مكانة العلماء
لكل أزمان أئمة يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، وينهون عن الردى، ويحيون بكتاب الله أهل العمى، ويدلونهم على التقى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
هم للناس كالنجوم في السماء يهتدى بهم في ظلمات الجهل والشبهات كما يهتدى بالنجوم في الظلمات الحالكات، والطرق المهلكات، ويحرسون الشريعة من سهام شياطين الإنس والجن الملبسين والمفسدين، كما تحمي النجوم السماء من مسترقي السمع ومردة الشياطين.
وهم فخر الشريعة وزينة الدين كما كانت النجوم زينة للسماء وأنساً للمسافرين.
فهم مصابيح الدجى، وأئمة الهدى، وحجة الله في أرضه، وورثة الأنبياء، والقائمون على وحيه فهم غيظ الشيطان، وركيزة الإيمان، وقوام الأمة، وهم الساهرون على حراسة الحق، الناشرون له، المعارضون للباطل، المحاربون له، المتحملون في هذا السبيل كل أذى ومشقة، يصلحون ما فسد، ويقومون ما اعوج، ويدعون إلى الطريق المستقيم، طريق النجاة والسلامة غير هيابين ولا وجلين، ولا يخافون في الله لومة لائم.
ولذلك شرفهم الله بقوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 9].
لا يسكتون عن حق وجبت إذاعته، ولا يكتمون مما أنزل الله حكماً شرعياً؛ لأنهم آمنوا بقول الله -تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: 159].
رفع الله مكانتهم، وقرن شهادته بشهادتهم، فقال سبحانه: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 18].
وهم أهل الفضائل والمكاسب الذين بين النبي ﷺ فضلهم بقوله: فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب [رواه أبو داود: 3641، والترمذي: 2682، وابن ماجه: 223].
أيها الإخوة والأخوات: إن الحديث عن العلماء ليبعث الرهبة في النفس لأننا نتحدث عن ورثة الأنبياء.
وإذا مات العالم العظيم انثلم في الإسلام ثلمة حتى يخلف الله غيره.
اسم ابن عثيمين ومولده
وقد فجعنا وفجع المسلمين بوفاة أحد ورثة الأنبياء في هذا الزمان ممن نحسبه، وهو الشيخ الفقيه الزاهد محمد بن صالح بن عثيمين -رحمة الله عليه-.
ونحن نعلم أن الموت نهاية كل حي، ولذلك لا بد أن نعكف على علوم العلماء وأخبارهم؛ لأن المقصود ليس إثارة الأحزان، ولا تقليب المواجع والوجدان، ولكن الاقتداء والاستفادة والتعلم من علومهم، والتشبه بسيرتهم.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم | إن التشبه بالكرام فلاح |
هذا الشيخ الذي ولد -رحمه الله- في السابع والعشرين من رمضان في عام 1347 للهجرة.
حرص ابن عثيمين على طلب العلم وتعليمه
وأنفق نحواً من خمسين سنة من حياته يعلم دين الله -تعالى-.
كان حريصاً على العلم منذ صغره، فقد نبغ، وحصل المتوسطة والثانوية والجامعة في أقل من ست سنين.
وزامل الشيخ عبد الله البسام في الدراسة على الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي فكانا يحفظان المتون معاً، ويسرد كل واحد منهم على الآخر ما حفظه من المتون.
وحدثني الشيخ عبد الله البسام أنه كان يراجع القرآن مع الشيخ ابن عثيمين يبدأ الأول بالختمة فيقرأ ثمنا، ثم يقرأ الآخر الثمن الذي يليه، وهكذا حتى إذا انتهت الختمة بدآ ختمة جديدة، لكن من بدأ أولاً يبدأ ثانياً، وهكذا.. حتى يكون كل منهما قد قرأ القرآن كله وراجعه كله.
وقد صبر الشيخ -رحمه الله- متعلماً وصبر معلماً.
فأما عن صبره معلماً فسيأتي.
وأما صبره متعلماً فلا بد أنه قد صابر نفسه كثيراً حتى وصل إلى ما وصل إليه، ومن ذلك: أنه كان يلازم شيخه العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي فأخذ عنه الكثير خلقاً وعلماً، وقد حدثني أحد أولاد الشيخ السعدي: أن الشيخ محمداً كان يمشي مع شيخه عبد الرحمن حتى في طريقه إلى الدعوات التي يدعى إليها شيخه يسأله في الطريق ويأخذ عنه، حتى يصلا إلى باب بيت صاحب الدعوة، فيدخل الشيخ ابن سعدي، ثم قد يرجع الشيخ محمد وقد يدخل.
وقد تأثر الشيخ محمد بشيخه عبد الرحمن جداً، وسمعت عن رؤيا له في شيخه، فسألته عنها في أحد مواسم الحج، فقلت: ذكر أنكم رأيتم شيخكم عبد الرحمن بن سعدي في المنام فسألته ما أكثر ما نفعك عند الله؟ فقال: حسن الخلق، فهل هذه الرؤيا صحيحة؟ فقال: نعم، غير أني لا أذكر الآن، هل قال لي: تقوى الله أو حسن الخلق.
ولكن الرواية التي سمعتها جزماً من بعض طلاب الشيخ أنه قال له في أكثر ما نفعه عند الله: حسن الخلق.
أيها الإخوة: عندما يتعلم الإنسان العلم والأدب يكون شيئاً آخر، علم وأدب لازم، لا بد من علم وأدب، وهكذا كان في طلاب الإمام أحمد ودرسه وحلقته يتعلمون العلم والأدب، وقد اهتم الشيخ محمد -رحمه الله- بالحفظ جداً، وهذا الذي نفعه كثيراً، وكان يقول: قرأنا كثيراً فلم يبق معنا إلا ما حفظنا، وكان يوصي بحفظ المتون والقواعد في الفنون المختلفة.
وفقه الشيخ الكتاب والسنة ولم يكن متعصباً لمذهب، ولا أسيراً لعبارات معينة.
والأمر كما بينه شيخه عبد العزيز بن باز -رحمه الله- بأنه ليس العالم الذي يحفظ مختصر خليل ومتن الخرقي، ولكن العالم هو الفقيه بالكتاب والسنة.
عبادة ابن عثيمين ومداومته على الطاعات
كان الشيخ محمد -رحمه الله- ذا عبادة، ينام مبكراً بعد العشاء، فإذا جاءت الساعة الثانية يستيقظ تلقائياً بغير منبه ليقوم الليل، ويعمل ما يعمل.
وقال أحد من رافقه مرة في سفر فذهب مع الشيخ في دعوة فرجعا متأخرين كالين متعبين إلى مسكنهما، فوضع كل منهما رأسه الساعة الواحدة ليلاً، واضطجع الشيخ، قال المرافق: وأثناء الليل أثناء النوم انتبهت قرابة الساعة الثالثة أو الثالثة والنصف، وكنا قد نمنا قرابة الواحدة والنصف، فحينما انتبهت انتبهت على صلاة الشيخ وهو قائم يصلي، وفي هذا الوقت الذي كان هو فيه أمس الحاجة إلى النوم والراحة، كان -رحمه الله- قائماً لله جل وعلا يصلي.
وكان -رحمه الله- يداوم على العمل فإذا عمل عملاً لا يتركه امتثالا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- وحديثه في المداومة على العمل: أحب العمل أدومه إلى الله وإن قل [رواه أبو داود: 1368] فكان مثلاً لا يترك ثلاثة أيام من كل شهر ولو سافر وانشغل قضاها بعد سفره، ولما اعتاد الذهاب إلى بيت الله الحرام ومكة للتدريس استمر على هذه العادة ولم ينقطع، حتى في السنة التي مات فيها، وفي مرض الموت ذهب إلى هناك على عادته، يعبد الله ويدرس دين الله.
ولما رتب الدروس لطلاب العلم لم يكن ينقطع عن ذلك ولم تتوقف الدروس إلا فيما ندر، وهذا مما رغب طلبة العلم فيه، فجاؤوا إليه من أماكن بعيدة.
وترى أنت أحياناً اليوم عدداً ممن يفتح دروساً سرعان ما يغلقها فلا يصبروا الذي يلقي ولا الذين معه وسرعان ما ينفرط العقد.
وهذه قضية العلم -أيها الإخوة- لا بد فيها من صبر ومصابرة.
وكان الشيخ -رحمه الله- يواظب على الصدقة صباح كل يوم جمعة ولم يترك هذه المواظبة إلا لما تبين له أنه لم يثبت في ذلك سنة عن النبي ﷺ.
وكان -رحمه الله- مداوماً على قراءة ورده من القرآن باستمرار يقرأه وهو ماش إلى الصلاة، لا يركب، يمشي، ولا يقبل أن يقاطعه أي أحد وهو ذاهب إلى المسجد؛ لأن هذا وقت الورد، ورد القرآن، لا يقبل أن يقاطعه أي أحد وهو ذاهب، فإذا اضطر إلى كلام صاحب ضرورة، وتأخر شيئاً ما في قراءة الورد ووصل إلى المسجد ولم يتم ورده وقف عند باب المسجد ولم يدخل لإقامة الصلاة حتى ينهي ورده، فيستغرب بعض الذين يرون الشيخ واقفاً وما معه أحد، ماذا يفعل؟
وفي الحقيقة أنه يتم ورده.
زهد ابن عثيمين وورعه
كان -رحمه الله- زاهداً في الدنيا ليس من أهل العقارات ولا الأموال، وما يأتيه من الرواتب ينفقها على أهله، وقد أعطي سيارة جديدة فلم يستعملها، فلما علاها الغبار سُحبت من أمام البيت، وأعطي بيتاً كبيراً فوهبه لطلبة العلم، وسيارته قديمة مازدا في الثمانينات.
ومن تأمل غترته وبشته ونعاله عرف أنه رجل زاهد غير متعلق بالدنيا، ولا هو من أصحاب المظاهر.
وكان عالماً ورعاً فيما نحسب -رحمه الله-.
وقد يفتي بجواز أشياء ويترجح لديه إباحته ولكنه لا يستعملها ورعاً، كالكحول فأخبر أنه لا يضع الطيب الذي فيه كحول، قال: ولكني قد أستعمله في تعقيم الجروح.
ومن قصص ورعه: أن الكلية قد كلفته مرة أن يضع منهجاً لأحد المراحل، وخففوا نصابه التدريسي لأجل ذلك ليكون عنده شيء من التفرغ لإتمام ذلك المنهج في الوقت المحدد، وبعد أن فرغ من إتمامه -رحمه الله- صرفت له الكلية مكافأة تصرف له ولغيره ممن يضع المناهج، ويكتب هذه المواد الدراسية، فاستغرب الشيخ من تسليمه هذه المكافأة، وأخذها إلى أحد مسؤولي فرع الجامعة ليعيدها، فاعتذر بأدب الآخر عن استرداد المبلغ؛ لأن الشيخ قبل بالتكليف، ولوائح الجامعة وأنظمتها تنص على صرف مثل هذه المكافأة، وإعادة المبلغ بعد صرفه فيه إرباك للإدارة المالية هي في غنى عنه، لم يعجب الشيخ تصرف الكلية بعدم أخذ المال، وذهب إلى مدير الجامعة لإعادة المال الذي حاول بدوره إقناع الشيخ بأحقيته في هذه المكافأة كما تنص عليها أنظمة الجامعة، فرد الشيخ -رحمه الله- بأن الكلية حينما كلفته بالتأليف خففت عنه نصاب التدريس، وأنه استفاد من هذا التخفيف في التأليف، وهذا مقابل هذا، فلماذا إذاً يعطى شيئاً إضافياً وأنه لا يستحقه؟
فاقترح عليه مدير الجامعة أن يتصدق بالمبلغ، ولكن حتى هذا الاقتراح لم يقبله، وأصر على إرجاع المبلغ، وبعد ذلك تتصرف فيه الجامعة.
حدثني ضابط مرور قال: وهذه القصة حصلت معنا، وإذا أردت أن تذكرها فاذكرها، خرج الشيخ مرة مع شخص بسيارة هذا الشخص يقودها من عنيزة إلى بريدة في مهمة في مشروع خيري، فأسرع السائق المرافق للشيخ، وكان في الطريق نقطة تفتيش على السرعة الزائدة فأوقفوا السيارة لإعطائه المخالفة، فنظر العسكري في السيارة فإذا فيها الشيخ محمد بن صالح العثيمين فاستحيا، وقال: تفضلوا، امشوا، فمشت السيارة، بعد برهة يسيرة قال الشيخ للذي معه: لماذا أوقفونا؟ قال: لأجل السرعة الزائدة، قال: إيه، ارجع إلى هذه النقطة، فاستدار ورجع على أمر الشيخ، فلما وصلا إلى المكان، قال لهذا العسكري: لماذا أوقفتنا قبل قليل؟ قال: يا شيخ كان في سرعة زائدة، قال: ولماذا تركتنا نمضي؟ قال: قلت: لعلكم مستعجلين وعندكم مسألة مهمة، قال: لا، كم هي مخالفة السرعة؟ قال: يا شيخ ما في داعي، قال: كم هي مخالفة السرعة ثلاثمائة؟ هذه مائة وخمسين مني، ومائة وخمسين تأخذها من هذا؛ لأنه خالف، ولأني ما نصحته، وأصر على دفع المبلغ.
ومن احتياطه لأموال المسلمين: أنه سلم مرة رئيس جمعية خيرية كيس تبرعات فيه مال وفير، فلما أخذه هذا وانطلق به إلى سيارته لحقه الشيخ إلى السيارة، وقال: انتبه ترى في الكيس نصف ريال، فكأن الشيخ خشي أن ينسوه حين تفريغ الكيس؛ لأنه نصف ريال، وهذه صدقة مسلم، قد تقع عند الله موقعاً عظيماً، وأمانة، وإذا وكلت ذكر الموكل.
تواضع ابن عثيمين
كان -رحمه الله- متواضعاً لا يأنف أن يركب أي سيارة مهما كانت قديمة، بل ربما ركب بعض السيارات وتعطلت به ونزل يدفع مع السائق، ويخشى أن تفوت الصلاة في المسجد.
ودخل مرة البلد والمساجد مغلقة بعدما رجع من سفر فلف على المساجد حتى وجد واحداً مفتوحاً، فبدأ به بركعتين تطبيقا للسنة، إذا دخل البلد يبدأ بالمسجد يصلي ركعتين.
وكان -رحمه الله- من تواضعه لا يرضى أن يقال له: العلامة، وإذا سجل أحد طلابه ذلك في الشريط قال: امسحه من الشريط.
وقلت له مرة: يا شيخ هذه المسائل التي سألتك إياها سنجمعها في كتاب: مسائل العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين؟
قال: لا نريد العلامة، ولا غيرها.
وفي أحد اللقاءات الشهرية قال له أحد الحاضرين: يا شيخ إني قد اغتبتك فاجعلني في حل؟ فقال: من أنا حتى لا أغتاب وأنت في حل.
وكان يقرب الفراشين الذين كانوا يخدمون في المسجد، ويتحدث معهم، واستأذن بعض الشباب بقراءة أبيات من الشعر نظمها في مدح الشيخ -رحمه الله-، فكان الشيخ يقاطعه مراراً معترضاً على مدحه، وطلب تغيير تلك الكلمات، وكلما سمع مدحاً اعترض وقاطع وأوقف الطالب، حتى قال الطالب: لا يصلح هذا يا شيخ إما أن أقرأ ما كتبت أو أتوقف، فقال الشيخ: توقف أحب إلي، ولم يرض -رحمه الله- بهذا المديح، والقصة تسمعها في الشريط فتتأثر من هذا.
والقصة ملخصة على النحو التالي، قال الطالب بين يدي الشيخ:
أما بعد: يا فضيلة الشيخ، أستأذنكم في القصة؟
الشيخ: نعم، تفضل.
الطالب:
يا أمتي إن هذا الليل يعقبه | فجر وأنواره في الأرض تنتشر |
والخير مرتقب والفتح منتظر والحق رغم جهود الشر منتصر
وبصحوة بارك الباري مسيرتها | نقية ما بها شوب ولا كدر |
ما دام فينا ابن صالح شيخ صحوتنا | بمثله يرجى التأييد والظفر |
الشيخ: أنا، لا أوفق على هذا المدح، لا أوافق لأني لا أريد أن يربط الحق بالأشخاص كل شخص سيفنى فإذا ربطنا الحق بالأشخاص معناه أن الإنسان إذا مات قد ييأس الناس من هذا، فأقول إذا كان بإمكانك الآن تبدل البيت ما دام فينا كتاب الله وسنة رسوله، فهو طيب.
الطالب: ما دام فينا كتاب الله وسنة رسوله ابن العثيمين.
الشيخ: لا، يا شيخ ، لا لا تجيبها .. وقف وقف.
الطالب: فقيهنا.
الشيخ: لا، لا، إن كان ما عندك إلا هذا أعطنا، سؤالك أبداً ما له داعي يا رجال بس، أنا أنصحكم من الآن وبعد الآن ألا تجعلوا الحق مربوطاً بالرجال، الرجال، أولاً: يضلون، حتى ابن مسعود يقول: "من كان مستناً فليستن بمن مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة" الرجال إذا جعلتم الحق مربوطاً بهم يمكن الإنسان يغتر بنفسه نعوذ بالله من ذلك، ويسلك طرقاً غير صحيحة، ولذلك أنا أنصحكم الآن ألا تجعلوا الحق مقيداً بالرجال، الرجل أولاً: ما يأمن نفسه نسأل الله أن يثبتنا وإياكم، ما يأمن الزلل والفتنة، وثانياً: أنه سوف يموت، ما أحد يبقى وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء: 34].
وثالثاً: أن بني آدم بشر ربما يغتر إذا رأى الناس يبجلونه ويكرمونه ويلتفون حوله ربما يغتر، ويظن أنه معصوم، ويدعي لنفسه العصمة، وأن كل شيء يفعله فهو حق وكل طريق يسلكه فهو مشروع، يحصل بذلك الهلاك، ولهذا امتدح رجل رجلاً عند النبي ﷺ فقال له: ويحك قطعت عنق صاحبك، أو قال ظهر صاحبك [رواه البخاري: 6061، ومسلم: 3000].
وأنا أشكر الأخ مقدماً وإن لم أسمع ما يقوله في على ما يبديه من السرور نحوي، وأسأل الله أن يجعلني عند حسن ظنه أو أكثر، ولكني ما أحب هذا.
صبر ابن عثيمين متعلماً وعالماً
وأما عن صبر الشيخ في التعليم، فقد صبر عالماً ومعلماً واتجه الشيخ للتعليم من مرحلة مبكرة من عمره فدرس قريباً من خمسين عاماً، نصف قرن من الزمان أنفقها ذلك الشيخ -رحمه الله- في تدريس دين الله.
وكان قبل أن يشتهر مواظباً على التدريس مهما كان عدد الحضور، حتى إنه كان لا يحضر عنده في بعض الأوقات إلا أربعة أشخاص، وأحياناً يغيب نصفهم، ومرة جاء الشيخ إلى مكان الدرس فلم يجد إلا كتاب وضعه أحد الطلاب في مكان الحلقة وانصرف لشيء، فلما رأى الشيخ ذلك الدرس كله لا يوجد إلا كتاب في الحلقة كلها ما في إلا كتاب توجه إلى المحراب، وأخذ مصحفاً، وقعد فتحه يقرأ فيه، جاء الطالب وجد الشيخ يقرأ، وما وجد إلا كتابه فاستحيا، وأخذ الكراس ومشى.
وظل الشيخ مصابراً حتى فتح الله عليه فصار يجلس في حلقته نحواً من خمسمائة طالب، وفي درسه في الحرم ومحاضراته خارجه أضعاف هؤلاء، وصبر على الإفتاء في شتى المجالات، ورتب الدروس والمحاضرات.
رعاية ابن عثيمين لطلابه واهتمامه بهم
كان له رعاية لطلابه، وكان يكلف بعضهم بمراجعة الأحاديث، أو تحرير بعض المسائل، وينظر في ذلك كله ويتابعه، بل كان يجعل بعضهم يدرس بعض المبتدئين.
وقد سعى الشيخ -رحمه الله- إلى توفير إسكان للطلاب المتزوجين وغير المتزوجين، وهيأ لهم داخل السكن مكتبة تضمنت سائر أنواع الفنون، وكان حريصاً على تمرين طلابه على إلقاء الكلمات، وذلك في كل ليلة جمعة بعد المغرب وقبل الدرس.
وكان حريصاً على طلابه فإذا مرض أحدهم وأدخل المستشفى زاره فيه إن استطاع، وإذا صار الطالب المريض في مسكنه زاره في غرفته في العمارة المخصصة إن كان من العزاب، وفي شقته في عمارة المتأهلين إذا كان متزوجاً.
وكان يتفقد طلابه ويعينهم، وخصوصاً بالشفاعات.
وكم دخل من طلاب الجامعة بسببه، وعولج أشخاص بسببه، وقضي حاجاته بتدخله وشفاعته، وقد قال النبي ﷺ: اشفعوا تؤجروا [رواه البخاري: 1432].
وفي فصل الشتاء كان يعطي طلاب السكن أوراقاً بمبالغ مالية محولة على محلات معينة ليشتروا بها ملابس شتوية لأنفسهم ولأولادهم.
وكان يتابع تلامذته أثناء الدرس حتى لا يشرد ذهن أحدهم فتضيع عليه الفائدة، وفي مرة رأى بعض تلامذته غير حاضر الذهن في الدرس فأوقفه، وقال: هل أنت فاهم لما قلته؟ فقال الطالب: إن شاء الله، فقال الشيخ: هل على رأسك شماغ؟ فقال الطالب: نعم، فقال الشيخ: لم لم تقل إن شاء الله؟ لكن لما كنت غير فاهم الدرس قلت إن شاء الله، والشماغ جزمت به.
وكان له مع طلابه رحلة في كل ثلاثة أشهر يؤانسهم فيها ويقيم مسابقات لهم بنفسه، ويخرج معهم إلى بعض المزارع المشتملة على أماكن للسباحة، وقد يلاطفهم فيأمرهم أن يغطسوا هذا ويرموا هذا في الماء، وينتقي البدين، ولما أعرب أحدهم عن شكه في قدرة الشيخ على السباحة أثبت له ذلك عملياً.
وسابق الشيخ بعض طلابه على الأقدام.
وكان -رحمه الله- عالماً مؤدباً لا يأذن لمن رفع يده الشمال في الدرس أن يجيب، ويأمر من دخل المجلس أن يصافح الأكبر سناً ثم من عن يمينه، ودخل المسجد رجل ومعه ولده المميز، والولد لابس حذاء في قدميه في المسجد فأراد الولد أن يسلم على الشيخ، فرفض الشيخ، حتى يخرج الولد فيخلع نعاله خارج المسجد ثم يأتي فيسلم إذا أراد، ففعل الولد وخرج وخلع نعاله، ثم جاء وسلم على الشيخ فرد عليه وهش له، فخاف الأب أن الولد قد نفر من المسجد أو من الشيخ فراقبه قال: فصار ولدي بعدها لا يمكن أن يدخل المسجد بحذائه.
وربما يشتد الشيخ أحياناً على بعض السائلين تأديباً لهم لمخالفتهم الأدب معه، وما ترى من شدة في الشيخ أحياناً فلأنهم اجترأوا عليه، وربما لأجل هذا التأديب يشتد أحياناً.
الدور العالمي لابن عثيمين
كان للشيخ -رحمه الله- أدوار عالمية، تمثلت في عدة جوانب، ومنها: إلقاء الدروس الشهرية وغيرها عبر الهاتف لبعض المراكز الإسلامية في أقطار الأرض، واتصاله بالأوضاع المأسوية التي حدثت في بلاد المسلمين، وأرسل بعض طلابه للتدريس والدعوة في الخارج، وشارك في إرسال الكتب والأشرطة، ومراسلة المستفتيين من الخارج بكتابات مدونة بخط يده، وهكذا..
دقة ابن عثيمين في مواعيده وعدله
من دقته وعدله -رحمه الله-: أنه كان صادق الوعد، محافظاً على وقته، وإذا قلت: أن الشيخ يمر الساعة الرابعة إلا خمس دقائق مثلاً في المكان الفلاني وهو ذاهب إلى المسجد فإنك تجده يمر بذلك المكان في ذلك الوقت بالضبط، يمشي كالساعة، وإذا أعطى موعداً التزم به على كثرة مواعيده وأشغاله، وقد جربت ذلك معه في موعدين في الأسبوع على هاتفه الخاص خصصت للرد على أسئلة المستفتيين عبر الإنترنت، فكان يلتزم بالإجابة ويخبر بالتأجيل إذا حصل لظرف سفر ونحوه.
وكان في طريقه من المسجد إلى البيت راجعاً إذا بدأ طالب في القراءة عليه تصبح له الأحقية في الوقت، فإذا تدخل سائل بسؤال استأذن الشيخ من القارئ قائلاً: هل تأذن لي أن أجيبه؟
وكان متحرياً للدقة والعدل، ومن أمثلة ذلك: التصحيح وتقدير الدرجات في الاختبارات، حتى لربما أعطى طالباً درجة واحدة من خمس وأربعين، بل وواحد من ثمانين، ويراجع في ذلك، فيقول: لا أستطيع أن أزيده فأظلم غيره، ولا أن أنقصه فأظلمه.
قيام ابن عثيمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كان قائماً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما يستطيع، وإذا رأى أناساً لا يصلون في الطريق يلعبون أمرهم بالصلاة.
وفي إحدى المرات كان الشيخ قد أدى العمرة مع جمع من تلامذته، وسكنوا جميعاً في مسكن واحد، وفي أثناء رجوعهم من المسجد الحرام إلى المسكن مر الشيخ -رحمه الله- على مجموعة من الشباب اللاهي، يلعبون كرة القدم، فوقف الشيخ ينبههم وينصحهم ويوجههم إلى الصلاة فقابلوا الشيخ ببعض اللامبالاة والاستهزاء وطلب الشيخ ممن معه أن يذهبوا إلى المسكن وبقي الشيخ وحده مع أولئك الشباب، فلما رأى الشباب أن الشيخ مصر على البقاء ليذهبوا معه تلفظ أحد منهم لفظاً سيئاً بحق الشيخ، لعله قال: حتى لا أجعل له مجالاً أن يبقى بيننا ويقوم ينصرف، فتبسم الشيخ، وبقي جالساً مصراً على أن يقوم الشباب للصلاة، وأن هذا الساب يذهب معه، وجلس وسطهم، فكأن الشباب استاءوا من مسبة صاحبهم لهذا الشيخ المسن، وقالوا له: روح مع الشيخ، كأنهم قالوا: راعه وخذه، فذهب هذا الشاب مع الشيخ، فلما دخلوا المسكن استأذن الشيخ من الشاب قليلاً، فخاطب بعض طلاب الشيخ ذلك الشاب، وقالوا له: هل تعرف الشيخ ابن عثيمين من قديم؟ فكاد أن يغمى عليه من الصعقة، وقال: ماذا تقول؟ هذا من هو؟ قال: هذا الشيخ ابن عثيمين، ثم دخل الشيخ فتأثر الشاب جداً وبكى وقبل رأس الشيخ، وطلب المسامحة، فما كان من الشيخ إلا أن سامحه، وهو الذي صبر عليه من قبل يشتمه، ثم علمه الوضوء والصلاة، فتاب ذلك الشاب، واستقام على يد الشيخ -رحمه الله-.
اهتمام ابن عثيمين بقضايا الجهاد
لقد اهتم الشيخ -رحمه الله- بأمور الجهاد، ومن ذلك جهاد المسلمين في بلاد البوسنة والهرسك، وكان قد خصص من وقته ساعة أو أكثر في كل أسبوع لأمور الجهاد في البوسنة يتصلون به فيفتيهم وينظر حاجتهم، ويسمع أخبارهم ويستبشر بها وينشرها، واتصل به بعض المجاهدين من البوسنة مرة سألوه عن حكم قتل الخطأ وماذا يجب على القاتل؟ واحد من المسلمين قتل أخاه المسلم بالجهاد خطأ، فلما أجابهم بما يجب من حق الله وحق أهل القتيل، قال: أما دية المقتول فعلي وسأرسلها لكم إن شاء الله.
وكذلك كان اهتمامه بالجهاد في الشيشان حتى ذهب بعض طلابه إلى هناك يعلمون ويدرسون ويشرفون على تطبيق الشريعة في بلاد الشيشان.
واهتمام الشيخ بقضايا الأمة، وقضية الاعتداء على حرماتها قديم، هذه خطبة خطبها الشيخ قبل اثنين وأربعين سنة وموجودة الخطبة في كتاب: "الضياء اللامع من الخطب الجوامع": "أما بعد: أيها الناس فلقد مضى على احتلال اليهود للمسجد الأقصى أكثر من ثمان سنوات وهم يعيثون به فساداً وبأهله عذاباً، وفي هذه الأيام أصدرت محكمة يهودية حكماً بجواز تعبد اليهود في نفس المسجد الأقصى، ومعنى هذا الحكم الطاغوتي إظهار شعائر الكفر في مسجد من أعظم المساجد الإسلامية حرمة، إنه المسجد الذي أسري برسول الله ﷺ إليه، ليعرج من هناك إلى السماوات العلى إلى الله جل وتقدس وعلا، وإنه لثاني مسجد وضع في الأرض لعبادة الله وتوحيده، ففي الصحيحين عن أبي ذر وساق الحديث، ثم ذكر قصة طلب موسى من قومه دخول المسجد الأقصى، دخول تلك الأرض المقدسة، وماذا حصل لما تولوا، ثم قصة استيلاء الفرنجة والنصارى عليه، وقال بعد ذلك في شروط النصر: وأن الله ينصر من ينصره، وأن النصر لا يكون بالأقوال البراقة والخطب الرنانة التي تحول القضية إلى قضية سياسية وهزيمة مادية ومشكلة إقليمية، وإنها والله لمشكلة دينية إسلامية للعالم الإسلامي كله، إن نصر الله لا يكون إلا بالإخلاص له والتمسك بدينه ظاهراً وباطناً، والاستعانة به، وإعداد القوة المعنوية والحسية بكل ما نستطيع، ثم القتال لتكون كلمة الله هي العليا، وتطهر بيوته من رجس أعدائه، أما أن نحاول طرد أعدائنا من بلادنا، ثم نسكنهم قلوبنا بالميل إلى منحرف أفكارهم، والتلطخ بسافل أخلاقهم، أما أن نحاول طردهم من بلادنا ثم يلاحقهم رجال مستقبل أمتنا يتجرعون أو يستمرئون صديد أفكارهم ثم يرجعون يتقيئونه بيننا، أما أن نحاول طردهم من بلادنا ثم نستقبل ما يرد منهم من أفلام فاتنة، وصحف مضلة، إلى آخر كلامه المؤثر -رحمه الله تعالى- في قضية المسجد الأقصى.
نشاط ابن عثيمين في المشي
كان الشيخ -رحمه الله- نشيطاً، فكان يذهب إلى المسجد على قدميه والمسافة تقريباً كيلو ذاهباً، وراجعاً كيلو، ومقدار الزمن ربع ساعة بالمشي تقريباً، وأحياناً يذهب حافياً بدون نعال، وقد ثبت في السنة الاحتفاء أحياناً، وإذا كان هناك مطر أخذ معه مظلة، وقال لي الشيخ عبد الله بن جبرين مرة: هذا الرجل يمشي عشرة كيلو متر يومياً من بيته إلى المسجد ذاهباً وراجعاً.
وكان ذلك بعد أن عاد أخاه في الله محمد العثيمين في القصيم.
وقد رأيت الشيخ محمداً مرة في المسعى فمشيت معه أسأله وحوله بعض الشباب فلما وصلنا العلم الأخضر جرى وجرينا فسبقنا كلنا، وكان الشيخ في السبعين تقريباً.
إكرام ابن عثيمين للضيف
وكان مكرماً للضيف، لزم على أحد طلبة العلم أن يبيت عنده قال: يا شيخ أنا مشغول وعندي ارتباطات، وحاول يعتذر، فشمر الشيخ ممازحاً قال: بالقوة تبيت عندي؟ فوافق، قال: لكن يا شيخ عندي موعد الليلة في بريدة وسأرجع متأخراً، قال: ولو، فرجع هذا الساعة الثانية عشرة ليلاً قال: آتي بيت الشيخ محمد وأطرق عليه الباب طرقة واحدة، لأنني وعدته ولا بد أن آتيه على الموعد فإن فتح وإلا مشيت، قال: فذهبت وصلت بيت الشيخ الساعة الثانية عشرة ليلاً، فطرقت طرقة واحدة، فما كادت الطرقة أن تنتهي إلا والشيخ يفتح الباب، وأدخله، وقال: هذا الفراش والماء والساعة المنبه، عدة أصحاب الحديث في القرن العشرين، الفراش والماء والساعة المنبه.
ملاطفة ابن عثيمين لصغار السن
كان -رحمه الله- لطيفاً يلاطف الصغير، وكان في طريقه بين البيت والمسجد مدرسة ابتدائية فإذا مر بها وقت خروج الطلاب سلم عليهم ولاطفهم ومازحهم، فجاءه مرة طفل يقول: يا شيخ أجب لي على أسئلة هذه المسابقة؟ فقال: أجيب لكن إذا فزت تعطيني نصف الجائزة.
وجاء مرة طفل إلى حلقته في المسجد، -سبحان الله- لما يكون العلماء مأوى حتى الأطفال، وجاءه مرة طفل إلى حلقته في المسجد، وجعل يخترق الطلبة، ويتخطى الرقاب، الطلاب يستغربون هذا الطفل الذي يتجه إلى الشيخ وقت الدرس الجاد، حتى وصل الطفل إلى الشيخ وقام على رأسه، وقال له ببراءة الأطفال: أعطني ريالاً جديداً؟ فلم يتردد الشيخ بإعطائه ريالاً، وبكل سرور، ولعلها كانت ملحة وترويحاً للطلاب.
مزاح ابن عثيمين
كان الشيخ -رحمه الله- ذا فكاهة، وكان النبي ﷺ يمزح ولا يقول إلا حقاً، ولا يكاد يخلو درس للشيخ من الدروس العامة من مثل هذه المفاكهة والممازحة، فكان الشيخ يتكلم مرة في درس عن عيوب النساء في أبواب النكاح فسأله سائل وقال: إذا تزوجت ثم وجدت زوجتي ليس لها أسنان، فهل هذا عيب يبيح لي طلب الفسخ؟ فضحك الشيخ وقال: هذه امرأة جيدة حتى لا تعضك.
وسأله سائل قال: شخص كبير في السن ولا يستطيع الصوم ويطعم عن كل يوم مسكيناً، وفي يوم من أيام رمضان أراد أن يأتي أهله، الشايب هذا فهل يجوز؟
فضحك الشيخ وقال: أولاً: أخبرني هل زوجته عجوز مثله أم لا؟!
وجاء مرة رجل مسلم أعجمي من أهل باكستان يريد أن يسأل الشيخ ويناديه: يا شيك يا شيك، لأن الأعجمي لم يستطع نطق الخاء، هذا السائل المسلم: يا شيك يا شيك؟ فقال له الشيخ محمد: والله إني شيك بمائة وعشرين ألف ريال، وهي مقدار الدية.
وجاءه شخص من العامة أثناء دروسه في الحرم وهو جالس على كرسيه فاجأه من الخلف والشيخ يشرح، ويقول عندي سؤال يا شيخ؟ فقال الشيخ: وراك تسورت المحراب؟ فأصر العامي على السؤال ولم يعرف طبيعة الدرس، والشيخ يمازحه ويلاطفه ولا يجيبه، فلما أصر هذا الرجل العامي توجه الشيخ للطلبة، وقال: هل تسمحون له بالسؤال؟ فكلهم أجاب: أن نعم، فأجابه ثم انصرف.
حلم ابن عثيمين
أما عن حلمه فإن كل من يتصدى للعامة لا بد أن يناله من أذاهم.
وكان الشيخ -رحمه الله- يصبر، كان يقرأ عليه ذات مرة من كتاب في الطريق من المسجد إلى البيت وهو راجع، فجاء رجل أعرابي جلف فدفع طالبين هذا اليمين وهذا الشمال ودخل بينهما، وأمسك بكتف الشيخ من الخلف وجبذه بقوة حتى استدار جسد الشيخ من قوة الجبذة، وأمسكه من كتفه، وقال: هذه حاجتي؟ قال: ما حاجتك؟ قال: اقرأ هذه مكتوبة في الورقة، أنت ما تفضى لي؟ قال الطلاب: الآن الله يستر ماذا سيحدث وماذا سينال هذا الرجل؟ قال: لكننا فوجئنا أن الشيخ هش له وبش، وابتسم واعتذر عن قضاء الحاجة الآن، فأصر الرجل ولم يقبل اعتذار الشيخ، ولم يزل بالشيخ حتى قضى له حاجته.
وليس ذلك بغريب على من يدرس طلابه صحيح البخاري وفيه عن أنس بن مالك قال: "كنت أمشي مع رسول الله ﷺ وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله ﷺ قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله ﷺ ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء [رواه البخاري: 3149، ومسلم: 1057].
علاقة ابن عثيمين بابن باز
كان الشيخ محمد -رحمه الله- يحب شيخه عبد العزيز بن باز جداً، وقد اتصلت به مرة في مرض الشيخ عبد العزيز وحادثته في هذا، فقال عبارة: لا أرانا الله يوم فقده، الشيخ محمد يقوله، فتعجبت من هذه العبارة.
ولما مات الشيخ عبد العزيز اتصلت صباح اليوم التالي بالشيخ محمد، فقلت: بلغك الخبر؟ فقال: نعم، نعم الرجل، فرأيتها تطبيقاً عملياً لحديث الثناء على الميت إذا بلغه الخبر، ومن أثنيتم عليه خيراً وجبت، قال: نعم الرجل، أول ما بدأ، نعم الرجل، ثم سألته عن السفر للصلاة على الشيخ عبد العزيز فلم ير في ذلك بأساً، وسألته عن إبلاغ إمام المسجد لجماعته بالوفاة، فقال: لم يكن من هدي السلف الإخبار عن وفاة كل ميت من قبل الإمام إلا صاحب الشأن في الإسلام.
وكان يحب الشيخ عبد العزيز، له مكانة كبيرة في نفسه، خلوت بالشيخ محمد مرة بعد وفاة الشيخ عبد العزيز أحادثه في موضوع الفتوى بعد الشيخ ابن باز، حال الفتوى وكيف واقعها، فقال لي بمرارة قال: بعد الشيخ ابن باز ما عاد لنا رأس، هذا كلام الشيخ محمد.
وكان الشيخ عبد العزيز بن باز كذلك يحب الشيخ محمد ويقدره قدره، وكنت في مجلس الشيخ عبد العزيز في الطائف، فكان الناس يأتون ويسلمون على الشيخ عبد العزيز وهو جالس على كرسيه، فلما أخبر بقدوم الشيخ محمد بن عثيمين قام إليه، ولم أره قام لأحد غيره، فاعتنقه، ورأيت وجه الشيخ عبد العزيز يتهلل بالبشر والسرور للقاء الشيخ ابن عثيمين، ولما جلسنا على العشاء، قال الشيخ محمد للشيخ عبد العزيز: الناس يسألوننا عن حكم الخروج من الحرم المعتكفين أو المعتمرين لأجل إكمال الطواف -الشك أو النسيان مني- الناس يسألوننا عن حكم الخروج من الحرم للصعود على السلم الكهربائي إلى السطح، فنقول لهم: إنما خرجتم لتدخلوا، يعني أنه لا بأس بذلك، لأنك خرجت لتدخل، ولم تخرج لتخرج، فكان الشيخ عبد العزيز يسمعه وأقره على ذلك.
واستمر الشيخ -رحمه الله- في هذا العطاء العظيم حتى حل به المرض.
مرض ابن عثيمين
أما قصة مرض الشيخ -رحمه الله- فقد سمعت منه وخلوت به مرة بعد مرضه، فقال لي: لما أحسست بالألم ظننته باسوراً، وكنت قد عملت عملية بواسير في الماضي، فظننتها مثله، فلما زاد الألم راجعت المستشفى وكنت أريد أن أكشف على عيني أيضاً لأنني اشتكيت منها، فأجروا لي التحاليل وأخبروني أني مصاب بالسرطان، والشيخ يسميه بالمرض الخطير، ويرفض أن يسميه المرض الخبيث، ويقول: ليس في أفعال الله خبيثاً، سألته بعد فترة بالهاتف عن الألم فقال: يأتي ويذهب إلا في موضع المرض الأصلي الذي انتشر منه، فإنه مستمر، يعني تأمل الآن الشيخ جلس شهوراً طويلة وعنده ألم مستمر، وألم إضافي يأتي ويذهب، وهو يدرس ويفتي، ويعبد الله، يمارس عمله -رحمه الله تعالى-.
ولعل البعض قد لاحظ أن الشيخ أثناء فترة المرض كان يرفع صوته، فكأنه يتجلد ويظهر للناس أنه بخير. ولما كان يعطى المسكنات لأن المرض لما عرف أنه انتشر وما عاد ينفع معه علاج، والأطباء رفعوا أيديهم، وكان ذهاب الشيخ للسفر للعلاج تأكيداً لتقرير الأطباء أن المرض انتشر، فهو رجع ومعروف أنه ليس هناك علاج ينفع في تقدير الأطباء، ما في إلا المسكنات، فكان الشيخ -رحمه الله- يكره المسكنات كما قال لي أحد الأطباء الذين يعالجونه؛ لأنها تنومه وتعيقه عن قيام الليل والتدريس.
وكان له أمنية حدث بها أحد المشايخ فقال: أنا أريد أن أموت وأنا قريب من الكعبة أنشر العلم.
وكان الشيخ يرى نشر العلم من أعظم القربات عند الله، ولهذا اشتغل به.
ولعل هذا الكلام أخذه من حديث النبي ﷺ: إذا أراد الله -عز وجل- بعبد خيراً عسله قيل: ما عسله؟ قال: يفتح الله -عز وجل- له عملاً صالحا قبل موته ثم يقبضه عليه [رواه الإمام أحمد: 17784، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].
ولذلك لما حصل للشيخ تعب إضافي في صبيحة اليوم التاسع والعشرين من رمضان وهو بمكة في الصباح قرر الأطباء نقله من الحرم إلى مستشفى جدة وبالفعل تم نقله إلى هناك وأدخل العناية المركزة، وجلس قرابة خمس ساعات، وعندما جاء العصر تحسنت حالته شيئاً ما فأصر -رحمه الله- أن يرجع إلى مكة رغم محاولة الأطباء ثنيه عن ذلك، فقال: لا تحرمونا هذا الأجر، فهذه آخر ليلة في رمضان، وبالفعل رجع الشيخ إلى مكة ومعه الأطباء المرافقون، وأجلس في غرفته داخل الحرم وأول ما دخل الغرفة طلب أن يتوضأ وصلى المغرب والعشاء وبعدما انتهى من الصلاة طلب أن يعد للدرس، ثم ألقى الدرس في آخر ليلة، قال: بما أن هذه الليلة المتممة للثلاثين من رمضان، فهذا آخر درس لهذا العام، فكان آخر درس له -رحمه الله-.
بعد الدرس هذا قال للأطباء :كيف تحرمونني من هذا الأجر العظيم؟ كنتم تريدون أن تبقوني في جدة؟
ولما جلست مع الشيخ -رحمه الله- في المرض، قلت له مسلياً: يا شيخ محمد إن عشت فهو إن شاء الله خير لنا بهذه الفتاوى والدروس، وما تنفع به الأمة وإن رحلت فنرجو إن شاء الله أن ما عند الله خير لك مما عندنا، وليس في الدنيا كبير شيء يؤسف على فراقه، الشيخ زاهد في الدنيا متعلق بماذا؟ يأسف على ماذا؟ على عمائر وقصور وأموال؟ فقال لي: أقول كما قال عمر بن عبد العزيز فيما رواه البخاري: إن للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص [صحيح البخاري: 1/11] ثم أشاح بوجهه، وقال لي: ... يريد الحياة.
والشيخ -رحمه الله- كان قلقاً في موضوع الفتيا، وسألته في هذه الخلوة لما خلوت به عن العلماء الذين يسألون احتياطاً للمستقبل، فقال: هناك ناس عندهم معلومات لكن أين الفقيه؟ المشكلة أين الفقيه الذي يجتهد ويستنبط؟ ثم أثنى على مجموعة من أهل العلم منهم الشيخ صالح الفوزان، والشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، وغيرهما، وكان شديداً في قضية التساهل على الذين يتساهلون ويفتحون للناس أبواباً مما يخالف الدين كان متألماً لهذا، وأن بعض هؤلاء لا تبرأ الذمة باستفتائهم.
وكذلك فإن الشيخ -رحمه الله- لما نقل من الحرم في آخر يوم بعدما انتهى من الدرس لشدة الالتهاب الرئوي الذي أصابه إلى جدة في العيد عولج من هذا الالتهاب الرئوي، فقال لي الطبيب المعالج: تحسنت حالة الشيخ، ففرحنا، ولكن ما زالت آثار السرطان باقية وشديدة، قالوا: كان طيلة الوقت يقرأ القرآن ويذكر الله، إذا أفاق يقرأ القرآن ويذكر الله، قال: وفي آخر ليلتين اشتد عليه المرض جداً وسمعناه يقرأ أشياء من القرآن، فاستمعنا وأنصتنا فسمعناه يقرأ قول الله -تعالى-: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ [الأنفال: 11] قال: فأعجبنا ذلك.
ثم في آخر يومين اشتد عليه المرض جداً.
وفاة ابن عثيمين وجنازته ودفنه
في يوم وفاته بعد الظهر الساعة الواحدة والنصف، دخل في غيبوبة في الساعة السادسة إلا عشر دقائق توقف القلب عن النبض، وتوقف النفس، وأسلم الروح -رحمه الله تعالى-.
وقد ذكر المغسلون الذين قاموا بتغسيل الشيخ وتكفينه ما رأوه من حسن منظره، وسهولة تغسيله ونظافة بدنه، حتى أنهم ظنوا أن الشيخ قد غسل قبل المجيء به.
وبعد ذلك حصل ما علمتم ورأيتم من توافد هذه الجموع الكبيرة للصلاة عليه، وهب هؤلاء الكثيرون لإمامهم، وأديت صلاة الجنازة في ذلك الزحام العظيم، ومشى الناس إلى المقبرة التي تبعد خمسة أو ستة كيلو على الأقدام، وكان منظراً غريباً لأهل مكة أن ينظروا هذه الجموع تخترق الشوارع وتمشي الكبير والصغير والشايب والشاب، ولم يفرغ من دفنه إلا في وقت متأخر من شدة الزحام.
ابن عثيمين لا يرى الاجتماع للعزاء
الشيخ -رحمه الله- كان في حياته لا يرى بالجلوس للعزاء، وكان ينفذ ما يراه صواباً، فلما مات أبوه ولما ماتت أمه لم يفتح بيته للعزاء، تلقى العزاء في المسجد، وفي الطريق، وهكذا فعل أولاده من بعده -رحمه الله تعالى رحمة واسعة-.
قصيدة في رثاء ابن عثيمين
أسى بقلب طليح الهم محزون | يعتاده الكرب من حين إلى حين |
قد رق حتى غدى من فرط رقته | يكاد يوقفه نبض الشرايين |
وأسعفته دموع سح ساجمها | كأنه الغيث يهمي في البساتين |
تقرحت مقلتي من حزنها أسفا | لفاجع ظل بالدهياء يرميني |
فأسكب الشعر دمعا ساخنا ودما | لعله من أسن مر يسليني |
أضحى بياني عريا من فصاحته | حتى غدا عاقل من وصف تبييني |
غداة قيل طوت أيدي المنون لنا | ثوب الحياة عن الشيخ العثيمين |
تبكي القصيم وطلاب وجامعة | ومسجد في عنيزة جد محزون |
تبكي المنابر والقاعات من حزن | وسوف تندبه شتى الميادين |
وكتبه سوف تبقى الدهر شاهدة | على براعته غر العناوين |
قول مفيد على التوحيد قيده | أو زاد مستقنع في الفقه والدين |
عقد ثمين يزين الجيد رونقه | تلقفه أيادينا بتثمينس |
والله نسأله للشيخ مغفرة | ورحمة يوم نشر الدواوين |
لشاعر مسلم كتبها من قطر.
بعض فتاويه ومسائله
لقد ترك الشيخ -رحمه الله- علماً واسعاً، وبلغت أشرطته في التسجيلات قرابة ثلاثة آلاف ومائة وثلاثة وثمانين شريطاً. وهناك فتاوى مكتوبة عند الناس، وأشرطة أخرى عند طلابه القدامى والمسجلة في قاعات الدراسة في فصول الدراسة بالكلية، ومجلدات كثيرة في الشروح.
لقد ذهب الشيخ -رحمه الله- إلى ربه وبقيت هذه التركة العظيمة من العلوم التي خلفها، وكتب الله لفتاواه القبول ولعلمه الانتشار في مشارق الأرض ومغاربها.
وإذا كان قد قيل سابقاً عالم المدينة ملأ الدنيا علماً، فإن عالم عنيزة في هذا الوقت مات وقد ملأ الدنيا علماً، وذهب بعض الدعاة وأهل العلم إلى الخارج في بلدان بعيدة فشاهدوا عدداً من المسلمين يعكفون على كتبه ورسائله وفتاواه.
وقد كتب بعض الأفاضل في منهج الشيخ -رحمه الله-، وهذه من القضايا المهمة.
لقد اعتنى الشيخ -رحمه الله- بالبداية بشرح كتب المذهب الحنبلي كزاد المستقنع والكافي وقواعد ابن رجب، وغير ذلك.
وكان يوصي بزاد المستقنع، لكنه في الوقت نفسه يعظم الدليل، ويحرم متابعة المذهب فيما خالف الدليل، ويشدد كثيراً على وجوب اتباع الدليل.
وهذه كتبه ومحاضراته ودروسه وفتاويه مشحونة بتقرير ذلك عندما يقول: العبادة لا تتم إلا بالإخلاص لله -تعالى- والمتابعة للنبي ﷺ.
والمتابعة لا تتحقق إلا إذا كانت موافقة للشرع في ستة أمور: السبب، والجنس والقدر والكيفية والزمان والمكان، فلا تقبل العبادة إلا إذا كانت صفتها موافقة لما جاء عن النبي ﷺ.
ولهذا فقد خالف الشيخ المذهب في مئات المسائل التي يرى أن الدليل فيها بخلاف المذهب، كمسألة الطلاق بالثلاث، ومسألة مدة القصر في الصلاة في السفر، ومسألة نقض غسل الميت للوضوء، وغير ذلك.
وكذلك فقد عني بكتب الحديث، فشرح صحيح البخاري وصحيح مسلم، وكتب الأحكام المبنية على الأحاديث كبلوغ المرام، وعمدة الأحكام.
أبرز الأمور التي تأثر بها ابن عثيمين
وقد تأثر الشيخ -رحمه الله- بمؤثرات أربعة:
أولاً: طلبه للعلم على العلم الفقيه عبد الرحمن السعدي، وهو من جهابذة الفقهاء الذي كانت له عناية خاصة بالتأصيل والتقعيد، وألف في أصول الفقه والقواعد الفقيهة، وأصول التفسير، وجمع كتاباً حافلاً بالقواعد والضوابط والأصول من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في نحو ألف وستة عشر قاعدة وضابطاً وأصلاً، وهو المسمى بطريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول.
وكذلك يقول عن شيخه: إنني تأثرت به كثيراً في طريقة التدريس وعرض العلم وتقريبه للطلبة بالأمثلة والمعاني.
وثانيا: طلبه للعلم على الشيخ العلامة المحدث عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، فقد استفاد منه العناية بالحديث كما قال الشيخ محمد عن نفسه: تأثرت بالشيخ ابن باز من جهة العناية بالحديث.
وثالثاً: عنايته بكتب الإمامين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، فقد شرح للطلبة الحموية والتدمرية والواسطية والاقتضاء والسياسة الشرعية، وشرح النونية لابن القيم، ومختارات من زاد المعاد وإعلام الموقعين، وغير ذلك، وقد تأثر بهما تأثراً عظيماً جداً بابن القيم وابن تيمية -رحمهما الله تعالى-.
وكذلك فقد اهتم بجانب أصول الفقه وتعمق فيه، وهو الجانب المؤثر الرابع وبالقواعد الفقهية واشتغاله بنظم الورقات والقواعد والأصول ومختصر التحرير والمنظومة في أصول الفقه، وقواعد ابن رجب والعناية التامة بذلك، ثم باللغة العربية التي برع فيها وأعرب ألفية ابن مالك إعراباً سريعاً في جلسة واحدة.
وله دروس في اللغة العربية في شرح الآجرومية وألفية ابن مالك.
وكان إذا لحن القارئ طلب منه إعراب ما لحن فيه.
فاعتناؤه بأصول الفقه وبالنحو قد أفاده جداً في الفقه وفي التفسير.
ولذلك فإن دروس التفسير لدى الشيخ مميزة جداً.
بعض مميزات ابن عثيمين
لقد كان للشيخ -رحمه الله- مميزات فمنها: الشمولية العلمية في هذه الموسوعات التي تجدها له في شتى مجالات العلم الشرعي.
وكذلك فإنه كان منضبطاً جداً في إنتاجه العلمي، وكان يأخذ بالقواعد العامة في اتباع الظاهر في الأحكام كاتباع الظاهر في العقائد إلا ما دل الدليل على خلافه، لكن اتباع الظاهر في العقائد أوكد؛ لأنها أمور غيبية لا مجال للعقل فيها، بخلاف الأحكام فإن العقل يدخل فيها أحياناً، لكن الأصل أننا مكلفون بالظاهر.
وكذلك فإنه كان لا يتردد في إعلان توقفه وأن يقول: لا أدري في مسائل، وقد جربت ذلك في عدد من القضايا مع الشيخ -رحمه الله-.
وكذلك فإنه كان يسير على طريقة السبر والتقسيم والتفصيل، وهذا يفيد الطلاب جداً ويركز المعلومات في أذهانهم، فتجده مثلا يقول في أحكام الشعر: إنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: شعر أمر الشارع بإزالته، كشعر العانة والإبط، وقص الشارب، وشعر نهى الشارع عن إزالته شعر اللحية، وشعر سكت عنه، مثل شعر اليدين والرجلين.
ويقسم الحركة في الصلاة إلى خمسة أقسام، والنجاسة إلى ثلاثة أقسام، وهكذا تجده كثير التقسيمات، بارعاً في طريقة السبر، وهذه توضح المسائل في أذهان الطلبة جداً.
وكان ذا تحديد دقيق للمصطلحات كما يتبين من تعريفه لحد الحدث، تعريف النجاسة، والاحتياط، والغرض والإجزاء، ونحو ذلك، ويعتني بالفروق الفقهية، وهذه قضية تدل على الرسوخ في العلم، فيبين مثلاً الفرق بين القضاء والأداء في الصلاة، الفرق بين فروض العين وفروض الكفاية، الفرق بين أركان الصلاة وشروط الصلاة، الفرق بين صفة الكمال وصفة الإجزاء بالعبادة، وهكذا..
وكثيراً ما يستعمل القواعد الفقهية الكلية، ويرد جزئيات المسائل إليها، وهذه من صفات أهل الاجتهاد.
وكثيراً ما تسمعه يقول هذه القواعد في أثناء شرحه: العبرة بالأمور بمعانيها لا بصورها، البدل له حكم المبدل منه، عدم السبب المعين لا يقتضي السبب المعين، يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، المشقة تجلب التيسير، الفرع أضعف من الأصل، القضاء يحكي الأداء، كل ما وجب في العبادة فإن فواته مبطل لها، اليقين لا يزول بالشك، الشيء في معدنه لا حكم له. البول والغائط نجس وإلا لا؟ يصلح واحد يصلي معه بول وغائط؟ طيب في بطن كل واحد في ؟ إيه ما له حكم إلا إذا خرج، أما إذا كان في الداخل فليس له حكم فإذا خرج صار له الحكم.
ما شك في وجوده فالأصل عدمه، وهكذا.. ويورد القواعد الأصولية وينبه على المسائل الأصولية، وهذا ولا شك من حسن تدريسه وما تميزت به علومه -رحمه الله-.
أسئلة وجهها الشيخ/ محمد المنجد لابن عثيمين
وكنت قد سألته عن مسائل ثم كتبتها وعرضتها عليه مرة أخرى قراءة، ومن باب الفائدة اخترت بعضها في هذا الدرس:
سألته -رحمه الله- عن التبول في البانيو أثناء الاستحمام هل يدخل في حديث النهي عن البول في المستحم أم لا لأن مجرى الماء مفتوح فلا يدخل؟
فقال -رحمه الله-: لا يدخل؛ لأنه إذا بال فسوف يريق عليه الماء ثم يزول البول، لكن لا يستحم حتى يزيل البول بإراقة الماء عليه.
وسألته هل من السنة حلق شعر الأنثيين والدبر؟
فقال: ليس من سنن الفطرة، لكن إذا كان الشعر كثيراً فإنه لا بد من إزالته حتى لا يتلوث بالخارج.
وسألته هل الصدف أو القواقع البحرية تعتبر من العظم الذي لا يجوز الاستجمار به؟
فقال: لا، بل يجوز الاستجمار بها لقول النبي ﷺ لوفد الجن: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه)) وهذه أي الصدف والقواقع البحرية لا تدخل في الحديث.
وسألته -رحمه الله- عن النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان هل يشمل المرأة إذا كانت في المسجد تحضر درساً أو محاضرة؟
فقال: لا يشملها لأن المرأة لا تجب عليها الجماعة أصلاً.
وسألته عن الذي يصلي على الكرسي في المسجد هل يجعل أرجل الكرسي الخلفية بمحاذاة أرجل المصلين في الصف؟ أم يجعل أرجل الكرسي الأمامية بمحاذاة أرجل المصلين؟
فقال: يجعل أرجل الكرسي الخلفية بمحاذاة أرجل المصلين، والعبرة به حال قعوده الآن، وليس لو قام أين سيكون.
وسألته -رحمه الله- عن إمام مسجد انتقل أهل مسجده عنه، ولا يصلي معه إلا شخص أو يصلي وحده فهل يستمر في الصلاة في المسجد وحده؟ أم ينتقل إلى جماعة مسجد آخر وما مدى استحقاقه للراتب؟
فقال: أرى أن يبقى إن كان معه مأموم ولو واحد، فإذا لم يكن معه أحد ذهب إلى مسجد آخر يصلي فيه مع الجماعة. أما بالنسبة للراتب فلا بد أن يبلغ المسؤولين بذلك.
وسألته -رحمه الله- عن وجود بعض الملحقات خارج المسجد كخيمة يجعل فيها النساء مع الصبيان، حتى لا يشوشوا ويمد إليها الصوت بالسلك وبين الخيمة والمسجد ممر أو درج، وهذه الخيمة في مواقف سيارات المسجد هل يصح الاقتداء؟
فقال -رحمه الله-: لا تجوز الصلاة خارج المسجد إلا للضرورة، وهذه ليست بضرورة لأن المرأة لا يجب عليها حضور الجماعة، فليست في ضرورة في ذلك، وصلاتها في بيتها أفضل لها من صلاتها في المسجد.
متى يصح الاقتداء يا إخوان؟
إذا كان واحد داخل المسجد يسمع تكبيرات الإمام، ليقتدي، وإذا امتدت الصفوف إلى الخارج صح في الاقتداء أيضاً، لكن بينه وبين المسجد طريق بينه وبين المسجد ممر وما فيه ضرورة، فعند ذلك لا يقتدي بالإمام.
وكذلك سألته عن مأموم حضره البول أو الريح بشدة وهو في التشهد الأخير هل تصح صلاته إذا سلم قبل الإمام بعد التحيات والصلاة الإبراهيمية والركن والواجب؟
فقال: نعم، تصح لأنه معذور.
وسألته عن إمام قرأ باللغة الإنجليزية الفاتحة، يعني معانيها، فهل صلاة من وراءه باطلة -وهذه من أسئلة الإنترنت- فقال تكون صلاتهم باطلة لكن إذا دخلوا معه قبل أن يعلموا أنه يقرأ باللغة الإنجليزية نووا الانفراد عنه، وأكملوا صلاتهم على ما سبق.
أما بالنسبة للإمام فيلزمه أن يتعلم الفاتحة باللغة العربية، فإن لم يمكنه سقط عنه وجوبها إلى بدلها من الأذكار المعروفة عند أهل العلم، مثل: سبحان الله والحمد لله .
وسألته يوجد في أمريكا بنوك اسمها بنوك الحليب، يشترون الحليب من الأمهات الحوامل ثم يبيعونه على النساء اللواتي يحتجن إلى إرضاع الأولاد من صاحبات العمل أو من بها مرض وحليبها ناقص، فما حكم شراء الحليب من تلك البنوك؟
فقال: حرام، ولا يجوز أن يوضع بنك على هذا الوجه ما دام أنه حليب آدميات؛ لأن الأمهات ستختلط، ولا يدري من أمه بالرضاعة، والشريعة الإسلامية يحرم فيها بالرضاع ما يحرم من النسب.
أما إذا كان اللبن من غير الآدميات فلا بأس، أو كان من نساء معينات يمكن الإحاطة بهن، يعني هذا لبن فلانة، وهذا لبن فلانة، وهذا لبن فلانة؛ لأنه في هذه الحال ستعترف أمهاتهم من الرضاع .
وسألته عن بعض الحالات المرضية وخصوصا النادرة التي يريد بعض الأطباء تصوير المريض أو جزء من جسده كالصدر والظهر والرجلين لينفع هذا في تدريس المادة لطلاب الطب أو تعرض في بعض المؤتمرات الطبية للفائدة؟
فقال: إذا كان بعلم المريض، وفيه مصلحة للجمهور، فلا بأس بذلك، أما إذا كان بغير إذنه فلا يجوز.
وسألته -رحمه الله- عن حكم إزالة حب الخال في الوجه وحوله شعر وهو يشوه المنظر؟
فقال: لا بأس بإزالته؛ لأن ذلك إزالة عيب وليس لزيادة التجميل.
وسألته عن حكم إجراء الأبحاث على الحيوانات لتطوير الأدوية؟
فقال: لا أرى في هذا بأساً، لعموم قوله -تعالى-: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ [الجاثية: 13]، ولكن يجب أن يسلك أسهل الطرق في التجارب وأبعدها عن تعذيب الحيوانات.
وسألته -رحمه الله- عن حكم استعمال الأجهزة الطبية أو الأشعة فوق الصوتية لمعرفة جنس الطفل وهو في رحم أمه هل ذكر أو أنثى؟
فقال: لا بأس بهذا إلا إذا كانت فيه نفقات باهظة، فقد يقال: إنه من إضاعة المال، حيث أنه لا يترتب على معرفة جنس الجنين إلا مجرد الفرحة بمعرفة جنسه، -طبعاً بين قوسين والخيبة عند من يكرهون البنات إن طلعت أنثى- فإذا كانت المعرفة لا تحصل إلا بنفقات باهظة فهو من إضاعة المال فإنه لا يجوز.
وسألته ما حكم إخبار إمام المسجد كلما توفي شخص في الحي يخبرهم بعد الصلاة أن فلاناً مات والصلاة عليه في مكان كذا؟
فقال: لا أرى هذا؛ لأنه لم يكن من عادة السلف الصالح الإعلان عن موت كل ميت مسلم، اللهم إلا أن يكون الميت ذا قيمة كعالم وغني ينفع الناس؛ لأن الناس يتشوقون إلى تشييع جنازته.
وسألته -رحمه الله- هل يتحمل الأب مصاريف سفر أولاده لرؤية أمهم المطلقة إذا طلبت الأم ذلك؟
فقال: إذا كان الزوج قد أغناه الله، والزوجة حالتها متوسطة أو دونها فإن من المروءة أن يتحمل النفقة، ولكنه ليس بواجب عليه أصلاً.
وسألته: هل يجوز أن يؤخر الإنجاب ويجعله كل خمس سنين لأنه يرى فساد المجتمع ويدعي أنه لا قدرة له على التربية في هذا الوقت؟
فقال: أما ما دام هذه النية فإنه لا يجوز؛ لأنه إساءة للظن بالله فيما يرغبه النبي ﷺ حيث قال: تزوجوا الودود الولود، أما إذا كان تنظيم النسل من أجل حال المرأة أنها لا تتحمل فهذا قد نقول بجوازه وإن كان الأولى تركه وقوله: إن أولاده سوف يفسدون أن هذا غير مسلم فقد يكونون صالحين ينفعون المجتمع.
وسألته -رحمه الله- عن امرأة سيذهب زوجها إلى الخارج إلى بلاد الكفار لأمر دنيوي فطلب منها أن تسافر معه فهل تسافر معه أم لا؟
فقال: أرى أن تذهب معه؛ لأن ذلك أقرب لسلامته من الفتن، وهي لا ضرر عليها ما دامت تقوم بالواجب من التستر والحشمة، وأما ذهابه وحده فيخشى عليه وهي أيضاً إذا بقيت ليس عندها زوج ستكون في تعاسة ويخشى عليها من الفتنة.
وسألته -رحمه الله- عن تفتيش الزوج محفظة الزوجة والعكس؟
فقال: هل يرضى أحد الزوجين بذلك، إذا كان برضى صاحبه فلا بأس أما إذا كان بغير رضاه فلا يجوز.
وسألته عن حكم ذهاب الزوج إلى أولاد زوجته الثانية في يوم الزوجة الأولى لتدريسهم في أيام الامتحانات؟
فقال: هذا حرام إلا برضا الزوجة الأخرى، وإذا أراد أن يدرسهم يأتي بهم إلى الزوجة صاحبة البيت الذي هو فيه الآن الدور عليه ثم يردهم إلى أمهم.
وسألته عن رجل مات فولدت امرأته بعد موته بساعات هل يجوز أن تغسله؟
قال الشيخ -رحمه الله-: لا، إذا ولدت انقطعت العلاقة بينها وبين زوجها فلا يجوز أن تغسله؛ لأنها صارت الآن غير زوجة له، ولهذا لو عقد عليها عاقد في هذه الساعة صار العقد صحيحاً؛ لأن عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً وضع الحمل.
وسألته -رحمه الله- إذا حلف على شخص ألا يفعل ففعل فهل يجب على المحلوف عليه أو هذا الشخص الثاني أن يخبر الحالف ليكفر؟
فقال: نعم، يلزمه ذلك ولكن الأفضل للمؤمن أن يبر بقسم أخيه .
وسألته -رحمه الله- عن رجل وضع مبالغ بأسماء أولاده في حسابات في شركات استثمارية فهل الزكاة على كل حساب لمفرده أو يجمع الجميع إذا كان كل واحد لا يبلغ نصاباً؟
فقال: كل إنسان له ماله الخاص فإذا بلغ نصاباً زكاه، وإلا فلا، ولا يضم بعضها لبعض لتكميل النصاب.
وسألته -رحمه الله- عن بيع بعض المحلات للهاتف الجوال ويسددون ثمن الشريحة لشركة الاتصالات، ثم يقسطون كل المبلغ عليه، طبعاً بزيادة؟
فقال الظاهر: أن هذا لا يجوز؛ لأن المشتري يقول للبائع أقرضني ثمن الشريحة يعني سدد عني لشركة الاتصالات ثم أسدد لك بزيادة وهذه الزيادة ربا لكن يجوز أن يبيعه الهاتف فقط بالأقساط؛ لأنه يملكه أما يقول له: سدد عني الشريحة وأعطيك بزيادة، فهذا قرض بزيادة وهو ربا.
وسألته عن بعض محلات غسيل الملابس التي تبيع بطاقات بسبعين ريالا ويغسلون بمائة، تدفع مقدماً سبعين ويغسلون لك بمائة؟
فقال: نعم، يجوز .
وسألته -رحمه الله- عن صاحب مستشفى يقول للزبائن أو للشركات: ادفعوا خمسمائة ريال مقابل عشرين كشفاً طبياً عن هذا الشخص من موظفيكم، سواء كان لمرض يصيبه أو فحص عام يجريه على مدار السنة بحيث إذا استنفد العدد كان ذلك مقابل المبلغ وإن لم يستنفد العدد فإنهم لا يسترجعون النقود؟
فقال: لا بأس بهذه المعاملة إذا كان العدد معلوماً عدد الكشوفات معلوماً.
وكذلك سألته -رحمه الله- عن شركة لها أموال في البنك ووافق البنك أن يقرض موظفي الشركة بغير زيادة؟
فقال: لا مانع من اقتراض الموظف من هذا البنك ما دام القرض بدون ربا واشتراط تحويل الراتب إلى البنك المقصود به في هذه الحالة أن يتوثق البنك من حقه.
وسألته -رحمه الله- عن صاحب محل تجاري في بلاد الغرب يدخل عليه نصارى سكارى ليشتروا هل يجوز بيعهم أم لا؟ فقال: إذا كانوا يعقلون فلا بأس ببيعهم، وإذا كانوا في حال لا يعلمون ما يفعلون فلا يجوز البيع عليهم.
وسألته -رحمه الله تعالى- عن المحاسب الذي من وظيفته أن يكتب نموذج للبنك براتب الشخص المعين الموظف لكي يقترض بالربا؟
فقال: إذا عبأت له الأوراق فأنت معين له على الحرام، وقد قال: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2].
وسألته -رحمه الله- عن رجل كان يملك أسهماً في بنوك ربوية فباعها وفيها زيادة عن القيمة التي اشتراها ووضع المال في بيته فسرق ثم تاب الرجل فهل يلزمه إخراج المال مرة أخرى؟
فقال: ما دام أنه قد تاب فلا يلزمه إخراجه مرة أخرى لقوله تعالى: وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ [البقرة: 279].
وبقاء هذا المال الربوي عنده، الزيادة هذه التي أبقاها في بيته من باب الأمانة، حتى يتخلص منها، وقد سرقت بدون تعد ولا تفريط فلا ضمان عليه.
وسألته عن رجل اقترض من البنك بالربا لأجل صديقه من باب مساعدة الصديق بزعمه ثم تاب هل يجب عليه نقل الدين لاسم صديقه؟
فقال: إذا أمكن فيجب عليه لئلا يعتبر راضياً ولئلا يبقى مصراً على المساعدة على الربا.
وسألته عن لبس الرجل لخاتم البلاتين؟
فقال: مشروط بألا يكون مسرفاً، وألا تحصل به الفتنة.
وسألته -رحمه الله- عن العمل في مصنع ملابس نسائية ضيقة وقصيرة؟
فقال: لا، حرام عليه؛ لأنه تعاون على الإثم والعدوان.
وسألته عن رجل قتل آخر ثم نحر نفسه هل لأولياء القتيل المظلوم أي حق مالي عند أولياء القاتل المنتحر؟
فقال: لأولياء المقتول الدية في مال القاتل إن كان له مال، فإن لم يكن له مال فما لهم على العاقلة من حق؛ لأن العاقلة لا تحمل دية العمد.
وسألته -رحمه الله- عن حكم نسخ برامج الكمبيوتر؟
فقال: يتبع فيها ما جرى فيه العرف، اللهم إلا شخص يريد أن ينسخها لنفسه ولم ينص الذي كتبها أولاً على منع النسخ الخاص والعام، فأرجو ألا يكون به بأس، والاحتياط الاستئذان.
أما إذا نص الشخص الذي كتبها أولاً على منع الخاص والعام فلا يجوز مطلقاً.
وسألته -رحمه الله- عن رجل استودع عند إنسان سجادة في الحرم، وقال: خلها عندك حتى أطوف وآتيك فانتظره من العصر إلى العشاء فلم يأت فماذا يفعل وهل هي من لقطة الحرم؟
فقال: يتصدق بها عن صاحبها؛ لأنه شخص معين لكنه مجهول، وليست مثل لقطة الحرم؛ لأن اللقطة هي التي لا يدرى لمن هي.
فتاوى منتقاة لابن عثيمين من أكثر من عشرة مجلدات
وأخيرا: فقد تم اختيار بعض فتاوى الشيخ بالاختصار مختصراً من أكثر من عشرة مجلدات من فتاويه، فأسردها عليكم للفائدة مختصر الفتوى فقط، حتى يكون أيضاً المجلس ليس فقط مسألة عواطف، ولكن نستفيد من علم الشيخ، في نقاط سريعة.
الصحيح: أن تعليق التمائم ولو من القرآن والأحاديث النبوية أنه محرم.
التسمية: إذا كان الإنسان في الحمام تكون بقلبه ولا ينطق بها بلسانه.
النساء: إن أقمن الصلاة فلا بأس.
يجوز للمرأة الحائض أن تجلس في المسعى.
لا يجوز التعامل بالشيكات في بيع الذهب والفضة.
يجوز دخول الحمام بأوراق فيها اسم الله ما دامت في الجيب وليست ظاهرة.
جواز البول قائماً بشرط أن يأمن التلويث وعدم انكشاف العورة.
جواز صحة الصلاة ولو كان الحمام أمام القبلة إلا إذا كانت هناك رائحة كريهة فيجتنبه.
لا بأس بالذهاب إلى مسجد آخر غير المجاور لحضور خطبة الجمعة إذا كان لمصلحة دينية.
الصف بين السواري والأعمدة إذا كان فيه زحام فلا بأس.
لا بأس بإظهار أعمال التطوع في البيت لأجل أن يقتدى به.
الأفضل أن يدعو لوالديه ولا يجعل لهما عملاً صالحاً كالحج والعمرة، بل الحج والعمرة يجعلها لنفسه والدعاء لوالديه.
هذا في النافلة.
أما إذا كان أبوه ما حج الفريضة، أمه ما حجت الفريضة، وهو حج الفريضة يحج ويعتمر عنهما.
ليس على المرأة إثم إذا ماتت ولم تحج بسبب عدم وجود المحرم.
جواز إمامة الذي يتعتع ما دام يقيم الحروف والكلمات والحركات.
تحريم استخدام الأجهزة لغير مصلحة الدوائر الحكومية الموجودة فيها فلا يجوز استخدامها في الأشياء الخاصة وفي فتوى أخرى؟
قال الشيخ: الشيء الذي لا يتأثر ولا ينقص إذا استخدم كالمسطرة يجوز استعماله في شيء شخصي، والذي ينقص لا يجوز استعماله في شيء شخصي.
إذا أزيلت النجاسة بأي شيء سواء كان ماء أو بنزيناً أو مزيلاً فإنه يكون مطهراً.
جواز المسح على كل ما لبس على القدم وهو القول الصحيح.
القول الراجح: أنه يجوز المسح على الجورب المخرق والخفيف.
لا يجوز إحضار الأولاد إلى المسجد إذا كانوا يشوشون على المصلين.
السنة: أن يسبح باليد اليمنى .
اتخاذ النعل سترة لا بأس إلا إذا كان فيها شيء ظاهر من النجاسة.
التأمين التجاري الذي الغرض منه المرابحة ميسر محرم.
من زوج أولاده الكبار فلا يجوز له أن يوصي لأولاده الصغار بمثل ما زوجهم به، فإذا زوج أولاده الكبار إذا الصغار كبروا زوجهم مثل الأولين إذا استطاع، وإذا مات قبل أن يكبروا ما عليه شيء، فلا يوصي لهم بشيء.
استقدام الخادمة بدون محرم معصية.
لا يجوز للإنسان أن يشاهد صور النساء الأجنبيات في المجلات أو الدش أو غير ذلك.
لا يجوز الاختلاط بين الرجال والنساء في عمل حكومي أو في قطاع خاص أو مدارس حكومية أو أهلية.
إذا جاءتك امرأتك بولد يكون شبهه موجباً للشبهة فلا تلتفت إلى ذلك، ما يجوز تقول هذا ما يشبهني ولا أدري من وين جابته؟ ولذلك بعض البادية عندهم شيء فظيع، يقول: هذا ولدي إن صدقت أمي، أيش الشرط الفظيع هذا؟ سوء الظن حرام لعله نزع عرق نعم.
المقدم بالقبول ما ارتضته الفتاة، من الخطاب، فإذا اختارت من ليس كفؤاً فلا يؤخذ برأيها.
يجوز للإنسان أن يتزوج بامرأة أخذ لها من دمه، يعني التبرع بالدم لامرأة لا يحرمها.
المراد بقوله: {والقواعد} العجائز الكبيرات، وليس القاعدة عن العمل؛ لأن بعض العامة يفهم القواعد من النساء التي تكشف هذه المتقاعدة عن العمل.
الأفضل ألا يشترط على الزوج إكمال دارسة الزوجة؛ لأن هذا فيه تقييد له قد تكون المصلحة أنها ما تكمل الدراسة.
عدم تصريح الخاطب بما كان خفياً من المرض غش، وعلى من فعل ذلك طلب السماح من الزوجة.
المغالاة في المهور مخالفة للشرع، وشهر العسل أخبث وأبغض.
الرقص من النساء قبيح لا نفتي بجوازه، ومن الرجال أقبح.
العزل أثناء الجماع بدون سبب لا بأس به، لكن لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها.
للرجل أن يهجر امرأته في الكلام في حدود ثلاثة أيام، أما في المضجع فيهجرها حتى تتوب.
لا يجوز للرجل الغياب عن زوجته أكثر من نصف سنة إلا لعذر أو إذا سمحت بذلك.
المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه ولو تلفظ.
الحلف على المصحف صيغة لا أعلم لها أصلاً من السنة فليست بمشروعة.
"طهور إن شاء الله" يظهر أنه ليس من باب الدعاء، بل من باب الخبر والرجاء والتفاؤل لهذا المريض.
المرتد إذا كان مؤذياً للمسلمين يدعى عليه، وإذا لم يكن كذلك فالأحسن أن يدعا له بالهداية.
قسوة الولد على أبيه لأجل تخليص أمه من ضرب أبيه لا بأس به.
لا يجوز قول: المرحوم للميت بقصد الخبر، أما بقصد الدعاء فلا بأس.
من أنكر كفر اليهود والنصارى أو شك في كفرهم فقد كذب الله وتكذيب الله كفر، ومن زعم أن في الأرض ديناً يقبله الله سوى دين الإسلام فإنه كفر.
الإنسان مأجور على قراءة القرآن سواء أفهم معناه أم لم يفهم، ولكن ينبغي الحرص على فهم معناه.
ترجمة ألفاظ القرآن لا تمكن وإنما تجوز ترجمة معانيه للحاجة.
الأشرطة التي تتضمن شيئاً من الأحاديث أو الآيات إذا رماها الإنسان أو دخل بها مكان قضاء الحاجة بشرط ألا يقصد إهانتها فإنه ليس في ذلك بأس.
فإذاً، شريط القرآن ليس له حكم المصحف.
يجب على الشباب ستر أفخاذهم ولا يجوز مشاهدة اللاعبين الكاشفين أفخاذهم.
لا حرج من قطع الغريزة الجنسية عند القطط إذا كانت كثيرة ومؤذية.
لا أرى مانعاً أن يقول الإنسان: مبروك.
وضع لفظ الجلالة وبجانبه اسم الرسول ﷺ لا يجوز.
تعليق لوحة عليها اسم النبي ﷺ تبركاً غير جائز .
تأجير المحلات لمن يستعملها في الحرام حرام.
إذا دخل الإنسان المسجد والمؤذن لا يزال يؤذن الأفضل أن يجيب المؤذن ثم يدعو بعد ذلك بما ورد، ثم يدخل في تحية المسجد.
إذا قرأ المأموم آية فيها سجدة لا يسجد لأن متابعة الإمام واجبة، وسجود التلاوة سنة.
أسباب توقف العالم عن الفتوى يكون لتعارض الأدلة عنده، وقد يكون لظنه أن هذا المستفتي متلاعب.