المقدمة
ففي هذا الدرس نبين إن شاء الله تعالى شيئاً من مصادر التلقي عند أهل السنة والجماعة، وهو موضوع خطير ومهم؛ لأنه قد انحرف من انحرف من الفرق المبتدعة عن دين الإسلام بسبب الضلال أساساً في هذا الموضوع؛ وهو مسألة مصادر التلقي.
أقسام مصادر التلقي عند أهل السنة
أما مصادر التلقي عند أهل السنة والجماعة فإنها تنقسم إلى مصادر رئيسة، ومصادر تليها في الأهمية.
المصادر الأساسية:
فالمصادر الرئيسة عند أهل السنة والجماعة هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
القرآن الكريم
فأما القرآن الكريم فهو حُجّة عند أهل السنة والجماعة في جميع قضايا الدين العلمية والعملية والإنشائية والخبرية، وهو الفرقان بين الحق والباطل كما قال الله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان: 1].
فكل من بلغه هذا القرآن فقد أُنذر به، وقامت عليه حُجّة الله.
فلو كان عندك رجل كافر تريد أن تقيم عليه حُجّة الله، فإذا أعطيته ترجمة للقرآن الكريم تكون قد أقمتَ عليه حُجّة الله ؛ لأن هذا القرآن هو حُجّة بنفسه، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19].
وقد أمرنا الله بالتحاكم إلى القرآن فقال: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى: 10]. وقال لنبيه ﷺ عن هذا القرآن: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء: 105].
وهذا القرآن الكريم الذي حفظه الله علّمه النبي ﷺ لأصحابه، وأصحابه علّموه للتابعين، قال ابن مسعود : "والذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورة إلا أنا أعلم حيث نزلت، وما من آية إلا أنا أعلم فيما أُنزلت، ولو أعلم أحداً هو أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لركبتُ إليه" [رواه مسلم: 2463].
ومن الأدلة على أن هذا القرآن بقي محفوظاً معانيه معروفة عند الصحابة والتابعين قول مجاهد -رحمه الله-: "لقد عرضتُ القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كل آية أسأله فيما أُنزلت وفيما كانت". [رواه الدرامي: 1160، وقال محققه: إسناده صحيح]. ثلاث مرات يعرضه مجاهد على ابن عباس، فنقل مجاهد علم ابن عباس كما نقله غيره من طلاب ابن عباس، ونقل طلاب مجاهد عن مجاهد علم ابن عباس وغيره وهم كثير طلاب مجاهد -رحمه الله- وهكذا انتشر العلم في الأمة.
وهذه مسألة مهمة قضية: مصادر التلقي؛ لأنك عندما تناقش بعض المبتدعة يقولون لك الدليل كذا، يعتبرون من مصادر التلقي أشياء ليست عند أهل السنة والجماعة، فمن المهم أن نفهم مصادر التلقي عند أهل السنة والجماعة حتى إذا ناقشنا غيرهم من الطوائف؛ من الصوفية، من الباطنية، من الدروز، من الهندوس، من أي طائفة من الطوائف الأخرى الضالة الباطلة، فإن أول شيء تتناقش فيه مع أي واحد من طائفة غير طائفة أهل السنة والجماعة، أول أمر: مصدر التلقي، إذا حُسِمت هذه القضية ستُحسم كثير من القضايا بعدها؛ لأن أهل الضلال ما ضل أكثرهم إلا بالضلال في هذا القضية، ما هي مصادر التلقي؟ نحن إذا اختلفنا نرجع إلى ماذا؟ ما هي المراجع؟ ولذلك الامامية يقولون: كلام الأئمة المعصومين، هذا مرجع، إذن، هذا ضلال.
الصوفية يقولون: المنامات مصدر تلقي، وهذا ضلال، يقولون: الخضر مصدر تلقي، الخضر قال للولي، والولي قال لنا، مصدر تلقي، فإذن، نحن لا بد أن نحسم قضية مصدر التلقي أولاً عندما نتكلم مع أي طائفة من الطوائف، ولا يمكن أن تناظر طائفة من الطوائف الضالة إلا و تكون أول مسألة تتعرض لها قضية مصدر التلقي، القرآن عرفناه وانتهينا منه محفوظ والمسألة محسومة.
السنة النبوية
ثانياً: السنة النبوية: والسنة النبوية هي: ما نُقِل عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير، قرر شيئاً ورضيه، فهو حُجّة، ما أُثر عن النبي ﷺ من قول أو عمل أو تقرير أو سيرة أو صفة خَلْقية أو خُلُقية، وهكذا، هذه السنة، والدليل على حُجّية السنة من القرآن قوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3، 4] ، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب: 34].
آيات الله القرآن والحكمة هي السنة.
قال الشافعي -رحمه الله-: "فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله ﷺ" [رواه أحمد: 1/12، والبيهقي في السنن الصغير: 679، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه: 1/259].
وقال ﷺ: ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه .
فإذن، السنة النبوية حُجّة، والسنة النبوية ملزمة، من يطع الرسول فقد أطاع الله، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، وقال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ لم يقل: فردوه إلى القرآن فقط.
قال: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: 59]
إذن، السنة تُرد إليها الأشياء، والسنة حُجّة، والسنة ملزِمة.
وهناك طائفة ظهرت في هذا الزمان ولهم سلف فيما مضى من الزمان وهم طائفة القرآنيين، ماذا تقول طائفة القرآنيين؟ يقولون: السنة نحن لسنا ملزمين فيها، السنة دخل فيها أحاديث ضعيفة وموضوعة، والسنة آراء، والسنة من النبي ﷺ وتجارب شخصية وأشياء من هذا القبيل، أي حكم لا يعجبه في السنة يقول: هذا من الآراء الشخصية للنبي ﷺ، هذا رأي شخصي، لسنا ملزمين به! هذا لا يقوله الآن طائفة من العقلانيين الذين يتقاطعون مع القرآنيين، والقرآنيون هذه كلمة مضللة؛ لأنك عندما تسمع كلمة قرآنيين تظن أنهم على خير وأنهم يطبّقون القرآن وهم كذبة، لو كانوا يطبّقون القرآن لطبّقوا الآيات التي تقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: 59]. مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء: 80] قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [آل عمران: 31]. فالسنة ملزمة، وهؤلاء يقولون: ليست ملزمة.
النبي ﷺ حدّثنا عن ظهورهم قبل أن يظهروا، حدّثنا عن الذين ينكرون السنة قبل أن يظهروا، فقال من قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة: لا ألفينّ أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرتُ به أو نهيتُ عنه فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه رواه الترمذي وحسّنه وغيره، وهو حديث صحيح. [رواه أحمد: 23876، والترمذي: 4605، والحاكم: 368، وصححه الألباني في المشكاة: 162].
فهو حذرنا من الطائفة هذه التي إذا جئت لها بالحديث الصحيح يقول: ما ندري نحن علينا بالقرآن، وما وجدنا في كتاب الله اتبعناه، السنة ما علينا من السنة، لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه فهذا ضال مضل، هذا ضلال مبين، والنبي ﷺ ماذا قال؟ عليكم بسنتي، عليكم بسنتي، وسنته حجة، عليكم بسنتي، ولماذا جعل الكذب في الحديث من أعظم الكبائر؟ من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، لحفظ السنة؛ لأن السنة حُجّة، والله حفظ السنة؛ لأن السنة حُجّة، والقرآن محفوظ بحفظ السنة أيضاً؛ لأنها تشرحه وتبين مجمله وتفصله وتزيد عليه وتنسخ منه السنة، ولذلك قوله : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ والذكر: القرآن والسنة، كله وحي من كلام رب العالمين أو كلام النبي ﷺ الجميع وحي، وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون [الحجر: 9]. يشمل القرآن والسنة، الحفظ ليس فقط للقرآن الحفظ للسنة، ولذلك الله قيض لهذه الأمة أفذاذاً من العلماء بحثوا في علم الجرح والتعديل والأسانيد وميزوا الصحيح من الضعيف، وبالتالي نقحت أي شيء دخل في السنة مما لا يصح بينه العلماء، ما راج على الأمة كلها ولله الحمد أي حديث باطل ما راج، بل ألفوا في ذلك وفصلوا وبينوا -رحمهم الله تعالى-: نضّر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلّغه كما سمع، فرب مبلّغ أوعى من سامع [رواه الترمذي: 2657، وصححه الألباني في المشكاة: 230].
إذن، عرفنا الآن القرآن والسنة، وعندما نقول السنة يعني الصحيحة، أما الضعيفة والموضوعة فليست بحجة بطبيعة الحال ولا يسمى حديثاً إلا تجوزاً وإلا فهو أصلاً ليس بحديث.
الإجماع
وأما الإجماع ما أجمع عليه المسلمون باتفاق مجتهدي أمة محمد ﷺ بعد وفاته في عصر من العصور على أمر من الأمور، هذا تعريف الإجماع، ودليل هذا الأصل وهذا المصدر قوله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ [النساء: 115].
كما حصل للشافعي -رحمه الله-، كان يلقي الدرس فجاء له رجل، قال: أنت تقول كل شيء تقوله بآية أو حديث، كل شيء تقوله بدليل من القرآن، أنت تقول أن الإجماع حجة، ما الدليل على أن الإجماع حجة؟ فوقف -رحمه الله- يفكّر، فقال الرجل: أمهلتك ثلاثاً، قال الناس: فلم يخرج إلينا الشافعي طيلة ثلاث، فجاء الرجل بعد ذلك فقال: مسألتي، قال: نعم، فقال الشافعي -رحمه الله-: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 115].
يقول الشافعي: "عرضتُ القرآن في هذه الثلاثة الأيام أعرضه عرضاً، أعرضه وأعيده حتى وقعتُ على الدليل في حجية الإجماع وهو: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 2/244]. فهذا إجماع المؤمنين هذا إجماع حُجّة، فالذي يتبّع غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ يعني غير الإجماع نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 115]. فإجماع الأمة المجتهدين من أمة محمد ﷺ على أمر من الأمور في عصر من العصور، هذا إجماع، ولا تجتمع الأمة على ضلالة، يعني من الأدلة على أن الإجماع حجة أن النبي ﷺ بين أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، لو كانت تجتمع على ضلالة ما كان الإجماع حُجّة، فإذن، لا تجتمع على ضلالة.
القياس
وأما بالنسبة للقياس فإن العلماء -رحمهم الله- قد بينوا كيف أنه يأتي مثلاً بعلّة معينة يُقاس على شيء في الشريعة له حكم معروف، هناك عندنا شيء ليس له حكم معروف، وعندنا شيء له حكم معروف، والعلّة بينهما واحدة مشتركة متماثلة، فعند ذلك يقال: هذا حكمه كهذا.
نزل تحريم الخمر ، الخمر كان يُصنع من العنب والتمر ، افترض الآن أخرجوا شيئاً كيماوياً لا من عنب ولا من خمر ولا شيء، لا من عنب ولا من تمر، مثلاً بتفاعلات كيماوية أخرجوا لنا كحولاً، قالوا: هذا ليس من عنب ولا من تمر، نقول: حرام، لماذا؟ يقول: هذا ليس خمراً، الخمر يخمّر من العنب، هذا ليس فيه عنب ولا فيه تمر ولا تخمّر ولا شيء، هذه أشياء تفاعلات في المصنع من أشياء كيماوية وإضافات وأخرجنا هذا الكحول، نقول: ما هي العلة في تخريم الخمر؟ الإسكار، إذا أسكر غطّى العقل غيّب العقل فهو خمر، فأي شراب يزيل العقل ويغطيه، فحكمه حكم الخمر، هذا قياس، فالقياس الصحيح إذن، هو حجة.
مصادر أخرى للتلقي
وأما بالنسبة للأمور الأخرى كالفطرة مثلاً، والعقل الصحيح، و فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم: 30].
الفطرة السليمة والعقل الصحيح يقود إلى الحق بطبيعة الحال، ولكن العقل وحده مهما كان قوياً لا يمكن أن يتوصل إلى التشريع، قد يعرف أموراً معينة؛ يعرف أن الله واحداً، أي عاقل قل له: هناك خالق للكون؟ لا بد أن يقول لك: نعم، كم خالق للكون؟ لا بد أن يقول: واحد، أي عاقل في الدنيا، لكن تقول له: كم صلاة فرض الله في اليوم؟ كم ركعة في كل صلاة؟ لا يدري، ولا يمكن أن يدري مهما كان ذكياً؛ لأن هذه أمور معرفتها الوحي، لكن هناك أشياء يمكن أن تُعرف بالعقل الصحيح والفطرة السليمة، مثل وحدانية الله -عز وجل-، حتى اليوم الآخر، أن هناك يوم آخر وهناك بعث وجزاء وحساب، أي عاقل صاحب فطرة سليمة وعقل صحيح، تقول له: هل هناك بعث بعد الموت؟ لا بد أن يقول: نعم؛ لأنه سيقول: هناك ناس ظلمة ماتوا في عزهم، وناس مظلومون ماتوا في السجن، مات الظالم ومات المظلوم، هل انتهت القضية؟ ما يمكن، لا بد أن يكون هناك بعث ونشور وحساب ورد الحقوق لأصحابها، وهذا يوم القيامة، وأي صاحب عقل صحيح يقول: لا بد الذي يعمل بصلة الرحم ويعطي المساكين، لا بد أن هذا الشخص الذي يعمل الخير لا بد له من مكافأة، والذي يزني ويشرب الخمر ويقتل ويسرق وينهب وكذا، لا بد من عقاب، من الفطرة الصحيحة من العقل الصحيح يمكن الإنسان يكتشفه، هذا ليس مشكلة، لكن أي تفاصيل، هل يوجد في الجنة لبن؟ هل يوجد في الجنة عسل؟ ما يستطيع أي واحد صاحب عقل كبير وذكي مهما كان أن يكتشف هذا، في الجنة حور عين؟ فيها ولدان مخلدون يلبسون حريراً أم لا؟ هذه أشياء بالوحي، كم أبواب الجنة؟ مهما كان ذكياً لا يمكن أن يدري كم أبواب جهنم؟ وهكذا من التفاصيل في علم الغيب، مهما كان صاحب فطرة سليمة وعقل ما يمكن مثلاً يكتشف أو يقول مثلاً في الآخرة يوجد حوض؟ كل نبي له حوض، هناك صراط ميزان، هذه الأشياء دقائق وتفاصيل، والأشياء المفصلة لا يمكن معرفتها إلا بالوحي.
نحن الآن عرفنا المصادر الصحيحة عند أهل السنة والجماعة، وأي قضية نردها إلى هذا، أهل الضلال قد يزيدون في القرآن وينقصون منه، فنقول: هذا القرآن حُجّة، فأي سورة اخترعتموها بعد ذلك فليست بحجة.
السنة النبوية بعضهم يلغيها بالكلية، وبعضهم يقول: فقط بعض الصحابة نقبل أحاديثهم والبعض الآخرين ما نقبل أحاديثهم، إذن، هؤلاء نسفوا السُّنة أو جزء من السنة.
مسألة العقل، بعض الطوائف تضخم العقل وتجعله هو الأساس، ويقول: أي آية أو حديث اعرضها على العقل، إذا وافقت العقل قبلنا بها، ما وافقت العقل إما منسوخة أو باطلة أو ليست بثابتة، فهذا الخلاف بيننا وبينهم: أن عندنا المرجع الأساسي هو القرآن والسنة، هو عنده المرجع الأساسي العقل، فهو يرد القرآن والسنة إلى العقل، نحن لا نرد العقل إلى القرآن والسنة، ونقول: عقلنا فهمنا أو ما فهمنا نسلّم، آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران: 7].
ومثل ضلال الخوارج وضلال المعتزلة وضلال الباطنية وفرق أهل الرفض وغيرهم، كل هؤلاء ضلوا على نسب مختلفة في هذه المسائل.
الصوفية معناها ونشأتها ومصادر التلقي عندهم
أما بالنسبة للصوفية، وما هي مصادر التلقي لديهم؟ وبأي شيء يؤمنون؛ لأن هؤلاء كما سبق الكلام فرقة كبيرة جداً منتشرة في العالم أكثر من أهل السنة، ليس في ذلك شك، أكثر العالم الإسلامي ليسوا على مذهب أهل السنة والجماعة، وإنما تناوشتهم كلاب الضلالة، والمذاهب الباطلة من كل جانب.
معنى التصوّف والأقوال في ذلك
ما معنى التصوّف؟ وما هي النسبة فيه؟ متى نشأ، وكيف تطور هذا المذهب؟ ثم نعرّج على مصادر التشريع أو مصادر التلقي عندهم، اختلفت الآراء في كلمة الصوفية مأخوذة من أي شيء، فبعضهم يقول من الصف الأول؛ صفَّي صوفي، قال بعضهم: إنها مأخوذة من أهل الصُّفة الذين كانوا على عهد النبي ﷺ يقولون: نحن من أهل الصُّفّة صوفية، وقال بعضهم: الصوفية مأخوذة من الصفاء.
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا | وظنه البعض مشتقاً من الصوف |
ولستُ أمنح هذا الاسم غير فتى | صافى فصوفي حتى سمي الصوفي |
بعضهم يقول: هذا مأخوذ من شخص يقال له: صوفا، ينتسبون إلى رجل اسمه: صوفا، وردّ شيخ الإسلام -رحمه الله- ذلك، وقال بعضهم: إنه مشتق من السوفيا، السوفيا هذا مذهب معناه الحكماء.
وقيل: إن الصوفية مأخوذ من لبس الصوف.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وهو المعروف" [مجموع الفتاوى: 11/6].
ومال إلى هذا ابن خلدون -رحمه الله تعالى- في مقدمته. [مقدمة ابن خلدون].
وهو اختيار عدد من العلماء؛ لأن الصوف كان لباس الزهاد والفقراء، ما كان عندهم كتان وقطن فكانوا يلبسون الصوف لباس الفقراء والمساكين، والصوفية في أول أمرها كان التزهد وتنسك وعزوف عن مفاتن الدنيا أو عزوف عن نعيم الدنيا فيلبسون الصوف فسموا صوفية من هذا الباب؛ لأنهم لبسوا الصوف من باب التزهد.
متى نشأت؟ وما هو تعريفها؟ اشتقاق عرفناه، الراجح من الصوف وقيل أشياء أخرى، لكن ما تعريف كلمة الصوفية؟ ما تعريف هذا المذهب؟ ذهب بعضهم في هذا إلى أن تفسير أو تعريف الصوفية عند الصوفية، يقولون: تعريف المذهب عندنا يمكن يصل إلى ألفي قول، وهذا يكفي في إثبات الضلال، يكفي في إثبات الضلال أن تعرف أن له ألفي تعريف أن الصوفية هذه لها قريب من ألفي تعريف، لكن بعضهم يقول: ترك ما سوى الله، تكون مع الله بلا علاقة، العصمة عن رؤية الكون، إلى آخره من التعريفات التي بعضها فيه حق وبعضها باطل قطعاً.
متى نشأت؟ نشأت الصوفية قبل سنة مائتين، وهذا ما قاله ابن خلدون -رحمه الله- في المقدمة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أن هذه الفرقة نشأت في أوائل القرن الثاني الهجري، وما اشتهرت إلا بعد القرن الثالث الهجري، يقال: إن أول ما ظهرت في دويرة للصوفية في البصرة، عند أصحاب عبد الواحد بن زيد" [مجموع الفتاوى: 10/359]. وبدأت تتسع بعد ذلك وتتطور بعد ذلك، كانوا أول الأمر مقاصدهم: ترك التنعم، الزهد في الدنيا، شبّهوا المال بالعقارب، وقالوا: لا بد نترك الدنيا جملة، ويقولون: إن هذا الاسم معناه من الإخلاص والزهد والحلم والصبر والصدق وإلى آخره.
فكانوا في بداية الأمر زهّاد، هذا مبدأ أمرهم، ثم تطورت القضية فأجازوا سماع الغناء الديني، وأجازوا الرقص أيضاً، الرقص في حِلق الذكر، ثم قالوا أيضاً: إن العمل هو الأساس، وإن العمل يطفئ مصباح العلم، وأنك إذا أردت أن تعمل فلا تنشغل بالعلم، فبدأ الانحراف في قضية ترك العلم، تزهيد الناس في العلم بحجة العمل، ثم جاء قوم فتكلموا في فضل الجوع، فضل الفقر، فضل الوساوس، فضل الخطرات، ثم قضية الوَجد، ثم ازدادت البدع إلى أن وصلت إلى الحلول والاتحاد وأن الله حل في المخلوقات تعالى الله عن ذلك، وأن كل ما ترى بعينك فهو الله عز وجل، ما في الكون إلا الله، ما في الجبّة إلا الله، أي شيء في الكون فهو جزء من الله، وهكذا.
فإذن، بدأت القضية بالزهد وانتهت بالكفر الأعظم الذي لا يوجد أكبر منه، هكذا حصل التطور في الانحراف، فأول أمرها يمكن يقال: زهدوا في الدنيا، لهم ذلك، لكن تحريم الحلال، ابتداع الأذكار، السماع والرقص في الحلق، وبعد ذلك قضية محاربة العلم بحجة الانشغال بالعمل، ولا تنشغلوا بالحديث ولا تنشغلوا بالعلم، وتطورت المسألة حتى صارت في النهاية كما سمعنا، وهؤلاء الصوفية كأي طائفة من الطوائف تأثرت بمذاهب وبيئات أخرى.
تأثر الرقة الصوفية بالنصرانية
فهل هناك تأثر للصوفية بالنصرانية؟ الجواب نعم، هناك ألفاظ نصرانية استخدمت من قبل بعض قدامى الصوفية كلفظ الناسوت واللاهوت، وهذا استعمله الحلاج المحسوب على الصوفية، ما التشابه بين عقيدة النصارى وعقيدة الصوفية المتأخرين الذين يقولون بالحلول؟ يقول النصارى: إن الله حلّ في عيسى ، الصوفية يقولون: الله حلّ في كل الخلق، ولذلك شيخ الإسلام كان يقول: "إن النصارى من جهة أعقل من هؤلاء الصوفية؛ لأن النصارى قالوا: إن الله حلّ في شخص واحد، الصوفية يقولون: حلّ في كل شيء، في الجدار، وأنا وأنت، وأي دابة في الشارع، وفي أي مكان، بيت الخلاء، صليب، أي شيء فهو جزء من الذات الإلهية، كل ما ترى بعينك فهو الله!، هذا قولهم في النهاية، فإذن، هذا وجه تأثر الصوفية بالنصرانية من هذا الباب.
كذلك فإن أحمد البدوي جاء في ترجمته أنه كان طول ليله ونهاره شاخصاً ببصره إلى السماء، يمكث أربعين يوماً وأكثر، لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، إلى آخره، التنسّك عند النصارى هو هذا المعنى، الرهبنة تحمل هذا المعنى.
إذن، الصوفية تأثروا برهبنة النصارى قطعاً، فالنصارى عندهم التبتُّل في صومعة، وقد يأكل كسر خبز، أو ما يأكل، يقول: لا بد نجوع حتى نصل إلى الله، وهكذا لا زواج، لا أكل، ولا لبس جيد إطلاقاً، ربما فقط شيء واحد يستر عورته، وهكذا، ثم الرياضات المعينة مثل: قضية النظر إلى السماء فقط، هذه يعتبرون إذا ما أكلت ونظرَت هكذا طيلة الوقت تصل إلى الله وتتجلّى لك الأشياء يُفتح عليك الغيب، وهكذا.
تأثر الصوفية بأديان الهنود
تأثر الصوفية بأديان الهنود أثبته أبو الريحان البيروني عندما تكلم على بعض مذاهب أهل الهند وبين صلتها بالصوفية، وأيد ذلك بعض المستشرقين من الكفار في الدراسات الحديثة التي صارت في هذا القرن.
ولعل ما يؤيد ذلك: أن كثيراً من مبادئ الصوفية وفرقها نشأت في بلاد الأعاجم، لم تكن معروفة في بلاد العرب، ولم تكن معروفة في مهبط الوحي، في المدينة ومكة، وإنما نشأت في أماكن بعيدة في أماكن تلاقي ديانات وثقافات شرقية وغربية، ونحو ذلك، كما نشأت في بلاد الهند تأثراً بهذه الأماكن.
وربما كان للسحر والشعوذة دخول في الطرق الصوفية، ومعلوم أن الهند كانت مملوءة بالسحر والشعوذة، والديانات الهندية كان فيها التناسخ والحلول ووحدة الأرواح، وهكذا.
مبدأ "الأهمسة" أي: اللا عنف واحترام كل حي انتقل إلى التصوف فمثلاً البسطامي وهو من كبار الصوفية يعود مسافات طويلة ليرجع نملة دخلت زاده تحت شجرة إلى مكانها الأصلي، انظر هذا الورع العظيم، الآن هو سافر من مكان إلى مكان ثم اكتشف أن هناك نملة دخلت في ثيابه، قال: هذه مشكلة، غرّبناها ونقلناها عن بلدها، بناء على هذا المبدأ لا بد بناء عليه يرجع إلى البلد التي أخذ منها النملة ليرد النملة إلى مكانها الأصلي، فلذلك رجع مسافة -البسطامي من أئمة الصوفية- رجع هذه المسافة الطويلة لكي يرد النملة، وهذا المبدأ موجود في بعض الديانات الهندية، يعني احترام الأحياء إلى هذه الدرجة، أما في الإسلام هذا اسمه: مضيعة وقت، كلام فارغ، ولا يُتعبد الله برد النمل آلاف الأميال إلى أماكنها.
تأثر الصوفية بالفلسفة اليونانية
المصدر اليوناني أيضاً من المصادر التي تأثرت بها الصوفية، وحدث ذلك عندما دخلت الفلسفة وهي أصلها من اليونان عندما دخلت في الصوفية كما أدخلها الحلاّج والسهروردي المقتول، وابن سبعين، ومحيي الدين بن عربي.
وكانت بعض طرق الصوفية؛ كالحلمانية، وهي من طوائف الحلولية، الحلمانية منسوبة إلى ابن أبي حلمان، أظهر بدعته في بلاد الشام، وفكرته: أن الله يحل في الأشياء الحسنة، أي شيء جميل الله يحلّ فيه، وكان أصحابه يسجدون إذا رأوا صورة حسنة، أمرد، امرأة جميلة، شجرة جميلة سجدوا؛ لأنهم يقولون: الله يحلُّ في الأشياء الحسنة!.[الفرق بين الفرق: 246].
وطائفة الحلمانية هذه من طوائف الصوفية، وهؤلاء يقولون بالإباحية، لا يوجد عندهم شيء محرّم، لا فرج محرّم، لا مال محرّم، كل شيء حلال مشاع لجميع البشر، وهذه من فلسفات اليونان، ومن مذاهب اليونان، فدخلت القضية كما دخلت مسألة العشق الإلهي كما كان من مذاهب أفلاطون وغيره من اليونان، فدخلت فلسفة أرسطو وأفلاطون دخلت في التصوُّف من هذه الجهة وأخذ عنه هؤلاء أئمة الصوفية كمحيي الدين بن عربي، وابن الفارض، وابن الحق بن سبعين، وعبد الكريم الجيني، وغيرهم من الصوفية.
هذه نبذة عن نشأة الصوفية، وكيف انحدرت وإلى أي هاوية وصلت.
مصادر التلقي عند الصوفية
ما هي مصادر التلقي عند الصوفية؟
يقولون: إن مصادر التلقي عندهم ثلاثة أشياء رئيسية: الكشف، والذوق، والوجد، نحن نقول: القرآن والسنة والإجماع، وهم يقولون الكشف والذوق والوجد، وتحت كل قسم من هذه الأقسام درجات.
ولا شك أنهم بهذا قد خالفوا كتاب الله وسنة نبيه ﷺ عندما اعتمدوا هذه الأشياء.
وإذا قلت لهم: نحن نتلقّى عن كتاب الله، قالوا: نحن نتلقّى عن الله مباشرة، إذا أنتم تتلقون عن القرآن، نحن مختصرين نحن أعلى سنداً منكم، شيخ الطريقة يتلقى عن الله مباشرة، إذا أنت تأخذ عن القرآن، نحن نأخذ مباشرة، ويقولون: علمكم ميت عن ميت، تقولون: فلان البخاري عن فلان عن إبراهيم النخعي عن عبد الله محمد بن سيرين عن إبراهيم عن ابن مسعود، كلهم ماتوا، نحن عن الحي الذي لا يموت مباشرة!، وليس فيها أسانيد هنا، ليس فيها خمسة وسبعة وأسانيد طويلة مباشرة، الجيلاني عن الله، البدوي عن الله مباشرة، الشابري عن الله مباشرة، الرافعي عن الله مباشرة، إسناد قصير، ونحن نقول: لا يُحتمل.
ماذا يقولون عن مصادرنا؟
قال أبو الفضل الأحمدي -من زعماء الصوفية- قال: لا تقطعوا بما علمتموه من الكتاب والسنة ولو كان حقاً في نفسه، فإذن، هم يقولون مصدرنا القطب عن الله.
كذلك يقولون النبي ﷺ مصدرنا، النبي ﷺ كيف؟
يقولون: نحن ما نأخذ عن أموات عن أموات مثل ما هو عندكم في البخاري ومسلم، نحن شيخ الطريقة يرى النبي ﷺ يقظة بذاته، يخرج لهم من قبره ويتكلم معه ويعطيه تعليمات!، ناس أحياء يراه عياناً بروحه وجسده، وبعضهم يقول: ممكن أن يراه في المنام بالقلب، فيعطيه تعليمات كما ذكرنا عن قصة هذا الصوفي الذي قال: شيخنا يرى النبي ﷺ كل يوم في المنام!، ثم تنازل فقال: ما يمر أسبوع إلا يراه مرة ويعطيه تعليمات.
موقف الصوفية من الخضر عليه السلام
من مصادر التلقي عند الصوفية الخضر ، وهذه الشخصية حفلت عن الصوفية بأساطير كثيرة جداً، واهتموا بها اهتماماً بالغاً، لأسباب: منها أن هناك أقوال أن الخضر حي ما مات، فانتهزوا هذه الفرصة ليقولوا شيخنا قابل الخضر، الخضر وحي يوحى إليه، فشيخنا يقابل الخضر والخضر يعطيه، مثل ما علّم موسى علّم شيخنا.
الإلهام
من مصادر التلقي عند الصوفية: الإلهام، الله ألهم القطب الأعظم كذا، إلهام، وقع في نفسه كذا وكذا وكذا.
هذا إذن، حُجّة وهذا مصدر من مصادر التلقي.
الفراسة من مصادر التلقي عند الصوفية.
الهواتف، الهواتف ليس المقصود: التلفونات، المقصود بالهواتف: هتف به هاتف وهو في بريّة، هتف به هاتف وهو في المقبرة، كذا كذا، إذن، هذا تشريع، الهاتف صوت مسموع لا تدري ما مصدره، هذا الهاتف، وقد يكون يقظة وقد يكون مناماً، ويقولون أن الهاتف قد يكون إما الله أو ملك من الملائكة أو جن صالح أو ولي من الأولياء أو الخضر م، ونحن نقول: أو إبليس من الهواء ممكن.
الإسراءات والمعاريج
من مصادر التلقي عند الصوفية ولعلكم تستغربون الإسراءات وليس الإسرائليات، الإسراءات والمعاريج.
يعني الشيخ القطب الأعظم يصعد إسراء في المعراج في الليلة ويأتي بأخبار وعلوم وأحكام يأتي بها، ويعرج بروح الولي أو بروحه وجسده إلى العالم العلوي وتجول روح الولي في السموات وفي الملكوت وفي الأشياء الفوقية، وتفيض عليه العلوم، الله يفيض عليه العلوم ويبلغ المنتهى ويأتي بأشياء من الله .
كذلك يقولون: الكشف الحسي، يقول: فنظر شيخنا نظرة ثم قال: إنه كشفت له الحجب إلى العرش ورأى كذا كذا كذا، ورأى مكتوب على العرش كذا كذا كذا، الكشف هذا الكشف، وقد يقولون بعين البصر، وقد يقولون بعين البصيرة.
الرؤى والمنامات
الرؤى والمنامات: وهذا باب لا أول له ولا آخر؛ لأن أي واحد أسهل شيء عليه أن يقول: رأى شيخنا مناماً ويأتي فيه بتشريع، هذا بالنسبة للمصدر الأول وهو كما قلنا الكشف، كل هذا كشف، أنواع الكشف واحد من الثلاثة والكشف ثمان درجات.
الذوق
الثاني: الذوق تذوّق الولي أو القطب، تذوّقه للحقيقة بما يتجلّى له، والذوق هذا الذي يكون عند الولي هو الذي يميز فيه وتظهر له به الأشياء، وعندهم الذوق مرتبط بمسألة التجلّي الإلهي، يعني أن الله يتجلّى لهذا الشخص ويكلمه كلاماً مثل ما كلّم موسى، كلام مباشر، ويقولون أن العلوم تتجلى للولي بأشياء حسية محصورة في أربعة أشياء: الماء واللبن والعسل والخمر، وهذه مصيبة، الآن ربما هذا الشيخ يشرب ويسكر، ويقول: أنا الآن في الذوق لا أحد يكلمني!.
الوجد
الثالث هو الوجد.
والوجد: ما يحصل إلا إذا انفعلت النفس، تنفعل بناء على سماع أشعار، أنغام، رقص عنيف، شيء يهز الجسم، ولذلك تجدهم يأتون بحركات وإيقاعات حتى يغيب عن الوعي، إذا غاب عن الوعي تبدأ المعلومات تأتي، تبدأ المعلومات، ونظراً لأن هذا الباب لا أول له ولا آخر، فليست هذه فقط من المصادر، هذه مصادر رئيسية.
وهناك مصادر ثانوية أيضاً عندهم كثيرة وكثيرة جداً فمثلاً: الشعراني، وهذا من كبار الصوفية من أكبر الضلاّل ومرجع، كتابه أكبر كتاب منتشر كمرجع للصوفية يقول: إنه زار قبر أبي العباس الحريفي، فرآه خرج من القبر وقال له: عليك بالصبر، ثم اختفى، إذن، قبر هذا الحريفي مصدر للتلقي، وقال الصيادي الرفاعي، الصيادي محمد بن مهدي بن علي الحسيني الصيادي متصوّف عراقي ولد في سوق البصرة، أو في سوق الشيوخ من أعمال البصرة في عام ألف ومائتين وعشرين وانتقل إلى الحجاز، وجاور ورحل إلى إيران والسند والهند والصين وكردستان وإلى آخره، توفي عام ألف ومائتين وسبعة وثمانين، والرجل هذا يقول: إنه تلقى من قبر أويس القرني لما زاره، زار قبر أويس القرني وتلقى من القبر أشياء، وبعضهم يقولون: إن الصوفية -وهذا أيضاً من العجائب- أنهم يتلقون من الأنبياء الآخرين، فتجد بعض الصوفية يقول: أنا تلقيت هذه المعلومة من زكريا، وآخر يقول: أنا تلقيتها من يونس، وآخر يقول: أنا أخذتها من إبراهيم مشافهة، قال لي إبراهيم: كذا كذا كذا، وادعى أحمد بن إدريس من الصوفية تعجُّب الأنبياء من سماع بعض أوراده، يعني أنه اجتمع بإبراهيم الخليل وعرض عليه أشياء، فاندهش إبراهيم اندهش من الأذكار التي عند هذا الرجل، وقد يكون صحيحاً لو أنه فعلاً رآه لاندهش، يقول الغزالي، والغزالي القديم صاحب إحياء علوم الدين، إحياء علوم الدين كتاب فيه أشياء حق وفيه باطل كثير، فيقول الغزالي: ومن أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى أنه في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منها أصواتاً ويقتبسون منها فوائد، وقد يدعون رؤية الصحابة، كما زعم الدباغ واحد من الصوفية أنه اجتمع في الديوان بالخلفاء الأربعة الراشدين والحسن والحسين وفاطمة -رضي الله عنهم-، قال: اجتمعت بهم في مجلس كلهم جميعاً، وزعم الصيادي أنه رأى في المحضر النبوي أبا بكر فعلّمه دعاء الخاشعين، ورأى عمر فعلّمه صيغة أخرى، وأن علي بن أبي طالب لما التقى به طلب منه، انظر الآن؛ علي بن أبي طالب يطلب من الصيادي أن يسمعه حزب الوسيلة لأحمد الرفاعي؛ لأن علي يحب هذا الحزب، أين التقى به؟ الله أعلم.
ثم إن بعضهم يقول: فالتقيت بفلان عند جبل قاف، أين جبل قاف؟ ما تدري أين جبل قاف، وبعضهم قال لواحد صوفي: يقول الصوفي الفلاني: التقى عند جبل قاف، أنا التقيت عند جبل صاد ونون وكاف بناس آخرين من ال ... وهكذا ننهي حروف الهجاء، نسمي بأسماء الجبال في أماكن غير معروفة في الأرض، أين جبل قاف هذا ؟ وبعضهم يقول: أنه من طريق الرفاعية، فلو كان بينه وبين الرفاعي ألف سنة، يقول: التقيت بالرفاعي فعلّمني كذا وكذا، ويقول -وهذا له علاقة ببعض المخترعات الحديثة- يحصل العلم عندهم بأسباب مثل أن يلبس الشيخ لباساً ما، فلما سلك واحد في طريقة الجيلاني ألبسه شيخ الطريقة طاقية، قال: فلما لامست رأسه وجد بردها في دماغه، واتصل البرد بفؤاده حتى كُشف له عن الملكوت، وبدأت المعلومات تأتينا، فالآن لما ألبسه الشيخ الطاقية، هذه الطاقية توصل التيار، فبدأت المعلومات الآن تأتي!.
الكشف
وأما مسألة الكشف عند الصوفية، فيقولون: الكشف: الاطلاع على ما وراء الحجاب، الكشف هو الاطلاع على ما وراء الحجاب، فيرى في العالم العلوي في العالم السفلي، يرى عالم الملائكة، عالم الجن، يطلّع الشيخ على اللوح المحفوظ، ما هو الآن، انكشفت، فيرى اللوح المحفوظ، يرى العرش ماذا منقوش على قوائمه، مكتوب شيء، ما هو الآن حصل الكشف، فهذه من الطرق، المشكلة والآن نحن عندما نقول: بدأنا بقضية مصادر التلقي عند أهل السنة والجماعة في القرآن والسنة والإجماع والقياس الصحيح، لما تأتي هذه الأشياء تجد المغايرة تامة بين مصادر التلقي عند الصوفية ومصادر التلقي عند أهل السنة والجماعة، ولذلك في النهاية سيصبح هناك دينان مختلفان لا علاقة للأول بالثاني، لكم دينكم ولي دين؛ لأن مصادر ديننا تختلف تماماً عن مصادر دينهم، إذا كان عندهم كشف ووجد وذوق والولي والنبي والذي وراءه مباشرة فهذه كيف تتعامل أنت بها؟ وكيف تقبل بها؟ وكيف ترضى بها؟.
يقول الجنيد في مسألة المكاشفة: أحب للمريد المبتدئ ألا يشغل قلبه بثلاث: التكسُّب، يعني لا أحد يتكسب لا يتاجر ولا يشتغل بوظيفة، ولا شيء، يتفرغ، والتزوج، لا أحد يتزوج، وأحب للصوفي ألا يكتب ولا يقرأ ولا يطلب الحديث، لا يطلب الحديث، إذن، لا تكسب ولا زواج ولا طلب علم، هذا يقوله في البداية حتى تسلك في الطريقة وتصل مرتبة ولي وتصل مرتبة عظيمة في الدين، فامتنع عن هذه الثلاثة أشياء، لا تكسب ولا زواج ولا طلب علم، قال: فإن الرفق يؤنسه والعلم يوحشه، وإذا طلب الرجل الحديث أو تزوج أو سافر في طلب المعاش، فقد ركن إلى الدنيا، طبعاً الله يقول: وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص: 77]. كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 57] خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة: 29]. هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة: 29]. وهؤلاء يقولون: لا، لا تمشوا في مناكبها ولا تأكلوا من رزقه، الله يقول: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك: 15]. وهؤلاء يقولون: لا تمشوا ولا تأكلوا من رزقه.
وكذلك فإن مسألة منع المريدين عن طلب الحديث معناها أنه يكون في الضلال، يكون في الظلمة، ولذلك يسهل إغواءه، إما إذا بدأ المريدون يطلبون الحديث يطلبون السنة، معنى ذلك: أن إغواءهم سيكون صعباً؛ لأن الحديث الذي يطلبونه سيجعلهم يكتشفون كل هذه الضلالات، فلذلك يوصون أتباعهم بعدم طلب العلم، وبالذات الحديث، لا يطلبون الحديث، وكذلك فإن من هذه الكشوفات والمشاهدات والمخاطبات والرؤى ما تحدث إلا بأشياء منها الصفاء، فينبعث نشاط القلب وبعد ذلك تأتي، يعني أنه لا يأتي مباشرة، لا تأتي مباشرة الهواتف، ولا تأتي هذه المشاهدات إلا بحصول صفاء القلب، وصفاء القلب لا يحدث إلا بشروط، والكشوف عندهم أنواع: الكشف العقلي، والكشف السري، والكشف القلبي، والكشف الروحي، والكشف الصفي، وكل هذه ضلالات، ويكفينا سياق هذه الأشياء الباطلة للرد عليها، ما يحتاج حتى إلى أن تتعنى في مسألة الرد.
بدع الأذكار والأوراد عند الصوفية
ومن بدع الصوفية الأوراد والأدعية والأذكار التي لم ترد في الشريعة، ونظراً لأن هذا ضعف يسندونه يقولون: هذه أملاها علينا النبي ﷺ ، يقولون: أحمد بن إدريس تلقى تهليله المعروف: لا إله إلا الله محمد رسول الله في كل لحمة ونفس عدد ما وسعه علم الله تلقاه من النبي ﷺ مباشرة، هذا سنده فيه، وكذلك زعم محمد عثمان الميرغني أن من خصائص قراءة النظم المسمّى بـالبراق أنه ما قرئ في محل إلا ويشاهد فيه روحانية المصطفى ﷺ وروحانية النبيين، وأن من واظب على قراءته بين يديه في الجنة يعني يوم الآخرة.
بدع البيعة عند الصوفية
وأما مسألة مناقب ما يحدث من طرائق هؤلاء الشيوخ، وما يحدث من البيعة لهم فهو أمر عجيب، مثل ما قال بعضهم: بايعتُ فلاناً الفلاني، أو الولي الفلاني، والذي قال لي: من قبّل جبهتك فكأنما قبّل جبهتي، ومن قبّل جبهتي كانت الجنة مأواه، ومن رآني أو رأى من رآني إلى خمس لم تمسه النار، فلاحظ الآن كيف ستجعل العملية متسلسلة كل ما واحد أراد مجداً لنفسه يقول: رأيت الشعراني، رأيت الرفاعي، وقبّلت رأس الرفاعي، فقال لي الرفاعي: من قبّل رأسي دخل الجنة، ومن قبّل رأس الذي قبّل رأسي يدخل الجنة، فيقوم إليه الطلاب ويقبّلون رأس هذا الجديد؛ لأنه ينقل لهم معلومة جديدة، وهكذا، يقول: إلى خمس، ولك أن تتصور البدعة عندما تتسلسل؛ شخص يقبّل رأس الشيخ وآخر يقبّل رأس الذي قبّل الشيخ، وآخر يقبل رأس الذي قبّل الذي قبّل رأسه، وهكذا إلى خمس؛ لأنه جاء لهم بهذا الخبر.
ضلالات الصوفية في مجال التفسير
ماذا يوجد عند الصوفية في قضية التفسير؟
يوجد عند التفسير طامات، يقول بعضهم في قوله تعالى: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد: 39]. قال: أفسّر لكم بما سمعتُ من النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا يقوله الدباغ.
ويقول أحمد التيجاني: ما تقول فيما يعطي الزكاة للملوك؟
فقال: أنا أمرتهم بطاعتهم.
ثم قال: سألت سيدنا رسول الله هل أذكر الاسم الأعظم بالتيمم في المرض إذا أصابني؟
قال: لا، إلا أن تذكره بالقلب دون اللسان!.
فهذا يعطيك حكماً شرعياً أنه أخذه من النبي ﷺ وأنه ما يذكر اسم الله إلا بوضوء، إذا ما في وضوء التيمم ما يكفي إلا أن تذكره بقلبك وهكذا، فعندما نرى هذه الضلالات نعرف شدة انحراف هؤلاء القوم، وخصوصاً عندما يتكلمون في قضية: هل رؤية القطب الأعظم تعتبر صحبة أم لا؟ يعني يكون صحابياً له فضل صحابي.
هم يقولون: نحن شيخنا رأى النبي ﷺ ذهب إلى قبره فخرج له من القبر وسلم عليه، إذن شيخهم الآن الرفاعي أو التيجاني أو الشاذلي أو المريسي، يعتبر صحابي، انطبق عليه تعريف الصحابي، فله فضل صحابي، وإلى آخره، وكذلك في مسألة الخضر ومن رآه ومن قابله، ومن جلس معه، وماذا سمع منه إلى آخره، فنكتفي بهذا القدر -والكلام كثير في موضوع- ما وصل إليه حال هؤلاء، ونعرف الفرق بيننا وبينهم في مسألة مصادر التلقي، فمن أراد المزيد يمكن أن يرجع إلى المصادر العامة للتلقي عند الصوفية لصادق سليم، أو تقديس الأشخاص للفكر الصوفي لمحمد أحمد لوح، نشر دار الهجرة، مكتبة الرشد.
يقول السؤال: هل يمكن الاكتفاء بصحيح مسلم والبخاري في أمور العقيدة دون غيرهم من كتب الحديث؟
فيها أشياء كثيرة من علوم العقيدة، لكنها ليست هي فقط، فإن في الترمذي أشياء وفي مسند أحمد أشياء وغيرها.
فإذن، ما في البخاري ومسلم ما ألمّ بكل تفاصيل العقيدة وأحاديث العقيدة، هناك أحاديث عقيدة صحت في الكتب الأخرى، فينبغي تتبع الصحيح في أي مصدر والاعتقاد به.
ما الفرق بين صحيحي مسلم والبخاري والكتب الحديث الأخرى كسنن الترمذي وابن ماجه؟
الفرق الأساسي في درجة دقة وموثوقية رجال السند، فمثلاً: الشيخ له طلاب، الطلاب درجات، فمثلاً الزهري -رحمه الله- طلابه على ست طبقات، الطبقة الأولى: من لزمه حضراً وسفراً ومرضاً وفي صحة وفي مجالسه، دائماً عنده، يكتب حديثه، الطبقة الأخيرة: من لم يجتمع به إلا مرة في حج مثلاً وسمع منه حديثاً أو حديثين، وبينهما طبقات، بينهما طبقات، البخاري -رحمه الله- التزم في إخراج الأحاديث عن أصحاب الطبقة الأولى ربما ينزل إلى الثانية أحياناً عن كل شيخ، وهذا ما جعله أدقّ كتاب بعد كتاب الله تعالى، بينما تجد في مسلم يخرج كثيراً من الطبقة الثانية وينزل إلى الثالثة، وفي بقية الكتب ينزلون إلى ما هو أدنى من ذلك، ثم البخاري -رحمه الله- لا يحدّث إلا عن شيخ ثبت لديه سماعه من شيخه والتقاؤه به ولو مرة، مسلم -رحمه الله- يروي حديث الشخص عن شيخه إذا كانا متعاصرين ولم ينتف إمكان اللقيا، وتنتفي إمكان اللقيا بأن يكون واحد في البصرة وآخر في المدينة ، لا الذي في البصرة خرج من البصرة ولا الذي في المدينة خرج من المدينة، هذا الشيخ المحدّث عاش في البصرة ومات في البصرة وما خرج من البصرة، وهذا عاش في المدينة ومات في المدينة وما خرج من المدينة، نعم وجدوا في عصر واحد، لكن اللقيا ممكنة، الصوفية وأصحاب الخضر يقولون: فذهبت إلى الشيخ في ليلة ذهبت وحدّثني ورجعت، فالآن مسلم رحمه الله يكتفي برواية حديث الشخص عن الشيخ إذا تعاصرا في وقت واحد وأمكن اللقاء، يقول: يقبل عندي، البخاري يقول: لا بد يكون ثبت عندي أنه اجتمع به حتى لو وجدا في عصر واحد وحتى لو أمكن اللقاء فلا بد زيادة عندي أنني أشترط فيمن أروي حديثه من كل واحد من شيخه أن يكون قد ثبت لديّ أنه اجتمع به ولو مرة، كأن يقول: سمعتُ، حدّثني، إذا قال الراوي الثقة: سمعتُ فلاناً، حدّثني فلان، يعني التقى به، لكن إذا قال عن فلان، ليس صريحاً أنه التقى به، فمسلم -رحمه الله- يكتفي بعن إذا كان كلاهما ثقة ولا يوجد تدليس.
البخاري يقول: لا بد أن يكون في مرة على الأقل ثبت أنهما التقيا بقول: سمعتُ وحدّثني أو من كلام العلماء أن فلاناً التقى بفلان.
فإذن، هي مسائل فنيٍّة وجوانب دقة ميّزت صحيح البخاري عن غيره وجعلته أرفع مستوى، ثم مسلم، ثم بقية أصحاب السنن على تفاوت بينهم، فمثلاً الترمذي وأبو داود أتقن من ابن ماجه، النسائي -رحمه الله- سننه الصغرى التي هي: "المجتبى" ربما تباري وتقارع الصحيحين في الصحّة، أما السنن الكبرى ففيها أحاديث أقل من ذلك فيها الضعيف وغيره.
هل صيغة الصلاة النارية: اللهم صل صلاة كاملة وسلاماً تاماً على سيدنا محمد الذي تنحلّ به العقد وتنفرج به الكرب ويُستسقى الغمام بوجهه الكريم وعلى آله وصحبه، كل نفس وعدد معلوم لك يا الله يا حي يا قيوم من السنة أم غير ذلك؟
لا، من غير ذلك، ليست من السنة، من غير ذلك، هذه الصلاة النارية من التأليفات التي ألفها الصوفية، قضية الصلاة النارية هذه، ثم رائحة الشرك تفوح من هذا الدعاء بشكل واضح، اللهم صل على سيدنا محمد الذي تنحل به العقد وتنفرج به الكرب، من الذي تنفرج به الكرب؟ الله عز وجل مفرج الكروب والذي يحل العقد، أما النبي ﷺ فقد مات، فكيف تريد أن تقول أنه يفرج لك كربة وقد مات ﷺ؟