الجمعة 12 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 13 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

مكائد من تلبيس إبليس


عناصر المادة
أخذ إبليس العهد على نفسه بإضلال بني آدم
تنوع طرق إبليس في إضلال بني آدم
مسالك الشيطان في إضلال بني آدم
تخويف الشيطان للمؤمنين
تزين الشيطان للإنسان الفعل الضار
تحسس الشيطان لنفس الإنسان
اقتراف المحرمات وتسميتها بغير اسمها
التسويف
الإغراق في أمور الدنيا على حساب الدين
سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة
الحيل والخداع
الوسوسة
عشق الصور

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد:

أخذ إبليس العهد على نفسه بإضلال بني آدم

00:00:25

فقد خلق الله خلقه، وابتدأ خلق البشر بخلق أبيهم آدم .

وكان من خلقه : الجن ومردتهم الشياطين، وعلى رأسهم: إبليس -لعنه الله-.

واقتضت حكمته أن يخلق إبليس ليبلو عباده بهذا الشيطان فينظر كيف يعملون.

فمن أطاع إبليس ذهب معه إلى دار العقاب، ومن عصاه نجا بنفسه إلى دار الثواب.

ولقد أخذ إبليس العهد على نفسه منذ أن خلق الله أبانا آدم بإضلال البشر وإضلال سلالة آدم ، فقال الله عن هذا العدو الخبيث: فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ  [الأعراف: 16 - 17].

وقال الله : إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا * لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ  أي قال إبليس  لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا  [النساء: 117 - 120].

وفي المقابل فإن الله تكفل لمن تاب بأن يتوب عليه، ولمن اعتصم به أن ينجيه من شر إبليس، فلم يتركنا هملاً ونهباً للشياطين، وإنما أعطانا من الأسلحة ما ندافع به عن أنفسنا شر هذا الشيطان الرجيم، وقد جاء في الحديث الحسن الذي رواه الإمام أحمد أن رسول الله ﷺ قال: إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني  [رواه أحمد: 11237، وقال محققو المسند: "حديث حسن"].

تنوع طرق إبليس في إضلال بني آدم

00:03:11

ولقد تنوعت طرق إبليس في إغواء البشر وصار يقعد بكل صراط يصد عن سبيل الله من آمن، ويريده أن يعوج، فقال ﷺ:  إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك فعصاه فأسلم ، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك؟ فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل وتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال؟ فعصاه فجاهد، فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة)) رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح [رواه النسائي: 3134، وأحمد: 15958، وقال محققو المسند: "إسناده قوي"].

وإذا تأملت -أيها الأخ المسلم- في الأحاديث الصحيحة التي جاءت عن أنواع إيذاء إبليس لبني البشر لوجدتها شيئاً كثيراً جداً، وهاك طائفة منها ملخصة من الأحاديث الصحيحة الثابتة في ذلك.

الشيطان يحاول أن يأكل مع الإنسان وأن يشرب معه وأن يدخل بيته، ويبيت على خيشومه، ويدخل مع التثاؤب، ويتلعب بابن آدم في منامه، ويوسوس له في صلاته، ويذكره بما يلهيه عنها، ويدفع المار للمرور بين يدي المصلي، ويؤذي الصبيان عند المساء، ويدل الفأرة على السراج فتحرق على أهل البيت بيتهم، ويتخلل صفوف المصلين في الصلاة، ويتخبط الإنسان عند الموت، ويشكك المرء في ربه فيقول له: من خلق الله؟ ويقعد للإنسان بأطرق الخير المختلفة، ويحرش بين المصلين، ويجري من ابن آدم مجرى الدم، ويزين المرأة في أعين الرجال إذا خرجت، ويدعو للتفرق، ويكون مع الواحد، ويهيج الغضب، ويدعو إلى العجلة، ويسير مع الراكب المنفرد والراكبين في السفر، وهو مع من فارق الجماعة، ويسترق السمع لإغواء بني آدم، وينخس المولود فيصيح، ويضر الولد إذا لم يسم أبوه عند الجماع، ويكون على ذروة كل بعير، ويشارك ابن آدم في متاعه الزائد في البيت، ويستحوذ على الثلاثة فصاعداً في أي بلد لا يقيمون فيها صلاة الجماعة، ويكون مع المسافر إذا خلا بالشعر المذموم، ونحوه، ويجلس بين الظل والشمس، ويختلس من صلاة العبد بالالتفات.

ويتعاظم إذا سبه ابن آدم، ويحضر البيع، ويعقد على قافية الإنسان ثلاث عقد يخذله عن القيام للصلاة، ويضع عرشه على الماء ويرسل سراياه يفتن الناس، ويدني من فرق بين الرجل وزوجته، وهو السبب في إخراج أبينا آدم من الجنة، لعنه الله وقاتله.

مسالك الشيطان في إضلال بني آدم

00:06:43

والأبواب التي ينفذ منها الشيطان على ابن آدم كثيرة، وللشيطان فيها مراتب يتدرج فيها بالإغواء، فأول ما يهتم من إغواء ابن آدم: إغواؤه بالشرك والكفر، ثم إذا لم يستطع يحاول إغواءه بالبدعة، فإذا لم يستطع يحاول إغواءه بالكبائر بأنواعها، فإن لم يستطع أغواه بالصغائر، فإن عجز أشغله بالمباحات، فإن لم يتمكن أشغله بالمفضول عما هو أفضل منه، فإن عجز مع ذلك كله سلط على هذا الإنسان المستقيم الرافض لسبل الشيطان حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى ليشوش عليه ويشغله ويحزنه ويخذله  يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ  [إبراهيم: 27].

نعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.

نعوذ بالله من الشيطان الرجيم من إغوائه وإضلاله وسبله.

ونعوذ بالله من الشيطان الرجيم من كيده ومن عدائه لنا.

وفي هذه الليلة سنتعرض لبعض المكائد من تلبيس إبليس، مكائد من تلبيس إبليس.

هذا الكيد الذي يكيد به الشيطان للإنسان له أنواع متعددة وأبواب متفرقة.

وسنعرض في هذه الليلة -إن شاء الله- لعشر من هذه المكائد، نختصر في بعضها، ونتوسع في البعض الآخر، وإن كنا لا نريد الإطالة في هذا الوقت الذي يقصر فيه الليل.

تخويف الشيطان للمؤمنين

00:08:39

أولاً: من مكائده أنه يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه، يجعل المؤمن يخاف من جند الشيطان، الشيطان يجعل المؤمن يخاف من جند الشيطان وأولياء الشيطان، فلا يجاهدهم ولا يأمرهم بمعروف ولا ينهاهم عن منكر؛ كما قال الله إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ [آل عمران: 175] يعني يخوف المؤمنين من أوليائه هو من أولياء الشيطان: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  [آل عمران: 175].

ولذلك تجد كثيراً من المخلصين لا يقومون بما أمر الله به من الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الجهاد في سبيل الله، ذلك أن الشيطان عظم في أنفسهم شأن هؤلاء الأعداء والفسقة والمجرمين، الذين يريد أولياء الله أن يدعوهم إلى الله، ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، ويجاهدونهم في سبيل الله، ولذلك تجد كثيراً من هؤلاء يحجمون في كثير من الأحيان عن سبل الخير مع هؤلاء الناس؛ لأن الشيطان يخوفهم ويقول لهم: ستقتلون، ستسجنون، ستؤذون، سيفعل بكم كذا وكذا، فلا يزال يهون شأن الأعداء في نفس المسلم حتى يقعد المسلم عن مقاومة الأعداء، ويقول لهم: إن هؤلاء الأعداء كثيرون عدداً، أقوياء في العدة، لا قبل لكم بمجابهتهم، فيشعر المسلم بالإحباط واليأس، فيقعد عن القيام بالواجب.

والحقيقة إن أذى الشيطان في هذا الباب في هذا الزمان قد كثر جداً، ولذلك فقد حل اليأس في عقول وقلوب الكثيرين، فلا يريدون أن يقوموا لله بالواجب، ويخافون من سطوة أهل الشر، ويخافون من كيد الأعداء والمنافقين في الداخل والخارج، يخاف الواحد على نفسه، أو على أولاده، أو على وظيفته، أو على أمواله، فيقعد بسبب تخويف الشيطان، وهذا التعظيم من الشيطان لأوليائه في نفوس المسلمين، إذا عرف المسلم الصادق حقيقة الأعداء وأنهم جبناء، فإنه سيمضي، وسيثبت له أثناء هذا المضي أنهم جبناء، فلا يخاف منهم ولا يخشى سطوتهم، ويستعين بالله عليهم.

تزين الشيطان للإنسان الفعل الضار

00:11:26

ثانياً: ومن كيد الشيطان: أنه يزين الفعل الضار للإنسان حتى يخيل إليه أنه أنفع الأشياء، وينفره من الفعل الذي هو أنفع الأمور حتى يخيل إليه إنه يضره.

فكم جلى الشيطان من الباطل وأبرزه في صورة الحق؟ وكم شنع الحق وأخرجه في صورة مستهجنة؟

لقد زين للمشركين عبادة الأوثان وقطيعة الأرحام ووأد البنات ونكاح الأمهات.

لقد زين للقاعدين عن الأعمال الصالحة المتواكلين الذين يظنون أن رحمة الله ستدركهم ولا بد، زين لهم المعاصي والكفر والفسوق والعصيان ووعدهم بجنات عرضها السموات والأرض.

وزين ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب التودد إلى الناس وحسن الخلق معهم، بقوله عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ  [المائدة: 105]، فهو يقول للمسلم إذا أراد أن يتحرك: عليك نفسك لا تتحرك، هذا هو الدليل.

وقد زين العشق في قالب الأخوة في الله، وزين.. وزين.. من الأمور الكثيرة جداً، فأخرج الباطل بصورة الحق، ويخرج الحق بصورة الباطل، فينصرف كثير من الناس عن الحق بسبب هذا التزيين ويقعون في الباطل بسبب تزيين الباطل.

تحسس الشيطان لنفس الإنسان

00:13:12

ثالثاً: ومن كيد الشيطان: أنه يتحسس نفس الإنسان، وهذا من خبثه وكيده ليعلم هذا الشخص إلى أي الأمرين هو أقرب إلى الإقدام أو إلى الإحجام.

وإن طبائع النفوس بين هذين الأمرين، بعض النفوس مقدمة تحب الإقدام، وبعض النفوس محجمة تتراجع.

والشيطان يتحسس طريقه ويتلمسه في نفس ابن آدم لينظر أهو من النوع المقدم أو من النوع المحجم، فإذا رأى الغالب على النفس الإحجام زاد في تثبيطها وتخذيلها وإضعاف همتها، وثقل عليها الأوامر، وهون عليها ترك هذه الأشياء من الواجبات التي أوجبها الله، والتقصير فيها.

وإذا رأى في المقابل أن النفس تريد الإقدام وتحب المضي، وعلو الهمة أخذ يقلل الأمور على صاحبها، ويقول: إنما تفعله قليل لا بد أن تزيد، ويوهمه أن ما يفعله لا يكفيه، وأنه يحتاج إلى الزيادة، فماذا يفعل العبد؟

يقع في البدعة، يقول له: إن هذه الأعداد التي جاءت في الصلوات والتسبيحات وغيرها من أنواع العبادات هذه أشياء قليلة عليك، أنت صاحب مطامح وصاحب همة عالية، لا بد أن تزيد.

لماذا ترمي الجمرة سبعاً؟ ارم تسعاً، ارم عشراً، وهكذا..

فيدخل عليه عندما يحس أنه يحب الزيادة والإقدام من هذا الباب فيوقعه في أي شيء؟

في البدعة، ولذلك يقول بعض السلف: ما أمر الله -سبحانه- بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وتقصير وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي بأيهما ظفر؛ لأنه سيحقق هدفه في الحالتين، فهلك الناس بين التفريط وبين الغلو إلا من عصم الله من المؤمنين الذين اعتصموا بسنة رسول الله ﷺ، هلك الناس في وادي التقصير وفي وادي المجاوزة والغلو، وثبت القليلون على الأمر الوسط: سنة النبي محمد ﷺ.

وإليكم أمثلة، فقد دفع بعض الناس إلى التقصير بواجبات الطهارة، فترى أحدهم لا يستتر من بوله مثلاً، ولا يتعاهد المرفقين والكعبين عند الوضوء.

وجاوز بقوم الحد فوقعوا في الوسوسة.

وقصر بقوم في تناول ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب حتى أضروا بأبدانهم.

وتجاوز بقوم حتى أخذوا فوق الحاجة فأضر بقلوبهم وأبدانهم.

وقصر بقوم في خلطة الناس، حتى اعتزلوهم في الطاعات كالجمعة والجماعات والجهاد وتعلم العلم.

وتجاوز بقوم حتى خالطوهم في الظلم والمعاصي والآثام.

وقصر بقوم حتى امتنعوا عن ذبح عصفور أو شاة ليأكلوها.

وتجاوز بآخرين حتى جرأهم على الدماء المعصومة.

وقصر بقوم حتى منعهم من الاشتغال بالعلم الذي ينفعهم.

وتجاوز بآخرين حتى جعلوا العلم وحده هو الغاية دون العمل به.

وقصر بقوم حتى أطعمهم من العشب والنباتات البرية زهداً بزعمهم وعبادة دون غذاء بني آدم الآخر.

وتجاوز بآخرين حتى أطعمهم الحرام الخالص.

وقصر بقوم حتى زين لهم ترك سنة النبي ﷺ في النكاح فرغبوا عنه بالكلية.

وتجاوز بآخرين حتى ارتكبوا أنواع الحرام في هذه المسائل.

وقصر بقوم في حق الأنبياء والصالحين حتى قتلوهم.

وتجاوز بآخرين في مسألة الأنبياء والصالحين حتى عبدوهم.

وقصر بقوم حتى منعهم قبول أقوال أهل العلم بالكلية وعدم الالتفات إليها قاطبة.

وتجاوز بآخرين حتى جعلوا الحلال ما حلله هؤلاء الرجال، والحرام ما حرموه، فقدموا أقوال متبوعيهم على أدلة القرآن والسنة.

وقصر بقوم حتى قالوا: أن إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل وميكائيل، وهم المرجئة.

وتجاوز بآخرين حتى أخرجوا من الإسلام بالكبيرة الواحدة، مثل الخوارج.

وقصر بقوم حتى نفوا حقائق أسماء الرب -تعالى- وصفاته وعطلوها.

وتجاوز بآخرين حتى شبهوه بخلقه ومثلوه بهم.

وقصر بقوم حتى نفوا الأسباب والطباع والغرائز وقالوا: لا وجود لذلك البتة.

وتجاوز بآخرين حتى جعلوها أمراً لازماً لا يمكن تغييره بل ربما جعلوها مؤثرة بنفسها من دون الله.

فأنت ترى الآن -أيها الأخ المسلم- أن الشيطان إذا رأى الإنسان يريد الإحجام ويميل إلى الدعة والكسل ثبطه وزاد في تكسيله وتثبيطه، فوقع في التقصير وترك الواجبات وفعل المحرمات.

وإذا رأى إنسانا يحب الإقدام ويحب العمل دفعه إلى الزيادة ولكن في مجالات بدعية، حتى أوقعه في الغلو ومجاوزة الحد فوقع في محرمات عظيمة من جهة أنه ظن أن فعل النبي ﷺ لا يكفيه ولا بد من الزيادة عليه.

ووقع في هذا الخطأ كثير من الزهاد، الذين تركوا أموراً من المباحات من أجل العبادة بزعمهم يقول: هذه زيادة في العبادة، فتركوا النكاح والملذات وصاموا الدهر.

وفي الجانب المقابل قعد بكثير من أصحاب الشهوات في مستنقع المآثم والمحرمات فعصوا الله .

اقتراف المحرمات وتسميتها بغير اسمها

00:20:29

رابعاً: من كيد إبليس وتلبيسه: أنه يحمل العبيد على اقتراف المحرمات بطريقة تسمية هذه المحرمات بغير أسمائها، إبليس لما خدع آدم وحواء في الجنة، ما هي طريقته في خداعهم؟

سلك عدة سبل، حلف بالله أنه ناصح، وحلف أنه يريد لهما الخير، وإلى آخره، ومن ذلك أنه سمى لهم الشجرة التي نهاهم الله عنها سماها: شجرة الخلد  قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى  [طـه: 120].

هذه الشجرة نهاه الله عنها لكي يوقع إبليس آدم في المعصية، غير له اسم الشجرة، قال: هذه شجرة الخلد، فكان هذا من الدواعي إلى وقوع آدم في المعصية والأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها، ويحدث بالضبط من هذا الباب أمور كثيرة، فيسمي الشيطان الأمور المحرمة بأسماء تحبها النفوس، فيسمى الخمر: أم الأفراح والمشروبات الروحية، كما يسميها اليوم شياطين الإنس، وأوقع بعض الخلق في تسمية الربا فوائد واستثمارات أو بيع أو معاملة، ونحو ذلك، وفوائد كما يسمونها اليوم في كثير من البنوك التي تحارب الله ورسوله، ودفع أقواماً إلى تسمية المكوس وهي الضرائب المحرمة قطعاً إلى تسميتها بالحقوق السلطانية، وأن من حق السلطان أن يأخذها، وهي مكوس ضرائب حرام لا يجوز أخذها، ظلم للعباد.

وسمى الناس الآن الغناء والرقص والطرب فناً، وسموا الرشاوي أتعابا، وهكذا..

فقلب الأسماء التي ذكرها الله بالنص عليها ربا، زنا، خمر، رشوة، هذه أمور قد تتقزز النفوس السليمة من سماعها، لكن الشيطان يوحي إلى أوليائه أن يغيروا أسماء هذه الأشياء.

فالبسطاء والسذج من الناس وأصحاب الشهوات طبعاً وأصحاب الأغراض الدنيئة يعجبهم تغيير الاسم فيقعوا في هذا الأمر المحرم.

وإذا جئت تناقشهم في الربا يقولون: هذه فوائد، استثمار، بيع وشراء، والموسيقى والمعازف فنون جميلة، ونحت الأصنام، فنون جميلة هكذا يسمونها.

ولاشك أننا أهل الإسلام لا نرضى بذلك ولا نقره، بل يجب علينا أن نفضحه وأن نبينه وأن نرد على قائله، وأن نقول له: كذبت، الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، وإن السكر لا ينقلب ملحاً إذا كتبت على كيس السكر ملحاً، فإن الجوهر والحقيقة تبقى هي هي، وإن زخرفوه وقلبوا لك الأمور حتى تظن الأمر بخلاف ما هو عليه في الحقيقة.

التسويف

00:24:23

خامساً: من كيد إبليس: التسويف، فكلما جاء طارق الخير إلى نفس المسلم أرسل إبليس بواباً ليصرف هذا الطارق، من هو البواب؟ اسمه بواب: لعل وعسى، في المستقبل، إن شاء الله، سيأتي الوقت، سوف، لعلني في المستقبل، وقد يكون من تلبيس إبليس في هذه المسألة، أنه يجعل للإنسان عائقاً، يقول له: إذا زال العائق افعل هذا الفعل، فمثلاً يأتي إلى الإنسان طارق طلب العلم، طارق خير، طلب العلم، فيأتي إبليس يقول لهذا الشخص: أنت الآن مشغول بالدراسة، وتحصيل الشهادة، اجعل طلب العلم الآن على جنب، إذا انتهت الدراسة تطلب العلم إن شاء الله.

فإذا انتهت الدراسة أتى له بعائق آخر، قال له: أنت الآن ستبحث عن وظيفة، انتظر حتى تبحث عن وظيفة ثم تطلب العلم، فإذا وجد الوظيفة جعل له عائقاً آخر فقال له: أول ثبت نفسك، أنت الآن جديد في الوظيفة، وهم سيجربونك في الوظيفة، وبعد ما تثبت جدارتك وتشتغل ليلاً ونهاراً، اطلب العلم، وهكذا..

وإذا جاء الإنسان طارق الدعوة إلى الله يقول له: قم ادع إلى الله، فيقول له الشيطان: أول شيء أنت أصلح نفسك وتخلص من عيوبك ثم تشتغل بالدعوة، فينشغل الإنسان يظن أنه على خير أنه الآن يخلص نفسه من العيوب والزلات والآثام والمعاصي، ثم يقول له: إذا وصل إلى مستوى يرضى بنفسه منه، يقول له: لا بد أن تطلب العلم أولاً، إذا طلبت العلم وحفظت أشياء كثيرة من القرآن والسنة وطلبت العلم، بعد ذلك تدعو، فيقول العبد في نفسه: صحيح، فالآن انشغل بهذا فإذا أتممت قسطاً من طلب العلم وافراً أبدأ بالدعوة، وهكذا يتدرج في وضع العوائق في طريقه كلما أتى ليعمل شيء وضع له عائقاً.

إذا جاء ليتصدق قال: أول وفر مهر الزواج، وفر أثاث البيت، وهكذا، فيشغله بعائق عن العمل لهذا، عن الوصول لهذا الأمر المشروع، ولا شك أن ذلك من كيد إبليس وتلبيسه.

والعاقل من عرف أنه لا بد أن يضرب في كل حقل بسهم مما يستطيع من طاعة الله ، وأنه لا يشغله خير عن خير فهو يعمل في أبواب الخيرات ما استطاع، ويكمل نفسه مع مرور الوقت، بمرور الوقت يكمل نفسه ويعمل للإسلام، يكمل نفسه ويتصدق ويجاهد ويتعلم ويدعو ويعمل ما يستطيع من أبواب الخير.

الإغراق في أمور الدنيا على حساب الدين

00:27:50

سادساً: أنه أحياناً يأتي للإنسان، فيقول له: إن هذا الجانب الذي أنت فيه جانب عظيم من الخير، فعليك به واهتم بهذا الأمر، فينشغل العبد بهذا الجانب عن بقية الأشياء، فمثلاً يقول له: أليست النفقة على المال والأهل عبادة؟

إذاً، أنت اعمل الآن في هذه الوظيفة واشتغل وهذه تجارة أعطها جهدك وضع فيها تركيزك؛ لأنها عبادة وستدر منها أموالاً وتنفق على أهلك وأولادك، و كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت  [رواه أبو داود: 1692، وأحمد: 6495، وقال محققو المسند: "حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن"]، فيضخم له جانب العمل والوظيفة على أنها عبادة، حتى يظن الشخص فعلاً أنه الآن يؤدي خدمة عظيمة للإسلام بهذا الجانب، فينشغل عن بقية الجوانب، فينشغل عن الدعوة، وعن طلب العلم، ينشغل عن أمور كثيرة من أمور الخيرات، بل يمكن من الأمور التعبدية والشعائر التعبدية ينشغل عنها في هذا الجانب.

نفس الشيء يقول له مثلاً في الدراسة الدنيوية: أليست الدراسة عبادة؟ ألست تدرس لتكون طبيباً ينفع المسلمين؟ ألست تدرس لتكون مهندساً ينفع المسلمين؟ ألست تدرس لتكون إدارياً يدير مشاريع المسلمين؟ وهكذا وهكذا..

إذاً، أنت في حقل عظيم، عليك بهذا الحقل، ركز فيه، اجعل فيه جهدك، فينسى العبد حتى العبادات، وينسى أموراً مهمة في الدعوة إلى الله وطلب العلم بهذه الأضحوكة الشيطانية، وهذه اللعبة العفريتية.

سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة

00:29:55

سابعاً: ومن مكايد الشيطان ومصايد عدو الله التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة.

وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- كلاماً مهماً جداً في هذا الموضوع، وأبلغ في العبارة غاية البلاغة، حتى إنني لأقول: أنه لعل من أعدى أعداء الشيطان من علماء المسلمين ابن القيم -رحمه الله-، فإنه قد بين وفصل في كتبه رحمه الله من وسائل الشيطان في الكيد والإضلال وخداع البشر، وبين طريقة المواجهة وكيفية صد هذه الغارات الشيطانية ما نرجو له به عند الله أجراً عظيماً ومثوبة جليلة، على ما بين ونفع، وخصوصاً في كتابه العظيم الذي ننقل منه أطرافاً بالنص "إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان"، وهذا الكتاب العظيم يصد كثير من الناس عن قراءته طوله، وتفرع ابن القيم -رحمه الله- في ذكر مباحث يتوسع فيها في هذا الكتاب، بحيث قد يمل القارئ من القراءة فيها، كأبواب الحيل والطلاق بالثلاث، وهكذا مسائل الطلاق، ومسألة الطلاق بالثلاث، وهكذا، حتى أن الشخص الذي ليس عنده رسوخ قدم في العلم يمل من القراءة إذا وصل إلى استطراد معين، فيفوته أشياء كثيرة جداً من الفوائد العظيمة الموجودة في هذا الكتاب، ولذلك أنصح من يتعرض للقراءة فيه أنه إذا وصل إلى مبحث طويل فيه ذكر أحكام فقهية وتفصيلية كثيرة مثلاً، فليتجاوز ذلك إلى الموضع الذي يرى أن نفسه يسهل عليها القراءة فيه، فيحصل شيئاً كثيراً من الخير في هذا الكتاب العظيم.

لقد خدع إبليس بعض العباد والزهاد في الماضي من المتصوفة بقضية الغناء، ولا زال خداعه سارياً في أجيال من البشر في هذا القرن ممن وصل إلى قناعة شيطانية بأن الغناء من العبادة، وأن بعض أصحاب الطرق الصوفية كما هم موجودون الآن بكثرة، ولكن قد لا نشاهدهم في هذه البلاد، لكنهم يوجدون في أقطار إسلامية بكثرة، والذي يكون من تلك الأقطار أو يتجول فيها يعرف ذلك جيداً، يعملون حلق السماع فيها موسيقى، فيها أشعار وطرب، يقولون: أن هذا ذكر! وعند بعض الناس الذين يقيمون الموالد النبوية بزعمهم! أشياء من هذا القبيل، طرب وألحان يتقربون بها إلى الله!

وذكر كلاماً جميلاً نسوقه بنصه لجماله، يقول رحمه الله عن الغناء: "فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق من معشوقه غاية المنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة وحسنه لها مكراً منه وغروراً، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه فقبلت وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجوراً، فلو رأيتهم عند ذياك السماع وقد خشعت منهم الأصوات، وهدأت منهم الحركات، وعكفت قلوبهم بكليتها عليه، وانصبت انصبابة واحدة إليه، فتمايلوا له ولا كتمايل النشوان، وتكسروا في حركاتهم ورقصهم، أرأيت تكسر المخانيث والنسوان؟ ويحق لهم ذلك وقد خالط خماره النفوس ففعل فيها أعظم ما يفعله حمي الكؤوس، فلغير الله بل للشيطان قلوب هنالك تمزق، وأثواب تشقق، وأموال في غير طاعة الله تنفق، حتى إذا عمل السكر فيهم عمله، وبلغ الشيطان منهم أمنيته وأمله، واستفزهم بصوته وحيله، وأجلب عليهم برجله وخيله، وخز في صدورهم وخزة، وأزهم إلى ضرب الأرض بالأقدام أزاً، فطوراً يجعلهم كالحمير حول المدار، وتارة كالذباب ترقص وسيط الديار، فيا رحمة للسقوف والأرض من دك تلك الأقدام! ويا سوأتاه من أشباه الحمير والأنعام! ويا شماتة أعداء الإسلام!" [إغاثة اللهفان: 1/224].

أعداء الإسلام إذا شافوا هذه الطرق الصوفية قالوا: هذا الدين؟ ولذلك في دعايات أعداء الإسلام عن الإسلام يعرضون أفلام فيها لقطات من هذه الطرق الصوفية والمذاهب البدعية التي فيها هذا الطرب والأغاني، ويعرضونها على أنها من الدين ويقولون لشعوبهم: هذا هو الإسلام الذي يريد دعاته... "بالذين يزعمون أنهم خواص الإسلام، قضوا حياتهم لذة وطرباً، واتخذوا دينهم لهواً ولعباً، مزامير الشيطان أحب من استماع سور القرآن، ولو سمع أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك له ساكناً، ولا أزعج له قاطناً، ولا أثار فيه وجدة، ولا قدح فيه من لواعج الشوق إلى الله زندة، حتى إذا تلي عليهم قرآن الشيطان وولج مزموره سمعه تفجرت ينابيع الوجد من قلبه على عينيه فجرت، وعلى أقدامه فرقصت، وعلى يديه فصفقت، وعلى سائر أعضائه فاهتزت وطربت، وعلى أنفاسه فتصاعدت، وعلى زفراته فتزايدت، وعلى نيران أشواقه فاشتعلت، فيا أيها الفاتن المفتون، والبائع حظه من الله بنصيبه من الشيطان صفقة خاسر مغبون، هلا كانت هذه الأشجان عند سماع القرآن؟ وهذه الأذواق والمواجيد عند سماع قراءة القرآن المجيد؟ وهذه الأحوال السنيات عند تلاوة السور والآيات؟

ولكن كل امرئ يصبو إلى ما يناسبه، ويميل إلى ما يشاكله، والمشاكلة سبب الميل عقلاً وطبعاً، فمن أين هذا الإخاء والنسب، لولا التعلق من الشيطان بأقوى سبب؟ ومن أين هذه المصلحة التي أوقعت في عقد الإيمان وعهد الرحمن خللاً؟ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا  [الكهف: 50]. [إغاثة اللهفان: 1/ 225].

ثم قال رحمه الله في شأن هؤلاء المخدوعين بخدعة إبليس، ولقد أحسن القائل:

تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة لكنه إطراق ساه لاهي
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا والله ما رقصوا لأجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن فمتى رأيت عبادة بملاهي
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بأوامر ونواهي
سمعوا له رعداً وبرقاً إذ حوى زجراً وتخويفاً بفعل مناهي
ورأوه أعظم قاطع للنفس عن شهواتها يا ذبحها المتناهي
وأتى السماع موافقاً أغراضها (أغراض النفس)) فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه
أين المساعد للهوى من قاطع أسبابه عند الجهول الساهي
إن لم يكن خمر الجسوم فإنه خمر العقول مماثل ومضاهي
فانظر إلى النشوان عند شرابه وانظر إلى النسوان عند ملاهي
واحكم فأي الخمرتين أحق بالتحريم والتأثيم عند الله

فخمرة الغناء أعظم من خمرة السكر بأنواع الخمور!

وقال آخر:

برأنا إلى الله من معشر بهم مرض من سماع الغنا
وكم قلت يا قوم أنتم على شفا جرف ما به من بنى
شفا جرف تحته هوة إلى درك كم به من عنا
وتكرار ذا النصح منا لهم لنعذر فيهم إلى ربنا
فلما استهانوا بتنبيهنا رجعنا إلى الله في أمرنا
فعشنا على سنة المصطفى وماتوا على تنتنا تنتنا

[إغاثة اللهفان: 1/ 226].

ولئن كانت هذه الطائفة -ولله الحمد- في انقراض في العالم الإسلامي الآن مع انتشار هذه الصحوة المباركة وطريقة السلف الصالح، إلا أنه لا يزال فيهم في أنحاء العالم الإسلامي من هؤلاء الذين يعبدون الله بالرقص والأغاني والمواجيد والتمايل والمدائح النبوية وغيرها، التي يلحنونها تلحيناً مطرباً يزعمون أنهم يؤجرون على هذه المجالس، لا زال فيهم وفيهم من يعيش بين أظهرنا، لا زال فيهم من هؤلاء النفر من يحتاجون إلى مجاهدة ومصابرة.

الحيل والخداع

00:39:20

ثامناً: ومن مكائد الشيطان التي كاد بها الإسلام وأهله: الحيل والخداع، فإن الشيطان يتسلل إلى بعض نفوس بني آدم بأشياء من الحيل والمخادعات لله، يزينها لهم على أنها حيل شرعية ولا بأس بها، وهي تتضمن إحلال الحرام وإسقاط الفرائض، هؤلاء الناس الذين يستجيبون للشيطان قال الله فيهم: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ  [النساء: 142]،  يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ  [البقرة: 9] هذه من صفات المنافقين.

ومن الأمثلة على ذلك: نكاح التحليل، فإنه إذا طلق امرأته ثلاثاً منفصلة بانت منه، ويريد الرجوع إليها استأجر تيساً مستعاراً بعشرة دراهم أو أكثر ليتزوجها زواجاً صورياً لا يريدها ثم يطلقها ليرجع إليها الزوج الأول، هذا الذي وصفه عليه الصلاة والسلام بالتيس المستعار "لعن الله المحلل والمحلل له" [رواه أبو داود: 2076] هذه حيلة خبيثة شيطانية.

ومن أمثلة ذلك مثلاً: بيع العينة، أن الإنسان يشتري من شخص إلى أجل بعشرة آلاف مثلاً إلى سنة، يسددها بعد سنة عشرة آلاف ثم يبيعها على نفس الشخص الذي اشتراها منه فوراً نقداً بثمن أقل تسعة آلاف أو ثمانية آلاف مثلاً، ما هو هذا؟ بيع العينة، لكنه في الحقيقة هو ظاهره بيع وشراء، إني أنا اشتريت إلى أجل عشرة آلاف نسيئة ثم بعتها عليه نقداً بثمانية آلاف، ظاهرها أنها بيع وشراء ولكنها في الحقيقة حيلة إلى الربا، حلية إلى الربا.

ولذلك يعمد كثير منهم في خداعهم لله أن يذهب إلى دكان ويأتي بطرف ثالث تاجر عنده البضاعة والشخص الذي يريد أن يقرض ويقترض، فيضع يده على كومة الرز، إلى آخر الحيلة المعروفة.

يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون؛ لأنه عندما يخادع ويرتكب المحرم يكون عليه إثمان، إثم الحرام وإثم المخادعة، لكن لو فعل الحرام دون خداع لكان عليه إثم الحرام فقط، لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون.

ومن ضمن الحيل كذلك: حيلة اليهود عندما حرم الله عليهم الصيد يوم السبت، فماذا فعلوا؟

نصبوا الشباك يوم الجمعة ورفعوها يوم الأحد، وقالوا: لم نصد يوم السبت، اتخذوا آيات الله هزواً.

ومنهم أقوام يشربون النبيذ المحرم، والآن في أنواع من الأشربة في السوق مسكرة لو شربت منها كثيراً لسكرت، كثيرة جداً وتتنوع تسكر، بل قد لا تكون أشربة قد تكون موائع، بل قد تكون أشياء جامدة، لكنها تسبب السكر، ماذا يسمونها؟ بغير اسمها، وهي مسكرة، وهؤلاء الذين قال رسول الله ﷺ فيهم:  ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها  [رواه أبو داود: 3688، وابن ماجه: 4020].

وقد حصل في هذا الزمان عياناً بياناً مبيناً في الواقع كما نراه ونسمعه مشاهداً، شربوها وسموها بغير اسمها.

ومثل ذلك مثلاً: أنهم يستحلون الغناء، وإذا جئت تجادلهم قالوا لك: أليست أصوات الطيور مثل النغمات الموسيقية؟ فلماذا تبيح أصوات الطيور وتحرم النغمات الموسيقية كلاهما سواء؟

وهذا نص الله على تحريمه في الكتاب والسنة، وهذا أمر سكت عنه الشرع فهو مباح أصوات الطيور، فأين هذا من هذا؟ وهذا القياس الفاسد يستحلون محارم الله بهذه الخِدع.

مثال آخر: استحلال الربا على أساس أن الربا المحرم هو ما بين الغني والفقير، إذا الغني استغل الفقير هذا الحرام، لكن لو كان بين غني وغني فلا بأس بذلك يقولون: تاجر يستلف من البنك مثلاً مليون ريال، يعمل بها مشروعاً تجارياً، يستلفها بفائدة خمسة عشر في المائة، يسمونها: فائدة، ويعمل الأرباح نسبة الأرباح بعد سنة يربح المشروع عشرة في المائة، يسدد جزء من الفوائد، بعد سنتين يربح المشروع أكثر يسدد بقية الفوائد الربا الذي عليه ثم هو يمتلك المشروع.

إذاً، الغني استفاد! البنك استفاد ما في أحد خسران!

إذاً، هذا ليس ربا!

هكذا يقولون تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.

وهم يعلمون من الواقع أن البنوك سبب من أكبر أسباب نكبة كثير من التجار والمقاولين في هذا الزمان، الذين لم يستطيعوا تسديد المستحقات للبنوك في الأوقات المحددة بسبب أنهم لم يستطيعوا أخذ حقوقهم من الجهات الأخرى ومن الناس، فما استطاعوا تسديد الفوائد هذه التي يسمونها، فصاروا بالناقص وبالسلب الآن رصيدهم، ثم أفلسوا وباعوا كل شيء.

بل إن هذا الربا يفقر دولاً، وما لعبة صندوق النقد الدولي ببعيدة عن الحذقة من المسلمين الذين يعرفون أن هذه الفوائد المركبة تشفط أموال ونعم ومقدرات شعوب بأكملها، ولذلك فهؤلاء الذين يطنطنون اليوم في الجرائد والمجلات يقول قائلهم: إنه حلال وأنا أتحمل عنكم مسؤولية هذه الفتوى عند الله يوم القيامة، ويبيحها لهم بأنها سندات استثمار، وما شابه ذلك من الأشياء، وأن الذي يسلف يعطي نقوده إلى البنك ويأخذ سندات إنسان محسن إلى جهة أخرى تستفيد من الأموال التي في البنك، ولا بد أن يحسن إليه بأخذ فوائد، ويزخرفون القول زخرفة مما يوحي إليهم الشيطان الرجيم.

ومنهم أناس يظنون أن الربا حرام أكله وشربه، بمعنى أنه لا يجوز أن تشتري به طعاماً، لكن لو اشتريت به بيتاً أصبح حلالاً، لو اشتريت به سيارة جاز، دفعت منه ضرائب، الضرائب حرام، ندفع من الربا الضرائب حلال، ومعلوم أن الربا لا يجوز الاستفادة منه أبداً، حتى في دفع الظلم عن نفسك، لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود وتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل، كما قال ﷺ في الحديث الصحيح، واليهود لما حرم الله عليهم الشحوم، ماذا فعلوا؟ أذابوها، قالوا: الأشياء الجامدة هي الحرام الشحوم الجامدة، لكن لو جعلناها مائعة وأذبناها، الجامد الحرام دون المذاب، فأذابوها فباعوها وأكلوا ثمنها، فاستحقوا لعنة الله، ومسخهم قردة وخنازير.

وقد ذكر أهل العلم في كتبهم من أنواع الحيل المحرمة أشياء منكرة، فقالوا : امرأة تريد أن تفارق زوجها، يرفض الطلاق والخلع، ويرفض.. ويرفض.. ويرفض..، فذهبت إلى بعض هؤلاء المتلاعبين من أصحاب الحيل، فقال لها: لو ارتدت عن الإسلام انفسخ العقد وبنت منه ففعلت، قال: اكفري بالله تصيري كافرة ينفسخ العقد؛ لأنه لا تحلين له، لأنه مسلم وأنت كافرة، ثم تسلمين بعد ذلك، فلما سمع الإمام أحمد قال: من أفتى بهذا أو عمل أو رضي به فهو كافر، طبعاً تكفر بالله.

فانظر إلى أي درجة يستدرج الشيطان هؤلاء الناس بمسألة الحيل.

قال ابن المبارك -رحمه الله- تعقيباً: ما أرى الشيطان يحسن مثل هذا، حتى جاء هؤلاء فتعلم الشيطان منهم.

والشريعة تعاقب على الحيل المخالفة لها، فالقاتل إذا قتل ليرث يحرم من الميراث في الشريعة، ولو عفا عنه أولياء المقتول وقالوا: لا نريد قصاصاً، لا يرث.

والمريض في مرض الموت إذا طلق امرأته ليحرمها من الميراث ترث رغماً عنه.

ومن سافر في الصيف إلى البلدان الباردة لا لأجل أنه يريد سفراً، لا له تجارة ولا علاج ولا شيء، لكن فقط لكي لا يصوم في الحر في الصيف، قال: أسافر وأفطر، لأني سأسافر أفطر، فأصوم بعدين في الشتاء، فإنه آثم بفعله ولا شك.

وكذلك الله ضرب أمثلة من الحيل المحرمة، قال الله: وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ [النساء: 19] فلو أن إنساناً لا يريد زوجته، لكن لا يطلقها لكي تطلب هي الفسخ، يمسكها ويحبسها، لا يعاشرها معاشرة الأزواج، لا يرغب بها، فيمسكها حتى هي تطلب الطلاق وتطلب الخلع وتدفع من المهر الذي أعطاها أو كل المهر، فيذهب بما آتاها من قبل، فإذا حبسها لتفتدي نفسها وهو لا يريدها فهو ظالم، وما أخذ فهو حرام.

ولما قصد أصحاب الجنة حصد محاصيلهم بالليل في سورة نون لحرمان الفقراء عاقبهم الله -عز وجل- قالوا: نصرمها مبكرين أو في الليل حتى لا يكون هناك وجود وحضور للفقراء فلا يأخذون شيئاً.

ومثل الحيل المحرمة الشيطانية: أن بعض الناس إذا جاء قبل الحول بقليل ملك ماله لزوجته، قال: ملكتك مالي، فإذا انتهى الحول استرد المال منها، قال: ما كان عندي، ما ملكته.

وبعضهم لكي ينجو من الزكاة كلما قاربت النصاب باع منها وغير أشياء بحيث إنها لا تكتمل نصاباً ويحولها إلى أنواع أخرى من الأموال مثلاً لينجو من الزكاة، وهذا حرام ولا شك.

ومثل إخراج المكوس في قالب إعانة المجاهدين وسد الثغور وعمارة الحصون كما ذكر أهل العلم.

وبالخلاصة فإن الذي يريد أن يتحايل على الله فالشيطان سيفتح له أبواباً واسعة جداً جداً، ولكنه يوم القيامة سيكشف أمره ويهتك ستره على رؤوس الخلائق ليفضحه الله .

نسأل الله السلامة.

الوسوسة

00:51:22

تاسعاً: ومن كيد الشيطان وتلبيس إبليس: ما بلغ به من الوسواس الذي أوقع فيه كثيراً من الخلق، وكادهم به كيداً عظيماً: مرض الوسواس من الشيطان ولا شك.

الوسواس كادهم به في الطهارة، وفي النية، وفي الصلاة، وحتى في قراءة القرآن، وفي الطلاق، وغير ذلك، وألقاهم في الآصار والأغلال، وأخرجهم عن اتباع سنة محمد ﷺ، حتى يخيل إلى أحدهم أن ما جاءت به السنة لا يكفيه، حتى إن أحد هؤلاء الموسوسين ليرى أنه لو توضأ وضوء رسول الله ﷺ أو اغتسل كاغتساله ﷺ لم يطهر، ولم يرتفع حدثه.

وكيف يطاوع الموسوس نفسه أن يغتسل هو وامرأته من إناء واحد يغمسان أيديهما فيه، غسل الجنابة ويفرغان عليهما.

فالموسوس يشمئز من ذلك كما يشمئز المشرك إذا ذكر الله وحده، مع أنه من الذي فعل ذلك؟ الرسول ﷺ.

ويزعم له الشيطان أن هذا من الاحتياط في الدين، ومن باب "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".

وإذا مس الصبي ولده الصغير فإنه يجب أن يغسل يديه باستمرار أو الأم من بعض الموسوسات.

وبعض الموسوسين من عذابهم يغسل يديه ويشك حتى يضطر أن يقول بلسانه: الآن أغسل يدي، غسلت يدي، ويسمعه بسمعه، وربما سمعه جاره ولا يصدق نفسه.

وربما أضر بجسده كالغوص في الماء البارد وكثرة استعماله وإطالة العرك والفرك وربما صار إلى حال يسخر منه الصبيان، ويستهزئ به من يراه.

وذكر ابن الجوزي -رحمه الله- عن أبي الوفاء بن عقيل: أن رجلاً قال له: أنغمس في الماء مراراً كثيرة وأشك هل صح الغسل أم لا، فما ترى في ذلك؟ فقال له الشيخ: اذهب فقد سقطت عنك الصلاة، قال: وكيف؟ قال: لأن النبي ﷺ قال: رفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ ، ومن ينغمس في الماء مراراً ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون.

وربما شغله الوسواس حتى تفوته الجماعة، وربما فاته وقت الصلاة بالكلية، وقد يشغله الشيطان بوسوسته في النية عند الصلاة في المسجد في الصف، حتى تفوت عليه التكبيرة الأولى، وربما فاته ركن أو أكثر.

ومنهم من يحلف بالله ألا يعود إلى هذا ويكذب ويعود.

وكان رجل شديد التنطع في التلفظ بالنية والتقعر في ذلك، فاشتد به التقعر والتنطع، إلى أن قال مرة وهو حاضر في الصف، كبر الناس وهو حاضر الآن يجمع النية الموسوس هذا، ويقول: أصلي! أصلي! أصلي! ويعيدها عدة مرات، أصلي صلاة! صلاة! صلاة! الظهر! الظهر! الظهر! جماعة! جماعة ! جماعة! أداء يعني ما هو قضاء، لا بد هذه العبارة تأتي بالكامل عند هؤلاء المبتدعة الذين يتلفظون بالنية ! وإذا صار موسوساً بعد فكيف ستكون العبارة؟ تكون شبراً، تصبح ذراعاً، فقال: أصلي! أصلي! صلاة! صلاة! الظهر! الظهر! قال: أذاء، بدل أن يقول: أداء، قال أعجم الدال، يعني وضع عليها نقطة، قال: أذاء، ولا بد يقول: أداء لله، فالذي بجانبه كان بجانبه واحد مصلي ما تمالك نفسه فقطع الصلاة فقال: أذاء لله ولرسوله ولملائكته وجماعة المصلين!

وقد بلغ الشيطان منهم أن عذبهم في الدنيا وأخرجهم عن اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فعلى من أراد النجاة من هذه الوسوسة أن يسلك سبيل رسول الله ﷺ ويترك سبيل الشيطان، قال أحد السلف يوماً لابنه: يا بني اتخذ لي ثوباً ألبسه عند قضاء الحاجة، فإني رأيت الذباب يسقط على الشيء ثم يقع على الثوب، نخصص ثوباً خاصاً بالمرحاض، إذا جاء الذباب على هذا الثوب، وكان قد وقع على العذرة نفسخ الثوب بعد المرحاض ونصلي بثوب نظيف، ما عليه من آثار الذباب، فإني رأيت الذباب يسقط على الشيء ثم يقع على الثوب، ثم انتبه فقال: ما كان النبي ﷺ وأصحابه، ما كان لهم إلا ثوب واحد، يقضون به حاجتهم ويصلون.

فتبين أن التفكير في قضية النجاسة التي يأخذها الذباب برجليه عندما يسقط على الثوب، ويضع فاصلة!  صفر! صفر! صفر! واحد! من النجاسة أن هذا لا شك من أنواع الوسوسة الواضحة.

قال ابن القيم -رحمه الله-: قال شيخنا ابن تيمية: ومن هؤلاء من يأتي بعشر بدع لم يفعل رسول الله ﷺ ولا أصحابه واحدة منها عند النية في الصلاة، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! نويت أصلي صلاة الظهر فريضة الوقت أداء إماماً أو مأموماً -طبعاً- أربع ركعات مستقبل القبلة ثم يزعج أعضاءه ويحني جبهته ويقيم عروق عنقه، ويصرخ بالتكبير كأنه يكبر على العدو، ولو مكث أحدهم عمر نوح يفتش هل فعل رسول الله ﷺ أو أحد من أصحابه شيئاً من ذلك لما ظفر به.

فأهل الوسواس قرة عين خنزب وأعوانه.

وخنزب هو شيطان الصلاة.

وكذلك الوسواس في انتقاض الطهارة، فإن الشيطان يشكك الإنسان خرج منك ريح، خرج، ما خرج، خرج، خرج شيء بسيط، خرج، لكن فيه ماء، وهكذا... وقد قال ﷺ مبيناً العلاج: إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً [رواه مسلم: 362].

والشيطان يتلاعب بالشعيرات في مقعدة ابن آدم ليوهمه أنه خرج منه شيء وليس كذلك، فقد أخبر ﷺ بهذا التلاعب، وأن هذا من كيد الشيطان.

ومن علاج الوسواس في الطهارة: أن ينضح فرجه وسراويله مما يلي الفرج بالماء إذا بال، كما ورد عن النبي ﷺ.

هذا في الوسوسة في الطهارة.

أما ما يفعله الشيطان بالموسوسين بعد البول فحدث ولا حرج، قال ابن القيم -رحمه الله- يفعلون عشرة أشياء: "السلت، والفطر، والنحنحة، والمشي، والقفز، والحبل، والتفقد، والجور، والحشو، والعصابة، والدرجة" [إغاثة اللهفان: 1/ 143].

أما السلت فهو عصر الذكر ليخرج منه البول، يقول هذا : لا بد نفعل هذا الإجراء حتى نتأكد أنه ما في نجاسة.

والنتر وهو نفضه ليخرج ما بداخله بزعمهم بعد الاستنجاء هذا الإجراء الثاني.

والنحنحة يتنحنح لإخراج الفضلة الباقية بزعمهم.

والقفز أن يرتفع على الأرض ويهبط عليها لكي يفرغ ما كان عالقاً.

والحبل يتخذه بعض الموسوسين فيتعلق به حتى يكاد يرتفع ثم يتخرط فيه ويقع على هذا لكي ينزل ما بقي.

والتفقد هو النظر في المخرج هل بقي فيه شيء أم لا؟

والوجور فتح الثقب وصب الماء فيه.

والحشو إدخال قطن ونحوه.

والعصابة أن يعصب المخرج بخرقة لئلا يخرج منه شيء.

والدرجة أن يصعد في السلم قليلاً ثم ينزل بسرعة، أو يمشي خطوات ثم يعيد الاستنجاء.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: وذلك كله وسواس وبدعة.

فتبين بذلك أن ما يقضيه البعض من الأوقات داخل المراحيض من الأوقات الطويلة جداً يضيعون بها تكبيرة الإحرام والصلاة، هو من الأمور المحرمة ومن كيد إبليس وتلبيسه.

ويكفي الإنسان بعد انتهائه من قضاء حاجته أن يستنجي ويغسل بالماء ويرش ما أمام المخرج من الثوب بالماء حتى يقطع على الشيطان طريق الوسوسة، وإذا كان صاحب سلس ويعرف نفسه صاحب سلس، إذا انتهى من قضاء الحاجة يغسل ويرش بالماء، وإذا وضع شيئاً أمام المخرج لئلا تنتشر النجاسة في الثوب كمنديل بشكل عادي يشده عليه بلباسه العادي، ثم بعد ذلك يتوضأ ويصلي ولا يبالي بما خرج منه لا بعد الاستنجاء ولا أثناء الوضوء، ولا بعده، ولا قبل الصلاة، ولا أثناء الصلاة، وصلاته صحيحة، والحمد لله،  لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: 286].

ولا فرض الله على الخلق أن يقضوا ساعات في دورات المياه لكي يتأكدوا أنه ما بقي قطرة.

وهذا السلس هو داء منتشر عند كثير من الناس، وهذه عيادات المسالك البولية تشهد بذلك، وإذا لم يكن هناك في الدين مثل هذه الرخصة المباحة الشرعية بعثت بالحنيفية السمحة  لهلك الناس.

وهؤلاء الموسوسين لا يرضون بأمور كثيرة مما كانﷺ يفعله، فقد كان ﷺ وأصحابه يخوضون في الطين والوحل وماء المطر وهم يأتون إلى المساجد، ويأتون المسجد ولا يغسلون أرجلهم، وهذه فتاوى الصحابة فيمن وطئ العذرة بقدمه إن كانت يابسة فليست بشيء، وإن كانت رطبة غسل ما أصابه، لا انتقض الوضوء ولا شيء، يغسل ما أصاب جلده من النجاسة فقط، إذا كانت رطبة.

وهذا الخف والحذاء يدلك بالأرض ثم يصلى فيه سنة ثابتة كما قال ﷺ: إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ثم لينظر فإن رأى خبثاً فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما  [رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: 7890].

والموسوسون أكثرهم لا يرضون بالصلاة في النعال، إذا كان الوضع مناسباً، إذا كان المسجد مفروشا بالحصى والرمل، ونحو ذلك.

وذيل المرأة، قالت امرأة لأم سلمة: إني أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ فقالت: قال رسول الله ﷺ:  يطهره ما بعده [رواه أبو داود: 383، والترمذي: 143، وابن ماجه: 531، وأحمد: 26488، وقال محققو المسند:" صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف"].

هي تسحب على الأرض، لو سحبت على نجاسة يطهره ما بعده، وقد رخص للمرأة أن تطيل حجابها ذراعاً وراءها حتى إذا هبت الريح لا تنكشف عورتها، وأكثر من ذلك يعتبر إسبالاً في حق النساء.

وكان ﷺ يصلي في مرابض الغنم، ونهى عن الصلاة في أعطان الإبل.

فأين هذا ممن لا يصلي إلا على سجادة، تفرش فوق البساط أو فوق الحصير، وربما وضع عليها منديلاً، ولا يمشي على البساط -مكان المصلى- إلا نقراً كالعصفور إذا اضطر؟

ووضع السجادة على السجادة الطاهرة من البدع والوسوسة.

وبعض الناس هذه عادتهم إذا دخل مكانا مع أن البساط نظيف طاهر لا يعلم أن عليه نجاسة لا بد يجيب مفرش الصلاة ليصلي، لماذا مفرش الصلاة ليصلي؟ ما تجوز؟

 جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته من أمتي الصلاة فليصل [رواه البخاري: 335، ومسلم: 521].

وضع السجاجيد على السجاجيد نص أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية أنها من البدع، إذا كانت السجادة نظيفة وطاهرة، فلا يوضع عليها شيء ويصلي.

وبعضهم يقول: لا بد أن يضع للإمام سجادة خاصة.

لماذا يا أخي تضع للإمام سجادة صلاة، مثله مثل المسلمين، يصلي على بساط المسجد مثله مثل المسلمين، فلماذا توضع له سجادة منفصلة؟

وكان ﷺ يصلي وهو حامل أمامة، فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها.

وما يجيء واحد موسوس يقول: كيف الآن فيها نجاسة، يمكن في هذا الحفاظة نجاسة ؟

نقول: فعله من هو خير منك محمد ﷺ فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها.

وكان يصلي في الليل وإلى جانبه عائشة وهي حائض، وربما لامس جسده جسدها.

وكان الصحابة يتوضؤون من الحياض والأواني المكشوفة، ولا يسألون هل أصابتها نجاسة أم لا؟

ومر عمر يوماً مع صاحب له تحت ميزاب فسقط عليهما شيء من الميزاب، فقال صاحب عمر: يا صاحب الميزاب، ماؤك طاهر أو نجس؟ فقال عمر: يا صاحب الميزاب، لا تخبرنا، ثم مضى.

وكان ﷺ يصغي الإناء للهرة حتى تشرب ويشرب هو منه ﷺ ويتوضأ منه، وقال: إنها من الطوافين عليكم والطوافات [رواه أبو داود: 75، وأحمد: 22528، وقال محققو المسند: "حديث صحيح"].

والمراضع يقول ابن القيم -رحمه الله-: المراضع -المرأة التي ترضع- المراضع ما زلن من عهد رسول الله ﷺ وإلى الآن يصلين في ثيابهن والرضعاء يتقيئون ويسيل لعابهم على ثياب المرضعة وبدنها، فلا تغسل شيئاً من ذلك، هذا على عهد الرسول ﷺ.

ولعاب الطفل يطهر ما يخرج منه من القيء لصعوبة وتعذر التحرز من قيء الولد على المرضعة وهي ترضعه وتحمله وتضعه باستمرار.

ونص الإمام أحمد -رحمه الله- على أن حبل الغسال إذا نشر عليه ثوب نجس، ثم جففته الشمس، يعني جففت حبل الغسال، ثم نشر عليه ثوب طاهر رطب، قال: لا بأس به.

وكان ﷺ يشرب من موضع في عائشة، ويتعرق العرقة فيضع فاه على موضع فيها وهي حائض [رواه مسلم: 300] ويأكل وراءها ﷺ.

والوسوسة أشكالها كثيرة جداً مثل الوسوسة في مخارج الحروف، والتنطع فيها، قال ابن الجوزي: ولقد رأيت من يخرج بصاقه عند إخراج الضاد لقوة تشديده.

والوسوسة في الطلاق فإنه يقول: طلقت أو ما طلقت، إذا فكر في الطلاق يوسوس حتى ربما في النهاية يتلفظ بالطلاق.

عشق الصور

01:07:25

وأخيراً: فإن من مكايد الشيطان ومصايده: ما فتن به عشاق الصور.

المقصود بالصور هي أشكال بني آدم أجسادهم أشكالهم مناظرهم، والذين يعشقون الصور يعني يعشقون أشكال البشر وصور البشر ومناظر البشر، وأجساد البشر، وهذا كيد عظيم من كيد إبليس، فيه استعباد النفوس لغير الله، وتمليك القلوب لمن يسومها سوء العذاب، العاشق المتيم بمن عشقه، معذب القلب قد سلم قلبه إلى معشوقه يسومه سوء العذاب، ويسعى في رضا المعشوق والمحبوب وإن عارض رضا الله، ويتحرك عند سماع صوت محبوبه ما لا يتحرك عند سماع العلم وشواهد الإيمان ولا عند تلاوة القرآن، حتى إذا ذكر له محبوبه اهتز وربى وتحرك باطنه وظاهره شوقاً إليه وطرباً.

وهؤلاء يقول الله في شأنهم من ضمن الذين يدخلون في قوله تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة: 166] أين هؤلاء العشاق الذين عشقوا الصور ومالوا بعواطفهم ميلاً شديداً وانغلقوا على هذه الأشكال وأقاموا هذه العلاقات المحرمة؟ أين هم من قوله ﷺ في دلائل الإيمان:  أن يحب المرء لا يحبه إلا الله [رواه البخاري: 16، ومسلم: 43].

ومن كيد الشيطان وتلبيس الشيطان: أنه يوهم هذا المتعلق بصاحبه أنه يحبه لله، وربما قال له: إنك تشاركه في الطاعات، وربما حمله أن يحضر معه بعض مجالس العلم، ويحفظ معه بعض آيات القرآن أو الأحاديث، وهكذا..، حتى يلبس عليه أن العلاقة علاقة شرعية، وحفظ قرآن وحضور مجالس علم ودعوة إلى الله مثلاً.

وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- في كتابه العظيم: "الجواب الكافي"، وكتابه العظيم: "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" في علاج العشق والتعلق بالمحبوب أموراً عظيمة ينبغي الرجوع إليها، ونذكر بعضاً منها فإن هذا الدرس ليس موضع استقصاء علاج العشق أو علاج المحبة مع الله، وإن كانت هذه المسألة قد تفشت بحيث صار لا بد أن توضح لها العلاجات وتبين حتى لا يقع بعض الناس فيها، قال ابن القيم -رحمه الله-: ووصل الأمر ببعضهم أن يؤاخي امرأة أجنبية في الله، كان مما ذكره قال : وصل الأمر والسوء بهذا التلبيس إلى أن بعضهم يؤاخي امرأة أجنبية في الله لهذا الغرض، وقد حدث وربما يتصل بها ويقول: أنا أناقش معك مسائل فقهية وأنصحك وتنصحيني، وهذا موجود، ووصل إلينا وسمعنا أطرافاً منه عن أناس يتصلون بنساء أجنبيات يقولون: هذه محبة في الله، وإني أحبك في الله، كيف يقول رجل أجنبي لامرأة أجنبية: إني أحبك في الله؟ أم كيف تقول له هي هذا الكلام؟ وهو رجل شاب وهي امرأة شابة؟ أليس هذا من تلبيس إبليس ومن مداخل الشيطان؟

قال ابن القيم -رحمه الله-: وبعضهم جعل الاتصال بالمردان من عبادة الله! وأنها قربة وطاعة! بل زعموا أيضاً أنها تزكي النفس وتخلصها من الشوائب! وجعل التلذذ بهم عبادة!

وقد يقولون: تزوج فلان بفلان يستهزئون بآيات الله ودينه.

قال ابن القيم: وقد آل الأمر بكثير من هؤلاء إلى ترجيح وطء المردان على نكاح النسوان! وقالوا: هو أسلم من الحبل والولادة ومؤنة النكاح والشكوى إلى القاضي وفرض النفقة!

سبحان الله العظيم! انظر إلى أي درجة يمكن أن يستجري الشيطان ابن آدم عندما يوهمه فعلاً بهذه القضية! فيوقعه في الفواحش! ويظن هذا أنه الآن يتقرب إلى الله!

سبحان الله العظيم، طبعاً لا شك أن من هؤلاء ضلال، إذ كيف تروج هذه البضاعة الشيطانية على هؤلاء؟ المسألة فيها هوى، والا ما راجت بضاعة الشيطان، فيها هوى واضح، وماذا تفعل بمن زين له سوء عمله فرآه حسناً، فقد تلاعب الشيطان بأكثر هذا الخلق كتلاعب الصبيان بالكرة، وأخرج الكفر والفسوق والعصيان في كل قالب من قوالب الخير والبر والأعمال الصالحة؟

قال ابن القيم في خطر العشق: فإذا شغف الإنسان بمحبة صورة، يعني: إنسان آدمي ذكر أو أنثى بمحبة صورة لغير الله، بحيث يرضيه وصوله إليها وظفره بها، ويسخطه فوات ذلك، كان فيه من التعبد لها بقدر ذلك، رغماً عنه يعبدها من دون الله.

ثم قال: والزنا بالفرج وإن كان أعظم من الإلمام بالصغيرة، كالنظرة والقبلة واللمس، لكن إصرار العاشق على محبة معشوقه أو على محبة الفعل مع معشوقه وتوابعه ولوازمه وتمنيه له ولو لم يفعل، وتمنيه له، وحديث نفسه به ألا يتركه، واشتغال قلبه بالمعشوق قد يكون أعظم ضرراً من فعل الفاحشة مرة بشيء كثير فإن الإصرار على الصغيرة قد يساوي إثم الكبيرة أو يربي عليها.

وأيضاً فإن تعبد القلب للمعشوق شرك، وفعل الفاحشة معصية، ومفسدة الشرك أعظم من مفسدة المعصية.

وأيضاً فإنه قد يتخلص من الكبيرة بالتوبة والاستغفار.

وأما العشق إذا تمكن من القلب فإنه يعز عليه أن يتخلص منه، بل يصير تعبداً لازماً للقلب لا ينفك عنه، ومعلوم أن هذا أعظم ضرراً وفساداً من فاحشة يرتكبها شخص وهو عالم بتحريمها وقلبه غير معبد لمن فعل بها الفاحشة التي ارتكبها معها.

أما هذا العاشق فقلبه معبد ولو لم يفعل فاحشة.

وذكر كلاماً مهماً معبراً عن حال هذا المتعلق قلبه بهذه الصورة، قال: فأصحاب العشق الشيطاني لهم من تولي الشيطان والإشراك به بقدر ذلك، لما فيهم من الإشراك بالله، ولما فاتهم من الإخلاص له، ففيهم نصيب من اتخاذ الأنداد، ولهذا ترى كثيراً منهم عبداً لذلك المعشوق، متيماً فيه يصرخ في حضوره ومغيبه أنه عبده، فهو أعظم ذكراً له من ربه، وحبه في قلبه أعظم من حب الله فيه، وكفى به شاهداً بذلك على نفسه: بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة: 14] فلو خير بين رضاه ورضا الله لاختار رضا معشوقه على رضا ربه، ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه، وتمنيه للقرب من معشوقه أعظم من تمنيه للقاء ربه وقربه، وهربه من سخطه عليه أشد من هربه من سخط ربه عليه، يسخط ربه بمرضاة معشوقه، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه، فإن فضل من وقته فضلة وكان عنده قليل من الإيمان صرف تلك الفضلة في طاعة ربه، وإن استغرق الزمان حوائج معشوقه ومصالحه صرف زمانه كله فيها، وأهمل أمر الله، يجود لمعشوقه بكل نفيس ونفيسة، ويجعل لربه من ماله إن جعل له كل رذيلة وخسيس، فلمعشوقه لبه وقلبه وهمه ووقته، وخالص ماله، وربه على الفضلة، قد اتخذه وراءه ظهرياً، وصار لذكره نسياً، إن قام في خدمته في الصلاة فلسانه يناجيه، يعني يناجي الله، وقلبه يناجي معشوقه، ووجه بدنه إلى القبلة، ووجه قلبه إلى المعشوق، ينفر من خدمة ربه حتى كأنه واقف في الصلاة على الجمر من ثقلها عليه وتكلفه لفعلها، فإذا جاءت خدمة المعشوق أقبل عليها بقلبه وبدنه فرحاً بها ناصحاً له فيها، خفيفة على قلبه لا يستثقلها ولا يستطيلها، ولا ريب أن هؤلاء من الذين اتخذوا  مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ [البقرة: 165].

أما سبب هذه المصيبة العظيمة فهو نقص محبة الله؛ لأن القلب لو امتلأ بمحبة الله ما كان له مجال لأن يحب أشخاصاً وأشكالاً بهذه الطريقة المحرمة.

ومحبتنا في الله لإخواننا المسلمين نابعة من محبة الله، لا معارضة لها، ولا مزاحمة لها.

محبة الإنسان لأخيه في الله ليست مزاحمة لمحبة الله، بل هي نابعة من محبة الله، ولذلك كلما كان الشخص أكثر عبادة كلما كنا أكثر محبة له، كلما كان أكثر إخلاصاً وعملاً لله كلما ازدادت محبتنا له، بغض النظر عن شكله ولونه ووسامته ودمامته، ونحو ذلك، ولذلك فإنه لا بد للإنسان أن يفرق بين العشق وبين المحبة في الله.

فأما المحبة في الله فهي محبة خالصة قوية، بغض النظر عن شكله ولونه وعاهته، بل ربما أحب أجدع أفطس أعرج أشل أعمى؛ لأنه قريب من الله، ويكره جميلاً وسيماً فاتناً لأنه عدو لله.

أما العشق فإنه انتقاء من الأشكال ما يوافق الهوى.

ثانياً: المحبة في الله تقرب إلى الله.

أما العشق والمحبة مع الله فإنها تبعد عن الله بل تقطع الطريق على محبة الله، فهي محبة مع الله، ومحبة ما يبغض الله، ومحبة من تقطع محبته عن محبة الله.

ثالثاً: الذي يحب في الله ينفتح على إخوانه المسلمين جميعاً، فيقيم العلاقات معهم جميعاً، ولا يستثني أحداً يستطيع أن يستفيد منه دون أحد، بينما هذا العاشق أو المتعلق قلبه بمن معه ينغلق عليه فينفرد له ويكون خالصاً له، ولا يرضى أن يقيم علاقات، أو لا يعطي إخوانه الآخرين إلا النزر اليسير.

ورابعاً: إن هذه المحبة في الله تقود إلى استشعار لعظمة الله، خشوع لله.

أما المحبة مع الله فهي هيام وهموم وآلام، وهكذا عند الفرقة والابتعاد.

المحبة في الله إذا خلا الإنسان عن الناس، فكره في طاعة الله.

المحبة مع الله إذا خلا ففكره في معشوقه ومحبوبه.

المحبة في الله تجعل صاحبها الذي تحبه في الله يعينك على الابتعاد عن المعاصي.

أما المحبة مع الله فإن هذا المعشوق والمحبوب يوقع في المعصية وربما في الفواحش.

المحبة في الله ألفاظ شرعية مجردة عن العلاقات الدنيوية: إني أحبك في الله.

أما المحبة مع الله أو العشق فهي ألفاظ غرام وكتابات ورسائل وهواتف، وربما كتب له أو ناداه أو ناداها بما لا يصلح إلا بين الرجل وزوجته.

وهذا المجال الكلام فيه طويل وكثير، وخصوصاً عند استشراء هذا الداء الذي ألم بكثير من بني البشر في هذا الزمان، حتى بين بعض الذين يظهر عليهم سيما الخير والصلاح، ولذلك كان لا بد من وقفة حازمة في قطع دابر هذا الشر بإخلاص العبادة لله -سبحانه وتعالى-، والإقبال عليه، والانطراح بين يديه أن يخلص قلبه مما علق به من محبة المحبوبين من البشر أو عشقهم.

وكذلك الابتعاد عمن هو سبب للداء، وسبب لهذا العشق، وعينه لا تقع له على أثر، ولا يسمع له حس ولا خبر قدر الإمكان، بحيث يتنقى قلبه تدريجياً من هذا الداء العضال.

ولعل هذا الموضوع يحتاج إلى مزيد من البيان والإيضاح، ولكن لعل فيما ذكر كفاية لأولي الألباب.

ومكائد الشيطان كثيرة في الحقيقة، والكلام عنها لا ينتهي، والرجوع فيها إلى أهل العلم الذين يبينون المكائد، ويبينون كيفية الصمود والمواجهة في وجه هذا العدو المبين الذي قال الله في شأنه: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر: 6] فلا زالت العداوة بيننا وبينه قائمة منذ أن آذى أبانا آدم وزوجته حواء.

نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يخلصنا وإياكم من كيد إبليس، وأن يقينا وساوسه وخطواته، وأن يجعلنا من جنده وحزبه المفلحين، لا من جند إبليس وحزبه الخاسرين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.