الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وحياكم الله -أيها الإخوة والأخوات- ونحن نتحدث في المجلس نسأل الله أن يجعله مجلساً مباركاً عن شيء يرقق القلوب، ويتعلق بالإيمان؛ إنها مواعظ والأقدار الإلهية.
الإيمان بالقضاء والقدر
الله له ملك السموات والأرض لم يكن له شريك في الملك يدبر الأمر، ويفصل الآيات، وخلق كل شيء بقدر .
هذا الركن السادس من أركان الإيمان الذي يجب علينا أن نؤمن به، وأن الله يعلم كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون: وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام: 59].
مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: 22].
ونؤمن على طريقة سلفنا وعلى عقيدة التوحيد: بأنه لا يضر ولا بنفع إلا الله: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ [الأنعام: 17].
نوقن أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.
ونؤمن بأن الله مقدر الأقدار: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ [يونس: 107].
وكذلك نؤمن بأنه لا يقبل عمل إلا مع الإيمان بالقضاء والقدر، كما قال ﷺ: ولو كان لك مثل جبل أحد ذهباً، أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله، ما قبل منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك [رواه أبو داود: 4699، وابن ماجه: 77، وأحمد: 21611، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 115].
لما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال: لقد شهدت مائة زحف أو زُهاءَها وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء.
هذا دعاء عليهم: "فلا نامت أعين الجنباء" يعني: لا يتنعمون بنوم.
ولما سئل الإمام الشافعي -رحمه الله عن القدر قال:
فما شئت، يعني يالله.
فما شئت كان وإن لم أشاء | وما شئت إن لم تشأ لم يكن |
خلقت العباد لما قد علمت | ففي العلم يجزى الفتى والمسن |
فمنهم شقي ومنهم سعيد | ومنهم قبيح ومنهم حسن |
على ذا مننت وهذا خذلت | وذاك أعنت وذا لم تعن |
[القضاء والقدر، للبيهقي، ص: 328]
ونؤمن أن كل قضاء قضاه الله لنا فهو خير، وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ [البقرة: 216].
القدر سر الله في خلقه
القدر -أيها الإخوة- سر الله في خلقه، لم يُطلع عليه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.
ومن تعمق ودخل في الغلو فإنه سلك سبيل الخذلان وحرم من التوفيق والإحسان، وركب سلم الحرمان ودرجة الطغيان. النبي ﷺ حذر من التعمق والتشقق في القدر، وقال: لا يزال أمر هذه الأمة موائماً أو مقارباً ما لم يتكلموا في الولدان والقدر [السنة لعبد الله بن أحمد: 2/401، وصحيح ابن حبان: 15/119، رقم: 6724، وهو حديث صحيح].
فنحن الآن مع أقدار الله هذه التي تجري، والآن تجري على الأمة أقدار كما تجري أقدار مؤلمة على إخواننا بالشام وفي بورما وفي غيرها.
تجري أقدار خطيرة، وتجري أيضاً في حياتنا نحن أقدار، يوجد حوادث وأمراض وفقر، يوجد مصائب بأنواعها.
وكذلك يوجد أقدار من الخير، من الرزق والنصر والبركة والفضل، والسعة، والذرية.
والأقدار هذه نحن نعلم أن الله يعظنا بها، الله يقدر شيئاً موعظة للبشر، تلمس مواطن الموعظة في الأقدار فقه وحده.
فالله كما يعظ عباده بشرعه يعظهم بقدره، يعني: هو وعظنا بقوله: وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة: 281].
هذه آخر آية نزلت من القرآن فيها موعظة.
الله يعظ عباده بالشرع، مثل: موعظة بالآيات، ولكن أيضا يعظهم بالقدر مثل الأحداث، الأحداث فيها مواعظ، فوعظ عباده بإهلاك المكذبين: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ [طـه: 128]، ما معنى آيات؟ مواعظ، عبر، {لأولي النهى} أصحاب العقول السليمة والفطر المستقيمة.
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ [الفجر: 6].
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل: 1].
وقدر سبحانه إبقاء آثار الأمم السابقة حتى تراه الأمم اللاحقة فتتعظ: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ* وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ * وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً موعظة فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر: 11 - 15] .
والله أيضاً يعظ عباده بالبلايا والمصائب والحروب والقتل والأمراض: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى [السجدة: 21] يعني في الدنيا، دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ [السجدة: 21] عذاب النار، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [السجدة: 21].
قال ابن مسعود في تفسير العذاب الأدنى: السنون المستمر، يعني القحط.
وقال أبي: "مصيبات الدنيا" [رواه الحاكم: 8316، وصححه، ووافقه الذهبي].
قال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ بالقحط وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف: 130].
وقال سبحانه: وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ [الأنعام: 42] يتعظون ينيبون، يرجعون، ينادون ربهم، فيدعونه: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ [الأنعام: 43]، لكن ما حصل، وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنعام: 43].
ولذلك نعى الله على الغافلين الذين يسيرون في الأرض فلا يتعظون.
ما تشوف وأنت تمشي في الأرض؟
أما ترى ممالك فنيت؟
أما ترى مدن دمرت، وهجرت؟
أما ترى مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً؟
ألم تَرَ كيف فنيت مزارعهم؟ كيف ذبلت وذهبت؟ كيف بادوا؟
بقي أعمدة، بعض المباني، والمساكن: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحـج: 46].
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد: 10].
الآن توجد أفلام وثائقية تصور مواطن في الأرض كان فيها حضارات! بقي مسرح روماني! مدرج يوناني! هرم مكسيكي! مسلة فرعونية! شيء معلق من باب بابل! بقايا من الفينيقيين!
نعى الله على المنافقين الذين يفتنون بالبلايا كل عام، تأتيهم مصيبة كل عام، لا يتوبون ولا هم يتذكرون، لا يستفيدون ولا هم ينزجرون: أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ [التوبة: 126]، تحصل لهم مصيبة! زلزال! وباء! قحط! يعني: يأتيهم خوف: أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة: 126].
الله يختبرهم في كل عام مرة أو مرتين بالبلاء، لكن النفاق يمنع الاعتبار، النفاق يمنع التوبة -والعياذ بالله-.
قال سلمان : "إن مرض المؤمن يجعل الله له كفارة وَمُسْتَعْتَبًا" يعني : لو مرض وقام من المرض يقرب من الله، يستفيد من المرض، يستفيد من الضعف الذي أصابه، يتوب، يقلع، يزداد خيراً، يزداد صدقات، قال: "وإن مرض الفاجر كالبعير، عقله أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم عُقِلَ ولم أُرْسِلَ " يعني: لما أطلق [رواه البخاري في الأدب المفرد: 493، وهو صحيح].
حوادث الدهر فيها الوعظ والعبر | لم ينج منهن تحذير ولا حذر |
ولا فرار ينجينا ولا وزر منها إذا | ما جرى في الأنفس القدر |
جزى الإله الصروف الخير إن بها | تهدى القلوب وفيها يعرف البشر |
وإن للناس عادات فأي فتى | عما تعوده في الدهر يزدجر |
من لم يكن بصروف الدهر متعظا | لم تغن عن نفسه الآيات والنذر |
الله وعظنا بالأقدار التي أجراها مثل الأيام العظيمة في الأمم الخالية: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إبراهيم: 5] التي أهلك الله فيها الكافرين، ونجى المؤمنين، لعلهم يتعظون.
مواعظ الله في قدره متنوعة.
كفى زاجرا للمرء أيام دهره | تروح له بالواعظات وتغتدي |
المؤمن العاقل يرى في شيء حوله، لو سمع حوادث إفلاس! زلازل! وما أكثرها زلازل! الزلازل تحيط بنا وتقترب! الزلازل تتكرر! الزلازل يتقارب ما بينها!
هذا المؤمن يخاف من عقاب الله بهذه المواعظ القدرية!
والموعظة القدرية ليست شرطا أن تكون من معجزة نبي أو كرامة ولي، بل قد تكون موقفاً في حياتك أنت.
قد يكون حادثاً، قد يكون شيئاً جرى على مسمع ومرأى منك، مالك بن دينار يقول عن نفسه: "قدمت من سفر لي، فلما صرت بالجسر" خلاص الآن سينزل من الجسر إلى الميناء "قام العشار" العشار الذي يأخذ العشر، يفرض عليهم أن يعطونه العشر، موكل بأخذه، "قام العشار عند مكان النزول من السفينة، هنا كانوا يأخذون الضريبة، فقال: لا يخرجن من السفينة ولا يقوم أحد من مكانه" يعني: لازم يدخل يفتش، ويعشر، قال مالك بن دينار: "فأخذت ثوبي فوضعته على عنقي ثم وثبت من السفينة على هذا الجسر، فإذا أنا على الأرض، فجاء فقال: ما أخرجك؟ قلت: ليس معي شيء، قال: اذهب، فقلت في نفسي: هكذا أمر الآخرة.
الذي يجي ما كان عنده شيء يعدي على طول، ما عنده شيء يحاسب عليه، فقلت في نفسي: هكذا أمر الآخرة، فاتعظ مالك بموقف حصل له.
ويذكر عن أويس القرني -رحمه الله- أنه كان إذا نظر إلى الرؤوس المشوية، يعني رؤوس الغنم، في وليمة، يقرأ الآية: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ [المؤمنون: 104].
وبعضهم كان إذا مر على تنور الخباز يقف ويتذكر النار ويبكي.
بعضهم إذا جاء إلى ساحل البحر يبكي، ما يبكيك؟ قال: تذكرت قول الله: وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير: 6]، كلها غداً ستكون حريقاً مشتعلاً.
المؤمن ممكن يتعظ من فرن الخباز.
المنافق لو ماذا ما يتعظ، قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً [الأنعام: 111]، وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً يعني: كل الوحوش والطير، والآدميين والأشجار، كل شيء حشرناه عليهم قبلاً، يعني: يأتيهم مواجهة من الأمام، حشرناه، يأتيهم مواجهة من الأمام: وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ [الأنعام: 111].
وقال تعالى: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ [الحجر: 14 - 15].
خلاص ماذا أكثر من القرآن ينزل على قريش يقولون: إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ [المدثر: 24].
فأصحاب القلوب الميتة، ما في فائدة: كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [الشعراء: 200 - 201].
ومن عدل الله: ما في موعظة أكثر من دخول النار، في النار يقولون: ربنا أخرجنا، الله ماذا قال: وَلَوْ رُدُّواْ [الأنعام: 28] يعني: لو أخرجناهم من النار وأرجعناهم للدنيا، لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ [الأنعام: 28] ماذا معناها؟ خلاص ما في فائدة، الذي قلبه مطموس مطبوع عليه ما في فائدة.
الآن يمر بعض الناس على حادث في الطريق، والدماء تجري، ما أن يتجاوز حتى خلاص يرجع كما كان.
تجد أحياناً في المشرحة، واحد يعمل في المشرحة يأكل جنب الجثث.
امرأة أمها على فراش الموت تعالج السكرات فتستغل الموقف لتسرق سوار ذهب من يدها.
السارق الذي يزاحم عند الحجر الأسود لسرقة الناس، هو يسرق في الحرم، يرتكب الكبيرة عند الحجر الأسود، أو يعبث بالنساء!
وربما استغل بعضهم القصاص ليسرق جوالاً.
لقد أسمعت لو ناديت حياً | ولكن لا حياة لمن تنادي |
ونار لو نفخت بها أضاءت | ولكن أنت تنفخ في الرماد |
يقول واحد من الإخوان: كنا في الطائرة وبجانبي شاب ما سلم أحد من أذاه، المضيفات، والمعاكسات، والأغاني، يقول: بعد ذلك صارت الطائرة ترتج، وتهتز، وتضطرب، ورأوا أنواراً، وتحذيرات، وصوت الكابتن يقول: خلل في المحرك، والناس بدأت تهلل، وتكبر، وتصيح، وتبكي، يقول: في يدي مصحف أقرأ فيه لما طلعت في الطيارة، صاحبي هذا الشاب الغافل لما صار هذا جعل ينطق بالشهادتين، وخطف المصحف من يدي، ما استأذن، وجعل يقرأ، يقول: بعد ذلك سكنت الطائرة، وهدأت الضجة، وأعلن قائد الطائرة السيطرة على الوضع، وأن الخلل قد زال، ورجعت الطائرة إلى مسارها الطبيعي، يقول: مدة صمت خمس دقائق، ورجع الشباب الذي ورانا يشجع، والذي يغني، وهذا رجع لي المصحف، ورجع مرة أخرى إلى حركاته، سبحانه الله العظيم، هذه الغفلة.
تقدير الله للخير والشر على الإنسان
من مواعظ الأقدار الإلهية: ما يقدره من الخير والشر على الإنسان:
قد يكون أحياناً جزاء، يكون واحد من العصاة فالله يقدر عليه عقوبة مثلا.
وقد يكون من الأتقياء والله يأتيه بكرامة.
ومن القصص العجيبة: أن شاباً كان يعطي دروساً خصوصية للتلاميذ فجاءه تلميذ يتيم فعلمه لوجه الله، ولم يأخذ منه مالاً وارتقى ذلك اليتيم في مراحل التعليم، ودارت الأيام والسنين، وتزوج الشاب المدرس، وولدت له طفلة وساء حاله بعد ذلك، ومرضت ابنته، وحمل إلى المستشفى، وقرر الأطباء فحوصات كثيرة، وأشعات، وتكاليف باهظة، فوقف أبوها حزيناً منكسراً؛ لأنه لا يملك مالاً لعلاج ابنته، فجاء طبيب فرآه فما أن رآه حتى اعتنقه وقبل رأسه، وقال: لا عليك، أنا سأتحمل التكلفة كاملة، قال: لم؟ ومن أنت؟ قال: أنا اليتيم الذي درسته.
وحدثني أحد كبار السن قال: كان عندنا في العائلة من العائلة الكبيرة أسرة مات أبوهم، صاروا أيتاماً، فجمعت العائلة وقلت لهم: هذه الأسرة منا ولا بد أن نقوم بها، وهذا دفتر، قال: عندي دفتر من عشرين صفحة، قلت: أمرره عليكم وكل واحد يكتب اسمه، والمبلغ الذي هو مستعد أن يتبرع به شهرياً، نعمل لهم راتباً، يقول: وفعلاً، الدفتر هذا يلف عليهم، كتب كل واحد كم مستعد وجمعتها في الأخير، وصرت قبل نهاية كل شهر أذكرهم وآخذ المال، وأعطيه لهذه العائلة، يقول: كنت أشتهي الحج وما أستطيع، هذا رجل في بلد آخر، مرة يطلع لي عقبات في الجوازات، ومرة يطلع لي عقبات في مكان آخر، إلى آخره، وضاقت حالي جداً جداً، يقول: هذا الدفتر كنت وضعته في مكان ونسيته، يقول: بعد مدة دخلت إلى إحدى الدوائر أتابع المعاملة من الضيق الذي بي والحالة التي في، وإذا بشخص يستقبلني استقبالاً حسناً ويعدني أن ييسر لي الموضوع، ويقول: فعلاً حصلت على جواز جديد ومجدد ومصرح، وعلى إذن بالسفر إلى الحج، وذهبت.
وبعدما أخذته تقدم هذا وقال: تعرف من أنا؟ قلت: لا، قال: أنا أحد الأيتام الذين كنت ترسل لهم مخصصاً شهرياً يقول: هذه يمكن بعد ثلاثين سنة.
يقول: ولما رجعت من سفري مررت بالمكتبة وجدت أنها غرقت، وأكلها الفئران إلا دفتراً واحداً، فتحته وإذا هو دفتر التبرعات الشهرية.
الجزاء من جنس العمل
من مواعظ الأقدار الإلهية -أيها الإخوة-: الجزاء من جنس العمل: أن الإنسان قد يحدث له حتى في زواجه مواعظ، قال الحسن: يا معشر الشباب عليكم بالآخرة فاطلبوها فكثير رأينا من طلب الآخرة فأدركها مع الدنيا، وما رأينا أحداً طلب الدنيا فأدرك الآخرة مع الدنيا.
شاب فقير كان أبيض البشرة، يبتغي زوجة، كان يتمناها مثله في اللون، قال: ما وجدت صاحبة دين إلا ذات بشرة سوداء، فتزوجها للحديث، لكنه يقسم بالله أنها جعلت بيته جنة، وأنه يعيش معها في منتهى السعادة، يعني بركة إيثار الآخرة على الدنيا قد تحدث في قضاء لله وقدره، كما يكون في زواج.
وفي المقابل ربما يتزوج امرأة جميلة فالله يعطيه موعظة في هذا الزواج بحيث يتمنى أنه رغب في ذات الدين من كثرة القضايا، والفضائح حتى قال: تسببت في إيداعي السجن.
أما الموت فإن لله فيه مواعظ، وقد قال ﷺ: أكثروا من ذكر هادم اللذات [رواه ابن ماجه: 4258، وقال الألباني: "حسن صحيح"] فكم من رجل مات في كامل صحته، وعاش المريض.
هذا طبيب شاب أصيب بإغماء مفاجئ ثم توفي.
وكانت في حياتك لي عظات | وأنت اليوم أوعظ منك حياً |
واحد قتل شخصاً وسرق بطاقة الفيزا، وتوجه للصراف ليسرق ويأخذ المال، فإذا به يسقط.
قتل صديقه ليسرقه فلم يمهله سبحانه.
وقد حكى ابن الجوزي -رحمه الله-: أن رجلاً وقع بين أهله فظنوه ميتاً، فأخذوه للتغسيل على أساس يصلى عليه ويدفن، فلما سكب المغسل الماء البارد عليه ارتعش وانتعش وآفاق، فمن هول الصدمة: وقع المغسل، ومات، ليغسل، ويصلي عليه.
قل للطبيب تخطفته يد الردى | من يا طبيب بطبه أرداك |
قل للمريض نجى وعوفي بعدما | عجز فنون الطب من عافاك |
قل للصحيح يموت لا من علة | من بالمنايا يا صحيح دهاك |
وفي المقابل كم من مريض تتوالى عليه الأمراض ويعيش حيناً من الدهر، يحكي أحد الأطباء قال: جاءنا مريضان بالموازين الطبية، هذا في الغالب ميت ميت، وهذا في الغالب يعيش:
أحدهما: كان معه مرض القلب والسكر والضغط إلى آخره، نسبة نجاح العملية ما تتعدى 20% ولذلك قررنا أن نجري له عملية في يوم وحده من صعوبة العملية، نجريها في اليوم وحدها.
وفي نفس الوقت كان عندنا حالة، شاب في العشرين من عمره عمليته يسيرة جداً، ونسبة النجاح 90%، فقلنا: هذه عمليته ما تأخذ وقتاً، خلينا نحط هؤلاء الاثنين مع بعض في يوم واحد؛ لأن ذاك عمليته طويله وهذا قصيره، وهذا يوم نختم فيه بعمليتين وانتهينا، قال: فإذا بالشيخ الكبير تنجح عمليته ويعيش، وبذلك الشاب يموت.
وتحيط بالإنسان أسباب الموت من كل جهة أحيانا وينجو.
وأحياناً تراها في مقاطع مثل هذه الأحداث التي تدور في الشام، تقول: خلاص ما في أمل يطلع أحد ناجٍ من هذا المكان، فإذا بأناس أحياء.
وأحيانا تفوت طائرة أو رحلة على شخص، وتسقط، تحترق، تغرق، ويكون الذي فاته له فيه آية وموعظة من الله مع أنه عند فواتها كان قد غضب غضباً شديداً.
قطار خرج عن مساره في إحدى البلدات المصرية ومات من مات من الركاب، ونجى آخرون، فخرج أحد الناجين سليماً معافى، وركب في سيارة لتوصله إلى بيته، فصدمت ومات.
وكم من واحد سقط في بئر وأخرجوه قالوا: كيف صار الحادث؟! ومثله لهم وسقط، وما خرج.
وكم .. وكم.. حصل من ناس سقطوا من علو وما ماتوا، ولما قطع الشارع يأتي لهم بشيء يوزع على أصحاب من أجل السلامة ويموت؟!
كم واحد الآن نجى من القصف في سوريا، في الشام، ثم ذهب وركب البحث إلى إيطاليا وماتوا غرقاً، كانوا نجوا من القصف ثم ماتوا غرقاً.
أليس هناك أطباء ماتوا في نفس المرض الذي تخصصوا في علاجه؟!
ما في أطباء قلبية ماتوا بمرض القلب، ما في أطباء صدرية ماتوا بمرض الصدر، ما في أطباء سرطان ماتوا بالسرطانات.
إن الطبيب بطبه ودوائه | لا يستطيع دفاع مقدور القضا |
ما للطبيب يموت بالداء الذي | كان يعالج مثله فيما مضى |
ذهب المداوي والمداوى والذي | جلب الدواء وباعه ومن اشترى |
هذا رالف ستاينمان الحائز على جائزة نوبل في السرطان قبل ساعات من إعلان فوزه كان قد قضى نحبه بهذا المرض.
من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه
من مواعظ الأقدار الإلهية: أن من ترك شيئاً لله سواء كان مالاً، أو شهوة، أو متاعاً من الدنيا إلا ويعوضه الله خيراً منه؛ لأنه ﷺ قال: إنك لن تدع شيئاً لله -عز وجل- إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه [رواه أحمد: 23074، وهو حديث صحيح].
امرأة أرملة فقيرة كانت في بلد القانون فيه يلزم صاحب البيت بإبقاء المستأجر وعدم رفع الأجرة مهما صارت نسبة التضخم، وإذا كان ساكن بعشرة جنيه وإلا عشرة ليرات هي هي بالقانون، وهذه امرأة مع أنها أرملة فقيرة عرفت أن هذا ما يجوز، أن صاحب البيت إذا أراد بيته ما يجوز أحد يجلس في البيت، ويقول: أنه معتمد على قانون وضعي، فتركت ذلك لله، وخرجت فعوضها الله بمحسنين بنوا لها بيتاً، كانت ساكنة بأجرة ولو عشرة، صارت ساكنة مجاناً.
من استخدم المال في الحرام قد يبتليه الله بشيء يكون وبالاً عليها
من مواعظ الأقدار الإلهية: أن من تكبر بمال أو استخدم هذا في الحرام قد يبتليه الله بشيء يكون وبالاً عليها: فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً [الأنفال: 36].
رجل فقير كان يتحصل على لقمة العيش بالكاد فتح الله له أبواب الرزق، وصار من أصحاب الغنى، فطغى وتكبر وصار يحارب كل من يحاول منافسته في مجال العمل، حتى أنه ضرب بعضهم ضرباً مبرحاً، ولما نقل المضروب إلى المستشفى مات متأثراً بجراحه، وخرج أهله بجنازته، قائلين: حسبنا الله ونعم الوكيل، وخرج المتكبر بسيارته الفارهة يتيه بالخيلاء، فقدر الله عليه ما قلب سيارته، ولقي حتفه، ودفن في نفس اليوم في القبر المجاور.
وأول ما يقضى يوم القيامة في الدماء.
الله يعز من يشاء ويذل من يشاء لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه
من مواعظ الأقدار الإلهية: أن الله يعز من يشاء، ويذل من يشاء، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26].
وهذا المعتمد بن عباد كان فيما كان فيه من الغنى والسلطان حتى أن بناته خضنا في المسك والكافور، ثم جرى عليه قدر الله، فأخذ أسيرا ذليلاً، ووضع في سجن، وكان من طاقة السجن يرى بناته في العيد يمشين في الوحل والطين، فقال:
فيما مضى كنت في الأعياد مسرورا | فساءك العيد في أغماتَ |
(البلد الذي سجن فيها) مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة | يغزلن للناس ما يملكن قطميرا |
برزن نحوك للتسليم خاشعة | أَبصارُهُنَّ حَسيراتٍ مَكاسيرا |
لما رأينا أباهن من هذا الطاق، صارت الأنظار والأيدي تشير إلى الأب، ولكن الأنظار ذليلة خاشعة.
يَطَأْنَ في الطين والأقدام حافية | كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا |
[شذرات الذهب: 5/386]
ومن الناس من تسلط وتفرعن، وكانت نهايته في مكان تصريف النجاسات.
المرض ولطف الله بالمرضى
ومن مواعظ الأقدار الإلهية: المرض، فالله يقدره على بعده، ليستخرج منه عجباً وغروراً، أو يكون له فرصة للتوبة، وعودة إلى الله، فيكون له نذيراً، وكم من مرض أقعد صاحبه عن كبائر وذنوب، وكان خيراً مما لو كان صحيحاً، ولكن بعض الناس الله يبتليهم بأشياء، فيطلبون العافية فإذا عافاهم رجعوا إلى ما كانوا فيه: وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ [الأعراف: 134 - 135] أنت تنكث مع من ؟ تنكث العهد مع الله.
الله يلطف بالمرضى
ومن مواعظ القدر الإلهية: أن الله يلطف بالمرضى، فييسر لبعضهم العلاج من حيث لا يدري، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء: 80]
امرأة كان زوجها سجيناً فمرضت ابنتها مرضاً شديداً، والأم ما عندها مال تذهب إلى مستشفى، أو تستدعي طبيباً، تقول: فجأة سمعت جرس بيتها يدق، فهرولت وفتحت، فإذا بطبيب يحمل حقيبة، ويقول: أين الطفلة المريضة؟! فأشارت إلى ابنتها، فذهب وكشف وكتب العلاج، ثم انتظر أن تعطيه الأم الأجرة، فما فعلت،؟ قال: أين الفلوس؟! قالت: ما عندي، فغضب غضباً شديداً، وقال: لماذا اتصلت بي إذاً، فقالت له المرأة: أنا ما اتصلت عليك، قال: أليس هذا بيت فلان؟ قالت: هذا بيت الجار.
هو جاء بالخطأ. لكن من الذي ساقه؟ من الذي جعله يخطئ من؟
فسبحان من ساقه!
المكر السيء يحيق بأهله
ومن مواعظ الأقدار الإلهية: أن المكر الشيء يحيق بأهله؛ كما قال الله: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر: 43].
تاجر كان يتنقل للتجارة وكان إذا دخل الليل طرق باب أي منزل فضيفوه إلى الصباح، وفي ذات ليلة طرق باب أحد البيوت فاستضافه أهل البيت، وهذه قصة كانت في القديم، وما كان فيه كهرباء، ولا أنوار، الشاهد: أن صاحب البيت طمع في التاجر وأراد أن يذبحه ويأخذ المال الذي معه، فجعله ينام مع بعض أولاده في المكان، وتسلل في الليل ومعه السكين وتلمس تلمس حتى وصل إليه، وكتم نفسه وحز رأسه، ولما خرج بالرأس إذا به رأس الولد وماذا؟!
كان الولد الوحيد.
قضى الله أن البغي يصرع أهله | وأن على الباغي تدور الدوائر |
ومن يحتفر بئرا ليوقع غيره | سيوقع في البئر الذي هو حافره |
توفيق الله أقواما للتوبة
ومن مواعظ الأقدار الإلهية: أن الله يحول أقواماً بتوفيقه، كذا قدر، كلمة يسمعها، شيء يحصل، مثل قصة المعافى بن عمران، كان يلعب كرة مع الغلمان، كيف صار من كبار علماء الحديث؟ التلميذ ذاك الذي جاء إليه، والكرة قفزت من شباك المسجد إلى حلقة الدرس، دخل الولد يجيب الكرة، أمسكه الشيخ، من أنت؟ فلان بن فلان، أبوك كان معنا يطلب الحديث؟ لو اقتديت بأبيك؟
فوقعت في نفسه الكلمة، ورجع، وغير الثياب، وحضر الدرس، وصار من كبار أهل العلم.
أبو حنيفة قال: مررت يوماً على الشعبي وهو جالس فدعاني فقال: إلى أين تختلف؟! قلت: اختلف إلى السوق، قال: لم أعن الاختلاف إلى السوق، عنيت الاختلاف إلى العلماء، أنت تروح وتجي على أي واحد؟ على أي عالم؟ فقال: أنا قليل الاختلاف إليهم، قال لي: لا تغفل وعليك النظر في العلم، ومجالسة العلماء، فإني أرى فيك يقظة وحركة، أرى فيك نباهة، فوقع في قلبي قوله، فتركت الاختلاف إلى السوق ورحت لطلب العلم، فنفعني الله بذلك أيما نفع.
تيسير الله لعبده التوبة
من مواعظ الأقدار الإلهية: أن الله ييسر لعبده التوبة لعبده العاصي، ويسوقها إليه أحياناً، سوقاً بغير قصد منه: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ [التوبةك 118].
توبة العبد بين توبتين للرب على العبد هذا: توفقه للتوبة، وقبول التوبة منه.
وذات مرة يقولون: إن امرأة راقصة كانت في سيارتها تذهب إلى المرقص فأصابها عطش فبحثت عن مكان ماء، فإذا برادة ماء عند مسجد، فنزلت لتشرب، وكان فيه درس لأحد الدعاة، فوصلت إلى أذنيها كلمات كانت سبباً في هداية الله لها،
وهذه قصة قد حدثت في مصر.
قد يقدر الله مصائب على المذنب حتى يتوب: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ [الأعراف: 94].
واحد كان يستعمل الغش في بيعه وشرائه، قدر الله عليه أن يمرض مرضاً أنفق فيه كل ما كسبه من الغش وزيادة، في رحلات العلاج.
وعظ الله لعبده برؤيا يريها إياه في المنام
ومن مواعظ الأقدار العجيبة: أن يعظ الله عبده برؤيا يريها إياه في المنام، والرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة.
وقد تكون هذه الرؤية رؤية مخيفة مثل الذي رآها واحد من العصاة، كأن يرى أنه يدخل ناراً، ونحو ذلك.
ابن عمر في المنام -والحديث في البخاري- رأى أنه ذهب به إلى النار ورآها ثم أخذ عنها، وأنه ليس من أهلها.
وكانت بعد ذلك موعظة قيام الليل لعبد الله بن عمر الذي ما كان يترك قيام الليل بعدها.
تربية الله لعباده بالهزائم
ومن مواعظ الأقدار الإلهية: أن الله يربي عباده بالهزائم، معركة أحد كم كان فيها من التربية للصحابة؟
حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران: 152]، لكن قبلها: مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا .
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران: 165] تنازعتم، وعصيتم، ولذلك كان عمر يكتب إلى جنوده وإلى جيوشه محذرا من المعاصي.
انتقام الله من الظالمين والمجرمين، وتسليط بعضهم على بعض
من مواعظ الأقدار الإلهية: انتقام الله من الظالمين والمجرمين، وتسليط بعضهم على بعض، ظالم على ظالم، وهذه كم رأيناها، الله يسلط ظالماً على ظالم: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأنعام: 129].
وكما قال الشاعر:
وما مِن يدٍ إِلا يدُ اللهِ فوقها | وما مِن ظالمٍ إلا سَيُبلى بِأظْلم |
وهذا واحد يعني تسلط على رتبة تحته، ضربه على رأسه حتى أصابه بالشلل، خرج في تدريب أصابته شظية في رأسه تماماً، وأصيب بالشلل كما فعل ذلك الإنسان.
قد يقدر الله أقداراً لبعض، هؤلاء لعلهم ينزجرون عن المعاصي بهذه العقوبات.
وقد تحدث أحياناً حاجة غريبة غير معهودة، قد يكون في المشهد حيوان من الحيوانات، فيكون فيها موعظة، وهذا حديث رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح: أن النبي ﷺ قال: إن رجلاً حمل معه خمراً في سفينة يبيعه، ومعه قرد هذا البياع معه قرد، فكان الرجل إذا باع الخمر شابه بالماء يخلطه بالماء ويبيعه ثم باعه، قال بعد ما انتهى البيع يقول: فأخذ القرد الكيس الله سلط القرد على كيس الدراهم، فصعد به فوق الدقل الدقل خشبة معترضة يمد عليها شراع السفينة.
يقول ابن الأثير في كتابه: "النهاية": "تسمى عند البحرية، يعني: القوم البحريين أهل البحر، تسمى عند البحرية: الصاري، فالقرد أخذ كيس الدراهم وتسلق فوق الصاري، قال ﷺ: فجعل يطرح ديناراً في البحر، وديناراً في السفينة قال: حتى قسمه" [رواه أحمد: 8055، وهو في صحيح الترغيب والترهيب: 1770].
الدرهم الذي بقي هل هو للماء أو للخمر؟
هلاك الطاغية على يد ولد تربى في حجره
من مواعظ الأقدار الإلهية: نصر الله للمؤمنين: كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ [البقرة: 249].
من مواعظ الأقدار الإلهية: أن يكون هلاك الطاغية على يد ولد يتربى في حجره، وفي قصره، وتحت سمعه وبصره، هو الذي يغذيه، ويطعمه، ويسقيه، ويلبسه، ويأويه: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص: 7].
وماذا قال بعد ذلك؟ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا [القصص: 9]، وفعلاً نفعها الله به أيما نفع؛ لأنها انتقلت من الكفر إلى الإسلام على يده: عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [القصص: 9].
ومن مواعظ الأقدار الإلهية: أن من يؤثر رضا الله على رضا الناس؛ فإن الله يعطيه الخير في الدنيا والآخرة، كما أخبر ﷺ.
ومن مواعظ الأقدار الإلهية: أن الله يقدر على بعض الناس حادثاً يقنعهم بحكم شرعي
ومن مواعظ الأقدار الإلهية: أن الله يقدر على بعض الناس حادثاً يقنعهم بحكم شرعي: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف: 168].
تقول إحدى الفتيات المعتنقات لمذهب الحرية المطلقة: كنت أتابع بعض الصحف التي فيها محاربة لما يزعمونه بالتشدد، فقرأت مقالة فيها طعن في حد الحرابة، الكاتب يطعن في حد شرعي، حد الحرابة، وأعجبني تعليق ساخر لأحدهم على المقالة: إلى متى أحكام باقية من أربعة عشر قرن تبقى حتى هذا الزمان؟
التوقيع: مقهور من القضاء.
فسارعت إلى تأييده، وكتبت: لا فض فوك! وأؤيد قشع هذا، وتعبنا من التدخل في حرياتنا.
التوقيع: طالبة الحرية.
هذاك الذي قبل مقهور من القضاء، وهذه طالبة الحرية.
تقول: خرجت مع أسرتي في رحلة صيفية، وكنا أربع بنات، وولد عشر سنوات وأمي وأبي، وانطلقنا عصراً، وأقبل الليل وتعب أبي، وخاف علينا من طوارق الليل أنه يقف، فقلت: الدنيا ليل، وما أحد شايف، خليني أنا أسوق بدلاً منك، ما دام أنت خائفاً تقف، وأنت نعسان، أنا أسوق بدلاً منك، فريثما يأخذ غفوة، تقول: وأخذ غفوة، نام، ودخلت في طريق جانبي وما انتبهت، ابتعدت عن الخط السريع، وإذا بثلاثة رجال يحيطون بنا، يوقفوننا، ويخرجوننا، ويقودوننا، ويكممون أفواهنا، ونظر أحدهم إلي بخبث وأشار إلى زميليه، وتضاحكوا، وحاول أبي فك القيد فلم يستطع، وتذكرت جملة: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وأقولها وأتضرع إلى الله، ويسوق الله لنا سيارة كبيرة فيها شباب اتضح بعد ذلك: أنهم ذاهبون للعمرة، ويقفون ويرون الحالة هذه، فيهجمون على هؤلاء اللصوص ويقيدونهم، ويستدعون الشرطة ويسلمونهم، وننجو بعد ذلك، وعرفت قدر ديني، ومكانة الأحكام الشرعية، ولماذا حد الحرابة؟ وكان ذلك سبباً في إنقاذي من الكفر الذي كنت فيه: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ [البقرة: 216].
من مواعظ الأقدار الإلهية: أن يرسل الله إلى الإنسان ما يحب من خلال ما يكره
من مواعظ الأقدار الإلهية: أن يرسل الله إلى الإنسان ما يحب من خلال ما يكره: يقول الحسن: "لا تكرهوا النقمات الواقعات والبلايا الحادثة، فلرب أمر تكره فيه نجاتك، ولرب أمر تؤثره فيه عطبك".
هذا طالب رسب في سنة من السنوات، مرارة الرسوب جعلته يقبل على الدراسة اجتهد حتى حصل على الدكتوراه، وواحد في دفعة من دفعات الجامعة رسب سنة، أعادها، يقول: دفعتي التي خرجت منها، شاع فيها قضية غش في الامتحانات، وتزوير شهادات، وانضرب التوظيف في دفعته، وما كان يوظفوا منها أحد، ولما نحن طلعنا في السنة التي بعدها، كانوا طبعاً ضبطوا الأمور، فأخذونا ووظفونا كلنا، يقول: أنا كرهت أني رسبت، وأنه الآن راحت سنة، ولكن لو أني تخرجت معهم كان راح علي التوظيف، ولكن الرسوب الذي رسبته كان فيه فائدة أنني وظفت في تلك السنة.
من مواعظ الأقدار الإلهية: أن من عير أحداً بشيء أصيب به
من مواعظ الأقدار الإلهية: أن من عير أحداً بشيء أصيب به، من عير أخاه بذنب تاب منه، ابتلاه الله به، النبي ﷺ قال: إذا زنت الأمة وتبين زناها فليجلدها ولا يثرب [رواه البخاري: 2152، ومسلم: 1703] يعني: لا يعيرها، يكفي، الحد الشرعي.
يقول إبراهيم النَّخعي: "إني لأرى الشر أكرهه، فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى به" [الزهد لوكيع، ص: 588].
وقالوا: اجتمع كبار أئمة اللغة وحضرت صلاة جهرية فقدموا أحدهم، سبحان الله، استغلق عليه، ارتج عليه في سورة الكافرون، لخبط فيها، فلما سلم قال الآخر: قارئ أهل الكوفة يرتج عليه في: قل يا أيها الكافرون؟! يقول جاءت صلاة بعدها الجهرية، فقدموا الآخر فارتج عليه في سورة الحمد.
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى | إن البلاء موكل بالمنطق |
ومن اغتر بنفسه في شيء أظهر الله له ضعفه، كي لا يغتر، قتادة قال: "مَا نسيت شيئاً قط" ثم قَالَ لغلامه: ناولني نعلي؟ قَالَ: نعلك في رجلك" [روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ص: 63].
والأمثلة على هذا كثيرة جداً -أيها الإخوة والأخوات- مما يعظ الله به عباده في أقداره.
بعض صور الانحراف في عقيدة القضاء والقدر
لكن هذا موضوع القضاء والقدر قد زلت فيه أقدام، وانحرف فيه فئام، ولذلك لا بد أن نعود إلى تأصيل عقيدة القضاء والقدر في نفوسنا على منهج السلف الصالح الذين يؤمنون أن الله علم كل شيء، وشاء كل شيء، وكتب كل شيء، وخلق كل شيء.
ولذلك عقيدة القضاء والقدر تقوم على أربعة أركان:
علم الله الشامل، ومشيئته النافذة، وكتابته لكل الأقدار في اللوح المحفوظ، وخلق هذه الأحداث واقع.
الآن يجري على هذه العقيدة من أنواع الاعتداءات ما يجري، من إلحاديات الغرب ووثنية الشرق، حتى دخلت في الدورات التدريبية، فصار هناك عدواناً صارخاً، فحركة العصر الجديد صورة من صور الإلحاد والكفر المبطن.
ونظرية الطاقة التي مؤداها: أن هناك خطوط طاقة في الكون تتحرك في الهواء، وفي السماء، وفي كل مكان، وفي جسمك، وأنك إذا استطعت أن تندمج، وتتحد مع خطوط الطاقة تستطيع أن تعمل ما تشاء كيف تشاء متى تشاء.
من الذي يستطيع أن يعمل ما يشاء وقت ما يشاء كيف ما يشاء؟
ليس إلا الله.
ولذلك -يا إخوان- بعض الانحرافات هذه عدوان صارخ على قوله تعالى: كُن فَيَكُونُ [النحل: 40] الله إذا أراد أن يخلق شيئاً كيف يخلقه؟
أن يقول له كن فيكون: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يــس: 82].
خلاص إذا أراد أن يخلق شيئاً، أن يوجد شيئاً أن يقول له: كن فيكون.
ومختصر دورات الطاقة التي تخفي ورائها دورات وثنية جداً تنزيل منزلة الله في الكون -تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً-؛ لأنه مؤداها في النهاية: أنك بالطاقة تخلق البيئة التي حولك، وتخلق وتعمل ما تشاء، فجعلوا الإنسان خالقاً،
ثم جلعوا العلاج بالطاقة ومؤداه أيضاً: أن الطاقة هي التي تشفي، ونزلوا الطاقة منزلة الله تعالى في الشفاء.
وفلسفة الأجساد السبعة، وخصائص الجسم الأثيري، وقانون الجذب، ووثنيات واحتيال.
نأخذ مثالاً: هرم الطاقة، يزعمون أن الشكل الهرمي هذا الذي واجهته مثلثات وقاعدته مربع ومثلثات، هذا الهرم لو جعل فيه شيئاً ما يتعفن ولا يتلف! ولا.. ولا.. وأن الفراعنة جعلوا أجساد أمواتهم فيها وبعض الأطعمة، وعثروا عليها كما هي، وإلخ..،
وإذا أردت أن تحافظ على صحتك تنام في غرفة هرمية الشكل.
فقام بعض الباحثين، وقال: يا جماعة وضعنا طعاماً في شكل هرمي ووضعناه في أشكال أخرى والله ما في فرق لما يلف هذا يلف هذا، ولما فسد هذا فسد هذا، وإذا كنتم تعتقدون أن الهرم هذا يحفظ الصحة روحوا شيلوا الثلاجات التي في بيوتكم وحطوا بدلها هرماً تضعون فيه الشوربة والأطعمة والفواكه إن كنتم صادقين.
قرص الطاقة الحيوي "البيودسك" وقلادة الطاقة، ناس يتاجرون، تخرج إلحاديات غربية، وثنيات شرقية، تدخل الدورات، وتطلع من وراها، تجار وشركات ومصانع وتشتغل وتروج للشعوذة العصرية بين الناس، يقولون: سوار الطاقة، وقلم الطاقة، وأنواع الأحجار التي يسمونها كريمة، والبولورات، والكرستالات المنوعة، وعلى ما يدعون فيها طول عمر، وعلى ما يدعون فيها شفاء، وعلى ما يدعون فيها أنها جاءت من الحوادث، وعلى ما يدعون فيها لحفظ الصحة، وعلى ما يدعون فيها أنها جاءت من العين والسحر.
والله وثنيات.
هذه عقيدة القضاء والقدر عند المسلمين؟
كيف ضاعت عقيد الإيمان بالله؟
كيف ضاع التوحيد؟
كيف وقع شرك الأسباب؟
شرك الأسباب ملخصه: إذا اعتقدت في شيء يضر وينفع فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة.
وإذا اعتقدت أنه سبب ولم يجعله الشارع سبباً، هذا اسمه شرك الأسباب وهو شرك أصغر.
سوار الطاقة، يقولون: فهي طاقة سلبية، وفيه طاقة في الجسم، وإذا حطيت سوار الطاقة تمتص الطاقة سلبية، وتكون أهدأ، وما تغضب.
والله يغضبون وفي أيديهم عشرين سوار طاقة.
ماذا أحجار كريمة؟ ماذا يعني كريمة؟ يعني: تعطينا فلوساً، تنفق علينا.
أنا أبغى ولدي قال: تعطيني ذبيحة.
ما هي الأحجار الكريمة هذه؟ لماذا كريمة؟
لو فيه حجر ينفع في العالم سيكون الحجر الأسود؛ لأنه نزل من الجنة.
يأتي يقول: أحجار كريمة، ياقوت، والعنبر، وكذا، وهذا طاقة، وفيه طاقة، وتطلع طاقة.
الحجر الأسود الحجر نزل من الجنة، عمر -رضي الله عنه- قال: "والله إنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك".
وهؤلاء يقولون: الأحجار، والطاقة، وتأثيرات خارقة.
هذه تمائم العصر، هذه تمائم.
إذا كان من أول خيط وحلقة، هذه الآن الشعوذة العصرية.
ثم يأتي يقول لك: قانون الجذب.
إذا كنت تريد الحصول على شيء، أي شيء اكتب يومياً واحد وعشرين مرة لمدة أربعة أيام: أريد الشيء الفلاني، أريد الشي الفلاني.
بالله عليكم: أين عقول هؤلاء؟
ويأخذون دورات ويدفعون فلوساً، يدخلون في دورة قانون الجذب والطاقة.
يدخلون في دورات يدفعون فلوساً، حتى يعلموا ماذا؟
يقول له: اكتب واحد وعشرين مرة، أريد كذا.
يعني لو واحد كتب: أريد بنتاً لي، واحد وعشرين مرة مدة أربعة عشر يوم، بالله بعد أربعة عشر يوماً هل سيحصل على شيء؟ يعني أين عقولهم؟ فأين تذهبون؟
ممكن يحصل على بنت لي زوجة؟
طيب ما هو دليلكم يا جماعة؟
قالوا: حديث: "تفاءلوا بالخير تجدوه".
أولاً: ليس بحديث.
ثم هل هذا هو معناه؟ ما هو التفاؤل الشرعي؟
التفاؤل الشرعي أنه واحد مريض في المستشفى يسمع واحد ينادي: يا دكتور سليم، يا دكتور سالم، فيتفاءل بالكلمة، وهذه جاءت بدون خطة، بدون تدبير مسبق.
النبي ﷺ كان يفرح إذا طلع في سفر يسمع: يا راشد يا نجيح من الرشد والنجاح، فيتفاءل بها. ما هو تأتي تكتب واحد وعشرين مرة أربعة أيام!
ثم الحديث يقول: ((أنا عند ظن عبدي بي)).
جعل هذه الأحجار ويعتقد فيها، عقائد الجاهلية.
ثم يأتي يقول: هذا قانون جذب القدر.
أنت إذا ركزت ستجذب القدر ويحصل المقصود.
نحن ركزنا .. ! ركزنا .. ! و...، ! ماذا؟!
أنت تركز الآن في الدراسة، وفي الاختبارات، تركز في المعلومات، وتروح الاختبار، وتنسى.
الآن حتجيب السيارات من بر.
تكلف، وتخرص، سبحان الله.
وبعضهم يقول لك: دورات ماذا يعني: التجمد الإرادي للإنسان؟
العلم تقدم وراح يخترعون علاجاً للهرم، وما راح يكون في شيء اسمه الموت.
الآن فيه تجار أغنياء في الغرب يدفعون فلوساً حتى يجمد جثته.
يحطها في ثلاجة يقول: لما يصير هذا العلاج جاهزاً، نطلع، ونرجع الحياة.
قضى الله أنهم لا يرجعون، إذا طلع ما في رجعة، حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا [المؤمنون: 99 - 100] ما في رجعة.
ثم تأملوا الآن -يا إخوان- كيف الآن الوثنية المخالفة لعقيدة القضاء والقدر تنتشر بين الشباب والفتيات عبر هذه الدورات.
في دورة واحدة في عام 2008 باعوا خمسمائة فيل بنصف مليون.
فيل مثل الدمية.
قالوا: لأنه هي التي باعتهم إياها يعني قالت: أن الفيل يحرس الكون ويحميه من الشر.
هذا تمثال للمعبودات الهندية.
وواحد قال: امرأة حضرت الدورة اشترت دمية بألف، وصندوق أحمر للرزق بألفين، والدورة قيمتها ثلاثة آلاف،
كيف الخداع والدجل والنصب والاحتيال؟
خمسة آلاف ريال!
أيش صندوق الرزق الأحمر هذا؟
هذا قدر، الذي عنده الإيمان بالقضاء والقدر صحيح يعلم: قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا [مريم: 75]، وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً [الأعراف: 146].
وبعضهم يريدون تلبيس هذه الدورات بألبسة شرعية، إما يأتوا بشخص هيئته كأنه هيئة صاحب دين يقدمها، وإلا يضعوا عليها بعض الآيات والأحاديث مثلما وضعوا على قانون الجذب: ((أنا عند ظن عبدي بي)) ماله دخل الحديث القدسي الشريف بباطلهم ، ولا يمت إليه بصلة.
يحرفون بعض الكلمة، مثلاً إسقاط النجمي، هذه دورة راح ندخلك في دورة إسقاط النجمي، نخلي روحك تطلع وتلف وتدور في عوالم وتجيب لك أخبار وعلوم، أين؟
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ [الزمر: 42] هذا تفسيرها الآن؟
ثم من الذي يخرج الروح من النائم ويعيدها إليه؟
مشرف الدورة؟ مقدم الدورة؟
هذا الذي يطلع الروح ويخليها تلف، وإلا الله الذي يتصرف في الأرواح كيف يشاء . وأحياناً يخلطوها بحكم بعض التشريعات، يحرفون معاني آيات وأحاديث.
أحياناً كيف يدخلوا علينا الخرافة والدجل؟ يقول لك: هذه الأسماء التسعة والتسعين الحسنى اكتشفنا أنه كل واحد له وزن! وكل واحد له طاقة إشعائية معينة، وكل واحد له دور، وكل واحد له علاج، الجبار ينفع في كذا، والفتاح ينفع في كذا، ووجدنا بتجربة، والتجارب أن العليم في كذا، والخبير في كذا.
وقد ردت اللجنة الدائمة للإفتاء على هذا الباطل، وأنه هراء ودجل وشعوذة.
وهذا يكاد من الإلحاد في أسماء والصفات.
الله تعبدنا بأسمائه وصفاته، كيف؟
نعرف معناها، نعمل بمقتضاها، لما أعرف أن الله الرزاق ما أسأل غيره، ولا أتوكل على غيره في الرزق.
العقيدة الصحيحة في القضاء والقدر آخذ بالأسباب الشرعية، وليس بهذه الأسباب الغير شرعية، وليس بهذا الدجل والشعوذة.
ويزعمون مثلاً على دورة التخاطب عن بُعد، ويستدلون بحديث عمر مع سارية.
يا جماعة أولاً: عمر من أولياء الله، ولله كرامات، أكرم عمر بها.
الآن الذين يقدمون الدورات هؤلاء عندكم أصحاب كرامات مثل عمر ؟ مالكم كيف تحكمون؟
وقدر رد شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن الناصر البراك -نفع الله به- على من استدل بقصة عمر مع سارية في دورات الإسقاط النجمي بأن هذا يعني قصة عمر وسارية من قبيل كرامات الأولياء، من نوع الخارق البصري والسمعي، فعمر رأى وسارية سمع، مع بعد ما بينهما.
وقال الشيخ: هذا أصبح الآن في استخدام الجولات واقع موجود الآن، ولذلك مالها علاقة بدورة إسقاط النجمي إطلاقاً حادثة عمر مع سارية.
وبعضهم دخل الإسراء والمعراج وأنه الروح كذا، فرد عليهم الشيخ في فتواه، قال: الإسراء والمعراج بالبدن وبالروح، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء: 1] يعني: جسداً وروحاً، قال: والعبد اسم لمجموع الروح والبدن، وهذا أدل على القدرة الإلهية، والفضيلة النبوية.
وبعضهم يقول: الذي يأكل كذا تمر يطلع حوله هالة زرقاء، حول الجسم، طيفية، تشكل درعاً واقياً، وحاجزاً منيعاً بالأمواج الكهرومغناطيسية التي تأتي الجن والسحر والعين، وإلخ...
بالله عليكم هل أنتم رأيتم الهالة الزرقاء؟ الطيفية؟ قستم الإشعاع الذي فيها؟ عندكم أجهزة قياس الإشعاع للهالة الطيفية الزرقاء؟
صورتموها بكاميرات حرارية؟
أو استعملتم الأشعة فوق البنفسجية، وتحت الحمراء؟ أو ماذا فعلتم؟
حتى الكفرة يردون على هذا الكلام أنه غير مثبت.
يأتي هؤلاء ويقولون: السجود على الأعضاء السبعة يمتص الطاقة السلبية، ويفعل، ويفعل، لترويج دروات الطاقة.
ماله علاقة -يا أخي-، هذه عظام تسجد على الأرض إذعاناً لمولاها وخالقها -سبحانه وتعالى-، وتضع جبهتك وأنفك على الأرض وهي أعلى ما فيك إذعاناً لمولاك.
يأتي هؤلاء يحرفون الكلم عن مواضعه.
يأتي هؤلاء يجعلون من هذه الأباطيل ويقول: حفظ القرن في ثلاثة أيام، وتتخيل تأخذ نفساً عميقاً، وتغمض عينيك، وتقرأ الآية ثلاثة مرات تنطبع في اللا وعي، وتنطبع في العقل الباطن.
وسنعطيك دورات أخرى هذه لاحقاً لكي تستخرج هذه الأشياء من العقل الباطن واللا وعي.
كيف نستخرج؟ وأعطونا هذا الشيء الذي ما علمه الشافعي والبخاري، وعلمتموه أنتم؟
في الحفظ يقولون: هذه المجلدات تستطيع بثلاثة أيام، تحفظها؟
قراءة تصويرية، اسكانر؟
وكما تتخيلها خلاص، وأنها بعد ثلاثين سانتي، وطلعت فوق ثلاثين سانتي، والآن وبعدين ما في شي، دجل، ما في شيء.
وهكذا، وهكذا مرة تدخل في البرمجة العصبية مع أنه هذه من أخفها، غير قانون الجذب الجرافولجبي، يأتي يقول لك: تحليل النفسية من خلال الخط والتوقيع.
أحياناً يقول: التوقيع المنبسط يدل على نفسية سهلة منبسطة.
والتوقيع المعقد يدل على نفسية معقدة.
أثبتوا بالتجارب أنه فيه أصحاب وتواقيع معقدة وهم من أسهل شيء في التعامل.
وأصحاب شخطتان في التوقيع وهو من أعقد شيء في التعامل.
ثم قالوا: مزور التواقيع، الذي يزور المعقد والسهل والصعب ماذا مكانه من الإعراب هذا؟ وماذا تطلع شخصيته؟
ويا ليت القضية لو قال: وقفت على أنه التوقيع الخط المعقد والخط المكرمش والخط المنبسط والأشياء الواقفة والأشياء النازلة كان يعني؟
لا، يقول: صاحب هذا الخط تعرض إلى حادثة وعمره عشر سنوات، وهذه يمكن حامل الآن وسوف تفعل كذا، وسيحدث كذا وكذا.
هذه هي الشعوذة، قراءة الفنجان، وقراءة الكف، والضرب في الودع، والخط في الرمل، وقراءة كرة الكريستال، وشعوذة، تدخل في البرافولوجي، تدخل من هنا، وتخرج من هنا.
ليت الدورات صارت دروات تدريب موظفين، دورات إدارية، دورات كيف تضع أهدافك مثلاً؟ ما البدائل؟ كيف تتخذ قراراً؟ ميزانية الأسرة، هذه أشياء مفيدة.
ممكن يقول لك: كيف تقرأ كتاباً وتستفيد منه؟ كيف تلخص؟ وكيف تضع النقاط؟
أشياء مفيدة عملية، ما هو كل الدورات باطل.
لكن في أشياء وصلت -يا إخوان- إلى هذه الدورات على خلاف ما أنزل الله، إيه والله، مخالفة لعقيدة التوحيد ولعقيدة القضاء والقدر.
حتى أن بعضهم يسوي كذا، يقول: هذه الطاقة بس، هذه كذا، حركات معينة.
طيب عندك الرقية -يا أخي-.
وإذا تريد حركات النبي ﷺ كما ثبت في البخاري يمسح بيمينه.
قال ابن حجر: "تفاؤلاً بزوال الوجع"
تقرأ وتنفث، وتمسح بيمينك.
امسح على العضو المصاب، قال العلماء: "تفاؤلاً بزوال الوجع".
بدلاً من أن تأتي الناس بهذه التراهات، وهذه الشعوذات التي مع الأسف صارت تدفع الأموال من أجلها.
وأذكر مرة أخرى: بأن الدورات على نوعين: دورات مفيدة للمدراء، دورات إدارة المشاريع الاحترافية، بي أم بي من أعظم الدورات، ويمكن أن تنفع في إدارة المشاريع الدعوية.
دروات تنفع للأزواج، والزوجات.
دورات تنفع في تربية الأبناء.
دروات تنفع في الميزانية والتخطيط.
فيه دورات نافعة كثيرة.
غير -طبعاً- الدورات الشرعية على رأس الدورات.
نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً إنه هو العليم الحكيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-
رامي محمد نجيب
كيف لا وهو مالك الملك ذو الجلال و الاكرام ’ له الملك و إليه ترجعون , اللهم إجعلنا من التوابين و المتطهرين أمين يا رب