طبقات طلاب العلامة الألباني
ويمكن أن يقسم تلاميذ الشيخ الألباني إلى ثلاث طبقات:
فالطبقة الأولى: من لازموه علماً وعملاً ودعوة، وقد لا يزيدون عن عشرة الذين اشتهروا بالعلم، ومنهم محمد نسيب الرفاعي -رحمه الله- ومحمد عيد العباسي وخير الدين وائلي صاحب كتاب " المسجد في الإسلام أحكامه آدابه بدعه ".
وكان لهم درس خاص مع الشيخ يقرؤون فيه الطحاوية ومصطلح الحديث، وكان يخرج معهم في مخيم للقراءة ويعقد لهم درسا خاصاً فيه تفاصيل عقدية.
والطبقة الثانية من طلاب الشيخ: حضرت دروسه بكثرة وتأثرت بمنهجه وصاروا دعاة، ولكن ليسوا من أهل العلم الأقوياء.
الطبقة الثالثة: حضروا بعض لقاءاته وتأثروا بكتبه، وساروا على نهجه في التحقيق، ولكنهم لم يقرؤوا عليه كتباً، ويحضرون دروسه في الولائم، وينتسبون للشيخ، ولكن لم يتربوا على يديه.
ثناء العلامة الألباني على أبيه
ومن الأشياء أن الشيخ كان يخرج في رحلات إلى المصايف ومعه طلابه في أوقات مناسبة في رحلات بحث ومناقشة وتدريس كتب، وكان يقول: لأبي علي منن، ومن أهمها اثنتان: الهجرة بي إلى دمشق، وخلصني من جو ألبانيا الشيوعي، ولو قضيت هناك وأنا صغير العمر ما أدري ماذا كان يحدث.
والفضل الثاني: أنه علمه صنعة الساعات، تكفيه قوت يومه.
بعض المهن التي كان يتقنها العلامة الألباني
والشيخ بالمناسبة من أمهر السائقين، وعنده سرعة مع إتقان، ويعرف إصلاح السيارات، ولذلك لما تعطلت بهم السيارة عدة مرات في الأسفار الدعوية، فكان يصلحها بنفسه مكان تسرب الزيت ويسده كما حصل في بعض الأسفار.
وكان له نظرات حتى في الأشياء الدنيوية؛ مثل السباكة والكهرباء، ولا يقبل تصليح دون أن يعرف أين الخلل، بل إذا اشترى شيئاً يأخذ راديو، قال الشيخ عدنان أحد تلاميذه: وقفت معه يشتري راديو، فيسأل كم الموجات؟ وكم قوته؟ وكم البطارية تستمر؟ وكم كذا؟ وأين صنع؟ فقلت له: يا شيخ كل هذا الدقيق على الراديو؟ قال: تظننا ما ندقق إلا في علم الحديث؟ الدقة في كل الأشياء، ولسنا نرفض التقليد فقط في الدين وإنما حتى في هذه الأشياء لا نقلد.
ولذلك استنتج الشيخ أن التقويم الموجود في بعض البلدان مخطئ في تحديد وقت صلاة الفجر، وخرج عدة مرات خارج البلد وقت محاق الشهر وزوال القمر ليطلع على نور الفجر، وتوقيت صلاة الفجر، ووصل إلى قناعة بأن بعض المؤذنين يؤذنون قبل الفجر، كما في عمان.
وهذه مسألة خطيرة تترتب عليها صحة صلاة الفجر، وصحة صيام الناس، فلم يكن يقلد حتى الفلكيين، وهذه الرزنامة من الفلكيين، وينظر بنفسه.
مناظرات العلامة الألباني ومناقشاته العلمية
والشيخ -رحمه الله- كان له مناظرات، ومناظراته جميلة، ولا يعرف واحد يناظر مثله في هذا الزمان إطلاقاً، ولو قلنا: ختمت المناظرات بالألباني لما كان بعيداً.
مناظراته بعضها مسجلة، جاء إلى مكان الدرس في بيت الشيخ ناصر الترمانيني في حلب رجل صوفي، والألباني موجود يقول: أنتم تسبون الصوفية، أنا من أهل الله؟ وأعطيكم البرهان، وإذا كنتم من أهل الحق افعلوا مثلي، أنا سأدخل السكين من الجانب الأيمن وأخرجه من الجانب الأيسر، ولا ينزل مني قطرة دم واحدة، فقال الشيخ الألباني: ما بدنا سكين، بدنا دبوس، ما يحتاج سكين، أعطنا دبوساً، وأنا سأدخله بيدي في وجنتك، فقال: لا، بيدي، قال الشيخ: لا، أنت من أهل الله، خلاص، ما تفرق، فرفض وانهزم وانصرف.
وقال له وهو ذاهب قل لشيخك: السلفي لا يمكن أن تضحك عليه، فهذا الصوفي أرسله واحد يقول: رح اتحدى الألباني.
هؤلاء الطريقة الرفاعية، إما تكون خدعاً مثل خدع السرك، وإما أن تكون بتعاون الشياطين معهم، وهذا كثير جداً موجود، وإما أنهم يتمرنون على أشياء، أو يدخلون في أماكن معينة.
مهما كان أهل الضلال لو رأيت الساحر يمشي على الماء أو يطير في الهواء فهو ساحر وضال، ولا يمكن أن نصدق أنه من أولياء الله.
وكان الشيخ -رحمه الله- قد ناقش الصوفية ومتعصبة المذاهب والمعتزلة ومدعي النبوة والقاديانية، والنقاشات العلمية العادية، الشيخ لما ناقش واحداً يقول في مسائل في العقيدة من المبتدعة من تلاميذ حسن السقاف، حسن السقاف هذا من كبار الدعاة إلى الضلالة في هذا العصر، وهو عندهم مقدر جداً، أرسل أحد تلاميذه لمناقشة الألباني فقال له الشيخ ناصر: ما هي مصادر التشريع في الإسلام؟ قال: أربعة، قال: ما هي؟ قال: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، قال: هذه في كل شيء من الدين أو تختلف؟ قال: في كل شيء من الدين، قال: حتى في العقيدة؟ قال: حتى في العقيدة، قال: انتبه أنا أنبهك حتى في العقيدة؟ قال: حتى في العقيدة؟ قال: طيب في العقيدة الكتاب والسنة والإجماع فهمناه، والقياس كيف تقيس في العقيدة والعقيدة لا مدخل لها في القياس؛ لأن هذا من علم الغيب، فبهت.
ولما ناقشه قال له الشيخ: أين الله؟ فلف ودار، هذا لا يريد أن يقول: في السماء، قال الشيخ: لماذا لا تقول كما قالت الجارية لما سألها النبي ﷺ: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: لا، لا، يا شيخ أنا لا أريد أن أخوض في حديث الجارية، قال: أنا أريد أن أخوض في حديث الجارية؛ لأن هذا الحديث نص في المسألة، واستشهد الشيخ في النقاش ببيت شعر:
غيري جنى وأنا المعذب فيكم | فكأنني سبابة المتندم |
فأعجب بها ذلك المبتدع إعجاباً، ودخلت عقله، وقال: لحظة يا شيخ أملها علي، حتى أكتبها، قال: الآن ما استفدت من النقاش هذا كله إلا هذا البيت؟ وكمل الكلام، وبدأ الشيخ ينتقل من نقطة إلى نقطة في النقاش، وإذا بالرجل بدأ يروغ ويعود، مع أنه الآن سلم بأشياء المفروض الآن يكمل يروغ ويعود، قال: اكتب هنا مثالاً جيداً: "رجعت حليمة لعادتها القديمة".
وناقش الشيخ واحداً من مدعي النبوة، وهذا واحد يمكن يكون عنده انفصام في الشخصية، ففي النقاش يقول ذاك الرجل بالصوت المرتفع وبعصبية وبكلام شديد، فقال له الشيخ الألباني: هون عليك يا أخي النبي -صلى الله عليه وسلم- كان هيناً ليناً تأخذه الأمة وأنت نبي معصب؟ ثم سأله هل أنت عالم بعلم الحديث؟ فسكت، فقال أعيد عليك السؤال: هل أنت عالم بالحديث؟ قال: لا، قال: فكيف تعرف الحديث الصحيح من الضعيف؟ قال: بالعلم الذي يأتيني من الله، فقال الشيخ: قوموا، قوموا يا جماعة، ما دام النقاش بهذا الشكل فلا يمكن أن يكون هذا نقاشاً.
وكان الشيخ -رحمه الله- واسع الصدر في النقاشات جداً، ولو أنه كلف بعض الطلاب بجمع الطرق وهو نظر فيها لأخرج أضعاف أضعاف ما أخرجه من الكتب، لكن هو يريد أن يعمل بيده كل شيء، أتوا له بجهاز الكمبيوتر مع الفأرة هذه قريباً، وبرنامج حديثي وقالوا: هذا يأتي بالأحاديث وبالرجال، ولم يكن الشيخ عنده اقتناع بهذا، فقال: طيب ابحث لي في هذا الجهاز عمن قال فيه ابن حبان: لا أعرفه ولا أعرف أباه، كتب الشخص في الكمبيوتر عبارة: "لا أعرفه ولا أعرف أباه"، فخرجت مجموعة، فقال الشيخ: لحظة، أخرج دفتره، الشيخ مثل هذه القواعد يكتبها، كان الشيخ قد أحصى كل من قال فيه ابن حبان "لا أعرفه ولا أعرف أباه"، فقال: فيه خطأ، فيه اثنان في الكمبيوتر ما هي موجودة، في مخالفة اثنين بين أوراقي والكمبيوتر؟ قال: فنظرنا فبحثنا فوجدنا أن الشيخ قد فاته واحداً فعلا، وأن الثاني الكمبيوتر أخطأ فيه، طبعا فمثلا الرجل مذكور اسم جده مرة، ومرة لم يذكر اسم جده، فالكمبيوتر يعتبرهم شخصين؛ لأنه لا يفهم الكمبيوتر في مثل هذه الأشياء.
وتناظر مرة مع الشيخ عبد العزيز بن باز في مسألة وجوب التمتع في الحج، فلما جاءت مسألة: هل التمتع واجب؟ قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: هل الشيخ ناصر موجود في المجلس؟ الشيخ ضرير، فقالوا: موجود، فضحك وتكلم، بعدما تكلم الشيخ ابن باز في استحباب التمتع وليس في وجوبه، تكلم الشيخ الألباني في وجوب التمتع، وسكتا، ما كان فيه مهاترات إطلاقاً.
ثناء الألباني على ابن باز وعلاقته به
وكان يثني على خمسة: ابن باز أولهم وأنه لم ير مثله في العلم، وتقي الدين الهلالي، وصفي الدين المباركفوري، شارح المشكاة، وبديع الدين السندي، ولعل الآخر الشنقيطي.
وكان الألباني يمتدح الشنقيطي في إخلاصه ودينه، ويقول: كأني أرى ابن تيمية في استحضاره.
لو خلطنا تسامح ابن باز في الخلاف بحسم الألباني وصرامته في القضايا لنشأ مزيج عجيب، الشيخ ابن باز -رحمه الله- كان كثيراً ما يقول: المسألة فيها سعة، الشيخ الألباني عنده حد السيف، القضية هكذا.
ولو أن الشيخ ناصر أخذ بشيء من السماحة في الرأي المخالف، واتسع عنده الخلاف المعتبر للاقى قبولاً أعظم وأكثر، وللشيخ -رحمه الله- شيء من الحدة يجب ألا يتأثر بها سلبياً من يقرأ له، فإن بعض الشباب مع الأسف يقرؤون للألباني فيأخذون شيئا من حدته وليس عندهم علم الشيخ، بل يأخذون عبارات لا تليق بهم، فالشيخ الألباني بعد عشرات السنين في العلم يقول مثلاً: فاظفر بهذا البحث فلعلك لا تجده في غير هذا الموضع، يأتي واحد في العشرينات يكتب: فاظفر بهذا البحث فلعلك لا تجده في غير هذا الموضع، ما هذا؟ هراء، سخافة!
هذا واحد قضى ستين سنة في الحديث ممكن يحق له أن يكتب هذا بعد البحث، أما يأتي واحد في أول عمره يقول: فاظفر بهذا فلعلك لا تجده، قلت.. وقلت.. وقلت..
فمع الأسف الشديد تأثر بعضهم تأثراً سيئاً عكس ما كان يريد الشيخ تماماً.
ويشبه بعض طلبة العلم الشيخين يقول: الشيخ ابن باز في سيرته أقرب لأبي بكر الصديق، والشيخ الألباني في سيرته وطريقته أقرب لعمر بن الخطاب، فأبو بكر الصديق كان في السماحة آية، وعمر بن الخطاب كان في الشدة في أمر الله آية، فكان لكل منهما ميزاته -رحمهما الله عز وجل-.
وذهب الشيخ مرة من تتبعه لأهل الضلال واحتسابه في إنكار المنكر سمع أن واحداً يحضر الأرواح، فذهب إليه دخل عليه تلخبط الرجل، فقال الألباني: أريدك تحضر لي روحاً؟ قال: من تريد؟ قال: أريد روح البخاري أنا كتبت أسئلة ومجهزها وأريد أسألها البخاري؟ قال: أيش تبغى في البخاري؟ قال: أنا مصر، أنا عندي أشياء أسألها البخاري، فقال هذا المشعوذ الدجال: اليوم انتهت الأرواح اللي حضرناها، تعال يوم الاثنين، يعني على بالك أن الشيخ نسي الموضوع؟ راح يوم الاثنين ما وجد الرجل هرب، نقل المحل كله إلى مكان آخر.
حرص الألباني على الوقت
والشيخ -رحمه الله- بعد الغداء إذا أصاب الخمول من حضر عنده يقوم للطاولة مباشرة، يقول له طلابه: ما تعبت؟ ما أصابك نعاس؟ يقول: لا.
ويصلي الفجر بوضوء العشاء أحياناً، يعني لا ينام ومعدل نومه اليومي أربع ساعات، وإذا زاد بحد أقصى ست ساعات، ولذلك الرجل أنتج؛ لأنه كان لا يقضي وقتاً طويلاً في النوم ولا في الأكل.
وأيضاً يسرع في مشاوريه، محافظ على وقته.
وإذا اتصل عليه واحد أو جاءه شخص يقول: معك خمس دقائق، معك عشر، الزيارة نصف ساعة، من باب المحافظة على وقته.
فقر الألباني وفاقته في أول حياته
أصابته شدة في أول أمره وتحملها، يقول: مرة دعا أحد طلابه إلى وليمة، وقال: لا تقل أني تكلفت لك، والله لقد مضى علي أيام ما كان عندي إلا فرنكين، العملة في ذلك الوقت، أشتري بفرنك خبزة وبفرنك مرق الجبن، ما يستطيع يشتري جبن، الجبن بفرنكين، فرنك خبزة، وفرنك مرق الجبن، مرق الجبن فيه شوية دسم وملح، فيغمس الخبز بمرق الجبن ويأكل، هذه أكله هذا الكلام تقريباً 52 ميلادي.
مناقشة الألباني للمشتغلين بالتكفير
من مناقشاته التي حصلت جاءه مرة اثنان من الذين اشتغلوا بالتكفير، فقالا للألباني: أنتم مبتدعة؟ تقولون: الكفر كفران ما وجدنا هذا في الكتاب ولا في السنة؟ الكفر كفر واحد، والظلم ظلم واحد، والشرك شرك واحد؛ لأن هذا ينبني عليه تكفير أي واحد مثلا حلف بغير الله، الشرك أكبر أصغر تكفير، فقال الشيخ تقول: أنت الظلم واحد؟ قال: نعم، قال: تثبت على هذا؟ قال: نعم، قال: يا فلان هذا المعجم المفهرس لألفاظ الحديث، على مادة ظلم، فتحه، اقرأ يا فلان، أول حديث قال النبي ﷺ: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً قال: تعرف هذا ماذا يكون على كلامك، اللهم إني كفرت كفراً كبيراً وأشركت شركاً أكبر، فاغفر لي ذنبي ألا ترى فساده؟ واحد منهما تراجع فوراً، والآخر عاند، قال الشيخ من يومها: هذا لا خير فيه، بعد عشر سنين صار هذا زنديقاً شيوعياً.
تواضع الألباني ومقاومته للترف
كان الشيخ يركب سيارة موديل 38 ميلادي ويطوف للدعوة، وتعطلت به ويصلحها ويمشي.
وكان مقاوماً للترف ووضع له طعام مرة عدة أصناف، فيقول: ارفع، ارفع، خل نوعاً واحداً فقط، تأخذون من هذا شوي ومن هذا شوي؟ هذا لعب بالنعمة، حط واحداً فقط، ننتهي منه ونأتي بالآخر.
ومرة دعوت الشيخ في بيتي فأحد الإخوان أتى بطبق إما من السليق أو شيء من هذا، فقال الشيخ هذا يدخل الجوف بلا خوف، فهذا من مداعباته على الطعام، ولكنه ما كان أبداً يترك إنكار المنكر.
أمر الألباني بالمعروف ونهيه عن المنكر
الشيخ فيه ميزة كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولو على الأكل: كل بيمينك، يا فلان افعل كذا يا فلان لا تفعل كذا.
ومرة جاءه رجلان وجيهان كبيران عنده وضع الرز فجعل واحد يأكل الرز بالخمس.
طبعاً بعض الإخوان إذا أكلوا الرز يتناثر، ما يعمل حساب للرز، فالثاني سأل الشيخ ناصر قال: يا شيخ الأكل بالملعقة أقرب للسنة وإلا الأكل باليد؟ قال: أولاً أخبرني عن هذه المهزلة التي يفعلها صاحبك يجعل ساقية من الرز بينه وبين الصحن؟ قبل ما أجاوبك على الملعقة حل هذه المهزلة، وذاك موجود في الكلام.
فالشيخ -رحمه الله- كان عنده قوة، ما كان يداهن، ما كان يعرف اللف والدوران والمجاملات، الشيخ ناصر ما كان عنده هذا الكلام أبداً، كان صريحاً واضحاً.
وإذا ظهر له الحق يطبق على نفسه وعلى أهله وعلى الجميع.
شدة الألباني وحدته مع أخطاء الناس
وإذا كان واسع الصدر في الأشياء العلمية فإنه ربما يكون ضيقاً مع أخطاء الناس.
والشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- تميز في المقابل بأنه كان واسع الصدر جداً في أخطاء الناس، لكن لا يحب الجدال العلمي.
والشيخ ناصر ممكن يناقش ثلاث ساعات في المجلس مسألة واحدة.
الشيخ عبد العزيز كان يقول كلامه ويسكت.
لعل الشيخ عبد العزيز أقرب إلى طريقة الصحابة، عصر الصحابة، والشيخ الألباني أقرب إلى عصر البخاري والإمام أحمد لما كثرت النقاشات ومجادلات أهل البدع، والطبيعة البيئية لها دور في طبائع الشعوب، واحتكاك الألباني مع أهل البدع وما حصل من النقاشات كان له دور كذلك.
ولكن هذان الرجلان لهما آثارهما في العالم الإسلامي، بل كل العالم، يقول أحد الدعاة: ذهبت إلى سياتل آخر مدينة في أمريكا على الساحل، لأرى أثراً لابن باز عملياً في إنشاء مراكز للدعوة وكفالة دعاة، وإرسال طلبة علم، آثار ابن باز في العالم، وأرى آثاراً علمية للألباني بكتبه الموجودة هناك، وذهبت إلى الصين فرأيت الشيء نفسه، مراكز أنشأها ابن باز، وكتبا للألباني.
في الحقيقة أن هذين الرجلين قد قيضهما الله لتجديد الدين في هذا الزمان، فردا الناس إلى السنة، وأيقظا في الناس اتباع الدليل الصحيح، والعقيدة الصحيحة، منهج علمي فريد.
تنظيم الألباني ودقته في المواعيد
لقد تميز الشيخ الألباني -رحمه الله- بالدقة والتنظيم والترتيب، وعنده حبل في مكتبته يعلق عليه أجزاء السلسلة الصحيحة والضعيفة؛ لأنه يستخدمها كثيراً، ومن أحب كتبه إليه: كتاب صحيح الجامع، وهذا دائماً يعدل فيه ويكتب وينقل منه وينقل إليه من الصحيح إلى الضعيف، وهكذا.. من أحب كتبه إليه، هذا فهرس كتبه كلها.
الشيخ امتاز بالدقة البالغة التي كانت من أسباب نجاحه.
من دقته المحافظة على المواعيد، الشيخ إذا قال: الساعة ثمانية الموعد ما عنده شيء اسمه ثمانية وخمس ثمانية وعشر، الآن نحن في مواعيدنا نقول انتظرني بين ثمانية وثمانية ونصف يعني تقريباً الموعد هكذا نقول لبعض.
تواضع الألباني
وكان -رحمه الله تعالى- في الفترة الأخيرة غير متمكن من التدريس لظروف، ولم يكن له طلاب في هذه الفترة مشهورين بالأخذ عنه والتلقي بشكل واضح في الفترة الأخيرة، وإنما في الفترات الأولى كان هناك.
ومن تواضعه أنه مرة زار تلميذاً طالباً في الثانوي، أبو الولد من الهيبة ذهب واستدعى الولد من الثانوية للبيت، قال: هناك ضيوف؟ قال: رأيت شيخين أبيضين أو ثلاثة، محمد نسيب الرفاعي والألباني قالا للأب: تسمح يكون بيتك مكاناً للطلب؟ مكاناً للدرس؟ قال: فقفزت وقلت: لا مانع، فقال الشيخ الألباني: تأدب واسأل أباك، فقلت: أبي لا يمانع، قال: تأدب واسأل أباك، حتى جاءت الموافقة من الأب، ويقول: من تواضع الشيخ زارني في البيت يطلبني وأنا طالب ثانوي وهو شيخ كبير.
صدقات الألباني
الشيخ -رحمه الله- كان له صدقات، وهذه المسألة مغفلة ما في عنها حديث وليس فيها أشياء واضحة كثيرة، لكن كان يقضي بعض ديون تلاميذه، ويرسل بالصدقات لبعض فقراء عمان، هذه قضية ليست مشهورة.
مرض الألباني قبل موته
ولما أعياه التعب ودب إليه المرض ونصحه الأطباء بالراحة ولكنه لم يكن يغفل "منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا" صححه الألباني في صحيح الجامع.
أخبرني ابنه عبد اللطيف وكان ملازماً لوالده، قال: جعل أبي مكتبته وقفاً على طلاب الجامعة الإسلامية، أوصى أن يسرع بالدفن، وعدم انتظار الناس، ويدفن في أقرب مقبرة لئلا يضطروا إلى حملة بالسيارة، يحملوه على الأكتاف؛ لأنه يرى هذه هي السنة.
وقبل ساعة من وفاته كان مستيقظاً، ومن العجائب أنه كان في النوم يقول: هاتوا كتاب العلل، هاتوا كتاب كذا، هاتوا الجرح والتعديل، ومرة قال أثناء النوم وهو يحرك يده كهيئة الكاتب يكتب، قال: هاتوا سنن أبي داود، تنحل المشكلة.
قال: وقال لي مرة هذا ولده يقول لي مباشرة يقول أثناء النوم، فجأة تكلم، قال: هات كتاب الترغيب والترهيب، المجلد الأول، هات الكتاب، فأتيته، قال: رحت جبت الكتاب، قال: افتح، فتحت، قال: عد واحد اثنين ثلاث أحاديث، هذه في الطول تقريباً سواء، قلت له: لا، هذه في واحد فيها طويل، قال: امش، هذا في النوم يقوله في النوم، وهو نائم، قال امش امش، قلت: هذا الحديث السادس طويل؟ قال: بس، من رواه؟ قلت: فلان، جابر، قال: خلاص أعد الكتاب، يقول هذا في النوم وهو نائم.
يقول: مرة كان يتكلم وهو نائم فاقتربت منه لأسمع كلامه ففتح عينيه فجأة، وقال: تتجسس علي؟! وضحك.
كان يجمع الصلاة في آخر عمره في آخر شهرين أو ثلاثة ودكانه لا زال موجوداً في دمشق: الألباني للساعات، إلى الآن، قال: كنا نرحمه أنه لا ينام يسهر الليل للتأليف والتحقيق، نذهب للنوم الساعة الحادية عشرة ليلاً أحس الساعة الواحدة أنه استيقظ ويقوم للطاولة، وإلى الفجر ينام ساعتين في النهار، أربع ساعات، يشتغل عشرين ساعة ثمانية عشر ساعة، هذا عمله، قال: وأقول لك بشكل خاص: إننا قد لاحظنا أثر الجلوس الطويل عليه على ظهره أثناء تغسيله.
بعض الرؤى الحسنة التي رآها الناس للألباني
دفن الشيخ -رحمه الله-.
وكان واحد قد رأى رؤيا في المنام: أن الألباني على درج طويل ينتهي إلى قصر كبير، وحوله روضة خضراء، فقال: يا شيخ هذا تتعب بالدرج هذا أنت تصعد؟ قال: لا، أنا إذا بدأت فيه، صعدت بدون تكلفة، قال: فاتصلت على أحد تلاميذ الشيخ في عمان، قال: نحن الآن في المقبرة ندفن الألباني.
رؤيت للشيخ منامات.
وأجريت له عملية قبل وفاته بسرطان الأمعاء، استؤصل خمسة وعشرين سم تقريباً.
تحمل الشيخ حتى نزل وزنه إلى ثلاثين كيلو، مع أنه كان رجلا جسيماً.
بعض اختراعات الألباني
والشيخ -رحمه الله- كان له من اللطائف والغرائب، عنده على الشباك المكتب الذي هو في الدور العلوي على الشباك فيه مثل البوري أو الزحليقة أو الزحليطة يضع فيها بقايا الطعام وتدحرج إلى الأسفل عند طيور دجاج، وهذا يربيها، فيوضع بقايا الطعام، هذا من اختراعات الألباني، تنزل معه هذه إلى الدجاج ليأكله.
قصيدة في رثاء الألباني
ولا شك أن سيرة الشيخ بقي فيها أشياء، ولو جلسنا نعد ونتكلم لكان شيئاً كثيراً.
ورثي الشيخ بمراثي، ومن ذلك هذه القصيدة:
مالي أراك تبال الشمس إمعانا | الموت يخفي وتزهو اليوم إعلانا |
سواك يطمسه موت وأنت به | ولدت مرتقبا عرسا وتيجانا |
كأنك الشمس أخفاها السحاب | فما ينفك إشعاعها ينداح ألوانا |
كأنك النبع دفق الماء يفضحه | حتى وإن حجبته الغاب أغصانا |
كأنك الصبح مهما الليل غالبه | إلا وأيقظ أبصارا وآذانا |
سواك ذكراه في مال وفي نسب | وصرت للسنة الغراء عنوانا |
وعيت منها جبالا من مراجعها | فكنت بحرا وكانت فيك حيتانا |
حررت رأيك من أغلال مذهبها | وللأئمة تعلي قدرهم شأنا |
محصت كل صحيح من شوائبها | كما تنقى من الشطآن ذهبانا |
نخلتها فاستبانت في مواطنها | حسنا وسقما وتصحيحا ونكرانا |
فرقت للحق شمسا في مطالعها | حتى غدا كل شرق منك مزدانا |
جددت للناس في نهل الحديث هوى | أودى القلوب فهل أحصيت قتلانا |
أشهدتنا مثلا للعبقري طوى | في كل عصر من الإبداع ميدانا |
قالوا وقالوا وما أعيت مقالتهم | فما عليك إذا وفيت إحسانا |
وما على السيل إن طفت جوانبه | لكنه غادر المرباع ريانا |
أهل الحديث على الأعصار جنتها | وكنت في عصرنا عدنا ورضوانا |
هذا هو الدين يعلي شأن حامله | كانوا من الروم أو فرسا وألبانا |
يا ناصر الدين قد صدقت نصرته | فما عليك إذا خلفت دنيانا |
لولا الرجاء على الآلام يسحبني | لاغتالني اليأس من دهري بما كانا |
وذهب الشيخ إلى ربه، ونحن من بعده نستفيد من كتبه ومؤلفاته.
الخاتمة
ونسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا الإخلاص والاستقامة والتوفيق وحسن الخاتمة، وأن يجعلنا ممن يريد الحق ويتبعه.
ونحن -أيها الإخوة- نذكر أنفسنا أننا لا نقلد المشايخ تقليدا أعمى لا الألباني ولا غيره، وإنما نتبع الحق، وإذا رأينا شذوذاً في فتاواه أو في فتاوى غيره فلا والله لا نقبله، وإنما هو يدلنا بكلام العلماء نستدل على الحق.
فنسأل الله أن يجعلنا من أهل الحق العاملين به الداعين إلى سبيله.
وأكتفي بهذا القدر.
وصلى الله وسلم على نبيا محمد.