السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أرحب بكم جميعاً -أيها الإخوة-، وأسأل الله -تعالى- أن يجعل مجلسنا هذا نافعاً مباركاً.
وأريد أن أتحدث عن استثمار العمر بالقرآن الكريم.
مدارسة القرآن وتدبره
القرآن -أيها الشباب أيها الإخوة- أعظم كتاب وأعظم رسالة، ومعجزة الدين الباقية هي هذا الكتاب.
هناك مجهودات كثيرة لخدمة القرآن، يوجد حلق تحفيظ، حلق تجويد، والحمد لله منتشرة في طول العالم الإسلامي وعرضه، وهذه نعمة كبيرة.
ولا بد أن يوجد في المسلمين حس تلاوة القرآن كما يريد الله: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ [البقرة: 121] تجويد الحروف، معرفة الوقوف، وحفظ نص القرآن في الصدور: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت: 49].
لكن -أيها الإخوة- هناك عبادة شبه المنسية وسنة شبه المفقودة، وهي: مدارسة القرآن وتدبر القرآن.
الله أنزله كتاباً مباركاً لماذا؟ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص: 29].
الوظيفة التي أنزل القرآن من أجلها، المقصد الإلهي الكبير: التدبر.
لكن لو سألت الآن الإخوان، والناس قادمون على رمضان: ماذا تفعلون؟ وماذا تنوون أن تفعلوا؟
فسيقولون لك: إننا نستعد بالختمات، عندنا ختمة ماشين فيها، وفي رمضان إن شاء الله سننهي ختمة كاملة.
فالجهد منصب على الختم، الجهد منصب على القراءة، وفيه حلق التحفيظ، وفيه دورات كيف تحفظ القرآن في شهر؟ فيه دورات التحفيظ، ودورات التجويد، وفيه حلق التلاوة، وفيه ختمات فردية.
لكن إذا سألنا سؤالاً الآن وقلنا: يا أيها الشباب: ماذا تقرؤون في صلواتكم في الغالب؟
فربما يقول الشباب: نقرأ قصار السور.
فإذا سألنا الشباب أو سألنا العامة من الناس، تقرءون قصار السور في الصلوات، فما معنى الخناس؟ ما هو الغاسق؟ ما معنى وقب؟ ما معنى الصمد؟ ما معنى ضبحاً؟ ما معنى لإيلاف؟ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ [قريش: 1] ما معنى إيلاف؟
فربما لا نجد جواباً عند الكثيرين، لا يعرفون معاني السور القصيرة، ومعاني الكلمات في السور القصيرة هذه، فضلاً عن السور الطويلة.
معنى ذلك -أيها الإخوة- أن هنالك تقصيراً شنيعاً في حق الكتاب العزيز.
وإذا كان فيه ناس يهجرون التلاوة ففيه ناس يهجرون المعنى، وإذا كان فيه ناس يهجرون التجويد ففيه ناس يهجرون العمل.
وتبقى السنة المهجورة في مسألة المدارسة نادر من يعمل بها، هذه السنة كان يقوم بها الرسول الملكي مع الرسول البشري؛ فقد ثبت في صحيح البخاري: أن جبريل كان يلقى النبي ﷺ كل ليلة من ليالي رمضان فيدارسه القرآن [رواه البخاري: 6، ومسلم: 6].
المدارسة ما هي؟
المدارسة على وزن مفاعلة.
والوزن هذا يقتضي المشاركة بين اثنين فأكثر، كاتَب، سابق، بين اثنين فأكثر، دارس.
من منكم بالله قد جلس جلسة مدارسة للقرآن؟ وما هي أقرب مناسبة جلست فيها يا أخي جلسة مدارسة؟
-طبعاً- المدارسة، المذاكرة، المعارضة؛ لأنه ورد في بعض الروايات: يعارضه القرآن [رواه البخاري: 3220، ومسلم: 2450] معناها هذا يقرأ وهذا يستمع، ثم الآخر يقرأ والأول يستمع، ثم يتبادلان ما في الآيات من الفوائد والاستنباطات والمعاني.
فالمدارسة جولان الفكر في معاني القرآن.
المدارسة تبادل الفوائد فيما يستفاد، ما يؤخذ، ما يستنبط من القرآن.
مدارسة القرآن ليست خاصة برمضان
المدارسة هذه -أيها الشباب- عبادة نبوية عظيمة ليست خاصة برمضان: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا ذكر السكينة والرحمة والملائكة والذكر عند الله غشيتهم نزلت عليهم، حفتهم، وذكرهم الله فيمن عنده [رواه مسلم: 2699] تغشيةٌ وتنزلٌ وحفٌ وكتبٌ عند الله.
هذه الجزاءات العظيمة تدل على عظم العمل، فإن تنزل الرحمة، وحف الملائكة، وغشيان السكينة، والذكر عند الله؛ هذه معناها أنهم قاموا بشيء عظيم.
المدارسة ناشئة عن تدبر، والتدبر ناشئ عن معرفة التفسير، وما يمكن يحصل تدبر ومدارسة إلا بعد معرفة التفسير.
أنت الآن خذ على سبيل المثال: لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ [قريش: 1] لو رجعت للمعنى وقلت: لِإِيلَافِ يعني لائتلاف قريش واجتماعها، لائتلافها وأمنها، لائتلافها ورزقها، لائتلافها وتوحدها.
"اللام" هذه في أول السورة تعني أنها متعلقة بالسورة التي قبلها: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ [الفيل: 1 - 5]، لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ [قريش: 1].
أهلك الله أبرهة وجنده لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ يعني ليبق اجتماعهم وتآلفهم وعيشهم الرغيد، وأمنهم واستقرارهم.
لِإِيلَافِ لائتلاف، اجتماع.
فعند ذلك ترى معنى ما سبق أن خطر ببالك وربما لم تكن تدري أن سورة قريش متعلقة بسورة الفيل.
مثال آخر: أنت تقرأ في سورة البقرة: أن الله قص علينا قصة رجل له جنة من نخيل وأعناب.
الجنة البستان ملتف الأشجار شديد الاخضرار، له فيها نخيل من أنفس الأشجار، وأعناب، جمع عنب، ما هو نوع واحد من العنب عدة أنواع، ليس فقط هذا، لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ [البقرة: 266] فكم نفاسة البستان هذا عنده؟ عظيمة جداً.
هذه حالة الرجل المادية.
ما هي حالته الاجتماعية؟ قال تعالى: وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ [البقرة: 266].
إذاً، هو غير قادر على الكسب، فحيلته هذا البستان، وبعد الله اعتماده على هذا البستان: وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء [البقرة: 266] صغار في السن لو مات أصبحوا أيتاماً أو مرضى زمنى لا يستطيعون الكسب. وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء هذه حالته الاجتماعية، فكم احتياجه للبستان؟ كبير جداً.
وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء [البقرة: 266].
هذه حالته المادية، وهذه حالته الاجتماعية.
وفجأة فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ [البقرة: 266] ما هو حجم خيبة الأمل عند هذا الرجل؟ ما هو حجم الألم والمصيبة عند هذا الرجل؟ ما هو مدى الاحباط واليأس الذي أصاب هذا الرجل بعد هذه الحادثة؟
أصابها إعصار فيه نار فاحترقت.
الآية هذه ما هي؟ ما وراء الآية هذه؟ يعني هل هو فقط الآية تعرض لنا عن قصة واحد كان عنده بستان فيه أشجار نفيسة، وهو كبير في السن، وعنده أولاد صغار أو ضعفاء لا يستطيعون الكسب، وفجأة أصابها إعصار واحترقت، فيه نار واحترقت، هذا هو الموضوع؟
مرت بك الآية ما فكرت ما رواء هذا؟ ما المراد به؟ نزلت فيمن من؟ وما وراء هذا؟
يعني القرآن أعمق من أنه فقط يذكر أنه فيه واحد كبير في السن عنده أولاد صغار، وعنده بستان عظيم جداً، وفيه نخيل وأعناب، وفجأة جاء إعصار فيه نار واحترقت، فقط؟ القرآن أعمق من أن يكون هذا هو المقصود فقط؟ فما هو المقصود من هذا؟
العمل الصالح.
كان عمر جالساً مع ابن عباس -رضي الله عنهما- فقال: أخبروني عن هذه الآية؟ فيه ناس في المجلس، فقال ابن عباس: "ضربت مثلاً لعمل، فقال عمر: أي عمل؟ فقال: لعمل" فأخبرهم عمر -رضي الله عنه- أن هذه الآية مثل لرجل عمل بطاعة الله، وحسنات كثيرة، ثم انتكس وعمل بسيئات كثيرة أحبطت الحسنات الأولى وأغرقتها، وزادت عليها، وعمل حسنات كالصدقات ثم أتى برياء وسمعة ومنٍّ وأذى خرب الحسنات كلها، فيأتي يوم القيامة محتاج جداً لحسناته أشد من حاجة الرجل للبستان لكبر سنه، وضعف أولاده [رواه الحاكم: 6307، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"].
فإذا جاء وهو محتاج إلى حسناته في الآخرة جداً وجدها هباءً منثوراً، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور: 39].
خرب الحسنات بسيئات كثيرة، غمرتها، فرجح ميزان السيئات، وخرب الحسنات بالرياء والسمعة والمن والأذى والإعجاب بالعمل والعجب والغرور.
الاغترار بالطاعة خرب الحسنات.
فهبت أعاصير الرياء والسمعة والمن والأذى والعجب على حسناته فأهلكتها، فجاء يوم القيامة وهو بحاجة ماسة للحسنات، وقد قربت جهنم ولها شهيق وزفير! وإذا بالحسنات قد تبخرت! الله يضرب المثل، فهل فكرنا ماذا وراء الآية؟
كان عمر يدخل كبار الصحابة على مجلسه ومعهم ابن عباس، فيقولون: يدخل علينا وعندنا أولاد في مثل سنه، فيقول: هو من قد علمتم؟ ابن عم رسول الله ﷺ، ودعا الله له أن يفقهه في الدين، ويعلمه التأويل، يوم من الأيام لما جلسوا وقال عمر لمن عنده: أخبروني عن قوله تعالى: إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر: 1] ما معناها؟ ما المراد بها؟ فقال بعضهم: أمرنا ربنا إذا فتح علينا أن نحمده ونسبحه ونستغفره شكراً على نعمة الفتح.
-طبعاً- هذه ما تحتاج استنباط، هذه ظاهر السورة، فقال عمر: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، قال: ما تقول؟ قال: هذا أجل رسول الله ﷺ أعلمه الله إياه.
يعني: إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [النصر: 1- 2] فقد تمت مهمتك، واكتملت وظيفتك، وتحققت أمنيتك، فتأهب للرحيل، فقد دنا الخروج من الدنيا ولقاء الله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر: 3].
هذه أجل النبي ﷺ أعلمه الله إياه، اقترب أجلك، فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول.
مرة كان عمر يصلي سبحة الضحى وكان ورائه بعضهم يتكلم، والمهم جاء في آيات: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة: 204 - 207] فقال ابن عباس: اقتتل الرجلان! فالتفت عمر، قال: ماذا قلت؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين، قال: ماذا قلت؟ قال: قلت: اقتتل الرجلان!
النبي ﷺ دعا لابن عباس أن يعلمه الله التأويل، هذا الفهم في كتاب الله، لما نظر في الآيات: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة: 204] هذا الرجل المجرم إذا قيل له: اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ معناها ممكن يقتل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، إذا قيل له: اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ، يعني لو قام إليه إنسان صالح فأمره ونهاه قتله، يهلك الحرث والنسل، مجرم.
بعدها ذكر تعالى رجلاً آخر نموذجاً آخر مقابل: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ يعني يبيعها وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ [يوسف: 20] يعني باعوه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [البقرة: 207] يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله، ممكن يضحي بنفسه يقدم نفسه ابتغاء مرضاة الله، ذكر هذا وراء هذا، قال ابن عباس: اقتتل الرجلان! هذا اللي بايعها سيقوم إلى الأول ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر ويقول له: اتق الله، والأول لأنه مجرم وتأخذه العزة بالإثم سيقوم ويبطش بهذا، فمعنى الربط بين قوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ [البقرة: 206] وبين قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ [البقرة: 207]؟ معناه في مواجهة، ولذلك ابن عباس أول ما سمع الآية قال: اقتتل الرجلان!
لكن من يعرف معناها؟
هذا التدبر -يا إخوان-، هذا العقل عن الله في مراده من الآيات، لازم يكون عندنا إدراك لمعاني الكتاب، وهذا ينتج بالمدارسة، جلسات المدارسة بعد الاطلاع على التفسير، هذا يقول: قرأت كذا، هذا قرأت كذا، هذا قرأت كذا، وجدت كذا، وجدت كذا، وجدت كذا، تتلاقح الأفهام والعقول، وتجتمع الفوائد والاستنباطات، ويعرض التفسير وكلام العلماء، وتتكامل الصورة، ويتضح المقصود، وتستقر الآيات في النفوس على معاني وآثار أخرى لم تكن من قبل.
مدارسة القرآن تزيد الإيمان
مدارسة القرآن تزيد الإيمان.
مدارسة القرآن عبادة مطلوبة وسنة مع الأسف مهجورة منسية لا بد من استعادتها.
بعضهم يجتمع فيقول بعضهم لبعض: ما أرجى آية في كتاب الله؟ أي آية أكثر رجاء في كتاب الله؟ فيقول واحد: قرأت القرآن فلم أجد أرجى من قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر: 53].
ويقول الآخر: قرأت القرآن فلم أجد أرجى من قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام: 82].
يقول الثالث: قرأت القرآن فلم أجد أرجى من قوله تعالى: غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ [غافر: 3] فقدم مغفرة الذنب وقبول التوبة على العقاب.
ويقول الرابع: قرأت القرآن فلم أجد أرجى من قوله تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ [الإسراء: 84]، وهكذا..
قيل: إن عمر سمع بوفد جاءوا فأرسل إليهم رسولاً يسألهم: من أين أتيتم؟ وأين تريدون؟ فذهب الرسول فقال: من أين أتيتم؟ قالوا: أتينا من الفج العميق، قال: أين تريدون؟ قالوا: نريد البيت العتيق. أتينا من الفج العميق، نريد البيت العتيق، يعني هذا جواب ناس فاهمين، يعني ما هم ناس عاديين، فاذهب فاسألهم: أي آية أعدل؟
قالوا: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل: 90].
قال: فأي آية أحكم؟
قالوا: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7 - 8] الحكم.
قال: فأي آية أرجى؟
قالوا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر: 53].
قال: فأي آية أخوف؟
قالوا: قال الله : مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء: 123].
قال: فأي آية أفضل؟
قالوا: اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة: 255].
قال: اسألهم معهم ابن أم عبد؟
قالوا: نعم.
الإجابات هذه ما تطلع من ناس عاديين، لا بد أن يكون وراءهم محنك في القرآن، وابن أم عبد، عبد الله بن مسعود محترف محنك عالم بكتاب الله، فينتج جيلاً يجيب مثل هذه الإجابات.
المدارسة للقرآن تؤدي إلى التحام وتآلف الإخوان
المدارسة للقرآن تؤدي إلى التحام وتآلف الإخوان: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم [رواه مسلم: 2699].
لما نحضر من عدة تفاسير ونجتمع وتقرأ الآية، ثم يقال: ما عندك يا فلان؟ يقول: عندي قول كذا، المفسر يقول: كذا كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، والرابع كذا.
ما هي الإضافات؟ كل واحد ما إضافته على الآخر، نجمع المعاني من التفاسير، نفهم الآية بأبعاد غير، ويجول الفكر في الاستنباط والاستنتاج من الآية على ضوء العلم الذي حصل من كلام المفسرين.
ثم نقول: كيف نطبق الآية على الواقع؟ كيف نعمل بالآية في الواقع؟
هذه مدارسة القرآن.
مدارسة القرآن فيها تلاوة وتأنٍ، فيها تدبر وتفكر، فيها مدارسة وملاقحة أفهام، فيها اجتماع المعاني، ومعرفة كيف العمل بالآية في الواقع.
والنبي ﷺ كان يدرس أصحابه القرآن، وكان من الصحابة سبعون أنصارياً، إذا صلوا العشاء انتحوا ناحية يتدارسون فيها القرآن، ويقومون الليل، فيظن أهلوهم أنهم في المسجد، ويظن أهل المسجد أنهم في أهليهم، فإذا اقترب الفجر ذهبوا فاستعذبوا الماء، استخرجوا ماءً عذباً، واحتطبوا وأتوا بالماء العذب والحطب، ووضعوه في المسجد لفقراء المسلمين لأهل الصفة، وحتى يجد النبي ﷺ ماءً عذباً يشرب منه، أرسلهم النبي ﷺ يوماً فغدر بهم الكفار في بئر معونة، وقتلوهم عن آخرهم، وأنزل الله فيهم قرآناً نسخ لفظاً وبقي معنى: "بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا" [رواه البخاري: 2801، ومسلم: 766].
ما هي مناقبهم؟
كانوا يتدارسون القرآن، حلقة مدارسة قرآن.
هناك حلق تحفيظ، وهناك حلق تجويد، لكن هل يوجد حلق مدارسة؟
هذا ما ندعو اليوم إلى العودة إليه، ممكن تعمل في مكان واحد، وأفضله المسجد، والنووي علق على الحديث الذي رواه مسلم: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله أن الفضل ليس خاصاً بالمساجد، فلو كان في مدرسة أو مجلس آخر، فإنهم يدخلون في الفضل إن شاء الله، ولكن أعلاه المسجد.
لكن لو عملتها في مدرسة، في بيت، في رباط كما قال النووي، تؤجر على ذلك الأجر العظيم.
هذه قضية المدارسة التي تدفع للتدبر واستقرار المعنى في النفس؛ لأن المعنى إذا استقر في النفس، فإن النفس تقف عند آيات الله.
المدارسة ما هي ثمرتها؟
أنك تتحرك بالآيات، وتقف بالآيات، وتعطي بالآيات، وتمنع بالآيات، وتحب بالآيات، وتبغض بالآيات، فتكون حركاتك وسكناتك وأعمالك بالقرآن، منه تنطلق وإليه تعود وبه تستدل.
الشافعي -رحمه الله- لما كان جالساً مع أصحابه، وجاء شيخ مهيب، فضم الشافعي رجليه وعدل الجلسة، فجلس الشيخ، فقال: أسأل؟ قال: نعم، قال: ما الحجة في دين الله؟ السند الحجة ما هو؟ قال: كتاب الله، هذه الحجة، قال: ثم؟ قال: سنة رسول الله ﷺ، قال: ثم؟ قال الشافعي: اتفاق المسلمين، اتفاق المسلمين إجماع المسلمين، فقال الشيخ للشافعي: من أين قلت: اتفاق المسلمين؟ ما هو الدليل؟ الأولى والثانية فهمناها: أطيعوا الله ورسوله، من أين قلت: اتفاق المسلمين؟ فسكت الشافعي، فقال الشيخ: أجلتك ثلاثاً، فإن أتيتني بالدليل على حجية الإجماع، وإلا فاتق الله أن تقول في دين الله ما ليس لك به علم، فتغير وجه الشافعي، وقام وانصرف فدخل بيته فلم يخرج إلينا، يعني للدرس، ما كان يخرج إلا لصلاة الجماعة ثلاثاً، ثلاثة أيام ما يخرج الدرس، ثم خرج في اليوم الثالث وهو مسقام يعني مريض، واضح السهر والتعب عليه، فجلس فما لبث أن دخل الشيخ، فجلس فقال: مسألتي؟ قال: نعم، يقول الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ [النساء: 115] فلا يتوعد بالنار إلا على ترك فرض واجب، وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ [النساء: 115] اتباع سبيل المؤمنين واجب، واتباع سبيل المؤمنين هو الإجماع والاتفاق، فقال الشيخ: نعم وانصرف، فقال الشافعي: ما اكتحلت بنوم ثلاثة أيام استعرض القرآن من أوله إلى آخره، حتى وقفت عليها.
المعلومة قد تكون عندنا لكن ما عندنا دليل عليها، الدليل مهم في المناقشة في المناظرة في اليقين عندك دليل، جاءوا يوماً إلى مجلس الفقيه، طلبة العلم جاءوا يوماً إلى مجلس العالم، والدرس فقه، لكن الشيخ اليوم فاجأهم بسؤال، فقال لهم: ما تقولون في محبة الله، فرض لازم أم لا؟ قالوا: هي فرض لازم، ما في كلام، محبة الله واجبة، قال: ما الدليل من القرآن؟
الدليل على وجوب المحبة: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ... [التوبة: 24] الآية هذه اللي فيها ذكر الإخوان والأزواج والعشيرة والمساكن والتجارة أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ [التوبة: 24] فتوعدهم إذا كانت هذه أشد حباً من الله ورسوله، ولا يتوعد إلا على ترك فرض لازم وواجب محتوم، ما يتوعد على ترك مستحب، ما يتوعد إلا على ترك واجب، فدلت الآية على وجوب محبة الله.
مثل هذه من أين تنتج؟
مدارسة، ملاقحة.
بعض العجائب والقصص في قراءة القرآن
هذه العبادة المفقودة مرة أخرى يا شباب تدارس القرآن؛ لأنه الآن ترى فيه مصائب، الآن في القراءة تجد بعض الناس كيف يقرأ، اجلس جنب بعض العامة قل: ارفع صوتك بالله، ارفع صوتك سمعني؟ ما خلَقكم ولا بعثَكم، أجل ويش سوى فيكم؟ هي مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ [لقمان: 28] وهذا يقول: ما خلقكم ولا بعثكم، أجل من اللي خلقكم؟
الثاني: خلق الإنسان من عِجل.
الله أكبر، الإنسان آدم خلق من عِجل.
وهي: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ [الأنبياء: 37] العجل من طبعه.
جلست مع بعض محفظي القرآن، قلنا: ما أعجب ما مر عليكم؟ أتحفونا؟
قال: وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظُه يا بني، قلت: يعني إذا كان يعظه كيف الولد راح يسمع لأبيه الوصية العظيمة هذه وهو يعظه؟
وهي: وهو يعظه؟
لكن أنا متأكد اليوم أن أبناء الكيبورد لا يعرفون الفرق بين الضاد والظاء في كثير من الأحيان، لا تظلمني، لا تظلمني، يكتبها لك ضادا، ويجي على الظاء إي على الضاد يقرأها: "ولا الذالين"، لا ضاد ولا ظاء، مثل الأعرابي الذي جاء إلى الشيخ قال: يا شيخ أنا زوجتي متمردة علي أيش أسوي؟ قال: عظها، هذه الآية عندك: فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء: 34] ثلاثة مرتبة بترتيب، راح رجع عند الشيخ قال: يا شيخ ما في فائدة، عضيتها وعضيتها وما في فائدة؟
الثالث: يقول مدرس التحفيظ: قيل يا نوح اهبط بسُلم منا، ليش يا ابن الحلال؟ قال: السفينة فوق لازم سُلم كيف ينزلون؟
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا [هود: 48].
الرابع يقول: فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء: 129] ما أدري هو جائع هو يسمع في المطبخ؟
يا أخي: إذا كان بعض الناس لا تعرف قراءة الحروف، فكيف المعنى؟ فكيف التدبر؟ فكيف المدارسة؟
نحن الآن أمام كارثة حقيقية في قضية الجهل بالقرآن، لا تجويد، لا حركات صحيحة، لا مخارج حروف صحيحة، لا قراءة يعني فكيف بعد ذلك تريد أن نرتقي إلى موضوع التدبر والمدارسة؟ ولذلك لا بد من القراءة الصحيحة للقرآن حتى نستطيع أن نتدبر، وإلا خلاص مثل الذي جاء عند اللوحة، قال له: أيش تقرأ؟ فجلس مسكين حزين، قال: والله هذه فيها موعظة، قال له: أيش فيها؟ قال له: وماتو الآباء بالله فيقي؟ قال له: يا أخي هذه مكتوب أيش هذا؟
وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ [هود: 88].
فإذا كان الواحد يقرأ غلط، راح يفهم غلط، ويطبق غلط، كان واحد محتسب الأجر أنه ما يحلق شعره يوم الجمعة، ما في حلق العانة ولا قص الشارب ولا نتف الإبط ولا... ليش؟ قال: هذا حديث: نهى عن الحلْق يوم الجمعة.
وهي: نهى عن الحلِق، الحلق يعني ما يتحلقوا الناس في المسجد، لازم الناس يكونون متأهبين للخطبة والخطيب على صفوفهم، ما هو وقت الآن نعمل حلق، ونقطع الصفوف، وهذا نهى عن الحلْق يوم الجمعة.
لا يسق أحدكم بمائه زرع غيره راح قطع الماء عن جاره، أيش فيه؟ قال: عندي حديث عندي دليل، والمعنى من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره ما يجوز أن يطأ امرأة فيها جنين من غيره، لازم يستبرئ الرحم، لازم يكون الرحم بريئاً عندما يدخل بها، ما في جنين من غيره، لا يسق بمائه زرع غيره .
ومثل هذا كثير، كما قال أحدهم: دخلت قرية في بلدة يعني من البلاد العربية، فوجدت فيها مع كل مصل قفة، فنظرت في القفة، فإذا فيها فأر وسكين، مع كل واحد، فعجبت منهم، فبعد الصلاة قلت لأحدهم: ما هذا؟ من أمركم بهذا؟ قالوا: شيخنا، قال: وأين شيخكم؟ قال: هو في تلك الحجرة في مؤخرة المسجد، فذهبت فطرقت عليه الباب فدخلت فقلت: أنت أمرتهم أن يأتي كل واحد منهم لصلاة الجمعة ومعه قفة وسكين وفأر؟ قال: نعم، قلت: ومن أين ذاك؟ قال: هذا الكتاب، قلت: أرنِ؟ فنشر الكتاب، طبعاً من زمان ما كان في نقط، قال في آداب الجمعة: ويأتي الجمعة بعفة وسكينة ووقار، وإذ هذا قرأها بدل عفة قفة، وبدل سكينة سكينة، وبدل ووقار وفار.
والمشكلة لما بعضهم يتفلسف ويفلسف الخطأ الذي وقع فيه، المتن الفقهي: وإذا دخلت فأرة في ماء فخرجت حية، فالماء باق على طهوريته.
راح يشرح الأخ قال: وإذا دخلت فأرة في ماء فخرجت حية يعني ثعباناً، فالماء باق على طهوريته، قال له واحد: يا شيخ كيف فأرة تدخل تطلع ثعباناً؟ قال له: إن الله على كل شيء قدير.
وهي أصلاً في أحكام النجاسات: الفأر إذا مات في مائع ينجسه، لكن إذا دخلت فأرة في ماء فخرجت حية يعني على قيد الحياة، فالماء باق على طهوريته.
ومن هذا كثير.
طبعاً لما ما كان في نقط في القرآن تشوف في الجهل، إذا بطشتم بطشتم خبازين! كان عالم برجل أخيه! برحل أخيه! يعني ما فيها أصلاً.
ولذلك لا بد أن نتعلم القراءة والكتابة والإملاء جيداً واللغة العربية؛ لأن الإنسان قد يقرأ قراءة معناها كفر: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28]، فإذا قال: إنما يخشى اللهُ، يعني صار الله هو الذي يخشى المخاليق، أي اعتقاد هذا؟
أعود وأقول: إن مدارسة القرآن عبادة عظيمة مبنية على معرفة تلاوته بطريقة صحيحة، ومعرفة المعنى وإعمال العقل والتدبر والنظر والتفكر والمدارسة بين الإخوان.
حلقات مدارسة إلكترونية على الشبكة
ومن الممكن أن تنشأ هنالك حلقات مدارسة إلكترونية على الشبكة، ويمكن يطلع واحد من استراليا، واحد من كندا، واحد من السعودية، واحد من اليمن، واحد من مصر، واحد من المغرب، واحد من الأردن، واحد من بلجيكا، وهذا من الهند وهذا من باكستان، ويتدارسون القرآن.
يمكن نعمل حلقات مدارسة للقرآن عبر الشبكة وبالأجر، لنصل إلى ماذا؟ إلى شخص يحركه القرآن ويسكنه القرآن، يدفعه القرآن، ويوقفه القرآن، فنصل إلى الرجل القرآني الذي يمتثل القرآن بحيث يكون خلقه القرآن.
فالآية هي التي تحركك وهي التي تسكنك وهي التي تدفعك وهي التي تمسكك.
آية من كتاب الله جعلت الصديق أبا بكر يعيد النفقة إلى مسطح وقد منعها عنه؛ لأنه تكلم في ابنته فآذاه: وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ خلاص وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى [النــور: 22] هؤلاء هذا من المهاجرين ومن الأقارب أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور: 22] قال: بلى يا رب، وأرجع أبو بكر النفقة [رواه البخاري: 4750].
عمر -رضي الله عنه- حركته آية في كتاب الله فأنفق أعظم أرض عنده في خيبر وقفاً لله -تعالى-.
مثل ما أوقف أبو طلحة البستان لآية: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92].
آية هي التي جعلت عمر يمتنع عن العقوبة، لما دخل عليه واحد قال سفهاً: يا ابن الخطاب لا تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل ولا...؟ فهم أن يوقع به، حتى تلي عليه قول الله : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين يا أمير المؤمنين، فأمسك عمر[رواه البخاري: 4642].
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ .
مثل ما جعلت آية من كتاب الله معقل بن يسار الصحابي لما زوج أخته لشخص بعد مدة طلقها ورماها، ثم ندم وأراد أن يعودا لبعضهما، فقال معقل: لا، بعد ما زوجتك وأكرمتك تفعل هذا؟ لا، ولا يمكن، فلما نزل قول الله في الزوج إذا طلق زوجته، وأراد أن يسترجعها: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 232] فامتثل لأجل الآية، وقال: "أزوجك وأكرمك" [رواه الترمذي: 2981، وقال: "حديث حسن صحيح"] وأعادها إليه.
أعادها إليه لأجل آية.
كانت الآيات هي التي تحركهم، استقرت في النفوس، جاء الخادم أو الأمة بإناء مرق حار إلى سيده فتعثر عند سيده، فانسكبت المرق الحار على رأس السيد وجسده، ماذا يكون الوقع عليه؟ عنيفاً، مؤلماً، بالتأكيد سيدفع إلى البطش والانتقام، فمباشرة قال الخادم: يا سيدي وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ قال: كظمت غيظي، قال: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ قال: عفوت عنك، قال: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] قال: أنت حر لوجه الله.
ناس تتحرك بالقرآن، ابن عمر أعتق أمة يحبها جداً، أحب الإماء إليه، لقوله تعالى: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92].
النساء لما نزل قول الله -تعالى-: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور: 31] نساء الأنصار شققن مروطهن فاختمرن بها [رواه البخاري: 4758]، وتغطين بها، وتلفعن بها.
آية تنزل آية: فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة: 90] على الخمر، خلاص كلهم يهريقها ويسكبها.
الآيات تحركهم، الآيات تدفعهم، يعيشون بالآيات ومع الآيات.
هذه فائدة تدبر ومدارسة القرآن المؤدية للعمل بالقرآن، وأن تكون حياتك مع القرآن.
أسأل الله أن يبارك لي ولكم في القرآن العظيم، وأن ينفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكيم، وأن يجعلنا من أهل القرآن، وأن يجعله شفيعاً لنا يوم الدين.
اللهم أحسن خاتمتنا وتب علينا، علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، إنك أنت السميع العليم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
-
ranran
بارك الله فيكم وجعله في ميزان حسناتكم وثبتكم على الحق .