الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الصراع مع الشيطان


عناصر المادة
العداوة الأزلية بين بني آدم والشيطان
موقف إبليس يوم عرفة
تزيين الكفر والفسوق والعصيان لبني آدم
إبليس وفتنة النساء
تحريش إبليس بين أهل التوحيد
ضلال الشيطان بتنحية شريعة الله
مدحل الشيطان على المتصدقين
دور الشيطان في تفكيك الأسرة المسلمة
الوسائل والسبل التي يُتغلّب بها على الشيطان
تشكل إبليس على صور بعض الحيوانات
أماكن وهيئات يحضرها الشيطان
تمثّل الشيطان على بعض الهيئات
بعض مداخل الشيطان على الصالحين

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا، وخلق الجن والإنس ، واقتضت حكمته أن يخلق هذا العدو اللعين؛ إبليس الشيطان الغرور العدو المبين، هذا العدو الذي لا نراه وهو يرانا، إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ  [الأعراف: 27], وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ  [الحجر: 27]، ومن طرف اللهب، ومن مارج من نار كان خَلْقُ ذلك العدو، إنه عدونا إلى قيام الساعة، إنه جدير بأن يُحذر منه ويُنتبه من شره، ذكره الله في كتابه نحوًا من ثلاث وثمانين مرة، إنه أبو الشر ومصدره وأسلوب المؤامرات، إنه الغرور الذي يغر الناس، هذه العداوة التي كانت بيننا وبينه منذ أن خلق الله أبانا آدم .

العداوة الأزلية بين بني آدم والشيطان

00:01:34

ولما صوّر الله آدم في الجنة وتركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو؟ فلما رآه أجوف علم أنه خلق لا يتمالك، يعني أنه أجوف له جوف، طاف إبليس متأملاً في هذا المخلوق، في أبينا قبل أن تُنفخ الروح فيه علم أنه خلقٌ لا يتمالك، وأنه يهلك ويموت، وأنه تجري عليه الحوادث وتصيبه الآفات، وكان الحسد أول معصية عُصي الله ﷺ بها، مع ذلك القياس الفاسد، أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ  [الأعراف: 12] الكبر  خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ  [الأعراف: 12] ورفض السجود، وأخذ العهد على نفسه أن يغوي هذه الذرية،  فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ  [الأعراف: 16- 17] لم ير أبانا شيئا قال: أأسجدت لما خلقت طيناً، وقال الله له: اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا  وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ [الإسراء: 63- 64] أخذها من الحرام، إنفاقها في الحرام، والأولاد يهودانه ينصرانه يمجسانه، يئدان البنت، يجامع زوجته بدون أن يذكر اسم الله وشاركهم في الأولاد، وهكذا كان ذلك العدو المبين محاولًا أن يشاركنا بكيده وعداوته في كل شيء، ولتجعل له أجزاء من هذه الأموال ومن هؤلاء الأولاد وهكذا يكون تسلطه عليهم، لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 62]، وعدهم، وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا  [النساء: 120]، لكن الله استثنى أصفياء إلا عباده سبحانه، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ  [الحجر: 42].

إنه يريد أن يشاركنا في أموالنا وحتى في طعامنا، إن الشيطان يستحلّ الطعام ألا يُذكر اسم الله عليه، وإذا دخل العبد بيته فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت [رواه مسلم: 2018] فراش للرجل، وفراش لامرأته، وفراش للضيف والرابع للشيطان  [رواه مسلم: 2084]. ففي كل مكان في البيت لا يُستعمل، إنما جعل أشرًا وبطرًا ومفاخرة يستعمله الشيطان.

وأيضاً، فإن هذا العدو المبين حلف بعزة الله، وعرف هذه الصفة العظيمة، فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ  [ص: 82].

وهكذا حذرنا الله منه، أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ [يس: 60] وأمرنا باتخاذه عدواً والحذر منه،  إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا  [فاطر: 6]. فيجب أن نكرهه، فكيف بمن ظهر في هذا الزمن يعبد الشيطان؟!

لقد حُذّر الأبوين،  أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأعراف: 22].

وحُذِّرنا نحن، يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا  [الأعراف: 27]. كشف العورات، مؤامرة إبليس منذ الزمن المبكِّر، وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ  [البقرة: 168]، لا شرك ولا بدعة ولا كبيرة ولا صغيرة، وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة: 168]، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ  [البقرة: 169]. إياك أن تفتي بغير علم.

قال إبراهيم محذرًا أباه: يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا [مريم: 44]،  أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ  [الكهف: 50] فكيف نصادق إبليس وأعوان إبليس؟ إنه الذي يجلس للإنسان المسلم إذا أراد التديُّن والالتزام بالإسلام وإذا أراد عمل الصالحات ليحسبه عنها كما جاء في الحديث الصحيح: إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرُقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تُسْلِم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟ فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: تُهاجر وتدع أرضك وسماءك؟ فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تجاهد فتقاتل فتُقتل فتنكح المرأة ويُقسم المال؟ فعصاه فجاهد، فقال رسول الله ﷺ: فمن فعل ذلك كان حقًا على الله  -عز وجل- أن يدخله الجنة  [رواه النسائي في الصغرى: 3134، وابن حبان: 4593، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 1652]  

هذه العداوة يجب أن تتأصل في نفوسنا.

والذي يقول اليوم: نريد عالماً بلا عداوات، نريد نفوسنا ليس فيها شعور بالبغض لأحد، إنه من أعوان إبليس؛ لأن العداوة خط لأهل الإيمان، لا يمكن أن يتركوه، عداوة إبليس وأولياء إبليس، طاقة الكُره والبغض موجودة، إنها من أُسس الإيمان، إن هذا التسلط والإيذاء من هذا العدو يبدأ من البداية، من بداية بذرة الولد؛ يجامع معه زوجته إذا لم يذكر اسم الله، فإذا ولد الولد طعنه في خاصرته، كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بأصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب [رواه البخاري: 3286]. جاءت في المشيمة، إذن سلِم؛ لأن تلك المرأة الصالحة قالت:  وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ  [آل عمران: 36]، قال ﷺ: صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان  [رواه مسلم: 2367].

وتستمر هذه العداوة طيلة الحياة مشاركة في كل شيء، بل إنه يحضر ابن آدم في كل شيء، إن الشيطان يحضر ابن آدم في أمره كله، في كل شيء يحضر فيه الشيطان ليحاول أن ينال منك، حتى ساعة الاحتضار وهو يريد أن يتسلّط في تلك اللحظة مانعاً من النطق بالشهادتين، مشغلاً، وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ  [المؤمنون: 97 - 98]. والاستعاذة من أن يتخبطه الشيطان عند الموت، إشغال عن العبادات، رجل نام ليلة حتى أصبح، قال:  ذاك رجل بال الشيطان في أذنه [رواه البخاري: 1144]. قيل: قيام الليل، وقيل: صلاة الفجر، ويدل على ذلك رواية:  نام عن الفريضة [رواه ابن حبان: 2562، وصححه الألباني في التعليقات الحسان: 2553]. 

ما زال نائماً حتى أصبح، حتى طلعت الشمس، نام عن الفريضة، بال الشيطان في أذنيه.

أله بول؟ نعم له بول، قال الحسن -رحمه الله تعالى-: "ما أثقل بول إبليس، إن بوله والله لثقيل، ويستخف بهم ويشغلهم عن الطاعات، ويحول بينهم وبين العبادات، ويثبّطهم عن أنواع الحسنات، إنهم لا يريدهم أن يعبدوا ربهم".

ومن عداوته أنه يورد الإنسان المهالك، ثم يتبرأ منه، وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: 48]. غرّ الكفار وخدعهم، وقال: لَا غَالِبَ لَكُمُ  و: إِنِّي جَارٌ لَكُمْ  ، فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ  في بدر، ولما رأى الملائكة تولى هرب، قال حسان:

سرنا وساروا إلى بدرٍ لحينهم لو يعلمون يقين الأمر ما ساروا

[عيون الأثر: 1/286].

جاء يوم بدر في جند من الشياطين تمثّل بصورة، لكن النبي ﷺ لما قبض القبضة من تراب فرمى بها وجوه المشركين ولّى مدبراً، يقول: إني أخاف الله، وكذب عدو الله، لو كان يخاف الله ما غرّهم ذلك الغرور وعلم أنه لا قوة له ولا منعة.

موقف إبليس يوم عرفة

00:11:58

وأما في عرفة فإنه يكون صغيرًا ذليلًا حقيرًا، وأما عندما يحضر أولياء الله، وعندما تأتي الملائكة تهرب الشياطين، عندما هرب الشيطان، إذا أذّن المؤذن ونادى ولّى الشيطان وله حصاص، وله ضراط حتى لا يسمع صوت التأذين  [رواه البخاري: 608، ومسلم: 389]. هرباً، وحضور الملائكة يهرب، وعند حضور أولياء الله يهرب، هرب لما أذن المؤذن إلى الروحاء، ستة وثلاثون ميلاً عن المدينة، عندما هرب الشيطان إلى الروحاء، خارج البلد، بعيداً، ثم إذا انتهى الأذان يرجع ليوسوس بين الإنسان وبين صلاته، يخرّب الخشوع عليه، وعند الإقامة يهرب ليحضر عند تكبيرة الإحرام، ليفسد الخشوع، وعندما رأى عمر هرب، فرِقت الشياطين من عمر، وصارع عمر ذلك الجني فصرعه، كما سيأتي في القصة. كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [الحشر: 16]. مثل يهود بني قينقاع مع المنافقين، مثل هؤلاء في اغترارهم بالمنافقين، واغترار المنافقين بهم، وهم يعدون بعضهم بعضاً  وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ [الحشر: 11]، فلما حقّت الحقائق وجاء جنود الله ولّت شياطين الإنس وشياطين الجن، هرب الشيطان عندما جاء جنود الله هرب الشيطان وهرب أولياؤه وراءه، وهكذا يتبرأ منهم.

بالإضافة لما يكون يوم القيامة من التبرؤ الكبير، وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي كل الأمر وما فيه أنها كانت دعوة ونداء مني، فأنتم سمعتم ندائي واتبعتم دعوتي، هذا كل ما في الأمر، والآن حصحص الحق، وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ  لن تنفعوني اليوم، ولن أنفعكم، قال: إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  [إبراهيم: 22].

وهكذا يفعل - لعنه الله - في ذلك الموقف ويقوم خطيباً بالناس بالثقلين ليزيد أهل الضلال حزناً إلى حزنهم وحسرة إلى حسرتهم، ويكون معهم في نار جهنم، يلعن بعضهم بعضاً ويتبرأ بعضهم من بعض.

يشغلنا عن صلاتنا، إذا صلّى أحدكم إلى سُترة فليدنُ منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته [رواه أحمد: 16090، وأبو دود: 695، وصححه الألباني في المشكاة: 782]. لماذا؟ لكي لا يخطر بينه وبين القبلة، فإذن، هو يريد منا أن ننشغل عن العبادات، وألا نأتي بالسنن فيها، يريد منا أن نتناول المحرمات، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المائدة: 91]. يريد إيقاع الخلافات بيننا والعداوات، إن الشيطان ينزغ بينهم، يريد أن يحزننا ويلقي في قلوبنا الكآبة، إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ  [المجادلة: 10] إنه يريد أن يقذف في قلوبنا الأباطيل، على رسْلكما إنما هي صفية بنت حيي 

قالا: سبحان الله يا رسول الله؟ قال: إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيتُ أن يُقذف في قلوبكما شيئاً  [رواه البخاري: 2035]، وهكذا يلقي سوء الظن ولا يزال يغير بوساوسه علينا.

أخبرنا النبي ﷺ عن طرائقه وحيله وأساليبه، يأتي أحدنا فيقول: من خلق كذا؟ فيقول: الله، من خلق السماوات؟ فيقول: الله، من خلق الأرض؟ فيقول: الله، من خلق الله؟ فمن وجد ذلك فلينته فليستعذ بالله [رواه البخاري: 3276، ومسلم: 132]. يقرأ قل هو الله أحد، إذا كانت المسألة وسوسة فقط هانت.

ولذلك لما اشتكوا إليه قال: الحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة [رواه أحمد: 2097، وأبو داود: 5112 وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: 5112].

إذا صار حد الشيطان منك فقط، هذه الوساوس التي يبعثرها في ذهنك بأشكال قبيحة وخواطر رديئة عن الله وملائكته واليوم الآخر وتشكيكات، فتسأل أنت سؤالًا واحداً: هل أنت كاره لهذا الوسواس أم لا؟

فإن قلت: إي والله إني كاره، إي والله إني أموت أحسن من أني أقول هذا الوسواس وأتلفظ بها، إذن، وجدتها وجد الإيمان، ذاك صريح الإيمان  كما أخبر النبي ﷺ أصحابه لما سألوه: "إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به" قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: "نعم"، قال: ذاك صريح الإيمان [رواه البخاري: 3276، ومسلم: 132]. محض الإيمان، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة  [رواه أحمد: 2097، وأبو داود: 5112 وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: 5112].

الحمد لله أن شره اقتصر على مجرد وسوسة أنت تكرهها وتمقتها وتبغضها ولا تستطيع أن تتكلم بما يلقيه في نفسك.

لا تترك للشيطان شيئاً ولا لقمة، إنه يكيد لك في كل شيء حتى في الطعام، حتى اللقمة، إذا وقعت إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فيمط ما كان بها من أذى، ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليعلق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة  [رواه مسلم: 2033]. حتى اللقمة لا ندعها للشيطان؟ نعم، حتى لقمة واحدة لا ندعها للشيطان، ليمط ما رابه منها  أي وسخ علق بها قذى أذى، وليأكل البقية، إنه يحضرهم عند البيع حتى المعاملات الدنيوية.

روى أبو داود والترمذي عن قيس بن أبي غرزة: "خرج علينا رسول الله ﷺ ونحن نُسمّى السماسرة، فسمّانا باسم هو أحسن منه فقال: يا معشر التجار، إن البيع يحضره الكذب واللغو والحلف والشيطان والإثم فشوبوه بالصدقة  [رواه أحمد: 16135، وأبو داود: 3326، وصححه الألباني في المشكاة: 2798].  

هكذا إذن، اخلطوا المعاملات التجارية بالصدقة؛ لأن الشيطان يحضرها، إنه يركز على كل شيء وعلى المرأة تحديداً، يا دعاة الاختلاط، ويلكم من عذاب الله، يا أيها الذين تريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ويلكم من عذاب الله، لقد سرتم في ركاب إبليس وسرتم في طريق إبليس، لقد صرتم من أعوانه وجنوده، لماذا؟  إن المرأة إذا خرجت فإذا خرجت استشرفها الشيطان  [رواه الترمذي: 1173، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 3109].

كما جاء في الحديث الصحيح، يزيّنها في أعين الناظرين، يغري الرجال بأن يرفعوا أبصارهم إليها، يجعل المرأة الأجنبية أجمل في عينيه من زوجته، وربما تكون زوجته أجمل منها أضعافاً مضاعفة، لكن هكذا يغريه بها، ما أيس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء، قال سعيد بن المسيب: "ما أخوف شيء عندي من النساء" [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 5/2056]، حتى الفأرة، يدل الفُويسقة على فتيلة المصباح، فتسحبه فينزل ملتهباً، فيحرق على أهل البيت بيتهم، من الذي دلّ الفأرة عليه؟ إبليس.

وعن ابن عباس قال: "جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله ﷺ على الخمرة التي كان قاعداً عليها، فأحرقت منها مثل موضع الدرهم، فقال: إذا نمت فاطفؤوا سرجكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم [رواه أبو داود: 5247، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 816].

أي نوع من الأذى يمكن إلحاقه بالإنسان، يلحقه صرع وسوسة، يتخبطه تخبطاً إذا استطاع، الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ولذلك يدخل هؤلاء الشيطان بأبدان المصروعين، فيقومون ويقعدونهم ويرمونهم ويقيمونهم ويصيحون بهم وفيهم، وعلى ألسنتهم يتكلمون، ولا شك في ذلك، وهذا الصراع ثابت في النصوص وعند أهل السنة والجماعة، لا ينكره إلا مكابر أو جاهل، أو متأثر بالعلوم الدنيوية أكثر من العلوم الدينية، وهذا النخس والجريان مجرى الدم والمشاركة في الأطعمة والبول في الأذُن، ويعقد على ناصية رأس أحدنا يزيَّن لنا  عليك ليل طويل فارقُد  [رواه البخاري: 1142].

وهكذا من أنواع الكيد والإيذاء والتسويل والتزيين والإغواء والإغراء حتى عبدوه في هذا الزمان، ألم يأتك نبأ قسم عبدة الشياطين، يا أيها الشيطان، يا سيدي وربي، اعترف بك على أنك إلهي أيها الكاهن الأعظم، وأعدك بالخدمة والطاعة الكاملة، طالما حييت وانا أرفض وأنكر الإله الآخر، أعدك بالقيام بكل ما هو شر، وأن أجر معي رفاقي وزملائي إلى طريق الشر، وإذا توقفت ليوم واحد عن عبادتك وتكريمك جسداً وروحاً عندها سأهبك حياتي على مذبح الموت، موسيقى صاخبة، دم، اختلاط، وتعرّي لتكون الرقصات على تلك النيران، عبادة الشيطان، انفتاح إعلامي رهيب ونشر للإباحية، وإثارة للغرائز، وتوسعة الفكر الهابط، كل ذلك ليولد في النهاية ما يسمى بالحريات، إطلاق الحريات، ماذا قال رؤساء الغرب؟ إطلاق الحريات، ماذا يريدون من الدول العربية والإسلامية؟ إطلاق الحريات، لماذا؟ ما وراء هذه الدعوة؟ إطلاق الحريات، لا يبقى هنالك شيء مقدّس، أنت حر، تكفر كما تشاء، أنت حُر تعبد أو لا تعبد، تديَّن بما شئت، حريات، تفعل المرأة في نفسها ما شاءت بالحلال بالحرام، بالمعروف، بالسوء، تفعل ما شاءت إطلاق الحريات.

تزيين الكفر والفسوق والعصيان لبني آدم

00:25:36

إن قضية التزيين من أخطر الأشياء التي يقوم بها إبليس، يزين، قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: 39]، يجعل القبيح جميلاً في أعين أوليائه وأتباعه، تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل: 63]، زين لهم الكفر والفسوق والعصيان، وكره إليهم الإيمان والطاعة والذكر، وهكذا صار أولياؤه يسيرون وراءه، هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا  [الكهف: 103- 104]. وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [فصلت: 25] ماذا فعل إبليس مع أبينا؟ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ  [طه: 120]. مع أنها شجرة نهي عنها يعلم يقينا أن الأكل منها معصية، لكن زينها له أغراه بها، يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَ  [طه: 120] وهكذا يزين لهم الزينة اليوم واللواط الفاحشة والخمر والمخدرات، يزين لهم مجالس الأشرار وكلام الشر، ويكون بين الإنسان وبين نفسه يخطر ويثبّطه عن العمل وعن الطاعات والصالحات، ويظهر بمظهر الناصح المشكلة،  وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 21] يحلف لهما بالله العظيم ويقسم أنه ناصح، إنه يتدرج في الإضلال، إنه ينسي العبد خيره وصلاحه، وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ [طه: 115]،  فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ [الكهف: 63]، فالشيطان ينسي العبد العلم، وينسيه الذكرى، وينسيه مصلحته، وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ  إِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ   لا تقل نسيت آية كذا ، بل أنت نُسّيت، أُنْسيت. [رواه مسلم: 790]. تلك الآية، اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّ  [المجادلة: 19] أشغلهم عن ذكر الله، ولذلك فإن معرفة المجاري التي يجري فيها والطرق التي يسلكها للإضلال في غاية الأهمية، لا بد من المعرفة، إن هذا الموضوع جدير بالتركيز عليه جداً، لو تأملت آيات القرآن كم آية فيها ذكر إبليس؟ كم آية فيها ذكر الشيطان؟ كم آية تعرضت لهذا الموضوع؟ معنى ذلك: أن هذا موضوع مهم جداً، يجب أن يُطرق ويُركز عليه ويؤكد عليه؛ لأنها المعركة الكبيرة الضخمة جداً في حياتنا التي يغفل الناس فيها عن عدوهم الأول، يلقي إليهم بالشبهات والشكوك والوسواس، ولهذا شرع الله لنا المعوذات والالتجاء إليه، هناك عدو إنسي تراه بعينك فتتقي شره، وعدو جني خفي لا تراه، فكيف تفعل بهذه المعوذات؟ بهذه الأذكار؟ لأنه خنّاس، يخنس يرجع ويختفي، يرجع ويختفي، هذا هو الخناس.

وكذلك فإن من شأنه السحر،  وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة: 102].

إبليس وفتنة النساء

00:29:47

وأيضًا يدخل على الناس من نقاط ضعفهم، نقطة ضعفك، شهوة؛ شهوة نساء، شهوة مال، شهوة منصب، عُجْب، رياء، مفاخرة، كبر، حسد، يدخل عليك من نقطة ضعفك، يزهدّك في الأعمال الصالحة، وإذا أردت أن تقوم بالعمل الصالح قال: أنت مراء، وإذا قمت به قال: لا يقبل الله منك، وهكذا لا يزال مثبطاً عن الخير، عليك ليل طويل فارقد، سوف، من جند إبليس وحبائله كثيرة، يجعلنا حريصين على الدنيا نشح بالخير يحرش بيننا، ما الفقر أخشى عليكم، إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب [رواه مسلم: 2812].

تحريش إبليس بين أهل التوحيد

00:30:47

وقت الصحابة لما استتبّ الإسلام في الجزيرة، يئس الشيطان أن يعبد في جزيرة العرب في ذلك الوقت، ماذا بقي له ؟ قال ﷺ لأصحابه في آخر حياته: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم [رواه مسلم: 2812]. بقي إثارة النعرات، إثارة الأحقاد والعداوات فيما بين المؤمنين، وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء: 53]. ولكن إبليس مع الأسف جاءت عليه سنون في جزيرة العرب ورآهم قد عبدوه، وجاء المجددون فأزالوا ذلك الشرك، ولكنه سيرجع مرة أخرى، ومن مكائد عدو الله ومصايده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين، سماع المكاء والتصدية والغناء بالآت المحرمة، بل لدرجة أن بعض المنحرفين عندهم حلقات ذكر، فيها دف ونغمة شادن ومردان وشرك، قصائد وألحان، ويعتبرونه قُربة إلى الله، ولما جاء أحد الصوفية إلى أحد الملوك وقال: بدلاً من اللهو الذي أنت عليه، خذ الذكر الذي عندنا، قال: وما هو الذكر الذي عندكم؟ فأتاه ببعض شباب الفرقة الصوفية، يضربون ويغنون ويلحنون هذه القصائد ويُطربون، فقال الملك للشيخ المزعوم: إذا كانت هذه يا شيخ طريق الجنة، فأين طريق النار؟

وكذلك لما أُتي بواحد من هؤلاء الشباب المساكين الأغرار، الذين كانوا في الغناء المنحرف ليتوب على يد الصوفية، أصحاب الأناشيد المطربة، وصار ذلك ينقله من مجلس إلى مجلس ليحيي المجلس بالذكر المزعوم، فبعد مدة قال ذلك الشاب: أنا كنتُ من زمان مهتدٍ وأنا ما أدري!

أيها الإخوة، إن هذه الأبواب المحرمة لإبليس، دخل على الناس منها اليوم كثيرًا، ولذلك فإن العلماء قد اشتغلوا بكشف الطرق، ولماذا سمّى كتابه: "تلبيس إبليس" ولماذا تفليس إبليس؟ لأجل كشف طرق إبليس، يلبّس، إبليس له طرق خفية يلبس، له خدع، إذا جاءك الشيطان يقول لك وأنت في الصلاة: إنك ترائي، اقطع صلاتك، فزدها طولاً، إذا قال لك: إنها رياء وسمعة فإياك أن تترك الأمر، أغظه، كن غيظاً لعدو الله.

 ولما جاء الشيطان في قصة فقال لأحد الصالحين: ما دمت أنك تقول كل شيء بمشيئة الله، لماذا لا تلقي نفسك من الجبل؟ فإن أراد الله أن تسلم سلمت، وإن أراد الله أن تموت متّ، فقال: يا ملعون، إن الله يبتلي عبده، لكن لا يجوز للعبد أن يختبر ربه.

من مداخله على هؤلاء الأمر بالسوء، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 169]. من طرقه -لعنه الله-: وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء: 118 - 119]. وعند الكوافيرات اليوم من تغيير خلْق الله شيءٌ عظيم، وكثرةٌ كافرة من تلك الطرق الشيطانية نمصاً، نتفاً، وشماً بالليزر، بالآلات الحديثة، وبالأشعة، وبجميع الأنواع تغيير خلق الله، وعمليات تجميل ببلايين الدولارات في العالم، تغيير لخلق الله، ووصل للشعر، وأنواع من حقن الجلد، وما تحت الجلد، وتغيير الشكل، والتصغير والتكبير، والتفتيح والتغميق للبشرة، تغيير خلق الله، وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّه  [النساء: 119]. وتصبح النساء غير راضيات بأشكالهن، صغّر كبّر فتّح غمّق لوّن شكّل، وليتها زينة مباحة كالكحل والحناء، وبعض الأصباغ ذات الألوان المؤقتة، انتبه؛ لأن "المؤقتة" هذه عليها مدار الحكم والفرق بين ما يدوم طويلاً، وبين ما هو مؤقت يزول كالحناء، وبين عمليات تبقى فيها الأشياء في الجلد مغروزة  وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّه [النساء: 119].

ضلال الشيطان بتنحية شريعة الله

00:36:47

وعلى رأس هذه الإضلالات: التحاكم إلى الطاغوت وشريعة إبليس وتنحية شريعة الله وجعل الأحكام للقوانين الوضعية وشرع الله ينحى أو يقصُر على الأحوال الشخصية، أو بعض الأحوال الشخصية، إنها المصيبة الكبيرة.

مدحل الشيطان على المتصدقين

00:37:09

الشيطان أيضاً يعدكم الفقر، إذا أردتَ أن تتصدق قال: تذهب أموالك فتكون فقيرًا، إلى من تترك الولد إذا تصدقت بالمال، الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ  وبالبخل، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة: 268]  وهكذا.

يقوّي أولياءه بالمجادلات ويلقّنهم الحجج؛ جاء رجل إلى ابن عباس فقال: يا ابن عباس، زعم فلان أنه أُوحي إليه الليلة قال ابن عباس: "صدق"، قال: فنفرتُ، وقلت: يقول ابن عباس: صدق! فقال ابن عباس: "هما وحيان؛ وحي الله، ووحي الشيطان، فوحي الله إلى محمد ﷺ ووحي الشيطان إلى أوليائه، ثم قرأ: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [تفسير الطبري: 9/530].

هل كان هناك من يتنزل على مسيلمة بوحي؟ نعم، هناك شياطين تلقّن مدعّي النبوة ببعض الأحيان، لو قال مدعي النبوة: إنني أسمع جرساً، إنني أسمع كلاماً، إن شيئًا ينزل عليّ في أذني أسمعه، لا تقل له أنت: كاذب، ولكن اقرأ عليه هذه الآية: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [الأنعام: 121].

وقد يكون هذا الوحي مسموعاً في أذن هذا.

وقد يكون يلهمه الشيطان الفكرة إلهاماً يلقيه في نفسه إلقاءً يوسوس بها إليه وسوسة، يعطيه الحجة ليجادلوكم، وإن أطعتموهم إنكم لمشركون، فلبس إبليس على أهل الجاهلية، وجعلوا البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وأنواعاً من هذه الأنعام قالوا : للأصنام، وهذه لا تركب، وهذه لا تحلب، وهذه لا تستعمل، وهذه لا تُذبح، ما جعل الله هذه الأشياء فلماذا يفترون على الله؟ وإن من سُبله أنه يحاول إلقاء اليأس في نفوس المؤمنين، فيقول لك أنت: يا أيها الداعية، لا فائدة، أعداء الكفار غالبون غالبون، والمسلمون مهزومون مهزومون، وأنتم سوف تتأخرون عن الركب ولا تلحقون، وأن وسائل التأثير بأيدي الأعداء، وأنت إذا كنتَ تبني ووراءك ألف هادم، فعلى أي شيء ستحصل؟ وما هو الأمل المرجى؟ لا أمل، اترك الدعوة، الناس ذاهبين ذاهبين، وهالكين هالكين، ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم  [رواه مسلم: 2623].

دور الشيطان في تفكيك الأسرة المسلمة

00:40:24

إنه يكيد لتفكيك عُرى الأسرة وتقطيع وشائج الصلة التي جعلها الله بين الزوج والزوجة، مودة ورحمة وسكينة ليسكن إليها، إبليس يقطعها، أين عرشه؟ إنه على الماء، في أي مكان؟ إنه في البحر، هل هو في مثلث برمودا؟ الله أعلم، ما عين لنا المكان إلا أنه أخبرنا كما في صحيح مسلم: "عن أبي سعيد لقي ابن صياد رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر في بعض طرق المدينة، فقال له رسول الله ﷺ: أتشهد أني رسول الله قال هو: أتشهد أني رسول الله، فقال النبي ﷺ: آمنت بالله وملائكته وكتبه  ما ترى يا ابن صياد صافٍ اسمه صاف ما ترى؟ قال: أرى عرشاً على الماء، فقال رسول الله ﷺ:  ترى عرش إبليس على البحر  ولذلك قال ﷺ: إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرّقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنت، نِعْمَ أنت  [رواه مسلم: 2813]. الذي حققت أنت، الذي وصلت، أنجزت المنجزات.

إذن، إبليس عنده محفِّزات ومكافآت، وإذا توصل أحد من أعوانه وجنوده إلى إيقاع الطلاق بينه وبين زوجته، يقول له: أنت أنت والثناء عليه، وهكذا يعطيه من الدافع المعنوي ما يشجعه بزيادة على الاستمرار في تقطيع العلاقات الزوجية.

ألا ترى أنه من كل ثلاث زيجات لدينا تنتهي واحدة بالفشل، ما هذه النسبة العجيبة؟ إنه ينفُخ في الإنسان ليغضب ينفخ فيه الكبر، ولذلك فإن على الإنسان المسلم ألا يغضب، وإذا غضب لنفسه فإنه يقعد، ويستلقي ويسكت؛ لأن الشيطان يريده أن يغضب لنفسه، ذاك مجلس حضره الشيطان، ولذلك النبي ﷺ قام لم يجلس، يكون هناك ثلاثة في الغرفة، فيتكلم اثنان مع بعضهما في موضوع خاص، فيحزن الثالث، إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا  [المجادلة: 10]. ويتكلمان بلغة أجنبية لا يفهما الثالث فيكون الحزن أيضاً؛ لأن النجوى حصلت، الحزن حصل بطريقة أخرى، هي هي، ويتناجى سبعة دون الثامن، وتسعة دون العاشر، فتكون أسوأ وأكثر حزناً، وأما ما يكون من أنواع كشف العورات فإنه شيء رهيب جداً، فبدت لهما سوآتهما، وهذه القضية كشف العورات قد فعلها إبليس اليوم في القنوات الفضائية، قد فعلها إبليس اليوم في أندية العراة وشواطئهم، قد فعلها إبليس اليوم فيما يُسمى بالقرى الترفيهية، قد فعلها إبليس اليوم فيما يسمى بمسابقات ملكات الجمال، قد فعلها إبليس فيما يسمى اليوم بالأفلام الترفيهية، وقد فعلها في الأعراس والملابس الشفافة والضيقة والقصيرة، ينزع عنهما لباسهما، غرض إبليس إبداء العورات، إظهار العورات، وكذلك فإنه أصلاً يريد أن يفرّق بيننا، حتى لو نزلنا مكاناً في رحلة في سفر، فتفرّق هؤلاء الإخوة فإن التفرُّق من الشيطان؛ عن أبي ثعلبة الخشني قال: "كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله ﷺ: إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان  فلم يزل ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم وشملهم" [رواه أبو داود: 2628، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: 2363].

إنه يريد منك أن تزلّ ولو عندما تشير إلى أخيك بحديدة، سكين، مسدس، فربما انطلق برصاصة قاتلة، لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار  كما قال ﷺ [رواه البخاري: 7072].

والشيطان له خيول وله أفراس، فما هو فرس الشيطان؟ قال النبي ﷺ: الخيل ثلاثة  وذكر: وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يُراهن عليه [رواه أحمد: 3755، وصححه الألباني في صحيح لجامع الصغير وزيادته: 3350]  الشيطان الذي يكيد لنا بكل سبيل؛ لأنه أصلاً هو الذي بحث عن مصدر منع استراق الوحي من السماء، لما بُعث النبي ﷺ أرسل إبليس أعوانه ليبحثوا: لماذا انقطع هذا الاستراق؟ فلما سمعوا النبي ﷺ يقرأ القرآن، رجعوا لإبليس فأخبروه، فأخبرهم أن هذا سبب انقطاع استراق السمع من السماء، هناك إذن مرجعية لإبليس، وهناك جنود، وهناك سرايا يبثهم يومياً، يبعث إبليس بسراياه من المركز الرئيسي في عرشه فوق الماء، في البحر، ليبثهم في أنحاء العالم، يومياً شُغُل وتقارير ترفع لإبليس أولاً بأول، ما أنت؟ أنا ما تركته حتى أوقعته في الخمر، أنا ما تركته حتى أوقعته في الربا، أنا ما تركته حتى فرقت بينه وبين أخيه، أنا ما تركته حتى طلق زوجته، وهذا مكافآت، وهذا دعم، وهذا تشجيع، شغل يومي، إبليس بجنوده يعمل يومياً، إذا كان هذا صاحب الشر يعمل، فلماذا لا يكون نحن أهل الحق عندنا مراكز، ودعاة ينطلقون، وأعمال يومية، وتقارير ترفع، ومكافأة على الأقل بالكلمة الطيبة، وتشجيع، وثناء، ودعاء، لكي يستمر الدعاة في أعمالهم؟ ألسنا أولى من إبليس بهذا؟ إذا كان إبليس يخطط، وله مركز، وله أعوان، وله جنود، وله إرساليات يومية، وله ناس يعودون، ويسمع من هذا، ويسمع من هذا، ويوجه هؤلاء، منع استراق الخبر من السماء هذا لأمر قد حصل بثهم في الأرض رجعوا إليه، قالوا: سمعنا قرآناً يُتلى، قال: هذا هو السبب، وتحليل للأحداث، إبليس يحلل الأحداث، إبليس يفهم الشخصيات، الشياطين أنواع ، خنزب مخصص بالوسوسة في الصلاة، وهذا الشيطان متخصص بكذا وهكذا، أنواع من الشياطين والأبالسة، إنهم يعملون بلا كلل ولا ملل.

يا عباد الله، يا أيها الإخوة، يجب علينا الحذر، وما أكثر مداخل الشيطان على الصالحين ما يتركهم في شأنهم، لا يجعلهم يهنؤون بلذة عبادة، ولا بجمال روح الأخوة، ولا بالنشاط في الدعوة، لا بد أن يخرّب الخشوع، يقعد عن عبادة، يلبّس على الإنسان، إذا ما استطاع أن يقطعه عن لذة العبادة يلبّس عليه؛ حتى لا يعود يدري كم صلى وسوسة في ذات الله، في الملائكة، في اليوم الآخر، يشكك في اليوم الآخر، يشكك في المسلّمات، في البدهيات، حتى تعظُم في نفس الإنسان القضية، وربما يقع بعضهم في الكفر فعلاً، وبعض الناس لا يقع، لكن يقعد عن العمل الصالح؛ لأن الوسوسة التي تعمل  فيه هذه الوسواس تجعل العمل الصالح ثقيلاً عليه، عندما يضرهم في الوسوسة في الطهارة، فيجعل الواحد يقعد في الحمام نصف ساعة وساعة، واحد تفوت عليه تكبيرة الإحرام، وواحد تفوت عليه الركعة الأولى، وواحد تفوت عليه الصلاة كلها في الجماعة، وواحد يفوت عليه وقت الصلاة كلها، وهذا في الحمام، في الحج؛ كان هناك حمامات وهذه الحمامات ليست بشيء، قال واحد: هذه الحمامات تصلح في علاج الوسواس القهري، قلت: لماذا؟ قال: لأنك يأتيك الماء من كل مكان حتى من جيرانك، ولذلك الحج هو فعلاً تربية، هل هذا الكيد من الشيطان بهذه القوة وبهذا الاتساع، وهذا التعدد والتنظيم، يعني بأن هذا الكيد محكم متقن قوي، وأن الناس كل الناس سيقعون فيه؟

الجواب: كلا.

إن من العجب أن الله قال في كتابه العزيز:  إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا  [النساء: 76].

كل هذا بالرغم من هذا يقول: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا 

إذن، يمكن التغلب عليه ما دام ضعيفاً.

الوسائل والسبل التي يُتغلّب بها على الشيطان

00:51:52

لكن ما هي الوسائل؟ ما هي السبل؟ ما هي الأساليب؟ القرآن كتاب الله، قال عمر: "أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان" [رواه الترمذي: 447، والحاكم في المستدرك: 447، وصححه الألباني في المشكاة: 1204].  

وسترة المصلي، لا يجعل الشيطان يخطر بينه وبين القبلة، ولا يقطع عليه صلاته، والأذان عندما هرب الشيطان، إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء" رواه مسلم في صحيحه، قال سليمان: "فسألته عن الروحاء الراوي قال: هي من المدينة ستة وثلاثون ميلاً، بالأذان طرد الشيطان ستة وثلاثين ميل يطرد.

ومن أولياء الله يفر؛  والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًّا إلا سلك فجاً غير فجِّك يا عمر [رواه البخاري: 3294، ومسلم: 2396].  إن الشيطان ليفرق منك يا عمر [رواه أحمد: 22989، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 1654].

 وروى الدارمي عن عبد الله بن مسعود: "لقي رجل من أصحاب محمد ﷺ وأخْلِق به أن يكون عمر رجلاً من الجن فصارعه فصرعه الإنسي فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلًا شخيتاً كأنك ذُرعيتك ذُريعتا كلب، فكذلك أنتم معشر الجن، أم أنت من بينهم كذلك؟" كلكم ضعفاء أو أنت فقط، هناس ناس أقوياء قال: لا والله إني منهم لضليع، ولكن عاودني الثانية، فإن صرعتني علّمتك شيئاً ينفعك؟

قال: نعم، قال: تقرأ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم [البقرة: 255]، قال: نعم، تحفظها، يعني نعم، قال: فإنك لا تقرأها في بيت إلا خرج منه الشيطان له خبج كخبج الحمار، ثم لا يدخله حتى لا يصبح" [رواه الدرامي: 3424، وقال محققه: رجاله ثقات]. 

الضئيل: الدقيق، الشخيت: المهزول، الضليع: جيد الأضلاع، الخبج: الريح.

قال رجل لعبد الله بن مسعود: "ومن ذلك الرجل، عمر هو؟، فعبس وقال: "ومن عسى أن يكون إلا عمر" [التبصرة لابن الجوزي: 1/425].

وهذه الشياطين على قوتها تضعف عند الأذان، وتضعف عند الأذكار، وتضعف عند آية الكرسي، إنها الشياطين على قوتها، لكنها إذا جاء ذكر الله وهو أقوى منها، فإنها تهرب، ومن أولياء الله تفر، يجب علينا أن نتمسك بالصراط المستقيم فاتبعوه ولا تتبعوا السبل، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً  في كل شُعب الإيمان والإسلام، وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ  [البقرة: 208] حتى لا يغركم، لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ 

أيها الإخوة، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل: 99]. سلاحنا إذن في  مواجهته الإيمان والتوكل على الله، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُون [النحل: 100] وسلاحنا الإخلاص،  قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الحجر: 39 -40]

ما هو سلاحنا؟ تحقيق العبودية لله؛ لأن الله قال: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر: 42].

ما هو سلاحنا؟ لزوم أهل الحق، لزوم جماعة أهل السنة،  ستكون بعدي هنات وهنات، فمن رأيتموه فارق الجماعة فاقتلوه، فإن يد الله مع الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض  يركض معه، يسير معه، حديث صحيح، وقال: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة  [رواه النسائي في الكبرى:  3469، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 3621]. من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة.

إذن، الجماعة: ما وافق الحق وإن كنت وحدك، من هي الجماعة؟ أهل الطاعة لله، أهل العقيدة الصحيحة، أهل العلم، أهل الحديث النبوي، أهل القرآن والسنة، هؤلاء هم الجماعة، أهل التوحيد أتباع السلف الصالح، ما أحوجنا اليوم إلى التمسك بطريقتهم في وقت خرج علينا الذين يدعون مذهب الإصلاح والتنوير والعقلانية، يريدونها إفساداً لمذهب السلف، وحرفاً لطريق الحق، وإخراجًا للناس عن الجدية في الالتزام بالدين، يريدونها أمراً رخواً، يريدونها هزلاً لا جداً يريدونها نصف وربع إسلام اليوم، ونحن نريدها حقاً على السنة، وعلى طريق الحق، وتمسُّكا بمذهب السلف واعتناء بالقرآن والسنة ونبذاً لهذه الأطروحات العقلانية المزعومة إذا خالفت الكتاب والسنة  اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ   [المجادلة: 19].

ما هو سلاحنا في المواجهة؟ التوبة والاستغفار، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ  [الأعراف: 201]، إن الشيطان قال: وعزتُّك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب -تبارك وتعالى-: وعزّتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني  [رواه أحمد: 11237، وصححه الألباني في الجامع الصغير: 1650].

قال السعدي -رحمه الله-: "ولما كان  العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان الذي لا يزال مرابطاً" [تفسير السعدي: 313]. الشيطان مرابط، الشيطان يبيت على خيشومك، الشيطان يعقد على قافية أحدكم ثلاث عُقد، الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، كل واحد معه قرين من الشياطين إلا النبي ﷺ شيطانه أسلم، فلا يأمره إلا بخير، هذا الإنسان الذي معه هذا التربُّص، لا بد أن يمسه شيء طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ  فأذنب بفعل محرم، أو ترك واجب، دخل عليه الشيطان من باب من الأبواب، فأبصر الحق ورجع إلى نفسه، فاستغفر ربه واستدرك ما فات، بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، ما هو سلاحنا؟ تقوية الرابطة الأسرية لنقطع الطريق على الشيطان الذي يريد اليوم انهيار الأسر تشرذم الأطفال، تقطيع العلاقات، حصول العداوات، سلاحنا: القول الحسن، وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُم  [الإسراء: 53]؟  الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وليس الحسن فقط، الأحسن.

إذن، ينبغي أن ننتقي كلماتنا، وأن ندقق في ألفاظنا، وما نقوله لإخواننا، فكِّر ثلاث مرات قبل أن ترسل رسالة جوال لأخيك، فإنك ستكتب شيئاً؛ إما أن يدخل في قلبه سروراً وغبطة، وتقوي بذلك إيمانه، أو أنك تكتب له ما يسبب الفراق والشقاق، يكدِّر العلاقات، وإن من سلاحنا الالتجاء إلى الله والاعتصام به،  وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  [فصلت: 36]  وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ  [المؤمنون: 97].

ما معنى الحديث الصحيح:  أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه  ؟ [رواه أحمد: 11473، وأبو داود: 775، والترمذي: 242، وصححه الألباني في المشكاة: 1217].  

وما هو الفرق بين الهمز والنفخ والنفث؟ إن الهمز الوسوسة، إن النفخ الكبر، إن النفث السحر، وسوسة ونفخ للكبر، ونفث بسحر، وهكذا إن الشيطان له تسلُّط في أبداننا، لماذا قال النبي ﷺ للمرأة التي تثج بالدم ثجاً، تصب صباً، ما هي هذه المستحاضة؟ قال: ركضة من ركضات الشيطان  [رواه أحمد: 27474، وأبو داود: 287، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 561]. يفتق العرق ينفجر بالدم، الشيطان يتسلّط على عروق المرأة المستحاضة فيفجِّر عروقًا بالدم فتخرج، ليست حيضًا، استحاضة، ولذلك لو قال لك واحد: ذهبنا للمشعوذين، ذهبنا للدجالين، ذهبنا لهؤلاء الشياطين واستفدنا، فقل له: نعم ممكن استفدتَ، صحيح، لكن ماذا استفدت؟ دنيا شيء مؤقت، لكن ماذا خسرت في المقابل؟ لا تقبل لك صلاة أربعين يومًا، ما هذا بهذا، هل يعدله؟ هل يساويه؟ لا، الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ويدخل مع التثاؤب، يدخل إلى جوف الإنسان، يتخلل صفوف المصلين، يلازم الإنسان، ويبيت معه، ويعقد على رأسه، وعلى خيشومه، الملازمة دقيقة من الشيطان للإنسان، ولكن الأذكار تذهب ذلك، وعند الغضب أعوذ بالله من الشيطان، لماذا؟ ليطرد الشيطان، وإذا جاءنا بالوسوسة؛ من خلق ربك؟  ليستعذ بالله، لينته، يقرأ قل هو الله أحد [رواه البخاري: 3276، ومسلم: 132].

يتفل عن يساره ثلاثًا، وتقول عند دخول المسجد: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ، قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حُفظ مني سائر اليوم  [رواه أبو داود: 466، وصححه الألباني في المشكاة: 749]. 

إذا وسوس لك في الصلاة حديث عثمان بن أبي العاص في صحيح مسلم: "يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبّسها عليّ ويشككني ويمنعني من الخشوع، فقال رسول الله ﷺ: ذاك شيطان يقال له: خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً قال: "ففعلت ذلك فأذهبه الله عني" [رواه مسلم: 2203]. لو أنت كنت تقوم الليل، أو تصلي وحدك، ولاحظت وجود شيء غير طبيعي أثناء القراءة، يحدث تلبيسات، فتتفل عن يسارك ثلاثاً، وليس تتفل على يسارك الشخص الذي يصلي بينك مع الجماعة، فتتفل عن يسارك ثلاثاً فعند ذلك قال في الحديث: فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا  قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني" 

يفزعنا بالمنامات المفجعة فماذا نفعل؟ الرؤيا من الله والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه فلينفث عن يساره حين يستيقظ ثلاث مرات، ويتعوّذ من شرها فإنها لا تضره  [رواه البخاري: 5747، ومسلم: 2261]

وماذا أيضًا؟ ينفث عن يساره ثلاث مرات ، ويتعوذ بالله من شر ما رأى ثلاث مرات، ومن الشيطان ثلاث مرات، ويغير جنبه الذي كان نائمًا عليه، كأن ينام على ظهره، أو يقوم يتوضأ ويصلي ركعتين، ولا يخبر بها أحداً، قال: ((لا تضره)) ولما جاءه واحد قال: رأيت نفسي مذبوح ورأسي يتدحرج، لماذا يخبر أحدكم عن تلاعب الشيطان به في المنام اتفل واستعذ ولا تخبر أحداً، وربما تكون على صدرك مثل الجبل، فتفعل هذه الإرشادات النبوية، فيذهب أثر هذه، ولا تضرك، وعند الجماع: بسم الله، ماذا هي النتيجة؟ لم يضره شيطان أبداً.

معنى ذلك: قيل: لم يُصرع، وقيل: لم يوقعه في شرك، وقيل: لم يوقعه في كبيرة، وقيل: إنه لا يتمكن من وطء زوجته معه يعني مع الأب، أما الولد فهذه الفوائد؛ لا يتسلّط عليه تسلطاً كلياً، قيل: لا يوقعه في شرك، لا يوقعه في كبيرة، قيل أشياء في قضية استفادة الولد من هذا الذكر الذي يقوله أبوه عند الجماع، هذه عملية تسري في الأجيال، فائدة،  وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران: 36]. مريم أعيذت، وعيسى أعيذ، البنت والحفيد.

تشكل إبليس على صور بعض الحيوانات

01:06:26

هناك حيوانات كثيرة ترى إبليس، ترى الشيطان، الحمار إذا نهق معنى ذلك أنه رأى شيطاناً، كما قال ﷺ: وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطاناً  [رواه البخاري: 3303، ومسلم: 2729]. وقال: إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمُر بالليل فتعوّذوا بالله، فإنها يرين ما لا ترون [رواه أبو داود: 5103، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: 5103].

أين أماكن إبليس؟ أماكن إبليس متعددة، هناك العرش في البحر، المركز الرئيسي، ويوجد في الحمامات والمراحيض والحشوش وأماكن الخلاء أيضاً، هؤلاء الخبث والخبائث من الذكور والإناث من الشياطين، ولذلك قال: إذا دخل الخلاء اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث  من الشياطين ذكراناً وإناثاً.[رواه البخاري: 142، ومسلم: 375].

وكذلك في السوق يوجد مراكز لإبليس، يرفع راياته في السوق، يحضر السوق، مراكز لإبليس، أيضاً وبين الضَّحِّ والظل مجلس للشيطان، ولذلك إذا صار نصفه في الظل ونصفه في الشمس، إما يتحول للشمس أو يتحول إلى الظل الكامل هناك سورتان، والمعوذات يضاف إليها قل هو الله أحد، فلذلك صارت ثلاثًا من باب تغليب يقال: المعوذات، لكن المعوذتان ما تعوذ متعوذ بمثلهن قط، من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس، ومن شر النفاثات في العقد، والاستعاذة من الشياطين، ومن شياطين الإنس ومن شياطين الجن، أنت لا تراه، كيف تتغلب عليه؟ تقول: أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس.

قال ابن القيم في بدائع الفوائد: "وأما الخناس من خنس يخنس إذا توارى واختفى، ومنه قول أبي هريرة: "فانخنست منه" وأصل الخنوس الرجوع إلى وراء، فهو من الاختفاء والرجوع والتأخر، فإن العبد إذا غفل عن ذكر الله، جثم على قلبه الشيطان، وانبسط عليه، وبذر فيه أنواع الوساوس، التي هي أصل الذنوب، فإذا ذكر العبد ربه واستعاذ به، انخنس وانقبض، كما ينخنس الشيء ليتوارى" [بدائع الفوائد: 2/255].

الشيطان له منقار وخرطوم يضعه على الآدمي، ولذلك فإن الاستعاذة منه تنجّيك مما يلقي في جوفك، وهناك سر مهم جداً لا بد من إدراكه، قال بعضهم لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سوّل لك الخطايا؟ قال: أجاهده، قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده، قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده، قال: هذا يطول، أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها أو منعك من العبور ما تصنع؟ قال: أكابده وأرده جهدي، قال: هذا يطول عليك، كل شيء تذهب ينبح عليك، تذهب ينبح عليك، ولكن استعن بصاحب الغنم يكفه عنك" [تلبيس إبليس: 35]. استعن بصاحب الغنم يمسك كلبه وتمر، هذه الفكرة في قضية الشيطان هي نفسها، لو واحد قال: أنا أراغم الشيطان، وأنا أجاهد الشيطان، وأنا أصارع الشيطان، وأنا أدافع الشيطان نقول: استعن برب الشيطان ينصرك عليه فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ينصرك عليه، أما إذا قرأت سورة البقرة طردته طرداً، عندما هرب الشيطان لما قرئت سورة البقرة، إن الشيطان ينفر أو يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة حديث صحيح. [رواه البزار: 9091، والبيهقي في الشعب: 2162، وصححه الألباني في صحيح الترعيب والترهيب: 1458]. وأما قراءة آية الكرسي قبل أن تنام، لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح  [رواه البخاري: 142، ومسلم: 375].

وكذلك الآيتان الأخيرتان من سورة البقرة  لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان  [رواه الترمذي: 2882، وابن حبان: 782، وصححه الألباني في التعليقات الحسان: 779].

لو قال: سورة البقرة طويلة عليّ، أنا مشغول، أنا كسلان، نقول: لا تفوتك على الأقل هاتان الآيتان اللتان ختمت بهما سورة البقرة، لا تقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان، فهل عرفت كيف تطرده وتجعله يهرب؟ وربما تحصّن الإنسان بأذكار فيأتي الشيطان ليمسه بسوء فيصرع الشيطان فتجتمع الشياطين على الشيطان المصروع، فيقول بعضهم لبعض: ما به؟ فيقولون: قد مسّه الإنسي، الذي صرعه الإنسي، وإذا  قال:لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة حفظه الله من الشيطان  [رواه البخاري: 3293].  وإذا توضأ وصلّى عند الاستيقاظ من النوم انحلّت عُقد الشيطان  [رواه البخاري: 1142، ومسلم: 776]، وإذا أذن ولّى الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين [رواه البخاري: 608، ومسلم: 389]. ثم إذا أُقيمت هرب مرة أخرى.

وكذلك إذا أردت أن تعرف ماذا يقال عندما تسقط، تصاب بحرق مفاجئ، جرح مفاجئ؟ سمّ الله، بسم الله، تعثرت الدابة انفجر إطار السيارة، بعض الناس يقولون: تعس الشيطان، الله يلعن الشيطان، قال النبي ﷺ كما روى رجل من أصحابه: "كنت رديفه فعثرت الدابة فقلت: تعس الشيطان، قال: لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت، ويقول بقوتي  - يعني صرعته - ولكن قل: بسم الله بدل من تعس الشيطان، قل: بسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب . حديث صحيح. [رواه أبو داود: 4982، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته: 7401].

فيقول الشيطان لما يقول: تعس الشيطان: بقوتي، حدث الأمر بقوتي غلبته.

وأولادنا في وقت معين الأفضل والأحسن ألا نجعلهم يخرجون خارج البيت، ما هو هذا الوقت؟ روى البخاري ومسلم عن جابر: "قال رسول الله ﷺ:  إذا كان جنح الليل  أقبل في أوله  فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم  [رواه البخاري: 3280، ومسلم: 2012]

إذن، إذا غربت الشمس بعد المغرب إلى أن تأتي فحمة العشاء، هذا الوقت وقت انتشار الشياطين، هناك انتشار مكثف، هنا دوريات للشياطين تنتشر انتشارًا مكثفاً، ولذلك أرشد إلى وقف الأولاد والصبيان عن الخروج في ذلك الوقت؛ حتى لا يكون نسبة التعرض لأذى الشيطان أكبر.

وإذا دخلت البيت قلت: بسم الله تمنعه من البيت، وإذا أردت أن تأكل تقول: بسم الله تمنعه من الأكل، وإذا أردتَ أن تشرب تقول: بسم الله تمنعه من الشرب، ولا تكن كذلك المغفّل الذي قال هناك خطة لقتل إبليس، ما هي؟ قال: أنا أسف ملحاً بدون ما أقول: بسم الله، وبعد ذلك إذا عطشت وكدتُ أهلك أقول بسم الله وأشرب، فنقول: أنت رحت ملح! إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان لإخوانه وأعوانه: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء ، إذا خرجت من البيت: بسم الله، توكلتُ على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يتنحى عنك الشيطان ويقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووقي؟  [رواه أبو داود: 5095، وابن ماجه: 3886، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 499]. ماذا تستطيع أن تفعل معه؟ لا يمكن والإبل بالذات إذا ركبتها احرص على أن تقول: بسم الله فإن على ذروتها شيطان  كما أخبر النبي ﷺ.

[رواه أحمد: 17938، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 5699].

أماكن وهيئات يحضرها الشيطان

01:15:55

أما بالنسبة للأماكن التي تحضرها الشياطين، وقد تقدم بعضها، فإن المجالس التي فيها غضب للنفس ومشاتمات انصحهم وإذا ما كفوا قم، لأن هذا مجلس حضر فيه الشيطان، كذلك النبي ﷺ لما نزل مع أصحابه مكاناً فناموا عن صلاة الفجر وما استيقظوا إلا بعد الشمس، قال ﷺ:  ليأخذ كل رجل برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان  [رواه مسلم: 680].

وقد قال بعض العلماء إذا حصل هذا فعلاً السنة أن تغير مكانك، وكان من مشايخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- يرى ذلك حتى الطلاب في غرفهم، وله طلاب كانوا في غرف يسكنون، إذا نام الواحد وما استيقظ إلا بعد طلوع الشمس وفاتت عليه صلاة الفجر يغير المكان ويذهب ويصلي في غرفة أخرى؛ لأجل هذا الحديث.

أما السوق، إن الملك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد، فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخل بها منزله، وإن الشيطان يغدو برايته إلى السوق مع أول من يغدو، فلا يزال بها معه حتى يرجع فيُدخلها منزله 

وقال سلمان : "لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته" [رواه مسلم: 2451].

بطبيعة الحال البيوت التي فيها كلاب، وصور ذوات الأرواح مليئة بالشياطين، محرومة من الملائكة، والتي فيها غناء ومعازف فإن مزمور الشيطان هو هذه الآلات الموسيقية، بل الجرس هذا إذا ما كان له داعي، وفي السفر: لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس  وقال:  الجرس مزامير الشيطان [رواه مسلم: 2114].

أما الأجراس التي لها حاجة فلا بأس باستعمالها، أيها الإخوة، حتى الإنسان لو أنه تثاءب فإنه يغطي فمه ويكظم التثاؤب لأسباب: الشيطان يضحك منه؛ لأن تغير الخلقة هذه، والتثاؤب الذي يدل على الكسل يفرح الشيطان، وأيضاً الشيطان يدخل مع التثاؤب ولذلك يكظم التثاؤب ما استطاع، وبالذات في الصلاة ويضع يده على فمه، فإن العبد إذا قال هاه ضحك منه الشيطان.

وكذلك فإننا نخالف الشيطان فلا نمشي في النعل الواحدة، ولا نجلس كعقبة الشيطان، فنهينا عنها في الصلاة، وكذلك لا نجلس بين الضح والظل، الشيطان يمشي في النعل الواحدة، وهذا من أسباب نهينا عن ذلك، ونتحاشى أشياء متعددة ومن ذلك الغفلة عن ذكر الله ، وسب الشيطان، لو قال: الله يلعن الشيطان؟ صحيح أنه جائز، لعنه الله، لكن الأولى من ذلك أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان، هذه على إبليس أشد بكثير من سبه وشتمه ولعنه، حتى تحريك الأصبع في الصلاة أثقل على الشيطان من الحديد كما جاء في بعض الأحاديث.

تمثّل الشيطان على بعض الهيئات

01:19:54

أيها الإخوة، إنه سيبقى في آخر الزمان من شرار الخلق من يأتيهم الشيطان بصورة ويقولون: مرنا فيأمرهم بعبادة الأصنام فيعبدونها، الدجال عندما يقول لشخص: إذا أحييتُ لك أباك وأمك أتؤمن بي؟ يقول: نعم، فيتمثل له شيطانان بصورة أبيه وأمه فيقولان: يا بُني اتبعه [رواه ابن ماجة: 4077، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 7875] إذن، الشيطان قد يتلبس بصورة الإنسي، ممكن يتلبس بصورة أب بصورة أُم.

وورد عن ابن مسعود والحديث في مقدمة صحيح مسلم: أن الشيطان يأتي المجلس ويتشكل بصورة رجل ويتكلم ويذهب، فيقول أحدهم: سمعت رجلًا أعرف صورته ولا أعرف ما اسمه  [رواه مسلم في مقدمته: صحيح مسلم: 1/12]. إذن، هذا الآن يزيد تأكيدنا في قضية الاحتياط عمن نأخذ ديننا ومصادر التلقي، حجّب زوجتك وبنتك يا عبد الله؛ لأنها إذا خرجت استشرفها الشيطان وزينها في أعين الناظرين، وإياك والخلوة بالمرأة؛ لأنه قال:  ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما  [رواه الترمذي: 1171، وصححه الألباني في المشكاة: 3118]. قام الزنديق الملحد يقول: أنا خلوتُ بامرأة وما صار شيئاً، وما رأيت إبليس؟، قال الزنديق الملحد: أنا خلوت بامرأة وما رأيت شيئاً؟  إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ  [الأعراف: 27].

وكذلك فإن سجود السهو فيه ترغيم للشيطان، وسجود التلاوة يجعل الشيطان يتولى يبكي يقول: ويله أمر ابن بالسجود فسجد فله الجنة وأُمرت بالسجود فعصيت فلي النار  [رواه أحمد: 9713، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 727].

بعض مداخل الشيطان على الصالحين

01:22:03

أيها الإخوة، إن مداخل الشيطان على الصالحين كثيرة، فإياك والاغترار بها، ممكن تكون موكل على أمانات، إياك أن تستلف منها، ولا يأتي الشيطان يقول: أنت محتاج اقترض، لا، تعطى زكاة لإعطائها لفقراء ما تأخذ منها ولا يقول الشيطان لك أنت فقير خُذ، لا؛ لأنك وكلت بإعطائها لأناس غيرك، ولو أردت أن تأخذ لنفسك لا بد أن تستأذن، لو جُعلت أموال في صناديق خيرية لا تمد يدك إليها، لا لنفسك ولا لغيرك، إلا إذا أذِن المتبرعون وسمحوا بذلك، أو كان من شروط الصندوق، بعض الناس يُجعل عنده مبلغ لبناء مسجد، فيقول: لم لا استثمره والربح بيني وبين المسجد بالنصف؟ حرام، إن طرق الشيطان كثيرة، يُجعل عنده مال لبناء وقف، فيقول أسجله عليّ، أنا المقاول، هذه تهمة عليك وما أدراك أنك أقل الأسعار وأحسن المواصفات، وكذلك فربما طبع في مطبعته كتباً وعنده أموال خيرية للطباعة فيكون ذلك من وسائل الشيطان في إغوائه.

لقد استقر عند الناس أن الشيطان صورته كريهة وهذا صحيح، إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ  [الدخان: 43 - 44]  طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ [الصافات: 65]. في القبح، وكذلك الأشجار التي دُفن عندها السحر الذي سُحر به اليهودي النبي ﷺ كأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخيلها شكلها في تلك الحال كرؤوس الشياطين، الشيطان له قرنان؛ لأن: الشمس تطلع بين قرني الشيطان [رواه مسلم: 622]. نعم، لكن ليس كما يرسمونه بذيل مدبب، وما هو الدليل على ذلك؟ ولذلك هذه القضايا غيبية لا يجوز أن نتعامل معها بالرسوم والتصاوير، لكن كونه قبيح فهذا مما لا شك فيه؟

قال الجاحظ: أتتني امرأة وأنا على باب داري، فقالت لي: إليك حاجة، وأريد أن تمشي معي، فقمت معها إلى أن  أتت بي إلى صائغ، وقالت له: مثل هذا وانصرفت، فسألت الصائغ عن قولها قال: إنها أتت إلي تسألني أن أنقش لها على الخاتم صورة الشيطان، فقلت: ما رأيت الشيطان لأنقش صورته؟ فذهبت وأتت بك وقالت: ما سمعت، والجاحظ يستحق؛ لأنه من المعتزلة من أهل البدع.

هناك اعتقادات خاطئة سواء كانت عقدية أو فقهية عند بعض العوام، على سبيل المثال: بعضهم يعتقد يقول: إذا سقطت اللقمة لحسها الشيطان، اتركوها، وبعضهم يقول: إذا طلّق يقول: العن إبليس، إذا لعن إبليس مسح مفعول الطلاق! من الذي قال بهذا؟ وفي أي مذهب هذا؟ إذا قال: أنت طالق، يعني أنت طالق، يعني إذا تلفظ به صريحاً وقع، ولعن إبليس أو ما لعن إبليس، فإن الطلاق قد وقع ما دام قد صار بشروطه الشرعية، ومما يلبس على الناس أن بعض لغات الأعاجم الجمرة الكبرى، والجمرة الوسطى، والجمرة الصغرى، شيطان أكبر، وشيطان أصغر، وشيطان أوسط، ولذلك يأتي إليه هو فعلاً، هذا إبليس ويقول له هذا: هدّف على عينه، والآخر يقول أنت .. والأعجمي والعربي وهذا آتٍ بكرة يوم العاشرة ذاهب للجمرة الصغرى والجمرة الوسطى! يقول له: بكرة موعدنا، بكرة إذا ما وريتك! وهذا الذي يقول: يلعن كذا، أنت الذي فرقت بيني وبين...، وهذا الذي يقول: أنت وصتني عليك أمي أن أطلع فيك الغيظ، لاعتقادهم، هكذا يعتقدون، وجاء واحد عربي يرمي الجمرة الصغرى والوسطى قبل سنوات، وواحد أعجمي يعرف أنه ما في رمي يوم عشرة، ما في رمي الصغرى والوسطى فيريد يفهّم العربي ما في رمي اليوم، حاول فيه يريد يرمي الصباح والرمي بعد الزوال، ثاني يوم يحاول فيه يفهم ما يرمي الآن في الصباح، الرمي بعد الزوال، ما يفهم، قال له في الأخير: شف يا صديق، هذا شيطان مكتب سكّر، ظهر يفتح، إن هذه الأشياء استعمالها هو الذي يجعل بعض الناس فعلاً يظن أن الجمرات هذه هي الشياطين، ويأتون بهذه الأشياء المضحكة، ويرمي بكل ما عنده من الحصى الكبار والصغار والمناشف والمظلات وقوارير الماء، واحد قال: يا شيخ شفنا ناساً يرمون الشيطان بحلاوة العيد، فإذن، يجب أن نصحح اعتقادات العامة في هذه القضية وغيرها، وقد تعرفنا بحمد الله تعالى في هذه المحاضرة على وسائل كثيرة من كيد إبليس وسُبُل إغوائه وكيف نواجهها؟ وكيف نقاومه؟ وكيف نرد كيده؟ هذا موضوع مهم جداً جدير بالاهتمام في غمرة الآيات والأحاديث الكثيرة التي تتناول هذا الموضوع.