الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71 أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قصة العسيف الذي زنا بامرأة صاحب العمل
إخواني في الله: روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب الشروط التي لا تحل في الحدود، عن أبي هريرة، وزيد بن خالد رضي الله عنهما أنهما قالا: أن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله! أنشدك بالله إلا قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه: نعم فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي، فقال رسول الله ﷺ: قل، قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا، فزنا بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني: أن ما على ابني مائة جلدة، وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، قال: فغدا عليها فاعترفت، فأمر بها رسول الله ﷺ فرجمت..
شرح الحديث
هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، يخبرنا عن حالة من الحوادث التي وقعت على عهد رسول الله ﷺ فكيف كان الحكم فيها؟ كيف حكم فيها رسول الله ﷺ.
هذان الرجلان من الأعراب جاءا إلى رسول الله ﷺ فقال أحدهما يشتكي: يا رسول الله أنشدك بالله إلا قضيت لي بكتاب الله، يلح على الرسول ﷺ أن يقضي له بكتاب الله، وهذا من قلة فقهه إذ أن قضاء رسول الله ﷺ بكتاب الله لا يحتاج إلى إلحاح، ولا إلى زيادة في الطلب، فإنه لا يقضي بغير كتاب الله مطلقاً.
فقال الخصم الآخر وكان أفقه منه: نعم فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي، كان مؤدباً في سؤال رسول الله ﷺ قال له: نعم أوافق خصمي على ما قال، اقض بيننا بكتاب الله، ولكن أرجو أن تسمح لي أن أتكلم وأفصل لك في الموضوع، وحسن السؤال نصف العلم؛ فلذلك قال رسول اللهﷺ لهذا الرجل الثاني: قل، قال: إن ابني كان عسيفاً، يعني: كان أجيراً، أو خادماً عند هذا الرجل الخصم.
"فزنا بامرأته" أي: ابني الشاب الأعزب زنا بامرأة هذا الرجل وهو خادم عنده.
"وإني أخبرت" وفي رواية أخرى: "فسألت من لا يعلم" لا يعلمون بأحكام الدين، فقالوا: إن على ابني الرجم.
فلما علمت هذا الحكم ذهبت إلى هذا الرجل زوج المرأة فحاولت أن أراضيه، أو أرضيه بشيء من المال، فأرضيته فاصطلحنا واتفقنا على أن أعطيه مقابل الزنا الذي حصل بامرأته أعطيه مائة شاة، ووليدة جارية، ثم إني سألت أهل العلم الحقيقيين، فأخبروني: أن على ابني مائة جلدة وتغريب عام، أن يذهب به بعيداً عن أرضه ووطنه لمدة عام زائد الجلد مائة جلدة، وهذا هو حد الزاني غير المحصن الأعزب الذي لم يتزوج، وأن على امرأة هذا الرجل الآخر الرجم، لا بد أن ترجم؛ لأنها محصنة ومتزوجة.
فقال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللهيعني: بحكم الله، بحكم الله سواء في القرآن أو في السنة.
الوليدة والغنم رد عليكيا أيها الخصم: أرجع المائة شاة والجارية إلى الرجل، رد عليك ترد إلى هذا الرجل، هذا شيء باطل.
وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عامسنجلد ابنك الزاني مائة جلدة، ونغربه عاماً بعيداً عن وطنه.
واغد يا أنيسثم التفت رسول الله ﷺ إلى أحد الصحابة الذين كانوا يوكلون بإقامة الحدود، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا الرجلاذهب إليها وأقررها وقررها، فإن اعترفت فارجمها، فقال: فغدا عليها أنيس إلى هذه المرأة فاعترفت فأمر بها رسول الله ﷺ فرجمت.
الفوائد المستفادة من هذا الحديث
هذا الحديث أيها الإخوة يشتمل على أصول عظيمة من أصول الإسلام، وعلى فوائد مهمة، وعلى تحذيرات ينبغي للمسلمين أن يتنبهوا إليها، ويعوها، ويعرفوها حق المعرفة، ويرعوها حق الرعاية:
أولاً: لقد كان ولد هذا الرجل خادماً عند رجل آخر فزنا بامرأته، ومشكلة الخدم مشكلة عويصة، وكبيرة، وخطيرة جداً، ومهدمة لأخلاق البيوت، وقاضية على العفة، والطهارة إذا لم يلتزم فيها بآداب الدين وأحكامه.
ومشكلة الخدم في عصرنا هذا أضحت من المشاكل العظيمة التي احتار فيها الناس، وبعضهم أودت فيهم وببيوتهم إلى مهاوي من الرذيلة والفساد، وفتحت على المسلمين أبواباً من الشرور، لا زالت تستفحل حتى الآن، فترى الرجل عنده خادمة في البيت شابة جميلة، وعنده أولاد بالغين، كبار، عزاب، يختلطون بهذه الخادمة، وتجد كذلك خادماً، أو سائقاً شاباً موجوداً في البيت بهي الطلعة مفتول العضلات يخالط الفتيات من البنات في هذا البيت، ويخالط الزوجة في البيت، هذه أيها الإخوة من الطامات، والبلايا التي ابتلينا بها في هذا العصر، فنشأ عن هذا مشاكل كبيرة، وبلايا عظيمة، وانتهاك لحرمات الله، وجرائم أخلاقية، تتنافى مع شرع الله، لا أول لها ولا آخر، وأصبح أولاد الزنا مشكلة من المشاكل المتولدة عن قضية الخدم، ونحن في هذا المقام لن نناقش هذه القضية؛ لأن الوقت لا يسمح بها الآن، ولعل الفرصة تتاح لهذا في المستقبل، ولكن يا إخواني ما هو السبب في الفتنة؟ لماذا تحدث الطامة، وتحدث البلية من هؤلاء الخدم؟
إن أحد الأسباب لهذه الجرائم التي تحصل ما أشار إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث فقال: وإنما وقع له، -أي: للشاب-، ذلك لطول الملازمة المقتضية لمزيد التأنيس، والإدلال، فيستفاد منه الحث على إبعاد الأجنبي عن الأجنبية مهما أمكن؛ لأن العشرة قد تفضي إلى الفساد، ويتوصل بها الشيطان إلى الإفساد، فالمرأة بطبيعة الحال، وعادة النساء أنها إذا رأت رجلاً أجنبياً أمامها فجأة فإنها تنفر منه، وتهرب عنه، هذا لو كان في قلبها إيمان، واعتراف بحدود الله ومحارمه، فإذاً لماذا نجد الفاحشة أحياناً تقع بين هذا النوع من النساء والخدام والسائقين في البيوت؟
السبب أيها الإخوة: طول الملازمة المقتضية لمزيد من التأنيس، والإدلال، والمعاشرة، وكثرة المخالطة، والمعايشة مع هذا السائق، أو هذا الخادم هي التي تفضي إلى المحرم، المقابلة الأولى قد لا توقع في محرم، وقد لا تفضي إلى شيء، ولكن زيادة الخلطة، والمخالطة، والمعاشرة تجعل الجو طبيعياً جداً، وتجعل وجود هذا الأجنبي في البيت بين النساء أمراً عادياً لا ينكر، هذا هو بداية الفساد، وهذا هو الجو المهيئ لوقوع الرذيلة والفاحشة.
أيها الإخوة: إن وجود الخدم والسائقين داخل البيوت يعاشرون نساءنا، ويتجولون بينهن من الخطورة بمكان؛ لأنه سيزيل حاجز الكلفة بين هذا السائق، أو هذا الخادم وهذه المرأة، سيصبح هذا الرجل كأنه من أهل البيت، لا فرق بينه وبين الزوج، أو الابن، أو الأخ، يدخل متى شاء، ويخرج متى شاء، يدخل والمرأة في حالة من التكشف كأنها أمام زوجها، وكأنه لا يوجد عندها رجل أجنبي، هذه المخالطة، هذه الإزالة للحاجز هي التي توقع في الجريمة، وهي التي تهيئ أسباب الفساد؛ لذلك كان لا بد من إبعاد الأجنبي عن الأجنبية مهما أمكن؛ لأن العشرة هي التي تفضي إلى الفساد، مَن من الناس اليوم الذين يوجد عندهم خدم، وسائقون يفصلون بين بيت الخدم، وبيت النساء؟ من من الناس اليوم يمنع السائق من الدخول إلى داخل البيت، ويبقى السائق في حجرة خارجية خارج سور البيت، أو له باب آخر مختلف عن باب البيت؟ من الذي يحرص على منع الاختلاط؟
إنهم قلة من الناس جداً، بل إن هذا الفصل غير واقع تقريباً في أحوال البيوت اليوم؛ ولذلك يا إخواني نسمع بالمآسي، ونسمع بالطامات، ونسمع بمواليد يولدون لا يمتون بصلة إلى الأب، أو الزوج في البيت، هذه مشاكل أيها الإخوة نشأت عن إهمال حدود الله تعالى، وعدم تعظيم حرمات الله.
فالحذر الحذر من هذه الفتنة العظيمة، والطامة الكبيرة التي عمت ودخلت كل بيت، وأصبحت من الفتن، فالله الله في بيوتكم، الله الله في نسائكم، الله الله في محارم الله، الغيرة الغيرة أيها الإخوة على حدود الله ومحارمه، جنب أولادك، ونفسك، ونساء بيتك هذه المحرمات التي شاعت بسبب تعود الناس عليها، وعدم إنكارها.
وقضية أخرى من القضايا الأصولية العظيمة في هذا الحديث:
وجوب التحاكم إلى القرآن والسنة، الله نزل أحسن الحديث كتاباً، وأوحى إلى رسوله عليه الصلاة والسلام وحياً، قرآناً وسنة، لا لتبقى على الرفوف معزولة عن واقع الناس وحياتهم، وإنما ليحكم بين الناس بما أنزل الله، ويحكم من بعده بما أنزل الله تعالى، يجب التحاكم إلى الكتاب والسنة ونبذ أي مصدر آخر للتشريع غير القرآن والسنة، وأي مصدر من المصادر يتحاكم إليه غير الكتاب والسنة فهو طاغوت من الطواغيت، ومحادة لله تعالى، وإشراك به شركاً أكبر يخرج عن الملة، وينقل من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر والعياذ بالله، وكثير من الناس اليوم يتحاكمون إلى الهوى، أو إلى العادات والتقاليد، أو إلى شرائع شرعوها بينهم ما أنزل الله بها من سلطان، فيقعون في الكفر والعياذ بالله، وقد يعذرون بجهلهم، وقد لا يعذرون بجهلهم، وهذا الرجل في هذا الحديث مثال على الجاهل الذي ظن بأن هذا الحد الذي وقع فيه ابنه من الأشياء التي يمكن أن يصالح عليها بالمال، فجاء إلى هذا الرجل وقال له: ما يرضيك؟ كيف أرضيك؟ هذا ابني زنا بزوجتك ماذا يرضيك؟ فدفع له هذا مائة شاة، وجارية لكي يرضى ذلك الرجل عن الزنا الذي حصل بزوجته والعياذ بالله، هذا تحاكم إلى عادات، أو تقاليد، أو أعراف، أو أهواء موجودة في المجتمع، نسف ﷺ هذا الحكم من أصوله واجتثه وقال: المائة شاة والوليدة رد عليكأرجع ما دفعت إليه، هذا باطل لا يجوز، وكثير من الناس اليوم يجعلون القرآن والسنة في جانب، ويتحاكمون إلى العادات، والتقاليد، أو الأشياء التي شرعت من دون الكتاب والسنة، أو الأهواء التي اتبعت، يتحاكمون إليها: يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًاسورة النساء60، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَسورة المائدة50، وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَسورة المائدة49، وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَسورة المائدة47 وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَسورة المائدة45،وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَسورة المائدة44، ثلاثة أوصاف في سورة المائدة حسمت قضية الحكم، يجب أن يكون الحكم لله، لا تحكم عادة، ولا تقليد، ولا عرف من الأعراف، ولا هوى من الأهواء، ولا أشياء شرعها البشر من عند أنفسهم، لا يجوز تحكيم إلا القرآن والسنة، وإلا فلسنا بمسلمين؛ ولذلك حكم رسول الله ﷺ بحكم الله من فوق سبع سموات أن يجلد هذا الشاب مائة جلدة، وأن ترجم المرأة؛ لأنها زانية محصنة قد تزوجت، ثم زنت بعد إحصانها وزواجها، فوجب أن ترجم بالحجارة حتى تموت، وكذلك كان وأقيم الحد عليها بعد اعترافها، لم يرض الرسول ﷺ بهذا الحكم الجاهلي الذي ابتدعه هذا الرجل واتفق عليه هو وصاحبه، وكثير من الناس اليوم يتراضون فيما بينهم بأحكام لم ينزل الله بها من سلطان، ويعرضون عن القرآن والسنة، وينسون حق الله في الحدود، رجل يزني بامرأة رجل آخر ثم يقول له: ما الذي يرضيك حتى أدفعه لك؟ أين حكم الله؟! هل هذا هو حكم الله؟! التعويضات المالية في عملية الزنا هل هي حكم الله؟!
لذلك كان من محادة الله تعالى ومعاداته ما وقع في تشريعات كثير من البشر اليوم أنهم قالوا: لو أن رجلاً زنا بامرأة، وهي راضية برضاها، وهو راض فلا شيء عليهما، لماذا؟ قالوا: لأنهما رضيا كل منهما راض بالزنا فلا شيء عليهما، تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً، ويطلع رجل آخر يقول: أنا أتفق مع البنك على الربا أنا راض وهو راض بالربا كلنا راضون، لا أحد مكره على هذا، إذاً الربا حلال، لماذا؟ لأنني أنا راض، والطرف الآخر راض، هذا هو عين الوقوع في محرمات الله تعالى، إذا كنت أنت راض وهو راض، أو أنت راض وهي راضية، فهل رضي الله ؟ هل رضي الله تعالى عن هذا الأمر الذي ستقدم عليه وتفعله؟! كثير من الناس يحتجون بمبدأ الرضا في العقود حتى ولو كانت مخالفة لشرع الله تعالى، وهذا -أيها الإخوة- خطر عظيم جسيم يتهدد الأمة، ويسلخها سلخاً عن دين الله، ويبعدها إبعاداً كبيراً عن أحكام الله وشرائعه، إذا كنت راض، والطرف الآخر راض، والله لم يرض عن هذا العمل، وقال في كتابه: إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاًسورة الإسراء32أو قال في كتابه: أنه يحارب من يفعل هذا الفعل، ثم أنت تقول: أنا راض والآخر راض فنحن نقدم على هذا الفعل ما دام ليس هناك أحد مكره، فإن الله لا بد أن يحاربك، ولا بد أن ينتقم منك، وقد ينتقم في الدنيا قبل الآخرة، لا بد أيها الإخوة من الاحتكام إلى القرآن والسنة، وتطبيق الحدود، وعدم المساومة عليها بالأموال، وعدم التراضي إذا وصل الحد إلى القاضي، أو الإمام، فلا يجوز التراجع عنه مطلقاً، لا بد من الاحتكام إلى كتاب الله تعالى.
أين حق الله الذي ضيع في كثير من الحدود التي يقع فيها الناس اليوم؟ الحدود والمحرمات التي يقترفونها يتحاكمون فيها إلى من؟! يجب العودة إلى الكتاب والسنة.
أيها الإخوة المسلمون: وفقنا الله وإياكم لتحكيم لشرعه في أنفسنا، والعودة إلى القرآن والسنة، وتطبيقها في واقعنا، ونسأل الله أن يعصمنا وإياكم من الإشراك به، أو تحكيم غير كتابه وسنة نبيه ﷺ، والله تعالى أعلم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
ومن الفوائد غير ما تقدم في هذا الحديث العظيم، الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، فائدة عظيمة جليلة وهي: الرجوع إلى أهل العلم العالمين بالكتاب والسنة، فإن هذا الرجل أيها الإخوة سأل بادئ ذي بدء أناساً غير عالمين بكتاب الله، فقالوا له: إن على ابنك الرجم، وليس على الولد الرجم لأنه أعزب غير متزوج وزنا، في هذه الحالة ليس عليه الرجم، فأخبروه بهذا الحكم المخالف لحكم الله تعالى، مما جعله يفتدي ولده من هذا الرجل بتلك الأموال العظيمة التي دفعها إليه، فلما سأل أهل العلم، فقال في الحديث: ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، ثم إني سألت أهل العلم، قال الله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَسورة النحل43وهذه من المصائب التي وقع فيها الناس اليوم، إنهم إذا أرادوا أن يسألوا عن حكم من الأحكام فإنهم لا يسألون المحققين من العلماء، ولا يسألون من عرف بالعلم والتقوى من العلماء، وإنما تجد أحدهم يسأل جاهلاً مثله، أو أقل منه، وتجد أحدهم يسأل كبيراً في بيته، أو في عشيرته، ثم يحتكم إلى قوله، وتجد أحدهم قاصاً من القصاصين، أو أديباً من الأدباء، أو مؤرخاً من المؤرخين ممن لا علاقة له بفقه الكتاب والسنة مطلقاً، فترى الناس لا يميزون اليوم بين أهل العلم وغيرهم فيسألون من شاءوا ممن واجهوا، وممن سمعوا عنهم حتى ولو كانوا ليسوا من أهل العلم، لا بد من التحري أيها الإخوة، التحري عن العلماء الصالحين، لا بد من السؤال عنهم ثم سؤالهم، لا بد من هذا، قال الله تعالى: فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًاسورة الفرقان59 لا بد من الرجوع إلى الخبراء بالكتاب والسنة، الناس اليوم إذا مرضوا اختاروا أحسن الأطباء والمتخصصين في هذا المرض، فإذا وقعوا في مرض من الدين لم يرجعوا إلى المختص بهذا المرض، وإنما سألوا أي واحد من الناس، أنتم ونحن مسئولون جميعاً -أيها الإخوة- عمن نسأل في ديننا، ستسأل أمام الله تعالى هذه المسألة التي وقعت لك من سألت فيها؟ لماذا سألت فلاناً من الناس فيها؟ ستسأل يوم القيامة: لماذا انتخبت فلان من الناس وسألته؟ لماذا؟ هل لأنك تعرف بأنه يصدر الفتاوى السهلة التي ما أنزل الله بها من سلطان، هل لأنه يقول ويحكم بالأسهل بغض النظر عن كونه حقاً أو غير حق، فأنت تسأله لمجرد أنه يفتيك بالأسهل، لمجرد بأنك توهمت أن عنده شيء وليس عنده شيء، لمجرد أنه قد نفخ نفسه أمام الناس بالعلم، ثم أنت تسأله، لا بد أن تتحرى يا أخي المسلم، تتحرى من تسأل، لا تسأل أي أحد، ارجع إلى العلماء الأجلاء، ونحن والحمد لله -أيها الإخوة- في مجتمعنا هذا يوجد عندنا علماء أجلاء من كبار العلماء في العالم، يوجدون عندنا، لكن للأسف معطلين لا يرجع إليهم الناس، ولا يسألونهم، ولا يتصلون عليهم هاتفياً، أو يكاتبونهم، أو يسافرون إليهم، الواحد إذا أراد أن يستورد بضاعة، أو يجلب عاملاً، أو سائقاً، سافر من أجله آلاف الأميال، أما إذا وقع له شيء في الدين فإنه لا يكلف نفسه السفر ولو لبضع مئات من الأميال، مع أن هذا دين ليس تجارة، ليس مالاً، ليس عرضاً دنيوياً، الناس يسافرون للأعراض الدنيوية المسافات الشاسعة، ثم لا يكلف نفسه مطلقاً لا بالاتصال، ولا بالكتابة، ولا بالسفر إلى العلماء الأجلاء، وهم موجودون في بلده ليسوا ببعيدين عنه، لا يكلف نفسه الاتصال بهم وسؤالهم، ويسأل أي واحد من الناس، أو يحكم هواه هو فيقول: لعل هذه المسألة ما فيها شيء، لعل هذه القضية حلال، إن الله غفور رحيم، هذه فاتت وماتت، وهي لم تمت مسطرة عند الله تعالى، فلا بد من الرجوع إلى العلماء، العلماء -أيها الإخوة- ليس أدعياء العلم ولا الجهلة، ولا تسأل قاصاً، أو مؤرخاً، أو أديباً عن مسألة شرعية تتعلق بالكتاب والسنة، أو تسأل واعظاً، هناك فرق بين الواعظ والعالم، الواعظ قد يذكرك بالله، والجنة والنار، لكن قد لا يستطيع أن يحكم، أو أن يفتيك في مسألة تتعلق بالفقه، أو الحلال أو الحرام، يجب أن تفرق بين الواعظ الذي يبكيك وتشعر بأن كلامه يطري القلب فقط، وبين العالم الذي تعلم العلم، وأفنى فيه عمره، وطبقه، وخشع لله من أجل هذا العلم: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءسورة فاطر28 العلماء الحقيقيون هم الذين يخشون الله، لا بد من الرجوع إليهم، وسؤالهم، والتحري عنهم، والتثبت، تسأل من، وما هو دليله على كلامه الذي يقوله لك، عند ذلك تكون على صراط مستقيم.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد الديان اللهم إنا نسألك أن ترينا الحق حقاً وترزقنا اتباعه، وأن ترينا الباطل باطلاً وترزقنا اجتنابه.
اللهم إنا نسألك التحاكم إلى القرآن والسنة، اللهم وفقنا إلى العودة للقرآن والسنة والتحاكم إليهما، ونبذ الشرائع الضالة التي اخترعها البشر.
اللهم إنا نسألك أن تحمي بلدك هذا، وبلاد المسلمين من شر كل ملحد وطاغوت، اللهم من أراد ببلدنا هذا، أو بلاد المسلمين سوءاً فاردد كيده في نحره، واجعله عبرة لمن يعتبر، اللهم من أراد دينك بسوء فاقطع يده، وشتت شمله، ودمره تدميراً، وانصر دينك، وكتابك، ورسولك على سائر الأديان والملل، اللهم واجعل دينك عاماً منتصراً على سائر الأديان، واجعل عقيدة التوحيد مهيمنة على سائر العقائد والبدع، اللهم واجعلنا من أهل السنة والجماعة الذين اتبعوا نبيك ﷺ، وما حرفوا دينك، وما بدلوه تبديلاً، اللهم واجعلنا ممن يقفو سنة نبيك ﷺ، واجعلنا من المتمسكين بها، العاضين عليها بالنواجذ، وجنبنا الأحداث والبدع، اللهم اجعلنا من المتمسكين بشرعك الحافظين لحدودك.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر اليهود والكفرة والملحدين وسائر أعداء الدين.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى نوراً من الإيمان تقذفه في قلوبنا نرى به طريق الحق، اللهم وارزقنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعذنا من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
اللهم وأظللنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم واجعلنا ممن سلمتهم على الصراط يوم الحشر يوم الفزع الأكبر، اللهم سلمنا على الصراط، اللهم سلمنا على الصراط واجعلنا ممن يجوز عليه إلى جنة عرضها السموات والأرض.
وصلوا على نبيكم الرحمة المهداة سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.