الحمد لله الذي لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أن محمداً رسول الله شهادة متممة لشهادة ألا إله إلا الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، ورضي عن أصحابه وأزواجه وذريته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، فهذه فرصة طيبة أن نلتقي في هذا المكان أسأل الله أن يجعل مجلسنا هذا مجلس ذكر يرضى عنه ، وأسأله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
مراعاة الداعية والمعلّم للجانب الاجتماعي
أيها الإخوة، هذا الدين العظيم قد جاء بتشريعات كثيرة، وأحكام متعددة في سائر جوانب الحياة، ومن النواحي في حياتنا الناحية الاجتماعية، هذه الناحية التي يغفل عنها الكثيرون، وحتى طلبة العلم، وبعض الدعاة إلى الله وأعداد من الشباب لا يراعون هذه الناحية، ولا يقدرونها، حق قدرها، مع أنها ناحية مهمة جداً.
أيها الإخوة، الناحية الاجتماعية التي تكسبك ودّ الناس، تحببك إليهم وتحببهم إليك، وإذا قارنا حالنا في علاقاتنا الاجتماعية بحال النبي ﷺ لوجدنا فرقاً كبيراً، ونريد أن نعرف في هذه المحاضرة بعضاً من الجوانب التي تنقصنا، وماذا كان ﷺ يفعل ويتصرف فيها، نريد أن نقارن الواقع بالهدي النبوي، وسنذكر جوانب وأمثلة اجتماعية تبين بعض الثغرات القاتلة الموجودة في حياتنا الاجتماعية.
تفقد الداعية للمغمورين في المجتمع
كان ﷺ يتفقد أصحابه، عن أبي هريرة أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ففقدها رسول الله ﷺ فسأل عنها، فقالوا: ماتت، قال: أفلا كنتم آذنتموني فكأنهم صغروا أمرها، تجمع قمامة المسجد، لماذا تهتم بهذه المرأة السوداء التي تجمع قمامة المسجد؟ فكأنهم صغروا أمرها، فقال: دلوني على قبرها فصلى عليها، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم [رواه مسلم: 956]. النبي ﷺ عاد من سفر، وافتقد هذه المرأة، سبحان الله، ولا إله إلا الله، هذه النفس الكريمة، والعقل، والذهن الحاضر، الذي يتذكر الناس، ويفتقد من بينهم امرأة سوداء كانت تنظف المسجد، يسأل: أين فلانة؟ لماذا أين هي؟ ثم يخبر بوفاتها، ونأخذ من زيارته ﷺ لقبرها، والصلاة عليه، حكماً شرعياً في الصلاة على الميت الذي لم يصل عليه الشخص في خلال شهر من وفاته، يأتي قبره، ويجعله بينه وبين القبلة، ويصلي عليه صلاة الجنازة.
تفقُّد الداعية لمن فقده من أصحابه
كان النبي ﷺ في غزوة له، فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: هل تفقدون من أحد؟ انظروا صفة القائد الذي يتذكر جنوده، يتذكرهم ويعرفهم واحداً واحداً، ثم بعد المعركة يسأل عن المفقودين، هذه الرحمة، وهذا التذكر، والتفقد، قالوا: نعم، فلاناً، وفلاناً، ثم قال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم، فلاناً، وفلاناً، وفلاناً، ثم قال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: لا، قال: لكني أفقد جليبيباً جليبيب عبد أسود، وربما لا يؤبه له، جليبيب، فاطلبوه، فطلب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة، قد قتلهم، ثم قتلوه، فأتى النبي ﷺ فوقف عليه فقال: قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه فوضعه على ساعديه، ليس له إلا ساعدا النبي ﷺ، قال: "فحفر له ووضع في قبره ولم يذكر غسلاً". لأنه شهيد. [رواه مسلم: 2472].
حتى وهو العالم ﷺ في مجلس علم كما أنه القائد في المعركة مع جنوده، كما أنه الإمام مع المصلين المأمومين في مسجده، كذلك وهو العالم يتفقد طلابه؛ عن معاوية بن قُرة عن أبيه قال: "كان نبي الله ﷺ إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه، أب يأخذ ولده، يقعده بين يديه في حلقة العلم، فهلك" هذا الولد مات، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه، ففقده النبي ﷺ، فقال: ما لي لا أرى فلاناً لاحظ؛ ما لي لا أرى فلاناً، قالوا: يا رسول الله، بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي ﷺ فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه، ثم قال: يا فلان، أيما كان أحب إليك، أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله، بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي، قال: فذاك لك . [رواه النسائي: 2088، وصححه الألباني في أحكام الجنائز: 109].
وكذلك فإنه ﷺ افتقد ثابت بن قيس مرة، فقال رجل: يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالساً في بيته منكساً رأسه، فقال: ما شأنك؟ لماذا لا تأتي إلى الدرس؟ لماذا لا تأتي إلى الحلقة؟ يا إخوان، يا أصحاب حلقات التحفيظ، والدروس العلمية، ومجالس الذكر، يا معشر الشباب، يا معشر الطلاب، يا معشر الموظفين، قد يغيب الواحد عن الدرس، والحلقة، ألا يُفتقد؟ ألا يُسأل عنه؟ ألا يدرى أين فلان؟ هل هو في مصيبة نعزيه؟ هل هو في ضائقة فنساعده؟ هل هو في مرض فنعوده؟ هل هو في انتكاس فنحوطه ونقويه ونعيده؟ عدم التفقد ضيع كثيراً من الشباب، وكثيراً من الناس، وبعضهم قد لا يكون قد ضاع عن الدين، لكن رأى أن الوسط الذي يعيش فيه غير مهتم به، لما غاب ما سألوا عنه ولا افتقدوه ولا جعلوا له شأناً، ولا سألوا عنه، السؤال عن الشخص له وزن كبير، له أثر عظيم، اسأل عنه إذا غاب، ربما ينقذه الله بك، سأل عن ثابت بن قيس، دخل عليه رجل وجده منكساً رأسه، قال: "ما شأنك؟" قال: شر، ما هو الشر؟ قال: كان يرفع صوته، فوق صوت النبي ﷺ وهو من أهل الأرض فقد حبط عمله". وفي رواية أنه ﷺ قال: ما شأن ثابت بن قيس لا يُرى، آشتكى؟ مرض، فقال سعد بن معاذ: ما علمت له بمرض، وإنه لجاري، فدخل عليه سعد، فذكر له قول النبي ﷺ، فقال: قد علمتُ أني كنت من أشدكم رفع صوت على رسول الله ﷺ، وقد نزلت هذه الآية: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2]. كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ
قال: حبط عملي، هلكتُ، أنا من أهل النار، حبط عملي، فذكر ذلك سعد للنبي ﷺ فقال: بل هو من أهل الجنة [رواه مسلم: 119]. والرواية الأولى للبخاري: قال: إنك لست من أهل النار، ولكن من أهل الجنة [رواه البخاري: 3613]. وهكذا سأل عنه.
المسجد هو المكان الطبيعي لافتقاد الإخوان، لا يرى في المسجد، الذين معه في المسجد يتحملون المسئولية الأكبر، والذين معه في الدرس، والذين معه في الحلقة، والذين معه في المدرسة، والذين معه في الجامعة، والذين معه في مكان العمل، لابد من التفقد، وصار الآن بعض الناس مهملاً في صلاة الجماعة، وبعضهم بسبب الورديات، ونوبات العمل لا يرى، هؤلاء، وهؤلاء، وهؤلاء، وإذا لم يوجد لأئمة المساجد، أدوار قوية، وأدوار موازية، وتفاعل من المأمومين، فكيف سيحصل التفقد؟
أيها الإخوة، النبي ﷺ قال: لقد هممتُ أن آمر رجلاً يصلي بالناس يا أئمة المساجد، لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها، فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم، ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها يعني صلاة العشاء، رواه مسلم. [رواه مسلم: 651].
فإذن، هو كان يعرفهم، قال: ثم أخالف إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم [رواه البخاري: 2420].
آداب الزيارة الشرعية بين الإخوة
لما غاب عامل التقرب والاحتساب في الصلة، وصار احتساب الأجر غائباً، وصار اتيان الناس بعضهم لبعض على حسب الإلف والعادة؛ ولأنه عيب ألا نزور فلاناً، ضاع التفقد، وصارت كثير من الزيارات مضيعة للوقت، وفيها أشياء سيئة، فتركها بعضهم بالكلية، قال: هذه مضيعة وقت طويلة، وهذه فيها تدخل سلبي، وأولئك لما جاءونا جلبوا سحراً، وجدنا أشياء غريبة في البيت، من الآن لا نريد أحد يزورنا، ولا نزور أحداً؛ لأنهم أضروا بنا، لما فقدت الزيارات آدابها الشرعية، صار الناس لا يريد بعضهم، لا يريد أن يُزار ولا يزور، لما صار التطويل في الزيارات، امرأة ترى زوجها عند الجيران ثلاث ساعات، لا تطيق، ولا تريده أن يذهب أصلاً.
فإذن، في الجانب الآخر للتفقد، يجب أن نراعي آداب الزيارة الشرعية حتى لا ننقطع عن بعضنا البعض، تطويل الزيارة قد يكون مؤذياً، النبي ﷺ لما كان في عرس زينب، بعضهم بعد الأكل بدلاً من أن ينتشروا، قعدوا يتحدثون، وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام ورجع، وهم على حالهم ما قاموا، والنبي ﷺ شديد الحياء، فأنزل الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ... [الأحزاب: 53]. إلى أن قال: فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب: 53].
فالمسألة الثانية في الثغرات عدم التأدب بالآداب الشرعية للزيارة، لا نزور إخواننا في الله، وإذا زرنا أحداً أو اتصلنا بأحد فإنما هو لحاجة، فترى الواحد إذا اتصل بالآخر للحاجة، إما أن يصارحه مصارحة مُرة، يا أخي اعذرني اتصلت بك للحاجة، أنا ما اتصلت عليك عند مرضك، وعند قدومك من سفرك، أنا الآن متصل لحاجة، إما مصارحة مرة، أو أن يعمد إلى اللف والدوران، وصار الواحد إذا زار شخصاً، أو اتصل به لغير حاجة، للسلام فقط، استغرب الآخر، يعني السلام عليكم، نعم يا أخي، كيف حالك، ماذا تريد؟ والله أسأل عنك، صارت الزيارة للسؤال، والاتصال للاطمئنان شيئاً غريباً، لأن العرف والعادة الاجتماعية الآن أنك لا تزور وتتصل إلا من أجل حاجة دنيوية، أما صلة الإخوان في الله فقلما تجد، قليل ما هم، ألم يرسل الله ملكاً على طريق شخص زار أخاً له في الله، ليس بينه وبينه علاقة دنيوية، ولا لأجل مصلحة دنيوية، ولا منفعة دنيوية، فقط لله وفي الله قال: فإني رسول الله إليك انظر التكريم، فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه [رواه مسلم: 2567].
بعض الناس يقولون: ثمان ساعات للعمل، وثمان ساعات للنوم، والباقي للوجبات وشراء المقاضي، ما بقي وقت نزور إخواننا في الله! نقول: لا يا أخي، الترتيب والتنظيم يساعد كثيراً في إيجاد أوقات، ترتيب الحاجيات التي تخرج فيها يساعد كثيراً في إيجاد أوقات للزيارة في الله، ولو لم يحصل الاتصال، أقل شيء الاتصال، وسائل الاتصال متوفرة والحمد لله، ويا أيها الأزواج، لا عليكم من تهويلات بعض نسائكم، ذهبنا لهم ولا جاءونا، دعوناهم ولم يجيبونا، عزمناهم ما عزمونا، لا نريد أن نذهب إليهم، فلانة ولدت ما أحد زارها، بعض النساء يثبطون ويخذلون بمثل هذه الأشياء من السفاسف، ما معنى الصلة؟ الصلة أن تأتي إلى علاقة منقطعة فتعيد وصلها، أليست هذه هي الصلة؟ ليست المكافأة، أنا ما أتكلم عن قضية زارني وزرته، وعيب إني ما أزوره؛ لأنه زارني، نحن نريد إحياء قضية الصلة، والصلة، صلة ما انقطع.
نفع الأخ لأخيه بكل أنواع المعروف
من الأمور الاجتماعية المهمة نفع الإخوان بشتى أنواع المنافع إخوانك المسلمون انفعهم، مثلاً الشفاعة الحسنة، هذا يحتاج إلى وظيفة، هذا يحتاج أن يسجل في المدرسة، هذا يحتاج أن يدخل مستشفى، هذا يحتاج إلى مساعدة مالية، هذا يبحث عن زوجة، اشفعوا تؤجروا، النبي ﷺ كان إذا جاءه السائل، أو طلبت إليه حاجة يقول: اشفعوا تؤجروا، سبحان الله، النبي ﷺ يريد أن تأتي قضاء الحاجة على يد شخص آخر من أصحابه ليؤجر هذا الآخر، لاحظ يقول: كان إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة، قال: اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ﷺ ما شاء". [رواه البخاري: 1432].
اشفعوا كي تؤجروا، إذا عرض المحتاج حاجته علي فاشفعوا له إلي، فإنكم إن شفعتم حصل لكم الأجر، سواء قُبلت شفاعتكم أم لا، ويجري الله على لسان نبيه ما شاء من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها، أي إن قضيتها أو لم أقضها فهو بتقدير الله تعالى، هذا قول الطيبي في شرح البخاري: "وفي الحديث الحض على الخير بالفعل، وبالتسبب إليه بكل وجه، والشفاعة إلى الكبير في كشف كربة، ومعونة ضعيف، إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى الرئيس، ولا التمكن منه ليلج عليه أو يوضح له مراده".
وقد كان النبي ﷺ يحب من أصحابه أن يوصلوا إليه حاجات المسلمين ويشفعوا فيها ليؤجر الشافع، فإذا قلت: يا أخي أخشى أن أشفع لك يردوني، نقول: اشفع اشفع، أولاً: الجاه له زكاة مثل المال، أين زكاة جاهك؟ أين زكاة منصبك؟ أين زكاة موقعك؟ ثانياً: لو شفعت، وما قُبلت شفاعتك، وردوك، فأنت مأجور، اشفعوا تؤجروا سواء قبلت، أو ما قبلت، نفعت أو ما نفعت، تؤجر، اشفعوا تؤجروا، لا نتكلم عن الشفاعة للمجرم، والشفاعة في حد من حدود الله لا، نتكلم عن الشفاعة في الحسنة، إيصال حاجات الناس إلى من يمكن أن يقضيها، الناس الذين يستحقون أن توصل حاجاتهم إلى من يقضيها.
وكذلك فإن نفع المسلم بسائر الوجوه من الواجبات الاجتماعية، قال ﷺ: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل [رواه مسلم: 2199]. بأي نوع، برأي، قد تدل على رأي ، الآراء لها قيمة عظيمة، حتى أن الغربيين جعلوا قيمة مالية للأفكار، وصار المستشارون لهم رواتب ضخمة، الذين لهم عقول راجحة.
فإذن، إذا كان عندك رأي سديد وصواب لأخيك أشر عليه به بلا مقابل، وإذا استنصحك فانصح له [رواه مسلم: 2162]. قال بعض العلماء: فانصح للوجوب، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه رواه أبو داود وهو حديث صحيح. [رواه ابو داود: 3657، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 6068].
فبعض الناس من اللؤم الذي فيهم يسأله أخوه المسلم عن شيء فيدله على طريق، وهو يعلم أن الرشد في غيره وهذه خيانة، نصيحة في بيع، نصيحة في شراء، ولو كنت أنت تبيع يجب أن تبين العيب؛ لأن هذا أخوك المسلم يشتري، قبل أيام قال لي واحد: ذهبت إلى المعرض لأشتري سيارة، سألت الشخص الذي يبيع عن عيوب السيارة، قال: أنا لست ميكانيكياً، لاحظ أنا لست ميكانيكياً، اشتريناها وخرجنا وصل إلى طريق مسدود، أراد أن يرجع، الخلفي ما يعمل، كل الخلفي ما يشتغل، قال: ركبت مع شخص آخر أريد أن أشتري سيارة، بعض الناس مبتلون في شراء السيارات، حَر يا فلان، شغّل مكيف السيارة، قال: اشترينا السيارة، جاء يشغل المكيف، ظهر خراب المكيف، وأشياء كثيرة في السيارة، وذاك يحتج بالإنفلونزا بأنف العنزة، فأين النصح للمسلمين؟ كتم عيوب السلعة، أين النصح للمسلمين؟، الرسول ﷺ كان ينصح ويقول: خذ هذا فإني رأيته يصلي، يحتاج أن يأخذ عبداً، قال: خذ هذا فإني رأيته يصلي.
ولما تزوج جابر النبي ﷺ ما قال هذه أمور شخصية، ما نتدخل فيها، قال: هل نكحت يا جابر؟ قلت: نعم، قال: ماذا أبكراً أم ثيباً؟ قلت: لا بل ثيباً، قال: فهلا جارية تلاعبك
قلت: يا رسول الله، إن أبي قُتل يوم أحد، وترك تسع بنات، كن لي تسع أخوات، فكرهت أن أجمع أليهن جارية خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن، قال: ((أصبت)) [رواه البخاري: 4052].
"إن لي أخوات فخشيت أن تدخل بيني وبينهن، قال: ((فذاك إذن)).
فحثه على نكاح البكر، وقال: تلاعبها، وتلاعبك، وتضاحكها، وتضاحكك [رواه مسلم: 715].
وفي رواية: وتعضها، وتعضك فإذن، ما لك وللعذارى، ولعابها من اللعاب، وفي ذلك إشارة إلى أن مص لعاب الزوجة جائز وحلال، وذلك يقع عند الملاعبة، فهذا النبي ﷺ يرشد ويدله إلى أشياء دقيقة وحساسة، ولم يقل: هذه أمور شخصية، وبعض الناس إذا جئت تنصحه في مثل هذه الأشياء، يعاملك كأنك تدخلت في قضية لا يجوز لك أن تتدخل فيها، وبعض المتدخلين لا يحسن التدخل، فيفسد بحيث يجعل الشخص الآخر يتلقن درساً في أن لا يسمع لشخص بعد اليوم أن يتدخل في أموره الخاصة، وهذا النبي ﷺ دل جابراً رضي الله عنه على الخير في الزواج وعلى الأفضل.
ونحن في التدخل في أوضاع إخواننا في الشؤون الخاصة للإخوان، التدخلات ما بين مهمل وما بين متدخل مفسد إلا من رحم الله، إما أننا نهمل ولا نتدخل أصلاً، وإما أن نتدخل ونفسد إلا من رحم الله، يوجد تكتم شديد سلبي لدى كثير من أصحاب المشكلات، من الإخوان، من الزملاء، من الشباب؛ لأنهم لا يريدون تدخلاً من أحد، خشية فضيحة، أو إيذاء أو أنهم يعتقدون بعدم الأحقية في التدخل، ثم قد يقتنع بدعوة أحد للتدخل بعد تفاقم الأمور، وربما فات الأوان، وينبغي على صاحب المشكلة أن يتوسط بين التكتم التام وبين إفشاء القضية أمام الجميع، يسمح بالتدخل لشخص معين، يتصف بالحكمة، وسداد الرأي، والأمانة، وكتم السر، والعلم ما أمكن، ويعرض الأمر عليه، أما أن يسكت حتى تنفجر القضية، وتصبح على كل لسان، المصلح له وجهة شرعية، كما فعل النبي ﷺ وسأل جابراً، وعبد الرحمن بن عوف، والمصلحون الاجتماعيون قلة ، فأين الذي لا يسرب مشكلاتك ويعطيك رأياً حكيماً ؟ الأسرار الخاصة أمانة يجب كتمانها، ومن الأمور الاجتماعية التي كان النبي ﷺ يقوم بها زيارة العجائز، قال أبو بكر لعمر بعد وفاة رسول الله ﷺ: "انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله ﷺ يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقال لها: ما يبكيك؟ أما عند الله خير لرسوله ﷺ؟ فقالت: ما أبكي ألا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله ﷺ" أنا أعلم أن ما عند الله خير للنبي ﷺ من الدنيا وما فيها، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء وفاتتنا هذا المصدر العظيم الذي كان يأتينا منه التشريع، والكلام، والعلم، والصلة في السماء، الصلة بالله تعالى قد انقطعت عن السماء، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها". [رواه مسلم: 2454].
فضل زيارة الصالحين لمن هو دونهم
زيارة الصالح لمن هو دونه، وزيارة الإنسان لمن كان صديقه يزوره، وزيارته لأهل ود صديقه، وزيارة جماعة من الرجال للمرأة الكبيرة العجوز دون خلوة ولا ريبة، واستصحاب العالم والكبير صاحباً له في الزيارة، والبكاء حزناً على فراق الصالحين والأصحاب، كل ذلك مما ذكره النووي -رحمه الله- في فوائد هذه القصة، وكذلك رحمة الأرامل والعجائز.
وكان النبي ﷺ يدخل على أم سُليم، وكان بينه وبينها صلة رضاعة، وقال: إني أرحمها قتل أخوها معي [رواه البخاري: 2844، ومسلم: 2455].
وكان ﷺ يريد أن تُحجب المرأة عن المنظر الذي لا تطيقه، إشفاقاً على الأم أن تطلّع على منظر ولدها قتيلاً، عن الزبير لما كان يوم أُحد أقبلت امرأة تسعى حتى إذا كانت أن تشرف على القتلى كره النبي ﷺ أن تراهم، فقال: أدركوا المرأة، قبل أن تصل إلى القتلى.
فقال الزبير : فتوسمت أنها أمي صفية [رواه أحمد: 1418، وحسن إسناده محققه الأرنؤوط].
فخرجت أسعى إليها، فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال: فلدمت في صدري وكانت امرأة جلدة، قالت: إليك لا أرض لك، قلت: إن رسول الله ﷺ عزم عليك فوقفت وقفت، ما دام الأمر من النبي ﷺ وقفت وأخرجت ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبان، جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله، فكفنوه فيهما، رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح. [رواه أحمد: 1418، وقال محققه الأرنؤوط: إسناده حسن]
رحمته المعلّم والداعية بالأموات والأطفال
رحمته ﷺ لم تقتصر على الأحياء، بل كانت في الأموات، وكان يُقبّل الميت ﷺ، وقد قبّل الصحابي عثمان بن مظعون ، قبّله النبي ﷺ وهو ميت دخل عليه وقبلّه". رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ورحمة الإخوان بأخيهم بعد وفاته كما قالت عائشة: "إني لأعرف بكاء عمر، من بكاء أبي بكر، وأنا في حجرته".
[رواه أحمد: 42/30]. وفي قصة وفاة سعد بن معاذ كما رواه الإمام أحمد -رحمه الله-.
[رواه أحمد: 26793، وقال محققه الأرنؤوط: حديث صحيح لغيره].
الموقف من الأطفال الصغار، هذه من الواجبات الاجتماعية، ولا يظنن ظان أن انشغال الداعية بالدعوة، وطالب العلم بالعلم، أنه لا يبقي وقتاً لرحمة الأطفال الصغار، هذا نبينا ﷺ يخرج من بيته إلى عوالي المدينة؛ لأن إبراهيم ولده، كان مسترضعاً عند أبي القين، يخرج إليه، ويدخل البيت الذي هو فيه يرضع، ويأخذه، ويقبّله، ثم يرجع.[رواه مسلم: 2316].
ذهب لأجل أن يأخذ ولده إبراهيم ويقبّله ويرجع، رحمته ﷺ بالعيال والضعفاء، كان يخطب مرة، إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله ﷺ من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال صدق الله: أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [الأنفال: 28]، فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما، رواه الترمذي وحسنه.
رأيت هذين فلم أصبر ثم أخذ بخطبته، قطع الخطبة، ونزل وحملهما، ما صبر، حفيداه يمشيان ويعثران، وهذا المنظر قطع الخطبة ونزل ورجع وأتم الخطبة، ويذهب إلى سوق بني قينقاع الذي هو بقرب بيت فاطمة، يذهب إلى فناء بيت فاطمة ويقول: أثم لكع، ويذهب معه أبو هريرة، يمشي معه، لا يكلمني، ولا أكلمه، فغسلته، وألبسته سخاباً فيه رائحة طيبة حتى جاء إليه، فقال النبي ﷺ بيده هكذا، فقال الحسن بيده هكذا، فالتزمه عانقه وقبله، وفي رواية أحمد: "فاشتد حتى وثب في حبوته فأدخل فمه في فمه وقال: اللهم أحببه وأحب من يحبه [رواه البخاري: 2122]. قال أبو هريرة: فما كان أحد أحب إلي من الحسن بن علي بعدما قال رسول الله ﷺ ما قال. وفي رواية قال أبو هريرة: ما رأيت الحسن إلا فاضت عيني أو دمعت عيني أو بكت [رواه أحمد: 10891، وقال محققه الألباني: إسناده حسن].
يذهب ذهاباً خاصاً إلى رؤية حفيده ويقبّله.
حدثني واعظ في السجن، أنه يوجد لديهم سجين من مدمني المخدرات، ظل يطفئ السجائر في طفله الرضيع حتى مات.
مما يفتقده كثير من الأولاد في هذه الأيام الحنان، من الأم العاملة، أو الخراجة التي ترمي ولدها عند الخادمة، وتذهب في السهرات، ثم لا تدري بعد ذلك عن حاله، وجوعه، وشبعه، ونومه، وبكائه، ثم تنشأ العقد النفسية، ويتولّد الإجرام عند بعض هؤلاء، أين هؤلاء النسوة المشتغلات عن أولادهن من صالح نساء قريش اللاتي قال النبي ﷺ فيهن: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده [رواه البخاري: 3434، ومسلم: 2527].
وفي رواية لأحمد: وأرأفه بزوج على قلة ذات يده [رواه أحمد: 7709، وقال محققه الأرنؤوط: إسناده صحيح].
والحديث له قصة رواها مسلم أن النبي ﷺ خطب أم هانئ بنت أبي طالب، فقالت: "يا رسول الله إني قد كبرت ولي عيال" [رواه مسلم: 201].
وفي رواية: يا نبي الله ما يمنعني منك ألا تكون أحب البرية إلي، ولكني أكرمك أن يضغو هؤلاء الصبية عند رأسك بكرة وعشية قال: فهل منعك مني شيء غير ذلك؟ قالت: لا والله، فقال رسول الله ﷺ: إن خير نساء ركبن الإبل ركبن أعجاز الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغر، وأرعاه على بعل بذات يد رواه الإمام أحمد. قال الحافظ في الفتح: "وإسناده حسن". [رواه أحمد: 2923، وحسّن إسناده ابن حجر في الفتح: 9/512].
المرأة الحانية على ولدها، التي تقوم على أطفالها اليتامى فلا تتزوج، كما في لغة العرب، فإن تزوجت فليست بحانية، مع أن الزواج مباح، ولا شك في ذلك، لكن قد يغلب الشفقة بها أنها لا تتزوج، من أجل القيام عليهم وعلى هؤلاء الأيتام، وكان ﷺ يدرك هذه الرحمة والشفقة من الأم على الولد.
هذه قضايا اجتماعية، لكن لها أثر كبير، فكان ﷺ يدخل في الصلاة وهو يريد إطالتها، قال: فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه [رواه البخاري: 707]. وفي رواية للبخاري: كراهية أن أشق على أمّه [رواه البخاري: 707]. الوجد هو الحزن.
"كان يسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه" [رواه البخاري: 708].
والتخفيف المقصود به جاء تفسيره في رواية مسلم: "فيقرأ بالسورة القصيرة" [رواه مسلم: 470].
خطر الخدم على بيوتات المسلمين
من الثغرات الكبيرة مسألة الخدم، مسألة الخدم، وما أدراك ما الخدم؟ إذا أتيت بهن وفق الشروط الشرعية، فبقي عليك أن تحسن المعاملة، والنبي ﷺ أمر الإنسان الذي يكون عنده خادم فيطبخ له بأن يناوله من الطعام؛ لأنه هو الذي ولي حرّه ودخانه، قال فليناوله منه فإنه الذي ولي حره ودخانه [رواه مسلم: 1663]. والآن بعض الناس يضربون الخادم ضرباً مبرحاً، وبعض الحالات جاء إلي في المسجد قال: يا شيخ تحدث في الخطبة عن ضرب الخادمات، عندنا حالات خطيرة في المستشفى، وحالات سيئة مما يفعل في الخدم في البيوت، وصلت إلى الطوارئ، وإلى الإسعاف، وإذا ما ضربها أهانها بالكلام والشتائم والسب، وإذا ما لعنها ووصفها بالصفات السيئة سطا على مدخراتها أو أموالها، وهذه الخادمة كانت توفر عندي المال، تقول: دعه عندك أمانة، يوم من الأيام احتجت ما وجدت سيولة، اضطريت أني آخذ أموال الخادمة، والآن أنا ما عندي، والخادمة ستسافر، وماذا أفعل؟ هل يجوز شرعاً التصرف في الأمانات؟ هل يجوز للإنسان عنده أمانة أن يتصرف فيها؟ واحد من الشباب عنده مثلاً مال خاص لتحفيظ القرآن، شراء سيارة للتحفيظ، دفع رواتب للتحفيظ، إمام مسجد عنده، مال لصيانة المسجد، واحد عنده تبرعات للمسلمين، هل يجوز إذا احتاج أن يمد يده إلى هذه التبرعات؟ هل يجوز أن يأخذ منها؟ إطلاقاً، لا يجوز ذلك؛ لأنها أمانة، هذه أمانة عندك قد استُودعتها فلا يجوز أن تمد يدك إليها إطلاقاً، ولو كنت ستسدد من الراتب آخر الشهر، ما أدراك أن تُفصل، أو تموت، أو يحصل لك أي طارئ، أو تضعف نفسك ولا تسدد، ولا ترد، إذن لا يجوز العبث بالأمانات مطلقاً، وكنا نتكلم عن موضوع الخدم الذين إذا أُحسن إليهم، ربما الكافر دخل في الإسلام، والمسلم ازداد علماً وثباتاً على الدين، مع التنبيه على خطورتهم والله، ولذلك قلنا بالشروط الشرعية؛ لأن بعض الناس يضعونهن في البيوت بلا شروط شرعية، ويفتن الشباب في البيت، بسبب ذلك، وتحصل فواحش وحرام بسبب ذلك.
مشكلة وجود المصلح الحقيقي بين الناس
من الثغرات الاجتماعية أن تحصل خصومات بين أطراف، ثم لا يوجد من يتدخل بالطريقة الشرعية لحلها، غاب حس الإصلاح بين الناس عن الكثيرين، لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ [النساء: 114]. الذي يفعله لله، سيؤتيه أجراً عظيماً، الإصلاح بين المتخاصمين، وصارت القضية إهمال وعدم تدخل، أو تدخل مفسد، أو انتصار لطرف ضد طرف، مثل ما يفعل بعض أهل الزوجة مع ابنتهم، يتعصبون لها، وبعض أهل الزوج يتعصبون للزوج، وتكون الطامة الكبيرة، قضية خصومة بين زوجين، جاء الزوج وجاء أبوها، ما هي المشكلة؟ انظر الأمور في بعض الأشياء كيف تكون وتتطور؟ قالوا: البنت اشتهت أكلة عدس، جميل، أخت الزوج قالت: أنا أطبخ لك العدس، حددوا الموعد، وجاءت الزوجة إلى بيت أخت الزوج، وضعوا الطعام، جاءت بنت صغيرة، فقالت أخت الزوج: تفضلي يا بنتي، أنت بنت، كلي ما طبخناه إلا لك، كبرت الكلمة، تقول الزوجة: كيف أختك تقول أنها طبخت للبنت، وما تقول أنها طبخت لي؟ وصار النزاع والخصام، فقامت على أخته، فقام في صف أخته، فتنازعا، قال: اذهبي على بيت أهلك، دخل الشيطان ينفخ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء: 53].
على بيت أهلك، وصل عند باب العمارة، افتحي الباب واخرجي، وورقتك ستأتيك، انظر العدس، ورقتك ستأتيك، طلعت، جاء الناس يتدخلون، وصار الكلام، وطالت المدة، يا فلان، تذهب، وتأخذ زوجتك، أبوها قال: يطلع، يأخذها من عندي، معززة، مكرمة من داخل البيت، يعتذر لها، ويأخذها، ويأتي بهدية، قال: لا، أنا آخذها من تحت، أنا ما أطلع لفوق، هي تنزل لتحت، يا جماعة قال :لا أنا أسفل، ما رأيك أن تصعد نصف الدرج وتنزل هي نصف الدرج؟ ولا النتيجة الطلاق، انتهت القضية، عدس ودرج، إن قلت: من صغر العقل، إن قلت: من عدم الدين، إن قلت: من عدم التخلق بأخلاق الشريعة، إن قلت: من العناد ومن العصبية، وأخته تقول: هناك بنات غيرها كثير، هناك نساء غيرها كثير، تزوج غيرها، وأبوها ماذا لك فيه؟ الذي ما يأخذك معززة مكرمة، لا يستحق يأخذك، انتهت وهي الضحية البنت في الوسط، في الوسط بينهما بنت صغيرة، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء: 53].
هذه قضايا كثيرة في المجتمع، ليست قليلة، وعلى أمور تافهة، وتتطور وهكذا، ماذا نحتاج؟ نحتاج إلى مصلحين في الحقيقة، نحتاج إلى من يتدخل بحكمة، نحتاج إلى من يعظ، بريرة كانت أمة متزوجة بمغيث، وهو عبد، لما عتقت بريرة، من حقها شرعاً إذا ما أرادت أن تكمل النكاح ألا تكمله، مغيث متعلق ببريرة جداً، قال ابن عباس: كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي ﷺ لعباس: يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثاً فقال النبي ﷺ لبريرة: لو راجعته لو راجعته قالت: يا رسول الله تأمرني، إذا صار أمر، اختلفت المسألة، قال: إنما أنا شافع [رواه البخاري: 5283]. هنا تدخلت الشفاعات، يشفع الآن للرجوع، يريد أن ترجع لزوجها، ويعرض عليها ذلك، نريد من يتدخل بحكمة، وليس للإفساد، النبي ﷺ كان يتدخل في حل المشكلات الزوجية وغير الزوجية، ما بلغكم قصة علي مع فاطمة؟ علي صحابي جليل، ومن العشرة المبشرين، ورابع الخلفاء.
وفاطمة بنت النبي ﷺ وسيدة نساء أهل الجنة، لكن لا يعني هذا أنه لا يحصل بينهما خلاف، يحصل بينهما خلاف، فحصل بين علي وفاطمة -رضي الله تعالى عنها- ما حصل، غاضبها، فماذا فعل علي لما صار بينهما ما صار؟ ترك البيت، وخرج إلى المسجد، ما طردها من البيت، لا، خرج هو من البيت.
كان لدى النبي ﷺ جولات تفقدية، يزور بنته، يزور صهره، سبحان الله، ما أشغلته مهمات الدولة عن هذه الأشياء الاجتماعية، جاء إلى بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت، فقال: أين ابن عمك؟ ما قال أين علي؟ ولا قال أين زوجك؟ لاحظ السؤال لتعرف حكمته ﷺ وفي أي مجال يتكلم، قال: أين ابن عمك؟ لماذا قال: أين ابن عمك؟ ما قال: أين زوجك؟ ولا قال أين علي؟ يذكرها بصلة الرحم، يقول: أين ابن عمك، الواحد أحياناً يشعر إذا دخل أنه هناك مشكلة حتى ولو ما سمع أي شيء، يحس بالتوتر في البيت، قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج، فلم يقل عندي، ما نام القيلولة عندي، فقال رسول الله ﷺ لإنسان: انظر أين هو؟ فجاء، فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله ﷺ وعلي مضطجع في المسجد، قد سقط رداءه من شقه عن ظهره، وأصابه التراب، وصل التراب إلى ظهره، فجعل رسول الله ﷺ يمسحه عنه ويقول: قم أبا تراب قم أبا تراب [رواه البخاري: 441]. ممازحة بما لا يغضب منه، بل بما يحصل به تأنيسه.
وفي الحديث: التدخل للإصلاح بين الزوجين، ومداراة الصهر، وتسكين غضب الصهر، النبي ﷺ إلى صهره، ليس أن يقف في صف ابنته فقط، رجع إلى صهره، تفقده، وذهب إليه في المسجد، ونفض عنه التراب، وناداه بأبي تراب، وباسطه، وداعبه بهذه الكنية، ورفق به، ما عاتبه، قال لماذا زعلت بنتي؟ لماذا تركت البيت وخرجت؟ سبحان الله، كل هذه دروس يا إخوان ومواقف عظيمة نأخذها من فعل النبي ﷺ، باع أرضاً، المشتري وجد فيها جرة ذهب، رجع إلى البائع يردها عليه، قال: أنا بعتك الأرض بما فيها، قال: أنا اشتريت الأرض فقط، ما اشتراني الذهب، لما تحاكما إلى رجل، قال: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، قال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا [رواه البخاري: 3472، ومسلم: 1721]. حلّت المشكلة، المشكلة التي صارت أنشئ بسببها بيت وأسرة، ودخل لهذه الأسرة، وانحلّت نفقات الزواج، وانتهت المشكلة، كان ﷺ يتدخل لفض النزاعات في الأمور المالية، دخل كعب بن مالك وابن أبي حدرد المسجد، كعب يتقاضى ابن أبي حدرد ديناً كان له عليه، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها النبي ﷺ وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سِجف حجرته –السجف: الستر والغطاء- فنادى كعب بن مالك فقال: ((يا كعب)) فقال: لبيك يا رسول الله، فأشار بيده أشار -يعني تنازل عن شطره- ضع له نصف الدَّين، فقال: قد فعلتُ يا رسول الله، فقال رسول الله ﷺ للآخر: قم فاقضه [رواه البخاري: 457، ومسلم: 1558]. أدّ المبلغ.
وكان ﷺ يعظ رجلاً يسأل الآخر بالله ويسترفقه أن يضع له من الدين أو يؤخره، والآخر يقول: والله لا أفعل، فخرج رسول الله ﷺ فقال: أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟ [رواه البخاري: 2705، ومسلم: 1557]. قال: أنا يا رسول الله، وله أي ذلك أحب، وعظ الرجل مباشرة وانتهت القضية، وله أي ذلك أحب كما يريد، فكان فيه حرص على سداد الدين، وكان فيه أدب في الطلب، وكان هناك إصلاح بينهما، وكانت الأمور تمضي، الآن يقول الواحد: ما في أحد يكفل أحداً، ولا أحد يقرض أحداً، هناك قطيعة، وعقوق، وفشا الربا، ولذلك صار الواحد يقول: لا أريق ماء وجهي للناس، ولا أطلب منهم، أذهب إلى البنك، معززاً مكرماً، وأقترض بالربا، بسبب عدم وجود آداب قضاء الدين صار الناس لا يقرض بعضهم بعضاً، كان النبي ﷺ يكثر من أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم [رواه البخاري: 832، ومسلم: 589]. لأن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف.
ثناء الداعية والمعلّم لذويه وأهله
النبي ﷺ كان يثني على أصهاره بالخير، وكان يذكر صهراً له من بني عبد شمس، يقول: أحسن في مصاهرتي، قال: حدّثني فصدقني ووعدني فوفى لي [رواه البخاري: 3110].
هكذا كان ﷺ يهتم بالعلاقة مع الأصهار، ويثني عليهم بدون مشاكل، هذه من الأشياء الاجتماعية التي تقرّب وتجعل هناك ألفة وتدرأ المشكلات، ثناؤه على أصهاره ﷺ وحسن معاملته.
قضية التكلّف للضيف
من القضايا الاجتماعية أيضاً التي ابتلينا بها: التكلف، وهو مرض اجتماعي كبير، التكلّف للضيف، يذبح ويحلف بالطلاق، الحلف بالطلاق، لماذا؟ تدخل امرأة مسكينة لا دخل لها في الموضوع، وتحلف على الرجل بطلاق زوجتك أن يأكل، ثم ذبيحة أنت قد لا تطيقها، لكن صارت المغالاة من جهة، وحتى لا يتكلم علينا الناس من جهة، ومن الجهة الأخرى بعض الناس ألسنتهم أيضاً لا ترحم إخوانهم، فيقول: ما ذبح لنا ولا أكرمنا، ولازم الكرامة ذبيحة، هل هذا في الدين والإسلام؟ النبي ﷺ نهى عن التكلّف للضيف كما روى الحاكم وهو حديث صحيح. [رواه الحاكم: 7146، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه].
وقال: لو دُعيت إلى ذراع أو كُراع لأجبت [رواه البخاري: 2568].
وأوصى أبا ذر إذا طبخ مرقاً أن يكثر المرق ويرسل إلى جاره، ما في تكلف، مرق، ما دام هذا الموجود يهدي من المرق ولا بأس، والآن حصل التكلُّف في الأشياء العظيمة، ومنها الهدايا، بعض الناس عندهم ميزانية خاصة للهدايا في رواتبهم الشهرية، وبعضهم لا يطيقون أسعار الهدايا، ولذلك صار لا يزور، لا يقبل زيارة لخشية أن يهدوه هدية فتصبح لهم مناسبة مماثلة فلا يستطيع أن يهديهم، صارت المغالاة في الهدايا سبباً للقطيعة، وهو ﷺ قال: لو أُهدي إلي كراع لقبلت [رواه البخاري: 2568].
مراعاة خاطر البنت في غير محذور شرعي
ومما كان يراعيه ﷺخاطر ابنته، فلما قيل له: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك في مناسبة من المناسبات، قام النبي ﷺ يقول: إن فاطمة بَضْعةٌ مني وإني أكره أن يسوءها [رواه أحمد: 18913، والنسائي في الكبرى: 18913، وصححه الألباني صحيح الجامع الصغير وزيادته: 2115].
فهو يبين مكانة ابنته منه، وأنه يكره أي شيء يسوءها، وأن ما يؤذيها لا يريده ﷺ.
والآن مواقف بعض الناس من بناتهم عجيبة، فبعضهم يرخي لها الحبل كما تريد، تفعل ما تشاء في نفسها، بالمنكر، بالمعروف، يقول: هذه بنتي الوحيدة، مدللة، تلبس القصير، تلبس الشفاف، تذهب للسوق مع من تشاء، تحضر حفلة في فندق، في مطعم عائلي، تفعل ما تشاء، يظن أن المعزّة هكذا؟، قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6]. وفي المقابل الناس مهملين لبناتهم لا ينفق عليها ولا يعطيها مالاً، واحد بعضهم يريد أن يتخلص من ابنته بأي طريقة فهو لا يسأل عن الشخص المتقدم للزواج ولا يتحقق منه، وتكون النتيجة كارثة، تصوروا أن أحد الآباء عرض على فاسق أن يتزوج ابنته بخمسة آلاف ريال، وبالتقسيط، قال: خذ خمسة آلاف وبالتقسيط، أين هذا الموقف من موقف النبي ﷺ مع فاطمة يؤذيه ما آذاها، وهي بضعة منه يقول بضعة مني، عزيزة على نفسه، ولكن بالمعروف ولا يحرم ما أحل الله ﷺ.
تزويج من لا زوج له
وكذلك من الأمور الاجتماعية أن نهتم بتزويج من لا زوج له، ونبحث عن زوجة مناسبة، أو عن زوج مناسب للمرأة، ونمشي بالخير، هذا فيه أجر عظيم، وإغلاق أبواب شر، وفتح أبواب خير، والنبي ﷺ لما مات زوج فاطمة بنت قيس، قال لها: ((اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإذا حللت فآذنيني)) مهتم بموضوع المرأة، ومن الذي سيتزوجها، ونصحها في مسألة أبي جهم ومعاوية، وقال: ((أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه)) ضراب للنساء ((وأما معاوية فصعلوك)) فقير وأنت قد لا تصبري على فقره، ولكن قال: ((انكحي أسامة بن زيد، فنكحته، فجعل الله فيه خيراً، واغتبطت)) رواه مسلم، اغتبطت به وسرت به [رواه مسلم: 1480]. لأن النبي ﷺ يعلم من هو أسامة، ونصحها به وتزوجت هذه المرأة الشريفة فاطمة بنت قيس بأسامة -رضي الله تعالى عنها-.
وعن ربيعة الأسلمي قال: "كنت أخدم رسول الله ﷺ فقال: يا ربيعة ألا تزوّج؟ انظر كيف يبدأ الإمام والعالم القضية؟ وكيف تنتهي بالخير العظيم؟ ((ألا تزوّج؟)) قلت: يا رسول الله، والله ما أريد أن أتزوج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، فخدمته ما خدمته، ثم قال لي الثانية: ((يا ربيعة ألا تزوج؟)) فقلت: ما أريد أن أتزوج، ما عندي ما يقيم المرأة، المال ما يوجد، وما أحب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: والله لرسول الله ﷺ بما يصلحني في الدنيا والآخرة أعلم مني، والله لأن قال لي: تزوج، لأقولن: نعم يا رسول الله، مرني بما شئت، فقال: ((يا ربيعة ألا تزوج؟)) فقلت: بلى، مرني بما شئت، قال: انطلق إلى آل فلان -حياً من الأنصار- فقل لهم: إن رسول الله ﷺ أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة لامرأة منهم، فذهبت فقلت لهم: إن رسول الله ﷺ يأمركم أن تزوجوني فلانة، فقالوا: مرحباً برسول الله، وبرسول رسول الله ﷺ، والله لا يرجع رسول رسول الله ﷺ إلا بحاجته، فزوجوني وألطفوني وما سألوني البينة، فرجعت إلى رسول الله ﷺ حزيناً، فقال: ما لك يا ربيعة؟ فقلت: يا رسول الله، أتيت قوماً كرام، فزوجوني، وأكرموني، وألطفوني، وما سألوني بينة، وليس عندي صداق - مهر -، فقال رسول الله ﷺ: يا بريدة الأسلمي اجمعوا له وزن نواة من ذهب فجمعوا لي وزن نواة من ذهب، فأخذت ما جمعوا لي فأتيت به النبي ﷺ فقال: اذهب بهذا إليهم، فقل: هذا صداقها فأتيتهم فقلت: هذا صداقها، فرضوه، وقبلوه، وقالوا: كثير طيب، ثم رجعت إلى النبي ﷺ حزيناً، فقال: يا ربيعة ما لك حزين؟ فقلت: يا رسول الله، ما رأيت قوماً أكرم منهم، رضوا بما آتيتهم، وأحسنوا، وقالوا :كثير طيب، وليس عندي ما أولم، قال: يا بريدة اجمعوا له شاة قال: فجمعوا لي كبشاً عظيماً سميناً إلى آخر الحديث [رواه أحمد: 16576، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي: 3248]. وذبح الكبش، وكانت وليمة ذلك الصحابي، وكفاه المسلمون، حتى طبخ الكبش والخبز، مجتمع متلاحم، مجتمع يجد فيه الإنسان المكان ليعف نفسه بالحلال، ولا يرهق، ولا مديونيات، ولا نفقات عرس، توفى على سنوات بعد الزواج، قلت لأحد المدرسين: كم راتب المدرس حينما يتعين الآن؟ قال: كذا، قلت: كم يصرف من الراتب شهرياً الآن وهو أعزب، قال: كذا، قلت: وكم يوفر؟ قال: كذا، قلت: كم نفقة الزواج، قال: لا يوجد زواج أقل من مائة ألف، قلت: كم يحتاج هذا التوفير، لا أظن ثلاث أربع خمس سنوات حتى يتزوج بعدما يتخرج، ولذلك بدأ سن الزواج يتأخر، ثمانية وعشرين، تسعة وعشرين، وثلاثين سنة، بسبب هذه الثغرات القاتلة الموجودة في حياتنا الاجتماعية، المغالاة، والتكلف، والتباهي، ومراعاة الناس، ولا يقولون عنا كذا، وبنتنا ليست أقل من بنت فلان، وفلانة زوجوها بكذا، وهكذا.
أيها الإخوة، إن هذه الأشياء الاجتماعية إذا لم تُراع تحل النكبة وتتفشى الفحشاء ويكون هناك الاكتفاء بالحرام عن الحلال، وهذه لو حصلت مصيبة عظيمة والله.
رحمة الداعية إلى الله بأزواجه
وكان ﷺ يعالج غيرة النساء لما أتي بصحفة طعام في بيت عائشة، عائشة غارت، يؤتى بطعام من صفية، وكانت صانعة طعام جيدة، ممتازة، صفية في بيتي أخذت الصحفة ورمت بها كسرتها، ماذا فعل النبي ﷺ؟ كسر رأسها؟ سبّها؟ شتمها؟ ماذا فعل؟ قال: ((غارت أمكم)) وجمع الطعام، وأتى بصحفة من بيت التي هو عندها، ودفع الصحفة الصحيحة، لصاحبة المكسورة، وأبقى المكسورة في بيت التي كسرها. هذه كل الإجراءات؛ لأنه يعلم ﷺ أن الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه، ولكن لا يعني أنها لا تجاهد نفسها في الغيرة، مثل واحد يقول: أنا متزوج ثنتين، كلما تسيء الواحدة منهما، قالت: عائشة كسرت الصحن، عائشة كسرت الصحن، لكن عندها حسنات ماحية، كسر الصحن هذا يذهب في بحر فضائلها وحسناتها، ما هذا الفقه العجيب الموجود عند بعض النساء؟
وكان ﷺ عطوفاً على زوجاته رحيماً بهن، فهذا موقفه مع صفية لما جاءت تزوره في المعتكف، ما رضي أن ترجع وحدها إلى البيت، قام معها ليقلبها إلى بيتها، وهو في معتكفه، قال: لا تعجلي حتى أنصرف معك [رواه البخاري: 2038]. وكان بيتها في دار أسامة فخرج معها النبي ﷺ ومن المعتكف، ومن العبادة، تشعر المرأة أن هناك زوج يحميها، يحافظ عليها، يرافقها إلى بيتها، ما يقول: اخرجي وحدك ودبّري أمورك!.
وكذلك فإنها -رضي الله تعالى عنها- لما كانت تريد أن تركب، كان يجلس عند بعيره، ويضع ركبته، فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب الدابة". [رواه البخاري: 2235] فهذا فعله ﷺ يضع ركبته لتركب، زوجته تصعد فوق ركبته على الدابة، فيجعل نفسه سلماً لزوجته، تصعد عليه وتركب ﷺ، عندما تحس الزوجة بالعطف، بالرحمة، بالحنان، بالكلمات الطيبة، تنقاد للزوج، فإذا أعطيتها الكلام ولو بالكذب بين الزوجين لجاز، ولو قلت: ما رأيت مثل هذا الطعام، أحسن طعام ذقته في حياتي، تتودد إلى زوجتك، وربما يكون الملح قليلاً، كثيراً، الطبخة محترقة، لكن تداري، وتتحبب، ولو كانت تعلم أنك تجامل فإنها تسر، هذا معروف عند النساء، ولو كانت تعلم أنك ما تجامل فإنها تسر؛ لأنها كلمة طيبة وتكسب الزوجة وتحافظ عليها من الحرام، وما تذهب إلى الخارج، ولا تلتمس شيئاً عند آخرين، بعض النساء لماذا صارت تتكلم بالهاتف مع الأجنبي؟ تقول: زوجي لا يعالج مشكلتي، ولا يداري نفسيتي، ولا أجد عنده متسعاً للكلام، ولا رحابة صدر، ولكن هذا الذي في الهاتف يعطيني مجالاً، خبيث، ذئب، وليس يعطيها من رحابة صدره ليتقرب إلى الله بحل مشكلتها إطلاقاً، وإنما يريد أن يتوصل إلى الفساد، والفاحشة، والعياذ بالله، وهكذا يستجريها الشيطان ويقع ما لا يُحمد عقباه.
والأمثلة كثيرة، الخلاصة أننا يجب أن نراعي هذه الأمور، سواء كنا دعاة، أو طلبة علم، أو من عامة المسلمين، فإن مراعاة هذه الأمور من الأهمية بمكان التي تقوي أواصر المجتمع التي تجعلنا جداراً متماسكاً وبنياناً صلباً لا يخترق ولا يتهدم، هذه الأمور الاجتماعية مراعاتها فيه تحبيب الخلق للدين الذي يحافظ على هذه الأشياء المذكورة يحبه الناس، ولذلك فإن علينا واجبات اجتماعية كثيرة، من وحي هذه الشريعة، وما جاءت به، ومن تعاليمها ينبغي علينا أن نتمسك بها، وأسأل الله أن يصلح أحوالنا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم هيء لنا من أمرنا رشداً، اللهم هيء لنا من أمرنا رشداً، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
شكر الله لفضيلة الشيخ هذه الكلمات المباركات ونفعني الله وإياكم بما سمعنا وجعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، نستأذن فضيلة الشيخ لأسئلتكم ونأخذ منها ما يسمح به الوقت لضيق الوقت ولكثرة الأسئلة، الكثير في الحقيقة يسأل عن هذا الجهاز الذي أمام الشيخ، وأحدهم يقول: نرى فضيلتكم تستخدمون الكمبيوتر لإلقاء المحاضرات، فما رأيكم في تطور في عالم الإلكترونات وخاصة الآن؟ وما هو الواجب على الدعاة وطلبة العلم في الاستفادة من هذه الأجهزة وجزاكم الله خيراً؟
أما العلم، فإنه هو الذي حواه الصدر وليس ما حواه القمطر ولا ما حواه الحاسوب ولا غيره، ولكن الضعف يلجئ إلى أمور مثل هذه، وإلا العلماء لا تجد عندهم كمبيوترات، ولا وسائل تخزين، إلا ما جعلوه في أذهانهم وعقولهم، ولكن هذا الجهاز له فوائد كثيرة، يعين في تخزين المعلومات، والبحث، وإدخال النصوص، ووضع الآيات في أماكنها، وأخذها برسم المصحف، وكذلك الأحاديث، وسهولة التخريج، والبحث بالكلمة وبالجذر، تحضير الموضوعات، مفيدة جداً، وفي هذا العصر الذي قامت فيه هذه الشبكة، شبكة نسيج العنكبوت أو الإنترنت، صار من يريد أن يدعو إلى الله بهذه الوسيلة يحتاج إلى هذا الجهاز، ولا شك لأجل الاتصال بالشبكة، وربما يصل الدين إلى أشخاص لم يكن يحلم بالوصول إليهم في أماكن بعيدة جداً، في بلدان نائية، وربما لم يسمع عنها، فيه أماكن عجيبة، ومع ذلك تصل الدعوة إليها، في بيوتهم وفي قعر دورهم، ولذلك كان من الحكمة لمن كان عنده استطاعة أو أهلية أن يستخدم هذه الوسائل التي خلقها الله وأوجدها في هذا الزمان، نحن نعلم أن مثل هذه الشبكة من أشراط الساعة، تقارب الزمان، وتقارب الأسواق، يتجلى في هذه الشبكة، تشتري هنا، وتشتري من آخر الدنيا، تشتري من اليابان، وتبيع في ألمانيا، تشتري من أمريكا، وتبيع في استراليا وأنت هنا، تقاربت الأسواق، تقارب الزمان، وصار الاتصال ميسوراً، إذن، نحن كدعاة إذا ما استعملنا هذه الوسائل في نشر الدعوة لا نكون متصفين بالحكمة، نفوت أشياء عظيمة، ولذلك قال شيخنا الشيخ عبد الرحمن البراك -حفظه الله تعالى ونفع به -: الإنترنت هذه وسيلة عظيمة لإقامة حجة الله على خلقه تستعمل، الله يريد إقامة الحجة على الناس، وهذه وسيلة لإقامة الحجة على الناس، ممكن تقيم حجة على واحد في كولومبيا، واحد في استراليا، تقيم الحجة عليهم وعلى آلاف مؤلفة، وملايين في استعمال هذه الشبكة.
يقول: لفقيد الأمة الشيخ عبد العزيز مواقف وأحداث، نرجو الحديث عن بعضها.
كنت قد كتبت مقالة في هذا عند وفاة الشيخ -رحمه الله- ونشر في بعض المطبوعات، والكلام عن الشيخ ذو شجون، كلام طويل، ويثير أشياء كثيرة في النفس، وعلى أية حال نحن ماذا نستفيد، ماذا بعد وفاته؟ نحن نسأل الله له الرحمة والمغفرة ورفع الدرجة، لكن العالم فقده، مصيبة كبيرة عندما يدفن الشيخ، أنت لا تدفن جسداً، أنت تدفن علماً، وليس فقط نصوص الشريعة التي يحفظها، الاجتهاد، العقل الذي كان يستنبط به، ويجتهد للوصول إلى الحكم الشرعي في النوازل، العقل الذي كان يقيس به، المبني على العلم الشرعي، وعلى النصوص والأحكام، المسائل معروفة الأحكام، الاعتبار في المسائل، الاعتبار، القياس، الاجتهاد، الاستنباط، كان إماماً بحق، قدوة، عالم، مدرسة، إن أتيت إليه في العلم، طريقته في الفتاوى، يفتي الناس بالكتاب والسنة، لا تجد كلامه في الفتاوى حافل بكتب المذاهب، الكتاب والسنة، قال الله، وقال رسوله ﷺ، لقد استطاع الشيخ -رحمه الله- أن يصل في عالم الفتوى إلى مستوى عظيم عندما ربط الناس بالكتاب والسنة، وليس بقول المذهب الفلاني والكتاب الفلاني، مع أنه يستعمل كلام العلماء، وكذلك يستشهد بأقوال أهل العلم، لكن جل اعتماده على نصوص الشريعة، هذه ميزة عظيمة في فتاوى الشيخ، كذلك جامع بين الفقه والحديث، الشيخ جامع بين الفقه والحديث، لا يمكن تقول عنه: حنبلي أو متعصب، الشيخ يأخذ من الكتاب والسنة، ويستعين بفهم العلماء، الإمام أحمد بن حنبل، وغيره من العلماء، ومن علماء المذهب، وغيرهم، فكان -رحمه الله- يأخذ من الكتاب، والسنة، والعلماء، دون تعصب لمذهب معين، والميزة في الشيخ الجمع بين الفقه والحديث، هناك ناس اشتغلوا بالفقه، لكن ما عندهم خبرة بالحديث، وربما يستشهد، ويستدل بأحاديث ضعيفة وموضوعة، وأناس عندهم خبرة بالحديث، والطرق، والعلل، والأسانيد، ولكن ليس عندهم فقه، ليس عنده نفس الفقيه، ولذلك يمكن أن يأتي بأشياء عجيبة، إذا ما كان عنده روح الفقه، كان الشيخ جامعاً بين الفقه والحديث، ويعرف صحته وعلّله -رحمه الله تعالى- من جهة الأخلاق، من جهة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان أمة، فأنا أقول: إذا كنا نحن نحبه، وهو إمام أهل السنة في عصره بحق ، فإن السير على هذا المنهج المستمد من الكتاب والسنة، ونشر علمه واجتهاداته في المسائل والنوازل الواقعة، هذه من الأمور التي ينبغي لطلبة العلم أن يهتموا بها.
يقول: من الثغرات الاجتماعية ترك الأولاد في الشارع وعدم المحافظة عليهم؟.
هذا واضح في الشوارع ولا شك، وكثير من الأولاد تعلموا الفواحش ناهيك عن الكلمات السيئة والعادات السيئة والأمور الضارة أخذوها من الشارع، إذا استقصيت من إلى كذا تصل إلى الشارع في النهاية الشارع.
كيف نجمع بين حديث: اشفعوا تؤجروا والواسطة التي ربما تحرم من هو أحق وأولى؟
قلنا: الشفاعة يجب أن تكون لمن يستحق، مقيدة بالشرع، فلا يجوز أن تقدم واحداً على واحد، هذا ظلم للمبكر، ولا يجوز وهو ظلم، وخيانة للعمل وللمسلمين، أن تعين واحداً في مكان، وهناك شخص مؤهل أكثر منه، قدم على هذا العمل، فإذا جئت تراعي قرابة وصداقة ولا تراعي مصلحة المسلمين فعند ذلك تكون الطامة الكبرى.
هل يمكن ضرب الولد عند رسوبه في الدراسة وهو الآن يبلغ سبعة عشر عاماً؟
أما وقد تجاوز البلوغ فلا أرى ضربه، فالضرب هنا قد لا يجدي، بل يضر، وينقلب حقداً، وعداوة، وربما رده بضرب مقابل إذا كان سيئاً، فما دام قد جاوز البلوغ، فالأفضل عدم ضربه، لا تضربه، واللين والنصح يأتي بنتيجة ولو بعد حين، الولد يندم ويراجع نفسه.
يقول: بالنسبة لضرب المدرسين.
الضرب في الشريعة يقيد بأشياء منها ألا يكون على الوجه، منها ألا يجرح ويكسر عظماً، ولا يكون بآلة حادة تكسر أو تجرح، ومنها ألا يزيد على عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله، وكذلك يتقي المقاتل في الرأس والوجه في مقاتل كثيرة، وفي أماكن أخرى من الجسم، أماكن إذا ضرب عليها قد يموت، يقتل، وألا يكون الضرب للانتقام والتشفي، وإنما للتأديب.
هل يحق لإمام مسجد نقل سجاد من مسجده إلى مسجد آخر؟
لا يجوز نقل ما وقف على مسجد إلى مسجد آخر إلا إذا تعطل الانتفاع به في المسجد الأول.
أقربائي عندهم دش وكنت أزورهم في السنة مرتين أو ثلاث، فهل أزورهم الآن، وعنده أولاد ربما يتأثرون؟
إذا كنت ستأتيهم فتنهاهم عن منكرهم فيستجيبون لك، ويغلقون جهاز الفساد يغلقونه، فاذهب إليهم وذهابك خير ودعوة ونصيحة ونهي عن المنكر وصلة رحم، وإذا كنت تذهب إليهم تنهاهم فلا يستجيبون ويصرون على تشغيل المنكر، ولا مكان في البيت تجلس فيه أنت وأولادك إلا هذا المكان، فعند ذلك يكونون قد أسقطوا واجب صلة الرحم بأيديهم، أسقطوا الواجب، هم أسقطوه، أسقطوا حقهم في صلة الرحم، هم أسقطوا حقهم فلا تكون صلتهم بالزيارة عندئذ قائمة، لكن بالسلام، بالهدية، بالرسالة، بالهاتف، عندك وسائل أخرى، ولا تلزم إطلاقاً بأن تأخذ أولادك ليتأثروا بهذا المنكر.
التفرقة بين الأولاد والتفرقة بين الزوجات.
هذا ظلم ((إني لا أشهد على جور)) [رواه أحمد: 18369، وصحح إسناده محقققه الأرنؤوط]. ((أشهد على هذا غيري)) فإذا كان الولد محتاجاً إلى شيء لا يحتاجه بقية الأولاد يجوز إعطاؤه إليه، يتعين عليك أن تعطيه، واحد مرض تعطيه نفقة علاج ، واحد عليه دين، واحد سيتزوج تعطيه بشرط أن تنوي في نفسك أن الولد الآخر إذا صار له مثل حاجة الأول أنك ستعطيه مثل ما أعطيت الأول، فلنفترض أنك زوجت الولد الأول أعطيته عشرين ألفاً، فتنوي أن هذا الولد الصغير إذا كبر أن تعطيه مثل ذاك المبلغ، والعطية التي ليس لها سبب، لابد من مساواتهم فيها، فالعيديات المالية على سبيل المثال تعطيهم بالتساوي، والأنثى نفس الذكر على قول بعض أهل العلم اختاره ابن القيم -رحمه الله- ونصره.
وأما الأشياء التي لها سبب في التفاوت مثل ألعاب الأطفال هذا ولد كبير يلعب بدراجة سعر الدراجة هذه قد يكون ستمائة ريال خمسمائة ريال أربعمائة ريال، وهذا ولد صغير لعبته قد لا تجاوز ثلاثين ريالاً، فليس من الظلم التفاوت في الألعاب، لأنهم هم في حاجتهم يتفاوتون، مصروف الولد في الجامعة غير مصروف الولد في أول ابتدائي وهكذا، فيعطى كل ما يحتاج إليه بشرط أن تنوي أن تعدل مع الجميع إذا صار لهم نفس الحاجة، طيب إذاً نكتفي بهذا القدر.
ونسأل الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على نبينا محمد.