الأحد 14 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 15 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

يا ظمآن إلى رمضان


عناصر المادة
بعض الحكم من فرضية صيام رمضان
الاستعداد لرمضان
استغلال رمضان
رمضان شهر المنافسة والمسارعة في الخيرات
مخالفة أهل الكتاب في رمضان
رمضان شهر التوبة
رمضان شهر القرآن
رمضان شهر الدعاء
رمضان شهر الاجتماع لصلاة التراويح
رمضان شهر الجود والكرم
رمضان شهر الانتصارات والفتوحات
الحذر من لصوص رمضان
الجدول اليومي في رمضان

الحمد لله الرحيم الرحمن، الملك الديان، مبدع الأرض والأكوان، أشهد أن لا إله إلا هو الحليم الكريم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، أصلي وأسلم عليه وعلى صحبه وذريته وآله الطيبين.

"يا ظمآن إلى رمضان" وقد اقترب الأوان بالدخول في شهر الصيام.

والله يملك الزمن ويسيره كيف يشاء، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.

بعض الحكم من فرضية صيام رمضان

00:01:06

فالحمد لله الذي جعل لنا من الشهور ما تضاعف فيه الأجور، ونقترب فيه من الحليم الغفور .

أظلكم شهر عظيم مبارك، فرض الله عليكم صومه، وناداكم بنداء الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: 183].

بالنفس الراضية المطمئنة، والقلب المستبشر؛ يتلقى المؤمن هذا العرض من ربه، والأمر الكريم:  كُتِبَ فرض علينا كما فرض على الذين من قبلنا، لا لحاجة لربنا فينا، ولا لعبادتنا وصيامنا، ولكن لأجلنا  لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183].

تقوى الله يستشعرها الظمآن إلى رمضان.

تقوى الله ترك المناهي وفعل الأوامر تقرباً إلى الله -سبحانه وتعالى-.

أتى رمضان مزرعة العباد لتطهير القلوب من الفساد
فأد حقوقه قولا وفعلا وزادك فاتخذه للمعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها تأوه نادما يوم الحصاد

لو ذاق أهل الشهوات والملذات طعم التقوى حقاً وما يجده المتقون من السعادة صدقاً لندموا على ما فاتهم من الخير.

التقوى، كنز عزيز لئن ظفرت به فكم تجد فيه من جوهر شريف، وخير كثير، ورزق كريم، وفوز كبير، وغنم جسيم، وملك عظيم، فكأن خيرات الدنيا والآخرة قد جمعت فجعلت في هذه الخصلة: التقوى.

كم مرة ذكرها الله في كتابه، وكم علق بها من خير، ووعد عليها من أجر وثواب، وأضاف إليها من سعادة.

"يا ظمآن إلى رمضان" هذا شهر التقوى قد حان فلنحقق صفات المتقين، ونكون من عباد الله.

الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، أساس الدين، وزاد القلوب والأرواح، به تقتات وتتقوى.

أوصيك ونفسي بالتقوى فإنها خير زاد الآخرة والأولى.

أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم بأنك ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره فليعظم منه حذرك، وليكثر منه وجلك.

إن النصحاء -رحمة الله عليهم ورضوانه- قد اتفقوا على أن سعادة العبد في الدنيا والآخرة التمسك بالتقوى.

التقوى ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله.

أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله.

قال ابن القيم: فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى.[زاد المعاد 2: 30]

فالمتقون متبعون لطريق الصدق وأهله، وهو طريق الأنبياء والمرسلين.

فادخل -يا أخي- يا ظمآن إلى رمضان حبسَ التقوى باختيارك أياماً ليحصل لك الإطلاق على الدوام، ولا تؤثر إطلاق نفسك فيما تهوى فإنه يسبب حبس الأبد.

الصوم وسيلة إلى شكر النعم، إذ النعم مجهولة فإذا فقدت عرفت.

الصوم يؤدي إلى دفع النقم، إلى ترك المحرمات، إلى هذه النفس التي انقادت لترك الحلال طمعاً في مرضاة الله أولى أن تنقاد للامتناع من الحرام، قال النبيﷺ: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه  [رواه البخاري: 1903] فانظر في روح الصوم وواجباته وشروطه وأركانه.

واعلم بأنك ترزق يا ظمآن إلى رمضان التغلب على الشهوة واتقاء عذاب النيران لأن النفس إذا شبعت تمنت الشهوات وإذا جاعت امتنعت عما تهوى.

ألم يقل فعليه بالصوم فإنه له وجاء ؟ [رواه البخاري: 5065 ومسلم: 1400].

إنها العبودية لله، نجوع لله، نترك الشهوة لله، تذللاً وخضوعاً، العبادة طاعة امتثال، وهكذا نفعل له في شهر الصيام خوفاً ورجاءً، إخلاصاً ومحبة، ذلاً وخضوعاً.

العبادة الاسم الجامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال، من نال محبوبه تلذذ به، ومن حرم منه تألم لفقده، ومن ناله مكروه تألم، ومن عوفي منه تلذذ، وهكذا.. فإننا نصل إلى المبتغى:  ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان  [رواه البخاري: 16، ومسلم: 43].

نقدم طاعة الله على شهواتنا، نقدم احتساب الأجر على طعامنا وشرابنا ونكاحنا، وهكذا نرضى به رباً، وبدينه، وبنبيه رسولاً ﷺ.

إن القلب الذي يحب الله  يحب التعب والنصب لله إنه لن ينال حب الله بالراحة وإنما سيكون بالتعب والنصب، وعند ذلك يحل في القلب من قرة العين ولذة العيش ما ينسيه ألم الجوع والعطش وجعلت قرة عيني في الصلاة [رواه النسائي: 3940، وأحمد: 14037، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"].

إن الصائم يدرب نفسه على مراقبة ربه فهو يمكن أن ينقض الصيام بالنية لكنه يحافظ عليه، ولذلك قال: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به [رواه البخاري: 5927] يوجب رحمتك للضعيف والمسكين، تذوق ألم الجوع في بعض الأوقات، تقهر الشيطان الذي يجري منك مجرى الدم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب، وإذا أكل أو شرب اتسعت مجاري الشيطان الذي هو دم، وإذا صام ضاقت مجاري الشياطين فتنبعث القلوب إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات.

إنه يزهدك في الدنيا، ويرغبك فيما عند الله، ويعودك على الطاعة، وينتظم الأمة في هذا النظام اجتماعاً على الابتداء والانتهاء.

الاستعداد لرمضان

00:10:36

فما هو استعدادك يا ظمآن إلى رمضان؟

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.

إنه على الأبواب، ونفوس المؤمنين تنتظر الفرحة بقدوم الغائب، يتطلعون إلى موسم الخير من ربهم.

إنها نفحة واحدة لو أصابتهم سعدوا أبد الدهر.

وهكذا يستعد المؤمن لدخول الشهر فرحاً، وهو يجمع نفسه وأمره، على أن يبلي فيه بلاء حسناً.

إنه لا يودع شعبان توديع الأكالين الشرابين الذين إذا اقترب انصرام شعبان ودعوه بأكلة الشعبانية يجتمعون عليها، وقد ذكر بعض أهل اللغة: أنه منتقل من النصارى إلى هذه الأمة، في آخر ليلة من شعبان، في آخر يوم يجتمعون فيه يريدون أن يصيبوا كل ما يمكن.

وبعضهم بالخمر والمعاصي.

إذا عشرون من شعبان ولت فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار فإن الوقت ضاق عن الصغار

 يقول قائلهم هذا الفاسق: يكثرون من شرب الخمور قبل دخول الشهر -والعياذ بالله-، بل ربما سبه بعضهم لأجل ما سيحرم فيه من الشهوات.

ومن أراد الله به خيراً حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه، وحبب إليه شهر الصيام ورزقه صومه، ومن لم يرد به خيراً صار الفسوق والعصيان هو محبوبه في كل أوان.

باع قوم من السلف جارية لهم فلما قرب رمضان وجدتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها فسألتهم فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون غير رمضان؟ لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان ردوني عليهم.

جاءت الدراسات الاقتصادية لدينا بأن ما ينفق على الطعام والشراب في رمضان ثلاثة أضعاف ما ينفق في الشهر العادي، البطن هو البطن، والمعدة هي المعدة فماذا تغير؟ فهل يستعدون بإكثار المعاصي قبل رمضان أو بتكديس الأطعمة أو بماذا يكون الاستعداد؟

إن نيران الاشتياق لشهر الصوم تتأجج في النفوس وهي منهية عن تقدم رمضان بيوم أو يومين زيادة في الاشتياق إلى الشهر الكريم، وللفصل بين الفرض والنفل، ولئلا يزاد في العبادة ما ليس منها.

أما قضية الاستعداد بالمأكولات والمشروبات فإن البهائم تفعل ذلك: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا  إلى أن قال: بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف: 179].

إن الشوق إلى الله يبعث المؤمن على انتظار هذا الضيف الكريم لكي يعمل فيه بالطاعات إذا نزل بساحته، ويتقرب إلى المولى  إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة [رواه البخاري: 7536]، وهكذا  وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه: 84].

وهكذا يطالع من أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ويتدبر في كلامه ما يحركه إلى ربه، يطالع في النعم ويتحسر على فوات الأزمنة في غير طاعة الله، قال ابن القيم: "وهذا اللحظ يؤدي به إلى مطالعة الجناية" يعني الذنوب والوقوف على الخطر فيها، والتشمير لتداركها، والتخلص من رقها، وطلب النجاة بتمحيصها.

استغلال رمضان

00:15:57

"يا ظمآن إلى رمضان" عندما يقترب الشهر فإنك تتخيل في عقلك كل ما أسلفت من الذنوب وتريد أن تدخل الآن بوابة التوبة، بوابة الغفران، بوابة محو الذنوب بهذا الصيام.

واعلم أن لهذا الشوق إلى رمضان لصوصاً وقطاعاً يتعرضون لك فاحذرهم، احذر الفتن.

فحيهلا إن كنت ذا همة فقد حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا
ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد ودعه فإن العزم يكفيه حاملا

اعرف فضل الموسم، ومنة الله عليك فيه.

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، قال النبي ﷺ: إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبداً [حديث صحيح، رواه الطبراني في الأوسط: 6243].

ما من يوم إلا يقول: يا ابن آدم قد دخلت عليك اليوم ولن أرجع إليك بعد اليوم فانظر ماذا تعمل في؟ فإذا انقضى طوي وختم فلا يفكه إلا الله، ليس يوم يأتي من أيام الدنيا إلا ولسان حاله يقول: يا أيها الناس إني يوم جديد، وإني على ما يعمل في شهيد، وإني لو قد غربت الشمس لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة.

يا ابن آدم اليوم ضيفك، والضيف مرتحل، يحمدك ويذمك، وكذلك ليلتك.

فانظر ماذا ستعمل فيه أيام قادمة وليال فاضلة.

ابن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي.

وعندما نكون فينا عزيمة فإن أعمالنا ستأتي على قدر عزائمنا.

على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم

من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحرها.

إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل.

رمضان شهر المنافسة والمسارعة في الخيرات

00:18:51

"يا ظمآن إلى رمضان" تحمس تحمس فالأجر جزيل، والثواب عظيم، والمضمار واسع.

ما كان ابن عمر يفعله في منزله؟

أجاب نافع: الوضوء لكل صلاة والمصحف فيما بينهما.

واجتهد أبو موسى اجتهاداً شديداً فقيل له: لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق، فقال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل فلم يزل حتى مات.

إذا رأيت الناس يتهاونون في أمر الله فليزدك ذلك جداً واجتهاداً، إنه ما ينبغي للرجل المسلم أن يرى الناس متهاونين إلا ويزيده ذلك جدا واجتهاد.

ولذلك فإياك يا ظمآن إلى رمضان أن تدخل الشهر برفقة البطالين، تنح عنهم، واتركهم جانباً، فالصاحب ساحب، والقرين بالمقارن يقتدي.

إنهم يقطعونك عن تحقيق المطلوب، إنهم لصوص يسرقون منك الكنز، اترك أصدقاء السمر الذين يلهونك في الليالي فإنها ستذهب والله ولا تعود، قال بعض السلف: "سيروا مع أصحاب الهمم العالية: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  [الكهف: 28].

يا أخي "يا ظمآن إلى رمضان" إذا كان في أصدقائك ورفقائك من هو مفرط ومقصر فاتركه والزم الصالحين، قال الله: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ [لقمان: 15] فانظر في عباد الله من هم المنيبون فالزمهم، من هم الصالحون فكن معهم، وادع ربك: وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين.

يا أخي: إذا كنت قد دُخل عليك في الصحبة فناولوا منك في إيقاعك في المعاصي فيما مضى فكن الآن مع الصادقين؛ لأن الله قال:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ  [التوبة: 119].

لا تقعد فارغاً، قال شعبة لأصحابه: لا تقعدوا فراغاً فإن الموت يطلبكم.

واصل العمل، كما قال الشافعي: طلب الراحة في الدنيا لا يصح لأهل المروءات؛ فإن أحدهم لم يزل تعبان في كل زمان. سئل الإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة. انظر في ذوي الهمم والمروءات وأصحاب السر مع الله فسر معهم.

أصحاب الإخلاص والسر مع الله، إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه، قال الحسن البصري: "إخواننا أحب إلينا من أهلينا وأولادنا لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا وإخواننا يذكروننا بالآخرة".

لعمرك ما مال الفتى بذخيرة ولكن إخوان الثقات الذخائر

فاللهم إنا نسألك صحبة الصالحين، اجعلهم عوناً لنا في عبادتك في هذا الشهر الكريم.

ولنتخلص من رواسب الماضي، حط الأوزار قبل الدخول من الباب، وألق  عند العتبة كل ما كان في الجاهلية.

يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضا شهر عصيان
واتل القرآن وسبح فيه مجتهدا فإنه شهر تسبيح وقرآن
واحمل على جسد ترجو النجاة له فسوف تضرم أجساد بنيران

 كم كنت تعرف ممن صام في سلف من بين أهل وجيران وإخوان

أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حياً فما أقرب القاصي من الداني

هذا مفتاح السعادة قد جاء، ومنشور الولاية قد فتح وبسط، إنه مرهون بالعلم الصحيح والفقه النافع، فتزود من أحكام الصيام ما يعينك على شهر القرآن، وخذ من أحكام الصلاة في التراويح والاعتكاف وزكاة الفطر والعيدين لتكون قريباً من الله تعبده على بصيرة.

مخالفة أهل الكتاب في رمضان

00:24:43

إنه يدلنا على مخالفة أهل الكتاب، هؤلاء الذين يقولون اليوم متبجحين: إن الحضارة الغربية أفضل من الإسلام.

وهم الذين يقولون: إن إلهنا أفضل من إله المسلمين.

هؤلاء الكفرة من أهل الكتاب الذين يجب علينا جهادهم: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ممن ؟ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى ماذا؟ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: 29].

وذلك فإن صيامنا يعلمنا مخالفتهم، لقد خالفهم نبينا صلى الله عليه وسلم حتى قالوا: ما يريد هذا الرجل ما يريد أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه؟

عجل الفطر وأخر السحور، قال ﷺ: فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أكلة السحر  [رواه مسلم: 1096].

قال شيخ الإسلام: "وهذا يدل على أن الفصل بين العبادتين أمر مقصود للشارع" أي عبادتان؟ عبادتنا وعبادة أهل الكتاب "وهذا يدل على أن الفصل بين العبادتين أمر مقصود للشارع، وقد صرح بذلك فيما رواه أبو داود عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:  لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون [حديث حسن، راه أبو داود: 2353].

فهذا نص في أن ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر هو لأجل مخالفة اليهود والنصارى، فكلما خالفناهم ظهر ديننا زيادة، يقول شيخ الإسلام: وإذا كانت مخالفتهم سبباً لظهور الدين، فإنما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله، فتكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة.

وعن ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعني بشير، وقال: إن رسول الله ﷺ نهى عنه وقال: إنما يفعل ذلك النصارى، ولكن صوموا كما أمركم الله ، وأتموا الصيام إلى الليل، فإذا كان الليل، وبدأه بالمغرب بغروب الشمس فأفطروا  [رواه أحمد: 21955 وصححه الألباني].

فهل نحن على هذه السنن وننتبه في شهرنا ونبتعد عن مشابهة عدونا؟

رمضان شهر التوبة

00:27:56

"يا ظمآن إلى رمضان" ها هو شهر التوبة قد جاء، إذا لم يطرق الباب في رمضان فمتى يطرق؟ والذي لا يتوب في رمضان فمتى يتوب؟

 رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له [رواه الترمذي: 3545، وهو حديث صحيح].

وفي رواية لابن حبان:  أتاني جبريل فقال: يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، فقلت: آمين  [رواه ابن حبان: 409].

فتح لك أبواب الجنان وغلق أبواب النيران، وصفد المردة من الجان، كل ذلك لأجلك، فإذا لم يغفر لك في هذا الشهر فمتى يغفر؟

أتى رمضان مزرعة العباد لتطهير القلوب من الفساد
فأد حقوقه قولا وفعلا وزادك فاتخذه إلى المعاد

يا عبد الله: جد القوم وأنت قاعد، وقربوا وأنت متباعد، وقاموا وأنت راقد، وتذكروا وأنت شارد، إن قام العباد لم تر من بينهم، وإن عد الصالحون لم تكن معهم، ترجو النجاة ببضاعة مزجاة، فلا صلاة ولا مناجاة ولا توبة ولا مصافاة.

لقد باشر الصالحون ليالي رمضان بصفاح وجوههم، وقيام أبدانهم؛ خالف خوف الله بينهم وبين السهاد، وأطار من أعينهم الرقاد، عيونهم من رهبة الله تدمع، قلوبهم من خوفه تلين وتخشع، يعبدونه في ظلمة الليل والناس ضجع، قوم أبرار، ليسوا بأثمة ولا فجار.

فيا من قضيت ليلك في معصية الخالق، وأضعت الليالي في المحرمات والبوائق: هلم هلم فبادر، الحق بركاب التائبين، وكن مع أهل الإيمان واليقين، التحق بقوافل المستغفرين، ابتعد عن الطرد والإبعاد والحرمان، واقترب من الزلفى والرضوان، استدرك من رمضان ذاهباً، ودع اللهو جانباً، والحق بالقافلة، وتقرب بالفرض والنافلة، واجعل الحياة بطاعة ربك في رمضان حافلة.

رمضان شهر القرآن

00:31:00

"يا ظمآن إلى رمضان" إنه شهر القرآن، ما بالك إذا جاء صيامك وكتابك يشفعان فيك يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه؟ ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان)) [رواه أحمد: 6626، وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف"].

نزل القرآن كله إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ في رمضان، وابتدأ نزوله في رمضان.

فعليك بالمواظبة في تلاوته، إنه شهره، وقد كان جبريل يدارس نبينا -صلى الله عليه وسلم- القرآن في رمضان ،كان بعض السلف يختمه في رمضان كل ثلاث، يقرؤونه في الصلاة وغيرها، وهكذا كانوا يكونون من المضاعفين بالتلاوة في هذا الشهر بالتدبر والفهم، كانوا يبكون لما فيه من المواعظ، ويتدبرون ما فيه من الأحكام والقصص والعبر.

ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس يفطرون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، قال محمد بن كعب: "كنا نعرف قارئ القرآن بصفرة لونه، يشير إلى سهره وطول تهجده، قيل لرجل: ألا تنام؟ قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي".

منع القرآن بوعده ووعيده مقل العيون بليلها لا تهجع
فهموا عن الملك العظيم كلامه فهما تذل له الرقاب وتخضع

كان مالك في رمضان لا يتشاغل إلا بالقرآن، كان يعتزل التدريس والجلوس للناس، ويقول: هذا شهر القرآن.

قال أنس: كان المسلمون إذا دخلوا شعبان انكبوا على المصاحف فقرأوها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان.

فكيف سيكونون إذاً في شهر رمضان؟ هل يبدأ المسلم في قراءة القرآن بعد طول الغياب؟ هل تعود الختمات بعد إذ هجرت؟

هذا حال أهل الغفلة فهل من نهاية لهذا الغفلة؟

وقراءة القرآن في رمضان كانت سنة النبي ﷺ إنه يراجعه مع جبريل، وكانت المراجعة بالليل، ولذلك فإن مراجعته مع أخ لك في الله من السنة، ألم يراجعه النبي ﷺ مع جبريل؟

ولذلك فهلم هلم إلى التلاوة، اشحذ لسانك، وأعد مصحفك.

رمضان شهر الدعاء

00:34:49

واعلم -يا أخي- أن الله تعالى في ثنايا آيات الصيام في سورة البقرة ذكر عبادات معترضة في آيات الصيام، وأشار إلى قراءة القرآن:  شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة: 185]، ثم قال:  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186].

الدعاء.

وذكر الاعتكاف أثناء آيات الصيام:  وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ  [البقرة: 187].

فأدخل عبادات في الصيام فعلمنا أن هذه العبادات قراءة القرآن والدعاء والاعتكاف من أولى ما يفعل في رمضان.

الدعاء إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله:  ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60].

الدعاء هو العبادة.

ليس شيء أكرم على الله من الدعاء.

الدعاء بقلب خالص ليس بقلب غافل لاه.

الدعاء عند دخول الشهر، فقل ما تقول عند رؤية الهلال والبشارة به، فبشروا الناس بقدوم رمضان.

والدعاء في وقت الصيام إلى الإفطار.

دعاء الصائم مستجاب، وعند الإفطار دعاء آخر مستجاب.

أليس جمع شرف الزمان وشرف الحال، في الصيام وعند الفطر؟

ثم تتحرى ليالي العشر ومنها: ليلة القدر بالدعاء.

وتقول أيضاً لمن أفطرت عنده الدعاء.

وعند السحر دعاء بالاستغفار.

وإذا شتمك أحد فقل: اللهم إني صائم.

لا يرد القدر إلا الدعاء، والدعاء من القدر.

لستم تنصرون بكثرة، وإنما تنصرون من السماء.

السلف يقول الواحد منهم: إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء.

من لم يسأل الله يغضب عليه.

فارفع كفيك، واطلب من ربك، بوضوء إلى القبلة، متوسلاً بأسمائه وصفاته، ألح عليه وكرر: يا رب يا رب.

أطب مطعمك، واغتنم الأوقات الفاضلة.

رمضان شهر الاجتماع لصلاة التراويح

00:37:48

ثم "يا ظمآن إلى رمضان" إن الله قد ذكرنا بالصلاة، ومنها صلاة النافلة، وشرع لنا الاجتماع في رمضان على التراويح، ولم يشرعه لنا في غيره من الليالي والشهور، فلا يشرع الاجتماع عمداً عن قصد في غير ليالي رمضان، وفي ليالي رمضان يشرع الاجتماع في صلاة التراويح.

شهر يفوق على الشهور بليلة من ألف شهر فضلت تفضيلا
طوبى لعبد صح فيه صيامه ودعا المهيمن بكرة وأصيلا
وبليله قد قام يختم ورده متبتلا لإلهه تبتيلا

سميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح؛ لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين [ابن حجر العسقلاني].

واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين وفي أجره بغير حساب. ابن رجب -رحمه الله-.

قيام الليل سنة مؤكدة.

قيام الليل يصلح الحال، ويقرب من الجليل المتعال.

قيام الليل أجره مضاعف في رمضان: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا  [السجدة: 16].

 يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا   [الفرقان: 64].

 أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ  [الفرقان: 75].

 إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ  [الذاريات: 15 - 17].

احتسب الأجر وآمن بالله وبفرضية الشهر، وبمشروعية التراويح  من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه [رواه البخاري: 37، ومسلم: 759]  إيماناً  بوعد الله، وبالثواب على العمل، و احتساباً  وطلباً للأجر لا لرياء ولا لغيره من الدنيا، وأبشر بحديث النبي ﷺ: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة  [حديث صحيح، رواه الترمذي: 806].

إذاً، قيامك مع الإمام حتى يسلم الإمام تؤجر عليه كأنك صليت طيلة الليل إلى الفجر.

 عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله -تعالى-، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد  [رواه الترمذي: 3549، وهو حديث صحيح].

 نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم الليل .

اجمع بين الصيام والقيام والسلام وإطعام الطعام  في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها لمن يا رسول الله؟ قال: لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وبات لله قائماً والناس نيام  [رواه أحمد: 6615، وصححه الألباني].

 شرف المؤمن قيامه بالليل [رواه الحاكم: وهو حديث حسن].

أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، والذي فاتته رجل بال الشيطان في أذنيه.

ومن قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين، الذين لهم قنطار من الأجر، والقنطار شيء عظيم كالجبل.

رمضان شهر الجود والكرم

00:42:36

"يا ظمآن إلى رمضان" لا تترك شيئاً فيه بركة إلا وتفعله حتى السحور نعم سحور المؤمن التمر  [رواه أبو داود: 2345].

 إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين [رواه أحمد: 11086، وصححه محققو المسند، وحسنه الألباني في "الصحيحة " (1654) ].

السحور فيه بركة، مخالفة لأهل الكتاب، أعون على الصيام، وأضمن لصلاة الفجر.

وعمرة في رمضان تعدل حجة، إنها لا تقوم مقامه في إسقاط الفرض لكنها في الأجر مثله.

وأنفق في هذا الشهر، كان رسولك ﷺ أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه كل ليلة فيدارسه القرآن فلرسول ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة، قال الشافعي -رحمه الله-: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله، ولحاجة الناس.

وصح عنه ﷺ أنه قال: والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار [رواه الترمذي: 2616، وهو حديث صحيح].

الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عارية والعمر رحال
المال كالماء إن تحبس سواقيه يأسن وإن يجري يعذب منه سلسال

كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس.

الجود ورمضان شهر الجود.

الجود بالرياسة.

الجود بالراحة.

الجود بالعلم.

يا طالب العلم لا تبخل به

الجود بالنفع.

الجود بالبدن.

الجود بالعرض.

الجود بالخلق.

الجود بالصبر.

الجود بالمال.

الجود هذا شهر الجود، فلرسول الله ﷺ في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة.

وإطعام الطعام بتفطير الصائم أجره كبير  من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء  [رواه الترمذي: 807، وقال: "حديث حسن صحيح"].

قال شيخ الإسلام: المراد بتفطيره أن يشبعه، أي إذا أراد أن يتم له الأجر، وإلا فله أجر ولو أطعمه تمرة:  وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا  [الإنسان: 8 - 12].

كان السلف يحرصون على إطعام الطعام بإشباع جائع أو أخ صالح وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم  [رواه أبو داود: 1682، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود: 300].

يا محتسباً في خيام الإفطار قائماً على رؤوس المسلمين تطعمهم وتسقيهم: إن لك من الأجر من ثمار الجنة، والرحيق المختوم، ما يهون عليك التعب فاصبر، قال بعض السلف: "لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إلي من أن أعتق كذا وكذا".

كان كثير من السلف يؤثر بإفطاره وهو صائم منهم عبد الله بن عمر، مر به سائل عند المغرب فأعطاه إفطاره وطوى جائعاً.

وأحمد بن حنبل طرق السائل الباب فوهبه إفطاره، وظل جائعاً.

كان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين.

كان من السلف من يطعم إخوانه وهو صائم ويجلس يخدمهم.

قاال أبو السوار العدوي: كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس، وأكل الناس معه.

 لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا  [رواه البيهقي في شعب الإيمان: 8372].

عبادة إطعام الطعام تودد وتحبب إلى عباد الله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا  [رواه مسلم: 54]

إنه شهر المواساة، يجمع الغني والفقير والصغير والكبير، يشتركون في المائدة.

يربي الإنسان نفسه على التواضع عندما يجلس مع العمال والفقراء والغرباء.

إنه شهر قضاء الديون، وفك الرقاب، والتفريج عن الغارمين، وقضاء الديون عن المعسرين.

إن زكاة الفطر تختم هذا الشهر لماذا؟ ((طعمة للمساكين)) مقبولة عند رب العالمين.

رمضان شهر الانتصارات والفتوحات

00:49:16

أيها الإخوة: لقد كان شهرنا على مر التاريخ شهراً عظيماً، ينبغي أن نتذكر فيه أسلافنا.

"يا ظمآن إلى رمضان" تذكر أن الفتوح والانتصارات الكثيرة كانت في هذا الشهر، لم يقعد فيه أسلافك عن الجهاد، ذروة سنام الإسلام، كان ابن الزبير يواصل سبعة، وهو أليثنا، أقربنا شبها بالليث، وهو الأسد.

غزوة بدر، يوم الفرقان/ يوم التقى الجمعان، كانت في رمضان.

اتنصر حزب الرحمن على حزب الشيطان بعدما انتصروا في مكة عليهم بالهدى والفرقان والحجة والبيان، فجاءت بدر لتكون نصراً بالسيف والسنان، والضرب والطعان.

حفر الخندق في رمضان، وهزم أعداء الله في شوال: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا  [الأحزاب: 25].

فتح مكة في العشرين من رمضان أعز الله به دينه وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء وضرب أطناب عزة على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجاً، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا. [ابن قيم الجوزية]

معركة البويب في رمضان سنة  13 من الهجرة، قال ابن كثير: كانت هذه الواقعة بالعراق نظير اليرموك في الشام.

فتح رودس في رمضان سنة 53 للهجرة بقيادة جنادة بن أمية فتحت تلك الجزيرة، وأقام بها طائفة من المسلمين من الفدائيين المرابطين في الثغور، كانوا أشد شيء على الكفار يعترضون لهم في البحر، ويقطعون سبيلهم [البداية والنهاية: 9/ 33].

غزوة طريف المعافري من أهل البربر -رحمه الله- بعثه موسى بن نصير في رمضان سنة 91 في مائة وأربعين فارساً في أربعة مراكب، نزلوا بحر الأندلس في ساحله قبالة طنجة، وأغاروا وسبوا وغنموا مالاً كثيراً ورجعوا سالمين.

ولذلك كان فتح الأندلس على يد طارق بن زياد على رأس اثني عشر ألف من المسلمين في رمضان في مواجهة مائة ألف من الأسبان، اتصلت بينهم الحرب من الأحد الأخير من رمضان، قبل انقضائه بيومين إلى الأحد الذي يليه الخامس من شوال فهزم الله المشركين وقتل خلقاً كثيراً منهم.

يقول طارق بن زياد: ركبنا سفينا بالمجاز مقيرا.

المجاز مكان جواز العبور المضيق المشهور باسمه جبل طارق، مقيرا مطلياً بالقار، وهو الزفت الذي كانت تطلى به السفن ليسهل شقها لعباب البحر.

ركبنا سفينا بالمجاز مقيرا عسى أن يكون الله منا قد اشترى
نفوسا وأموالا وأهلا بجنة إذا ما اشتهينا الشيء فيه تيسرا
ولسنا نبالي كيف سالت نفوسنا إذا نحن أدركنا الذي كان أجدرا

فتح البذ، وأسر بابك الخرمي وقى الله المسلمين شره في عشر بقين من رمضان سنة 222.

وفتح عمورية في 223 على يد المعتصم، هدم سورها، واقتحم أهلها جيش المسلمين، وتفرقت الروم عن أماكنها وجعل المسلمون يقتلونهم أينما كانوا وحيثما ثقفوهم في رمضان.

وفي الرابع والعشرين منه سقطت سروسة بأيدي المسلمين في 264 ووقعت حارم سنة 559 في رمضان نصر الله المسلمين بقيادة محمود زنكي على الروم وأسر منهم قائد طرابلس، وقتل منهم عشرة آلاف وقيل عشرون ألفاً.

وفي رمضان فتح الكرم وصفد في 584 على يد صلاح الدين الأيوبي.

وفي الخامس والعشرين من رمضان سنة 658 وقعة عين جالوت هزم الله التتار الملاعين، وأظهر بهم جنده المؤمنين بقيادة الملك المظفر سيف الدين قطز الذي خاض غمار المعركة ونزل في معمعتها مترجلاً على الأرض كالليث في عرينه فرآه بعض أمرائه فنزل له عن فرسه ليركبها فأبى وقال: ما كنت لأحرم المسلمين نفعك وهكذا لما قيل له: تقتل، يهلك الإسلام بسببك؟ قال: أما أنا فكنت أروح إلى الجنة، وأما الإسلام فله رب لا يضيعه قد قتل فلان وفلان حتى عد خلقاً ممن مضى من العظام، فأقام الله للإسلام من يحفظه غيرهم، ولم يضع الإسلام.

وفي  702 للهجرة في الثاني من رمضان معركة شقحب بين جيوش المسلمين المجتمعين من مصر والشام ومعهم السلطان الناصر محمد بن قلاوون، جمع شيخ الإسلام جيش مصر والشام وهكذا يؤزهم للقتال في سبيل الله، ويطوف عليهم ويقرأ الآيات ويأمرهم بالفطر، والفطر أقوى والإسلام دين الواقعية إنه لا يقول للمسلمين: جاهدوا وأنتم صيام، إنما يأمرهم بالفطر، والفطر أقوى لهم، وأفطر هو أمام الناس، وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شيء معه في يده ليعلمهم أن إفطارهم ليتقووا به على القتال أفضل من صيامهم.

وفي 927 للهجرة في الخامس والعشرين فتحت بلغراد عاصمة المجر على يد السلطان العثماني الذي قاد الجيوش ليهزم لويس ملك المجر ثم جاء ليطلب دفع الجزية.

الحذر من لصوص رمضان

00:57:32

إن هذا الشهر ليعيد تذكيرنا بأمجاد ماضينا وكيف يجب أن نعود إلى ذلك العز وأن ننفض عنا غبار النوم والكسل.

إيانا إيانا من تفريغ رمضان من محتواه، فإن هناك مؤامرة كبيرة وخطيرة على رمضان.

إن هناك مؤامرة خطيرة لإفراغه من محتواه، خيام بشيشة ومعسل، وشاشات وضجة، وصخب وغناء على الأرصفة، وعبث في الشوارع بالسيارات، وأطباق تذهب الخشوع، وسداسيات للكرة تفرغ رمضان من محتواه، بل سفريات ومحرمات وأغانٍ ومسلسلات، ماذا أعدوا لرمضان؟

أعد عباد الله المصاحف والأقدام، أعد عباد الله البكاء والدموع.

أعد عباد الله التوبة النصوح.

أعد عباد الله الجود بأنواعه والكرم.

أعد عباد الله مخالفة هوى النفس ثم يأتي هؤلاء ليقولوا: أعددنا الجداول لأي شيء؟ كل ليلة مع مغنٍ أو مغنية، ضيف الحلقة ممثل أو ممثلة.

كوميديا حل صيامك.

مسلسل اضحك للدنيا.

إعداد بتكلفة سبعمائة ألف دولار، اشترك فيه مائة وسبعة وثلاثون ممثل وممثلة، مسلسلات تاريخية، عمن؟ قاسم أمين الذي حرر المرأة من الدين.

 المسلسل الكوميدي الذي أحبه كل من تابعه، ألو فلان، ألو فلانة.

الفوازير يقول: أنا أعتبرها مع المسحراتي وألف ليلة وليلة من العلامات المميزة في رمضان، هذه الميزة في رمضان؟! الفوازير تجمع الأسرة حول شاشة التلفزيون للاستمتاع بالرقص والغناء، إنها وجبة دسمة شهية بعد الإفطار مباشرة، هذه تعليقاتهم.

خمسة، وعشرة مليون دولار حصيلة تسويق وبيع مسلسلات وأعمال رمضانية درامية من بلد عربي واحد.

إحدى الفاسقات عقدت جلسات عمل يومية مع أحد الشعراء لمتابعة خطوات كتابة فوازير رمضان الذي ستقدم على الشاشة، والتي وضعت بنفسها فكرتها، وتتضمن أشهر الاستعراضات العالمية، تقول: إنها أمضت عدة سنوات في التحضير لهذه الفوازير، وقرأت العديد من المراجع، وجلست أمام شاشة الإنترنت لفترات طويلة لتتعرف على أشهر الاستعراضات التي تتميز بها كل دولة من دول العالم حيث استقرت في نهاية البحث على اختيار سبعين استعراضاً عالمياً، تختار من بينهم ثلاثة وثلاثين موضوعاً للعرض في أيام وليالي رمضان، وعيد الفطر المقبل، وفي كل ليلة، في كل حلقة من حلقات الفوازير الجديدة رقصة شهيرة مع الموسيقى الخاصة، وأفلام ومسلسلات استهزاء بالمتدينين، وإظهارهم بمظهر المغفلين والحمقى المتشددين، والأكولين الشروبين الجامعين بين قلة العلم وعدم التبصر بالدنيا.

وهكذا يستمر مسلسل إفراغ رمضان من محتواه، وإلهاء الناس عن العبادة والدين، وجعلهم يفسقون بالليل بعد أن كانوا يعبدون في النهار، ويتأخرون عن صلاة التراويح لأجل متابعة المسلسل والفيلم.

وكاميرات ظاهرة، وأخرى خفية، والمقصود الإلهاء عن العبادة.

والمقصود طمس أثر الصيام والإيمان الذي حل في القلب.

أين العقول؟ أين الخوف من الجليل والاستعداد ليوم الرحيل؟

يا أخي: إذا كنت جاداً في التوبة فمالك ولهذه الأشياء؟

إذا كنت جاداً في الأوبة فمالك ولهذه الترهات؟

كيف سيقضى على أثر العبادة في هذا الشهر؟

ماذا سيفعل بالفرحتين: إذا أفطر فرح لفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه؟

ماذا يريد هؤلاء وقد صفدت مردة الجن أن يشتغل شياطين الإنس؟

ماذا سيفعلون بأجر الصوم الذي جعله الله له  إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ؟ [سبق تخريجه].

ماذا سيحصل في كل ليلة، ولله عتقاء من النار ففي أي صحيفة وفي أي ديوان سيكتبون؟!

 إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل غيرهم  [رواه مسلم: 1152].

أين خلوف فم الصائم الذي كان أطيب عند الله من ريح المسك في النهار؟ بأي شيء سيتكلم بالليل أبالأغاني أم بماذا؟ ماذا يحصل للصيام الذي سيشفع للعبد؟

ومن صام يوماً يبتغي وجه الله به ختم له دخل الجنة، والصوم الذي لا عدل له، ودعوة الصائم مستجابة، ماذا سيحصل لها؟ أي عبادة هذه؟ وأي دعاء في قنوت الوتر الذي سيقبل؟ وحال هذا الإنسان من الخلط والمعاصي ما لا يعلم به إلا الله، لماذا يحدث ذلك؟

لماذا نرضى بهذا الذل؟ ألم يكن إبراهيم بن هانئ عند وفاته صائماً، فقال: أنا عطشان فجاءه ابنه بماء، قال: أغابت الشمس؟ قال: لا، فرده ثم قال: لمثل هذا فليعمل العاملون، ثم مات.

أبو مريم الغساني ظل صائماً إلى آخر لحظة من حياته، يقول له حوله: لو جرعت جرعة ماء، فقال بيده: هكذا، لا، فلما دخل المغرب قال: أذن، قالوا: نعم فقطروا له في فمه قطرة ثم مات.

هكذا كان السلف يصومون عن المعاصي ويصومون لله -عز وجل- كما أراد.

ثم ماذا يحدث اليوم؟ ماذا يحدث اليوم -يا عباد الله-؟ أين ذكر الأذنين واللسان والعينين واليدين والبدن؟

أين قيامنا بالواجب في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس في رمضان؟

أسلمت فتاة ألمانية، ولما جاءت لتعلن إسلامها وتغير اسمها من "مرتينا" إلى فاطمة، لم تسم نفسها بمثل أسماء الخانعات اليوم، قالوا لها: ماذا أعجبك في الإسلام؟ قالت: أن أقف بين يدي الله خمس مرات أصلي بخشوع، وأن أصوم لله، قالوا: لماذا؟ قالت: لأن الصيام يربي الضمير في النفس، لأنه سر بين العبد وربه، قالوا: ما مثلك الأعلى؟ قالت: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ﷺ.

فلنتحسر على ما فات، ولنقم لله بالمطلوب.

دعاء بخشوع بغير تطريب ولا تلحين يخرج عن الخشوع، ولا زيادات بدعية، ولا تفصيلات ما أنزل الله بها من سلطان، ولا مشقة على المأمومين، ولا اختراعات وأشياء مخالفة للعقيدة، ولا سجع متكلف، ولا تشقيق ليس بوارد، أو تحويل الدعاء إلى مواعظ وخطب.

الجدول اليومي في رمضان

01:08:22

نحن بحاجة ماسة إلى جدول يومي في هذا الشهر القادم على ذكر لله، وتطبيق للسنن أن نكون مع الله طيلة الشهر ليلاً ونهاراً.

"يا ظمآن إلى رمضان": هل أنت جاد فعلاً في القدوم على الشهر الكريم؟

لا تترك صلاة واحدة، ينامون عن الظهر والعصر في رمضان، إياك إياك، استيقظ لصلاة الفجر.

زين قبلك بالقرآن، واسكب الدموع والعبرات، عسى الله أن يبدل السيئات حسنات.

لا تستكثر المعاصي التي سبقت في رحمة الله، فإن الله يغفر الذنوب جميعاً.

اقلع عن الذنوب

واشدد يديك بحبل الله معتصما فإنه الركن إن خانتك أركان
من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفيه شر من عزوا ومن هانوا

من كان متعاطيا لمعصية فليترك معصيته.

 من كان في وظيفة محرمة فليخرج إلى تقوى من الله.

من كان للخير مناعا فليس له على الحقيقة إخوان وأخدان
من استعان بغير الله في طلب فإن ناصره عجز وخذلان

يا أيها الشاب الذي أنت مغتر بشبابك: رفقاً ثم رفقاً وصوناً لدينك وعرضك، عد إلى الله فقد آن الأوان.

لا تغتر بشباب رائق نضر فكم تقدم قبل الشيب شبان
لا تحسين سرور دائم أبدا من سره زمن ساءته أزمان

أيتها الأخت المسلمة: عليك بطاعة الله ثم بطاعة الزوج وطاعة الوالدين، كوني عوناً على طاعة الله.

واعلمي بأن التوبة إلى الله في  هذا الشهر الكريم: الإقلاع عن المعاصي والأخذ بالطاعات.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.