الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

عزة الإسلام في نفس المسلم


عناصر المادة
حاجتنا للاعتزاز بالإسلام في زمن الهزائم
معاني العزّة اللغوية والشرعية
معاني لفظة العز في كلام العرب
معاني كلمة "العزة" في التأويل العزيز
أنواع العزّة
التوكل على الله والاستعانة به يورث العزة
بم تحصل العزة؟
الانكسار بين يدي الله مما يورث العزة
لوازم ومقتضيات العزة
الاعتقاد الصحيح
العبادة
طاعة المسلمين لأميرهم وخليفتهم
حالات تُكره فيها العزة إلا أمام الكفار
من لوازم العزة: إعلان الحق والجهر به
من لوازم العزة: عدم السكوت على أهل الباطل
مواقف من عزة الصحابة في مكة
من لوازم العزة: أن يري المسلم الكفار ما يغيظهم
عزة الإمام أبي بكر الباقلاني -رحمه الله-
مواقف من عزة علماء الإسلام الصادقين
أثر اعتزاز المسلم بالأحكام الشرعية
ضرورة تنشئة أبناء المسلمين على العزة
أمور مهمة في اكتساب العزة
عوامل وأسباب ذل وهزيمة المسلمين اليوم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

حاجتنا للاعتزاز بالإسلام في زمن الهزائم

00:00:15

فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وحديثنا في هذا الدرس عن العزة الإسلامية واعتزاز المسلم بدينه، عزّة الإسلام في نفس المسلم، إنها الصفة العظيمة للشخصية الإسلامية؛ الاعتزاز بهذا الدين، العزّة الإيمانية، هذه العزّة شيء نحتاجه جداً في زمن الهزائم، نحتاج لهذا المبدأ العظيم في وقت الشدة وتكالب الأعداء، نحتاج لهذا الأمر العزة في وقت الهزيمة النفسية واجتماع الكفر على الإسلام وانهزام من انهزم من هؤلاء المنافقين وغيرهم.

معاني العزّة اللغوية والشرعية

00:01:17

أما العزّة فإنها مصدر قولهم: عزّ يعزُّ عزّة وعزّا مأخوذة من مادة عزّزا التي تدل على شدة وقوة وما شابهها من الغلبة والقهر، ويقول: أرض عِزاز أي: صلبة، وتعزّز اللحم إذا اشتد، قال ابن منظور -رحمه الله-: "العزُّ خلاف الذُّل ورجل عزيز يعني: من قوم أعزاء وأعزّة، وقوله تعالى:  أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ  [المائدة: 54].

أي: جانبهم غليظ على الكافرين لين على المؤمنين كما قال الشاعر:

بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم في كل نائبة عزاز الآنُف

[لسان العرب: 5/374].

وقوله وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ  [فصلت: 41]. أي يصعب مناله ووجود مثله.

وهذه العزة حالة مانعة للإنسان أن يُغلب، ومن أسماء الله تعالى: "العزيز" وهو الممتنع فلا يغلبه شيء، وهو الغالب القوي الذي يغلب ولا يُغلب ، يهب العزة لمن يشاء من عباده.

معاني لفظة العز في كلام العرب

00:02:50

والعز في كلام العرب على ثلاثة أوجه: الغلبة والقهر، ومنه قولهم: من عزّ بزّ ومعنى بزّ يعني: سلب فإذن، من غلب سلب، وقال تعالى:  وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ  [ص: 23]. يعني: غلبي.

والمعنى الثاني: الشدة والقوة كما قال الهذلي في وصف العقاب وهو الطائر الجارح المعروف:

حتى انتهيتُ إلى فراش عزيزةٍ سوداء روثةُ أنفها كالمفصد

فجعلها عزيزة؛ لأنها من أقوى جوارح الطير.

والمعنى الثالث: العزّة بمعنى نفاسة القدر وأنه لا مثل للشيء ولا نظير له.  [لسان العرب: 5/374].

معاني كلمة "العزة" في التأويل العزيز

00:03:39

وفي القرآن الكريم يقول ابن الجوزي -رحمه الله-: "العزّة جاءت على ثلاثة أوجه أحدها العظمة، ومنها قوله تعالى: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: 82]. وعلى لسان سحرة فرعون،  وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ [الشعراء: 44]. والثاني: المنعة، ومنها قوله تعالى: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ ، الحماية والمنعة فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا  [النساء: 139].

والمعنى الثالث: الحميّة ومنها قوله تعالى:  وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة: 206]. وقال تعالى عن إعراض الكفار حميّة وعصبيّة وجاهلية ورفضاً للحق،  بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ  [ص: 2].

أنواع العزّة

00:04:31

والعزّة منها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم، والعزّة التي لله ولرسوله وللمؤمنين هي العزّة المحمودة الدائمة الباقية، وكل عزٍ ليس بالله فهو ذل، والعزة الأخرى المذمومة التي هي عزة الجاهلية، والعزّة التي تؤدي إلى العصبية ورد الحق، والعزة التي تُلتمس من غير الله كما قال الله عن الكافرين مع أصنامهم:  وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا  [مريم: 81-82].

وقد أبى الكفار أن يدخل النبي ﷺ عليهم مكة في عام الحديبية من هذا الباب من باب العزة الجاهلية "وقالوا: لا تتحدث العرب أننا أخذنا عنوة وأنه دخلها عنوة" يعني رغما عنا.

العزة آية من آيات الله تعالى التي منحها لعباده المسلمين واختصهم بها كما أنه خلع على أعدائه أهل الكفار خِلَع الذلة والمهانة التي جعلتهم في سفال وقال مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر: 10].

وقال فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء: 139]. فالمسلم يستمد عزته من ربه تعالى ويذِل لربه الذي يعبده، وعبادته لربه عز له، وطاعته لأمر الله سيادة له، والموت في سبيل الله حياة له، والجوع في سبيل الله ريٌ وشبعٌ، والمسلم يعبد ربا قوياً عزيزاً يعتقد أن قوته وعزته تكون له عزة ومنعة، فمنها يستمد قوته، ومن الله يستمد العزة -وهو أي هذا المؤمن- إذا نظر إلى الآخر يرى له مقعد عِز هناك لا ذُل فيه، ولو أن المؤمن أحصى خلق الله فإنه يرى أن هناك عدداً كبيراً من المخلوقات تعبد الله أكثر من البشر ألا وهم الملائكة كما قال : يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل: 50]. وهم يسبّحون الليل والنهار لا يفترون، فسيرى أن هناك من الخلق أعداداً عظيمة جداً أكثر من البشر عدداً ومدداً ملء الكون عبودية لله يصلون له وله يسجدون  أطّت السماء وحُق له أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله حديث صحيح. [رواه الترمذي: 2312، والحاكم: 3883، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه]. 

فهذه العزة تنشئها في نفس المسلم معرفة هذه الكثرة من عباد الله الذين يعبدونه في هذا الكون.

والعزة لله جميعاً منه تُنال لا من غيره، ومن طلب العزة من الله وصدق في طلبها بافتقار لله وذل لله وخضوع وجدها عنده غير ممنوعة ولا محجوبة، ولذلك قال النبي ﷺ:  من تواضع لله رفعه الله  [رواه البيهقي في الشعب: 7790، وأبو نعيم في الحلية: 8/ 46، وابن أبي شيبة في مصنفه: 34663، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 6162].  

والذين يطلبون العزة من الكفار ذمّهم الله فقال: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء: 139]. فهو يعز من يشاء ويذل من يشاء، وسحرة فرعون لما طلبوا العزة من غير الله ذلوا وغُلبوا وقُهروا  فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ  [الشعراء: 44 - 46]. في الآية الأخرى:  فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ  [الأعراف: 119] لماذا غلبوا وانقلبوا صاغرين؛ لأنهم التمسوا العزة من غير الله  وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ  [الشعراء: 44]. فأذلهم الله وقهروا وغلبوا وبعد ذلك آمنوا وكانوا في أول النهار أشقياء سحرة كفرة فانقلبوا بعد ذلك شهداء أتقياء بررة.

هذه العزة التي تُلتمس من الكافرين وبال على أصحابها وعلى المبتغي والمبتغى منه.

قال ابن جرير الطبري -رحمه الله- في قول الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء: 139].

قال: "فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم هم الأذلاء الأقلاء، فهلا اتخذوا الأولياء من المؤمنين فيلتمسوا العزّة والمنعة والنصرة من عند الله الذي له العزّة والمنعة، يعز من يشاء ويذل من يشاء، فيعزهم ويمنعهم سبحانه وتعالى". [تفسير الطبري: 7/601].

كذلك في قوله تعالى: وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  [يونس: 65].

قال الطبري: "لا يحزنك يا محمد قول هؤلاء المشركين في ربهم وما يقولون وإشراكهم معه الأوثان والأصنام، فإن العزة لله جميعا". [تفسير الطبري: 12/226].

العزة من الله قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ  [آل عمران: 26]. تعزه في الدنيا والآخرة أو فيهما معاً بالنصر والتوفيق، وتذل من تشاء في إحداهما أو فيهما من غير ممانعة الغير

المنافقون الذين يلتمسون العزة من الكفار يجهلون أن العزة لله جميعاً، ولذلك هيّج الله المؤمنين كما قال ابن كثير -رحمه الله- تعليقاً على قوله: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزٍَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا  [النساء: 139]. قال: "المقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله، والإقبال على عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصر في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد".

التوكل على الله والاستعانة به يورث العزة

00:12:43

وكذلك فإن التوكل على الله والاستعانة به تُورِث العزّة في نفس المسلم .

 مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10]. قال ابن كثير: "من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة ليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعها" [تفسير ابن كثير: 6/536].

وهكذا فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين كما قال تعالى في سورة المنافقون: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ  [المنافقون: 8]. العزة من المؤمنين على الكفار  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ  [المائدة: 54].

بم تحصل العزة؟

00:13:52

قمة العزّة لهؤلاء الذين يحتاج إليهم عباد الله في أهم أمورهم وهؤلاء قمتهم الأنبياء ويشاركهم في العز من يتفرد بالقرب من درجتهم وهم العلماء والأئمة أئمة العدل، وكذلك الشهداء والصديقون عند ربهم.

من رزقه الله القناعة حتى استغنى بها عن الخلق وأمدّه بالقوة والتأييد حتى صارت من صفات نفسه فقد أعزه الله في الدنيا وسيعزه في الآخرة بالتقريب إليه.

إذن، وصلنا الآن إلى أن من أسباب اكتساب العزة: الاعتماد على الله، والإيمان به.

ثانياً : طاعته سبحانه وتعالى.

وثالثاً: الاستغناء عن غير الله.

وأما العزة الباطلة عزة الكفار عزة الجاهلية وعزة الأنفة والحمية والعصبية فهي التي ذم الله صاحبها فقال:  وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ  [البقرة: 206] فهو لا يتبع الحق لا يريد أن يتقي الله، ولا أن يذكر ولا أن يوعظ؛ لأنه صاحب أنفة جاهلية تنهاه عن اتباع الحق وهكذا الكفار في معاندة النبي ﷺ ورفضهم التوحيد قال الله عنهم:  وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: 1-2]. هذه العزة الدنيوية التي تجعل صاحبها المغتر بالدنيا يتعالى على عباد الله ويتكبر عليهم كما قال ذاك الرجل: فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا  [الكهف: 34].

العزة الحقيقية هي عزة المؤمن واعتزازه بربه ودينه ونبيه ﷺ.

هذه العزة التي تأتي كما قلنا من العبودية كما قال ذلك المعتز بعبوديته لربه :

ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدتُ بأخمصي أطأ الثُّريا
دخولي تحت  قولك: يا عبادي وأن صيّرت أحمد لي نبيا

هذه العزة ثقة بالله واعتقاد بأن الله ناصر دينه وأنه لن يتخلى عن عباده المؤمنين  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7]. ولذلك ذمّ الله الذي يسيء الظن به ويقول: لا نصر للمسلمين،  مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ  [الحج: 15]. السبب الحبل ليشنق نفسه بحبل إذا كان يظن هذا الظن السيئ بل إن الله ينزل نصره على نبيه وعلى المؤمنين ولا يزال الله ينصر تلك الطائفة إلى قيام الساعة الطائفة المنصورة وهذا الصبر يورث العزة،  ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه قال: ما نقص مال عبد من صدقة ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزاً  الحديث رواه الترمذي وصححه الألباني .

الانكسار بين يدي الله مما يورث العزة

00:17:57

وكذلك فإن الاستغفار والتوبة إلى الله والانكسار والانطراح بين يديه يورث للعبد العزة  فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا  [نوح: 10-12]. هذه العزة التي قال الله في سببها في الاستغفار على لسان نبيه يعظ قومه  وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ  [هود: 52]. فالقوة من العزة وكذلك الثقة بوعد الله كما تقدم وأن نصر الله آت لا محالة، وعدم الهوان ومشكلتنا اليوم الهوان، كثير من المسلمين يظن أن الله لا ينصر الإسلام وأن الغلبة ستدوم للكفار لماذا؟ لماذا تدوم الغلبة للكفار؟ ومن هو الكافر الذي دامت له الغلبة في هذه الدنيا من هو ؟ عاد؟ ثمود؟ فرعون؟ قارون؟ من هو الذي دامت له العزة في الدنيا من الكفار؟ لا تدوم لأحد، ولذلك لا يجوز اعتقاد أن الغلبة للكفار باقية إلى قيام الساعة، ومن اعتقد أن الغلبة للكفار باقية إلى قيام الساعة مكذّب بوعد الله تعالى؛ لأن الله وعد أن ينصر أولياءه لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك  [رواه مسلم: 1920].

هذه النصرة وعد الله بها المؤمنين  إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ  [غافر: 51].

إذن، الذين آمنوا ينصرون أيضاً وليست النصرة فقط نصرة العقيدة والمنهج وما يكون عليه الإنسان من الغلبة بالحجة والبيان وإنما أيضاً هي غلبة بالسيف والسنان لكن غلبة الحق والبيان للمسلمين دائمة، دائماً يغلبون بالحجة والبيان لا يمكن أن المسلمين ينهزمون في معركة في الحجة والبيان، ينتصرون دائماً، لا تزال  طائفة من أمتي على الحق منصورة لكن بالسيف والسنان، الأيام دول فتارة لهم الغلبة وتارة عليهم لحكم يريدها الله فحتى لو غلب المسلمون لحكم يريدها الله في استخراج ما في نفوسهم واتخاذ شهداء وتبين علم الله في الواقع من الذي ينصره من الذي يتخلى عن دينه وهكذا.

لوازم ومقتضيات العزة

00:21:17

الاعتقاد الصحيح

00:21:17

إن عزة المسلم بدينه تقتضي فيما تقتضي اعتقاداً صحيحاً ومظهراً صحيحاً أيضاً، فمثلاً تميز المسلم بالعقيدة، بالعبادة، فهو من اعتزازه بدينه، لا يصلي في أوقات النهي لأن الكفار يسجدون لمعبوداتهم فيها فهو من اعتزازه بدينه لا يشابه الكفار، مستقل، متميز، إذاً من ثمرات العزة التميز، تميز المسلم بدينه عن الكفار سواء في العقيدة فهو كافر بآلهتهم مؤمن بربه ولو أشركوا به .

العبادة

00:22:15

بالعبادة فهو مستقل عنهم إنها صلاة العشاء في تلك الساعة لا يصلي على وجه الأرض أحد غيركم.

وكذلك لا يسجد عند طلوع الشمس ولا عند غروبها، كذلك العزة بالأحكام الشرعية فهو لا يتخلى عن حكم فقهي لا في بيع ولا شراء ولا نكاح، ولا يتخلى عن أحكام الشريعة كافة لاعتزازه بدينه، لا يتبع أحكام الكفار ولا يرضى أن يتحاكم لهم لأن عنده عزة لا يرضى أن يتحاكم إلى كافر ولا إلى محكمة كافرة، لا يرضى أن يقر لكافر بحكم بل هو وإن أكره ففي الداخل كاره.

وكذلك فإنه لا يمكن أن يسترضي الكفار بتغيير شيء من أحكام الدين، وهذه مصيبتنا في هذا الزمان أن بعض المسلمين -مع الأسف- يغيرون في أحكام الشريعة استرضاء للكفار، هزيمة نفسية، لا يوجد العزة بالإسلام في نفوسهم غير موجودة أو غير كاملة ناقصة فهم يغيرون يبدلون من أجل الكفار من أجل عيون الكفار استرضاء للكفار ولأجل أن يتألفوا، ولأجل أن يقتربوا من الكفار وأن ينالوا رضا الكفار، وحتى الكفار لا يزعلون علينا ولا يغضبون منا وهكذا لا يزال مسلسل التنازلات شيئاً بعد شيء، لماذا لا يوجد عزة إسلامية حقيقية؟ لا يوجد اعتزاز بالدين صحيح؟ يقول ابن القيم رحمه الله: وأذكر لكم من هذا مثالاً وقع في زماننا وهو أن السلطان أمر أن يلزم أهل الذمة بتغيير عمائمهم وهذه قضية صحيحة وجيدة من ذلك السلطان أن يميز الكفار عن المسلمين في اللباس لأن أهل الذمة لا يسمح لهم أن يلبسوا مثل ملابس المسلمين ولا مثل عمائم المسلمين، يُلزمون بألوان أخرى وبشد الزنار على أوساطهم حتى إذا مشوا غير المسلمين يعرف أن هذا يهودي أو نصراني أو مجوسي وليس بمسلم تختلف معاملتهم، مثلا أبسط شيء لا يُلقى عليهم السلام، لا يُبدؤون بالسلام هناك اختلاف بين معاملة المسلم ومعاملة الكافر قال: "وهو أن السلطان أمر أن يلزم أهل الذمة بتغيير عمائمهم وأن تكون خلاف ألوان عمائم المسلمين فقامت بذلك قيامتهم وعظم عليهم وكان في ذلك من المصالح وإعزاز الإسلام وإذلال الكفرة ما قرّت به عيون المسلمين نتيجة هذا القرار، فألقى الشيطان على ألسنة أوليائه وإخوانه أن صورّوا فُتيا -يعني سؤال مكتوب استفتاء- يتوصلون به إلى إزالة هذا الغبار" يعني هؤلاء الكفرة كتبوا سؤالاً صاغوه بصياغة خبيثة: الآن هذا السؤال موجه من أهل الذمة المطالبين بتغيير ملابسهم وأشكالهم موجه السؤال إلى علماء وفقهاء مسلمين: ما تقول السادة العلماء في قوم من أهل الذمّة أُلزموا بلباس غير لباسهم المعتاد، -كأنهم يقولون أخرجتمونا عن عادتنا وأنها عندنا من قبل- وزي غير زيهم المألوف ألفنا شيئا ثم تريدون أن تغيروا علينا فحصل لهم بذلك ضرر عظيم في الطرقات والفلوات -يشتكون الآن أنهم صاروا يُهانون في الطرقات- وتجرأ عليهم بسببه -بسبب هذا التغيير في اللباس- السفهاء والرعاة وآذوهم غاية الأذى، وطمع بذلك في إهانتهم والتعدّي عليهم، فهل يسوغ للإمام ردهم إلى زيهم الأول، وإعادتهم إلى ما كانوا عليه مع حصول التمييز بعلامة يُعرفون بها" يعني استكمال المخطط الخبث في الصياغة -صياغة الاستفتاء- يُجعل لهم علامة غير هذه وهل في ذلك مخالفة للشرع أم لا؟ يقول ابن القيم: "فأجابهم من مُنع التوفيق -يعني من الناس المتساهلين والفقهاء الذين يريدون تمشية الأمور وتنطلي عليهم هذه الأشياء مغفل أو متساهل أو جاهل كأنواع الموجودين اليوم في كثير من أقطار المسلمين من المنتسبين إلى العلم الذين إذا جاءت فتوى من هذا النوع بسرعة تساهل تنازلات استرضاء كفرة وغير ذلك-، قال ابن القيم: "فأجابهم من مُنع التوفيق وصُدّ عن الطريق بجواز ذلك، وأن للإمام إعادتهم إلى ما كانوا عليه" قال شيخنا -ابن تيمية-: "فجاءتني الفتوى فقلت: لا تجوز إعادتهم -هذه العزة- لا تجوز إعادتهم- "ويجب إبقاؤهم على الزي الذي يتميزون به عن المسلمين" فذهبوا ثم غيروا الفتوى غيروا السؤال ثم جاءوا بها في قالب آخر فقلت: لا تجوز إعادتهم فذهبوا ثم أتوا بها في قالب آخر، فقلت: هي المسألة المعينة؛ السؤال هو ذاته، لا تحاولوا التغيير، ذات المسألة المعينة وإن خرجت في عدة قوالب ثم ذهب إلى السلطان وتكلم عنده بكلام عجب منه الحاضرون فأطبق القوم يعني المسلمون على إبقائهم ولله الحمد ونظائر هذه الحادثة أكثر من أن تُحصى".

[إعلام الموقعين عن رب العالمين: 4/148].

ونظائر هذه القصة في زماننا أكثر من أن تحصى.

طاعة المسلمين لأميرهم وخليفتهم

00:29:46

ومن مظاهر هذه العزة: التفات المسلمين حول أمير جيشهم وطاعتهم لأمير سفرهم، كذا الوقوف على رأس خليفتهم أمام الكفار ليبينوا مكانة الخليفة المسلم في نفوسهم عند الكفار، فيذلّ الكفار ويعرفوا أن المسلمين على قلب رجل واحد، كما فعل المغيرة بن شعبة عندما قام على رأس النبي ﷺ في الحديبية ويضرب يد الكافر بمقبض سيفه وهي تمتد إلى لحية النبي ﷺ عزة يروهم عزة المسلمين.

حالات تُكره فيها العزة إلا أمام الكفار

00:03:45

وكذلك فإن هناك مواقف مذمومة في الأصل لكن جائزة بل محمودة في حالات لما فيها من إظهار عزة المسلم، ما حكم التبختر في المشي؟ واحد يقوم يتبختر أمام الناس يمشي مشية فيها خيلاء وتبختر ما حكم هذا؟ مذموم كبر حرام لكن إذا كانت أمام الكفار في المعركة يمشي يتبختر أمام الكفار متعالياً عليهم هذا من عزة الإسلام وهو أمر يؤجر عليه فقال النبي ﷺ:  إن من الخيلاء ما يحب الله، ومن الخيلاء ما يبغض الله، فأما الخيلاء التي يحب الله فأن يتبختر الرجل بنفسه عند القتال  [رواه ابن حبان: 4762، وحسنه الألباني في التعليقات الحسان: 4742].

فهذا الجر خيلاء فيه إعزاز الإسلام وظهوره واحتقار عدوه وغيظه كما قال العراقي في طرح التثريب -رحمه الله-. القيام على رؤوس المدراء والكبراء مذموم  ومن أحبّ أن يتمثّل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار  [رواه الترمذي: 2755، والطبراني في الكبير: 820، وصححه الألباني في المشكاة: 4699]. لكن عندما يُقام على رأس الخليفة وقائد الجيش المسلم أمام الكفار هذه عزة، لماذا كان النبي ﷺ إذا ذهب من طريق في صلاة العيد يرجع من طريق آخر؟ لهذا أسباب يسلّم على أهل الطريقين، يقضي حاجة المحتاجين في الطريقين، إظهار شعائر الإسلام في سائر الفجاج، ومن ضمن الأسباب: ليغيظ المنافقين برؤيتهم المسلمين هنا وهنا في هذا الطريق وفي هذا الطريق عزة للإسلام، وإظهار علو هذا الدين، بالإضافة إلى أن يشهد له الطريقان عند الله في الجنة لكن المقصود أن من الأسباب التي ذكرها العلماء إظهار عزة الإسلام في الطرقات والتكبير فيها والذهاب من طريق والعودة من طريق ومعه الصحابة.

من لوازم العزة: إعلان الحق والجهر به

00:33:27

إن من الثمرات التي تترتب أيضاً على هذه العزّة: إعلان الحق هذه العزة التي دعت ابن مسعود أن يجهر بالقرآن مع أن الكفار ضربوه آذوه.

هذه العزة التي دفعت أبا ذر الغفاري إلى رفع الصوت بالشهادة؛ لا إله إلا الله محمد رسول الله، مع أنهم قاموا عليه وضربوه فأدموه حتى صار كالنُّصب الأحمر، كالتمثال الأحمر المخضّب؛ لكثرة الدماء من الضرب الذي حصل له، لكن ذهب فصرخ بها بين أظهرهم، فابن مسعود يعلن القرآن، وأبو ذر يعلن الإسلام عزة للمسلمين.

ولما بلغ المسلمون أربعين قام عمر وحمزة في صَفَين خرجوا بالمسلمين إلى الكعبة يمشون إظهاراً لعزة المسلمين.

كان المسلمون يعلنون الحق بالرغم من الإيذاء إظهاراً للعزة.

هكذا إذن، يكون الاعتزاز بالدين بالمظهر وبالمخبر بالعقيدة وبالعبادة بالأحكام الفقهية بالآداب بالأخلاق اعتزاز بالدين بكل ما فيه من الأحكام.

والنبي ﷺ لما أرادوه على ترك التوحيد والدعوة إلى التوحيد وراحوا إلى عمه يريدون ضغطاً من الأقارب عليه ليسكت قال بعزة دينه: ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك على أن تستشعلوا لي منها شُعْلة  [رواه البزار: 2170، وأبو يعلى الموصلي: 6804، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 92].هذا الحديث الصحيح الذي ورد في القضية وهناك حديث ضعيف مشهور:  لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركته لهم  وأما ما ثبت فهو قوله ﷺ:  ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك على أن تستشعلوا لي منها شُعْلة [رواه البزار: 2170، وأبو يعلى الموصلي: 6804، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 92].

يعني لو جئتم لي بشعلة من الشمس لا أترك لكم هذا لا أترك لكم هذه الدعوة، لا أترك الدعوة إلى هذا التوحيد، وأنتم لا تطيقون الإتيان بشعلة من الشمس ولا أنا أطيق أبداً ترك الدعوة إلى التوحيد

إعلان الحق من ثمرات العزة، وآثارها أن يعلن المسلم الحق إذا سئل عن حكم شرعي أن يجيب بصراحة ووضوح، ألا يخجل من إعلان أحكام الإسلام، عندنا مشكلة في الواقع الآن أن عدداً من المسلمين إذا سأله كافر أو فاسق عن حكم شرعي يحاول التهرب والتملّص أو يقول كلاماً باطلاً أو يوري، أين البيان الذي أخذه الله على أهل العلم لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187]؟ لماذا يصر بعض الناس على إخفاء بعض أحكام الشريعة؟ وإذا سئل عن الجهاد قال: أبداً ما عندنا إلا جهاد دفاعي! لماذا؟ هل جهاد عمر بن الخطاب في بلاد فارس والروم جهاد دفاعي؟ جهاد عمرو بن العاص في مصر جهاد دفاعي؟ جهاد عقبة بن نافع في المغرب جهاد دفاعي؟ جهاد محمد بن القاسم في بلاد السند جهاد دفاعي؟ جهاد حذيفة في أرمينية وأذربيجان جهاد دفاعي؟ هذا كله نشر للإسلام، أي قوة تقف في طريق نشر الدين تُزال بالجهاد، أي قوم يأت إليه مسلمون يقولون نحن نريد أن نطبّق الإسلام في بلدكم فيرفضون يُجاهدون عند القدرة، يُجاهدون تُكسر شوكتهم يُزال الطواغيت  وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال: 39]. وهناك فرق كبير جداً بين أن تُحرف الأحكام وتُغير ويُتلاعب بها وبين أن الإنسان لا يطبّق الشيء عن عدم قدرة لكن يعلن حكمه ليظل الحكم واضحاً عند الناس، يقول: الحكم هو الجهاد، ولكن لا نستطيعه مثلاً لضعفٍ، لكن الجهاد من الدين، وإذا قام هؤلاء الكفرة وقالوا: الرق ممنوع، وقالوا في مؤتمراتهم: إن الرّق من الغلطات الكبيرة التي مرت في البشرية، فيقول المسلم: بل الرق مشروع وليس بممنوع، والمسلمون يسترقون الكفار عند التغلب عليهم، ويؤخذ نساء الكفار وأولادهم سبياً عند المسلمين، وتربيتهم عند المسلمين خير لهم وأنفع من بقائهم عند الكفار، وكم أسلم من الشعوب بسبب هذا، إذن، المشكلة عندما يقوم بعض المسلمين ويقولون: نعم هذ الرق عبودية والرق خطأ تاريخي! خطأ تاريخي معنى ذلك تخطّئ النبي ﷺ الذي استرقّ، وتخطئ أبا بكر الذي استرقّ، وتخطئ عمر الذي استرقّ، وتخطئ أئمة الإسلام وقد استرقوا من الكفار ما استرقوا، فلماذا؟ أليس من العجب أن يظهر السيخي الكافر النجس عمامته بالطريقة الخاصة التي يتعمم بها السِّيخ، وأن يظهر شاربيه المفتولين النازلين على الشفتين، يظهر هذا ولحيته أيضاً ثم يتخاذل بعض المسلمين من إظهار ملابس الإسلام؛ خشية أن يُجرح بكلمة أو ينتقد مثلاً، أو أن يُقال عنه: رجعي، متخلّف، ونحو ذلك، صار الواحد من ضعف العزة يخجل أن يُرى بملابس المسلمين، نعم لو كان يسكن بين الكفار ويتعرض لأذى -لو أظهر لباس المسلمين- لا يطيقه جاز له أن يلبس مثل القوم كما نصّ على ذلك شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم، بل نصّ على أنه يجب ذلك أحياناً مثل الجاسوس المسلم الذي يندس وسط الكفار لأخذ أخبارهم لمصلحة المسلمين، فيجب أن يلبس مثلهم، وأن يتحدث مثلهم لهذه المصلحة الشرعية العظيمة" [اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم: 1/471]. ولكن مسلم في بلاد المسلمين يخجل من إظهار المظهر الإسلامي، أو شيء من السنة، أين الاعتزاز بالدين؟ أين الاعتزاز بالسنة؟

وجاؤوا لعمر بن الخطاب بدابة ليركب عليها أفخم من دابته التي هو عليها وجاؤوا له بثوب كتان ليلبسه لفتح بيت المقدس، لاستلام المفاتيح، ورأى عمر أن هذه المظاهر غير صحيحة قال: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"، ثم أمر الكتائب والجيوش أن تتفرق، فيدخل مسكنه في تواضع ولما اقترب الأمراء منه قال: "تفرقوا عني، أين أخي أبو عبيدة عامر بن الجراح"، فتقدم أبو عبيدة فعانقه وبكى طويلاً، فقال عمر: "يا أبا عبيدة، كيف بنا إذا سألنا الله يوم القيامة ماذا فعلنا بعد رسوله ﷺ؟" [رواه الحاكم في المستدرك: 208، وابن أبي شيبة في مصنفه: 33847، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين].

من لوازم العزة: عدم السكوت على أهل الباطل

00:42:36

هذه العزة من آثارها أن المسلم لا يمكن أن يسكت عن الإجابة عن أهل الباطل، بل يجيبهم، ويرد عليهم، لا يمكن لطالب مسلم في فصل دراسي يطعن كافر أمامه دكتور أو غير ذلك في الدين، فيسكت الطالب المسلم ويتخاذل عن الرد، يقول: خجلت، خفت أن يضرني في الدرجات، استحيت أتكلم، ضحك كل الطلاب إلا أنا ما استطعت أخالف! أين العزة الإسلامية؟ ألم تر أن النبي ﷺ لما كان مع أبي بكر وعمر وبعض من بقي من الصحابة بعد غزوة أحد قام أبو سفيان يقول: أفي القوم محمد؟ قال ﷺ: لا تجيبوه  الآن لا تجيبوه لمصلحة معينة قال: أفي  القوم ابن أبي قحافة قال: ((لا تجيبوه)) قال: أفي القوم ابن الخطاب فقال أبو سفيان: إن هؤلاء قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا فلم يملك عمر نفسه وقيل: إن ذلك بإذن من النبي ﷺ، فقال: "كذبت يا عدو الله"، هذه عزة عمر وحدها تصلح موضوعاً يدرس، عزة عمر فقط، جانب العزة في شخصية عمر من أهم ما كان يميز شخصية عمر بن الخطاب العزة قال: "كذبتَ يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك، قال أبو سفيان: أُعلُ هبل، انظر تصرف النبي ﷺ فقال النبي ﷺ:  ألا تجيبوه أجيبوه  لا يمكن كافر يستعلن بشركه، والمسلمون يسكتون، لا يمكن يخرج الكافر من الموقف منتصراً لأنه يتكلم ورفع صوته والمسلم سكت لا يجيب، قال:  أجيبوه  قالوا: ما نقول؟ قال:  قولوا: الله أعلى وأجل  هذه العزة التي تدفع للجواب قال أبو سفيان: لنا العُزى ولا عُزى لكم.

فقال النبي ﷺ:  أجيبوه  هذا يتباهى بالصنم -بصنم العزى وهبل- قال: لنا العزى ولا عزى لكم، قال النبي ﷺ:  أجيبوه  قالوا: ما نقول، قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم 

فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مُثْلة، لم آمر بها ولم تسؤني" [رواه البخاري: 3039].

العزّة هي التي تجعل المسلم يرفض أن يدّعي غيره العزّة ويقدّم نفسه على المسلم، وتجلّى ذلك في عهد النبوة عندما ادعى عبد الله بن أبي رأس المنافقين أنه العزيز والنبي ﷺ الذليل، وأنه إذا رجع إلى المدينة بعد الغزو سيخرج هو -بزعمه العزيز- النبي ﷺ الذي زعمه ذليلاً، ماذا فعل ابنه المسلم عبد الله بن عبد الله بن أبي، وقف على باب المدينة بسيفه، وجعل الناس يمرون، لما جاء أبوه يدخل قال له: "وراءك" ارجع وراءك بسيفه قال: مالك ويلك؟ قال: والله لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول الله ﷺ فإنه العزيز وأنت الذليل، هذا يخاطب أباه، ذهب عبد الله يشتكي ونزلت السورة. [تفسير ابن كثير: 8/132].

مواقف من عزة الصحابة في مكة

00:47:01

الصحابة كانوا في مكة مع ما هم فيه من الأذى والاضطهاد لهم مواقف عجيبة، حتى صبرهم على الاضطهاد كان بعزة وليس صبراً بخنوع، وذلاً وصبراً بهوان، لا لا ، خذ هذه القصة: روى الإمام أحمد -رحمه الله- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن عروة قال: "قلت: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله ﷺ فيما كانت تظهر من عداوته، قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحجر، فذكروا رسول الله ﷺ فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفّه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرّق جماعتنا وسبّ آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، فبينما هم كذلك إذا طلع عليهم رسول الله ﷺ فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفاً بالبيت فلما أن مر بهم غمزوه -استهزاء وسخرية- ببعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه -تأثر- ثم مضى، فلما مضى مر بهم الثانية غمزوه ببعض ما يقول، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مر بهم الثالثة، فغمزوه بمثلها فاتجه إليهم وأعلنها مدوية في وجوههم:  تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح  أنا جئت لأذبحكم، قوة العبارة من نفس النبي ﷺ أرهبت الكفار مع  أنه واحد وهم جماعة، وهو في حال الضعف في مكة وهم في حال الغلبة والقوة، مع ذلك وقعت الكلمة في نفسهم موقعاً عظيماً، قال عبد الله بن عمرو: "فأخذت القوم كلمته" انظر إلى أثر الكلمات عندما تنطلق من نفس معتزة بالله، قال: "فأخذت القوم كلمته" نحن نريد اليوم أن نقول للكفار كلمات تأخذهم، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع -سكوت صمت رهيب- حتى إن أشدهم فيه وساطاً وسخرية قبل ذلك ليرأفه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشداً، فو الله ما كنتَ جهولًا. انظر النتيجة، انقلبت القضية إلى عزّة. [رواه أحمد: 7036، وحسنه محققه الأرنؤوط].

نوح   وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ما سكت، قال: قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ  [هود: 38- 39].

فيهدد ويتوعد فحتى صبر المؤمنين ما كان بذل وهوان حتى صبرهم كان فيه عزة ما رفعوا السلاح،  قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ  [النساء: 77]. لأنه لا يستطاع رفع السلاح، لكن ما كان ذل وهوان.

وبلال الذي كان يقول: "أحد أحد"، حتى الصخرة في الرمضاء يُعذب ما ذلّ لهم ولا هان، ولا أعطاهم ما يريدون. وخباب طرحته مولاته على الأسياخ المحماة حتى سال شحمه ظهره على الأسياخ ما أعطاهم ما يريدون. [رواه أحمد: 3832، وصححه الألباني في صحيح السيرة النبوية:: 189].    

من لوازم العزة: أن يري المسلم الكفار ما يغيظهم

00:51:30

النبي ﷺ كان من سياسته عندما دخل مكة في عمرة القضية وبعدها، لماذا رمل في الأشواط الأولى من الطواف؟ إذا جاء إلى الموضع الذي يراه فيه المشركون رمل، المشركون لما أراد النبي ﷺ أن يدخل مكة حسب الاتفاقية أنه لا يدخل هذه السنة ويدخل التي بعدها، هؤلاء من أنفة الجاهلية وعزة الجاهلية قالوا: نحن لا نمكث فيها وهو يدخل، نحن نخرج إذا دخل، فصعدوا إلى الجبال كانوا في موضع يشرفون منه على الكعبة النبي ﷺ معه قومه مع التعب والإرهاق والإنهاك الموجود إذا جاء من الجهة التي يراه فيها الكفار هرول، وكذلك في السعي بين الصفا والمروة ليري الكفار نشاط المسلمين وعزّة المسلمين، وهذا ما فت في عضدهم وأثر فيهم حتى قال بعضهم لبعض: هؤلاء الذين قلتم وهنتهم حمى يثرب نشيطين!.

إذن، من مقتضيات العزة أن المسلم يري الكفار ما يغيظهم -لاحظ معي- من مقتضيات العزة أنه يري الكفار ما يغيظ الكفار، إغاظة الكفار هذه عبادة  وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ  [التوبة: 120]. أعمال صالحة في ميزانهم، لأن الكفار إذا اغتاظوا ارتفع شأن الدين، وهكذا سار من بعدهم على هذا الطريق.

وقال ابن عباس : إنما سعى رسول الله ﷺ بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوته. [رواه البخاري: 1649].

ماذا فعل ربعي بن عامر لما جاء إلى رسُتْم؟ كان رسُتْم قد أرسل إلى أمير المسلمين يطلب أحداً يتفاهم معه ويتحاور معه أرسل له أعرابي، لكن هو مسلم عزيز؛ ربعي بن عامر، حشد رُستم القوات والأكابر وعلى سرير ملكه والبهرجة وهذا العرش الذي عنده والخدم وهؤلاء بأسلحتهم، أرادوا أن يروا هذا المسلم الذي قدم إليهم أرادوا أن يروه بهرجهم وقوتهم وسلطانهم إذلالاً له، فماذا فعل؟ جاء برمح قصير، سيف قصير، وحتى الفرس قصير القوائم، بهذه الثياب الرثّة، حتى لما دنا ازدروه على هذه الحال، فلما جاء وإذا به يربط دابته بهذه المساند الحريرية الموجودة، الوسائد الموجودة في المنزل وينزل ويربط فيها الدابة ثم يطأ طرف البساط الحرير في هذا الإيوان والمجلس برجلي دابته ثم ينزل ويتكئ على رمحه، ويخرق النمارق والبسط التي يمر عليها واحداً واحداً، يتكئ على البساط، يخرق البساط الأول والثاني حتى يصل إلى رُستم فيجلس بجانبه على عرشه، هذه الكبيرة التي قاموا وهاجوا عليه فقال: ما أصغر قولكم، ماذا نقصت أنت لما نزلت بجانبي وماذا زدت؟ أنا عندما جلست بجانبك وصار الحوار الذي اكتسح فيه ربعي رُستم، "والله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة" وكلام المغيرة أيضاً، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وعزة في الجواب، وعزة في الكلام، وعزة في المظهر، وعزة في المشي، وعزة حتى في ربط الدابة، وعزة في الجلوس، وعزة في الانصراف حتى أراد رستم في النهاية لما بلغ به أراد أن يهينه، أراد أن يذله فأمر أن يحمل على رأسه بتراب، ظن أن هذا إذلال، وهذا المسلم مكره مجبر لا بد أن يحمل التراب على رأسه بالقوة بقوة السلاح، لكن عزة الإسلام تولد الإجابة هذه، مهمة المسألة هذه، العزة تولد الإجابات المفحمة، ممكن ما كان خطر بباله هذا من قبل ولا فكر إذا فعلوا كذا ماذا يجيب؟ لكن عندما وضعوا التراب على رأسه قال ربعي: هذه الغنيمة إن شاء الله، تسليم أرضك وديارك، أتفاءل أنا بأخذ تراب أرضكم معي، تراب أرضكم سيكون ملكنا وقد أخذنا المقدم وباقي البقية ولذلك قطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين. [البداية والنهاية: 7/46].

وكذلك كان جواب عمرو بن العاص على الكافر وغيره، كلمات فيها العزة وبيان الحق وبيان الإسلام والدين ولماذا خرجوا؟ وما هو غرض الجهاد في الإسلام؟ ولماذا يقاتلون؟ وهكذا عزة.

عزة الإمام أبي بكر الباقلاني -رحمه الله-

00:58:08

قال ملك النصارى لخليفة المسلمين: أرسل إلينا واحداً من الأحبار عندك نتحاور معه بين هذا الدين وهذا الدين، وأرسل القاضي أبا بكر، ذكياً من المسلمين، عالماً، ولما جاء ليدخل على مجلس الملك الكافر، قالوا: إن هذا لا ينحني، ونحن نسجد لك، والمسلمون لا ينحنون ولا يركعون ولا يسجدون، ما هو الحل والرأي؟ قالوا: نجعل المدخل باب قصير، حتى إذا جاء الرسول المسلم ليدخل يُجبر على الانحناء، عزة الإسلام تولّد التصرف الصحيح، فجاء أبو بكر الباقلاني وأراد أن يدخل وعرف القضية كلها والمؤامرة، فاستدار ودخل بقفاه،أعطاهم دبره.

وهكذا نجد الإجابات واضحة، والمواقف جلية فيها عزة الإسلام في نفوس المسلمين، عزة تخذل الأعداء توهن نفوسهم تلقي الرعب في قلوبهم، هو هذا الموقف العزة هذه تلقمهم حجراً لا يحرون جواباً ولا يستطيعون أن يواجهوا، بل يفت في عضُدهم قبل المعركة، والإجابات: إبراهيم الخليل يقول له النمرود:  أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ  قال إبراهيم: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ [البقرة: 258]. الراهب في قصة أصحاب الأخدود هو في البداية سلك الأسباب التي تؤدي إلى النجاة على طاعة الله،  إن ابتليتُ فلا تدل علي  وضع استخفاء الآن من هذا السطوة للكفار لكن عندما وصلت القضية:  أو لك رب غيري  قال: ربي وربك الله  [رواه أحمد:23931، وقال محققه الارنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين]. ما تراجع وصبر على المنشار الذي نشر به حتى وقع نصفين وهكذا الأعمى الذي صار بصيرًا بأمر الله ثبت حتى صار نصفين.

مواقف من عزة علماء الإسلام الصادقين

01:00:43

شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- له مواقف يظهر فيها عزة العلماء عند السلاطين وعزة العلماء، أما متاع الدنيا الفاني لما وشوا بشيخ الإسلام ابن تيمية، أعداؤه متعصبة المذاهب والصوفية، أصحاب الطرق وأصحاب المنطق وعلم الكلام مخالفوه، قالوا للسلطان الناصر: إن ابن تيمية يريد ملكك، يعمل له شعبية لكي ينازعك في الملك، انظر إليه ينزل إلى البلد، يكسر المنكرات بيده، وعنده طلاب يغيرون المنكر باليد، وإنه سيعظم أمره، وسيستولي على ملكك، فأحضره بين يديه وقال السلطان لابن تيمية : إنني أخبرت أنك قد أطاعك الناس، صار لك شعبية، وأن في نفسك أخذ الملك، فقال شيخ الإسلام وقد علا صوته وسمعه من حضر: "أنا أفعل ذلك؟ والله إن ملكك وملك المغول لا يساوي عندي فلسين" ملكك وملك المغول كلهم لا يساوي عندي  فلسين، فتبسّم السلطان، وقال: إنك والله لصادق فإن الذي وشى بك إلي لكاذب، هو نفسه ابن تيمية -رحمه الله- لما اقترب التتر من دمشق وعم الفساد وخرج اللصوص وانحل حبل الأمن في البلد وصار أهل دمشق خائفين جداً أراد ابن تيمية -رحمه الله- أن يخرج إلى قازان ملك التتار، تشاور معه مجموعة من العلماء ووجهاء دمشق يخرجون إلى قازان ليكلموه لعله يرجع عن البلد، ويُفرّج عن المسلمين ذهب معهم حتى أدخلوا على قازان، وبدأ ابن تيمية -رحمه الله- الكلام، من الذي يتكلم؟ شرع شيخ الإسلام في الكلام فبدأ يتكلم وأمر ونهى ورفع صوته ويحرك يديه، ويقول: أنت تدّعي الإسلام وأن معك إماماً وقاضياً ومؤذني،ن ثم تفعل كذا وتفعل كذا وأين الدين وأين الإسلام والادعاءات؟ ويجب عليك أن ترجع وتترك الناس، قالوا: فجمعنا ثيابنا مخافة أن تطرطس بدمه، الآن رأسه سيقع، قال: "فألقى الله في نفس هذا الملك الهيبة لشيخ الإسلام وهو يتكلم بعزة المسلم لا يُهاب وسأل الترجمان ماذا يقول؟ ومن هذا؟ وكيف وقع في نفسه الهيبة لشيخ الإسلام؟ وعده خيراً، وأنه يرجع ،وأنه لا يقتحم البلد وخرجوا من عنده وقالوا : كيف تتكلم هكذا؟ قال: تصاغر حتى صار في عيني كالذباب، أنا رأيته مثل الذبابة هو والهيلمان والحرس والجند، رأيته مثل الذبابة تصاغر، ذكرتُ عظمة الله فصار عندي مثل الذبابة، قالوا: والله لا نصحبك أبداً، كدتَ أن تهلكنا، فتركوه يذهب في طريق وذهبوا في طريق آخر، قالوا: أما هو فدخل دمشق معززاً مكرماً، وتسابق الناس إليه وعرفوا ماذا فعل من أجلهم، ونحن خرج علينا جماعة من اللصوص فشلحونا، أخذوا ملابسنا، وهذا من عزة الإسلام أمام بهرج الدنيا. [البداية والنهاية: 14/9].

لما جاء أحد العليين المنتسبين إلى علي بن أبي طالب إلى الخطيب البغدادي يريد يرشيه بأموال، أو يدفع له أموالاً يظن أنه سيهتم به ويقبل عليه، وكان الخطيب على سجادة، يصلي الخطيب البغدادي، فجاء هذا ونثر الدنانير الذهبية في حجر الخطيب -رحمه الله- فعرف الخطيب أن هذا كأنه يريد أن يشتري العلم، أو يشتري المكانة بالمال، فغضب جداً، وقام ونثر الدراهم، ونفض ثيابه ونهره ووبخه على هذا الفعل، تريد أنت تشتري بالمال؟ وذهب، قال الذي نظر إلى الموقف: فو الله لا أنسى عز الخطيب وذل العلوي وهو يلتقط دنانيره ويجمعها من الأرض، انصرف الخطيب ونفض، وذاك جالس يجمع دنانيره التي حاول أن يعطيها للعالم.

ولما قال المعتصم لأحد العلماء في فتنة خلق القرآن، أراد أن يحمله على خلق القرآن ورفض، قال: نقطع عنك العطاء والراتب، قال:  وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ  [الذاريات: 22]. هذه العزة تولد هذا.

وسعيد الحلبي لما دخل عليه والي البصرة وهو في حلقته في المسجد كان الشيخ سعيد ماداً رجليه، لما دخل الوالي لم يغير رجليه ولم يأبه بالوالي وأكمل درسه فلم يكن من الوالي إلى أن جلس مستمعاً، ثم انصرف الوالي وأرسل إلى الشيخ صرة فيها مال مع أحد الخدم فقال الشيخ للخادم: قل لسيدك: إن الذي يمد رجله لا يمد يده وأنا إذا ما ذللت لك وأبقيت رجلي ممدودة لا يمكن أذل لك بعدها وأمد يدي إلى غني عنك وعن أعطياتك، هذه العزة.

أثر اعتزاز المسلم بالأحكام الشرعية

01:07:31

واعتزاز المسلمين بالأحكام الشرعية يلقي في نفوس الكفار عظمة هذا الدين، يقبلون على الإسلام، يحبون الإسلام، هذا كافر جاء إلى مكان فيه مسلمون هو رأى الصلاة اجتماع الناس على الصلاة فاستغرب جداً وسأل ما هذا؟ قالوا: الصلاة لمن؟ قالوا: لله، لماذا أنتم أراكم تصلون في المساجد، محطات البنزين، في الحدائق، في المطارات، في المستشفيات، ما دخلت مكاناً إلا وناساً يصلون، ما هذا الدين الذي لا يترك الناس العبادة فيه في كل المحلات؟ ما هذا؟ إظهار شعائر الدين الأذان هذا عزة، ولذلك إذا تركه أهل البلد قوتلوا، إعلان التوحيد في البلد عزة للمسلمين وذل للمشركين، إعلان الصلوات صلاة الجماعة هذه عزة، اليهود والمنافقون في المدينة أكثر ما كان يغيظهم من المسلمين اصطفافهم في الصلاة صفوفاً، صلاة الجماعة هذه عزة للمسلمين، وصلاة العيد عزة، الحج اجتماع المسلمين مليونان في المشاعر من أكثر ما يغيظ أعداء الإسلام عزة للمسلمين، اجتماع عبادة على الحق وعلى الطاعة، هناك كافرات أسلمن بسبب تأثرهن من عزة فتاة بحجابها، امرأة مسلمة في بلاد الكفار يراها الكفار بالحجاب، عزّة، تعتز بحجابها، لا تتخلى عنه، قد يتساءلون في البداية، سخرية واستخفاف واستهزاء، وهذه حفلة تنكر، وهذا مظهر تهريج، وهذا بعبع، لكن بعد ذلك سيبدأ الكفار يتساءلون عن عبادات المسلمين، يلفت نظر الكفار، الآن هناك دول الغرب اجتماع المسلمين للصلاة في العبادة، كيف مظهر المسلمين الحجاب عند النساء؟ يلفت نظرهم، ولذلك يقبلون يقولون: ما هذا؟ لماذا الحجاب؟ ويجري الله من الأحداث والأقدار ما يسلّط الأضواء على الشعائر الإسلامية، نحن رصدنا في مواقع الإنترنت الإسلامية مؤخراً طفرة في الإقبال على المواقع الإسلامية من الكفار، ولما وضعنا بعض الموضوعات الإسلامية في مواقع حوارية للكفار كتب أحدهم: إنكم جريئون حقاً أنكم تعلنون هذا في هذا الوقت، يعني اندهاش حتى تعلن الآن في غمرة هذه الأحداث، تريد أن تتكلم عن الإسلام فإظهار الدين بالحسنى من الأشياء العجيبة التي يكون لها الأثر الكبير في نفوس الكفار. وطبعاً في نفوس المنهزمين من المسلمين قبل، لأننا الآن نحن نعاني من أجيال نشأت في المسلمين عندها خنوع لا يعرفون قول الله تعالى: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139]. هذه الآية بعد هزيمة أُحد، وفي مكة في مرحلة الاستضعاف تنزل الآيات: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  [آل عمران: 139].

فما ينافي العزة أن يشعر الواحد أنه في هوان، لماذا أنت عندك عبودية وتوحيد ما هي عند الكفار؟ أنت عندك عقيدة ما هي عند الكفار أنت عندك عبادة ليست عند الكفار، أنت عندك شعائر تعبدية وأحكام فقهية ما عند الكفار مثلها أليس هذا كافياً في الاعتزاز؟ هي القضية كلها قضية القوة العسكرية والقوة المادية والقوة الدنيوية، أم أن هناك شيء أهم يعتز به وإن كنت أضعف عدداً ونفيراً وسلاحاً وعُدّة وهو هذا الدين أحكام هذا الدين.

ضرورة تنشئة أبناء المسلمين على العزة

01:12:37

مهم جداً يكون هناك محاضن تربوية في أوساط المسلمين فيها هذه العزة لتنشأ الأجيال الجديدة عليها؛ لأنه لا يمكن أن نهزم الكفار بنفسيات منهزمة، لا يمكن نهزمهم بخنوع وذل وهوان، لا يمكن، لا بد أن يظهر جيل عنده معاني العزة الإيمانية الإسلامية يكون فخوراً بهذا الدين، الواحد يقول: أنا مسلم بالفم المفتوح ويكتب: أنا مسلم بالخط العريض، الآن في ناس من المنهزمين يستحي، يخجل أن يقول: أنا مسلم، يخجل أن يقول في مجلس: أنا مسلم في بعض الأماكن، ويتوارى من القوم كأنه معيب، لماذا؟ وبعض الموظفين في بعض المكاتب التي فيها كفار نفس الطريقة، وبعض الطلاب الذين يذهبون إلى الخارج نفس الطريقة بل يريد أن يكون مثلهم وأن يخفي شخصيته الإسلامية وإذا جاء موضوع حساس راغ عنه ولا يريد أن يقول للكافر وللفاسق وللفاجر أن الحق كذا والحق كذا ويحاول أن يسترضيهم على حساب الدين فالله ورسوله أحق أن يرضوه.

أمور مهمة في اكتساب العزة

01:13:56

من الأمور المهمة في اكتساب العزة أن نقرأ للكتاب والعلماء أصحاب العزة والقوة في كتاباتهم، فيه كتاب مسلمين إذا قرأت تجد الكتاب ينضح بالعزة، تجد أسلوب الكاتب معتزاً بالدين، رجل مفتخر بالإسلام، قوي بهذا الدين، ولذلك القراءة هذه تشع في النفس من هذه المعاني ما يجعلها تنتقل إليها وتتشربها وتأخذ بها، وعلى النقيض من ذلك القراءة للمائعين والمتساهلين والمتخاذلين والمنهزمين نفسياً القراءة لهم وسماع فتاويهم المقرفة يجعل الواحد يتخاذل ويضعف ويأخذ يقتبس من الذل والهوان، وأسوأ شيء أن يخفي الواحد حقاً لأجل كلمة: ماذا يقول عنا الكفار؟ ماذا يقول عنا الكفار؟ فليقولوا ما يشاءوا، نحن لهذا الدين جند وفداء، فليقولوا ما يقولوا، ولذلك يسخرون من المؤمنين، والمؤمن يرفض أن ينصاع لهم ولا أن يذل لهم .

عوامل وأسباب ذل وهزيمة المسلمين اليوم

01:15:24

أيها الإخوة، إن هناك عوامل أيضاً تنافي العزة وتنشئ الهزيمة النفسية والذل، بيّن النبي ﷺ ذلك بقوله في الحديث العظيم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم وليقذفن في  قلوبكم الوهن قال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال:  حب الدنيا وكراهية الموت  [رواه الترمذي: 4297، وصححه الألباني في المشكاة: 5369].

إذن، عندما يكون عندنا حب للموت في سبيل الله واسترخاص النفس والروح فداء لله ودينه عند ذلك نكتسب العزة وعندما نخاف من الموت ونجبن نصاب بالوهن، عندما نزهد في الدنيا نعتز، وعندما نحب الدنيا ونركض وراءها نهون ونذل، ولذلك قال لهم السبب: ((حب الدنيا وكراهية الموت))

وقال ﷺ مبيناً خطورة الاشتغال بالدنيا وترك الجهاد؛ لأن الجهاد هو محبة التضحية بالنفس وحب الدنيا التمسك بالدنيا وعدم التضحية بالنفس إذا تبايعتم بالعينة حيل الربا وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم  [رواه الترمذي: وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 11].

ولما حصل هذا الكلام ودخلت الأمة في عالم الميوعة والترف وانشغلت بالدنيا والأموال التي جاءت بعد الفتوحات وتنافسوا فيها سلّط الله عليهم التتر وسلّط الله عليهم النصارى والحملات الصليبية والحملات المغولية وصارت المذابح في المسلمين، ولما اشتغل أهل الأندلس بالدنيا وزخرفها وضعفوا عن الجهاد سلط الله عليهم النصارى فاجتاحوا بلادهم وصار الوضع كئيباً سيئاً جداً

مزجنا دمانا بالدموع السواجن فلم يبق منا عرضة للمراجمِ
وشر سلاح المرء دمع يريقه إذ الحرب شبت نارها بالصوارمِ
فإيه بني الإسلام إن وراءكم وقائع يلحقن الذرى بالمناسمِ
وكيف تنام العين ملء جفونها على هفوات أيقظت كل نائمِ
وإخوانكم بالشام يضحي مقيلهم ظهور المذاكي أو بطون القشاعمِ
تسومهم الروم الهوانَ وأنتم تجرون ذيل الخفض فعل المسالم

[البداية والنهاية: 12/156].

حاول الشاعر أن يثير في نفوسهم الحمية لأجل دفع الذل الذي نزل بسبب النصارى الذي اجتاحوا بلاد الشام وهؤلاء المسالمون الذين لا يريدون نصرتهم، وهؤلاء المسلمون الذين ذهبوا ضحايا -ملايين- ذبح بأيدي النصارى والتتر بسبب بهذا الذل الذي أخبر النبي ﷺ عن أسبابه.

إذن، القضية المعاكسة للعزة والهزيمة النفسية هذه تتولد الذل يتولد بحب الدنيا وكراهية الموت والخوف من الجهاد وكذلك الانهماك في المعاصي والذنوب، قال أبو الدرداء: "ما أهون الخلق على الله إذا هم خالفوا أمره".

[حلية الأولياء: 1/217].

وقال الحسن البصري لما ذكر أهل المعاصي: "هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم" [حلية الأولياء: 9/261].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مبيناً أثر الطاعة والمعصية في العزة والذلة يقول: "فإن الله جعل العزة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه قال تعالى:  يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8]. وقال تعالى:  وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  [آل عمران: 139].

ولهذا كان في كلام الشيوخ الناس يطلبون العزة بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله.

 وكان الحسن البصري يقول: "وإن همجلت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال، فإن ذُل المعصية في رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه" [روضة المحبين ونزهة المشتاقين: 102].

يعني: الكفار والفساق والفجار لو ركبوا المراكب الفاخرة والفارهة لكن في أنفسهم ذل لا يفارقهم، إنه ذل المعصية .

إننا نحتاج -أيها الإخوة- في عصرنا هذا أن نتجنب أسباب الذل وأن نقبل على أسباب العز وأن ننظر ماذا حلّ بنا وماذا ألمّ بنا لما تركنا الاعتزاز بالدين وأخذنا بأسباب الذل والهوان، كيف صار تعليم كثير من المسلمين مناقضاً للشريعة؟ كيف توسعوا في ابتعاث أولادهم إلى بلاد الكفار؟ كيف انتشرت المدارس الأجنبية بينهم؟ كيف تمّيعت المناهج؟ كيف صارت الدراسة المختلطة؟ كيف راجت اللهجات العامية والأجنبية وضعفت لغة القرآن في المسلمين؟ كيف أهمل تدريس الناشئة؟ كيف ضاعت الهوية الحقيقية للأمة وجعلت تتخبط؟ كيف صار تقليد الكفار ديدنهم؟ كيف صار قدواتهم الساقطون والساقطات واللاعبون واللاعبات واللاهيات والعابثات؟ كيف صاروا مقلدين للكفار في ملابسهم وقصات شعورهم وحركاتهم وعاداتهم؟ حتى لو دخلوا جحر ضبٍ دخلوا وراءهم، كيف صارت ثقافة كثير من المسلمين أجنبية؟ وصار الجسد من الخارج وإن رأيت فيه ملامح عربية ولكنه من داخله تسوده الروح الأجنبية.

كيف تخلف المسلمون اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً وإداريا؟ 

كيف حصلت هذه الهجرة للعقول المسلمة إلى بلاد الكفار؟ هجرة العقول وهجرة الأموال إلى بلاد الكفار بالإضافة إلى هجرة الأجساد من نتائج الذل الذي ضرب على هذه الأمة: هجرة العقول وهجرة الأموال إلى بلاد الكفار فماذا صار؟ ماذا على أي شيء تربى أولادهم ورجعوا بأي شيء؟ إن القضية تظهر في أبسط الأمور في عنوان الإنسان، اسمه اسماً أجنبياً، وإذا أرادوا أن يفعلوا شيئاً بحثوا عن اسم يمكن أن يركب على الأجنبي وعلى العربي .

تنازلات في الأمور الشرعية اتباع للرايات الجاهلية التقليد الأعمى.

هذا -أيها الإخوة- يحط من الأمة والله، ولا يمكن أن تنتصر الأمة هذا حالها ولذلك الكلام في هذه القضية وتطبيقها العزة الإيمانية، العزة بالإسلام، والأخذ بأسباب العزة من أهم ما نحتاجه في هذا الوقت العصيب، الآن في هذا الوقت العصيب نعتز بالإسلام في الوقت الذي يشعر فيه ناس كثيرون بالهوان والذل والضعف واليأس والإحباط والهزيمة، نقول: إن الله وعدنا بالنصر فلنقبل على دينه ونعتز بهذا الدين وسينصرنا الله ولا بد؛ لأن الله وعد ووعد الله لا يتخلف، كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة: 21].  وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النور: 55]. وعد وبعد الخوف يأتيهم الأمن وبعد الذل يأتيهم العز، لكن إذا صبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا أعزاء بالإسلام اللهم إنا نسألك أن تورثنا العزة بك والتقوى لك.