الطاعة، ولذلك فإن أهم شيء يحدث في الالتقاءات الأخوية التعاون على الطاعة، لا بد أن يكون هناك طاعة، إذاً الطاعة هذه قد تكون قراءة قرآن مدارسة علم حفظ حديث اشتراك في أمور في الدعوة إلى الله في عمل خير، في تنفيذ عمل خيري  للمساكين أو لغيرهم يتذكرون منة الله عليهم، ماذا كانوا من قبل جاهليتهم؟ وكيف أصبحوا؟ كما دلّ عليه حديث: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام.

خرج النبي ﷺ مرة على أصحابه في حلقة، ماذا كانوا يفعلون؟ ما هو موضوع الحلقة؟ في أي شيء كانوا يتكلمون؟ قالوا: "جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا فسألهم مستحلفا لهم:  آلله ما أجلسكم إلا ذاك ثم أخبرهم أنه لم يستحلفهم تهمة لهم لكن لأنه قبل قليل أتاه جبريل وقال:  إن الله تعالى يباهي بهم الملائكة  [رواه مسلم: 2701]. فيريد أن يعرف يباهي بهم الملائكة على ماذا؟ لأجل أي شيء؟ ما هو الشيء الذي فعلوه الذي أدى إلى أن الله يباهي بهم الملائكة؟ فقالوا له: إننا جلسنا، موضوع الاجتماع موضوع الحلقة الموضوع المطروح للنقاش: نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا؛ لأن هذا الموضوع يقوّي الإيمان ويثبّت الإنسان على طريق الهداية؛ لأنه يقارن نفسه بما كان وماذا صار عليه الآن، وهكذا فيذكر نعمة ربه عليه؛ لأن من أسباب انتكاس بعض الناس أنه لا يرى فرقاً كبيراً حصل، ولا يرى تغيراً واضحاً صار، ولا يرى نقلة، وقد لا يكون هناك نقلة حقيقية، لكن القضية شكلية، يمكن أعفى اللحية وقصّر الثوب، وصار يستخدم بعض الألفاظ الشرعية، لكن هناك تغير حقيقي في الداخل، قد لا يكون حصل ولهذا لا يثبت على الطريق طويلاً، لكن عندما يكون الإنسان عنده فقه وعنده تغير حقيقي في الداخل، هداية تؤدي إلى أنه يحمد الله على ما هداه إليه من الدين، وما من به عليه، والفرق الذي كان بين ماضي حياته بعد التحول الجديد وبعد التحول الجديد ماذا صار؟ هذه النقلة الحقيقية إذا صارت، موضوع تذكر نعمة الله فيها معناها أن الإنسان هذا فقِه فقهاً جعله يثبت على الطريق، والله يباهي الملائكة بأمثال هؤلاء، الإنسان ممكن أن يجالس، نحن نجالس يومياً كثيراً وقليلاً، وفي العمل وفي المدرسة، وفي الشارع، وناس أصحاب مع العلاقات وفي مكاتب عقارية وفي شركات ومؤسسات ومدارس وفصول دراسية وفي المطاعم مجالستنا، قليلة وكثيرة مما يحصل في أي موضوع من الموضوعات لكن عندما تكون المسألة تعال بنا نؤمن ساعة، يكون سبب المجلس هو قضية إيمانية، فإن هذه العلاقة غير تختلف تماماً، ولذلك فإنه لو أن فعلا أن هؤلاء الإخوة في الله كان هناك أشياء واضحة يجتمعون عليها من الطاعة والعبادة، وليست أموراً مغلفة بقضايا عامة أو عواطف مثلاً، أو التقاء نفسي، ونحو ذلك، لكان عملهم بناءً مثمراً ومنتجاً، ولذلك عندما يجتمع بعض الناس يكون فقيههم الذي يقول: يا جماعة أعطونا موضوعاً مفيداً واحداً، شايب عمره ثمانون سنة يجلس مع مجموعة يجتمعون في الحي أسبوعياً، يأتي قليلاً بحكم المرض وكبر السن، لكن إذا جاء ماذا عندهم؟ اجتماع في الحي كلام جوالات مشاكل شركة الاتصالات أشياء متعلقة بأوضاع الامتحانات غلاء المعيشة، فيقول: أنت يا فلان اقرأ علينا القرآن، افتح المصحف واقرأ علينا القرآن؛ لأن بعض الناس قد لا يحسن أن يلقي درساً لحظتها، ويقول: هذا يحتاج تحضير، مشكلة بعض الإخوان إذا التقوا كل واحد يظن أن طرح موضوع قضية صعبة، وحتى لو تنادوا إلى شيء مفيد سرعان ما يخرجون عن الإطار؛ لأنه ليس عندهم شيء محضر سابقاً فيقول كل واحد: هذه إذا أردنا أن يكون الاجتماع جاداً فلا بد من تحضير مسبق، وهذا الشايب حلهّا، قال: اقرأ علينا القرآن، هذا المصحف الذي فيه التفسير الميسر اللي مكتوب بالهامش بالمصحف هذا يحل لك الإشكال في مثل هذه الحالة؛ لأن قراءة القرآن مع ذكر ما هو موجود في هذا التفسير من المعنى مع شيء من الربط في الواقع والتدبُّر في الحال، يقود إلى ثمرة عظيمة في هذا الاجتماع، كان يمكن أن تذهب اللحظات والأوقات والساعات هباءً منثوراً، بل يكون هذا المجلس حُجّة على أصحابه وتِرة وحسرة يوم القيامة، فينقذهم الله بواحد ممن عنده شيء من الفقه، والفقه الذي تنقذه به الأوقات والأعمار والمجالس، هذا فقه عظيم وليس فقط الفقه استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ومعرفتها من أدلتها التفصيلية، هذا الفقه، الفقه الأكبر مخافة الله .

أثر الكلام الطيب في بقاء المودة بين الأخوة

00:43:58

ولنعلم بأن الصيانة لهذه الأخوة يجب أن تتم بطريقة متقنة إذن، وقد تحدثنا قبل قليل عن استهداف أعداء الإسلام لهذه الأوصاف الإيمانية والله قال:  وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ  [الإسراء: 53]

فإذا كانت هذه أوصافهم مستهدفة من إبليس، إبليس أخذ على نفسه العهد أن ينزغ بينهم، أن يوقع بعضهم، يوقع بهؤلاء ويجعل بعضهم يتنافر مع بعضهم، وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  فتتذكر أن من أعظم وسائل صيانة الأوساط الأخوية في الحقيقة الكلام الطيب، أحسن شيء لمواجهة نزغ الشيطان بالكلام الطيب، ومن أسوأ الأشياء إلى تؤدي إلى تدعيم دور الشيطان في تهديم الأشياء أو الأوساط الأخوية والعلاقات الأخوية هو الكلام السيئ ولذلك الله حكيم عليم خبير يعلم ما يصلح العباد وما يصلح الأخوة في الله قال: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ وكذلك فإن التنافس في الدنيا مما يؤدي إلى تدمير العلاقات الأخوية، والله تعالى قال لنبيه ﷺ  وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه: 131]. وكم من الإخوة من كان مطمئن النفس هادئ البال ناعم الحال راض ٍبما قسم الله له إذا به يدخل في معمعة التنافس في الدنيا، ويدخل معه بعض إخوانه ويقول: أقرب من أحب أن أشاركهم إخواني في الله، دخل مع واحد أو اثنين، بداية طيبة، كانت النفوس طيبة، لكن هذا مشغول بالشركة، وهذا مشغول بالشركة، وهذا قال: أنا أريد العمل، لا توجد اتفاقية واضحة، لا يوجد عقد شراكة مكتوب؛ لأن الجميع يقول: المال واحد والذي في جيبي في جيبك، عندما لا يكون هناك اتفاق واضح مكتوب، وتدخل الدنيا ويأتي الشيطان فيقول لهذا: أنت الآن في الشركة لا تدري صاحبك ماذا يفعل؟ قد يكون ينهب أموال الشركة أو المؤسسة التي عملتموها، انظر كم يأخذ راتباً لنفسه؟ كيف يأخذ هذا الراتب الكبير؟ ما هو العمل الذي يعمله؟ عمل قليل، ذاك الآخر اتفق معه على صفقة وتركاك أنت، هناك أشياء تدور في الخفاء، هذا يأخذ لنفسه من مال الشركة إذاً وهكذا فيدخل الشيطان في الموضوع وبعد فترة من الزمن يسب بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، تكون الأمور مخفية ثم تتفاقم القضية ثم تخرج الرائحة المنتنة للخلاف وتصل إلى إمام المسجد وإلى أشخاص آخرين، بحجة الإصلاح بينهم وعقد صلح شرعي، جلسوا لكن دون فائدة كل متمسك برأيه والاتهامات حاضرة، هذا يتهم هذا، وهذا يتهم هذا، أنت أخذت كذا، أنت كذا قصدك، مبنية على سوء الظن، مبنية على عدم الوضوح الذي كان في البداية عدم الكتابة، والله حثّ على الكتابة في الدين وإن كانت الأشياء معقدة أكثر من الدين معناها أولى بالكتابة الله قال: إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة: 282] مع أنه دَين، أخذ مال فقط،  تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى   أيضاً المدة محددة ومع ذلك قال: فَاكْتُبُوهُ فما بالك إذا كانت شركة وفيها أموال، وفيها استثمارات، وفيها مجالات معينة من الاستثمار، خسرت، أنت السبب، لا أنت السبب، أنت الذي باشرت لكن أنتم وافقتم، لكن أنت ما قلت لنا القصة كلها، وهكذا تطور الأمور يفشل مجلس الصلح الأول ومجلس الصلح الثاني وتنتهي العملية في المحكمة أو بعضهم يقرف من المشكلة ويترك ويمشي لكن بعد قطيعة تامة لا يمكن أن يلتقيا بعدها فإذن هذه مسألة الطمع في الدنيا كثيراً ما فرّقت، ولذلك صار بعضهم يقول: أدخل مع واحد غير متدين ولا أدخل مع صاحب لي حتى لا تفرق بيننا الدنيا، الصحابة تشاركوا، الصحابة كان لهم علاقات تجارية مع بعضهم البعض وأحياناً تحصل أشياء من الخلاف مثل ما حصل في قصة كعب بن مالك وابن أبي حدرد وجاءا وارتفعت أصواتهما لكن النفوس مهما كان الإيمان الذي فيها يحجزها عن أن تتمرّد وتتمادى إلى أن تصل إلى أشياء بعيدة عن الشرع تماماً، ولذلك كان كفاية أن النبي ﷺ يخرج ويكشف الستار ويسأل عن الأمر ويعرف أن المسألة خلاف في دين فيقول لذاك: ((ضع)) ويشير إليه بيده الشطر فيوافق على طلب النبي ﷺ ويقول للآخر: ((قم فاقضه)) [رواه البخاري: 457، ومسلم: 1558]. فيقوم ويأتي ويقضيه تنتهي العملية بمصالحةـ، كان سيحصل الخلاف؛ لأنهم بشر لكن سرعان ما ينتهي، نحن عندنا يحصل الخلاف لكن يطول جداً ولا ينتهي إلا بفراق وقطيعة ولذلك لا بد أن يكون هناك فعلاً تجرُّد من حظوظ النفس والدنيا حتى يمكن أن تستمر هذه الأعمال ولو كانت تجارية أو دنيوية، تستمر وتربح والله مع الشريكين، إذا خان أحدهما صاحبه خرج من بينهما، وتأييده يزول عنهما، وكذلك فإن البيع والشراء فيه بركة إذا حصل الصدق والتبيين، وإذا ما حصل الصدق والتبيين تزول البركة منها، يكون أحياناً السبب في تدمير العلاقات الأخوية المعاصي، وهذه ربما تحدث في سفر في فترة ابتعاد عن إخوانه، أحياناً يكون ساكناً معهم فيخرج إلى سكن انفرادي، يخرج في شقة مفروشة والشقق المفروشة معروف نوع الفساد الذي فيها وربما تستأجر الشقة بالساعة ليتفرج على أفلام سيئة جداً، هذه الأشياء التي يخرج إليها بعضهم في المعاصي أو ينفرد بنفسه بعيداً عن إخوانه في رؤية أشياء محرمة، لا بد أن تنكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا نكتة سوداء نكتت على نكتة أخرى على ثالثة وتجمعت أشياء من جراء تكرار المعصية، هو نفسه إذا عاد إلى إخوانه يجد نفسه غريباً بينهم، يجد أن الوسط هذا ليس وسطه، ليس أهلاً له، أنه إنسان غير منسجم مع هذا الوسط، وهذا الشعور متوقع من واحد ابتلي بمعاصٍ أو ابتعد عن إخوانه خفية بعض الليالي، لا يأتي بعض المناسبات لا يأتي وبدأ ينشغل بأشياء من المعاصي، طبيعي إذا رجع إليهم في إحدى المناسبات أن يحس في قرارة نفسه ولو كان جالساً معهم أن القضية غير متكافئة؛ لأن هؤلاء أطهار أنقياء أتقياء طلاب علم، وهذا يحس أنه إنسان كان قبل قليل في معصية وبعدما ينتهي الاجتماع الإيماني سيذهب إلى معصية فهو يحس إذن بنوع من الانقطاع والغربة أنه أجنبي عن هذا اللقاء وهذا الدرس وهذه الحلقة وماذا سيحدث بالتالي؟ رغبة في الابتعاد أحياناً، يشجع عليها تلبيس إبليس أنك تبتعد عن هؤلاء لئلا تكون سبباً في فشلهم في الدعوة وفرقتهم؛ لأنك لا تستحق أنك تكون معهم ولا تستحق أن تخالطهم مع أنه لو كان عند فقه لعلم أن شيئاً من الطاعة معهم ربما يكفر بعض المعاصي الكثيرة التي يفعلها، وأن بقاء علاقة وهمزة وصل معهم خير من قطعها والابتعاد عنهم؛ لأن الإنسان إذا خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً أحسن من الذي يخلط عملاً سيئاً وآخر سيئاً، الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم، لكن المشكلة أنك تجده يستدرجه الشيطان ويتطور به الأمر إلى ان يترك ويبتعد، وهكذا.

تلبيس الأخوة في الله بلباس المصلحة

00:54:20

ثم من الأشياء أيضاً المؤثرة في الأوساط الأخوية أو العلاقات الأخوية ألا تكون لوجه الله، ألا تكون مبنية بناء صالحاً فربما تكون القضية أخذت بقالب أخوي، لكنها في الحقيقة انجذاب شخصي، أو شكلي، أو طبعي، أو فسادي، أو عاطفي، ونحو ذلك، قضية استلطاف أو جذبه إليه حسن المنظر أو الهيئة ونحو ذلك.

لا تركنن إلى ذي منظرٍ حسنٍ فرب رائعة قد ساء مخبرها
ما كل أصفر دينارٌ لصفرته صفر العقارب أرداها وأنكرها

[أدب الدنيا والدين: 166].

أسوأ أنواع العقارب الأصفر فالله قال للنبي ﷺ: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ  [المنافقون: 4]. فلا يصح أن الإنسان يبقى مع المظهر فقط، ويكون هو الذي يجذبه وهو الذي يبني عليه العلاقات وهو المعيار الذي بناء عليه يختار الأصحاب، ومع الأسف انتشار الشهوات في المجتمع أدى إلى أن الناس يتطلبون الأشكال والصورة ويترك الجوهر والحقيقة، ولا شك أن هذا يمكن أن يؤدي إلى أنواع من الانحرافات والشذوذات، والأشياء الخطيرة جداً، والله عنده  كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ  [القصص: 88]. و  الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: 67]. ولا يحق عند الله إلا الحق ولا يصح إلا الصحيح، ولا يمكن أن ينجو إنسان يوم القيامة إلا بأمور حقيقية من المحبة في الله، وأن يكون على الدين حقيقة، وأن يكون إخوانه انتقاؤهم تم بناء على معايير شرعية من العبادة والخلق الحسن، والدين والعلم، ومخافة الله، وهكذا أياً كانت أشكالهم وصورهم وأياً كانت أموالهم أو مراتبهم الاجتماعية ونحن مع الأسف أحياناً تصفنا الطبقية الاجتماعية حتى في علاقاتنا فتجد هؤلاء مع بعض لأنهم من بلد معين، هؤلاء مع بعض لأنهم من قبيلة معينة، هؤلاء مع بعض لأنهم من أبناء التجار، هؤلاء مع بعضهم لأنهم أصحاب تخصصات عليا أو ما يسمون بالمثقفين حملة الشهادات، هؤلاء مع بعض لسبب لكذا، فأين واقع مجتمع النبي ﷺ كان هناك رومي وحبشي وعربي، كان فيه فقير وغني، وفيه حر وفيه عبد، وفيه صغير وكبير، والتجانس حاصل بالإيمان مع أنك لو نظرت إليهم من الناحية الدنيوية، مجتمع الصحابي من الناحية الدنيوية لوجدته مجتمعاً متنافراً تماماً، من الناحية الدنيوية متنافر تماماً لا هم أهل قبيلة واحدة هم نزّاع من القبائل ولا أصحاب طبقة معينة اجتماعية في الثراء أو في الفقر واحدة، لا، مختلفين تماماً، فأصول أجناس من الناحية المالية التجارية الأنساب الأحساب مختلفين تماماً حتى القدرات الذهنية يقول: هذا من أذكى الأذكياء، وهذا يقول: إذا بايعت فقل: لا خلابة؛ لأنه إنسان أصابه عارض في رأسه فصار يُخدع فقال: إذا بايعت ذكر الذي أمامك الذي تريد أن يشتري منك أو يبيعك أو يشتري منك لا خلابة لا خداع؛ لأنك تذكره بالعاهة التي فيك لكي لا يستغلها وينزل لك بالسعر أو يصعد لك بالسعر ويغبنك، أصحاب النبي ﷺ كان عندهم أشياء متفاوتة تماماً، إذا نظرت إليهم من الناحية الدنيوية هم متفاوتون تماماً ومع ذلك كانوا ناجحين جداً في العمل للدين وتبليغ الدين وخرجوا في الجيوش، حتى ينجح الصحابة -رضوان الله عليهم- رغم ما كانوا عليه من الاختلاف الكبير في المعركة، يخرج واحد صغير؛ معاذ ومعوّذ، يخرج غني، عبد الرحمن بن عوف يخرج فقير، يخرج عبد بلال، وسلمان كان عبداً لم يستطع الخروج، وفارسي، ولكن مع ذلك الأمور العسكرية التي تستلزم تجانس بين أفراد الجيش كانت متحققة، وهذا يقدم خبرته في حفر الخندق، وهؤلاء يتوزعون يعطي كل مجموعة مقداراً معيناً في الخندق يحفرونه، توزع المهمات على الأشخاص، فالمسألة ما الذي جعلهم متآلفين ومتجانسين؟ هذا الدين والإيمان الآن -مع الأسف- يوجد حتى في بعض الأوساط التي تنتسب إلى شيء من التدين من يصنفون أنفسهم بأننا نحن قبليون وهؤلاء غير قبليين ونحو ذلك من الأشياء من معايير الجاهلية والكلام الفارغ.

أثر المزاح في إفساد العلاقات الأخوية

01:00:04

أيها الإخوة، كثيراً ما يكون هناك سوء أدب يودي بالعلاقات الأخوية ويجعلها تتحطم تتوقف، أو ينزل مستوى الذي ينبغي أن تكون عليه، قد يكون السبب أحياناً اجتراء في المزاح، والمزاح مع الإخوان إلى حد معين مطلوب للتداخل لا شك لو كان ما في مزاح لربما صارت العلاقة فيها شيء من الجفاء، فيها جفوة، لكن المشكلة أن هذا المزاح أحياناً يتطور فيصبح ثقيلاً، قد يصبح بالأيدي، وقد يكون أحياناً بكلمات نابية، هذه الأشياء التي تكون ثقيلة أو باليد أو بكلمات نابية أو أشياء مؤذية، أو تجرح المشاعر، سببها: سوء فهم لقضية معينة، لو حللناها سنجد أن السبب سوء فهم لقضية معينة، هذه القضية هي رفع الكلفة، فأحياناً يقول: نحن إخوة ولا بد أن نرفع الكلفة بيننا ونبتعد عن الرسميات؛ نظرياً هذا كلام جيد، لأننا لو تعاملنا مع بعض كما يتعامل الموظف مع الرئيس، أو الطالب مع الدكتور، ستكون هناك أشياء فيها رسميات، أو يتعامل واحد مع الثاني كأنه تعرف عليه للوهلة الأولى، وعادة الناس يلتزمون ببعض قواعد الأدب في اللقاء الأول؛ لأن هناك شيء من الحشمة ويا ليتها أحياناً تستمر على اللقاء الأول لكن يقولون: الأخوة ما بينهم شيء رفع الكلفة، لا تكون هناك رسميات، ما هي النتيجة؟ لا تكون رسميات،لو انا ذهبت إليه ووجدت في ثلاجته طعاماً، وأذن لي أن أدخل بيته وأكلت وجاء هو وفرح كما قال ذاك الرجل من السلف قال: نعم، أحسنت، قال الله تعالى: أَوْ صَدِيقِكُمْ النور: 61]. كان مثالاً على أنه ما بيننا رسميات، أنا جئت الثلاجة وأكلت من طعامك، لكن عندما تتعدى القضية إلى إسراف في المزاح، يؤدي إلى قلة أدب باستعمال يد أو كلمات مهينة سيئة، ماذا يمكن أن يسمى ذلك؟ دائماً يقطع عليه الحديث، لا يصغ إليه، لا ينصت، يناديه بكنية أو اسم اخترعه له يكرهه بحجة المزاح، يكون سفيهاً معه، يكثر المعارضة، يكثر الجدال والمماراة، دائما الخلطة المستمرة مع كثرة الكلام مؤدي إلى المماراة، المماراة تقسي القلوب،  إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم  [رواه البخاري: 2457، ومسلم: 2668].  ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل  [رواه أحمد: 22164، والترمذي: 3253، والحاكم: 3674، وصححه الألباني في المشكاة: 180]. وكثيراً ما يكون بينهم عبارات استفزازية؛ أتحداك وأتحداك، هل العلاقة بين الأخوة مع بعضهم الغرض من علاقاتهم ووجودهم مع بعض هو قضية التحدي؟ أم ماذا؟ ما هو المفترض أن تكون العلاقة؟ إذن، عندما يقول: إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصحه، وإذا عطس فشمته، وحسن الخلق، وأحاسنكم أخلاقاً، والمؤمن يألف ويُؤلف، وإذا انقيد انقاد، ولينوا بأيدي إخوانكم، وقضية الصفح والعفو والتبسُّم، وأن تلق أخاك ووجه إليه منبسط، وتصافحه، والنبي ﷺ كان يقول: كيف حالكم؟ ويسأل عن الحال، وكذلك الملاطفة المناداة بالاسم الحسن، تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُم  [المجادلة: 11]. والفسحة في المجلس ما تأتي إلا بعد الفسحة في القلب، ومسألة إعطاء الأخوة حقها وإذا لقي أخاه يخبره أنه يحبه وغير ذلك من الأشياء التي تدل على وجود الأخوة الحقيقية فيما بينهم وأنهم كما أمر الله أهل الجنة إذا دخلوا الجنة إخواناً على سرر متقابلين وهناك بشاشة ولين، والله يحب الرفق في الأمر كله وكذلك التودد والأدب، معنى ذلك لا بد من حفظ الأدب مع الإخوة، والذين يظنون أن الأدب له نهاية في العلاقات الأخوية فناس مخطئون جداً نجد أحياناً مزحاً يجرح المشاعر، وقد يجعل الإنسان شيئاً من الطرفة في شخص أو بلد شخص هذا منها أو قبيلة هذا منها ما معنى ذلك؟ ومهما تحمله، التحمُّل له حدود، لكن إذا زادت القضية بعد مدة يطفح الإناء وتنتهي القضية إلى قطيعة.

شكر الله تعالى على نعمة الأخوة في الله

01:06:35

وكذلك فإن من الأشياء التي ينبغي على الإنسان أن يستحضرها باستمرار حتى تصان العلاقات الأخوية قضية المنّة، منّة الله تعالى عليه بأن رزقه إخواناً، وأن هناك يعيشون في أقطار من الأرض ليس لهم إخوة، بل يمكن يوجد في بلد ما فيها مسلمين أصلاً، فيعيش وحيداً فريداً غريباً يحس أنه كالأجرب وبقيت في خلف كجلد الأجرب، لا أحد يقترب منه ولا يقترب من أحد فعند ذلك إذا فكر بما كان بعض السلف يشعر به من طول الليل؛ لأنه يفصله عن لقاء الإخوان ويحس بالعناية من طول الليل، ما أطولها من ليلة حتى يلقى إخوانه في اليوم التالي هذا الشعور

ياليتني أحيا بقربهم فإذا فقدتهم انقضى عمري
فتكون داري بين دورهم ويكون بين قبورهم قبري

[الصداقة والصديق: 285].

هذه المشاعر أو الشعور بالنعمة، نعمة الله ولا شك أنها من أعظم ما يعيد للإنسان الحيوية في علاقته الأخوية مع إخوانه في الله وصحيح أحياناً أن تنائي الديار يكون أمراً مفروضاً على الإنسان فيكون في بلد مع إخوة في الله، ثم ينتقل لوظيفة أو ينتقل لدراسة، لو كانت الأخوة صادقة فإن العلاقة ستستمر، ولما علم الله ما في هذا الزمان من أسباب البعد عوّضنا بوسائل الاتصال لم تكن من قبل، التوسع العمراني في بعض المدن ممكن يؤدي بالإنسان لا يرى أخاه فترة طويلة من الزمن، لكن يوجد الآن من وسائل الاتصال، الهاتف والإيميل، وأشياء كثيرة، لما صار الابتعاد بفعل الحياة والمدنية والتطور العمراني والوظيفي والمعيشي عوّضنا الله بوسائل للاتصال، في السابق يمكن يذهب شهراً، إن شخصاً زار أخاً له في قرية، سافر إليه، الآن ممكن يسافر، يشغل السيارة، يصل بعد ساعتين ثلاثة أربعة مدة قريبة بالطائرة، وسائل الاتصالات موجودة لكن الانشغال أحياناً ليس فقط شغل الوقت لكن شغل القلب أحياناً يمكن يجد خمس دقائق يتكلم فيها مع أخيه، لكن قلبه مشغول فلم يتذكر أخاه وهذه هي المشكلة، ليست مشكلة أكثر الناس اليوم شغل الوقت بقدر ما مشكلتهم شغل القلب، أن قلوبهم مشغولة بالدنيويات والماديات والهموم، شغلتهم عن تذكر إخوانهم، هذا قضيت معه خمس سنوات في جامعة، هذا قضيت معه ثلاث سنوات في مكتبة مسجد، كنت أنت وإياه تحفظ القرآن، كنت جاراً له في الحي عشر سنين، وذاك ابن قريتك الذي تركت القرية أنت للمجيء للعمل في بلد آخر، ما عندك الآن عشر دقائق تكتب رسالة تودعها في صندوق البريد؟ أو ترسل بريد إلكتروني بثوان، أو ترفع السماعة؟ في الحقيقة انشغل كل واحد بنفسه وكثرت الهموم والانشغالات في أودية الدنيا، لكن انشغال القلب في الحقيقة هو الذي صرف وليس قلة الوقت التي يدعيها بعض الناس، يقول: لا يوجد وقت، في الحقيقة هناك وقت ما وصلنا إلى حال أن أوقاتنا اتخمت بالعبادات والطاعات وما صار هناك وقت أن الإنسان يلتفت لإخوانه، كلا، ولذلك هناك أحياناً شعور من البعد، الإمام أحمد -رحمه الله- علم أبا عبيد فائدة أن بعض من يلقاهم في السنة مرة أحب إليه ممن يلقاهم كل يوم، ذاك قد لا يراه إلا في الحج لا يراه إلا في السفر يراه مرة، ولكن يقول: أبوك من الذين أدعو لهم في السحر كل يوم في السحر من الستة الذين أدعو لهم في السَّحر، الشافعي مات لكن الإمام أحمد ما نسيه، ومسألة الزيارة في الله تقدّم ذكرها وفضلها عظيم؛ لأنها تقوّي الأواصر، وهي أعظم اتصال بين الإخوة، الآن هناك اتصال بالرسالة، واتصال بالبريد الإلكتروني، واتصال بالهاتف، وسائل الاتصالات كثيرة، لكن الزيارة في الله هي مشي الرجلين أن تمشي إليه برجليك هذا أعظم طريقة لصلة الإخوان في الله  طبتَ وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزل  [رواه أحمد: 8536، والترمذي: 2008، وابن ماجه: 1443، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 6387]. وآثار هذه تحتسب في سبيل الله والآثار تكتب  إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس: 12].

جاء الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- إلى الحج في إحدى السنوات، والشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في بيته، فسمع كلاهما بقدوم الآخر إلى نفس المكان، فقال الشيخ عبد العزيز بن باز لمن معه: من منكم يعرف المنزل الذي نزل فيه الشيخ ناصر الألباني؟ فقال أحدهم: أنا أعرفه، فقال الشيخ: نتهيأ إذن لزيارته في الوقت الفلاني فاتصل واحد من الذين عرفوا القصة بالشيخ الألباني يقول: إن الشيخ عبد العزيز بن باز يريد أن يزورك، هؤلاء أهل السنة والحديث لقاءاتهم شأن آخر عبادات بعضها بمعان لا يخطر بأي بال، فمن السنة والذي جرى عليه عمل السلف تزاور أهل السنة والحديث، ويمشي بعضهم إلى بعض، وأن مشي بعضهم إلى بعض عبادة، فقال الشيخ ناصر لما علم أن الشيخ عبد العزيز يريد أن يزوره: بل انا أذهب إليه، فقال الآخر: الشيخ يزعل، قال: أنا الذي سأذهب فخرج الشيخ ناصر إلى بيت الشيخ عبد العزيز، وكان الشيخ عبد العزيز في المجلس يتأهب للخروج لزيارة الشيخ ناصر، فلما قيل له: الشيخ ناصر بالباب قال المتحدِّث: فرأيت الشيخ عبد العزيز قد تهلل وجهه وسُر سروراً عظيماً بهذا الخبر؛ أن الشيخ قد أتاه، وقام ليرحِّب به ويستقبله، وفي ذات الوقت أمسك بالآخر وغضب عليه، وقال: أنا قلت لكم أنا الذي أريد أن أزور الشيخ، من الذي أخبره؟ وكيف صار؟ وكيف أتى هو وأنا كنت الذي أريد أن أذهب؟ قالوا: يا شيخ هو الذي علم وهو الذي أصرّ، فقام إليه فاستقبله وأدخله وأجلسه وتكلما ما شاء الله أن يتكلما، ويأتي أناس يستفتون الشيخ عبد العزيز والشيخ ناصر جالس وطرحت مسائل وقال الشيخ عبد العزيز للشيخ ناصر وهذا من الود والكلام الطيب الذي كنا نتحدث عنه قضية الكلام الطيب الذي يعزز العلاقات الأخوية قال له: لقد أفدتنا كثيراً بكتابك إرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل وأفدتنا فيه، ونحن نشرح الكتاب وكل ما صححه الألباني أخذنا به فتحدثا ما شاء الله، ثم أراد الشيخ ناصر أن يستأذن ليذهب فقال: يا شيخ عبد العزيز أوصني، وطلب الوصية أيضاً لا شك فيه أيضاً تواضع، هنا عالمان كبيران في مجلس، قال: أوصني، فالشيخ عبد العزيز تكلم؛ حمد الله وأثنى عليه، أوصيك ونفسي بتقوى الله، وذكر أشياء فانتهى من الكلام، فأراد الشيخ ناصر أن يقوم فأمسك الشيخ عبد العزيز بن باز بيده بقوة منعه من القيام حتى استغرب الحاضرون فالتفت الشيخ ناصر ينظر ماذا يريد فقال الشيخ عبد العزيز: أوصني أنت، فحمد الله الشيخ ناصر وأثنى عليه، وأوصيك ونفسي بتقوى الله، واتباع السنة والدليل، وتكلم ما شاء الله وافترقا.

والشاهد أن الزيارة في الله والمجالسة بالعلم والتواصي بالحق والصبر، هذه ميزة الزيارات الأخوية وهنا تعرف أن العلاقة بينهما علاقة أخوية في الله قوية ومتينة مبناها على العلم وبحثت قضايا في ذلك المجلس، وجاء سؤال حصل هناك نقاش، قالوا: يا شيخ عبد العزيز هنا مندوب شركة الراجحي، أو شركة هدْي التي تجمع الهدْي من الحجاج يقولون: الآن أضرب العمال عن العمل لسبب وطلع وقت الذبح وبقي هدي ما ذبحناه، ماذا نفعل به؟ وهذه مسألة الآن معقدة، الآن انتهى وقت الذبح، بعد مغرب يوم الثالث عشر انتهى وقت الذبح، والعمال أضربوا وامتنعوا عن مواصلة العمل وبقيت أشياء، وحصل نقاش علمي في ذلك المكان، يا ليتنا كنا معهم فنفوز فوزاً عظيماً.

الشاهد من هذا كله: أن الحرص على اللقاء للفائدة والتعبُّد بالزيارة في الله ابتغاء الأجر فيها يؤدي إلى ارتفاع عظيم في الدرجة والمستوى الإيماني للإنسان ويخرج فعلاً وقد ازداد خيراً.

ضرورة التواضع بين الإخوة في الله

01:20:05

وكذلك فإن من الأمور المهمة لصيانة الأخوة في الله أن يكون هناك تواضع وهذا من الأشياء التي إذا فُقِدت يكون التعالي بديلاً، ويحل بدلاً من العلاقة الأخوية أشياء من الفظاظة والفظاعة والتشهير والنصح في الملأ والتعيير ونظر إلى السلبيات وترك النظر إلى الإيجابيات، وترك الاعتذار، الإنسان إذا ما كان متواضعاً لا يعتذر، لا يعتذر إلا المتواضع وإلا فكل واحد يركب رأسه ويمشي، هذه من الأمور التي لا شك أنها تحطّم العلاقات الأخوية تحطيماً كبيراً جداً.

موضوعنا هذا يطول، ولكن النبي ﷺ أخبرنا قال:  لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً  [رواه البخاري: 6064، ومسلم: 2558]. فإذن، تجسس الأخ على أخيه لا يجوز والتحسس بمعنى التجسس هنا لأنه منهي عنه وقد يكون في الخير له وجوه أخرى مباحة ليس هذا موضعها، والتحاسد تمني زوال النعمة قد يكون له مستوى دراسي أعلى أو مستوى وظيفي أعلى، فيقع الحسد يتمنى أن تزول عنه النعمة، لا تدابروا، الإعراض ترك السلام، القطيعة، ((ولا تباغضوا)) لا تتعاطوا أسباب البغض قالوا وكونوا عباد الله إخواناً.

وهذه الأشياء التي علمنا إياها النبي ﷺ لا بد من المحافظة عليها حتى نصون هذه العلاقات وتكون فعلاً أخوتنا في الله أخوة قوية مبنية على تقوى الله سبحانه؛ خصوصاً أن هذا الزمان الذي نعيش فيه الآن إذا ما  اهتمينا بالأخوة وبالأوساط الإيمانية التي نعيش فيها نضيع وتحل بنا الكوارث.

نسأل الله أن يجعلنا في سبيله إخوة متحابين، وأن يجعلنا فيه متباذلين ومتجالسين، وأن يرزقنا جميعاً الفوز بجنات النعيم.