يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخواني في الله: أهل هذا البلد الآمن: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فإني والله مسرور ومنشرح الصدر لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يجعل مجلسنا هذا مجلساً يرضاه ، وأن يجعل فيه خيراً كثيراً للسامع والمتكلم.
أيها الإخوة: كان في الذهن أكثر من موضوع لإلقائه في هذه الليلة، ورأيت الآن وأنا في مجلسي هذا أن أبدأ معكم بالموضوع المتفق عليه أصلاً، وهو: الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ لأني أخشى لو أنني بدأت بالموضوع الآخر ألا ننتهي، وأن يطول الكلام عليكم جداً، ولعلكم تسمعونه في مناسبة أخرى -إن شاء الله-.
وهو على العموم هذا الموضوع أو الموضوع الآخر مذكورة تفاصيلهما في كتب أهل العلم.
التواصي بالمحافظة على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم
حسبنا في هذه الجلسة أن نذكر ونتواصى معاً، ونحقق قول الله في الذين استثناهم من الخسران: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 3].
وهذه الآية تبين لنا أن هناك أشياء في الإسلام لا يمكن أن تؤدى بشكل فردي، ولا بد من عبادات جماعية يقوم بها المسلمون، ومنها التواصي على الحق والصبر.
ومن التواصي بالحق التواصي بالمحافظة على سنة رسول الله ﷺ، الذي أرسله الله ليبين لنا ما أنزل إلينا من ربنا، فكانت سنته ﷺ شارحة للكتاب العزيز، مفصلة لمجمله، مخصصة لعمومه في بعض الأحكام، ولذلك كان لا بد من حفظ الكتاب، كان لا بد لحفظ الكتاب من حفظ السنة.
التساهل في رواية الأحاديث الضعيفة والموضوعة
والذي نراه في هذا العصر أن تفريطاً عظيماً حصل من المسلمين بسنة رسول الله ﷺ.
ومن هذا التفريط: التساهل في رواية الأحاديث التي تنسب إلى رسول الله ﷺ، وقد يكون عليه السلام منها براء، ولا يمكن أن يقول ﷺ مثل بعض الكلام الذي ينسبه بعض الجهلة إليه ﷺ، وقد يكون في أذهان البعض أن هذا الموضوع من البديهيات.
ولكن المتأمل في أضرار هذه المسألة وهي: انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين الناس ليدرك بجلاء أن المسألة خطيرة.
ولعلنا نخلص من عرض هذه المحاضرة إلى شيء من هذه الخطورة التي نريد أن نبينها، حتى يعي المسلم من أين يُؤتى، وحتى يعي المسلم ما هو مصدر الأمراض المنتشرة في المجتمع.
أحياناً يكون السبب خارجي، من أعداء الإسلام من الخارج، وأحياناً يكون السبب من الداخل.
وبعض المسلمين يوحون إلى آخرين بأن الأسباب في تقهقر المسلمين وانهزامهم خارجية، مؤامرات خارجية، وقد تتخذ هذه النقطة شماعة تعلق عليها الأخطاء الداخلية التي ترتكب في المجتمع الإسلامي.
خطورة انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة
بادئ ذي بدء لا بد لنا أن نذكر هذا الحديث عن الرسول ﷺ، أنتم تعلمون أن حديث: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار حديث متواتر، رواه عن رسول الله ﷺ نحواً من سبعين صحابياً وربما مائة صحابي، وقد قال ﷺ في الحديث الحسن الذي أصله في الصحيحين: من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار [رواه ابن حبان: 28، وأصله في البخاري: 108، ومسلم: 2، ].
وقد ترجم عليه ابن حبان -رحمه الله-: "فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى ﷺ وهو غير عالم بصحته" [صحيح ابن حبان: 1/210].
وروى الإمام مسلم -رحمه الله- تعالى في صحيحه: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين أو الكاذبين [مقدمة صحيح مسلم: 1/8].
أصناف الناس الذين وضعوا الأحاديث الضعيفة والموضوعة وبواعث ذلك
وقد كانت حركة الوضع في الحديث من المؤامرات الباطنية التي يقصد منها تشويه الإسلام، والتي يقصد منها إشاعة الفتنة وإبعاد المسلمين عن الصحيح من أحاديث رسول الله ﷺ.
وقد كان من هؤلاء زنادقة، كانوا يضعون الحديث على رسول الله ﷺ كعبد الكريم بن أبي العوجاء وغيره، الذي كان يقول لما قدم ليضرب عنقه: "والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال، وأحلل فيها الحرام".
وكان من هؤلاء أصحاب أهواء؛ كما قال ذلك الشيخ الخارجي: "كنا إذا اشتهينا أمراً أو هوينا أمراً صيرنا له حديثاً".
وممن اشترك في وضع الحديث أناس يضعوه صناعة وتسوقاً جراءة على رسول الله ﷺ، حتى إن أحدهم ليسهر عامة ليلة في وضع الحديث، ومنهم من كان ينسب إلى الزهد والتدين، ولكنه جاهل على الأقل في هذه النقطة، فكان يضع الأحاديث يظن ذلك احتساباً عند الله؛ كنوح الجامع، سمي بالجامع لأنه كان يجمع التفسير والفقه والمغازي وعلوماً كثيرة إلا شيئاً واحداً وهو الورع، التورع من الكذب عن الرسول ﷺ لم يكن عنده.
وعندما يجهل المسلم المنطلق الصحيح وتقع له شبهة، ولكنه غير معذور فيها مثل هذا الرجل؛ لأن الأمر قد بين له ونوقش ولكنه مع ذلك أصر: "رأيت الناس اشتغلوا بمغازي ابن إسحاق، وفقه أبي حنيفة فأردت أن أرجعهم إلى القرآن"، فقعد يضع الحديث في فضائل السور؛ سورة سورة.
ومنهم أناس كانوا يضعون الأحاديث في تمجيد رؤساء مذاهبهم كما وضعت الكرامية هذا الحديث: يجيء في آخر الزمان رجل يقال له: محمد بن كرام، يحيي السنة والجماعة، هجرته من خراسان إلى بيت المقدس كهجرته من مكة إلى المدينة" حديث مكذوب يريدون فيه رفع شأن هذا المبتدع حتى يتلقف الناس منه العلم، ويزينونه في أعين الناظرين والسامعين، ويخدع به عباد الله المسلمين.
ومنهم أناس كان فيهم حقد على الإسلام وعلى هذا القرآن الذي نزل بلغة العرب، يريدون نسف اللغة العربية، ويريدون إعلاء شأنهم حقداً على هذا الدين، منهم بعض الفرس الذين وضعوا مثل هذا الحديث: "إن كلام الله حول العرش بالفارسية، وإن الله إذا أوحى أمراً فيه لين أوحاه بالفارسية، وإذا أوحى أمراً فيه شدة أوحاه بالعربية".
ما هو المقصود؟ ماذا يوحي هذا الحديث؟ ماذا يلقي في أنفس السامعين؟
كراهية اللغة العربية ومحبة اللغة الفارسية.
وهل سكت الجهلة المقابلون لهم من العرب؟
كلا، فإنهم وضعوا أحاديث أيضاً في فضل اللغة العربية وأن كلام أهل الجنة عربي وأن.. وأن..
وفي المقابل وضعوا أحاديث في ذم بلاد خراسان مدينة مدينة، لا يجوز أن ترد البدعة ببدعة ولا يجوز أن نرد على الخطأ بخطأ آخر.
كلا.
إن الرد على البدعة والخطأ بتبيان الصواب أولاً، ثم بنقد الخطأ والبدعة ثانياً.
وبعض الوعاظ يظنون أن السبيل إلى تحميس الناس لتحميس الناس لأمر معين أن يضع حديثاً في فضل هذا الأمر، فيأتي واعظ جاهل يرى الناس قد قصروا في زكاة الفطر مثلاً فيضع لهم هذا الحديث: "شهر رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر، لماذا؟ قال: الناس لا يخرجون زكاة الفطر، نريد أن نحمس الناس على إخراج زكاة الفطر.
وبعضهم من الفرق الباطنية الذين كان همهم تمجيد بعض الأشخاص، ومنهم علي بن أبي طالب حتى يوصلوه إلى مرتبة الألوهية، انظروا مثلاً إلى هذا الحديث: "ستكون فتنة فإن أدركها أحد منكم فعليه بخصلتين: كتاب الله وعلي بن أبي طالب".
علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين، مناقبه مشتهرة متكاثرة لا يماري فيها إنسان مسلم يعرف الله ، ويعرف حق صحابة الرسول ﷺ، ولكن أن تصل المسألة أن يجاء برجل ولو كان صحابياً فيعتبر هو المرجع بعد كتاب الله.
إذاً المسألة مخطط لها، مذاهب قامت في التاريخ يريد كل أصحاب مذهب منهم أن يؤصلوا لمذهبهم بأحاديث يروجوها بين المسلمين، تأصيل للمذهب وتقعيد للمذهب، بماذا؟
بأحاديث موضوعة ومكذوبة على الرسول ﷺ، وضعوا حديثاً عن علي: غسلت النبي ﷺ فشربت ماء محاجر عينيه فورثت علم الأولين والآخرين.
ولم يكتفوا بذلك فوضعوا حديث: "النظر إلى علي عبادة"، ونحن نعرف أن النظر إلى المصحف عبادة.
هل وقف الأمر عند هذا الحد؟
كلا، لتعزيز المذهب وتأصيله أيضاً لا بد من الاختلاق في مجال التفسير، فلذلك "اسمي في القرآن وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس: 1] واسم علي وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا [الشمس: 2]، واسم الحسن والحسين وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا [الشمس: 3]، واسم بني أمية وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا [الشمس: 4]".
ولما وصل الحقد بهؤلاء الباطنية على صحابي جليل مثل معاوية فقد وضعوا الحديث السابق وأحاديث أخرى مثل حديث: "لكل أمة فرعون وفرعون هذه الأمة معاوية".
عندما يسمع الناس هذه الأحاديث ماذا يحدث في قلوبهم على معاوية ؟ ما هو الأثر السيئ لهذا الحديث في قلوب الناس على صحابة أجلاء كرام من صحابة الرسول ﷺ؟
ولكن المتعصبة للطرف الآخر هل ستتوب؟
كلا، ووضعوا أحاديث: "أخذ القلم من علي ودفعه إلى معاوية" علي ما يصلح، معاوية هو الكاتب الأمين.
صحيح أنهم أقل شراً من أولئك، ولكن المشكلة أن الكذب على الرسولﷺ صار أمراً سهلاً لا يتورع منه، ولا يخاف الإنسان ربه من الكذب على الرسول ﷺ، فيندفعون آلاف الأحاديث الموضوعة المكذوبة في شتى المجالات.
ولما حقد هؤلاء الباطنية على أبي بكر وعمر، قام بعض الناس يضعون الأحاديث في فضل أبي بكر وعمر، "لما أسري بي إلى السماء فصرت في السماء الرابعة سقط في حجري تفاحة فأخذتها بيدي فانفلقت فخرج منها حوراء تقهقه فقلت لها: تكلمي لمن أنت؟ قالت: للمقتول شهيداً عثمان".
وأما الأحاديث الموضوعة في فضل أبي بكر وعمر فهي كثيرة ولكنها ليست أكثر من الأحاديث الموضوعة في فضل الرجال الذين يريد الباطنية أن يمجدوهم، ومن هذه الأحاديث مثلاً: "من شتم الصديق فإنه زنديق، ومن شتم عمر فمأواه سقر، ومن شتم عثمان خصمه الرحمن، ومن شتم علياً فخصمه النبي ﷺ".
هذا القسم الأخير طائفة أرادت أن تقرب بين وجهات النظر المختلفة، فقالوا: نضع أحاديث في فضل الأربعة حتى تجتمع الأمة عليهم.
والأحاديث في فضل الأربعة موجودة، فلماذا الكذب على الرسولﷺ؟
وقد يحمل التعصب المذهبي الذميم بعض الناس على اختلاق الأحاديث على رسول الله ﷺ فمنه مثلاً الحديث المشهور المعروف: "سراج أمتي أبو حنيفة النعمان، يكون في أمتي رجل اسمه أو كنيته أبو حنيفة النعمان هو سراج أمتي، ويكون رجل في أمتي اسمه محمد بن إدريس هو أضر على أمتي من إبليس" من يقصدون؟
الشافعي -رحمه الله تعالى- مجدد من مجددي الأمة في أصول الفقه.
هل سكت الطرف الآخر؟
كلا، عالم قريش يملأ الأرض علماً، يقصدون الشافعي.
وتظهر الأشياء المتبادلة في الأخذ والرد، ولكن المشكلة في أي مجال؟
في مجال الأحاديث، السنة النبوية عن الرسول ﷺ، وقد يحمل إرضاء لخليفة أو سلطان من السلاطين رجلاً أن يكذب على رسول الله ﷺ ليرضي ذلك الأمير، مثلما وقع لغياث بن إبراهيم لما كذب على رسول الله ﷺ بكلمة: ((لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر)) فأضاف هذا الرجل: ((أو جناح)) لكي يرضي المهدي الذي كان يلعب بالحمام، ولكن المهدي -رحمه الله- كان مشهوراً بتعقب الزنادقة، فلما سمع رجلاً يكذب من أجل إرضائه رجع إلى نفسه فذبح الحمام، فلما تولى غياث بن إبراهيم قال: أشهد أن قفاك قفا كذاب.
وقد يكون دافع الانتقام من أشخاص معينين أو هيئات معينة سبباً لوضع الأحاديث فمثلاً يحنق أحدهم على قاض من القضاة لم يعجبه حكمه فيطلق الحكم على القضاة فيطرده طرداً فيأتي بحديث مكذوب على رسول الله ﷺ ليذم هذه الطائفة طائفة القضاة كحديث: عج حجر إلى الله فقال: إلهي وسيدي، عبدتك كذا وكذا سنة ثم جعلتني في أس كنيف، مرحاض، الحجر يشتكي، فقال يعني الله ، تعالى الله أن يقول ذلك أما ترضى أني عدلت بك عن مجالس القضاة، يعني الحمام المرحاض أحسن من مجالس القضاة.
وقد يحنق مثلاً منهم أحد منهم على شرطي أو على الشرطة فيضع الأحاديث في ذلك، فمنها مثلاً: دخلت الجنة فرأيت فيها ذئباً، فقلت: أذئب في الجنة؟ فقال: إني أكلت ابن شرطي، فلأنه أكل ابن شرطي دخل الجنة.
فإذاً، المدهش أنه قد يكون السبب أحياناً تافه، ولكن المقابل لهذا الأمر كذب على الرسول ﷺ، وقد يكون لمصلحة شخصية في الكذاب، فمنها: أن أعمى من العميان وضع حديثاً: من قاد أعمى أربعين خطوة دخل الجنة، لماذا؟ ليشجع الناس أن يقودوه.
وقد حنق أحدهم مرة من المرات على معلم ولده، لأنه ضرب الولد، فجاء الولد إلى أبيه يبكي، فقال: ما بك، قال: ضربني المعلم، قال: أما والله لأخزينه، كيف سيخزيه؟
وضع حديثاً: "معلمو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المساكين".
وقد يقع بين بعض الجهلة ممن يدعون العلم خلافات في مسائل من العلم، فماذا يفعلون؟
يختلقون أحاديث لترجيح قول من الأقوال، اختلف بعضهم مرة هل سمع الحسن من أبي هريرة أو لم يسمع؟ لما طال النقاش جاءهم واحد، قال: أنا عندي فصل للمسألة، ما هو؟ قال: عن فلان عن فلان، قال رسول الله ﷺ: "سمع الحسن من أبي هريرة".
لما اختلفوا هل فتحت مكة عنوة أو صلحاً، وينبني على ذلك مسائل في الشريعة، جاء واحد قال: قال رسول الله: "فتحت مكة عنوة، فتحت مكة صلحاً".
فإذاً، الأسباب في وضع الحديث كثيرة، والذي يقرأ ويطلع يجد أن الأمر يتعدد باختلاف نزعات ورغبات الذين وضعوا الحديث، وبعضهم أمكر من بعض، وبعضهم أخبث من بعض.
ولكن هذا الكلام قد يجعل بعض الناس يقولون إذا كانت المسألة بهذه الكيفية فمعنى ذلك أننا سنفقد الثقة بأحاديث الرسول ﷺ، ما دامت الأحاديث الموضوعة بهذه الكثرة.
إذاً، ما يدرينا أن أي حديث نقرؤه مثلاً هو حديث مكذوب، ولذلك بعض الناس عندهم شك فعلاً في السنة النبوية، يشكون فعلاً في السنة النبوية، واحد من الناس يقول: والله يا أخي هذه السنة خمسين وخمسين، خمسين في المائة خمسين في المائة، يا أخي تجيبك أحاديث ما تدري عنها، وقد يكون الحديث في البخاري، وقد يكون الحديث في مسلم، وقد يكون الحديث ثابتاً صحيحاً بين العلماء وصحته عن الرسول ﷺ.
إذاً هل هذا الوضع، وهذا الكذب يؤدي بنا إلى التشكك في سنة الرسول ﷺ؟
كلا، لا يمكن أن يكون ذلك، لأن الله قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] كيف يحفظ القرآن إذا لم تحفظ السنة؟ إذا كان الله قد أوحى إلى نبيه ﷺ وحياً ليبين لهم الكتاب الذي أنزل إليهم من ربهم، فكيف يكون حفظ للكتاب بغير حفظ للسنة؟
ولذلك استدل بعض العلماء بهذه الآية: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] على حفظ الله لسنة رسوله ﷺ.
دور العلماء في الذب عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم وتنقيحها
ولذلك قيض الله لهذه الأمة علماء أفذاذاً نقحوا هذه الأحاديث، وبينوا ما هو الصحيح من الضعيف، ما تركوا حديثاً إلا وتكلموا فيه، وبينوا نسبته إلى رسول الله ﷺ، وليسوا محدودين في عصر أو مصر، بل هم يتكررون على مر العصور والدهور، ولا يخلي الله منهم عصراً غير أن هذا الضرب من العلماء نادر.
وقد كانوا إذا عدوا قليل | فقد صاروا أعز من القليل |
كان أحد العلماء وهو عبد الرحمن بن مهدي -رحمه الله- يقول: لئن أعرف علة حديث هو عندي أحب إلي من أن أكتب حديثاً ليس عندي، أعرف علة حديث عندي أحب إلي من أن أكتب حديثاً ليس عندي، ما الفائدة من الجمع فقط؟ لا بد أن أعرف هل الذي جمعته يحتج به أم لا؟ هل هو صحيح فيعمل به، أم هو ضعيف نحذر الناس منه؟
قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض".
وقال يزيد بن زريع: "لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد".
ولذلك مرة من المرات كما ذكر الحافظ الذهبي -رحمه الله- في الميزان: "أتى الرشيد، هارون الرشيد -رحمه الله- بزنديق ليقتله، فقال الزنديق: أين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله ﷺ؟ يعني ماذا تستفيد من قتلي؟ أنا وضعت ألف حديث، كيف الآن راحت بين الناس؟ فقال له هارون -رحمه الله-: "وأين أنت من أبي إسحاق الفزاري، وعبد الله بن المبارك ينخلانها، حرفاً حرفاً؟
الزنديق يقول: أين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله ﷺ؟ وهارون الرشيد يرد عليه ويقول: "وأين أنت من أبي إسحاق وعبد الله بن المبارك ينخلانها حرفاً حرفاً" يبينانها للناس.
فإذاً، وجد هؤلاء العلماء، ووجد هؤلاء المهتمون بحديث رسول الله ﷺ، مر أحمد بن حنبل -رحمه الله- على نفر من أصحاب الحديث وهم يعرضون كتاباً لهم، فقال: "ما أحسب هؤلاء إلا ممن قال رسول الله ﷺ فيهم: لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة .
قال ابن حبان -رحمه الله-: "ومن أحق بهذا التأويل من قوم فارقوا الأهل والأوطان، وقنعوا بالكسر والأطمار في طلب السنن والآثار، يجولون البراري والقفار، ولا يبالون بالبؤس والإقتار، متبعين لآثار السلف الماضين، وسالكين طريق الصالحين" بأي شيء؟ "برد الكذب عن رسول الله ﷺ، وذب الزور عنه".
ولذلك كان للعلماء جهود جبارة في كشف الكذب، وتعيين الأحاديث المكذوبة، وتبيين الضعيف للناس والمكذوب حتى يحذروا منه.
ولذلك ألفوا مصنفات خاصة في تبيان الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وفي تبيان الأحاديث المشتهرة على الألسنة، وقعدوا القواعد في روايات أهل البدع، وشددوا في قبول الحديث، ودعوا الناس إلى تلقي الصحيح، والحث على التثبت في الرواية، وألفوا الكتب في أسماء الضعفاء والوضاعين، وبينوا الأحاديث المسروقة والمركبة وأحاديث القصاص.
كانت لهم مواقف من الكذابين بفضحهم، ترك السلام عليهم، وعظهم، التشهير بهم، تمزيق كتبهم بين أعينهم، والاستعداء عليهم من أهل الخير، ووصفهم بألقاب تناسبهم، فكان أحد العلماء يقول: فلان كذاب أكذب من حماري! وقال: فلان أكذب من فرعون! إلى آخر ذلك.
أسباب انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة
ولكن قد يتساءل البعض: ما هي الأسباب في كثرة انتشار هذه الأحاديث؟
فنقول:
منها: قلة علماء الحديث، وهذا لا شك فيه في هذا العصر.
والسبب الثاني: انتشار وسائل النشر والتوزيع التي تطبع الكتب وتغرق الأسواق بآلاف من الكتب فيها الشيء الكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وقلما تجد واعظاً أو محاوراً أو خطيباً إلا ويسوق في ثنايا كلامه أحاديث موضوعة أو ضعيفة إلا من رحم الله من طلبة العلم الذين يتحرون فيما ينسبونه إلى رسولهم ﷺ.
آثار انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين الناس
وبعض الناس تعجبهم الأحاديث الضعيفة والموضوعة لأسباب، فمنها مثلاً: أنها تلمس عواطفهم، مثال: "من زار قبر والديه كل جمعة فقرأ عندهما يس غفر له بعدد كل آية أو حرف" الناس يحبون آباءهم ويحبون أمهاتهم، ويريد أن يفعل شيئاً لأمه وأبيه، فيذهب من باب العاطفة يسمع هذا الحديث يذهب ويطبق من باب العاطفة.
مثلاً بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة تستدر الشفقة، إذا سمعت هذا الحديث: "إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن يقول: من أبكى هذا اليتيم الذي واريت والديه تحت الثرى، من أسكته فله الجنة" هذا الحديث الموضوع المكذوب في رحمة اليتيم قد يؤثر في عواطف الناس، فيندفعون بعواطفهم لتقبل هذه الأحاديث، وتلقفها والعمل بها؛ لأنه شيء عاطفي، شيء يؤثر في النفس.
ولكن ما درى أولئك المساكين أن هذا كلام مكذوب على الرسول ﷺ، وأن في سنة الرسول ﷺ أحاديث كثيرة مؤثرة في النفس تجيش عواطف النفس تؤثر في القلب، فلماذا لا يعملوا بها؟
عدم تقبلهم للأحاديث الصحيحة بعد سماعهم للأحاديث الضعيفة
ومن الآثار السيئة كذلك لهذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة: أن في كثير منها أجور خيالية: "من فعل كذا فله ألف ألف حسنة وألف قصر في الجنة، وفي كل قصر ألف خيمة، وفي كل خيمة ألف حورية، وعلى كل حورية ألف حلة من ذهب".
وفي المقابل مثلاً أحاديث العذاب: "من فعل وكذا وكذا وضع -مثلاً- في تنور من نار فيه ألف فرن، في كل فرن ألف أفعى، في كل أفعى ألف لسان، في كل لسان ألف نوع من أنواع السم يقرصه صباحاً ويلدغه صباحاً ومساء"، وهكذا...
مع استمرار الكلام في هذه الأشياء وطرق مثل هذه الأحاديث الخيالية يتعود الناس على المبالغة مما يعكس أثراً سيئاً وهو أنهم لا يتقبلون أحاديث صحيحة، مثل مثلاً: "ويل لمن فعل كذا" لأن كلمة: "ويل" صارت بالنسبة للأحاديث التي فيها ألف ألف كذا صار شيئا قليلاً، فصاروا لا يتأثرون، لازم تأتي له بحديث فيه: ألف ألف كذا، وعشرة آلاف كذا، ومائة ألف كذا، حتى يتأثر.
وهذه من أحد السلبيات لانتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
إيقاع المسلم في الشرك الصريح
من الآثار السيئة لهذه الأحاديث نبدأ بذكر بعض الأمور: إيقاع المسلم في الشرك الصريح، الكفر المخرج عن الملة، الردة عن الدين -والعياذ بالله- مثل حديث: "لو اعتقد أحدكم بحجر لنفعه" لو اعتقدت أن هذا حجر يضر وينفع، إرجاع المسلمين إلى الجاهلية الأولى، إلى عبادة الأحجار، إلى عبادة الأوثان.
صرف الناس عن التوسل المشروع إلى التوسل غير المشروع، بدلاً من أن يقول الواحد مثلاً: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، ويسأل الله" يأتيه هذا الحديث مثلاً: "توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم"، ونأتي نقول: "نسألك بحق الأنبياء، نسألك بجاه محمد، نسألك بكذا وكذا.
وقد بين لنا ﷺ توسلات مشروعة، ولكن هذه الأحاديث لا تدع الناس يقبلون إلى التوسل المشروع، بل تصرفهم إلى الشيء غير المشروع.
بل إنها قد توقع الناس في الكفر من جهة ترك الصلاة مثلاً، كيف؟
حديث: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، أو لم يزدد من الله إلا بعداً".
بعض الناس يقع في الفواحش، قد يشرب الخمر، قد يزني قد يسرق، قد يرتشي، يأتي الآن يسمع هذا الحديث: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً، فلا صلاة له" فيقول في نفسه: أنا ما استطعت أن أتخلص من الزنا مثلاً إذاً ما لي صلاة، إذاً ليش أصلي؟
أعرف رجلاً قال لي بلسانه: كان رجلاً ضالاً ثم من الله عليه فاهتدى، يقول لي: كنت وأنا ضال في البداية كنت أصلي، مع أني أسافر وأفجر وأفسق لكني كنت أصلي، ثم سمعت هذا الحديث: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، فقال: قلت في نفسي إذاً لماذا أصلي؟ إذا كان ليس لي صلاة وأنا مصمم على المعصية مصر عليها.
إذاً ما في داعي لأن أصلي، وكلما أردت أن أصلي برز أمام عيني هذا الحديث فتركت الصلاة، لماذا ترك الصلاة؟
لهذا الحديث الموضوع المكذوب المنكر، مثلاً إيقاع الناس في قضايا تنافي التوحيد؛ مثل التشاؤم بالأزمان، والتطير بها: "لا تسافر والقمر في العقرب" إذا صار في برج العقرب القمر لا تسافروا، هذا السفر سيء، ونتائجه سيئة، علي بن أبي طالب لما ذهب لقتال الخوارج، عرض له أحد المنجمين فقال: "يا أمير المؤمنين لا تسافر فإن القمر في العقرب، قال: بل أسافر ثقة بالله وتوكلاً على الله وتكذيباً لك، وسافر فظفر على الخوارج وانتصر عليهم.
أو "من بشرني بخروج صفر بشرته بالجنة"؛ لأنهم يتشاءمون بشهر صفر.
أحاديث مكذوبة توقع الناس أحياناً هذه الأحاديث المكذوبة في أمور تنافي الإيمان وتنافي مفهوم الإيمان الصحيح، بل إنها تركز في أنفسهم مفاهيم للإيمان غير صحيحة، مثل: مفهوم المرجئة للإيمان، حديث مكذوب: "من قال: الإيمان يزيد وينقص فقد خرج من أمر الله، ومن قال: أنا مؤمن إن شاء الله فليس له في الإسلام نصيب، كما لا ينفع مع الشرك شيء كذا لا يضر مع الإيمان شيء".
ماذا يعتقد الناس؟
المهم في القلب، العمل غير مهم، لماذا هذه الأحاديث؟
ولذلك مرة قلت لرجل: يا أخي اتق الله قم صل الصلاة، لماذا لا تصلي؟
قال: هذا هو الجواب، أشار إلى قلبه؛ لأنه يعتقد يكفي الإيمان في القلب، ما في داعي للعمل.
وقد تؤدي هذه الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة أيضاً إلى إنكار أشياء من العقيدة؛ مثل حديث: "لا مهدي إلا عيسى" فماذا تكون النتيجة؟
إنكار أمر من أمور العقيدة وهو المهدي الذي أخبر ﷺ أنه سيخرج في آخر الزمان عندما تمتلئ الأرض جوراً وظلماً.
الغلو بالأنبياء ورفعهم فوق المقام الذي أنزلهم الله ؛ مثل حديث في تعظيم الرسول ﷺ ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله حديث: "لولاك يا محمد ما خلقت الأفلاك" حديث مكذوب، ماذا يؤدي هذا؟
يعني إذاً ما خلق الله السموات والأرض، ما خلق الناس لعبادته.
لولا محمد ﷺ ما خلقهم، وهذا ينافي القرآن وينافي ظاهر القرآن.
"كنت نبياً وآدم بين الماء والطين".
وهكذا حديث: إحياء أبويه، بعض الناس من محبتهم للنبي ﷺ عندما يعرف حقيقة تاريخية أن أبوي الرسول ﷺ ماتا على الكفر لا يعجبه، ويقول: كيف أبو الرسول ﷺ وأمه على الكفر؟ ما هو معقول مستحيل؟ لا يمكن؟
إذاً، ما هو الحل؟
هذا الحديث: "إحياء أبوي النبي ﷺ عرض عليهما الإسلام، بعدين فماتا بعد ذلك على الإسلام".
غير صحيح، ولماذا؟
نوح ماذا كان ولده؟
وإبراهيم ماذا كان أبوه؟
نفعه شيء، "يؤتى بآزر يوم القيامة يلقى في النار" يرى إبراهيم أباه كذيخ ملتطخ مسخ ضبعاً" ثم يؤخذ بقوائمه فيلقى في النار" وهو أبو الخليل، خليل الله إبراهيم.
لأن هذا الدين لا يحابي أحداً، لا ينفع إلا الإيمان والعمل الصالح.
التشنيع على أهل الحديث
وكذلك من الآثار السيئة لهذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة: التشنيع على أهل الحديث، فاختلق بعض الزنادقة أحاديث ليشوهوا سمعة أهل الحديث، فمثل حديث: "إن الله لما أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل فعرقت فأجراها فعرقت فخلق نفسه من هذا العرق" تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء.
ومثل الأحاديث التي يروونها أن الله ينزل يوم عرفة إلى الموكب فيصافح الناس المشاة والركبان سبحان الله العظيم، لماذا وضعوها؟
وبعضهم يعرفون أن العامة لن تتقبل هذا الكلام، لكن ليقولوا: انظروا أهل الحديث ماذا يروون، نسبة ما لا يليق إلى الأنبياء والتشنيع عليهم منتشرة ومبثوثة الآن في كتب السير مثلاً، أو بعض التفاسير: أن داود أعجب بزوجة أحد جنوده فأراد أن يتزوجها، فلكي يتخلص منه أرسل به في ميدان من ميادين القتال ليموت فيتزوج المرأة.
هل يمكن أن نبي من الأنبياء يعمل هذا العمل؟
ماذا يعتقد الناس عن داود عندما يسمعون بهذا الحديث؟
ولكي يفتحوا باب العمل بالأحاديث الضعيفة في الفضائل على مصراعيه وضعوا؛ مثل هذا الحديث: "من بلغه عن الله فضل فأخذ بذلك الفضل الذي بلغه، أعطاه الله ما بلغه وإن كان الذي حدثه كاذباً".
-سبحان الله- لو جاء واحد وقال لك حديثاً ضعيفاً أو موضوعاً في فضائل الأعمال فأنت أخذت به فلك الفضل حتى لو كان كذاباً، هذا معنى الحديث.
تعليم الناس أشياء لا تثبت
أيضاً من هذه الآثار السيئة: تعليم الناس أشياء لا تثبت، مثلاً في حفظ القرآن الكريم، أكثر الناس يتفلت منهم القرآن، يحتاجون إلى مراجعته دائماً، لكن مع ذلك يتفلت، يريد الناس وسيلة سهلة، الناس يحبون السهل، يقول: المراجعة صعبة، كل يوم أراجع لي كذا وكذا، ما هو الحل؟
يأتيك الجواب، والله يا أخي فيه حديث يجعلك ما تنسى القرآن، ما هو هذا الحديث؟
يقول: يا أخي يقول الرسول ﷺ: "إذا جاءت ليلة الجمعة تصلي أربع ركعات وتقرأ بالأولى بالفاتحة ويس وفي الثانية بالفاتحة والدخان وفي الثالثة بالفاتحة والم السجدة وفي الرابعة فاتحة الكتاب وتبارك، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله وقل كذا وكذا، لا تنسى ما حفظته".
الناس ودهم بهذه الأشياء، شيء سهل يوفر عليه تعب المراجعة، فيقوم المسكين فيعمل بهذا الحديث.
مثلاً: حديث مسح العينين بباطن الأنملة، رفع السبابتين عند قول المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، تجد بعض الناس هكذا، يفعلون هذا، هل ثبت هذا الكلام عن الرسول ﷺ؟
إذاً، كيف نعمله؟
كيف نستبيح لأنفسنا أن نعمل أشياء في العبادات ما تثبتت عن الرسول ﷺ؟
وفي الأذكار، إذا قامت الصلاة: "أقامها الله وأدامها"
إذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] "استعنا بالله".
توضأ: "زمزم"
فاتت الصلاة: "تقبل الله"
انتهت "حرماً" جمعاً.
أين وردت هذه؟
ويواظب الناس عليها.
ولو جئت الآن تنكر، قال: كيف يا أخي أنا أدعو له أن يصلي في الحرم، وأن يتوضأ بماء زمزم، أيش فيها؟
فيها أنك تبتدع في الدين، وأنك تقول أن الدين غير كامل، وأن الرسول ﷺ ما عمل الأفضل، وجئنا الآن واكتشفنا الأفضل وجالسين نسويه.
وهذا كثير "الفاتحة على روح فلان".
يا أخي الرسول ﷺ في حديث صحيح إذا مات الواحد يقول الفاتحة على روح فلان؟!
إذاً، لماذا نأتي بأشياء من جيوبنا ثم نطبقها في الواقع؟
أدعية على مدى الأيام، دعاء يوم السبت! دعاء يوم الأحد! ، دعاء يوم الاثنين! دعاء يوم الثلاثاء! دعاء يوم الأربعاء! دعاء يوم الخميس! دعاء يوم الجمعة! صلاة يوم السبت! صلاة يوم الأحد! صلاة يوم الاثنين!
ومن الكتب المشهورة في هذا كتاب: "الدعاء المستجاب" الذي يقول عنه الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله-: مؤلفه حاطب ليل، يأتي من كل مكان، ما هب ودب، يجمع، والكتاب منتشر، والاسم ملفت للنظر! "الدعاء المستجاب" كل واحد يريد دعاءه مستجاباً.
إذاً، اقتن هذا الكتاب، طبق ما فيه.
بعض الناس يوزعون أيام الأسبوع لمهمات معينة بناء على أي شيء؟
بناءً أيضاً على أحاديث ضعيفة، يأتي مثلاً: "يوم السبت يوم مكر ومكيدة، يوم الأحد يوم بناء وعرس، يوم الاثنين يوم سفر وتجارة، يوم الثلاثاء يوم دم، يوم الأربعاء يوم نحس مستمر، يوم الخميس يوم دخول على السلطان وقضاء الحوائج، يوم الجمعة يوم خطبة ونكاح".
من أين أتى بهذا الكلام؟
حديث موضوع عن الرسول ﷺ.
الأحاديث في فضل الأزمان والأماكن، ومن فعل كذا في رجب حصل له كذا وكذا، وصيام يوم سبعة وعشرين من رجب، وقيام ليلة خمسة عشر شعبان، يوم خمسة عشر من شعبان لا بد أن يصام عند العامة، من أين أتينا بهذا؟
لا يوجد شيء صحيح، لا يوجد مستند شرعي لهذا الكلام.
حتى شم الورود ما سلمت من الأحاديث الموضوعة المكذوبة: "من شم الورد الأحمر ولم يصل علي فقد جفاني"، من أراد أن يشم رائحتي فليشم الورد الأحمر.
الآن بالمناسبة، عند بعض الناس إذا جبت البخور ولف البخور، ماذا يقول: اللهم صل على محمد.
فصار هذا الآن ذكراً محدداً بوقت معين وهو عند البخور، اخترعنا ذكراً محدداً عند شيء معين، لما يأتي البخور يقول: اللهم صل على محمد، وقد يكون هذا من هذا.
اختراع أصول في الجزاء والحساب ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يمكن أن الله يحاسب الناس بناءً عليها: "إن الله -تعالى- لا يعذب حسان الوجوه"، يعني إذا واحد خلقته جميلة نجا من العذاب؟!
"عليكم بالوجوه الملاح فإن الله يستحي أن يعذب وجهاً مليحاً بالنار"، قال الشيخ القارئ: "فلعنة الله على واضعه الخبيث".
طيب هذا المقياس هل من الممكن أن الشريعة تأتي به؟
يعني واحد ينجو من النار لأن وجهه جميل ولو كان أكفر الناس وأبعد الناس عن الشريعة وعن الدين وعن العبادة.
من المعايير الأخرى أيضاً في الجزاء والحساب: "آليت على نفسي ألا يدخل النار أحد اسمه: محمد أو أحمد".
لأن اسمه محمد أو أحمد، لا يدخل النار؟ ممكن هذا الكلام؟
ألم يوجد على عهد رسول الله ﷺ من المنافقين أخطر شخصيتين: عبد الله بن أبي بن سلول، وعبد الله بن سبأ.
من أخطر الشخصيات في التاريخ الإسلامي، وكل واحد اسمه: عبد الله.
ليست القضية قضية أسماء؛ لأن من المنافقين من الذين ينتسبون للإسلام ويتكلمون بألسنتنا من اسمه: عبد الله، وعبد الرحمن، ومحمد، وأحمد، ولكنهم يمكن يكونون أشد خطراً على الإسلام من "جورج"، و "جوزيف" وإلى آخره.
نعم، يوجد هذا.
في الإمامة أحكام فقهية: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا بالسنة سواء" ماذا في الأخير "فأحسنهم وجهاً" يعني إذا استووا نقدم أحسنهم وجهاً.
نحول المسجد إلى ماذا؟ مسابقة جمال الوجوه، ثم ننتخب واللجنة والأصوات حتى نطلع أجملهم وجهاً حتى يصلي في الناس.
وهذا موجود وإن لم تكونوا قد سمعتم به، فهنالك أناس يعملون به، ويتفقهون على هذه الأشياء المبثوثة في المذاهب من الأحاديث الباطلة.
إدخال أمور في الإيمان ليست منه
إدخال أمور في الإيمان ليست منه: "حب الوطن من الإيمان" ليس حب الوطن من الإيمان، قد يكون الوطن كافراً، قد يكون الإنسان من بلد كافر، حب الوطن والذي نشأ فيه ولو كان بلداً كافراً صار هذا من الإيمان؟ غير صحيح.
تأصيل أصول مخالفة للشريعة
أحياناً تأتي الأحاديث الضعيفة والموضوعة بتأصيل أصول مخالفة للشريعة؛ مثل حديث: "اختلاف أمتي رحمة" هذا الحديث من آثاره السيئة: أنه يقضي على كل محاولة للوصول إلى الحق؛ لأنه الآن لو صار خلافاً علمياً بين واحد وآخر، هذا يرى شيئاً وهذا يرى شيئاً آخر، ما هو المفروض؟
المفروض المباحثة والمناقشة العلمية المؤدبة على طريقة السلف حتى نصل إلى الحق.
لكن عندما يأتي الحديث: "اختلاف أمتي رحمة".
إذاً، الحمد لله ليطمئن كل إنسان، كل الناس بخير، كل الآراء الفقيهة الحمد لله أنت على صواب وأنت على صواب، رحمة رحمة.
وقد يكون بعض الآراء ضعيفاً متهافتاً باطلاً لا يمكن أن يكون صحيحاً، وكيف يكون الاختلاف رحمة، والله -عز وجل- ذم الاختلاف في القرآن الكريم؟ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [النساء: 82].
كذلك من هذه الأصول الباطلة: وضع أصول في قبول الروايات غير الأصول الشرعية المعتمدة: "أصدق الحديث ما عطس عنده".
إذاً، لو جاء حديث عن الرسول ﷺ وعطس رجل من الحاضرين، هذا دليل على صحة الحديث.
عجيب -سبحان الله-، كيف يكون دليلاً على صحة الحديث؟ ولو عطس مائة رجل عند حديث مكذوب لا يمكن أن نجزم بنسبته إلى رسول الله ﷺ.
كذلك أحاديث تطبع وتنشر وتوزع بين الناس، وتنتشر انتشار النار في الهشيم، الآن هل منكم أحد ما رأى الحديث اللي فيه تارك الصلاة يعاقب بكذا عقوبة خمسة في الدنيا وخمسة في القبر وخمسة في الآخرة؟
في أحد ما رأى الحديث هذا؟ مع أن هناك أحاديث في الحث على الصلاة، والتحذير من ترك الصلاة صحيحة، فلماذا نلجأ إلى هذا وننشر بين الناس؟
وكذلك هذه الأوراق: دعاء الخضر وإلياس.
وأن زينب -رضي الله عنها- قالت هذا الكلام، وأن امرأة عميت فقرأت هذا الكلام، فرأت زينب في الليل، فقالت لها زينب: اقرئي هذا الذكر أو هذا الدعاء فستشفي، فقرأت فاستيقظت فقرأت فشفيت.
وأن الدعاء الفلاني ويل لمن لم يقرأه ولم يوزعه ولم ينشره، وأن فلاناً قرأه فأغتنى من ثاني يوم، وفلان سافر فربح، وفلان ما عمل به فخسر التجارة وقتل بعد كذا يوم من هذا الكلام.
والمشكلة أن بعض الضعفاء لما يأتي مكتوب فيه مثلاً: وزع ثلاث عشرة نسخة، وأن من لم يوزع هذه النسخ فإنه يحصل له كذا وكذا من المصائب، والناس تصور وتوزع.
وامرأة من المسكينات جاب لي واحد أوراقاً مكتوبة بخط اليد، نفس الكلام هذا المنسوب إلى زينب مكتوب، قال: هذه المسكينة ما حصلت مكينة تصوير نسختها بيدها ثلاث عشرة مرة نسخ باليد ووزعت، لماذا؟
أخاف يصير لي شيء؛ لأن فيه تخويف وترعيب، وإذا ما فعلت سيحدث لك كذا وكذا.
طبعاً، الذي ما عنده ثقة بالله ولا معرفة حقيقة بطبيعة هذا الدين سيكتب ويوزع.
إفساد الأحاديث الضعيفة والموضوعة للأخلاق
التشجيع على أمور من المفاسد حتى في الأخلاق، الأحاديث الضعيفة والموضوعة لها آثار سيئة: "من عشق وكتم فمات مات شهيداً".
يشجع الناس على العشق.
والعشق ما هو؟
العشق باختصار: أن تحب إنساناً مع الله أو أكثر من الله ، شرك في المحبة بحيث يسيطر ذكر المعشوق على العاشق فيلهيه عن الصلاة وعن ذكر الله وعن كل شيء حتى على الأكل والشرب.
ولكن الحديث يقول: "من عشق وكتم فمات مات شهيداً" المشكلة أنه أيضاً مات شهيداً، فوضعت هذه الشهادة المرتبة العظمى لمن؟
لمن يعشق.
إذاً، العشق زين.
وهذه الأغاني اللي فيها العشق ممتازة.
انظروا إلى هذا الحديث المكذوب لكي تتبينوا معي -أيها الإخوة- كيف أن هذه الأحاديث الضعيفة المكذوبة لها آثار سيئة في نسف الأخلاق، ونسف الفضيلة، وإحلال الرذيلة في نفوس البشر الذين يستمعون إليها ويطبقونها.
في روض الأفكار: أن امرأة خرجت تسمع كلام النبي ﷺ فرآها شاب فقال: إلى أين؟ شاب أجنبي، قالت: أسمع كلام النبي ﷺ فقال: أتحبينه؟ قالت: نعم، قال: فبحقه ارفعي نقابك حتى أنظر إلى وجهك، ففعلت، ثم أخبرت زوجها بذلك فأوقد تنوراً ثم قال: بحقه عليك، يعني الرسول ﷺ ادخلي التنور، فألقت نفسها فيه في التنور.
كل هذا أيش؟ بحقه عليه.
طيب وأخبر النبي ﷺ بذلك فقال للزوج: ارجع واكشف عنها فكشف عنها التنور، الفرن محمي، فرآها سالمة وقد جللها العرق؛ لأنه ما صار لها شيئاً.
ما هي النتيجة؟
أنه لو واحد شاب أجنبي رأى امرأة أجنبية في الطريق، قال: تحبين رسول الله؟ قالت: نعم، بحقه عليك اكشفي النقاب حتى أنظر إلى وجهك؟
تكشف النقاب وينظر إلى وجهها.
تغيير سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-
من الآثار السيئة أيضاً في الأخلاق: أن بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة لها آثار سيئة في عدم تغيير الخلق السيئ وتبديله، كل إنسان فيه أخلاق سيئة وطبائع غير جيدة، ما هو الحل؟
أن يجاهد نفسه حتى يبدل الخلق السيئ بخلق طيب.
لكن عندما يأتي مثلاً حديث: "الحدة تعتري خيار أمتي، الحدة تعتري حملة القرآن لعزة القرآن في أجوافهم".
لو واحد إنسان حاد الطبع يغضب بسرعة، عندما يسمع هذا الحديث: "الحدة تعتري خيار أمتي، حملة القرآن لعزة القرآن في أجوافهم" ماذا يعمل الحديث هذا؟ ما هو مفعوله في النفس؟
الحدة شيء طيب، إذاً كن على عصيبتك.
تغيير سنة الرسول ﷺ مثل حديث: "كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها"
لحية الرسول ﷺ كانت أوفر ما يكون، وأجمل ما يكون، وأمر ﷺ بإعفاء اللحى.
ولكن يأتيك هذا الحديث: "كان يأخذ من طولها ومن عرضها" فيأتي إنسان يقصقص، ليش تقصقص يا أخي؟
الرسول ﷺ أمر بإعفاء اللحية، قال: لا، عندي دليل، ما هو؟
قال: "كان يأخذ من طولها ومن عرضها" إذاً يجوز.
لا يمكن يا أخي، لا يمكن الرسول ﷺ يأمر بإعفاء اللحية ثم بعد ذلك هو نفسه عليه السلام يخالف أمره، يروح يقصقص منها!
وواحد قال: قضية حلق اللحى، صار تستطيع أن تتلمس اتجاهات الناس في التفكير ومشاربهم المختلفة في قضية واحدة مثل هذه القضية.
قال واحد: الرسول ﷺ ما كان يحلق لحيته ليش؟
لأنه ما كان عنده موسى.
يعني لو كان عنده موس كان حلق؟
وأجابه واحد من الحاضرين قال: يا أخي الرسول كان عنده سيف هذا طوله، لو بغى يحلق لحيته، ويش هذا الكلام؟
ومن يقول لي حديثاً صحيحاً: أن الموسى كانت موجودة على عهد الرسول ﷺ؟
حديث: حتى تستحد المغيبة التي غاب عنها زوجها.
وأيضاً في صلح الحديبية، فدعا بالحلاق حلق رأس الرسولﷺ بالموسى، حلق رأسه.
الأحاديث كثيرة، حديث خباب بن الأرت أيضاً لما دب إليه ولد وهو مأسور بمكة وبيده موسى.