الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الرجوع إلى الله


عناصر المادة
الخطبة الأولى
المتكبر لا يدخل الجنة
صور من حياة السلف في الرجوع إلى الحق
الخطبة الثانية
الرجوع إلى الحق فضيلة
الانتقائية في قبول الحق
المؤامرة على بلاد المسلمين

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

المتكبر لا يدخل الجنة

00:00:27

روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس[رواه مسلم91]. وفي رواية الترمذي: ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس[رواه الترمذي1999]. ورواه الإمام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، فقال رجل: يا رسول الله إني ليعجبني أن يكون ثوبي غسيلاً، ورأسي دهيناً، وشراك نعلي جديداً، وذكر أشياء حتى ذكر علاقة سوطه، أفمن الكبر ذاك يا رسول الله؟ قال: لا، ذاك الجمال، إن الله جميل يحب الجمال، ولكن الكبر من سفه الحق وازدرى الناس[رواه أحمد3789].

هذا الرجل مالك بن مرارة الرهاوي ، لما سمع أنه: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، خشي أن يكون التجمل دون إسراف، التجمل في حدود الشرع، التجمل بالمباحات، خشي أن يكون التجمل في المظهر من الكبر، فأخبره النبي ﷺ أنه ليس كذلك، وأن الله جميل، جميل في ذاته سبحانه، جميل في صفاته، جميل في أفعاله ، أجمل شيء في الوجود رب العزة سبحانه، ولذلك إذا نظر أهل الجنة إلى ربهم نسوا كل نعيم في الجنة يوم القيامة.

ما هو الكبر إذاً؟ ما هو الكبر إذاً؟ ما هو الكبر الذي من كان في قلبه مثقال ذرة منه لا يدخل الجنة؟ قال: بطر الحق أي: دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً، التجبر على الحق فلا يراه حقاً، التكبر عن الحق فلا يقبله، هذا هو بطر الحق دفعه وإنكاره وعدم قبوله، تجبراً وترفعاً، وغمط الناس  أي: احتقارهم، عند هذه المسألة في قوله: بطر الحق نقف.

صور من حياة السلف في الرجوع إلى الحق

00:03:29

أيها الإخوة: إذا راجعنا أنفسنا ليتبين أن مما ابتلينا به أننا ندفع الحق في كثير من الأحيان ولا نقبله، ونجادل بالباطل، ونحن نعلم أن ما عرض علينا هو الحق، ونترفع عن قبوله، ونصد عنه، هذه ظاهرة خطيرة، وهي أساس كل بلاء، عدم قبول الحق، وعدم الإذعان للحق، وقد قال الله عن أخلاق المؤمنين الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِسورة الزمر18.

فإذا عرض عليك الكلام وكان فيه حقاً فاستمع واقبل، وقبول الحق من العدل الذي أمر الله به، بقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْسورة النساء135.

قبول الحق من علامات التواضع، سئل الفضيل بن عياض رحمه الله عن التواضع، فقال: "يخضع للحق وينقاد له، ويقبله ممن قاله". وقال ابن القيم رحمه الله: "أن من أعظم التواضع أن يتواضع العبد لصولة الحق، فيتلقى سلطان الحق بالخضوع له والذل، والانقياد والدخول تحت رقه، بحيث يكون الحق متصرفاً فيه تصرف المالك في مملوكه، فبهذا يحصل للعبد خلق التواضع. خضوع العبد لصولة الحق، وانقياده هو التواضع، هذه قمة التواضع أن تخضع للحق، معنىً عظيم من معاني التواضع غفل عنه الناس قبول الحق.

وقال عمر بن الخطاب في كتابه لأبي موسى الأشعري: "ولا يمنعك من قضاء قضيت به اليوم فراجعت فيه نفسك، وهديت فيه لرشدك، أن تراجع فيه الحق – أي ترجع إلى الحق – فإن الحق قديم، ولا يبطل الحق شيء، وإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل".

ولذلك أقر موسى بخطئه، لما ذكره به من؟ أعدى أعدائه فرعون لعنه الله، قال فرعون لموسى: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ۝ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَسورة الشعراء18-19.عندما قتلت ذلك القبطي، عندما قتلت، قال موسى : قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ سورة الشعراء20. فاعترف بأنه فعلها، وأنه فعلها على ضلال، ليس كفراناً بنعمة فرعون، ولكن فعلها على ضلال، قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ، يعني: قبل أن يوحى إلي وأرسل وأنبأ، فعلتها وأنا من الجاهلين.

ولما قال الخضر لموسى عندما أخطأ موسى وتسرع ولم يفي بعهده مع الخضر في الصبر على ما سيرى، قال الخضر: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًاسورة الكهف72. قال موسى: قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا سورة الكهف73. فجمع بين الإقرار والاعتذار، وهذا من خلق موسى .

من منا لا يحتاج إلى الحق، كلنا نفتقر إلى الحق، خلق الإنسان ظلوم جهول، وكان ظلوماً جهولاً، والنبي ﷺ وهو النبي ﷺ كان يقوم الليل فيفتتح صلاته بقوله: اللهم رب جبريل وميكال وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم[رواه مسلم770].

فيجب أن يكون عندنا افتقار للحق، أن نشعر أننا محتاجون إليه، وأنه لا غنى لنا عن الحق، وإلا صرنا في نار جهنم.

وكان الخلفاء الراشدون يلتمسونه، يلتمسون الحق ويريدون معرفة أخطائهم، وقال عمر بن الخطاب عبارته الذهبية: "رحم الله من أهدى إلي عيوبي".

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لمولاه مزاحم: "يا مزاحم إن الولاة جعلوا العيون على العوام، وإني أجعلك عيني على نفسي. جعلتك جاسوساً علي، وأنا أجعلك عيني على نفسي، فإن سمعت مني كلمة تربأُ بها عني، أو فعلاً لا تحبه، فعظني عنده، وانهني عنه".

وقال عمر بن عبد العزيز لعمرو بن مهاجر: "إذا رأيتني قد ملت عن الحق، فضعت يدك في تلبابي، ثم هزني، ثم قل: يا عمر ما تصنع".

هذا من حرصهم على الحق ومعرفة أخطائهم، والرغبة في تقويمهم، كل واحد يريد أن يقوَّم وأن ينبه، وأن يبين له خطؤه حتى لا يستمر على الضلال، الرغبة في التقويم، إذا لم تكن عند كل واحد منا الرغبة في التقويم فلن يتقدم ولن يتعلم ولن يهتدي.

وكلام الأئمة في تواضعهم، كلام أئمة الفقه والعلم معروف مشهور، قال الشافعي رحمه الله: "كل مسألة تكلمت فيها بخلاف الكتاب والسنة فإني راجع عن كلامي في حياتي وبعد مماتي"، وكذلك قال مالك رحمه الله.

والنبي ﷺ علمنا أن نقبل الحق ولو من الكافر، ولو جاء من الكافر ولو من اليهودي، عن قتيلة الجهنية قالت: إن يهودياً أتى النبي ﷺ، قال: إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي ﷺ إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة وأن يقولون: ما شاء الله ثم شئت[رواه النسائي3773، وصححه الالباني في السلسلة الصحيحة1093]. أخرجه الإمام أحمد والنسائي.

إذاً ما وجد النبي ﷺ أي غضاضة من قبول تنبيه اليهودي؛ لأنه حق، وأخذ به، وأمر أصحابه، واعتمده، وهكذا يقبل الحق من أي مكان جاء، ومن أي شخص مهما كان عمره، كبيراً أو صغيراً، وعلى هذا جرى الأئمة.

وقال البخاري رحمه الله تعالى: "خرجت من الكتّاب بعد العشر، بعد أن حفظت القرآن، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره من المحدثين، فقال يوماً فيما كان يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، في أحد الأسانيد التي يحدث بها الشيخ في المجلس وحوله الطلاب، سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم، فانتهرني فقلت: ارجع إلى الأصل، فدخل فنظر فيه، دخل فنظر في المكتوب عنده في البيت، وكان يحدث من حفظه في الحلقة، فدخل فنظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام، أمام الناس، كيف هو يا غلام؟ قلت: الزبير بن عدي عن إبراهيم، هكذا أظهر صواب الغلام أمام الناس، وهو الشيخ، فقيل للبخاري: ابن كم حين رددت عليه؟ قال: ابن إحدى عشرة سنة".

وقال محمد بن عمار الموصلي: "رددت على المعافا بن عمران حرفاً في الحديث، فسكت، فلما كان الغد جلس في مجلسه من قبل أن يحدث"، وقال: "إن الحديث كما قال الغلام"، قال ابن عمار: "وكنت حينئذٍ غلاماً أمرد ما في لحيتي أي شعرة".

وسأل رجل علياً عن مسألة فقال فيها، فقال الرجل: "ليس كذلك يا أمير المؤمنين، ولكن كذا وكذا، فقال علي : أصبتَ وأخطأتُ، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌسورة يوسف76.

وقال عبد الله بن وهب المصري: كنا عند مالك فسئل عن تخليل الأصابع، تخليل أصابع الرجلين في الوضوء، وكذلك اليدين، فلم ير ذلك، فتركت حتى خف المجلس، فقلت: إن عندنا في ذلك سنة، ثم ذكر إذا توضأت خلل أصابع رجليك[رواه أحمد2604، وصححه الالباني في السلسلة الصحيحة1349]. فرأيته بعد ذلك يسأل عنه فيأمر بتخليل الأصابع، ويقول: ما سمعت هذا الحديث قط إلا الآن، لكنه رجع إليه وأفتى به رضي الله تعالى عنه.

وهكذا كانت سنة الأئمة وأهل العلم في قبول الخطأ، عند التنبيه عليه يعترفون به ويرجعون إلى الحق، ويعلنون ذلك كما قال أحدهم: أرجع وأنا صاغر.

ولما صنف الإمام عبد الغني كتاباً فيه أوهام الحاكم المحدث المشهور، لما وقف الحاكم على هذا الكتاب جعل يقرأه على الناس، ويعترف لعبد الغني بالفضل والشكر، ويرجع إلى ما أصاب فيه من الرد عليه. رحمة الله عليهما.

هكذا كانوا إذاً، هكذا كانوا في تقبلهم للحق، بل وإكرامهم، حتى قام الكسائي وعانق وأجلس إلى جنبه من نبهه على خطأ في المجلس.

وقال إسماعيل بن أبي أويس للبخاري: انظر في كتبي وما أملكه لك وأنا شاكر لك ما دمت حياً أنك نبهتني.

ما هي الأسباب المعينة على قبول الحق؟

إذا لم يكن هناك تقوى فلن يقبل الحق، الإنسان إذا لم يكن عنده تقوى لا يقبل، يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناًسورة الأنفال29. فرقاناً تفرقون به بين الحق والباطل، وتعرفون به الحق، وتنقادون إليه، فلا بد من التقوى، وأن يعرف الإنسان مقدار علمه وأنه عرضة للخطأ، وقال ﷺ: كل بني آدم خطاء[رواه الترمذي2499، وحسنه الالباني في صحيح الجامع 4515].

قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: "من يبرئ نفسه من الخطأ فهو مجنون".

الذي يقول: أنا لا أخطئ كذاب، كل بني آدم خطاء، من الذي لا يخطئ إلا من عصمهم الله ، وأن يعلم الإنسان منا أن الرجوع إلى الحق فيه أجر، وفيه ثواب، لما حلف أبو بكر الصديق أن لا ينفق على مسطح ولا يعطيه شيئاً؛ لأنه قد ظلم ابنته عائشة أنزل الله تعالى: وَلَا يَأْتَلِلا يمتنع، وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ سورة النور22. مسطح كان قريباً للصديق، وقال: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة، فلما نزلت الآية قال أبو بكر : بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً، وكفَّر عن يمنيه، هكذا فعلاً.

فإذاً ثواب الرجوع إلى الحق هو الذي يدفع المؤمن إلى الرجوع، إنها خصلة عظيمة.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم اجعلنا من أهل الحق، وأقمنا على ملة الحق، وأمتنا على الحق إنك أنت الحق المبين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور، وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.

الخطبة الثانية

00:17:20

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

الرجوع إلى الحق فضيلة

00:17:39

عباد الله: إن بعض الناس يتصور أن الرجوع إلى الحق ضعف، وأن العودة عن قوله أو فعله الخاطئ اهتزاز في شخصيته، ويأتي الشيطان لينفخ فيه فيقول له: إذا تراجعت فأنت ضعيف شخصية. بينما الحقيقة بخلاف ذلك تماماً، فإن الإنسان ولو توهم أن تراجعه ضعف أمام الآخرين، فإنه في الحقيقة رفعة في نظرهم، ويكبر في أعينهم، ولكن المسألة تحتاج إلى شيء من المصابرة والمجاهدة.

لقد تلكأ علي عن بيعة الصديق؛ لأنه كان يعتقد لفترة من الزمن أن له في ذلك حقاً، كما روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها، ثم لما تبين الحق لعلي رجع، وقال لأبي بكر: "موعدك العشية للبيعة"، فلما صلى أبو بكر صلاة الظهر رقى على المنبر، فتشهد وذكر شأن علي، أي فضله ومنزلته، وعذره بالعذر الذي اعتذر إليه ثم استغفر، وتشهد علي بن أبي طالب فعظم حق أبي بكر، وأنه لم يحمله على الذي صنعه أي من التأخر عن بيعته نفاسة على أبي بكر، ليس حقداً، ولا حسداً، ولا تقديماً لنفسه على نفس الصديق، ولا إنكاراً للذي فضله الله به، قال: ولكنا كنا نرى لنا في الأمر نصيباً، ونحن آل محمد ﷺ. ثم عرف أن الحق فيما أجمع عليه الصحابة من بيعة الصديق، فبايع علناً أمام الناس، قال الراوي: فسر المسلمون بذلك، وقالوا: أصبت، فكان المسلمون إلى علي قريباً حين راجع المعروف، قال ابن حجر رحمه الله: أي كان ودهم له قريبة.

إذاً ازدادت المودة لعلي لما راجع، لم تهتز شخصيته في أعينهم، لم يصبح ضعيفاً في أعينهم، وإنما ازدادت مودتهم له لما رجع إلى الحق، لما عرفه وتبين له وانقاد له ازداد في أعين الناس منزلة، وقدراً ورفعة، وهكذا.

وقال عبد الغني الأزدي: لما رددت على أبي عبد الله الحاكم الأوهام التي في المدخل إلى الصحيح في كتابه، بعض إلي يشكرني ويدعو لي، فعلمت أنه رجل عاقل.

فإذاً الراجع إلى الحق يزداد في أعين الناس، وإن أوهمه إبليس في البداية أنها ضعف شخصية، وأنها إهانة. والذي لا يراجع الحق كبراً فإن الله يحرمه من معرفة الحق، كما قال : سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ سورة الأعراف146. قال ابن جريج رحمه الله: أي سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا بها.

قال المفسرون: سأرفع فهم القرآن عن قلوبهم، سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.

وهكذا يكون مصير الذي يتكبر عن الحق أن يحرم معرفته وتبينه، وهذه ولا شك كارثة كبيرة، ومصيبة عظيمة فادحة تنزل بالإنزال غضباً من الله وعقوبة له عن تكبره عن الحق، أنه لا يعود يميزه، ولا يعرفه ولا يهتدي إليه.

وبعض الناس ربما يسهل عليه أن يرجع إلى الحق إذا اكتشف هو بنفسه الخطأ، لكن إذا بين له من الآخرين لا يسهل عليه الرجوع، ويشق عليه أن يبين له من قبل الآخرين.

الانتقائية في قبول الحق

00:22:29

وبعض الناس ربما يقبل الحق ممن هو أكبر منه، لكن إذا كان من أقرانه أو ممن هو أصغر منه لا يقبل، وهذه مصيبة أيضاً، وقد تقدم حال السلف رحمهم الله في قبول الحق من الأطفال؛ لأجل منزلة الحق، وعظم الحق يقبلوه.

ومن الناس من يكون في نفسه عجب يمنعه من قبول الحق.

إذا نصحت لذي عجب لترشده فلم يطعك فلا تنصح له أبداً
فإن ذا العجب لا يعطيك طاعته ولا يجيب إلى إرشاده أحداً

صاحب العجب، المعجب بنفسه، كيف ينقاد للحق؟

وبعض الناس لا يرجعون إلى الحق لجهلهم، أكثر النفوس على جهل ما لم تعلمه.

وكل ضد امرئ ما كان يجهله والجاهلون لأهل العلم أعداء

وبعض الناس يرد الحق لأنه يخالف ما ألفه ونشأ عليه.

وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه

وهكذا تتوارث الأجيال كثيراً من العادات، والسلوكيات الخاطئة، وتتناقلها جيلاً بعد جيل، حتى تتحول إلى مسلّمة من المسلمات، لا تقبل النظر والمراجعة، فضلاً عن تركها والبعد عنها، وحينئذ يجب الكثيرون عن التصويب، وهكذا ما ترى في عادات بعض القبائل من الأمور المحرمة، التي لا يرجعون عنها ويعتبرونها قانوناً لا يسعهم التخلف عنه، وما هي حجتهم؟ هي حجة أهل الجاهلية، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا سورة النساء61. ماذا يقول هؤلاء وغيرهم؟ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَسورة الزخرف22. وجدنا آباءنا هكذا، فنحن على ما وجدنا عليه آباءنا. تقول: هذا الحق، وهذا الكتاب، وهذه السنة، فيقولون: نحن على ما نشأنا عليه، وما ألفناه وما عرفناه، ويرفضون الحق.

فيا عبد الله: أيهما ينجيك عند الله تقليد الآباء والأجداد، أم تقليد الكتاب والسنة؟ وما الذي سيقبله الله منك أن تقول: وجدت أبي وجدي والمجتمع من حولي، أو أن تعترف بما في الكتاب والسنة، وتراجع ذلك.

وبعض الناس عندهم كبر تجاه الدعاة إلى الله، والناصحين، لا يقبلون منهم نصيحة، قال ابن مسعود : "إن من أكبر الذنب أن يقول الرجل لأخيه: اتق الله. فيقول: عليك نفسك، أنت تأمرني".

وهكذا ازدراء الخلق، وإذا كان الخلق هؤلاء دعاة، وفضلاء فإن ازدراءهم أعظم إثماً ولا شك.

هذه مسألة خطيرة أيها الإخوة: ومبدأ مهم في حياتنا، يجب اعتماده، والذي يخالف ذلك سيكون عرضة للهلاك بلا شك، وتأمل في أكثر مصائبنا، وسبب انحرافاتنا تجد هذا هو السبب، أننا لا نرجع إلى الحق، وكثير من المشكلات، بين الأب وأبنائه، والزوج وزوجته، والأخ وإخوانه، والجار وجاره، وهكذا وبين المدعو والداعية، تجد أن السبب في المشكلة عدم الرجوع إلى الحق، وعدم قبول الحق، ينبغي أن تعطى القضية حق قدرها، تقدر حق قدرها، وأن تعطى شأنها، وأن نكون متواضعين للحق.

مبدأ مهم في حياتنا، يجب اعتماده، والذي يخالف ذلك سيكون عرضة للهلاك بلا شك، وتأمل في أكثر مصائبنا، وسبب انحرافاتنا تجد هذا هو السبب، أننا لا نرجع إلى الحق، وكثير من المشكلات، بين الأب وأبنائه، والزوج وزوجته، والأخ وإخوانه، والجار وجاره، وهكذا وبين المدعو والداعية، تجد أن السبب في المشكلة عدم الرجوع إلى الحق، وعدم قبول الحق، ينبغي أن تعطى القضية حق قدرها، تقدر حق قدرها، وأن تعطى شأنها، وأن نكون متواضعين للحق.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يخافك في الغيب والشهادة، وممن يقول كلمة الحق في الغضب والرضا، اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، اللهم إنا نشهدك أنك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، وأنك تبعث من في القبور، ونسألك في مقامنا هذا في هذه الساعة أن تعتق رقابنا من النار، وأن تجعلنا من أهل الجنة الأبرار، اللهم إنك أنت الرحيم فارحم عبادك إنك على كل شيء قدير، اللهم ارفع البأس عن المسلمين، اللهم ارفع البأس عن المسلمين، اللهم ارفع البأس عن المسلمين يا رب العالمين.

المؤامرة على بلاد المسلمين

00:28:03

هذه المؤامرات تحاك في بلاد المسلمين أيها الإخوة، وهذه الدوائر تدور عليهم من أعداء الإسلام والمسلمين، وهؤلاء الصرب يهددون أهل كوسوفو عند حصول أي شيء لهم بمذابح رهيبة، وآلافهم المؤلفة من عصابات المذابح التي كانت في البوسنة، التي يسمونها عصابات أراكان وعصابات النمور، تتربص للمسلمين المزيد من المذابح، بعد أن أنهوا عدداً كبيراً منها في المدة الماضية، والعالم مشغول كما يقولون، وهكذا تحاك حول المسلمين في فلسطين وما حولها في بلاد الشام وغيرها، تحاك الدوائر حولهم، ولكن الله لن يرفع الذل عن الأمة إلا إذا رجعت إليه، وأنابت إليه، والله يخوف الأمة وينذرها بهذه الأحداث والكوارث والقوارع، فمن الذي ينزجر، وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ سورة الرعد31وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا سورة الإسراء60. والواجب علينا الاعتبار والاتعاظ ومراجعة الحق، والرجوع إلى الله .

اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، والرحمة للعباد، اللهم اغفر لنا ولوادينا ولجميع المسلمين.

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه مسلم91
2 - رواه الترمذي1999
3 - رواه أحمد3789
4 - رواه مسلم770
5 - رواه النسائي3773، وصححه الالباني في السلسلة الصحيحة1093
6 - رواه أحمد2604، وصححه الالباني في السلسلة الصحيحة1349
7 - رواه الترمذي2499، وحسنه الالباني في صحيح الجامع 4515