الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
فقد تقدم في الدرس الماضي ذكر بدعة من البدع المخالفة لمنهج السلف الصالح رحمهم الله.
وكنا قد تكلمنا عن: معنى السلف الصالح، ولماذا يجب اتباع منهج السلف الصالح؟ وما هي أهم معالم منهج السلف الصالح؟ وما هي الآثار التي تكون عندما يتبع منهج السلف الصالح؟
ثم بدأنا في البدع التي حصلت مخالفة لمنهج السلف الصالح، ومن ذلك بدعة الغلو، وبدعة الخوارج في تكفيرهم للمسلمين واستباحة دمائهم.
ثم قلنا إن هناك بدعة مقابلة لهذه البدعة وهي بدعة الإرجاء.
وفي موضوع بدعة الإرجاء، تحدثنا عن مجال البدعة هذه وأنها موضوع الإيمان.
وقلنا أن موضوع الإيمان انحرف فيه: الخوارج، والمعتزلة، والمرجئة. كلهم كانت بدعهم في موضوع الإيمان.
فأما الخوارج فقد اشتطوا من هذه الجهة، وكفروا مرتكب الكبيرة، وكذلك قالوا مثل المرجئة إن الإيمان كلٌ لا يتجزأ ولا يتبعض، وليس درجات، فإما أن يحصل كله أو يذهب كله، وبالتالي عند الخوارج العاصي حيث أنه قد ذهب من إيمانه ما ذهب بالمعصية، وبما أن الإيمان كل لا يتجزأ فيعتبر بعصيانه ذاهب الإيمان، ثم حلال الدم والمال، ثم طبعاً جواز قتله وإلى آخره.
المرجئة قالوا: الإيمان كلٌ لا يتجزأ، ولذلك المعصية ما تأثر علينا، فالإيمان باقٍ كله عند العاصي.
أهل السنة والجماعة الذين قالوا إن الإيمان يزيد وينقص، كما دلت على ذلك الأدلة: أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً [التوبة: 124]، وأن الإيمان مراتب وشعب، وأن الناس يتفاوتون في الإيمان، ولكن هناك حد أدنى من الإيمان لو الواحد ما وجد عنده يخرج من الملة يكفر، وهذا واضح.
قلنا: إن الإرجاء هو التأخير، وذلك لأنهم أخروا العمل عن الإيمان، وأن المرجئة مراتب: بعضهم إرجاؤه بالنسبة للغلاة أخف، وهناك غلاة من المرجئة.
المراحل التي مر بها الإرجاء
والحقيقة أن الإرجاء مر بمراتب، مر بمراحل، يعني هناك تطورات حدثت على مذهب المرجئة، هناك تطورات حدثت على مذهب المرجئة.
فأول أمر حدث في المرجئة فيما يتعلق في قضية الإرجاء على ما قال بعض العلماء هي الفتنة التي أحدثها عبد الله بن سبأ وغيره، في التعاون مع المجوس الذين ذهبت دولتهم وملكهم، فقتلوا أمير المؤمنين عمر، ثم شرعوا بالفتن بين المسلمين في عهد عثمان، إلى أن وصلت إلى حالة اقتتال بين المسلمين في عهد علي .
وراء هذه القضية كلها طبعاً مؤامرات ضخمة حاكها اليهود مع المجوس تحديداً، وهؤلاء يعني المرجئة الذين تأثروا بقضية قتل عثمان، وما حدث بعد ذلك من الفتنة بين المسلمين في عهد علي .
أول ما خرجت في مسألة إرجاء أمر عثمان وعلي إلى الله، وعدم موالاتهما، وعدم معاداتهما، خرجوا ببدعة جديدة، فأول يعني إرجاء حصل في الأمة، أول بدعة إرجائية هي من المرجئة إرجاء أمر عثمان وعلي إلى الله، خلاص.
مع أن هذا في فضله وهذا في فضله، كيف عدم موالاتهما، كيف عدم موالاتهما؟ لكن هذا ما حصل من هؤلاء، هذا ما حصل من هؤلاء.
طبعاً لما يقول بعض العلماء في بحث المرجئة: إرجاء الفقهاء والعباد، ثم إرجاء المتكلمين، وبعد ذلك إرجاء غلاة المرجئة، فيقصدون بالقضية إرجاء العمل عن الإيمان.
وكان لثورة ابن الأشعث وظهور الحجاج، وملاحقة العلماء والبطش بهم، أسوأ الأثر في بروز قرن الإرجاء هذا، بين صفوف ناس من البائسين المستسلمين للواقع.
وقام أهل السنة بجهد مشكور في مقاومة فكرة هذا الإرجاء، ولاحظ أهل العلم كالأوزاعي، وإبراهيم النخعي، وغيرهم، لاحظوا أنه يعني هناك نابتة جديدة، تقول: إن الأعمال غير الإيمان، فكأن هؤلاء عندهم اضطرار لقضية فصل العمل عن الإيمان، ويقولون يعني في أعمال شنيعة، لكن أصحابها مسلمون، إذن أحسن شيء نفصل الإيمان عن العمل.
فانتبه العلماء لهؤلاء، وقال الأوزاعي رحمه الله: "كان يحيى بن أبي كثير وقتادة: ليس من أهل الأهواء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء" [السنة لعبد الله بن أحمد: 641].
إبراهيم النخعي الذي عاصر طبعاً فتنة الحجاج، قال: "الإرجاء بدعة إياكم وهذا الرأي المحدث". [الطبقات الكبرى لابن سعد: 6/273].
إبراهيم النخعي يقول عن المرجئة: "تركوا هذا الدين أرق من الثوب السابري". [السنة لعبد الله بن أحمد: 618]، يعني: أنه صار الدين أمره رقيق يعني، أرق من الثوب الساذري في غاية الرقة، فالدين متين، والدين عظيم، لكن المرجئة هؤلاء جعلوا الدين مثل الثوب الرقيق.
ورغم أن بعض الذين بدأوا يعني بالإرجاء كان عندهم شيء من الزهد والعبادة، لكن طبعاً لم يكن عندهم علم راسخ.
تصدى لبدعة الإرجاء أول ما خرجت: الإمام وكيع، وابن المبارك، وابن معين، والإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، لأن غلاة المرجئة بدأوا يظهروا في عهدهم، وهذا ما كان يعني يسمى بإرجاء الفقهاء، الذي فيه تأخير العمل عن الإيمان، وإخراج العمل من مسمى الإيمان، وهذه الشبهة أنه قضية أن الإيمان لا يتبعض ولا يتجزأ وليس مراتب.. إلى آخره، أوقعتهم في هذا الانحراف، فإذن أساس الشبهة: هي ضلالهم في فهم الإيمان.
حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة
وكما قلنا الإيمان عند أهل السنة والجماعة: حقيقة مركبة من التصديق بالقلب، وعمل القلب من الخوف والمحبة والرجاء والحياء والتوكل، والإخلاص طبعاً على رأسها، وهكذا.. وعمل اللسان قول اللسان، وهي الشهادتين، وعمل اللسان والجوارح اللي هي العبادات البدنية والعملية.
وهؤلاء يعني المرجئة فساد أمرهم بين لمن تأمل عقيدة الصحابة كما قلنا، والتابعين، وسلف الأمة، وأن الإيمان يزيد وينقص، ويجتمع في الإنسان الواحد إيمان وكفر أصغر، وإيمان ونفاق أصغر، بس ما يمكن يجتمع عند أهل السنة إيمان وكفر أكبر، ولا إيمان ونفاق أكبر، لكن يمكن يجتمع طاعة ومعصية، وممكن يجتمع إيمان ونفاق أصغر، وكفر أصغر، وفي قلب واحد.
وأنا نحن نوالي الشخص بحسب الإيمان الذي عنده، والطاعة والدين، ونتبرأ ونعادي بحسب ما عنده من المعصية، من الفسوق والعصيان.
وأن المؤمنين يتفاضلون في الأعمال، ولذلك الجنة مراتب ودرجات، وأن التفاوت في الإيمان يدخل فيه التفاوت في أعمال القلوب، فهذا يحب الله أكثر من هذا، هذا يتوكل على الله أكثر من هذا، هذا عنده حياء من الله أكثر من هذا، وهذا يرجو الله أكثر من هذا، ونحو ذلك، وعند هذا عنده خشوع أكثر من هذا، هذا عنده يقين أكثر من هذا، هذا.
وكذلك فإنهم يتفاوتون في أعمال الجوارح، فهذا صلاته أكثر من هذا، هذا صيامه أكثر من هذا، هذا تلاوته للقرآن أكثر من هذا، هذا أذكاره أكثر من هذا.
غلاة المرجئة ماذا قالوا؟
المرة الماضية، ذكرنا غلاة المرجئة ماذا قالوا؟ وصل بهم الأمر إلى درجة أنهم قالوا: الإيمان المعرفة فقط، إذا تعرف الله أنت مؤمن، لو ما نطقت بالشهادتين، ولو ما صليت، ولو ما زكيت، ولو ما صمت، وما حجيت، ولا سويت، ولا ما سويت ولا شيء يعني أعمال العبادات من العبادات خلاص أنت مؤمن، وبالتالي يعني لما قال الله عن فرعون: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل: 14].
معناه فرعون كان يعرف، كان يعرف الله، فلما تمشي مع المرجئة كما قلنا، يطلع عندهم فرعون مؤمن، ويطلع عندهم الشيطان مؤمن، ويطلع عندهم أبو جهل مؤمن: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان: 25]، كل كفار قريش مؤمنين.
هذا الخط الأسوأ من المرجئة، كما قلنا المذهب تطور، وأصبحت الظاهرة العامة للإرجاء في طورها النهائي يعني مكونة يعني من قضية أن الإيمان هو المعرفة فقط، طبعاً بعضهم قالوا: الإيمان هو التصديق يعني، لكن بعضهم الغلاة الغلاة قالوا: المعرفة فقط.
وترى هذا ما هو موجود، تجده أحياناً في كتب الأشاعرة والماتريدية في تعريف الإيمان هذا، هذه المشكلة يعني، أنه ناس تقول الإيمان هو المعرفة فقط.
البدع نشأت من عناصر أجنبية
وبالمناسبة كثير من البدع نشأت من عناصر أجنبية عن الإسلام، يعني الذين اخترعوا المعتزلة، واللي اخترعوا الرافضة، والذين اخترعوا المرجئة، والذين اخترعوا البدع كثير منهم.
إبراهيم النظام المعتزلي هذا برهمي، كان يتخفى بالاعتزال فكرة الاعتزال. عبدك فيو صوفي، وبعضهم كان من المجوس، في واحد دخل في موضوع العقائد في المسلمين اسمه مسوسن كان نصرانياً، ولبيد بن الأعصم من قدامى هؤلاء كان يهودياً، أصحاب عقائد دخلوا في الإسلام لإفساده، وهم الذين أنبتوا هذه الفرق، اللي اثنين وسبعين فرقة، مؤسسو الفرق، أو الذين ابتدأوها وأدخلوا الأفكار من هؤلاء.
وبعضهم حاولوا الجمع بين الوحي والفلسفة، فانحرفوا وضلوا، وخرجت فرق بسبب هذا الخلط، محاولة الخلط بين الوحي والفلسفة، بين الوحي ومنهج اليونان.
وكذلك فإن الإرجاء هذا لما وصل إلى المعاصرين كما قلنا، يعني جاءت الطامات، طوام في كتبهم ومقولاتهم المرجئة المعاصرين.
فيقول أحدهم مثلاً: "من لم ينطق بالشهادتين بغير سبب من الأسباب، ولكن مصدق بقلبه، فالقول الراجح أنه ناج عند الله، ومعروف أن الشهادتين هي مفتاح الإسلام، الذي ينطق بالشهادتين دخل في الدين، وإذا واحد ما نطق بالشهادتين ما يدخل في الدين.
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: "من هنا يظهر خطأ قول جهم بن صفوان ومن اتبعه، حيث ظنوا أن الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه، ولم يجعلوا أعمال القلب -يعني عمل القلب وعمل الجوارح- لم يجعلوها من الإيمان، وظنوا أنه قد يكون الإنسان مؤمناً كامل الإيمان بقلبه، وهو يسب الله ورسوله، ويعادي أولياءه، ويوالي أعداءه، ويقتل الأنبياء، ويهدم المساجد، ويهين المصاحف، ويكرم الكفار غاية الإكرام، ويهين المؤمنين غاية الإهانة، قالوا: هذه كلها معاصي لا تنافي الإيمان الذي في قلبه". [الإيمان الكبير لابن تيمية: 1/108]، فوصل الأمر بهم يعني إلى هذه الدرجة.
حكم العلماء في غلاة المرجئة
ولذلك حكم بعض العلماء الكبار على هؤلاء غلاة المرجئة بالكفر، قالوا: هؤلاء ما هم.. يعني المرجئة الأوائل، المرجئة الأوائل لم يخرجوا من الملة، أتوا ببدعة غير مخرجة، لكن غلاة المرجئة أتوا ببدعة مخرجة.
ولذلك وقع في كلام وكيع بن الجراح، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد تكفير المرجئة، ومقصود المرجئة هؤلاء الذين هم غلاة المرجئة أنهم خارجون عن الملة، وطبعاً عند أهل السنة والجماعة الإيمان الذي في القلب يستلزم الظاهر، يستلزم العمل لا محالة، ولا يمكن أن يوجد إيمان صحيح بدون عمل، لو في حقيقة شيء داخل ظهرت آثاره، فإذا ما ظهرت آثار معانته ما في شيء في الداخل ادعاء ادعاء.
وبعض المرجئة تجد في كلامهم يعني تناقض وأشياء غريبة يعني كيف تقع، حتى أنك تقول كيف تقع؟
فيفترضون مثلاً في كتبهم: رجل في قلبه من الإيمان مثل ما في قلب أبي بكر وعمر وهو لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم رمضان، ويزني بأمه وأخته، ويشرب الخمر في نهار رمضان، ويقولون عنه أن هذا إيمانه كامل.
بما أنه عندهم الإيمان لا يتجزأ، فالإيمان الذي عند أبي بكر وعمر هو الإيمان اللي عند هذا، فهذا كلام أول ما يسمعه المؤمن العادي حتى ما هو طالب علم يستوحش منه وينفر ويقول: ما هذا الهراء؟ ما هذا الجنون؟
لكن هذا الفكر الإرجائي الذي أفرزته هذه الفرق المنحرفة والمتكلمون أهل علم الكلام يعني.
فأما أهل السنة والجماعة فإنهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية مركب من الحقائق الأربعة: قول القلب وعمل القلب، قول اللسان وعمل اللسان والجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذه حقيقة الإيمان عند النبي ﷺ وأصحابه، وأن يعني العبارات التي جاءت عن السلف في هذا واضحة جداً، ودائماً في عقائدهم تتكرر: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
وذكرنا أعداد العلماء الذين كانوا يقولون بهذا من السلف، وأن الأدلة على أن الإيمان قول وعمل ذكرناه في الدرس الماضي أنه يزيد وينقص، ذكرناه في الدرس الماضي اقتران العمل بالإيمان: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]، وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ[طه: 75]، حديث جبريل، حديث شعب الإيمان: الإيمان بضع وسبعون شعبة [رواه مسلم: 35].
حديث وفد عبد القيس أمرهم بالإيمان قال: هل تدرون ما الإيمان؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وان محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وتعطوا الخمس من المغنم [رواه البخاري: 87].
هذه طبعاً أشياء أمرهم بها، وفي أشياء نهاهم عنها: تعطوا الخمس من المغنم أمرهم بها، ونهاهم عن الدباء والحنتم، وأشياء كان إذا وضعت فيها الأشربة تتخمر.
ولا إيمان لمن لا عمل له، هذه من القواعد، لا إيمان لمن لا عمل له.
وأن الارتباط بين الإيمان والأعمال مثل ارتباط الروح بالجسد، وأن الأعمال تسمى إيماناً، الأعمال تسمى إيماناً: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: 143].
وأن هناك ارتباط أساسي بين قول اللسان، وقول القلب وعمل القلب، وعمل الجوارح.
وإذا قال قائل: طيب شهادة أن لا إله إلا الله كيف نفهم موضوع من قال لا إله إلا الله دخل الجنة؟
لا إله إلا الله معناها لا معبود بحق إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله: أقر وأعترف وأذعن. وكلمة أشهد فيها إعلان، كلمة أشهد فيها إقرار، كلمة أشهد: وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا [يوسف: 81] فيها علم، وفيها إذعان، فإذا قال واحد قال: لا إله إلا الله بلسانه وعمله يناقض لا إله إلا الله، قال لا إله إلا الله بلسانه ومتمرد على لا إله إلا الله، هذا لا يمكن أن تكون شهادته صحيحة.
وبعض الناس إذا جادلته في شأن كافر ولكن يقول لا إله إلا الله، مثل الفرق هذه الباطنية.
الآن تجد مثلاً: الرافضي والنصيري والدرزي، يقولون لا إله إلا الله، لكن ما قيمتها؟
بعض الناس عندهم قصور في فهم الأمر، فإذا ناقشته في القضية لتقول له: ترى هؤلاء ناقضوها.
يقول لك: طيب: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة [رواه مسلم: 385] ، لا يدخل النار من قال لا إله إلا الله [رواه البخاري: 415]، الآن المنافقون يقولون: لا إله إلا الله، عبد الله بن أبي يقول: لا إله إلا الله، طيب ماذا تقولون؟ هذا نفاق نفاق أكبر، وطعن في الدين، وشكك في الإسلام، وأثار الشبهات، وآذى النبي ﷺ، وفي عرضه، وفي دينه، وفي أصحابه، إيش تقولون؟ يقول عبد الله، تقدر تنكر أن عبد الله بن أبي يقول: لا إله إلا الله؟ يقول: لا إله إلا الله.
هل تطبق عليه حديث: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، هل تطبق عليه حديث: من قال لا إله إلا الله حرمه الله على النار، لا يدخل النار من قال لا إله إلا الله؟
الجواب: ما هي هذه كلها النصوص، في نصوص أخرى، وإذا ما جمعناها معاً لن نخرج بنتيجة صحيحة، لن نخرج بنتيجة صحيحة.
فمثلاً لما قال: التقوى هاهنا [رواه مسلم: 2564] أشار إلى عمل القلب، ولما قال: إلا بحقها وحسابهم على الله [رواه البخاري: 392، ومسلم: 21]، ولما أخبر أن عصمة الدم لا تكون إلا لمن أدى حقوق لا إله إلا الله، فإذا ما أدى الحقوق فإن لا إله إلا الله هذه كلمة لسانية لا تعصم دمه.
ولاحظ الآيات: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: 2].
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الحج: 54].
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء: 65].
فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46].
فإذن جعل النجاة من النار ودخول الجنة على مجرد التلفظ قصور عظيم، فإن من تلفظ وناقض كأنه لم يتلفظ، من تلفظ وناقض كأنه لم يتلفظ.
لو راجعنا كلام العلماء في قضية شروط لا إله إلا الله سنجد: العلم، اليقين، القبول، الانقياد، الصدق، الإخلاص، المحبة، هذه شروط، وهذه شروط مستندة إلى أدلة، يعني.
يعني مثلاً الرضا: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء: 65].
فنجد أن التسليم والتحكيم، يعني تحكيم الله ورسوله، وتحكيم الشرع، والتسليم، هذا أساسي في الإيمان، فاللي ما عنده تحكيم وتسليم، أو يرفض التحكيم والتسليم ما هو مؤمن، وبالتالي تكون شهادة أن لا إله إلا الله ما لها قيمة، لأنها مجرد لفظة.
لو جبت واحد أعجمي، وقلت له: قل: لا إله إلا الله، فقال وراك: لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، لا يعرف معناها، ولا يعرف، كأنه يعني قال: أبجد هوز سعفص قرشت..
طيب هي لما نقول أشهد، يعني أنا أعلم وأقر وأذعن، هذا يعني أشهد أن لا إله إلا الله، فإذا واحد ما يعرف إيش يعني.
الهذيان وهذي يعني كلام هو كلام بس هو لا يفقهه، ولا يسلم بمعناه، لا يشهد به، لا يسلم بمعناه.
ولذلك لو واحد قال: أشهد أن لا إله إلا الله سنحكم له بالإسلام، لكن إذا ناقضها خلاص.
فالآن لما أسامة قتل الرجل، النبي عليه الصلاة والسلام أنكر عليه أنه قتله، قال: إنما قالها اتقاء السيف. قال: شققت عن قلبه [رواه مسلم: 96].
يعني لو واحد فعلاً قالها اتقاء السيف، لو فعلاً قالها اتقاء السيف هل هو مؤمن؟ لا لا.
لكن من قواعد أهل السنة، أنه نحن لما الواحد يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، نحن نحكم له بالدخول في الإسلام، ثم تصرفاته كيف ماشية؟
إذا سب الله ورسوله، أو استهزأ بالدين، دعس على المصحف، ألقاه في القاذورات، رفض تحكيم الشريعة، إلى آخره هذا نسفها نسفاً.
ولذلك الشهادة أيضاً مرتبطة بقضية الاستمرار عليها، يعني لو واحد أتى بها وناقضها خلاص ألغيت ما عاد لها قيمة ألغيت.
ولذلك المرجئة المعاصرون سبب في بلاء الأمة؛ لأنهم يقولون إنه لابد أن تحكموا بالإسلام للذي يقول: لا إله إلا الله مهما فعل: رفض تحكيم الشرع، طعن في الدين، سب الله ورسوله، استهزأ بالأحكام الشرعية، خلاص..
ولذلك يعني في أحاديث: لا يؤمن من فعل كذا، والله لا يؤمن [رواه البخاري: 6016]، طيب هذه قد تحمل على الإيمان كمال الإيمان، لكن ممكن تكون في أشياء أصل الإيمان، كيف نعرف؟
مثل آية: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ [النساء: 65]. هذه على أصل الإيمان ولا على كمال الإيمان؟ على أصل الإيمان، على أصل الإيمان، ولا يمكن اعتبار الكاره لحكم شرعي أنه مؤمن، أو أنه يحب الله ورسوله.
وكذلك اللي عنده شك، اللي عنده شك في الدين، طبعاً ما يجي واحد يقول: من وين تجيبوا؟ نجيب من القرآن: كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ[محمد: 9]، يعني لو قال لك واحد: إيش الدليل يعني أنتو على كيفكم اللي تبغو في الإسلام، واطلعوا اللي ما تبغو على كيفكم؟
نقول: لا، احنا لما نقول: إذا واحد قال: لا إله إلا الله، وهو كاره ما أنزل الله، ما لها قيمة الشهادة تبعه، إنما نقول بأدلة: كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 9].
ولابد من معرفة أثر الإيمان على الأعمال، وأن يعني الواحد لو عصى سيجد في قلبه الأثر، مثل لو آمن سيجد في قلبه الأثر.
فلما العلماء يقولون مثلاً: أنه المعاصي فيها وحشة بين العبد وربه، وظلمة يجدها العاصي في قلبه، ويجد وهناً فيه، وأن المعصية لها ذل في النفس، وأنه في ران يرين على قلبه، وفي درجة يصل للطبع، وإذا انطبع خلاص تغلف، ما يدخل إليه نور الإيمان والدين والطاعة، وأن الحياء يذهب، وأن للقلب قلقاً، ونكداً، وضيقاً، ومعيشة ضنكا: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا [طه: 124] ، كما أن الطاعات لها آثار.
أثار الفكر الإرجائي المعاصر
طيب، الآن لما نجي على قضية الإرجاء المعاصر هذا الآن في واقعنا إيش سوى؟ ماذا فعل من المصائب؟
هؤلاء الذين يؤمنون بفكرة الإرجاء، ويبنون مواقفهم على الإرجاء، وينشرون فكر الإرجاء في الكتب والمواقع الشبكات، إلى آخره، إنهم يضللون ويلبسون كثيرا، إنهم يقفون حجر عثرة أمام الناس والتوبة، ما في أصلاً، لأن نشر فكرة الإرجاء هي عبارة عن تثبيط لمن أراد، نزع تأنيب الضمير، خلاص لأنه أنت تقول للعاصي ترى أنت إيمانك كامل، يعني: لماذا تتوب؟
وكذلك يعني عندما ينشرون فكر الإرجاء، معناها أنت الآن يعني أنهم يقولون للناس أنه قضية الإذعان والاستسلام ما هو شرط، فأدى الفكر الإرجائي إلى إحداث التمرد على شرع الله عند المراهقين والمراهقات، والشباب والفتيات، لأن هو المرجئ يقول للفتيات والشباب والمراهقين والمراهقات: ترى أنتم مؤمنون كمل، لأنه الإيمان ما يتجزأ ولا يتبعض، أنت تقول: لا إله إلا الله خلاص أنت مؤمن، إيمانك إيمان كامل، فذاك الشاب والفتاة إيش، خلاص بعد هذا، إيش ما هي، ما هو المانع في قضية الانزلاق عنده في أوحال المعاصي والشبهات والشهوات؟
بل لما يقول المرجئة العمل ما له علاقة بالإيمان، الإيمان في القلب والعمل ما له علاقة بالإيمان، أي حافز سيدفع الشباب والفتيات الكبار والصغار إلى العمل يعني العمل الصالح؟ إذا ما له علاقة بالإيمان.
لأنه راح يقول: أنا أبغا الإيمان اللي ينجيني من النار، سيقول له: مادام عندك إيمان، مادام عندك معرفة بالله، مادام عندك تصديق قلبي، مادام عندك الإيمان القلبي خلاص يكفي، سيقول طبعاً: العمل شرط، يعني الطاعات لها علاقة بالإيمان، سيقول له: لا. رح يقول: طب أنا إذا ارتكبت معاصي راح يزول الإيمان من عندي؟ سيقول له: لا. سيقول له: يعني أنا إيماني كامل مثل إيمان أبو بكر وعمر؟ رح يقول له: نعم.
المرجئ هذا المرجئ، إيش أثر هذه على عامة الناس؟ لما تنشر أفكار مثل هذه، ما هي أثرها على عامة الناس؟
ولما تقول لواحد أنه جنس العمل ما هو لازم في الإيمان، كله.. يعني لو واحد ما عمل أبداً ولا عمل من أعمال الإسلام، بس خلاص يقول له الشهادتين، وهو أصلاً، بل حتى بعضهم ما يشترط الشهادتين من المرجئة، يقول خلاص ويكفي الإيمان القلبي.
هذا المبدأ نشره سيعمل على إيجاد مسلمين بلا هوية كذا يعني، على إيجاد مسلمين بالاسم.
ولذلك لو واحد فكر وقال يا جماعة أنا فكرت في وضعنا ومشاكلنا، وجدت أن وضعنا ومشاكلنا أنه في كثير من الناس ينتسبون للإسلام بس ما عندهم من الإسلام إلا الاسم. من وأين أتت هذه الفكرة، من الذي يعني نشر من اللي ابتكرها اخترعها، كيف وصلت؟
نقول: هذا هو الإرجاء، هذه عقيدة قديمة ماشية، يعني في ناس تشتغل في الأمة من زمان على الخط هذا، وعمل الجوارح ما هو شرط في الإيمان، ولا ركن لصحة الإيمان. طيب وماذا؟
يقول سفيان بن عيينة عن الإرجاء لما سئل: قال: "يقولون المرجئة: الإيمان قول. ونحن نقول: الإيمان قول وعمل. والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله، مصراً بقلبه على ترك الفرائض، وسموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم، وليسوا بسواء، لأن ركوب المحارم من غير استحلال المعصية، وترك الفرائض -يقول سفيان ابن عيينة من السلف الصالح-: وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر كفر". [السنة لعبد الله بن أحمد: 745].
هذا كلام مهم جداً، يعني عند أهل السنة في فرق بين فعل الواجب وترك المحرم، في فرق بين الواجب والحرام، لو سويت الواجبات وارتكبت محرمات أنت مؤمن ناقص الإيمان، لكن لو ما سويت واجبات أصلاً لا تكون مؤمناً أصلاً، ولو تركت كل المحرمات.
يعني لو واحد قال: أنا ما أصلي ولا أزكي ولا أصوم ولا أحج، ولا أصل رحم، ولا آمر بالمعروف ولا أنهى عن المنكر، ولا أتعلم دين الله ولا أعلمه، ولا أعمل به، ولا..، بس ترى أنا ما أزني ولا أشرب الخمر، ولا أكذب، ولا أرشو، ولا أسرق، ولا... نقول: لست مؤمناً، لست مؤمناً.
كلام سفيان بن عيينة مرة أخرى مهم جداً، يقول: "والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله، مصراً بقلبه على ترك الفرائض. –قال:- وسموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم، وليسوا بسواء، لأن ركوب المحارم من غير استحلال المعصية، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر".
قال إسحاق بن راهويه رحمه الله: غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوماً يقولون: من ترك المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود بها إنا لا نكفره. قال: فهؤلاء المرجئة الذين لاشك في كفرهم. [فتح الباري لابن رجب: 1/21].
طبعاً: من العبارات التي وردت عنهم أنهم قالوا: المرجئة أمرهم إلى الله، وهذا من أسباب تسميتهم المرجئة، لكن ما حكموا عليهم بالكفر.
وأهل السنة يحكمون على تارك العمل بالكلية يحكمون عليه بالكفر، وتركه للعمل بالكلية دليل على أنه كذاب في قوله لا إله إلا الله، لو كان صادقاً لظهر آثارها، ما يركع لله ركعة، ما يسجد لله سجدة، ما يصوم لله يوماً، ما يؤدي ريـال زكاة أبداً.
في فتوى للجنة الدائمة: "هذه المقالة المذكورة مقالة المرجئة الذين يخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان، ويقولون الإيمان هو التصديق بالقلب، أو التصديق بالقلب والنطق باللسان فقط، وأما الأعمال فإنها عندهم شرط كمال.
ما الفرق بين شرط الصحة وشرط الكمال؟
شرط الصحة أنه إذا فقد انتفى كله خلاص، لما يقول هذا شرط صحة الإيمان، هذا في صحة الإيمان، معناه إذا انتفى انتفى الإيمان، لكن لو قلت هذا كمال، هذا من كمال الإيمان، لو انتفى ما انتفى أصل الإيمان لكن نقص الإيمان نقص لكن ما انتفى. شرط الصحة وشرط الكمال.
أهل السنة يقولون عن الأعمال عن جنس الأعمال، ليس عن عمل معين، عن كل الأعمال، يقولون أنها شرط صحة ولا شرط كمال؟ شرط صحة.
المرجئة يقولون عن الأعمال أنها شرط إيش؟ كمال، هذا يعني عند بعضهم، ولا بعضهم يقول: أبد ما هي ما لها علاقة أصلاً بالإيمان.
قال في فتوى اللجنة: "فمن صدق بقلبه ونطق بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان عندهم، ولو فعل ما فعل من ترك الواجبات وفعل المحرمات، ويستحق دخول الجنة ولو لم يعمل خيراً قط".
وهذه مصيبة، هذه مصيبة على سلوك الأفراد، هذا المذهب لو نشر أنه أنت تستحق الجنة لو ما عملت خيراً قط، لو ما عملت شيء من الدين، بس أنك مصدق بوجود الله بس، معترف أنه في الله خلاص أنت في الجنة.
لماذا تقوم الناس لصلاة الفجر من النوم ؟ لماذا يقاومون أنفسهم ويخرجون زكاة ؟ لماذا يجوعون في نهار رمضان؟
لماذا يقاوم شهوته في الزنى وفي الخمر ليه؟ خلاص.
ما الذي أحسن من كذا يعني بالنسبة للذي يريد يتبع هواه، ما في أحسن له من دين المرجئة، اتخيل لما ينتشر هذا في الأمة.
طيب الكفر عندكم يا أيها المرجئة إيش هو؟ يقولون: الكفر: التكذيب، والاستحلال القلبي. بس.
يعني لو واحد تارك كل الأعمال، بس يقول أنا ترى مقر يا جماعة، أنا مقر، أنا أقر بها، أنا ما أجحد. فيقول له المرجئ: أنت مؤمن.
فنقول له: متى يكفر؟ ما عندكم شيء اسمه كفر أبداً يعني؟
يقولون: لا في عندنا، اللي يستحل الحرام، ويعني يجحد الواجبات، هذا هو الكافر بس.
قالت اللجنة في جوابها: "ولاشك أن هذا قول باطل، وضلال مبين، مخالف للكتاب والسنة، وما عليه أهل السنة والجماعة سلفاً وخلفاً، وأن هذا يفتح باباً لأهل الشر والفساد والانحلال من الدين، وعدم التقيد بالأوامر والنواهي، وعدم الخوف من خشية الله، وعدم الخوف من الله والخشية منه، ويعطل جانب الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويسوي بين الصالح والطالح، والمطيع والعاصي، والمستقيم على دين والفاسق المتحلل من أوامر الدين ونواهيه، مادام أن أعمالهم هذه لا تخل بالإيمان كما يقولون". انتهت. فتوى اللجنة. [فتاوى اللجنة الدائمة: 28/127].
ومن المرجئة المعاصرين، يعني حاولوا يلفقوا شيء بين أهل السنة وبين المرجئة، فقال بعضهم: عمل الجوارح ركن في الإيمان، لكن تاركه بالكلية من غير عذر مسلم تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
أنتم ملاحظين التطويرات، أنه في ناس بتطور، تطور في البدعة، يعني مثلاً لما يهاجمون، فيقولون: لا لا طيب احنا عندنا حل عندنا حل، هذا بعض شغل المرجئة المعاصرين يقولون عندنا حل.
نقول ماذا نقول: عمل الجوارح ركن في الإيمان، لكن تاركه بالكلية من غير عذر مسلم تحت المشيئة.
شوف هذه مسلم تحت المشيئة محاولة للالتفافية يعني، لأنه هو الآن يقول: أنا ما أقول تارك العمل بالكلية يعني مؤمن، أنا أقول تحت المشيئة، يعني إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
مع أنه الحكم الشرعي واضح، ومنهج أهل السنة أن تارك العمل بالكلية كافر، ما هو تحت المشيئة، خالد في النار، خلاص، الكلمة تلك مجرد ألفاظ ما لها قيمة.
يعني بالله أبو بكر قاتل المرتدين على إيش؟ يعني لماذا قاتل المرتدين؟
يعني إذا كانت المسألة خلاص، كلمة وعصموا دماءهم.
كذلك من الأشياء الباطلة عند مرجئة العصر، وقلنا لأن مرجئة العصر ترى عندهم تفننات تفننات، يقولون: الكفر لا يكون إلا في القلب.
يعني لو واحد تلفظ بكلمة الكفر ما نحكم عليه بالكفر، لو دعس على المصحف وألقاه في القمامة وحطه في النجاسات ما نحكم عليه، لو سب الله ورسوله باللسان ما نحكم عليه بالكفر، ما نحكم إلا إذا جحد بقلبه.
فالآن تصور الآن إيش يفتح هذا ويجرئ الناس على سب الدين، وعلى انتقاد الأحكام، وعلى استهداف الشريعة، ويقول في النهاية أنا مؤمن بقلبي.
ولما يجي ناس يأتي ناس من الغيورين يقولون: هذا يطبق عليه حد الردة، فيأتي المرجئة يقولون: لا لا، لا كيف يطبق عليه حكم.. هذا ما جحد بقلبه، وهو يقول الآن لما سألناه قال أنا مؤمن، أنا مسلم، أنا أقول الشهادتين، أنا أقول الشهادتين، أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. بس ترى الصيام يعطل الإنتاج وما له داعي، والصلاة يعني هذي يعني ما هو الإسلام المعاملة، الدين المعاملة بيني وبينك، أهم شيء الدين المعاملة، الدين النظافة، النظافة، مش النظافة من الإيمان، النظافة هي الإيمان، النظافة، الصحة، التقنية، البيئة.
والله صار الآن في إسلام جديد صراحة، في إسلام جديد له الأركان الخمسة: البيئة، التقنية، الصحة، النظافة، المعاملة، خلاص هذه أركان الإسلام الجديد، هذه أركان الإسلام الجديد.
الصلاة الصيام، لا هذا بينه وبين الله ما لنا دخل بعدين... ربه يحاسبه احنا.. وخلاص إذا جيت أنه سب الدين، وسب الله، وسب الرسول.. يقول الجهاد وحشية، والصوم يعطل الإنتاج، وخلاص وأنت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقافة، إيش لك وإيش للناس يا أخي، إيش دخلك فيهم، خلاص كل واحد له رب يحاسبه، أنت مالك.
والحدود وحشية، تقطع يد السارق.. من زمان يقول لك أيام يعني هذا كان يمكن أيام الرسول، وهو من زمان يعني ما كان في سجون يعني تعرف ما كان في سجون، فكان لازم يعني يأدبوهم، بس الآن في سجون يعني فما في داعي جلد، رجم، قطع اليد، الصلب ولأصلبنكم، ويصلبوا، أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ [المائدة: 33].
لا هذا كان زمان لأنه ما كان في سجون، الحين في سجون، في إرشاد يعدلون سلوك السجين، يعدلون، نحن الآن في زمن الثقافة، تطورنا تطورت البشرية، في أساليب الآن يعني نفسية تؤثر على المساجين، تقوم سلوكهم.
فالمرجئة يقولون عن هذا: هذا مؤمن، مؤمن.
هو الآن ينتقد الشريعة، هو يتهم حد الله، يتهم أن هذه الآية التي أنزلها الله وحشية، الحدود هذه: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة: 38] وحشية. الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [النور: 2]، تخلف. حد الردة أكبر عدوان على الحريات، أكبر عدوان على الحريات حد الردة، يبغا يدخل في الدين، يبغا يطلع من الدين إنت مالك إيش دخلك أنت يعني؟ خليه يطلع بكيفه، خلاص.
وبالتالي يصبح الدين بوابة بدون بواب، خلاص، الذي يريد يدخل يدخل، والذي يريد يطلع يطلع، والذي يريد يكفر يكفر، والذي يريد يسلم يسلم، والذي يريد يجحد يجحد، والذي يريد يقر يقر، وكل من على دينه، الله لا يعين ... المسلمين.
ولذلك يعني صار قضية أن الكفر لا يكون إلا بالقلب هذه نتيجتها، هذه نتيجتها.
والإمام ابن القيم رحمه الله يقول في النونية:
وكذلك الإرجاء حين تقر | بالمعبود تصبح كامل الإيمان |
فارم المصاحف في الحشوش وخرب | البيت العتيق وجد في العصيان |
واقتل إذا ما اسطعت كل موحد | وتمسحن بالقس والصلبان |
واشتم جميع المرسلين ومن أتوا | من عنده جهراً بلا كتمان |
وإذا رأيت حجارة فاسجد لها | بل خر للأصنام والأوثان |
وأقر أن الله جل جلاله | هو وحده الباري لذي الأكوان |
وأقر أن رسوله حقاً أتى | من عنده بالوحي والقرآن |
فتكون حقاً مؤمناً وجميع ذا | وزر عليك وليس بالكفران |
هذا هو الإرجاء عند غلاتهم | من كل جهمي أخي الشيطان |
لخصها رحمه الله. [متن القصيدة النونية: 2/164].
بعض المعاصرين من المرجئة والحركات الالتفافية قالوا: نطلع لكم طلعة الآن نعطيكم يعني كذا تنازل، نقول: الكفر يكون بالقول والفعل.
ولكن لا نكفر المعين إلا إذا اعتقد أو استحل.
يا فرحة ما تمت، لأنه الآن أنت لما تقول: الكفر بالقول والفعل. هذا عند أهل السنة، أنه إذا سب الله ورسوله، أو قال: الحد الفلاني وحشية كافر خلاص كافر خارج عن الملة، وبالفعل إذا رمى مصحف في النجاسات ودعس عليه خلاص كافر بالفعل.
فيأتي هؤلاء ويقولون: طيب نحن نعطيكم تنازل: الكفر يكون بالقول ويكون بالفعل ولكن.
هو مشكلة ولكن أن ما بعدها ممكن يهدم ما قبلها.
ولكن ما نحكم على الشخص المعين.
يعني إذا واحد سب الله ورسوله اسمه زيد فرضاً، ما نحكم على زيد هذا اللي سب الله ورسوله بالكفر إلا إذا استحل بالقلب.
يا ابن الحلال هو إذا سب إيش باقي بعدين؟ استحل ما استحل، خلاص يعني إذا سب الله ورسوله يعني ماذا؟، واحد سب الله ورسوله طوعاً مختاراً عاقلاً، لم يسبه في النوم، ولا وهو سكران، سكران له حل، حد، واحد سب الله ورسوله يقظان، وهو طواعية ما هو مكره، عالماً، ذاكراً، مختاراً، إيش تقول يستحل؟
إذا كان استحل بقلبه إيش لون، يعني في واحد يسب الله ورسوله، ويقول لا لا، أنا أعتقد أنه يحرم سب الله ورسوله، فلذلك الدين يصبح عند المرجئة فعلاً مهزلة ومسخرة، فعلاً.
ولذلك قال الشاعر:
ولا تك مرجياً لعوباً بدينه | ألا إنما المرجي بالدين يمزح |
[سير أعلام النبلاء: 13/236]
وحصر بعضهم الكفر في التكذيب والجحود أو الاستحلال القلبي، فلا كفر عندهم إلا بهذا، وليس شيء من الأقوال والأعمال كفر بذاته أبداً.
وبعضهم يقولون: الكفر لا يكون إلا في القلب، لكنه لا ينحصر في التكذيب.
يعني هو تنازل تنازل، قال: لا بس ما هو التكذيب، ممكن يعني هو الواحد لو اعتقد بقلبه، حتى غير التكذيب يكفر، لكن ما في بالقول والفعل.
اتصور الآن بالله، كيف يقام حد الردة، يعني إذا واحد، يعني كيف حماية جناب الدين إذا كان الشغلة فقط مقتصرة على الشيء القلبي، ومهما الواحد فعل، ومهما تكلم، ومهما سب وشتم في الدين لسانياً، خلاص.
يعني لو تجيب طاغية يقتل المسلمين، ويشيل الشريعة ويلغيها، ويحط شريعة الغابة، ولا شريعة اليونان الطليان والرومان وأصحاب الصلبان، يحط شريعة، ويسوي ويعمل كل المكفرات، وبعدين يقول ما يكفر، كل الأعمال هذه تبعه.
يعني أتاتورك هذا ألغى الأذان، وألغى اللغة العربية، ومنع الصلاة، ومنع الحجاب، ما هذا عادي، ما يكفر ما يكفر.
ومخالفة المرجئة لمنهج السلف الصالح، طبعاً كما قلنا بأشياء كثيرة جداً، وسبق أن ذكرنا الرد عليها، وأن الدين عند الله فيه إيمان، وفيه كفر، فيه نفاق وفيه إسلام، وأن يعني أهل السنة والجماعة وسط بين الخوارج الذين يكفرون بالذنب وبالصغيرة، حتى بخلاف الرأي، وبين المرجئة الذين لا يكفرون أبداً أو يقولون بس الاستحلال القلبي.
وكذلك فإن يعني الكفر عند أهل السنة والجماعة يكون بالاعتقاد، وبالقول، وبالفعل، وبالشك، وبالترك، ففي اعتقادات كفرية، وفي أقوال كفرية.
يقول شيخ الإسلام: "من قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة، عامداً لها –من غير حاجة يعني ما هو مكره- فمن قالها من غير حاجة عامداً لها، عالماً بأنها كلمة كفر، فإنه يكفر بذلك ظاهراً وباطناً، ولا يجوز أن يقال إنه في الباطن يجوز أن يكون مؤمناً، ومن قال ذلك فقد مرق من الإسلام: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ [النحل: 106]. [الصارم المسلول: 6/13].
معناها بدون إكراه ماذا يكون؟ خلاص يكون كافراً.
ونحن أليس من قواعد شريعتنا أنه نحكم بالظاهر، فإذا واحد سب الله والرسول إيش الظاهر؟ نحكم ألسنا نحكم بالظاهر؟ أليس الله أمرنا أن نحكم بالظاهر؟
وعمر لما قال: "نأخذ بالظاهر والسرائر حكمها إلى الله، نحن نأخذكم بظاهركم، لنا الظاهر والله يتولى السرائر".
يعني لو واحد منافق أظهر الإسلام ما نسوي له شيء، ما سب الدين، ولا سب... وصلى وزكى.
والمنافقون مع النبي ﷺ كثير منهم إيش كان يسوي؟ كل الأشياء يسويها، يصلي ويصوم مع المسلمين، وما سوى لهم شيء.
أما من تكلم بكلمة الكفر، فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم، ومن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، كفر ظاهراً وباطناً، وهذا مذهب أهل العلم وأهل السنة، وأنه يكون بالاعتقاد، مثل لو اعتقد أنه ما في يوم آخر.
وهذه ليست غريبة ترى حنا عاصرنا أيام الجامعة واحد جاء لعند ابنه، ابنه صار متدين، وينصحه يرد ينصحه يقول له: أنا بس أنت كويس يعني، بس ما أبغاك تتعب نفسك كثير يعني، لا تكثر يعني الصلاة والعبادة، لا تكثر. قال له ليش ليش؟ قال: أخاف تتعب نفسك بعدين يطلع ما في شيء كذا.
إيش معناها؟ معناها الرجل هذا كافر قطعاً يعني. ليش؟ لأن عنده احتمال أنه يطلع ما في شيء، ما قال أكيد ما في شيء، وقال: لأنه لا تتعب نفسك، لأنه يمكن يطلع ما في شيء.
سمعنا سمعنا، مر علينا ناس وشباب، يقول واحد: أنا أصلي احتياطاً، كيف يعني تصلي احتياطاً؟ قال: يعني لو طلع في شيء يكون صلينا، ولو طلع ما في شيء ما خسرنا شيء.
هذا ترى، هذا كافر على طول، لأنه من شك في البعث كفر، حتى لو صلى وصام، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، هذا إذا شك في البعث على طول يكفر، خلاص.
النفاق الأكبر مثال على الكفر القلبي، الكفر بالقول سب الله والرسول، والاستهزاء بشيء من الدين، دعاء غير الله، الاستعانة والاستغاثة الشركية، الاستغاثة بالأموات أو الأحياء فيما لا يقدر عليه إلا الله، الكفر اللي بالعمل مثل السجود للصنم، الذبح لغير الله، رمي المصحف في النجاسات عمداً.
كفر الشك كما قلنا، شك في اليوم الآخر، شك أن الله يقدر يحيي العظام، شك، الشك في وجود الملائكة.
الكفر بالترك عند الصحابة، مثال ترك الصلاة بالكلية، متفق عليه عند أهل السنة أن تارك العمل بالكلية كافر، تارك العمل بالكلية.
قلنا أنه مذهب المرجئة أدى إلى الانحراف في فهم لا إله إلا الله، وصار عندهم أي واحد يقول أشهد.. حتى رافضي، نصيري، درزي، اللي هو قال: أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، مسلم.
مع أنه لو جيت تقول له: إيش عندك الصلاة، إيش عندك عرف لي؟ يقول: الصلاة، فيقول حسن وحسين ومحسن وعلي وفاطمة، خلاص إذا قلتها صليت. الصيام حفظ أسرار الطريقة، الحج الذهاب إلى شيخ الطريقة، .. خلاص، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
فإذن من أسوأ ما فعله المرجئة أثرهم في الواقع: إفساد حقيقة الشهادتين، ومعناها، وإنكار شروط لا إله إلا الله، خلاص ما لها شروط، ما لها شروط.
وعندهم أي اتفاقية دنيوية، أي عقد كذا عقد، عقد بين شركتين فيه عشرين شرط، خمسين شرط، وتفسير بنود، وإذا جيت إلى العقد اللي بين العبد وربه، ما له شروط عندهم أبداً مجرد لفظة، لا يرضونها في معاملة دنيوية، وبالعقد بين المسلم وربه صارت مجرد كلمة باللسان.
طيب، وأين: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله [رواه البخاري: 392، ومسلم:21].
وين لا إله إلا الله مفتاح، وإذا ما له أسنان ما يفتح لك، والأسنان هي العمل، وين كلام السلف في هذا.
وهذا عقيدة المرجئة هذه أدت إلى التهاون في العبادات، الفرائض، التفريط في حدود الله، انتشار الفجور، الفساد الأخلاقي، انتهاك الحرمات، الفواحش، لأنه كلها ما تؤثر في الإيمان، إيمانك كامل، استهانة بحكم الشريعة، ما هو لازم حكم الشريعة ما هو لازم، ممكن أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وراضي بالقانون الوضعي، وأحكم القانون الوضعي، وألغي الشريعة كلها، ألغي الأحكام كلها، ألغي القضاء الشرعي كله، وأنا أقول أشهد أن لا إله إلا الله، الشهادتين، هك