الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

فوائد من الأحاديث الصحيحة 1


عناصر المادة
مقدمة
تحقق دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-
لا يخطب على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب الأول أو يأذن له
إلانة الكلام مع كبير القوم ولو كان سيئاً
فائدة فقهية تتعلق بصلاة المسبوق
الإخوة في الله وحقوقها
إزالة الإسلام للموانع المتعلقة بالأخوة في الله
الحديث المضطرب
الحرص على العلم
العلاقة الحميمة بين عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد
موانع الانتفاع بالرقية
أدب الشرب
التحذير من الاغترار بالكثرة
تشميت العاطس
طلب الدعاء من الآخرين
كيفية السجود
أخذ الزينة للصلاة

مقدمة

00:00:05

الأحاديث عن رسول الله ﷺ فيها: تبيان لحكم كثيرة، ومصالح جليلة، وفوائد عظيمة تهم الإنسان المسلم في حياته، وهي ذخيرة له وزاد بعد مماته، بل إنها لتنفعه حتى في قبره الذي إن كان صاحبه صالحاً فإنه روضة من رياض الجنة.

ولقد اعتنى علماؤنا من السلف الصالح ومن سار على نهجهم عناية عظيمة بأحاديث رسول الله ﷺ، فميزوا صحيحها من ضعيفها، وميزوا صحيحها من سقيمها ومعلولها، فنشأت علوم عظيمة مبنية كلها على حديث رسول الله ﷺ، ومرتبطة به ومتفرعة عنه.

ولذلك كان من الواجبات على المسلم: أن يعلم ويميز أحاديث الرسول ﷺ الصحيحة من غيرها حتى يعبد الله على بصيرة وحتى لا ينساق وراء كل ما يسمع وكل ما يقال من أحاديث، وإنما ينبغي أن يتحرج، ويطبق قول الله -تعالى- وقول رسوله ﷺ في التثبت من الأقوال والأقاويل والأحاديث.

ولذلك -أيها الإخوة- ميز علماؤنا بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة في مجلدات عظيمة ضخمة من كتب العلم، وإنكم لتلاحظون لمن تتبع الأحاديث الصحيحة الفرق الشاسع بينها وبين الأحاديث الضعيفة والموضوعة في عمق الفوائد ودقتها وعظم شأنها.

وفي هذه الليلة -أيها الإخوة- استعرض معكم بعض الفوائد من الأحاديث التي انتقيتها من صحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم.

وبالجملة من سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء يسير من سلسلة الأحاديث الضعيفة؛ لأن فيها بعض الأحاديث مشتهرة على الألسنة، وفيما صح عن رسول الله ﷺ ما يغني عنها.

فإذاً، هذه الأحاديث التي سنتكلم عنها إن شاء الله ليست مندرجة تحت موضوع واحد، وإنما هي في مواضيع شتى في العقيدة أو في السيرة أو في الأخلاق أو في الآداب الاجتماعية والأخوية، وغيرها.

سنستعرض هذه الأحاديث وفوائدها:

تحقق دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-

00:03:29

الفائدة الأولى: أخرج أبو داود -رحمه الله تعالى- عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ خرج يوم بدر في ثلاثمائة وخمسة يعني رجلاً من المسلمين، فقال رسول الله ﷺ لما نظر إلى حال المسلمين رفع يديه، فقال ﷺ:  اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم .

هذا الحديث من دلائل نبوة نبينا ﷺ لماذا؟ ما هي تكملة الأحاديث؟

يقول الراوي: "ففتح الله يوم بدر فانقلبوا حين انقلبوا -بعد المعركة- وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين".

والجمل ما هو؟ في ماذا يستعمل؟

مركوب يركب.

ماذا قال الرسول ﷺ في الحديث؟

 اللهم إنهم حفاة فاحملهم  الصحابة خرجوا حفاة بعضهم، يمشون ما عندهم شيء يركبون عليه، آذت الأرض أرجلهم، تأذت أرجلهم، رجعوا -أيها الإخوة- هؤلاء الحفاة من المعركة ومع كل واحد منهم نعل أو نعلين، حمار أو حمارين، فرس أو فرسين، ومع كل واحد جمل أو جملين، واكتسوا وشبعوا، تقول الرواية: "وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا اكتسوا" [رواه أبو داود: 2747، وحسنه الألباني: 5929].

لأن الرسول ﷺ قال: اللهم إنهم عراة فاكسهم  فكساهم الله من تلك الحلل التي استلبوها من هؤلاء الكفرة، وشبعوا؛ لأن الرسول ﷺ دعا، فقال: اللهم إنهم جياع فأشبعهم  ما تخلفت دعوة واحدة من دعوات الرسول ﷺ.

أفلا يكون هذا الحديث وغيره من الدلائل العظيمة على نبوة نبينا محمد ﷺ؟

نسأل الله أن نكون من أهل دعوته وأن يحشرنا في زمرته.

لا يخطب على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب الأول أو يأذن له

00:06:16

الفائدة الثانية: أخرج الإمام أحمد وهو حديث صحيح، عن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ قال: لا تلقوا البيوع، ولا يبع بعض على بعض، ولا يخطب أحدكم أو أحد على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب الأول أو يأذنه فيخطب هذه الفائدة الأخيرة في الحديث قد تكون غير معروفة، الناس يعرفون حديث: لا يخطب أحد أو أحدكم على خطبة أخيه  لكن هناك فائدة في هذا الحديث يقول الرسول ﷺ:  ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب الأول أو يأذنه فيخطب [رواه أحمد: 6417، وأصله في البخاري: 5142].

فإذاً  إذا خطب أخوك المسلم من أناس، تقدم لأناس، ما يجوز لك أن تتقدم لنفس الناس  هؤلاء إلا في حالتين:

الحالة الأولى: أن يترك الخاطب الأول، إما لأنهم لم يرضوا به أو هو لم يرض بهم، إنما ترك، فسخ الخطبة وترك، أو يأذنه فيخطب.

الحالة الثانية: أن تذهب لهذا الخاطب فتقول له: يا أخي أنا أريد أن أتقدم لهؤلاء الناس الذين أنت تقدمت إليهم أفتأذن لي أن أتقدم؟ فإن أذن لك فيجوز لك أن تتقدم وإلا فلا يجوز ذلك، يعني قد يتقدم واحد لأناس فتطول المدة وتطول، وهناك من يريد أن يتقدم فماذا تفعل في هذه الحالة؟

تذهب لهذا الخاطب الأول فتستأذنه ثم تتقدم إلى أولئك الناس، هذا أيضاً من حقوق الأخوة.

إلانة الكلام مع كبير القوم ولو كان سيئاً

00:08:13

الفائدة الثالثة: عن أبي ذر أن رسول الله ﷺ قال لأبي ذر: كيف ترى جعيلاً؟  واحد اسمه: "جعيل" من الصحابة، قال: فقلت: "مسكين كشكله من الناس" يعني ما عنده شيء، كشكله من الناس، قال: فكيف ترى فلاناً؟ سمى رسول الله ﷺ له شخصاً آخر قلت: سيد من السادات، هذا واحد عظيم من الناس، سيد من السادات، قال: فجعيل خير من ملء الأرض أو آلاف، أو نحو ذلك من فلان  من هذا السيد من السادات، قال قلت: يا رسول الله ففلان هكذا وأنت تصنع به ما تصنع؟ يعني يقول رسول الله هذا الرجل العظيم السيد من السادات تقول أنه دون الرجل هذا بمراحل كثيرة وأنت تكرم فيه، وتعظم فيه، وتحسن إليه، وتصنع به ما تصنع؟ ليه تقول هذا فلان أفضل من هذا بكثير ثم تكرم هذا الرجل الآخر الذي ليس هو بأفضل تركه أشد من إكرامك للرجل الأول؟

فقال رسول الله ﷺ: "إنه رأس قومه فأنا أتألفهم فيه" [حلية الأولياء: 1/353].

ويقول الرسول ﷺ في نفس الموضوع، عن عائشة -رضي  الله عنها- قالت: استأذن رجل على رسول الله ﷺ وأنا عنده فقال:  بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة الرسول قبل أن يدخل الشخص هذا من الباب، يقول الرسول ﷺ لمن حوله: ائذنوا له بئس أخو العشيرة  كلمة ذم، ثم أذن له، فلما دخل الرجل ألان له ﷺ القول، فلما خرج الرجل، قلت: يا رسول الله قلت له ما قلت ثم ألنت له، قلت له: بئس أخو العشيرة، ثم لما دخل ألنت له، فقال ﷺ:  يا عائشة إن من شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه [رواه البخاري: 6054، ومسلم: 2591].

ويقول ﷺ في الحديث الحسن الذي رواه جماعة من الأئمة بأسانيد يشد بعضها بعضاً حتى ترتقي إلى درجة الحسن:  إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه  [رواه ابن ماجه: 3712، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 269].

هذه الأحاديث -أيها الإخوة- فيها فقه عظيم في الدعوة إلى الله -عز وجل- من هذا الفقه: أن الرجل من الناس قد يكون سيداً في قومه ومطاعاً ومعظماً، لكن ليس على ذلك الجانب من التقوى وليس على ذلك الجانب من طاعة الله ولا على كثرة الأعمال الصالحة، ولكن من الحكمة في الدعوة إلى الله أن تتألف هذا الرجل، وتحسن إليه وتلين له القول وتكرمه، من أجل ماذا؟ هل من أجل ذاته هو لأنه فلان ابن فلان الفلاني؟

لا، وإنما من أجل ماذا؟

قد يكون من أجل من وراءه من الناس الذين يطيعونه، فإن هذا الرجل لو لنت له فلان لك لأتى لك بجميع من ورائه. ومثل هذا مثل أب فاسق وعاص لله أنت في الدعوة إلى الله تلين له وتكرمه لا من أجل ذاته هو وإنما قد يكون من أجل من وراءه من الأولاد الذين فيهم خير وصلاح حتى تستطيع أن تتوصل إليهم، فتعرض عليهم الدعوة، وتعطيهم من العلم الذي أعطاك الله إياه.

الفائدة الثانية: اتقاء فحشه، قد يكون هذا الرجل صاحب شر على المسلمين، فيكون إكرامه وإلانة القول له هل هو نفاق أو مداهنة؟

كلا، وإنما يكون من باب ارتكاب أخف الضررين حتى تمنع فحشه عن المسلمين، وحتى تقي المسلمين شر هذا الرجل.

وهذا -أيها الإخوة- باب عظيم من أبواب فقه الدعوة يجهله كثير من الدعاة، فإنهم إذا رأوا فاسقاً عظيماً في قومه، فبعضهم يشتد عليه ويحقره ويغلظ له في القول، ويقول: أريد أن أظهر عزة الإسلام.

أقول لك: يا أخي الداعية ليس هذا المجال الذي تظهر فيه عزة الإسلام بل من مصلحة الإسلام أن تلين لهذا القول، الرسول ﷺ ما فعل مع هذا الرجل؟ ما فعل معه معاصي، وإنما فعل معه أشياء مباحة في الشرع، ألان له القول أكرمه، وليمة، دعوة، أوسع له في مجلس، قدمه، هذه الأشياء لا حرج فيها في باب الدعوة إلى الله .

فأرجو أن ننتبه لهذه الفائدة العظيمة التي فعلها الرسول ﷺ لأن من ورائها خيراً كثيراً للمسلمين.

البركة في ثلاث

الفائدة الرابعة: يقول رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح: البركة في ثلاث: الجماعات، والثريد، والسحور  [رواه الطبراني في الكبير: 6127، والبيهقي في الشعب: 7114، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب: 1065].

ما هو الفرق بين السَّحور والسُّحور؟

بفتح السين السحور بالفتح هو الأكل نفسه.

والسُحور هو عملية تناول السحور نفسها.

مثل الوَضوء والوُضوء.

الوَضوء الماء الذي يتوضأ به.

أما الوُضوء فهو عملية التوضؤ عملية التغسيل، تبدأ بكذا، بعدين كذا بعدين كذا.

فيقول الرسول ﷺ:  البركة في ثلاث: الجماعات والثريد والسحور   هذا الحديث رواه أبو طاهر الأنباري في المشيخة والبيهقي في الشعب وهو موجود في الأحاديث الصحيحة السلسلة رقم 3].

من فوائد هذا الحديث -أيها الإخوة-: الإسلام يحث على الجماعات، ما يحب أن يكون المسلمين متفرقين أبداً، فلذلك الرسول ﷺ ينهى عن سفر الإنسان لوحده، ويطلب منه أن يسافر مع ثلاثة فصاعداً، يكونون جماعة في السفر، وقس على ذلك أشياء كثيرة يطلب الإسلام فيها من المسلمين أن يتحدوا ولا يتفرقوا.

على الطعام مثلا لما رأى رسول الله ﷺ وخرج عليهم والصحابة يأكلون متفرقين، فقال: مالي أراكم عزين  يعني جماعات متفرقة  مالي أراكم عزين، اجتمعوا على الطعام يبارك لكم فيه فنهى رسول الله ﷺ عن التفرق على الطعام.

وهكذا عندما يدعو الإنسان إلى الله لا يمكن أن يدعو لوحده؛ لأن الدعوة هذه دعوة عقيمة لا تؤتي ثمارها إلا في حدود ضيقة، لكن عندما تتكاتف الجهود وتدعو أنت مع إخوانك هذا يعلم هذا، وهذا يسدد هذا، وهذا يدلي بخبرته إلى هذا، تتكامل الأمور وتخرج في تلك الصورة الجميلة المشرقة التي يريدها الإسلام.

فإذاً -أيها الإخوة- حذار حذار من التفرق، وقال الله -تعالى-: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران: 103]، وقال: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ  [الكهف: 28]، وما تجد آية في القرآن: "يا أيها المؤمن"، وإنما تجد "يا أيها الذين آمنوا" بصيغة الجمع.

هذا يدل على ما قال ﷺ:  البركة في ثلاث  فذكر منها: الجماعات، والثريد والسحور.

السحور أيضا فيه بركة؛ لذلك رسول الله ﷺ حث على السحور، وأخبر أنه الفرق، قال:  «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السحر [رواه مسلم: 1096] التي هي السحور.

وكذلك الثريد، والثريد هذا نوع من الطعام المعروف، ولذلك يوصي الرسول ﷺ من طبخ هذا النوع من الطعام أن يكثر مرقه، وأن يهدي إلى جيرانه.

فائدة فقهية تتعلق بصلاة المسبوق

00:17:29

الفائدة الخامسة: فائدة فقهية تتعلق بالصلاة، إذا دخل الإنسان المسجد ووجد الناس ساجدين في الركعة الأولى هل يدخل معهم في السجود مباشرة أم أنه ينتظر حتى يرفع الإمام من السجود إلى الركعة التي بعدها فيبدأ الركعة من أولها؟

يدخل على طول معهم في الصلاة في السجود، فإن كانوا في الجلسة بين السجدتين فكذلك يدخل معهم مباشرة، فإن كانوا في الرفع بعد الركوع يدخل معهم مباشرة.

بعض الناس الآن ينتظرون تدخل مسجداً تجد الإمام ساجداً والناس واقفين ينتظرون متى يرفع الإمام حتى يبدؤون معه، فإن اكتشفوا أن الإمام في التشهد الأخير جلسوا في التشهد الأخير، هل فعلهم هذا صحيح؟

غير صحيح.

ما هو الدليل؟

يقول رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح: " إذا وجدتم الإمام ساجداً فاسجدوا أو راكعاً فاركعوا أو قائماً فقوموا ولا تعدوا بالسجود إذا لم تدركوا الركعة" [رواه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف: 2/281، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1188].

فانظر -رحمك الله- كيف أن هذا الحديث الصحيح نص في المسألة التي يتحير فيها الآن كثير من الداخلين إلى المساجد، فبعضهم يدخل مع الإمام مباشرة، وبعضهم ينتظر.

وهؤلاء الذين ينتظرون أنا في ظني أن انتظارهم هذا لا يدل على شيء حسن، وكأنه يقول: ما دام ما تحسب لي لماذا أدخل فيها؟

وهذا فيه نوع من الشح، يا أخي لأن هذه السجدة صح أنها ما تحسب لك لكن أليس فيها أجر عظيم؟

فأنت صحيح لا تعتد بها في الصلاة وتحسبها ركعة، لكن أليس في نفس السجود أجر عظيم؟ أليس في الجلسة بين السجدتين أجر عظيم؟ أليس في القيام بعد الركوع أجر  عظيم؟ فلماذا تفوت على نفسك وبدلاً من أن تقف هكذا فارغاً خالياً ما عندك شيء وتترك الإمام والناس ساجدين وتفوت على نفسك الأجر؟

الإخوة في الله وحقوقها

00:20:45

الفائدة السادسة: تتعلق بالإخوة في الله وحقوقها:

نحن نعلم -أيها الإخوة- بأن الإنسان إذا أحب أخاه فماذا يفعل من السنة؟

أن يعلمه يخبره، ويقول له: إني أحبك في الله.

ما هي فائدة هذه القول؟

اسمع معي إلى الحديث الصحيح الذي رواه وكيع في الزهد بسند صحيح عن علي بن الحسين مرفوعاً: أن رسول الله ﷺ قال: إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليبين له، فإنه خير في الألفة، وأبقى في المودة [رواه وكيع في الزهد: ، وحسنه الألباني بمجموع طرقه، كما في السلسلة الصحيحة: 1199].

الرسول ﷺ يأمر كل واحد أحب أخاً في الله أن يخبره ويبين له، ويقول ﷺ في تعليل هذه القضية :  فإنه خير في الألفة وأبقى في المودة .

أعظم في الألفة وأحسن يألفك أكثر، والمودة تبقى أكثر، لماذا؟

أنت قد تحب واحداً في الله لكن ما يدري عنك أنك تحبه،  فيمكن تبقى العلاقة في برود من بعيد، أنا أرى هذا الرجل أحبه في الله، لكن من بعيد، فما يشعر أنني أحبه في الله، ما يشعر هذا الشعور، فإذا أنا أخبرته بهذا، وقلت له: يا أخي إني أحبك في الله، ماذا يحصل في الألفة؟

تزداد وتشتد.

((وأبقى في المودة)) لما أنا أحبه في الله لكن ما أخبره قد يحدث يوم من الأيام مشكلة بيني وبينه لكن ما بيني وبينه عقد، ما بيني وبينه صلة قوية فتنقطع هذه، لكن عندما أخبره أقول: إني أحبك في الله، وهو يقول لي: أحبك الذي أحببتني فيه، أو أحبك الله الذي أحببتني من أجله  فأعقد أنا بيني وبينه عقداً لفظياً، عقد الأخوة في الله، هذا العقد يبقي المودة أكثر بخلاف ما لو لم تخبره، فإنها معرضة للانقطاع أكثر من هذه الحالة.

إزالة الإسلام للموانع المتعلقة بالأخوة في الله

00:23:10

الفائدة السابعة: في مسألة تتعلق بالموانع التي يحرص الإسلام على إزالتها في مسألة الأخوة في الله.

الإسلام -أيها الإخوة- في أي مسألة طيبة وحسنة يحرص على توفير شروطها، وانتفاء موانعها، يحرص الإسلام على توفير الشروط في هذه القضية إذا كانت في مصلحة المسلمين ويحرص على نفي موانع هذه القضية، فالآن من توفير شروط الأخوة في الله أنك تخبر الرجل، هذا أحد الأشياء، لكن إذا لقيته فسلم عليه، هذا شيء آخر، إذا عطس فحمد الله فشمته هذا شيء آخر، إذا مرض تعوده هذا شيء آخر، فيوفر الشروط التي تصون هذه الأخوة، في نفس الوقت يحرص الإسلام على انتفاء الموانع التي تحول بين الإنسان مع أخيه المسلم في قضية الأخوة في الله، فمن هذا أن الإسلام جاء بتعليمات مشددة جداً في مسألة المصارمة، أي التقاطع والتدابر، فاسمع معي إلى هذا الحديث الذي فيه وعيد عظيم لمن يستمر على مصارمته لأخيه المسلم، يقول ﷺ:  لا يحل لمسلم أن يهجر مسلماً فوق ثلاث ما يجوز أن تمتنع عمداً عن التكلم مع أخيك أو لقياه أكثر من ثلاثة أيام، لا يجوز أبداً، لو حصل تأثم، فإنهما ناكبان على الحق، يقول رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح هذا:  فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على حرامهما .

انظر ماذا سمى الرسول ﷺ المصارمة؟

((حراماً)) قال:  فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على حرامهما، فأولهما فيئاً سبقه بالفيء كفارة  يعني الذي يرجع أول يكون رجوعه كفارة له على الذنب الذي حصل منه يكون رجوعه كفارة له على الإثم الذي حصل منه؛ لأنه هو لما تقاطع حصل بمقاطعته لأخيه إثم عظيم، فيكون أول واحد يرجع من الاثنين عبارة عن كفارة لهذا الإثم الذي وقع فيه، فأولهما فيئاً، سبقه بالفيء كفارة فإن سلم ولم يرد عليه سلامه ردت عليه الملائكة، ورد على الآخر الشيطان، فإن ماتا على صرامهما لم يجتمعا في الجنة أبداً، فيقول الرسولﷺ: فإن سلم، هذا واحد منهم رجع، واحد تاب إلى الله وأحس بالخطأ فرجع، وماذا يفعل؟

بدأ أخاه المسلم بالسلام فإن سلم هذا الأول ولم يرد عليه الآخر عاند وركب رأسه، وصمم على المقاطعة، وما رد على الأول السلام، وهذا يحصل كثيراً الآن في المقاطعات التي تحصل بين الناس، فإن سلم ولم يرد عليه سلامه ردت عليه الملائكة، ورد على الآخر الشيطان، فإن ماتا على صرامهما لم يجتمعا في الجنة أبداً.

الحديث المضطرب

00:27:00

الفائدة الثامنة: فائدة تتعلق بمصطلح الحديث، من يعرف لي الحديث المضطرب؟ بغض النظر عما إذا كان الاضطراب في السند أو في المتن.

الحديث المضطرب الحديث الذي تأتي فيه روايات عن الرسول ﷺ بأشياء مختلفة، ما يمكن الجمع بينها مطلقًا، وكذلك لا يمكن ترجيح أحدها على الآخر.

فالحديث المضطرب أن تستوي الروايات بحيث لا يترجح بعضها على بعض بوجه من وجوه الترجيح، كحفظ راويها أو ضبطها أو كثرة صحبته أو غير ذلك من الوجوه، فإذا ترجح لدينا إحدى الروايات على الأخرى فالحكم لها، يعني للراجحة على المرجوحة، ولا يطلق عليه حينئذٍ وصف المضطرب، أو على الأقل ليس له حكمه؛ لأن بعض الناس يعتقد ان الحديث المضطرب هو الذي جاءت فيه روايات مختلفة مضطربة سواء في الإسناد أو في المتن، مثل يأتي عن فلان عن أبي فلان وفي سند آخر عن ابن فلان وفي سند ثالث عن فلان، هذا ليس حديثاً مضطرباً إلا إذا كان الرواة في هذه الأسانيد تساووا في الحفظ وغيره بحيث ما يمكن نرجح سند على سند.

أما إذا استطعنا أن نرجح سنداً على سند، فهذا لا يسمى حديثاً مضطرباً.

الحديث المضطرب من أقسام الحديث الضعيف.

هذه فائدة في المصطلح أحببنا أن نبينها في الطريق.

الحرص على العلم

00:30:02

وهذه فائدة تاسعة في الحرص على العلم: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك : أن أهل اليمن لما قدموا على رسول الله ﷺ سألوه أن يبعث معهم رجلا يعلمهم السنة والإسلام، قال: فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح، فقال الرسول ﷺ:  هذا أمين هذه الأمة [رواه أحمد: 14048، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله"] يعني أبا عبيدة بن الجراح.

فانظر -يا أخي المسلم- إلى فعلة أهل اليمن، كيف أنهم سألوا رسول الله ﷺ أن يبعث معهم رجلاً يعلمهم السنة والإسلام، لماذا؟

هؤلاء ناس جاؤوا إلى الرسول ﷺ يبايعوه ويعلنوا إسلامهم، ويزدادوا علمًا، لكنهم لا بد أن يرجعوا إلى قومهم.

إذا رجعوا ما عادوا مع الرسول ﷺ، افترقوا عنه، فماذا فعلوا؟

سألوا الرسول ﷺ أن يبعث معهم أحداً يعلمهم السنة والإسلام، هذا طلب أهل اليمن، سألوه أن يبعث معهم رجلاً يعلمهم السنة والإسلام.

فانظر إلى حرص هؤلاء الجماعة على العلم، كيف أنهم أتوا بأنفسهم إلى العالم إلى الرسول ﷺ، فلما تعذر عليهم البقاء عنده وحرصوا على أن إخوانهم في اليمن المسلمين الآخرين يتعلموا أيضاً ماذا فعلوا؟

طلبوا من الرسولﷺ أن يبعث معهم واحداً.

وقارن بين هذه الحالة وبين حال بعض الناس اليوم من الذين يزعمون طلب العلم الذين يقعدون في بيوتهم وينتظرون العلم أن يأتي إليهم، يقعد هكذا وينتظر، لا أنه ذهب إلى العلماء فجالسهم، ولا أنه يحرص على القراءة بنفسه فيقرأ ثم يسأل ما أشكل عليه، ولا أنه يستضيف العلماء وأهل العلم عنده.

فهذه فعلة أهل اليمن ينبغي أن تكون سنة تستدام في المجتمعات الإسلامية.

فإذا كان عندنا علماء نذهب إليهم، وإذا ما كان عندنا علماء نستضيف علماء وندعوهم ونطلب منهم أن يأتوا ليلقوا عندنا الدروس والمحاضرات وجلسات العلم.

وهذا -أيها الإخوة- من الدلائل على فقه الإسلام.

ادعاء الإسلام من غير علم ولا من غير تعلم لا يصلح.

العلاقة الحميمة بين عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد

00:32:49

الفائدة العاشرة: اشتهر في كثير من كتب التاريخ: أن بين عمر بن الخطاب وبين خالد بن الوليد يوجد مشادة أو يوجد اختلاف وعدم اتفاق، فهذه روايات كثيرة، وكثير من الناس استقر في أذهانهم أن بين عمر وخالد عداوة.

ولكن الناظر إلى بعض الروايات يتجلى له أن المسألة ليست كذلك، وأن ما وقع بينهما -إن ثبت- لأنه لا بد -أيها الإخوة- أول قضية ننظر إليها في الرواية التي ترد في الاختلاف بين الصحابة أول مسألة ننظر إليها: صحة السند، في هذه المسألة وفي غيرها، لكن هذه قضية مهمة جداً لأنها ترد في كتب التواريخ روايات كثيرة لكنها ملفقة أو مخترعة أو دسها بعض أعداء الإسلام حتى يوهموا المسلمين أن الصحابة كانوا متفرقين، وكان بينهم حزازات، وكان بينهم عداوات إلخ...، ومن ضمن هذه القضايا مسألة عمر وخالد، فأنا أورد لكم هنا رواية يتجلى فيها موقف عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من خالد؛ لأن بعض الناس يقولون: أن عمر عزل خالداً، وعمر لا يثق في خالد، وعمر كذا وكذا في خالد، لكن روى ابن عساكر -رحمه الله تعالى- عن الوليد بن شجاع حدثنا ضمرة قال الشيباني أخبرني عن أبي العجماء قال: قيل لعمر بن الخطاب: لو عهدت يا أمير المؤمنين؟ يعني لو خلفت خليفة بعدك؟ قال: لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح ثم وليته ثم قدمت على ربي فقال لي: لم استخلفته على أمة محمد؟ قلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: ((لكل أمة أمين وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، ولو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته ثم قدمت على ربي، فقال لي: من استخلفت على أمة محمد؟ لقلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: اللهم هو سيف من سيوفك فانتصر به ، يقول: إن خالد بن الوليد سيف من سيوف الله .

فإذاً، توضح هذه الرواية التي لها أيضا طرق يشد بعضها بعضا: أن عمر بن الخطاب  كان يثق في خالد ثقة كبيرة لدرجة أنه فكر أن يوليه على المسلمين؛ لأنه سمع الرسول ﷺ يقول: خالد سيف من سيوف الله .

وما ورد من أن عمر عزل خالداً ليس لعدم الثقة في خالد وإنما كما ورد في بعض الروايات أنه خاف أن الناس يفتنون به من كثرة الإنجازات التي حققها، خاف أن الناس يفتنون بمقدرات خالد، يفتنون فيصرفهم ذلك عن أفهام عظيمة يجب أن يفهموها في مبادئ الإسلام، أو يوصلهم ذلك إلى تقديس الشخصيات ورفعها فوق منزلتها البشرية المسموح بها في الإسلام.

فهذه حكمة عظيمة من عمر بن الخطاب في عزل خالد، ما عزله تخوناً أو عدم ثقة، وإنما لأسباب وحكم رآها عمر .

الرقية:

الفائدة الحادية عشرة: هذه الفائدة تتعلق بالرقية.

الرسول ﷺ علم أحد الصحابة، فقال له: ضع يدك على الذي يألم من جسدك ثم قل: بسم الله ثلاثاً: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر [رواه مسلم: 2202].

وردت هناك رواية صحيحة تفصل هذا العمل أكثر، يقول الرسول ﷺ في الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي والحاكم: ((إذا اشتكيت)) يعني إذا صار عندك شكوى في بدنك، فاشتكيت فضع يدك حيث تشتكي، واحد يشتكي في رأسه، فيضع يده حيث يشتكي، وقل: بسم الله وبالله، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا، ثم ارفع يدك، ثم أعد ذلك وتراً [رواه الترمذي: 3588، وقال الألباني: "حسن لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 3454].

فهذه الرواية تبين طريقة الرقية أن الإنسان يضع يده ثم يقول:  بسم الله وبالله أعوذ بعزة وبقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا ، ثم يرفع يده، ثم يضعها مرة ثانية ويقول هذا الدعاء، ثم يرفعها، ثم يضعها مرة ثالثة، وهكذا يفعل ذلك وتراً، ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً.

والرواية الأخرى توضح هذا أن الرسول ﷺ أمر صحابياً أن يفعل هذا سبع مرات.

فهذه الطريقة التي علمها الرسول ﷺ لأنس بن مالك في الرقية من المرض.

واعلموا -أيها الإخوة- أن أبواب الرقية من أبواب الطب النبوي العظيم التي يجهلها الناس كثيراً، فهناك أدعية معينة ورقى جربها كثير من السلف، فنفعت.

ومن الأشياء التي ننبه عليها في هذا الجانب: أن كثيراً من الناس يجربون الرقية يأخذ هذا الدعاء ويجربه فماذا يحدث؟ ليس هناك نتيجة ما هو السبب؟

بعض الناس -أيها الإخوة- يأخذ الرقية على سبيل التجربة.

ولذلك -أنا قلت في الكلام- فيجربونها، يأخذها على سبيل التجربة، والذي يأخذ الشيء على سبيل التجربة يعني أنه غير مسلم به لأنه سيأخذه ويجربه إن نفع نفع، وإن ما نفع استغنى عنه.

هذه النفسية، هذا المنطلق الذي تنطلق به قضية التجربة في الرقية هو الذي يفسد أثرها؛ لأنك يجب عندما تستخدم الرقية أن تكون متقيناً بأنها إن شاء الله وبحوله وقوته ستنتفع، إذا أنت فعلت هذا بهذه النفسية وبهذا المنطلق وبهذه النية نفعت الرقية بإذن الله.

موانع الانتفاع بالرقية

00:39:37

واعلموا -رحمكم الله- أن من الأشياء التي تمنع نفع الرقية عموماً ثلاثة أشياء:

الأول: ضعف إيمان وحال الشخص المرقي.

الثاني: ضعف إيمان حال الشخص الراقي الذي يقرأ.

الثالث: أن تكون الرقية في ذاتها إما شركية أو بدعية، فهذه الأشياء تمنع نفع الرقية .

والشيء الرابع الذي ذكرناه الآن: أن الإنسان قد يأخذ هذه القضية على أنها تجربة، فيريد أن يجرب، والذي يأخذ هذه الرقية على أنها تجربة، فهذا مانع كبير من موانع التأثير، فيجب أن يفعل هذه الأشياء وهو بنيته أنها ستنفع بإذن الله؛ لأن الرسول ﷺ علمه هذا، ولو لم تكن تنفع لم يعلمه الرسولﷺ.

أدب الشرب

00:40:30

الفائدة الثانية عشرة: تتعلق بأدب الشرب.

نحن نعلم أن الإنسان إذا أراد أن يشرب فإنه يشرب كم مرة؟ يجزئ الماء الذي سيشربه إلى ثلاث مرات.

هل يسمي الله في أول مرة ويحمده بعدما ينتهي نهائيا أم يسمي الله ويحمده بعد كل مرة من هذه المرات الثلاث؟

أنا أخذت كوباً من الماء مليء وأردت أن أشربه، فهل السنة أن أجزىء هذا الماء إلى ثلاثة أقسام؟ اشرب على ثلاث مرات وأتنفس بين كل مرة والتي تليها؟

هل أقول: بسم الله في البداية وأحمده بعد الانتهاء من الثلاث مرات؟ أم أقول بسم الله في أول كل مرة وأحمد الله في آخر كل مرة؟

حديث صحيح، عن رسول الله ﷺ أنه قال عن أبي هريرة أنه قال: "كان رسول الله ﷺ يشرب في ثلاثة أنفاس إذا أدنى الإناء إلى فمه سمى الله -تعالى-، وإذا أخره حمد الله -تعالى-، يفعل ذلك ثلاث مرات" [رواه الطبراني في الأوسط: 840، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 127].

ماذا تفهم -يا أخي المسلم- من قول الراوي: "إذا أخره"؟ ما فائدة الإبعاد؟

على أساس النفس حتى لا يتنفس في الإناء؛ لأن الرسول ﷺ نهى عن التنفس في الإناء.

ولذلك بعض الناس تجده عندما يشرب يضع هذا وهو يشرب ثلاث مرات لكن الذي يسويه أخونا في الله أنه فقط أنه ما يبعد الإناء فقط يمتنع عن الشرب ويتنفس في الإناء وبعدين يشرب مرة ثانية، ويقول: طبقت السنة.

ليس هذا تطبيق السنة في الشراب، وإنما يقول: بسم الله، فيشرب الثلث الأول، ثم يبعد الإناء ويقول: الحمد لله، ثم يقول: بسم الله، ويشرب الثانية، ثم يبعد الإناء، وهكذا، يفعل ذلك ثلاث مرات.

هذه فائدة في كيفية شرب الرسول ﷺ.

وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما هو موجود عنه في "الفتاوى".

التحذير من الاغترار بالكثرة

00:43:22

الفائدة الثالث عشرة: قال الإمام مسلم في صحيحه تحت "باب التحذير من الابتلاء"، عن حذيفة قال: كنا مع رسول الله ﷺ فقال: أحصوا لي كم يلفظ الإسلام؟ يعني أحصوا لي عدد الذين يتلفظون بالإسلام، يعني عدد المسلمين، قال: فقلنا: يا رسول الله أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟ قال:  إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا  قال: فابتلينا، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً [رواه مسلم: 149].

هذا الحديث في المرحلة المكية.

وهذا ظاهر الرسول ﷺ ما أخفى هو والصحابة الصلاة في المدينة مطلقاً.

ويدل على أن الصحابة في مكة وصل عددهم في يوم من الأيام وهم في مكة إلى عدد بين الستمائة والسبعمائة.

وهذا يدل على مدى انتشار دعوة الرسول ﷺ في مكة.

 هذا الحديث في بيان أهمية الإحصاء، وأن الرسول ﷺ عرف الإحصاء وأمر به قبل أن يعرفه الغربيون بفترة طويلة جداً من الزمن لما فيه من الفوائد، لكن كما عنون عليه المنذري -رحمه الله-: "باب التحذير من الابتلاء" هذه مسألة ينبغي أن يتفطن إليها أهل الإسلام عموماً قضية الابتلاء.

والقضية المهمة أيضا في الموضوع عدم الاغترار بالكثرة، فهؤلاء الصحابة لما قال الرسول ﷺ عدوا، ((أحصوا)) قالوا: نحن بين الستمائة والسبعمائة، فقالوا له كأنهم استشعروا أن الرسول ﷺ يخاف عليهم، قالوا: يا رسول الله أتخاف علينا ونحن عددنا صار بين الستمائة والسبعمائة تخاف علينا؟

فالرسول ﷺ قال لهم: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا  ينبههم إلى مسألة قد تحدث في الواقع وهي: قضية الابتلاء.

كثير من الناس اليوم إذا رأوا ازدياد عدد المتمسكين بالإسلام فإن هذا قد يؤدي إلى نوع من التخدير الذي ينتج عنه عدم الحذر من أعداء النفس سواء كانت النفس الأمارة بالسوء، أو الشيطان، أو قرناء السوء، أو أعداء الإسلام عموماً.

هذا الاغترار بالكثرة من المصائب التي تبتلى بها الدعوات عموماً، وتفكر فيما حصل للمسلمين يوم حنين، فقال الله -تعالى-: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ماذا حصل؟ إعجاب بالكثرة نتج عنه  فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا [التوبة: 25].

فهذه المسألة ينبغي أن يتفطن إليها أهل الإسلام والدعاة إلى الله، عدم اغترارهم بكثرتهم مهما وصلت إلى حد؛ لأن الله -تعالى- من سنته في الحياة أن يبتلي المؤمنين: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ  [العنكبوت: 2 - 3] يعني هم أحسن من الذين من قبلهم  وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ  فسنفتنهم مثل ما فتنا الذين من قبلهم لماذا؟ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: 3].

 وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد: 31] نعرف سيرتكم كيف؟ كيف تكون سيرتكم وقت الشدة ووقت المحنة؟ هل أنتم تثبتون على الحق أم أنكم تنكصون وترتدون على أعقابكم؟ ما هي حالكم عند الابتلاء والمحنة؟ ما هي حالكم عند الفتنة؟

الآن الناس يتعرضون لفتن بسيطة في وظيفته وفي مرتبه، أو في أهله في بيته، موقف من والده، موقف من أصدقائه، ابتلاء بسيط من زوجته، أو الزوجة من زوجها، فتجد النكوص مباشرة والارتداد وترك الالتزام بالإسلام.

فهذه قضية المحنة والابتلاء من سنن الله عز وجل، لا بد أن الله  يبتلي عباده المؤمنين، لا بد أن يحدث هذا، هذه سنة الله في الدعوات وأهلها لا بد أن يبتليهم.

فلذلك وصل الابتلاء في هذا الحديث إلى مرحلة أن يقول حذيفة، وحذيفة بالمناسبة هو الصحابي الذي كان حريصاً على جمع مثل هذه الأحاديث، المتخصص في أحاديث الفتن حذيفة بن اليمان  قال: "فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً" حتى الصلاة ما يستطيع أن يجهر بها الصلاة.

تشميت العاطس

00:49:24

الفائدة الرابعة عشرة: إذا عطس الآن أحد الناس ماذا نقول له إذا حمد الله؟

نقول له: يرحمك الله.

فإذا عطس المرة الثانية، وقال: الحمد لله ماذا نقول له؟ يرحمك الله، فإذا عطس للمرة الثالثة وقال: الحمد لله، ماذا نقول له؟ يرحمك الله، فإذا عطس للمرة الرابعة، وقال: الحمد لله، ماذا نقول له؟ لأن الرسولﷺ يقول في الحديث الصحيح: إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه  الذين معه في المجلس إذا سمعه يقول: الحمد لله، فإنهم يجب عليهم أن يشمتوه، فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم، ولا تشميت بعد ثلاث مرات  هذا حديث الرسول ﷺ أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة، وهو في السلسلة الصحيحة في المجلد الثالث [رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة [رواه ابن السني، رقم: 251، وهو في السلسلة الصحيحة للألباني: 1330].

فإذا زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا يشمت بعد ذلك؛ لأن الناس يحتارون بعد الثالثة ماذا يفعل؟

هذا الأخ جالس يستمر في العطاس؛ لأنه مزكوم يستمر في العطاس، فهنا الرسول ﷺ قطع المسألة، فقال: ولا يشمت بعد ذلك، وإنما يدعى له بالشفاء، يدعى الله أن يعافيه من هذا البلاء، ومن هذا المرض الذي حل به.

وكذلك ورد عن رسول الله ﷺ قوله: تشميت المسلم إذا عطس ثلاث مرات، فإن عطس فهو مزكوم  يعني إذا عطس بعد ذلك فهو مزكوم.

طلب الدعاء من الآخرين

00:51:07

الفائدة الخامسة عشرة: هناك حديث عن الرسول ﷺ أنه قال لعمر بن الخطاب : "لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك" وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم.

فورد هنا سؤال: هل من السنة أن يقول الإنسان لأخيه المسلم ادع لي؟ أو ادع لي بكذا أو هو رايح الحج يقول له: لا تنسنا من الدعاء أو رايح العمرة يقول: لا تنسنا من الدعاء؟ هل المواظبة على هذا الأمر أو فعل هذا الأمر من السنة أم لا؟

هذا الحديث حديث عمر فيه ضعف كما قال العلماء أهل الحديث وأهل العلم بالأسانيد وبالجرح والتعديل.

ولكن هناك روايات أخرى صحيحة في هذا الموضوع، فقد أخرج الإمام مسلم وأحمد وابن ماجه وغيرهم عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال: قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء" زوجة أبي الدرداء" فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت: نعم، قالت: فادع الله لنا بخير، فإن النبي ﷺ كان يقول: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل قال فخرجت إلى السوق، فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك [رواه مسلم: 2733، وابن ماجه: 2895، وأحمد: 27559] يرويه عن النبي ﷺ.

الحديث الذي عند أم الدرداء هو الذي عند أبي الدرداء، يعني كان الأزواج يعلمون زوجاتهم، وما كانوا يبخلون بالعلم عن زوجاتهم، وإنما كانوا يهتمون.

فإذاً، لا بأس للإنسان المسلم أن يطلب من أخيه المسلم أن يدعو له بظهر الغيب مثل أن يكون عند الذهاب إلى الحج أو العمرة أن يطلب منه الدعاء له، يعني ليس في هذا حرج.

ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، يقول بما معناه: أن الإنسان إذا طلب من أخيه المسلم الدعاء فإنه يطلب منه لينفع أخاه المسلم الذي يدعو بالدرجة الأولى، لا ليقصد أن ينتفع هو مباشرة، أن ينفع أخاه، لماذا ينفع أخاه؟

لأن هذا الأخ عندما يدعو بظهر الغيب ستدعو له الملائكة.

ولكن بعض أهل العلم يقولون: المسألة أوسع من هذا، وحتى لو قصد أن ينتفع هو بدعاء أخيه، فلا بأس بذلك.

كيفية السجود

00:54:07

الفائدة الخامسة عشرة: فائدة في كيفية السجود، وتنبيه إلى قضية وخلل يقع فيه كثير من المصلين، قال ﷺ في الحديث الصحيح هذا الحديث يرويه ابن عباس يقول: "خلل أصابع يديك ورجليك" يعني إسباغ الوضوء.

وكان فيما قال له: "إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك حتى تطمئن وإذا سجدت فأمن جبهتك من الأرض حتى تجد حجم الأرض" [رواه أحمد: 2604، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"].

وسألت الشيخ محمد بن صالح العثيمين في هذا الحديث عن معناه فقال جزاه الله خيراً: المقصود حتى تجد حجم الأرض يعني حتى تجد مس الأرض وصلابة الأرض؛ لأن كثيراً من الناس الذين يصلون على سجاجيد أو يصلي على بطانية أو يصلي على شيء فيه سُمك، أو على زرع، إذا سجد لا يمكن جبهته من الأرض بحيث يجد صلابة الأرض، وإنما يضع جبهته بحيث يجد ملمس السجاد أو ملمس البطانية أو ملمس الفراش أو ملمس الزرع، وهذا خطأ في السجود يجب أن يمكن جبهته من الأرض، حتى يجد حجم الأرض، لذلك يقول الشيخ ابن عثيمين: لا تصح الصلاة على فرش الإسفنج الذي مهما ضغطت عليه بالسجود ما تصل إلى الأرض ما يجوز تصلي على فرشة سميكة مهما ضغطت عليها ما تصل إلى الأرض فلا تصح الصلاة عليها، فإذا صليت الآن في بعض المساجد يكون السجاد سميك أو تصلي في بيتك على شيء سميك أو في البر تصلي على .. أو.. أو.. إلخ..

فيجب عليك أن تتأكد وأنت ساجد بأنك ضغطت في الجبهة وأعضاء السجود حتى وجدت مس الأرض وصلابة الأرض، يعني هذا آخر شيء.

هذه فائدة فقهية في قضية السجود.

أخذ الزينة للصلاة

00:56:31

الفائدة السادسة عشرة: في مسألة التزين للصلاة.

 كثير من الإخوان والأخوات عندما يصلون في بيوتهم، يصلي بالملابس الداخلية، المهم أنه يستر عورته بأي شكل ويصلي، وإذا خرج للمسجد تزين فهل هذا صحيح؟ وهل هذه هي السنة؟

استمع معي إلى هذا الحديث عن الرسول ﷺ الصحيح الذي أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" قال ﷺ:  إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله أحق من تزين له  فلذلك السنة والأفضل أن الواحد حتى لو صلى في البيت، حتى ولو صلى لوحده أن يلبس ثيابه ويغطي رأسه، يقول بعض العلماء: لأن الصلاة والرأس مغطى أكمل وأحسن من الصلاة والرأس مكشوف، لماذا؟ لا يوجد دليل في هذا أنك إذا غطيت رأسك في الصلاة أفضل، لكن من عموم قول الله : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ  [الأعراف: 31].

وقول الرسول ﷺ:  فليلبس ثوبيه فإن الله أحق من تزين له [رواه الطبراني في الأوسط: 9368، والبيهقي في السنن الكبرى: 3271، وهو في السلسلة الصحيحة للألباني: 1369].

لا شك أن تغطية الرأس عند الناس أشد تزيناً من الصلاة والإنسان حاسر رأسه.

فلذلك السنة للإنسان أن يصلي حتى لو صلى في بيته يلبس ملابس كاملة، يلبس الثوب ويلبس الغترة ويتزين ويصلي، فإن صلى من غيرها فلا بأس ولا إشكال وصلاته جائزة ما دام العورة مستورة، لكن الأفضل، السنة أن يتزين الإنسان في صلاته.

وأنبه أيضاً هنا بالنسبة للإخوان الذين يأتون إلى المساجد وصلاة الجمعة بثياب النوم، هذا ما ينبغي ولا يصلح، هو إذا ذهب إلى وظيفته مكان الوظيفة الذي هو لا يساوي شيئاً بالنسبة لطهارة المسجد ومكانة المسجد، بل والله الذي يكون أمامك في الصلاة وأنت تصلي، تجده يتزين في ذهابه إلى الوظيفة وفي عمله، وإذا أراد أن يقابل شخصاً مهماً أو دعي إلى وليمة، ولكن في المسجد وفي الصلاة أمام الله لا يفعل هذا، هذا لا ينبغي ولا يصلح.

فينبغي للإنسان أن يحرص على الزينة أثناء الصلاة.