الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب71-70.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إنه الزلزال الأعظم
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌسورة الحـج1-2.
إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً سورة الواقعة4-7.
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهسورة الزلزلة1-8.
عن عمران بن حصين : أن رسول الله ﷺ قال وهو في بعض أسفاره وقد تفاوت بين أصحابه السير، رفع بهاتين الآيتين صوته: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌسورة الحـج1-2. فلما سمع أصحابه بذلك حثوا المطي، وعرفوا أنه عند قول يقوله، فلما تأشفوا حوله، قال: أتدرون أي يوم ذلك؟ ذاك يوم ينادى آدم ، فيناديه ربه : يا آدم ابعث بعثك إلى النار، فيقول: يا رب وما بعث النار؟ فيقول له: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، فأبلس أصحاب النبي ﷺ، حتى ما أوضحوا بضاحكة، ولا ظهر لهم سن من الأسنان التي تظهر عند الضحك، وفي رواية البخاري: تغيرت وجوههم ثم أخبرهم ﷺ: أن يأجوج ومأجوج ما كانتا في شيء إلا كثرتاه، وقال: أبشروا واعملوا وأمرهم بالعمل، بعمل الصالحات وإرضاء الله ، هذا الحديث رواه الترمذي وهو صحيح[رواه الترمذي 3169]. فإذن من الأشياء التي تكون يوم القيامة زلزال عظيم جداً، وهو أعظم زلزال على الإطلاق، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَىسورة الحـج2.
وقال بعض العلماء: "إنه يكون في آخر الدنيا على مشارف يوم القيامة، فإذا تكلمت الأرض فهذا في يوم القيامة، هذا الزلزال ليس من زلازلنا الآن، إنما هو زلزال عظيم جداً، إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَاسورة الزلزلة1-5.
تتزلزل الأرض زلزالاً عظيماً، وتتكلم، وتخبر بما فعل عليها من خير، أو شر، فيا أيها الإنسان: اعمل ما شئت فإن الأرض التي أنت عليها تسكن، ستحدث يوم القيامة بما عملت عليها من خير، أو شر، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَاسورة الزلزلة4-5.
الزلازل عذاب من الله
وكان الزلزال ولا يزال من العذاب الذي يرسله الله على من يشاء من خلقه، فكان عذاب قوم شعيب، كان عذاب قوم شعيب الزلزال، من العذاب الزلزلة، قال الله عن قوم شعيب: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ سورة الأعراف78.هلكوا عن آخرهم، وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ سورة الأعراف155. ابتهل موسى إلى الله، قال المفسرون: "كانوا لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل، هؤلاء السبعين، لم يزايلوا قومهم في عبادتهم العجل، ولا نهوهم، فكان هذا من أسباب أخذهم بالرجفة".
وقال الإمام مجاهد رحمه الله في قول الله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْقال: الصيحة، والحجارة، والريح، وقال الله: أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْسورة الأنعام65.قال مجاهد رحمه الله: "الرجفة والخسف، وهما عذاب أهل التكذيب" وعن مجاهد قال: "عذاب أهل التكذيب بالصيحة والزلزلة". إسناده صحيح.
فالله يرسل العذاب من الأعلى والأسفل، من فوق ومن تحت، ولذلك في الدعاء العظيم اللهم إني أسألك العفو والعافية، في الدنيا والآخر، اللهم إني أسألك العفو والعافية، في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي[رواه ابن ماجه3871]. قال وكيع: هو الخسف، أن أغتال من تحتي. هذا من أدعية الصباح والمساء، التي ينبغي على المسلم أن يحافظ عليها، والشاهد من الحديث قوله ﷺ: وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي؛ لأنه عذاب شديد، لأنه أخذ شديد، ومن أشراط الساعة: كثرة الزلازل، قال ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل[رواه البخاري 1036]. هذا من أشراط الساعة. رواه الإمام البخاري رحمه الله.
كثرة الزلازل، وفي الحديث الصحيح الآخر، الذي رواه الإمام أحمد، وأبو داود، قال ﷺلأحد الصحابة: يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، قالوا: هو انتقال الخلافة من المدينة إلى بلاد الشام في عهد بني أمية، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك[رواه أبو داود2535 وأحمد 21981]. فكثرة الزلازل، ووقوعها، دلالة على قرب قيام الساعة، وهي من وجه رحمة من الله، الله يكفر بهذه الزلازل أموراً كثيرة من الذنوب، والمعاصي، والآثام، قال رسول اللهﷺ: أمتي هذه أمة مرحومة، إنما عذابها في الدنيا الفتن، والزلازل، والقتل، والبلايا.[رواه أبو داود4278]. حديث صحيح، فالزلازل إذن آية من آيات الله، يخوف الله بها عباده.
الزلازل آيات يخوف الله بها عباده
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده، كما يخوفهم بالكسوف، وغيره من الآيات" والحوادث لها أسباب، وحكم، فكونها آية يخوف الله بها عباده هي من حكمة ذلك.
فإذن: الزلازل آية يخوف الله بها عباده، وكون الزلازل لها أسباب يشرحها علماء الأرض المقصود بهم طبعاً، علماء طبقات الأرض، هذه الأسباب لا تنفي كون هذه الزلازل آيات يخوف الله بها عباده، مثل الكسوف له سبب، وله حكمة، السبب معروف من وقوع الكواكب الثلاثة: الأرض، والشمس، والقمر، في مسافات معينة، في ترتيب معين، فيكون كسوفاً، أو خسوفاً، لكن الحكمة، يخوف الله بها عباده، فينبغي أن لا يخلط المسلم، بين السبب، والحكمة، وينبغي أن لا يشغله السبب عن الحكمة؛ لأن الماديين الأرضيين، الذين لا يؤمنون بالله رباً، ولا بالإسلام ديناً، ولا بمحمد نبياً، إذا عرضوا قضية الزلازل، فقصارى عرضهم للزلازل، فقصارى عرضهم لقضية الزلازل، أنهم يتكلمون عن تحرك الصفحات الأرضية، وعن الموجات، والاهتزازات، هذا حسبهم، لكننا نحن إذا سمعنا بها، عرفنا نحن المسلمين، أن هذه مجرد قضية أسباب للزلزال، السبب الدنيوي، لكن الحكمة، يخوف الله بها عباده.
وهؤلاء كثيراً ما يكذبون، فيقولون: نتوقع زلزالاً ولا يحدث، أو لا يتوقعون شيئاً أصلاً، ولا يخبرون عنه بشيء، أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، فاختلطت حساباتهم، وكان الزلزال مفاجأة للجميع، لم يتنبأ أحد به، ولم يخبر عنه، بل إن الزلازل تحدث في العادة في المناطق الساحلية كما يقولون؛ نتيجة تحرك الصفحات الأرضية، وقرب البحار، ونحو ذلك، أما أن يضرب الزلزال في وسط قارة، في وسط الأرض فهذا ما لم يكن لهم بحسبان، فأين حساباتهم؟ وأين تنبؤاتهم؟ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُسورة النمل65. كل هذه آيات، يا أيها الناس: قد خلت النذر من بين أيدينا، ومن خلفنا، كل هذه أمور من الله، يخوف الله بها عباده، له في ذلك حكم ، ولذلك فإنه يجب اللجوء إلى الله، إن قضية الحسابات، والأرقام، ومقياس رختر، لا يقدم، ولا يؤخر في القضية، الآن حصل ما حصل، والمسألة هي اللجوء إلى الله، أما تحليلها علمياً، وفي حسابات أرضية، وقد ظهر فشلهم في كثير من الأشياء، وخابت توقعاتهم، بل إنهم فوجئوا كما فوجئ غيرهم، المقصود قول الله : وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًاسورة الإسراء59. لكن أين الذي يخاف؟ وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًاسورة الإسراء59. فأين الذي يخاف؟
قال الله : وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا سورة الإسراء60. بعض الناس لو حصلت الزلازل، بعضها وراء بعض، وتتابعت، ليس هناك فائدة، قلبه ميت، مظلم، صلب، لا يدخل إليه شيء، ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً، ولذلك مهما حدث من الزلازل، والخسف، والآيات، فإن بعض القلوب القاسية لن تتحرك، ولن تلين، وستستمر في الكفر، والعجرفة مهما حصل لها، أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَسورة التوبة126. ونرسل الآيات، الآيات يرسلها الله للناس، لأجل أي شيء؟ ليحسبوها بمقياس رختر! هذا هو السبب، هذه هي الحكمة، إنما يخوف الله بها عباده، وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًاسورة الإسراء59. من الحكم في الآيات، لجوء الناس إلى الله، تضرعهم إلى الله، فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَسورة الأنعام43. فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ لولا فعلوا ذلك، هلا فعلوا ذلك؟ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ الرسول ﷺ، لما نزل عليه قول الله : قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ قال: أعوذ بوجهك أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْسورة الأنعام65.- الخسف والزلازل - قال: أعوذ بوجهك.[رواه البخاري 4628].
أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُسورة الملك16. سبحان الله، سبحان الله، ولذلك العلماء لما تكلموا في موضوع الزلازل - ونقصد علماء الشريعة - تكلموا في هذا المبحث عن اللجوء إلى الله، تكلموا عن الصلاة.
هل يصلى عند حدوث الزلازل؟
وهل يصلى للزلازل كصلاة الكسوف أم لا؟ وهل يجتمع الناس للصلاة أم أنهم يصلون متفرقين؟
أخرج البيهقي رحمه الله بإسناد صحيح عن ابن عباس: "أنه صلى في زلزلة بالبصرة فأطال القنوت، ثم ركع، ثم رفع رأسه، فأطال القنوت، ثم ركع، ثم رفع رأسه، فأطال القنوت، ثم ركع، وسجد، ثم قام في الثانية، ففعل مثل ذلك، فصارت صلاته ست ركعات، وأربع سجدات. قال ابن عباس: هكذا صلاة الآيات". هذا قول من أقوال أهل العلم، يصلى لها كصلاة الكسوف.
وعن جعفر بن برقان قال: "كتب إلينا عمر بن عبد العزيز في زلزلة كانت بالشام: اخرجوا يوم كذا، ومن استطاع منكم أن يخرج صدقة فليفعل، فإن الله تعالى يقول: قال: قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى سورة الأعلى14-15. وإسناده حسن.
قال الشافعي رحمه الله في الصلاة للزلازل: "آمر بالصلاة منفردين، ويستحب أن يصلي منفرداً، ويدعو، ويتضرع، لئلا يكون غافلاً".
إذ بالرغم من هذه الأشياء يغفل الناس - هذه مصيبة - كل هذا التذكي،ر وهذا التخويف، ثم الناس قلوبهم جامدة، يتحدثون في الأشياء العلمية -هذه مصيبة- لئلا يكون غافلاً، يصلي منفرداً، يصلي، ويدعو، ويتضرع إلى الله ، النبي ﷺ كان إذا حزبه أمر، إذا كربه أمر، صلى، أقبل على الصلاة.
قال: وكذلك سائر الآيات كالصواعق، والريح الشديدة.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: "يصلى للزلزلة الدائمة؛ لأن النبي ﷺعلل الكسوف بأنه آية يخوف الله بها عباده، والزلزلة أشد تخويفاً، فأما الرجفة فلا تبقى مدة تتسع للصلاة أصلاً، فأما الرجفة فلا تبقى مدة تتسع للصلاة".
فإذن: من العلماء من قال: يخرجون يصلون مثل صلاة الكسوف جماعة، مثل هيئة صلاة الكسوف، وبعضهم قال: يصلوا منفردين، كالإمام الشافعي رحمه الله، وبعضهم قال: مثل صلاة الكسوف، وبعضهم قال: صلاة عادية، إذا رأيتم آية فاسجدوا رواه أبو داود بسند صحيح.[رواه أبو داود1197].فإذن ينبغي الفزع إلى الصلاة. والخروج من المباني عند الزلزال، ليس من الأمور المذمومة، وإنما هو اتخاذ أسباب النجاة، لكن بالأناة، والرفق، والحكمة، وقد كان المسلمون يفزعون إلى الصلاة، عندما تحدث فيهم الزلازل، يعني الزلازل قد حدثت، فمن الأمور ما قاله الإمام الذهبي رحمه الله، في كتابه العبر، في حوادث سنة مائتين واثنين وثلاثين للهجرة: كانت الزلزلة المهولة بدمشق، ودامت ثلاث ساعات، وسقطت الجدران، وهرب الخلق إلى المصلى يجأرون إلى الله، وهذا هو الشاهد، وهرب الخلق إلى المصلى يجأرون إلى الله، ومات كثير من الناس تحت الردم، وامتد إلى أنطاكية.
وفي حوادث سنة مائتين وثلاثة وثلاثين للهجرة، ذكر ابن عساكر رحمه الله في تاريخ دمشق فقال: "زلزلت دمشق يوم الخميس ضحى، فقطعت ربع الجامع، وتزايلت الحجارة العظام، يعني عن أماكنها، ووقعت المنارة، وسقطت القناطر، والمنازل، وامتدت في الغوطة، فأتت على داريا، والمزة، وبيت لهيا، وغيرها، وخرج الناس إلى المصلى يتضرعون، إلى قريب من نصف النهار، فسكنت الدنيا. وهذا هو الشاهد، خرج الناس إلى المصلى يتضرعون، إلى قريب من نصف النهار، فسكنت الدنيا، وعاد الأمر إلى الهدوء".
ومن الأمور التي تندب أيضاً عند حدوث هذه الآيات: وعظ الناس، وتخويفهم بالله .
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف بسند حسن عن صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر، قالت: زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر فخطب عمر الناس فقال: أحدثتم، لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم. قال: ما حصل إلا بسبب أمر ارتكبتموه وذنوب اقترفتموها، قال: أحدثتم، لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم.[رواه ابن أبي شيبة 8335 والبيهقي6377]. يعني: يعظهم ويذكرهم بالله .
هذا ما ينبغي فعله، من اللجوء إلى الله، والصدقة، وقال العلماء: العتق وهو من أنواع الصدقات، فإذن لجوء إلى الله، وذكر، وتضرع، ودعاء، وصدقات.
نسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يجعلنا آمنين مطمئنين، وأن يدفع عنا الزلازل، والمحن، والبلايا، وأن يجعلنا وإياكم ممن بات في سربه آمناً، وممن حفظه الله بالإسلام قائماً، وقاعداً.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، أشهد أن لا إله إلا الله، يفعل ما يشاء، وأشهد أن لا إله إلا الله، الحي القيوم، مالك الملك، يفعل في خلقه ما يشاء، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، له الحكمة البالغة، فلله الحكمة البالغة، يفعل ما يشاء، هو الذي خلق الخلق، إن شاء أحياهم وإن شاء أماتهم، وهم داخلون في ملكه، وهم المقهرون الأذلاء بين يديه، إن شاء صعقهم، وإن شاء خسف بهم، وإن شاء رحمهم، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، مالك الملك يفعل ما يشاء، لا اعتراض على حكمه، ولا خروج لأحد عن علمه، ولا عن فعله، ولا عن اختياره ، وله في كل فعل حكمة، وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن محمداً رسول الله ﷺ، صلى الله عليه صلاة دائمة إلى يوم الدين، صلى الله عليه بما هدانا، وعلمنا، وأرشدنا، وذكرنا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
هل الزلازل ابتلاء أم عقوبة وما الفرق بينهما؟
أيها المسلمون: هل الزلازل ابتلاء أم عقوبة؟
ما هو الفرق بين أن تكون ابتلاءً أو عقوبة؟
إذا كانت ابتلاء فهي لتكفير ذنوب، إذا كانت ابتلاء لرفع درجات، وزيادة حسنات، فقد تكون لأتقى خلق الله، الابتلاء قد يكون لأتقى خلق الله، ولو لم يعمل معصية، يزيد الله في حسناته، ويرفع درجاته في الجنة.
أما إذا كان عقوبة فإنه يكون للمعصية، للشرك، للتوسل إلى الأموات، والطواف بالأضرحة والقبور، وتقبيل الأعتاب، وترك الشريعة، وتحكيم الجاهلية، والكفر بالله، وشرب الخمور، وارتكاب الموبقات، والملاهي، والمحرمات بأنواعها، وأكل الربا، وعقوق الوالدين، ونحو ذلك، وتولي الكفر، والتبرؤ من الإسلام وأهله، هذه من أسباب العقوبة.
هل يمنع أن يكون الحدث ابتلاءً, وعقوبة في نفس الوقت؟
الجواب: كلا، فإنه ابتلاء للمؤمنين، فكل مؤمن أصابه من البلاء ما أصابه, وهو طائع لله، يدعو إلى الله، متمسك بدين الله، موحد لله غير مشركٍ به، فإنه ابتلاء في حقه، فإذا مات، أو سقط عليه البناء، أو جرح، أو كسر، أو مات له أولاد، أو زوجة، أو أقرباء، وانهدم بيته، وتهشمت سيارته، وعدم أثاثه، ونحو ذلك، هذا في حقه ابتلاء، يزيد الله في حسناته، ويرفع في درجاته.
أما إذا كان من المتولين عن الله، المعادين لدين الله، الخارجين عن طاعة الله، فهذا في حقه عقوبة، وشر مستطير نزل به، قد يرجع إلى الله فيتوب، وهذا هو المرجو، الله يذكرنا لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَسورة الأنعام42. لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَسورة آل عمران72.لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَسورة البقرة221. وقد لا يحدث له إلا الزيادة في الكفر، والزيادة في المعاصي، وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًاسورة الإسراء60.
هل يكون العذاب على الجميع؟
السؤال الثاني: هل يكون الحدث على الجميع؟
الجواب: قالت الصحابية الجليلة للنبي ﷺ: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث[رواه البخاري 3346].
يا أيها الناس: أنصتوا، قال: نعم إذا كثر الخبث- انتشر- يهلك الجميع إذا كثر الخبث إلا المصلح، أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍسورة الأعراف165. والفرق بين الصالح والمصلح: أن الصالح، صالح في نفسه، لكن لا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، ولا يجاهد في الله، أما المصلح: الذي يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، سبب لحدوث العذاب، ونزول الانتقام من الله على الصالح، والطالح، أما الذين ينهون عن السوء، فهؤلاء قد يكون لهم ابتلاء، يرفع الله درجاتهم، وقد ينجيهم ربهم، بسبب أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، إذا كثر الخبث، إذا ظهر الفساد، إذا ترك الأمر، والنهي، نزلت العقوبة على الجميع، ولذلك يجب أن نكون أمارين بالمعروف، ناهين عن المنكر، نجاهد في الله حق جهاده، وإلا فالويل لنا جميعاً بلا استثناء، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَسورة هود117.إذا سكتوا عن الظالم، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده، إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه[رواه أحمد1].
ما هي حكمة الله في حدوث الزلازل؟
هل للحوادث والزلازل حكم من الله؟ - طبعاً - هي كثيرة فمنها: تذكير الأقوام، وتخويفهم، وتذكير من حولهم، وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْسورة الرعد31. لعلهم يعقلون، لعلهم يرجعون، وتكون العقوبة: انتقام من الله لأهل الباطل، انتقم منهم، وهذا أمر آخر، وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌسورة هود102.
ثالثاً: إشغال أهل الباطل بأنفسهم، عن الكيد لأهل الحق، فيكونون مندفعين في الكيد لأهل الحق، ومحاربة المصلحين، ومحاربة الدعاة إلى الله، فيشغلهم الله بأنفسهم.
رابعاً: اصطفاء شهداء لله، إذا كان الإنسان تقياً مقبلاً على الله، فأصابه زلزال، فقبضت روحه، أو حصلت له جراح، وكسور، وابتلي في ماله، وأهله، فماذا يكون؟ أما إذا مات في مثل الزلازل، فإني لا أظنه إلا داخلاً في حديث المصطفى ﷺ: وصاحب الهدم شهيد[رواه النسائي1846]. والهدم: يعني الذي ينهدم عليه بيته، ويذهب في هذه الحادثة، فهو شهيد، شهيد تجري عليه أحكام الشهداء - يعني شهيد الآخرة - أما في الدنيا فإنه يؤخذ، ويغسل، ويكفن، ويصلى عليه، مثله مثل بقية الأموات، لكنه في عداد الشهداء، والشهداء مراتب، أعلاهم قتلى المعارك في سبيل الله، وصاحب الهدم شهيد[رواه النسائي1846]. فإذن الذين يموتون تحت الأنقاض، إذا كانوا من عباد الله الموحدين، فإن هذه نرجو أنها لهم شهادة.
وكذلك من الحكم: إظهار أهل الخير على خيرهم، فإنكم تسمعون، ونسمع جميعاً، ما حصل من قيام الوعاظ بالتذكير، والخطباء المصلحين بأمر تنبيه الناس على الذنوب والمعاصي، في البلاد التي أصابتها الزلازل، وكذلك قيام الدعاة، وأهل الخير، بإغاثة المنكوبين، ومساعدة المحتاجين، وإغاثة الملهوفين، ومد يد العون لهم، وهذا فيه فائدة عظيمة وهي: إظهار الحق للناس، وأن أولى الناس بالناس، هم الدعاة المصلحون، هم الذين إذا حصلت الفتن، قاموا يذكرون، وإذا نزلت الكوارث وحلت، قاموا يساعدون، يدفعهم الدافع الإيماني، والرغبة في الثواب، ولذلك فإنهم يحتبسون الأجر من الله، في تقديم كل مساعدة، إلى من يحتاج إلى مساعدة، رغم قلة الإمكانيات، وضعف الذات، يقدمون ما لديهم، فيتعلم الناس كما تعلموا في كثير من الأزمات، أن أولى الناس بالناس، هم الدعاة المصلحون، أهل الخير المستقيمين أول من يعاون، وأول من يشارك، وأول من يساهم بدون رواتب، بدون مرتبات، قاموا لله أطباء، ومهندسين، قاموا لله يساهمون في مساعدة الناس، بدون رواتب، احتساب، احتساب، ولله حكم في تحطم معابد أهل الوثنية، والآثار الجاهلية، لله حكم لو جلسنا نتأمل في حكم الله، في الأحداث الواقعة، والله ما ننتهي، لو كان عندنا عقل، أو ألقينا السمع ونحن شهداء.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا آمنين في أوطاننا، اللهم باعد بيننا وبين الزلازل، والمحن، واجعلنا آمنين مطمئنين، وسائر المسلمين يا رب العالمين، اللهم احفظ بلدنا، وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، اللهم ادفع عنا، وعن المسلمين البلاء، اللهم ادفع عنا، وعن المسلمين كيد الأعداء، اللهم اكفف عنا وعن المسلمين الخسف والعذاب، تبنا إليك، تبنا إليك، اللهم تبنا إليك فلا تعذبنا، اللهم تبنا إليك، ورجعنا إليك، اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءوَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.