الثلاثاء 9 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 10 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

اغتنم فراغك قبل شغلك


عناصر المادة
نعمة الوقت
الحث على استغلال الوقت
فضل إنجاب الأولاد في الإسلام
أحوال الناس في التعامل مع الوقت
استغلال نعمة الصحة والفراغ
استغلال مرحلة الشباب
أهمية العبادة في مرحلة الشباب
أهمية استغلال مرحلة الشباب في طلب العلم
مداخل الشيطان على الإنسان المتعلقة بالوقت

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

 يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا  [النساء: 1].

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا  [الأحزاب: 70 - 71].

نعمة الوقت

00:00:51

الحمد لله القائل في كتابه، ممتناً على عباده: وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ  [إبراهيم: 33 - 34].

فإذاً، هذه الشمس وهذا القمر وهذا الليل وهذا النهار؛ من نعم الله.

ولو لم يكن هناك ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر ولم يكن هناك زمن يقضي فيه العباد أعمالهم فكيف سيكون الحال؟

ولذلك كان هذا الزمن نعمة من نعم الله جعله الله ليستفيد منه العباد: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان: 62].

ولذلك لما كان هذا الزمان نعمة مسؤول عنها العبد كانت محاسبة الله للكفار شديدة، فإن الله يؤنبهم يوم القيامة لما أعطاهم العمر المديد ففرطوا فيه، قال الله أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا  تأنيب  أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم  في الدنيا؟

ولكن ليست هناك منفعة ولا تذكر أحد ما يتذكر فيه من تذكر: وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ .

ويمدح الله المؤمنين عندما يدخلون الجنة: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بأي شيء؟  بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ  [الحاقة: 24] معناها أنهم استغلوا الأيام، وصاموا فيها، وعبدوا الله فيها، ولذلك يوم القيامة في الجنة كوفئوا على هذا الاستغلال للوقت: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة: 24] في الدنيا.

ولأن هذا الزمن هذا العمر، عمر الإنسان ما هو؟

هو لحظات، دقائق، ساعات، أيام، شهور، سنوات.

وهذه الشجرة "يا ابن آدم إنما أنت لحظات فإن ذهبت لحظة ذهب بعضك" حتى يذهب الإنسان كله.

ولذلك الله عندما يعطي العبد نعمة يسأله عنها:  لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه  المدخول وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه  حديث صحيح [رواه الطبراني في الكبير: 111].

الحث على استغلال الوقت

00:04:55

وحتى لا يشعر العباد بالبخس، ولا تفوتهم الفرصة، قال لهم رسول الله ﷺ يقول لكل واحد منا، يجب أن نشعر أن هذا الحديث موجه إلى كل واحد منا: اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك ؛ لأن الشباب فيه من الطاقة والحيوية ما ليس في الهرم.

((وصحتك قبل سقمك)) قبل أن يأتيك مرض يشغلك.

((وغناك قبل فقرك)) قبل أن تأتيك جائحة أو مصاريف كثيرة تقضي على المال وتفتقر، فاغتنم المال الآن الذي بين يديك فتصدق منه قبل أن تفتقر لا تدري ماذا يحدث لك في المستقبل.

((وفراغك قبل شغلك)) فراغك كل الفراغ الذي يحصل لك في الدنيا اغتنمه فقد تنشغل في الدنيا.

وقيل: اغتنم فراغك في الدنيا قبل أن تنشغل بالعذاب في الآخرة.

((وحياتك قبل موتك)) على وجه الإجمال: اغتنم حياتك قبل موتك.

وسنركز على واحد من هذه الخمسة، وهو: ((اغتنم فراغك قبل شغلك)).

أنا الآن أريد أن أسألكم سؤالاً، الحديث هذا  اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك وهو حديث صحيح [رواه الحاكم في المستدرك: 7846، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"].

هذا الحديث يدور على توفر كم شيء؟

طبعاً بعضها داخل في بعض، يعني فراغك قبل شغلك داخل في حياتك قبل موتك.

أولاً: الوقت.

وثانياً: الصحة.

وثالثاً: المال؛ لأن الصحة من الشباب، والمال المنصوص عليه في الحديث، والوقت، إذا الواحد صار عنده وقت وصحة ومال استطاع أن يفعل كل شيء، يعني من الناس من يكون صحيح لكنه مشغول بالكسب، من الناس من يكون متفرغ يعني ما عنده أشغال كثيرة، ولكنه مريض معلول.

لكن الشخص الذي صار عنده صحة وصار عنده وقت هذا يستطيع أن يكسب مالاً، ويستطيع أن يعمل أشياء كثيرة جداً.

فصار أهم مسألتين في النعم بعد نعمة الإيمان طبعاً: الصحة والوقت الذي هو الفراغ، لذلك جاء النص عليهما في الحديث الآخر: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ [رواه البخاري: 6412] هذه الأساس.

ولذلك قال العلماء: أهم نعم الله على العبد ثلاثة: الإيمان والصحة والفراغ، أن يجد إيماناً وصحة وفراغاً، هذه هي رأس المال كله.

ومعنى: ((مغبون فيهما كثير من الناس)) الغبن أنك تشتري سلعة بأكثر من قيمتها الحقيقية، غبن، أو تبيع سلعة بأقل مما تسوى هذا غبن أيضاً.

وأكثر الناس مفرطون في الصحة والفراغ، ولذلك فهم مغبونون أشد الغبن.

وهناك قلة من الناس لم يغبنوا؛ كما نص عليه الحديث قال: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس)) معناها قليل تلافوا ذلك الغبن، هؤلاء القليل هم الفائزون.

استغلال الوقت مهم جداً لدرجة أن الرسول ﷺ يقول: ليس يتحسر أهل الجنة على شيء  أهل الجنة لا يبأسون ولا يحزنون، ولكن  ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله -عز وجل- فيها  يتحسرون على ساعة، الساعة طبعاً أي لحظة أي مدة من الزمن، يقال للفترة القصيرة من الزمن في لغة العرب: ساعة،  ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله -عز وجل- فيها .

ويبلغ مقدار أهمية استغلال الوقت في الإسلام مبلغاً عجيباً لدرجة أن الرسول ﷺ يقول:  إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل [رواه أحمد: 12981، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"] يعني استغل كل شيء لو قامت القيامة وتستطيع تغرس فسيلة في يدك اغرسها ثم مت.

هذا الوقت من نعم الله له ميزات عجيبة فهو: سريع التقضي، أبي التأتي بسرعة، يروح لا يمكن يرجع أبداً،

وهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك.

الواحد قد يغار على عرضه، يغار على أهله، لكن فيه غيرة مهمة، وهي: الغيرة على الوقت الذي يذهب ويهدر.

فإذا صارت هناك غيرة على هذه الأوقات المهدرة حصل كمال عظيم للمسلم.

قال في "صيد الخاطر": "ينبغي للإسلام أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة، فإذا علم الإنسان وإن بالغ في الجد بأن الموت يقطعه عن العمل عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته، فإن كان له شيء من الدنيا" [صيد الخاطر، ص: 33 - 34] يعني عنده أموال، وقف وقفاً، وغرس غرساً يأكل منه الطير والحيوان، فيكون له أجر، الناس اللي عندهم مزارع وبساتين، واللي عندهم حدائق في بيوتهم، هؤلاء الناس لو نووا بهذا الغرس أنه إذا أكل منه طير أو حيوان فإنه يؤجر على نيته هذه، حتى الطير الذي يأكل من شجره يؤجر على أكل هذا الطير من شجره.

وقف وقفاً أو غرس غرساً وأجرى نهراً، ويسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده فيكون الأجر له.

فضل إنجاب الأولاد في الإسلام

00:13:59

هؤلاء الناس الذين عندهم قضية تحديد النسل يقولون: نحن لا نريد إنجاب أطفال فقط اثنين أو ثلاثة، فهؤلاء يفوتهم أجر كبير، لماذا؟

لأن الإنسان لو كان عنده سبعة أولاد خيرين أو بعضهم صالحين هذا يؤجر على هؤلاء؛ لأن كل واحد من الأولاد سيصلي ويحج ويصوم ويدعو ويطلب العلم، ويذكر الله، كل واحد منهم الأب له مثل أجره إذا كان الأب هو الدال على الخير وربى ولده على هذا، وليس أن نجد بعض الآباء يفلتون أولادهم في الشوارع ثم يأتي الدعاة إلى الله فيلتقطونهم من الشوارع ليدخلوهم في معترك الحياة الإسلامية الصحيحة، ثم بعد ذلك نقول: والله الأب يؤجر، الحمد لله ولده صار مستقيماً، صار مستقيماً ما هو من وراء الأب، ولا بجهد الأب، هذا أجره ما راح لأبيه، هذا راح للداعية الذي اهتدى على يديه، هذا لأهل الخير الذين أثروا فيه.

لكن عندما يربي الأب ابنه تربية إسلامية، لو عندك سبعة أولاد تربوا تربية إسلامية على يديك لو مت وفي حياتك أيضاً كل عمل صالح يعملوه لك مثل أجره من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً.

عرفنا الآن أهمية أن يكون للإنسان أولاد، غير تكثير نسل المسلمين، وغير الفوائد الكثيرة جداً التي تنشأ من الإنجاب.

وهؤلاء الغافلون المتأثرون بدعوات تحديد النسل يعملون عملهم في أوساط المسلمين.

أو يصنف كتاباً إن كان من أهل العلم، فإن تصنيف العالم ولده المخلد.

الآن الواحد لو أنجب ولداً، ومات الولد، عاش مثلاً ستين سنة ومات، العمل الصالح في هذه الستين سنة الأب يكون له نصيب منه بحسب جهده، لكن العالم عندما يصنف كتاباً، والكتاب يستفاد منه مئات السنين فإن تصنيف العالم ولده المخلد.

ونحن الآن عيال على هذا الكتاب فتح الباري مثلاً، عيال على كتب علماء السلف، عيال على صحيح البخاري، عيال على صحيح مسلم، عيال على مسند أحمد، عيال على كتب أهل الحديث، عيال على مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه.

فكل حرف نقرأه في هذا الكتاب ونستفيد منه ونحضر فيه موضوعاً ونلقيه إلى الناس فلأولئك العلماء مثل ذلك الأجر. فإن تصنيف العالم ولده المخلد.

وأن يكون هذا الحي عاملاً بالخير، فينقل من فعله، القدوات الآن، الإمام أحمد نقلت سيرته للناس، فتأثر الناس بها.

الآن الإمام أحمد في قبره يصله من الأجر، تأثر الناس بسيرته، لو واحد متعرض لاضطهاد فقرأ فتنة الإمام أحمد وثبت، فإن للإمام أحمد أجر ثبات هذا الرجل؛ لأن عمل الإمام أحمد في ثباته قد أثر في الناس بعده، فينقل من فعله ما يقتدي به الغير، فذلك الذي لم يمت.

في الجانب المقابل هناك أشخاص هامشيون:

قد مات قوم وهم في الناس أحياء.

فعلاً الآن ناس وجوده مثل عدمه، بل إن وجوده ضار.

فيه ناس لو ماتوا كان أحسن.

وفيه ناس لو ماتوا ما يحصل أي نوع من التغيير أو النقصان، لا في بيته ولا في مدرسته ولا في عمله ولا في مجتمعه.

لكن فيه ناس لو مات تأثر البيت من موته؛ لأنه كان يملأ فراغاً عظيماً في ذلك البيت، فيه مدير لو مات لتأثرت الدائرة كلها بسبب أثر ذلك المدير الصالح في دائرته التي يعمل بها.

فيه مدرس لو مات يجيبوا غيره عادي، الطلاب حزنوا لمجرد أنه مات للموت، لكن فيه مدرس لو مات خسرته المدرسة كلها.

قد مات قوم وهم في الناس أحياء؛ لأن ما لهم فائدة، ولذلك الإسلام يريد من المسلمين أن يكونوا طاقات فعالة، يعني لها أثر في الواقع، يعني أنت إذا لم يكن لك أثر في الواقع معناها أن عندك خطأ كبير جداً في منهجك يجب أن تراجع نفسك، لماذا ليس لك أثر في الواقع؟

أحوال الناس في التعامل مع الوقت

00:20:03

يقول ابن الجوزي وهو يتحدث عن مدينة بغداد: "رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً إن طال الليل فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب في غزاة أو سمر" [صيد الخاطر، ص: 157] بطولات أو معارك، كلام وأشياء، حروب، أو سمر، ونحن نضيف الآن أو أفلام الفيديو والتلفزيون والجرائد والمجلات والكتب الغثائية التي ترمى يومياً في الأسواق، وتملأ رفوف المكتبات، روايات قصص مدمرة.

اخترع أهل الباطل كتاباً اسمه كتاب الجيب، لماذا؟ لأنه يدخل في الجيب، قصة أو أي شيء، كتاب الجيب، وفيه كتب يسمونها مقاس فرنسي صغير، حجم الكف، لماذا؟ لأنه ممكن الواحد يأخذه معه أينما ذهب لكن قد لا تجد مثل هذه الخدمة في الكتاب الإسلامي، ممكن تحصل ميكي جيب، وإن كان الحمد لله الآن بدأت تظهر كتيبات صغيرة تحمل في الجيب وأشياء من الأذكار وغيرها، لكن تأمل أن بعض الناس فعلاً يقتلون وقتهم قتلاً بهذه الأشياء.

"إن طال الليل فبحديث لا ينفع أو بقراءة كتاب في غزاة أو سمر، وإن طال النهار فبالنوم وهم في أطراف النهار" [صيد الخاطر، ص: 157] يعني حول المغرب مثلاً على دجلة أو في الأسواق، نحن الآن نقول: على الكورنيش أو في الأسواق، فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم وما عندهم خبر، سفينة العمر تجري وسترسو على شاطئ الموت وما عندهم خبر.

نجد شرائع الإسلام متكاملة يعضد بعضها بعضاً، ولذلك من حكمة الشريعة، هذه قاعدة دائمة في الشريعة، إذا أمر الشرع بشيء أمر بتهيئة أسبابه، ونهى عما يخالفه ويضاده، فمثلا: لماذا نهى رسول الله ﷺ عن قيل وقال وكثرة السؤال؟ لماذا؟

لأن أقل ما فيها مضيعة الوقت، ولذلك نهى السلف عن السؤال عما لم يقع، وهؤلاء الناس الذين طبعهم أريتياً: أرأيت لو كان كذا؟ أرأيت لو حصل كذا؟

وطبعاً هذا شيء بسيط، هذا كثرة السؤال وقيل وقال، بجانب انشغال الناس الآن في الزينات والكماليات ومتاع الدنيا، وانشغال الناس في البهارج هذه، يعني لا يقارن.

المشكلة أن الناس يظنون أن حالتهم ستستمر كما هي، شاب أو غني يظن أن حالته ستستمر كما هي.

بعض الناس يظنون يقول: "فأما النظر في الحالة الراهنة فحالة الجهلة الحمقى، مثل أن يرى نفسه معافى وينسى المرض" [صيد الخاطر، ص: 438] واحد الآن يرى نفسه بصحة فيستبعد أن يمرض، الآن أنت أيها الرجل الصحيح هل يخطر ببالك الآن وأنت صحيح أنك مثلاً قد تصاب بمرض شديد جداً؟

الواحد الآن وهو غني وراتبه كبير، وعقاراته تدر هل يتصور الآن في حال الغنى أنه قد يفتقر؟

ما يتصور؛ لأنه لم ير شيئاً بعينيه إفلاس أو مرض، ولذلك فهو يظن أن حاله سيدوم، كلما أصبح وأمسى معافى زاد الاغترار وطال الأمل".

استغلال نعمة الصحة والفراغ

00:24:54

الواحد لو جلس معافى خمسة أيام يمكن يخشى المرض.

طيب لو جلس شهراً ما صار له مرض، لو جلس سنة وما أصابه مرض، كل هذا الطول في الزمن هو أيضاً يستبعد بازدياد أن يحدث له مرض.

وهذه بالضبط مشكلة الناس عندما يكبرون في السن، فيرى نفسه الآن عاش عشرين سنة، فيقول: إيه باقي، أربعين سنة، يقول: عشت أربعين مادام عاش أربعين بالنظر إلى الماضي، يقول يعني ستين، فأمله يزداد في العيش لأنه عاش ما صار له شيء، فهو إذاً يأمل.

فيه أمل محمود وأمل مذموم.

الأمل المحمود واحد يأمل في الخير، لكن الأمل المذموم هو الذي يدعو إلى التسويف -كما سيمر معنا-.

فالعاقل الذي يأخذ بالاحتياط.

فإذا مرض أو افتقر عنده رصيد الحمد لله.

إذا ما مرض ولا افتقر ما تضرر.

 ((اغتنم فراغك قبل شغلك)) الآن الناس أنواع: فيه طالب، فيه موظف، فيه أعزب، فيه متزوج، فيه صغير، وفيه كبير، فالآن بعض الناس الذين يعيشون في نوع من العافية من هذه الأشياء لا يفكر في المستقبل، وهذه هي المشكلة، فمثلاً الطالب يظن أنه في المستقبل إذا تخرج من الجامعة فإنه سيكون لديه وقت أطول، وسيتحرر من الدراسة ومن الامتحانات، وأن الوقت سيتسع بالنسبة له، لكن في الغالب لا يكون ذلك، وتمر بالموظف أوقات يتمنى أن يكون فيها في حياة الدراسة.

دع الآن موظفاً يدخل الجامعة التي درس فيها قبل عشر سنوات، ماذا سيكون شعوره؟

سيقول: أين أيام زمان؟ أيام كان الواحد ما عنده مسؤوليات، أيام كان الواحد عنده عطلة الربيع، وعطلة صيفية، وعطلة خميس بالنسبة للناس الذين وظائفهم فيها الخميس، ويقول: الدراسة تنتهي الساعة ثنتين مثلاً، لكن العمل فيه ليلي أحياناً، وين أيام زمان؟

لكن لما تذهب إلى الطالب يقول: الآن عندي خطط في طلب العلم، وعندي خطط في الدعوة، وعندي خطط في صلة الرحم، أنتظر حتى أتخرج أتفرغ من هم الدراسة وهم الامتحانات وأتفرغ إن شاء الله وأفعل هذه الأشياء كلها، وأنفذ المخططات، لكن عندما يتخرج تقع الواقعة، فينشغل بالوظيفة، والوظيفة ليست سهلة، الآن الوظائف مع مرور الزمن تتعقد، ويحصل فيها من الصعوبة أكثر من ذي قبل.

ولذلك لا تفكر أبداً وأنت طالب أنك إذا دخلت حياة الوظيفة معناها أنك ستدخل عالماً من الفراغ الذي ستستغله في كثير من الأعمال الصالحة بل إنك وأنت طالب عندك من الإمكانيات ما ليس عند الموظف، فلا تغتر واغتنم فراغك قبل شغلك.

أنت الآن لم تتزوج بعد، الواحد أحياناً يقول: الآن عزوبية والأوقات مختلطة، لكن غداً أتزوج، أجلس في بيتي، أستقر ويصير عندي وقت كبير، لكن عندما يفكر في قضية الزواج، الزواج مسؤولية ويأتيك أولاد، وتحدث عندك روابط اجتماعية وستزور أهل الزوجة وعم الزوجة وعمة الزوجة وخال الزوجة وخالة الزوجة، وأقرباؤك الذين لم تكن تعمل حساباً لهم ستضطر أن تعمل لهم حساباً بعد الزواج.

الواحد أحياناً عندما يكون فرداً، قد لا يزور بعض  أقربائه، لكن عندما يتزوج طبيعة الوضع تفرض عليه، سيأتيه أقرباء له بزوجاتهم ليتعرفوا على زوجته وهو يضطر لأن يزورهم أيضاً، ويدخل في معمعة من الزيارات العائلية، ويضطر لحضور مناسبات كثيرة؛ لأنه متزوج طبعاً، الزواج ليس سيئاً، لكن نقول: ((اغتنم فراغك قبل شغلك)) الزواج عبادة تنفتح لك أبواب من الأجر، لكن فيه أشياء تستطيع أن تفعلها قبل الزواج لا تستطيع أن تفعلها بعد الزواج، فيه عبادات تستطيع أن تستكثر منها قبل الزواج ما لا تستطيع أن تستكثر منها بعد الزواج.

لذلك السفر في طلب العلم إذا تزوجت قد يصعب عليك أن تقوم بهذه العبادة، لما يصير عندك أولاد كثيرون يصعب عليك دائماً أن تأتي بعمرة وراء عمرة، لكن عندما تكون فرداً يسهل عليك أن تخرج كثيراً.

قد تبيت في مكان آخر لتواصل عبادة أو طاعة أو طلب علم تبيت ما عليك، ما عندك زوجة لكن عندما يصبح عندك زوجة يجب أن ترجع إلى العش، وتبيت فيه.

وسيصعب عليك أن تترك الغداء عند أولادك وعند أهلك، لكن عندما تكون طليقاً من هذه الناحية يمكن أن تفعل أشياء لا تفعلها في حال الزواج.

ستنشغل في بناء بيت، قد تنشغل في مشروع تجاري إضافي، قد تنشغل في شراء أغراض، الآن الذين عندهم أولاد لو تفكر فقط في قضية تطعيم الأولاد، وكلما مرض ولد تأخذه على المستشفى، هذه المسألة بند كبير في الأوقات المصروفة.

شراء الأغراض من السوق، استئجار بيت، تأثيث بيت، توفير لشراء سيارة، دفع فواتير الهاتف والكهرباء، وشراء ملابس، حاجات كثيرة جداً ستسهلك الوقت.

لا تظن أنك في المستقبل ستتفرغ أكثر، الآن استغل الوقت.

أيضاً من الأشياء الأخرى الواحد عندما تكبر مسؤولياته الاجتماعية، ويصبح عدد أفراد أسرته أكثر، أو يكبر أبوه ويصبح غير قادر على العمل، وتزداد الرعية واحداً، يصير الآن اللي يجب أن يصرف على بيت ثانٍ، فيه ناس كانوا يصرفون على بيت، الآن صار يصرف على بيتين، وقد يصرف على ثلاثة بيوت، فيضطر أن يعمل عملاً إضافياً في المساء أو يشترك في مشروع تجاري غير الوظيفة، من أجل أن يلاحق المسؤوليات.

لا تظن أنك ستجزم أنك تتفرغ في المستقبل أبداً.

الآن قد يكفيك راتب لشراء السلع، لكن ما تدري غداً تقل الرواتب وإلا السلع ترتفع أسعارها، مع التضخم الذي يعيشه العالم اليوم، فالشيء الذي ستشتريه الآن بعشرة ريالات في المستقبل قد لا تشتريه إلا بخمسين ريالاً، وستضطر أن تعمل أكثر لتكسب أكثر لتستطيع أن تشتري.

طبعاً هذا الاضطرار قد يكون مذموماً، قد يكون انشغالاً بالدنيا عن الآخرة، لكن فيه أحياناً أشياءً ملجئة فعلاً، وهي عبادة أنك تصرف على أفواه جائعة، وعلى أناس محتاجين، هذه عبادة ، لكن هذه العبادة ستشغلك عن عبادة أخرى كنت تستطيع أن تعملها في الماضي.

فإذاً، اغتنم فراغك قبل شغلك.

استغلال مرحلة الشباب

00:34:49

الشخص عندما يكون في مقتبل عمره يكون ذهنه صافياً، لذلك كان عمر بن الخطاب يجعل في مشورته الشباب، بالإضافة إلى الشيوخ، نوعية معينة من الشباب، لماذا؟

لصفاء أذهانهم، كان يبتغي حدة عقول الشباب، فكان ابن عباس في مشورته عمر، ولو من العمر ثلاثة عشر سنة، لكن لأن ذهنه حاد قد ينقدح في ذهنه من الأفكار ما لا يأتي في أذهان الشيوخ.

الشاب لأنه ليس عنده مسؤوليات ما عنده أولاد إذا مرضوا ينهم بهم، ولا عنده أولاده إذا تخرجوا من الجامعة يهتم أن سيذهبون ويتوظفون، ولا عنده أولاد إذا كبروا سيبحث للولد عن زوجة، وإذا كان عنده بنت فسيحمل هم زواج البنت، هذه الهموم، وهم المستقبل والأولاد، و.. و.. هذه الهموم تكدر صفاء ذهن الشخص.

ولذلك الآن ترى بعض الشباب يحفظ قرآناً فيريد من أمه أو من أبيه أن يحفظ معه، بنفس المعدل، ويا أمي لماذا؟ لماذا لا تحفظي؟ احفظي قرآناً، أنا حفظت كذا بفترة، لكن ذهنك غير ذهنها، والهم الذي عندك غير الهم الذي عندها، ولذلك تجد كثير من كبار السن يقول: يا ولدي راحت علينا أيام، يا ولدي الآن ما نستطيع نحفظ، ما نستطيع نصلي مثلكم صلاة التراويح طويلة؛ لأن الإنسان مع الزمن يستهلك، حواس تضعف، ولذلك كان من الدعاء النبوي: اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أبقيتنا أو ما أحييتنا  ليس فقط هذا واجعله الوارث منا، اجعله زائداً بحيث كأنه يفيض بعد موتنا، أو ورثه لأولادنا، هذه قوة الأبصار أو هذه القوة اجعلها في أولادنا، فصفاء الذهن هذه نعمة ينبغي أن تستغلها الآن في طلب العلم، في الحفظ، في التفكير في أشياء.

الإنسان لا يدري ماذا تخبئ له الأيام.

الآن هو قد يكون صحيحاً لكن في المستقبل قد يمرض مرضاً مزمناً.

نسأل الله العافية.

اسأل كثيراً من المرضى اللي عندهم أمراض مزمنة قل لهم: قبل أن تصابوا بهذا المرض كيف كنتم؟

كانوا شباباً،  كانوا في صحة، لكن بعد ذلك مرض مرضاً شديداً، يا إنه في المستشفى أو في الفراش في البيت، لا يخرج إلا نادراً، قد يريد من يحمله لقضاء حوائجه، بعض الناس لا يحسب هذا الحساب.

 قال الشاعر:

يسر الفتى طول السلامة والبقاء فكيف ترى طول السلامة يفعل
يرد الفتى بعد اعتدال وصحة ينوء إذا رام القيام ويحمل

الآن انظر إلى واحد كبير في السن كيف يقوم؟

يقوم على مراحل، يمكن على اليد الأولى ثم على الرجل الأولى ثم على اليد الثانية ثم على الرجل الثانية، يقوم على مراحل، وربما يحمل حملاً لكن انظر في شاب تجده يستوفز، إذا أراد أن يقوم قام مرة واحدة.

اغتنم، اغتنم، اغتنم، فراغك قبل انشغالك بأمراض، قبل انشغالك بتعب الشيخوخة وأمراضها.

وهؤلاء الشباب الذين لم يقدروا لهذا السن قدره عليهم أن يتمعنوا جيداً.

أترجو أن تكون وأنت شيخ كما قد كنت أيام الشباب؟

لقد كذبتك نفسك ليس ثوب دريس*** (بالي مع الاستعمال) دريس كالجديد من الثياب

ليس مثله.

الناس مختلفون، فيه أصحاب عقارات تدر عليهم أرباح، جالس في البيت ما عنده شيء إلا أنه يحصل في آخر السنة الأجرة.

لكن فيه ناس أبوه غني قد يصرف عليه وعلى بيته.

فيه ناس أبوه فقير يصرف هو على نفسه وعلى أبيه.

فيه ناس عائلتهم غنية، فإخوانه أغنياء وأعمامه أغنياء وأخواله أغنياء، لو يريد يستلف شيئاً وجد من يسلفه، لو غاب وجد من يصرف على بيته.

لكن فيه ناس قد يضطر يصرف على عدة عوائل.

فيه ناس أولادهم في صحة، قد لا يذهب للطبيب والعيادة إلا في السنة مرة، أو ما يذهب إلا نادراً.

فيه ناس عندهم أولاد مرضى قد يضطر للسفر من أجل علاجهم، ويقضي فترات طويلة يتنقل في المستشفيات.

تأمل، واحد عنده ولد مصاب بمرض من الأمراض كيف يكون وضعه مع الولد؟ دائماً منشغل بالولد، ارتفعت الحرارة، راح للدكتور، ما وجد علاجاً في المستشفى هذا، ذهب للثاني، ذهب للثالث، ما وجد في الظهران راح للرياض، راح لجدة، ما وجد هنا راح لمصر، ما وجد راح لأمريكا، راح يدور العلاج.

هذه فيها تذاكر سفر وفيها أموال تنفق وفيها جهود، وفيها أوقات هذه كلها تروح في العلاج، المسألة ليست سهلة.

البارحة سمعت عن مرض، وهو عبارة عن سؤال وردني لكني عندما جلست أفكر فيه فعلاً تذهل وتحمد الله على العافية، فعلاً تسمع القصة تحمد الله على العافية، هو سؤال كان يتعلق بأحكام الطهارة يعني بالوضوء، الوضوء إذا كان الإنسان على يده حائل مرهم مثلاً يمنع وصول الماء، ما القصة؟

القصة أن عائلة فيها ولدان مرضهما أنهما ظهر طفح في الجلد، ثم صارت بثور، ثم تحولت إلى أورام سرطانية دقيقة، أو صغيرة لها جذور في الجلد إلى الأسفل إلى الداخل، ولا يمكن لهذا المريض أن يرى النور أبداً، يعني النور يضره جداً، فلذلك لا يمكن يجلس تحت أنوار، ولا في أشعة الشمس، ولا حتى أمام نور شاشة التلفزيون، ولا بد أن يضع نظارة طول الوقت لا يفسخها إلا قبل النوم، ولا بد أن يدهن من العلاج الجلد كله بمرهم عازل للضوء، عازل للأشعة، أربعة وعشرين  ساعة، والمرض لا يعرف له علاج في العالم، وفي المستقبل قد يزداد حتى يضرب في مناطق الأعصاب فيسبب آلام رهيبة.

الآن أنت فقط تأمل الأم المنشغلة بهؤلاء الأولاد، كيف بيت ما فيه نور، يعني لا بد تساعدهم في دهن الجسم بالمرهم دائماً، تصور بيت مثلا في أولاده فيهم عاهات، أو كبار في السن فيهم عاهات، يحتاج واحد يشيله واحد يوديه وواحد يطعمه وواحد يسقيه، وأن يخرج له الفضلات، وأن ينقله من الحمام إلى الغرفة، الله -عز وجل- له حكم، لله في خلقه شؤون، لكن نحن بسبب الصحة غافلون.

لكن لو أردت أن تعرف شيئاً من الحقيقة ادخل مستشفى من المستشفيات، وتأمل في حال هؤلاء المرضى في الأقسام المختلفة، سئل الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله-: هل يجوز زيارة المستشفيات للاعتبار؟

قال: نعم، ممكن واحد يذهب للمستشفيات فقط ليعتبر، شف الناس اللي في الأسرة اللي مطرح في السرير هذا. عندما نعلم هذه الأشياء لا بد أن نتأثر لكي نستغل الصحة التي نحن فيها الآن لأننا لا نعلم حقيقة ماذا سيحدث لنا في المستقبل.

قد يحدث لنا مرض، عدة أمراض مرض مزمن نسأل الله العافية، لكن الإنسان عليه أن يتعظ ويأخذ عبرة.

فنرجع نقول: الناس أصناف منهم من دخله كبير، ومنهم من دخله يحتاج إلى عمل شديد، إنسان عنده شركات، هذا غير واحد عامل يجلس يشتغل في الشمس في البناء، ساعات طويلة.

الشخص اللي في بداية الزواج غير الشخص الذي عنده أولاد، والشخص الذي في بداية الوظيفة ليس مثل الشخص الذي عنده تطور في الوظيفة ودخل فيها وتشعب، وازدادت مسؤولياته الوظيفية.

ما هو المقصد من وراء ذكر هذه المسألة؟

أن الله -عز وجل- يؤاخذ الناس على حسب النعم التي أعطاهم إياها، فأنت لا تظن أن الشخص الذي عنده عقارات تأتيه الإيجارات هكذا في نهاية السنة وهو جالس، هذا حسابه على وقته عند الله مثل العامل الذي يضطر أن يشتغل ستة عشر ساعة في اليوم، في الشمس وفي البرد أحياناً، ما تتخيل أنهم مثل بعض، عندما يكون الرجل عنده وقت طالب أو أعزب ما هو حسابه عند الله مثل الرجل المتزوج اللي عنده مسؤوليات أولاد، وهكذا..

المرأة، أحياناً تكون المرأة فتاة في مقتبل العمر، ما عندها شيء أبداً، ما عندها مسؤولية، أمها هي التي تطبخ، هي التي تنظف البيت، أو البيت فيه خدامات -والعياذ بالله- من خدامات السوء، هذه المرأة عندما تكبر وتتزوج، وهي متزوجة قبل الأولاد حسابها غير لما يأتيها أول ولد، حسابها غير لما يصير عندها ولدان، حسابها يختلف عندما يصير عندها خمسة أولاد أو سبعة أولاد.

ولذلك ((اغتنم فراغك قبل شغلك)) ترى هذه حكم نبوية لها مدلولات عظيمة لكن أكثر الناس لا يعلمون، وأكثر الناس لا يفقهون، وأكثر الناس لا يتفكرون، لا يتعظون، تستهلكم الحياة دون أن يخططوا شيئاً للمستقبل، ودون أن يحتاط الآن للمستقبل.

وأيضاً الناس بالنسبة للإجازات مختلفون، الطالب قد يكون عنده عدة أنواع من الإجازات، إجازة صيفية، شهرين، شهرين ونصف، ثلاثة شهور، إجازة الربيع: أسبوعين، ثلاثة أسابيع، قد يكون عنده إجازات مختلفة، الموظف قد لا يكون عنده إلا شهراً أو شهراً ونصف، عطلة نهاية الأسبوع إجازات، لكن الشاب عندما يكون عنده إجازة غير رب الأسرة عندما يكون عنده إجازة، الطالب عندما يكون عنده إجازة يستغلها فيما يشاء حر، لكن رب العائلة عندما يصبح عنده إجازة سيستغلها في بعض الأشياء، كان ناوي يبني بيتاً، إذاً يروح وقت الإجازة في البيت، فيه ولد يحتاج له عملية كان مؤجلها للإجازة، سواها، فيه حاجة تحتاج تصليح مؤجلة إلى الإجازة سواها، فيه شيء يحتاج إلى سفر مؤجل للإجازة، وهكذا تجد أن إجازات بعض الناس هي أشغال في الحقيقة، أكثر من أيام الوظيفة، بينما إجازات بعض الناس هي عبارة عن فراغ في فراغ في فراغ.

فالمقصود الآن أن المسؤولية أمام الله والحساب يوم القيامة ليسوا سواء.

عندنا الآن سؤال: ما هي الجوانب التي يحرص الإنسان على أن يؤسس فيها نفسه في فراغه قبل أن ينشغل؟

الآن لو صار عندك فراغ لو كنت شاباً في مقتبل العمر، ما هي الجوانب التي تستغل فيها فراغك لتؤسس فيه نفسك؟

بداية العمر هذه فترة تأسيسية، مثل البناء تضع الأساسات ثم تبني.

أهمية العبادة في مرحلة الشباب

00:50:40

فترات الشباب هي فترات تأسيس في الحقيقة للعاقل، فترات الشباب فترات تأسيس وبناء.

ولذلك ينبغي أن تستغل في عدة أمور نذكر اثنين منها:

الأول: مجاهدة الشاب المتفرغ لنفسه في تعويدها على الأعمال الصالحة والعبادات المختلفة.

وهذا نقطة مهمة جداً العبادة إذا جاءت في البداية مبكرة تصادف موقعاً جميلاً وتدخل فيه وتترسخ وتصبح سجية، يعني لو أن شاباً تعود على قراءة جزء من القرآن يومياً، وعلى إدراك تكبيرة الإحرام دائماً، وعلى صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإن هذا التأسيس سيصبح سجية فسيستمر معه طيلة حياته.

لكن لو قلت لكبير في السن : الآن أنت غير متعود على قراءة جزء من القرآن في اليوم نريد أن نعودك على قراءة جزء من القرآن في اليوم، أنت ما كنت تصوم النوافل سنعودك الآن أنت أيها الشيخ الكبير على أن تصوم النوافل دائماً، هل تتوقع أنها ستكون مسألة سهلة؟

لا، أبداً العبادة إذا جاءت على شغل لا ترسخ في النفس، لكن لو جاءت العبادة على فراغ في النفس فإنها تصبح عادة وطبعاً وسجية.

ولذلك الآن ندرك خطأ الفكرة التي يظنها كثير من الناس يقول: يا أخي هذا شاب خليه يتمتع في شبابه، تريدون أن تنكدوا على الشباب، تريد تضيع عليه أحلى أيام عمره وزهرة شبابه؟ تقول له: مسجد وعلم ودعوة، خل العالم يا أخي تنطلق، خل هذا يتمتع فيه، هذا الأشياء لاحقين الأشياء الثانية بعدين: أنتم خطتكم، وأنتم خطتكم.

لكن هؤلاء ترى مساكين فعلاً الذين يفكرون بهذا التفكير.

إذا أردت الدليل فاستمع معي لهذا الحديث، في البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي ﷺ قال له:  بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل فلا تفعل، فإن لجسدك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، أو حظاً [رواه البخاري: 1977] في رواية:  صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صوم الدهر، الحسنة بعشرة أمثالها  الثلاثة بعشرة بثلاثين كأنه صام الشهر كله، ثلاثة أيام من الشهر اللي بعده كأنه صام الشهر الذي بعده، وهكذا كأنه صام الدهر إذا صام ثلاثة أيام من كل شهر.

قلت: يا رسول الله إن بي قوة أو إن لي قوة؟

وكان عبد الله بن عمرو في فترة شباب، فقال: إن لي قوة، هو يستغل شبابه في قيام الليل وصيام النهار، لما الرسول -صلى الله عليه وسلم- أراد منه أن يعتدل في عبادته، قال: إن بي قوة؟ قال: فصم صوم داود -عليه السلام- صم يوماً وأفطر يوماً.

وفي رواية: ذكرت للنبي ﷺ الصوم فقال:  صم من كل عشرة أيام يوماً ولك أجر التسعة نفس الثلاثة أيام من كل شهر، قلت: إني أقوى من ذلك؟ أنا أقوى من هذا، ممكن أستوعب أكثر، قال: فصم من كل تسعة أيام يوماً ولك أجر الثمانية، فقلت: إني أقوى من ذلك؟ قال: فصم من كل ثمانية أيام يوماً ولك أجر السبعة، قلت: إني أقوى من ذلك؟ قال: فلم يزل يعني يتدرج معه حتى قال: صم يوماً وأفطر يوماً  [رواه النسائي: 2395، وأحمد: 7087، وقال: "إسناده حسن"] يعني من كل يومين يصوم يوماً.

وفي رواية: أن عبد الله قال: فإني أطيق أفضل من ذلك؟ قال رسول الله ﷺ:  لا أفضل من ذلك [رواه البخاري: 1976، ومسلم: 1159] يعني بعد أن تصوم يوماً وتفطر يوماً، ما في أفضل منه، هذا أفضل الصيام صيام داود.

لكن صيام داود هذا مشروط بأمر ورد في الحديث وهذا الأمر مهم، وهو في تكملة للحديث، ولكنه لما وصف الرسول ﷺ صيام داود: ولكنه كان لا يفر إذا لاقى، يعني لم يكن هذا الصوم صيام يوم وإفطار يوم لم يكن ليعجزه ولا ليضعفه عن الجهاد، فإذا كان صوم يوم وإفطار يوم سيجعلك تضعف عن القيام بالوظائف الأساسية، بيتك أهلك عملك صلاتك، جهادك، طلبك للعلم، فإنك قد انشغلت بمفضول عما هو أفضل منه، هذا شرط صيام يوم وإفطار يوم.

سؤال: كيف تعود الأعمش -رحمه الله- على إدراك تكبيرة الإحرام بحيث يقول الراوي: إن الأعمش لم تفته تكبيرة الإحرام ستين عاماً؟

معناها أنه كان متعوداً منذ الصغر، من أيام الصغر وهو متعود على إدراك تكبيرة الإحرام.

فلذلك ينبغي أن يتعود الإنسان في أوقات الفراغ، يستغل أوقات الفراغ في العبادة، هذا مهم جداً للشاب، تأسيس نفسه على العبادة، وأنواع الأذكار وأنواع العبادات حتى ينطلق.

اغتنم في الفراغ فضل ركوع فعسى أن يكون موتك بغتة
كم صحيح رأيت من غير سقم ذهبت نفسه الصحيحة فلتة

سكتة قلبية.

فيه مفهوم مهم في معنى وقت الفراغ، بعض الناس يظن وقت الفراغ يعني يسوى كل شيء إذا زاد عندنا وقت، يعني طلبنا العلم إذا زاد عندنا، وقت دعونا إلى الله إذا زاد الوقت.

هذه من الأشياء الأساسية إذا أردت أن تعرف المعنى الصحيح لهذا تأمل معي في آخر سورة:  أَلَمْ نَشْرَحْ  [الشرح: 1]،  فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ  [الشرح: 7 - 8].

ما معنى إذا فرغت فانصب؟

قال أهل العلم في تفسير ابن كثير: "فإذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها يعني المهمة بيتك أهلك أولادك فانصب في العبادة، وقم إليها نشيطا".

وقال بعض المفسرين: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل.

وقال بعض المفسرين: فانصب في الدعاء.

وقال بعضهم: فإذا فرغت من الجهاد فانصب في العبادة [تفسير ابن كثير: 8/418 - 8/419].

وهذا يدلك على شيء مهم جداً، يدلك على أن أوقات الفراغ هي غير أوقات العبادات المفروضة في أوقات معينة، مثل صلاة الجماعة، مثل الجهاد إذا صار وقت الجهاد، وهكذا.. غير هذه أوقات الفراغ لا تستغل، تذهب هدراً، وإنما يجب أن تستغل في العبادة.

أهمية استغلال مرحلة الشباب في طلب العلم

01:01:50

والأمر الثاني هو قضية طلب العلم، طلب العلم من الأمور المهمة جداً التي ينبغي أن يستغل الإنسان وقته فيها، لذلك يقول عمر : "تفقهوا قبل أن تسودوا".

ما معنى قبل: أن تسودوا؟

يعني قبل أن تصبح إنساناً ذا شأن قبل أن تصبح إنساناً مشغولاً بمسؤوليات ومنصب قبل أن تصبح سيداً أو تصبح متصدراً للناس تفقه.

غدا عندما تصبح منشغلاً بذلك المنصب أو بتلك السيادة ربما لا تجد وقتاً كافياً لطلب العلم.

"تفقهوا قبل أن تسودوا".

وأيضاً السيادة تحتاج إلى فقه وإلا فكيف يقود الناس إنسان جاهل؟ لذلك يقول عمر: "تفقهوا قبل أن تسودوا".

ولذلك كان علماؤنا -رحمهم الله- لا يضيعون وقتاً بغير فائدة، فترى وقتهم مقسوماً بين القراءة والتصنيف والإفتاء والقضاء والحفظ والتدبر والعبادة وإنكار المنكر والجهاد في سبيل الله والتدريس، حتى أن بعضهم كان له ثلاثة عشر درساً في اليوم، ويقرأ عليهم أحياناً في الطريق وهم يمشون، ويسألون العلماء في الطريق.

وربما إذا دخل بعضهم الخلاء أمر القارئ أن يرفع صوته حتى يستغل وقته وهو في الخلاء، فيسمع العلم.

وربما فكروا بالمسألة وعلموها أو تعلموها وهم في النزع الأخير من حياتهم على فراش الموت.

وأكل بعضهم الطعام نيئاً لعدم الوقت للطبخ.

وكان بعضهم يختصر الوجبات، يقتصر على وجبة في اليوم، وينتقون الأكلات سهلة التحضير، سهلة المضغ ليوفروا وقتاً لطلب العلم.

وإذا انشغل أحدهم ببري القلم وهو يكتب انطلق لسانه بذكر الله أو مراجعة المسائل، حتى لا يتوقف عن عمل مفيد. لكن الآن يريد أن يبري القلم يتأمل في البراية، ويطالع في المراية اللي من وراء.

وكانوا لا ينامون إلا قليلاً حتى ربما خفق رأس بعضهم في كتابه.

هكذا كانوا حريصين جداً على طلب العلم.

طالب العلم من المشاكل الكبرى أن يبرز للناس وأن يتصدر قبل أن يتأسس علمياً؛ لأنه سينزلق في مزالق، ويطب في مطبات وحفر شيطانية، من إفتاء الناس بغير العلم مثلاً، وسيأفل سريعاً ويزوي؛ لأنه تصدر ما عنده أساس علمي قوي، تصدر للناس يعرف كلمتين، انتهت الكلمتان التي يعرفها فينفض الناس من حوله.

بعض الوعاظ، بعض الخطباء، بعض طلبة العلم، يبرز للناس ولما يتأسس بعد.

عنده حصيلة قليلة، ألقى كذا خطبة، كذا درس انتهى الذي عنده، خلاص، حتى لو كان مع رفقاء له يعلمهم، علم فلاناً وفلاناً، علمهم شهراً شهرين سنة سنتين، انتهت الحصيلة، صاروا مثله في النهاية، صاروا سواء بعد فترة ؛ لأنه لم يستغل وقته في الطلب.

والمسلم الجيد هو الذي لا يزال الناس يجدون عنده ما يحتاجون إليه، ولذلك نعتبر من بعض العلماء الذين بارك الله في أوقاهم، إذا نظرت في حال شيخنا عبد العزيز -حفظه الله- تجد منه من حاله عجباً.

هذا الرجل أسس نفسه على العلم منذ الصغر، أسس نفسه على الأصول، على القرآن ودواوين السنة، عنده الأصول أسس نفسه عليها، وهو لا يزال يراجعها، ولذلك ترى حلقات الشيخ أكثرها قراءة وهو يسمع، يعني يقرأ عليه أكثر مما يعلق، فهو لا يزال يراجع الأصول، ولذلك عندما تأتي النازلة ليفتي فيها الشيخ عنده الأصول، وهي قد اختمرت في ذهنه بمرور السنين وتواليها، آيات وأحاديث كثيرة جداً اختمرت في ذهنه، تأسست نفسه في العلم، فلو جاءت نازلة قال فيها.

لكن لو جاء واحد الآن طالب العلم جاءت نازلة سيبحث في الكتب وفي الدواوين وأقوال العلماء والأشباه والنظائر، ويرى الأمور ثم بعد ذلك قد تكون فتواه صحيحة، وقد تكون عوجاء.

ولذلك ترى الآن العلماء الحقيقيين وإن كانوا قلة وندرة إلا أنهم عندهم القدرة على الكلام في مستجدات العصر بعلم طبعاً، وإلا فيه ناس يفتون بجهل في مستجدات العصر.

ولذلك مثل الشيخ حفظه الله الذي لديه خلفية قوية في أصول الإسلام لا يحتاج أن يفتش وينقب دائماً في الكتب ويبحث مثل طالب العلم في البداية، إذا أراد أن يأتي في مسألة يبحث فيها.

وأيضا الداعية إلى الله مهم جداً يؤسس نفسه قبل أن تتراكم عليه المسؤوليات الدعوية والتربوية، فإن الإنسان إذا كان يسير في طريق الدعوة والتربية فإن مسؤولياته في ازدياد من يوم إلى آخر إذا كان مخلصاً عاملاً نشيطاً فإن مسؤولياته ستزداد يوما بعد يوم، وإن رعيته التربوية ستكبر وتتضخم، فإذا لم يكن عنده أساس قوي فكيف سيقوم بمواجهة هذه المسؤوليات والاطلاع بها.

ولذلك الآن تجد بعض المشايخ الكبار قد لا يجد وقتاً للقراءة أحياناً؛ لأنه يتنقل من مكان إلى مكان، ويلقي محاضرة هنا وهناك، ودرساً هنا وهناك، ويتصل الناس عليه ويستفتونه.

الشيخ ابن عثيمين قال كلمة جميلة، أقصد في جمال المدلول، في الحرم في رمضان، يدرس حلقة بعد الفجر، وحلقة بعد المغرب، والناس يسألونه بعد الصلوات، وبعد العصر له غرفة مخصصة يتصل عليه الناس، قال: والله يا جماعة أحيانا لا أجد وقتاً أن أقرأ القرآن.

فإذاً، لماذا؟

أحياناً يكون الإفتاء أفضل من تلاوة القرآن، حسب حاجة الناس، خصوصاً للذي لم يهجره.

فإذاً، تصور الآن عندما يكون مكان هذا الشيخ واحد مسكين، بضاعته في العلم مزجاة، ماذا سيفعل؟ إذا استهلك من الناس ليس عنده شيء وليس عنده وقت يقرأ وتتوزع جهوده شذر مذر.

ومن هنا كان لا بد للدعاة الصادقين من إيجاد خطة لتفريغ الدعاة إلى الله.

ويجب على أهل الغنى والثراء أن ينظروا في بعض الأحيان، توجد هناك مشاريع إسلامية يكون بعضها في الخارج لتفريغ دعاة إلى الله يتجولون في بلاد الكفار أحياناً ليلقوا الدروس والمحاضرات، تفريغهم لهذا المجال ولهذا العمل بدلاً من أن يعمل في شركة أو مؤسسة ويستهلك وقته فيها، ترتيب الرواتب لهم من أعظم أبواب الأجر؛ لأنه سيستطيع أن يعطي بعد ذلك.

ولذلك كان العلماء في الماضي لهم رواتب من بيت مال المسلمين، العالم ما عنده علم إلا طلب العلم والتعليم.

وهذا التفرغ هو الذي أنتج في الماضي.

مداخل الشيطان على الإنسان المتعلقة بالوقت

01:11:20

ومن الأمور -نختم كلامنا- بثلاثة مداخل ربما أحياناً تكون شيطانية.

بعض الناس لو ما هداه الله إلا بعد فترة من الزمن، صار عمره ثلاثين سنة أو أربعين سنة، ثم هداه الله، فماذا يحصل له؟

يقول: خلاص فاتني وقت الطلب، فاتني وقت تأسيس نفسي على العبادة، راح علي الزمن، راح علي الوقت، خلاص، فاتني القطار، فماذا يفعل؟

يشتغل بالندم على الوقت الفائت فيسبب تضييع الوقت الحاضر، هذه نقطة شيطانية خطيرة جداً.

الواحد منكم فاته في الماضي طلب العلم أو فاته تأسيس نفسه في العبادة، قد يقول: خلاص فاتني القطار، راح علي الوقت، انتهى، لكن خطأ هذا كما قال أهل العلم: الاشتغال بالندم على الوقت الفائت هو تضييع للوقت الحاضر.

ولذلك صارت القاعدة الذهبية: ما لا يدرك كله لا يترك بعضه.

إذا ما استطعت أن تأخذ طريق العلم من بداية عمرك لا يترك بعضه، وهناك من العلماء من طلب العلم وهو كبير، وهو ابن أربعين وخمسين، وأصبح نابغة في هذا، فيه عباد وزهاد لم يتعبدوا لله إلا بعد فترة طويلة من حياتهم.

الآن أنت انظر في حال الصحابة، حالهم عجيبة، الصحابة كثير منهم اهتدوا في الأربعين وفي الخمسين، وعمرو بن الجموح وطأ بعرجته في الجنة، رجل أدركه الإسلام وهو كهل أو شايب، لكن ما فتر، ولذلك أنت تعجب بعض الأحيان عندما تدخل في حلقة شيخ من المشايخ، أو عالم من العلماء، مثلا في حلقة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله- قد تجد رجلاً كبير في السن، وهو جالس في الحلقة وهو يستمع، هذا الرجل عاقل، ما قال أنا فاتني العلم، خلاص، أيش الفائدة الآن، خلاص أجلس في البيت.

هذا هو الذي يفرح الشيطان فعلاً.

إياك ثم إياك أن تفكر من هذا المنطلق.

وإذا أخلصت النية فإن الله سيبارك لك في الوقت ولو كان ضيقاً، ولو واحد قال: أنا أكد على كذا أسرة؟ أنا إنسان مشغول؟ كيف أطلب العلم؟

نقول أنت إذا أخلصت لله يبارك الله لك في وقتك، يا أخي تأمل في حياة عمر بن عبد العزيز تجد عجباً، عمر بن عبد العزيز استلم  الحالة وفيها ترف وفيها ابتعاد عن الله وانشغال بالدنيا ودخل الطرب والغناء والرقص إلى البيوت وصار فيه منكرات كثيرة عمت المجتمع.

عمر بن عبد العزيز استلم الوضع، كم حكم عمر بن عبد العزيز؟

حكم سنتين ونيفاً -وقليلاً-.

لكن -سبحان الله العظيم- كيف تغير الوضع وضع المجتمع الإسلامي لما حكم عمر بن عبد العزيز في هاتين السنتين ونيف، صار فيه انقلاب في المجتمع غير الناس، يعني إيمانياً الناس عرفوا الله، ازدهرت حلقات العلم والعلماء بشكل أكبر بكثير مما كان قبل ذلك.

اكتفى الناس حتى مادياً، بحثوا عن فقراء للزكاة ما وجدوا، كيف فعل هذا الرجل؟ في سنتين كيف حدث هذا؟ أليست هذه شبه معجزة؟

إنما حدث بإخلاص عمر بن عبد العزيز -رضي عنه وأرضاه-.

كم أدى للإسلام خدمة جليلة بهذه الفترة القصيرة التي حكم فيها؟

وآخر ما نختم به مرض من أمراض المشكلة هذه ((اغتنم فراغك قبل شغلك)) مرض التسويف، هذه العبارة مجملة ودقيقة، قال ابن القيم -رحمه الله- تلخص الموضوع: كلما جاء طارق الخير صرفه بواب: لعل وعسى، كلما جاء طارق الخير: يا فلان اطلب العلم، يا فلان اعبد الله، يا فلان ادع إلى الله، يا فلان .. صرفه بواب لعل وعسى، قال: أبغاك تطلب العلم؟ قال: إيه إن شاء الله في المستقبل سوف ولعلني وعسى وسأفعل.

وأكثر الناس ضائعون بين السين وسوف.

أماني بحر متلاطم، الأماني هذه رأس مال المفاليس، المفلس ماذا عنده؟

أنا أؤمل نفسي في المستقبل، سوف، لا يعمل الآن شيئاً، هذه المشكلة.

وأخيراً: نقول كما ﷺ: "اغتم فراغك قبل شغلك".

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.