الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونسأله أن يتم علينا نعمة الإيمان، وأن يرزقنا الأمن إنه هو السميع العليم.
الحرب بين الحق الباطل منذ القدم
أهل الباطل وما أدراك ما أهل الباطل في حربهم لأهل الإيمان.
إنها حرب مستعرة قديمة.
إنها مواجهات عبر التاريخ.
إنها معركة بين جند إبليس وبين حزب الله المفلحين.
إنها سنة المدافعة التي شاء الله -تعالى- أن تكون في الأرض: وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [البقرة: 251]، وهكذا يكون الدفع والمعركة بين الحق والباطل.
ولأهل الباطل سبل في التلبيس والتدليس والمواجهة وإدارة المعركة منها ما يفت في عضد المسلمين، ويؤثر في نفوسهم بالضعف والهوان، ومنها ما يشكك في العقيدة والدين والثوابت.
وهذا الموضوع الطويل الذي تحدثنا عن جزء منه فيما مضى في قضية الثبات.
طرق أهل الباطل في التأثير على معنويات المسلمين وسبل مواجهتها
وبقي أن نتحدث عن طرق أهل الباطل في محاربة معنويات المسلمين، والإطاحة بها، والتأثير في النفوس بالضعف والهوان، وأن نتحدث أيضًا عن سبلهم في زعزعة ثقة المسلمين بعقيدتهم، وتشكيكهم في دينهم بوسائل كثيرة.
وسنقدم أيضًا طرفًا من هذا الموضوع وهو سبل أهل الباطل في التأثير في معنويات المسلمين ونفوسهم.
كيف واجه النبي ﷺ هذا الأمر؟ وكيف استعمل هذه الحرب النفسية على الكفار؟ وكيف واجه أيضًا حرب الكفار عليه في سبلهم التي فيها من الكذب والتلبيس، وأنواع من استخدام الأسلحة للفت في عضد المسلمين.
نزول القرآن ببان كيفية مواجهة أهل الباطل
وكان القرآن ينزل بالتوجيهات العظيمة للمجتمع الإسلامي في الحذر من هذه الطرق لأهل الباطل، وكان المنافقون في الداخل والكفار في الخارج والعمل على مستويات شتى وسبل وطرق متنوعة، وقال تعالى: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83].
وهذا التأديب من الله لعباده أنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، والمصالح العامة المتعلقة بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردوه إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ [النساء: 83] أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الأمور، ويعرفون المصالح وضدها، فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطًا للمؤمنين وسرورًا لهم، وتحرزًا من أعدائهم فعلوا ذلك، وإن رأوا منه ما ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة لكن مضرته أكبر لم يذيعوه، ولذلك فإن التسرع والعجلة في نشر الأمور مما يؤثر كثيرًا في الصف الإسلامي.
التحريض على الجهاد بالسنان واللسان
لقد كان القرآن ينزل برفع معنويات المسلمين: حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ [الأنفال: 65] يشمل كل أمر يحصل به النشاط لأهل الإيمان، وإنعاش نفوسهم، وتقوية قلوبهم، وتثبيت أفئدتهم، وبالتالي أقدامهم.
وكانت هذه الأخبار التي يستعملها معسكر أهل النفاق والكفر في الفت من عضد المسلمين كانت تواجه مواجهة دقيقة.
لقد كان هناك جهاد عظيم يقوم بالإضافة إلى جهاد السلاح وهو: جهاد اللسان، وقد قال النبي ﷺ: جاهدوا المشركين بألسنتكم، وأنفسكم، وأموالكم، وأيديكم [رواه أحمد: 12555، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"].
وقال النبي ﷺ: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل حديث صحيح [رواه أحمد: 27174، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"].
وقال النبي ﷺ يوم قريظة لحسان بن ثابت: اهج المشركين فإن جبريل معك [رواه البخاري: 4124].
وكان عبد الله بن رواحة يسير بين يدي النبي ﷺ في عمرة القضاء لما دخل مكة يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله | اليوم نضربكم على تنزيله |
ضربًا يزيل الهام (أي الرؤوس) عن مقيله (يعني عن مواضعها) *** .....................
.................... | ويذهل الخليل عن خليله |
إذن، هكذا كانت كلمات العزة الإسلامية تنطلق من حناجر المؤمنين والشعراء المتقنين تدافع عن أهل الإيمان، وتفت في عضد أهل الطغيان والعصيان والكفران.
خلوا بني الكفار عن سبيله | اليوم نضربكم على تنزيله |
ضربًا يزيل الهام عن مقيله | ويذهل الخليل عن خليله |
فقال عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله ﷺ وفي حرم الله تقول الشعر؟ فقال له النبي ﷺ: خل عنه يا عمر، فلهي أسرع فيهم من نضح النبل [رواه الترمذي: 2847].
((لهي)) هذا الشعر أسرع فيهم في الكفار من نضح النبل أي هذه الأشعار تؤثر فيهم تأثيرًا أسرع من تأثير النبل.
لقد كانت هناك حروب إذن في هذا الميدان بين أهل الباطل وأهل الحق لها صور كثيرة وأشكال.
كانت من جهة المسلمين ترفع معنويات المسلمين، وتخذل في نفوس الكفار.
كانت من أهل الباطل أنواع من التلبيس والتدليس والتضليل والحملات الإعلامية أيضًا والسهام التي يريدون بها الفت في عضد المسلمين.
لقد اتخذ المسلمون أنواعًا كثيرة لرفع هذه المعنويات الإسلامية وإثارة الانفعالات انفعالات الشجاعة والحماسة في النفوس، وكانوا يستخدمون الشعارات: أمت أمت، يا خيل الله اركبي، حم لا ينصرون، وهكذا..
وكانت تكبيراتهم تشق عنان الفضاء تزلزل أركان الكفار، وتثبت أقدام المؤمنين، وكان النبي ﷺ، يوزع أصحابه على المهمات المختلفة، ويكلف بعضهم بأن يفت في عضد الكفار، وينقل إليهم أخبارًا، وأن يحاول التفريق بينهم، كما هي القصة المشهورة في نعيم بن مسعود الثقفي ، وهكذا كان ﷺ يقول للكفار كلامًا مفاجئًا قويًا: يا معشر قريش قد جئتكم بالذبح [رواه أحمد: 7036، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"] كانت كلمات تزلزل الكفار وتزعزع نفوسهم.
إدراك أهل الباطل لأهمية الحرب النفسية وكيفية مواجهتها
إن هذه الحروب النفسية قد عرفها وعرف أهميتها أهل الباطل في القديم والحديث، وقال رومل: "القائد الناجح هو الذي يسيطر على عقول أعدائه قبل أبدانهم".
وقال سرشل: "كثيرًا ما غيرت الحرب النفسية وجه التاريخ".
وكذلك فإن من طرق أهل الباطل في استعمالهم التلبيس والتضليل الخداع والحيل والإيهام والتهديد بالقوة وبث الذعر وإحداث الضغط النفسي والإغراء والوعد والوعيد.
وكان النبي ﷺ أيضًا في المقابل يقول: نصرت بالرعب مسيرة شهر [رواه البخاري: 335، ومسلم: 521]، ويخافه الأعداء، وتقع الرهبة في نفوسهم بإيمان المؤمنين نصرت بالرعب مسيرة شهر .
وكان إرهاب المسلمين للكفار قائمًا بعملية الإعداد: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال: 60].
كان الإيمان وقوة العقيدة، وحسن الصلة بالله -تعالى- هو الذي يجعل الثقة بالله في نفوس المؤمنين، ويجعل الزلزال في أفئدة الكافرين.
وكان المسلمون يهددون بأمور من أنواع الحصار والتجويع، وخصوصًا في المرحلة المكية، وكذا في المرحلة المدنية حصل عليهم من حصار الكفار والأحزاب في جوع وبرد، ومع ذلك فإن الإيمان كان هو الذي يثبت المؤمنين أمام حملات أهل الباطل.
ويعلم المسلم أن أجله إذا جاء فإنه لا يتأخر لا ساعة ولا يتقدم ساعة فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف: 34].
يعلم أنه ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله.
يعلم أنه لو كان في مكان محصن سيأتيه الموت أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [النساء: 78].
ولهذا لماذا لا يخرج إلى ساحة القتال، وليس كل من يخرج إلى ساحة القتال يموت، بل في غالب معارك المسلمين كان قتلاهم أقل ممن يظفر، ومن يبقى أكثر ممن يموت، وتطلب بعضهم الموت في مظانه فلم يكتب له.
ودخل خالد بن الوليد المعارك الكثيرة وفي معركة واحدة انكسر في يده تسعة أسياف لم يثبت في يده إلا سيف يماني، ومع ذلك لم يقدر له أن يقتل في المعركة.
التهديد بالحروب الاقتصادية وكيفية مواجهة ذلك
أعداء الإسلام يخوفوننا لزعزعتنا بأنواع من الحروب الاقتصادية والتهديد بالإفقار والسيطرة على مصادر الرزق وموارده، ولكن المؤمنين الذين يعلمون أن الله -تعالى- يرزق النملة في جحرها لا يهابون ذلك، والله يرزق من يشاء بغير حساب، وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2- 3]، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود: 6].
وكذلك فإن المؤمن لا يمكن أن يستكين، وأن يركع لتهديد الكفار.
إنهم يهددون في أمور تتعلق بالرزق، ويهددون في أمور تتعلق بالأمن، ويهددون بأمور تتعلق بالأرواح، ومهما أصاب المسلم فإنه يثق بربه إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140].
ولو حصلت هزيمة لأهل الإسلام فإنها ليست هي النهاية: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8]، وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ [آل عمران: 139].
إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ [آل عمران: 140].
عدم القنوط من رحمة الله
وهناك مسألة مهمة جدًا عند المسلمين وهي تساعدهم في الثبات أمام هذه الحرب النفسية ووسائل أهل الباطل عدم القنوط من رحمة الله لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر: 53]، وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 56].
الرد المناسب في الوقت المناسب
وكذلك فإن المواجهات التي كانت تحدث بين أهل الباطل وأهل الحق قبيل المعارك من الحروب النفسية كان يستعملها أهل الإيمان ويديرونها بذكاء، وكان إيمانهم يلهمهم الرد المناسب في الوقت المناسب، فقيل: إن عظيم الروم لما استدعى خالد، لما طلب أن يتكلم مع قائد المسلمين خالد، وقال له: "قد علمت أنه ما أخرجكم من بلادكم إلا غلاء السعر، وضيق ذات اليد، وإني قد رأيت أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وراحلة تحمل حملها من الطعام والكسوة، وترجعون إلى بلادكم بين أهاليكم، فإذا كان العام القادم بعثتم إلينا، فبعثنا لكم مثله" هذا أسلوب ترغيب: نعطيكم.. ونعطيكم، فإنا قد جئناكم ومعنا من الجيوش والعدد ما لا قبل لكم به، هذه الخاتمة ما هي؟ ترهيب، فقيل: إن خالدًا قال له: ما أخرجنا من بلادنا جوع ولا ضيق، ولكننا معشر العرب قيل لنا: إنه ليس أطيب من دمكم فجئنا لنهريقها".
الوعي بأساليب الحرب التي يشنها الكفار
وكذلك فإن الوعي بأساليب هذه الحرب التي يشنها الكفار تجعل الإنسان المسلم فطن، لا يصغي إليهم، يتكلمون كثيرًا في وسائل إعلامهم، وخصوصًا أنهم يسيطرون على أكثرها في العالم، وهذا التوقيت هو توقيت استعمال هذه الوسائل الآن في هذه الأيام، لماذا لا يسمع المسلم إليهم؟
لأن الله نهاه عن أن يستمع إليهم سماع التصديق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران: 100].
فهؤلاء إذن، يريدون زلزلتنا، ولا يجوز لنا أن نصغي إليهم، ونقبل كلامهم، فما هو إلا فت في العضد وإرهاب للنفس وتخويف وزلزلة، ولذلك أمرنا باللجوء إلى الله: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 103].
وأمرنا بأن نقوم بكشف حيل هؤلاء المثبطين المزلزلين: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب: 12].
هذا أسلوب تثبيطي، يبثونه في المجتمع المسلم: وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ [الأحزاب: 13] ما في فائدة، اثنا عشر ألفاً من غطفان وقريش وكفار العرب، اثنا عشر ألفًا يحاصرونكم، ما أنتم تظنون أنكم ستنتصرون لَا مُقَامَ لَكُمْ [الأحزاب: 13] لا فائدة، انهزموا استسلموا، هكذا كانت الحرب النفسية، طرق أهل الباطل لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [الأحزاب: 13].
ثم يستعملون أسلوب الانسحاب من المواجهة: وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ضائعة ليست محصنة وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا [الأحزاب: 13]
أساليب التخويف والضغط النفسي
وكذلك فإن هؤلاء عندما يقومون بأساليب التخويف والضغط النفسي علينا في وسائل إعلامهم في القديم والحديث، وكانت الأشعار والرسائل تقوم بأدوار في الماضي، والوسائل المسموعة والمرئية تقوم بأدوار في الحاضر، وكانوا يقولون: لا يغرنك يا محمد أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، تعليق اليهود على غزوة بدر، إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس.
فهم يرهبون بأنهم لن يكونوا مثل عدو آخر قد لقيهم المسلمون فهزموهم.
لكن قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران: 12]، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء [آل عمران: 13].
إذن، وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47].
والمهم الآن أن تكون الساحة لأهل الإيمان، الآن المهم أن يرفع لواء أهل الإيمان، الآن تنقية الصفوف مهمة جدًا، الآن يدعى الشارد عن الله إلى العودة والتوبة ويقال للناس: الآن يا أيها الناس نقوا الصفوف، توبوا إلى الله، عودوا إلى الله، إن نصر المؤمنين حق على الله : وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا ، ماذا تريد أكثر من ذلك؟ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47].
بل إن الإنسان يستعجب الآن مع التخليط الموجود في الصفوف الآن إلا أننا نرى أمورًا عجيبة في خذلان الله للكفار، فيه خلط الآن، ومع ذلك نرى أمورًا عجيبة، فيه هزيمة وأوجاع وجروح وقتل وتول يحدث للكفار، فكيف لو كانت الساحة إسلامية نقية خالصة صافية تحت راية لا إله إلا الله؟
إذن، والله لصارت إلينا بوارج القوم وأسلحتهم.
إثارة الأعداء للأخبار التي تفت في عضد المسلمين
وكذلك فإن من الأساليب: إثارة الأخبار التي تفت في العضد إذا كان الفاسق إذا جاء بنبأ فإننا لابد أن نتبين فكيف بالكافر؟
فلابد أن نتبين -يا عباد الله-، لابد أن نتبين، وألا نكون نقلة، لا نصدق القوم، كفار غير ثقات على الإطلاق فكيف نصدقهم؟
بل إننا لا بد أن نتصدى لهم.
الإشاعات الباطلة في تخذيل المسلمين
ومن الأمور التي يقومون بها وهي من الأساليب الخبيثة والخبيثة جدًا قضية الإشاعات أسلوب لأهل الباطل في تخذيل المسلمين.
لقد كانت هذه الإشاعات أنواع منها ما هو من الإشاعات المنفرة الموجه إلى الخارج للتنفير عن المسلمين الذين يعيشون في الداخل، وكان الكفار يستعملونه في مكة ويقولون: ساحر مجنون، به جنة، شاعر، ويقولون ويقولون عنه كلامًا كثيرًا، حتى أن الذي يأتي للحج يسد أذنيه خشية أن يسمع كلامه فيتأثر به.
والله تولى الرد عليهم: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الأعراف: 184].
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ [يونس: 2].
وهكذا تولى الله -تعالى- الرد على إشاعات الكفار، كانوا يستهزئون ويسخرون ويشوهون السمعة.
والنوع الثاني من الإشاعات: الإشاعات المفرقة التي توجه إلى داخل الصف، إشاعات توجه إلى الخارج وإشاعات توجه إلى الداخل بغية تفكيكه وإثارة القلاقل داخله، وقد عرف المنافقون بهذا الدور الخطير، تولى المنافقون كبر هذه المؤامرة في العهد الأول فهددهم الله لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ [الأحزاب: 60] ما هو الإرجاف؟ التخويف، ما هو الإرجاف؟ إثارة الإشاعات ونقل الأخبار التي تزلزل النفوس وتفت في العضد، هؤلاء أهل الإرجاف هددهم الله لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلً [الأحزاب: 60].
هؤلاء الذين يروجون الأخبار الكاذبة داخل الصف المسلم، الذين يثيرون الفتن على المسلمين، قال الله في شأنهم: لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً [التوبة: 47] فإذا انسحبوا من المعركة وانسحبوا من الجيش قبل المعركة هذه نعمة؛ لأن المسألة لو وصلت للمواجهة ما يثبتون: لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [التوبة: 47].
المشكلة الآن أن في المسلمين سماعون للكفار يسمعون ينصتون ويصدقون ويتأثرون، وإلا والله لقد انكشف من كذب الكفار في هذه الأيام ما الله به عليم، حتى اطلع على ذلك القاصي والداني والكبير والصغير والذكر والأنثى، تبين كيف الكذب؟ كذب وراء كذب.
لقد أطلق المنافقون في غزوة بني المصطلق إشاعات كثيرة وأرجفوا، وكذلك فإنهم حاولوا شق الصف بفتن بين المسلمين حتى وصلت إلى "يا للمهاجرين، يا للأنصار." وهموا بأن يشتبكوا.
وكذلك فقد جاء في السير أن شاس اليهودي لما مر على نفر من المسلمين من الأوس والخزرج في مجلس يتحدثون متآلفين متآخين غاظه ما رأى من اجتماعهم وصلاح ذات بينهم بعدما كانت عداوات في الجاهلية وحروب فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، وقيلة الجدة الكبرى للأوس والخزرج، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملأهم من قرار.
نحن اليهود لما كنا معهم وهم في تفرق سيطرنا، الآن إذا اجتمعوا ما لنا قرار، فأمر فتى شابًا من يهود فقال: اعمد إليهم واجلس معهم، وذكرهم يوم بعاث، الحروب التي كانت بينهم في السابق في الجاهلية، وأنشدهم ذلك الفتى بعض ما كانوا يقولونه من الشعر، وذكرهم فتفاخر القوم، ورجعت روح الجاهلية، وثارت في نفوسهم، فحصلت حمية وتنازعوا وتواثبوا حتى هموا بالاقتتال، فأطفأ النبي ﷺ نار الفتنة بقوله: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم
إذن، إشاعات منفرة، وإشاعات مفرقة، وإشاعات مثبطة، وهذه التي توجه إلى داخل الصف بغية توهين عزيمته لدقة الظرف الذي يكون فيه.
لقد أطلق الكفار أنواعًا من هذه بوسائلهم في التضليل والتلبيس والتدليس والكذب، فمن ذلك مثلًا: أنهم أشاعوا أن النبي ﷺ قتل في معركة أحد، وقد أحدثت هذه الإشاعة إرباكًا شديدًا، وفوضى عامة، وتاه الكثيرون، وطار بقية صوابهم، وانهارت الروح المعنوية، بل إن بعضهم قعد مستكينًا في أرض المعركة، وهرب آخرون، وفكر آخرون بالاتصال بعبد الله بن أبي ليأخذ لهم الأمان من أبي سفيان، ولكن الله -تعالى- أنقذ المؤمنين بأناس من أهل الصبر كأنس بن النضر، ونفر من الثابتين، وعلى رأسهم النبي ﷺ وأبو بكر وعمر، والنفر الذين كانوا معهم.
لقد أرسلوا إشاعة أخرى من هذه الإشاعات من هذا النوع، بعد معركة أحد عندما انصرفوا من الميدان، أبو سفيان قال لركب من بني عبد القيس: هل أنتم مبلغون عني محمدًا رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكم هذه؟ يعني رواحلكم غدًا زبيبًا بعكاظ إذا وافيتموها، أعطيكم حمل النوق التي معكم زبيبًا مقابل أن تنقلوا هذه الرسالة، ما هي؟
قال: أخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه، وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم، مع أن أبا سفيان لم يكن يريد أن يفعل ذلك، لكن حرب الإشاعات، الحرب النفسية، فمر الركب برسول الله ﷺ وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان مباشرة، قال ﷺ: حسبنا الله ونعم الوكيل [صحيح البخاري: 4563].
لقد أراد تثبيط المسلمين وكسر معنوياتهم، لكن النبي ﷺ والمسلمون كانوا مستمسكين بحبل الله، فمدحهم الله على هذا الموقف: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ [آل عمران: 173] الكفار الرسل الذين نقلوا الرسالة إِنَّ النَّاسَ الكفار قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ يعني يكفينا ويرد عنا حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ نتوكل عليه، ونثق به، ونعوذ به، ونلوذ به، ونلجأ إليه في دفع الضر والشر عنا، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [ آل عمران: 174].
وهكذا عندما أطلق المنافقون تلك الإشاعات في معركة الخندق كما سبق: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ [الأحزاب: 12-13].
لقد واجه النبي ﷺ هذه القضية بعكسها في إشاعة الأمل، وبث أخبار انتصارات قادمة، وضرب الصخرة، وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر قصورها الحمر الساعة، الله أكبر أعطيت فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء [رواه أحمد: 18694، وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف"].
وهكذا كان التخذيل من جهتهم، والتثبيت وإشاعة الروح المعاكسة من قبل النبي ﷺ.
لقد بلغ الأذى النفسي للمسلمين مبلغه وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ [الأحزاب: 10- 11].
كان أنواع الإشاعات التي حورب بها الصف الإسلامي، إشاعة الإشاعة، الفاحشة إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النــور: 19].
قذف، قُذفت عائشة، كما قذفت امرأة العزيز يوسف: مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا [يوسف: 25] ولكن كانت حادثة الإفك خيرًا على المسلمين لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ونزل القرآن برد هذه الإشاعة وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النــور: 11].
وسماه الله إفكًا وفضح الذين تولوه.
وهكذا يجب علينا عندما نسمع إشاعات عن الدعاة والمصلحين وأهل العلم والإيمان مما لا أصل له ولا دليل عليه ولا بينة، فإنه يجب علينا أن نرد، هذه أعراض إخواننا وأخواتنا.
منهج القرآن في مواجهة الحروب النفسية والإشاعات
لقد كان هناك منهج قرآني في مواجهة هذه الحروب النفسية والإشاعات يقوم على الصلة بالله -عز وجل-، واللجوء إليه، والتأكيد على معاني موالاة المؤمنين، والبراءة من الكافرين.
انظروا إلى مواقف الناس الآن في هذه الأيام قبل أن تبدأ الأحداث الجديدة، كان كثيرون يطبلون للكفار، وينقلون أرقام أسلحتهم، وأنواع أعتادهم، ويفخمون في ذلك، ويهولون لإشاعة رعب عام في المنطقة وفي نفوس الناس، ومبدأ المنافقين هو هو يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [الأحزاب: 13] شيء لا طاقة لكم به.
نفس المبدأ الآن يطبق، تفخيم وتهويل، ويقول المنافقون: إن هي إلا ثمان وأربعون ساعة وكل شيء ينتهي، وأن لدى القوم النوع الفلاني والنوع الفلاني والنوع الفلاني والنوع ... وهذه الفصائل كذا وكذا وكذا، وهذه الصور كذا وكذا، وهذه القدرات كذا وكذا، وهذه... والخطة المتوقعة كذا وكذا.
الكفار يثيرون، والمنافقون ينشرون.
ولما مضت الأيام وصارت الساعة ساعات واليوم أيامًا، فإذا بتلك الألسن تعود إلى الخرس، وتتبدل بعض اللهجات، وتضطرب بعض الخطط، ويرجع الكلام للعودة في قضية الثغرات الموجودة عندهم، والضعف الموجود عندهم، ولماذا لم تقولوا هذا الكلام من قبل؟ لماذا كنتم تفتون في عضد المسلمين لنشر أخبار قوة الكفار والتهويل والتفخيم من شأنهم؟
لو كنتم مؤمنين لأكدتم على معاني الإيمان، ولقلتم: مهما كان عند الكفار فإن الإيمان هو الذي ينتصر. لماذا لم تدعوا الناس لتحقيق التوحيد، وتجريد الصف، والعودة إلى الله والتوبة لله والأوبة إليه، وتنقية النفوس من الشرك والكفر، وإطاحة الرايات الشركية والكفرية من الساحة، والاقتصار على راية لا إله إلا الله؟ لماذا لم تكن الخطة هي هذه ؟ لماذا توليتم الكفار ولم تتولوا الذين آمنوا؟
ألم يقل الله: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة: 55-56].
لقد كان التولي الآثم الخاطئ الآن للذين كفروا هو الذي قاد هؤلاء أن يكونوا معهم في خندق واحد يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ اليهود والنصارى، والكفار، أيًا كان نوعهم، والكفار أولياء، لا تتخذوهم أولياء، وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [المائدة: 57].
لماذا المخالفة الصريحة لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51].
لماذا لم يكن الولاء بين المسلمين؟ لماذا لم تكن الدعوة إلى توحيد صف المسلمين وتجريده وتنقيته، ألم يكن هذا هو الواجب؟
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح: 29].
أليست صلاة الجمعة والجماعة توحد المسلمين، وهذا الأذان وتلك الإقامة، وهذه العبادة وهذه الصلاة وهذه الزكاة والشعائر خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة: 103]؟
ألم يأت النظام الأخلاقي في الإسلام لكي يسبك روح الأخوة ويقول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ ويقول: وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ إذا لمزت أخاك المسلم كأنك لمزت نفسك، لأنتم أمة واحدة، المسلمون كالجسد الواحد أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا [الحجرات: 12].
وهكذا كانت هذه التوجيهات في الأخلاق والآداب لصيانة روح الأخوة بين المسلمين؛ لأن الصف الداخلي إذا تماسك لم يستطع العدو أن يفعل شيئًا يذكر.
الوعي العام عند المسلمين بخطورة الكفار وأفعالهم
وكذلك فإن من الأمور المهمة في مواجهة سهام الأعداء هذه: قيام الوعي العام عند المسلمين كبارًا وصغارًا بخطورة ما يفعله الكفار، وقد تعددت الأساليب القرآنية في المواجهة وتبيان هذا السلاح للمسلمين كيف يواجهون، فما هو منهج القرآن الكريم في مواجهة إشاعات الكفار التي يريدون بها إحداث البلبلة؟
لقد كان -كما قلنا في أول الدرس- دعوة لعدم إشاعة كل خبر، والتنقيح والتمحيص والتبين: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا [النــور: 12].
إذن، حسن الظن بالمسلمين، تكذيب أهل الباطل، الرد والدفاع عن أهل الحق، أساليب، وهكذا فإن هذا المنهج القرآني كان قائمًا على تحطيم هذه الإشاعات على صخرة الإيمان الصلبة التي تنشئها نفوس هؤلاء المؤمنين المجتمعة.
الحرص على كشف مروجي الإشاعات وفضحهم
وكذلك فإن من الأساليب: الحرص على كشف مروجي هذه الإشاعات وفضحهم، ولذلك كان القرآن ينزل بفضائح متوالية للمنافقين هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا [المنافقون: 7] يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المنافقون: 8] وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 107] وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [التوبة: 65].
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب: 12].
كشفت هذه عبارات قيلت بالنص لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المنافقون: 8] لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ [المنافقون: 7] مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب: 12] يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ [الأحزاب: 13] عبارات قالها المنافقون بالنص، تنزل الآيات في كشف الذي قال: هذا منافق، والذي قال: هذا منافق، والذي...
إذن، كشفت، ولذلك سورة التوبة سميت الفاضحة، المقشقشة؛ لأنها أظهرت ما في قلوب المنافقين، وكشفت بواطنهم، المقشقشة التي أسفرت عما في أنفسهم، وهذه من الأمور المهمة، كشف مروجي الإشاعات وفضحهم، ولذلك كان المنافقون في خوف عظيم يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم [التوبة: 64].
التربية على الوعي والتمييز والتدقيق
وكذلك فإن من الوسائل المهمة: قضية التربية على الوعي والتمييز والتدقيق، ولما الخبر يدخل الأذن تكون هناك عدة حواجز تنقي الخبر وتحلل الخبر وتعرف هل هو صحيح، كذب، فيه مصلحة، فيه مضرة؟ ما هو هذا؟
لقد كانت التربية للجيل المسلم الأول على هذا النوع من الوعي لدرجة أن فتى صغير من فتيان المسلمين لما سمع كلامًا لشيخ المنافقين نقله مباشرة لأنه عرف خطورته، وهذا زيد بن أرقم فتى : كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبي يقول: "لا تنفقوا على من عند رسول الله ﷺ حتى ينفضوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"، مباشرة نقلها لعمه، عمه عرف خطورة الكلام نقله مباشرة إلى أهل العلم إلى النبي ﷺ ما نشره، وهكذا استدعى النبي ﷺ زيد بن أرقم وكلمه، ونزلت السورة بتصديق زيد إن الله قد صدقك يا زيد [رواه البخاري: 4900، ومسلم: 2772].
التكذيب للإشاعة الكاذبة
وأيضًا فإن من الوسائل التي كانت عند المسلمين التكذيب للإشاعة الكاذبة، وإبطال مفعولها، وعندما قام المرجفون بالكلام، ماذا قال الله في الرد عليهم؟ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ [آل عمران: 175].
فإذا قام اليوم فينا من منافقين من يقولون: قوة الكفار كذا وكذا، ولا طاقة لكم، وأستسلم، ارتموا في أحضان الكفار، ماذا نقول؟
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ يعني يخوفكم بأوليائه فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران: 175] وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً [آل عمران: 176].
فيه ناس الآن يسارعون في الكفر، ويرتمون في أحضانهم، ويقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة، وهكذا ندم بعضهم، ولا زال التعلق من البعض بالكفار، والله -تعالى- رد على هؤلاء الذين كانوا يقولون: لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قلنا لهم: لا تخرجوا للمعركة، ذهبوا للمعركة وقتلوا، لو أطاعونا ما قتلوا، قُلْ أيش الرد؟ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران: 168] لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران: 154] لأحدثنا لهم سببًا يخرجهم من فرشهم إلى المكان الذي سيذبحون فيه، إلى مضاجعهم، إلى المكان الذي سيموتون فيه.
وقال الله: أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [النساء: 78].
إذن، لا تقل: لو ما خرج للمعركة ما مات؛ لأنه كان يمكن يموت في مكان آخر، وأنت يا أيها القائل ادرأ عن نفسك الموت لن تستطيع، ثم الذين ماتوا ما هم؟ شهداء وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: 169] فرحين مستبشرين يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ [آل عمران: 171]، وهكذا..
إظهار مظاهر القوة التي تفت في عضد الكفار
وأيضًا فإنه لا بد من عمل مضاد، لا يكفي فقط أن نقول: هذا كذب وافتراء، ولا تهتموا به، لابد من عمل مضاد يا إخوان، يا إخوان المعركة كبيرة لابد من عمل مضاد، ولذلك النبي ﷺ في بعض المواضع حمل بعض الناس رسائل لكي ينشروها عند الكفار
كادت تهد من الأصوات راحلتي | إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل |
وجعل يصف جيش المسلمين العرمرم، فوقع الرعب في قلوب الكفار.
وهكذا كانت القضية من المسلمين، كانت جهودًا لإزالة آثار الحرب النفسية والبدء بحرب مضادة على الكفار، وكان هناك مباغتة عند المسلمين.
كان النبي ﷺ إذا أراد غزوة ورى بغيرها.
كان ﷺ يحول دون تسرب المعلومات وقصة حاطب واستدراك القضية بإرسال من أتى بالخطاب قبل أن يصل للكفار.
كان ﷺ يفاجئ الكفار كما فاجأ بني المصطلق على مائهم، وأخذهم على حين غرة.
وكان ﷺ يظهر من المظاهر، يأمر أصحابه بأشياء تفت في عضد الكفار مثل الاضطباع، إظهار الكتف الأيمن والرمل بنشاط وقوة حول الكعبة في الأشواط الثلاثة الأولى، حتى قال الكفار هؤلاء: الذين قلنا عنهم: وهنتهم حمى يثرب، انظروا إليهم ينقز الواحد فيهم كما ينقز الغزال، ما هذا؟
النبي ﷺ استخدم الأشياء التي تفت في عضد الكفار، ولذلك في فتح مكة ظهرت أشياء عظيمة، حتى أن النبي ﷺ أمر العباس أن يحبس أبا سفيان زعيم الكفار في ذلك الوقت بمضيق وادي تمر مواكب المسلمين واحدة وراء الأخرى، ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: يا عباس من هؤلاء؟ فيقول: سليم، فأقول ما لي ولسليم، ثم تمر القبيلة كتائب، كتائب الإيمان قبائل وراء بعض، رايات، يا عباس من هؤلاء؟ فأقول: مزينة، فيقول: ما لي ولمزينة، حتى نفذت القبائل، حتى مر رسول الله ﷺ في كتيبته الخضراء، وفيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، فقال: -سبحان الله- يا عباس من هؤلاء؟ قلت: هذا رسول الله ﷺ في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة.
لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيمًا، لما رجع أبو سفيان إلى مكة كان مقتنعًا تمامًا أنه لا تمكن المواجهة، ولذلك لم يكن إلا ناقل رسالة ((من دخل الحرم آمن، ومن دخل دار أبي سفيان آمن، من بقي في بيته آمن"، وهذه هي المسألة، رجع أبو سفيان ليقول لقومه: "يا معشر قريش هذا محمد جاءكم فيما لا قبل لكم به".
استعمال وسائل الإعلام المتاحة في مواجهة الكفار
النبي ﷺ لما أمر حسان بن ثابت أن يهجوهم وفرغه لهذه القضية، وأمر أبا بكر أن يعينه على ذلك؛ لأنه يعلم ﷺ ما لهذه الأشعار من الأثر في النفوس، هذه وسائل إعلام العرب، هذه وسائل إعلامهم، هذه القصائد، هذه الأشعار التي تسير بها الركبان، وتصل تحمل فيها المعاني، فيها ذكر الانتصار لأهل الإيمان والطعن في أهل الكفران والعصيان.
إذن، لقد التفت النبي ﷺ إلى هذه القضية الخطيرة والكبيرة، وإنه ﷺ كان في أحواله هذه قائمًا بالأمر، وهو درس لنا جميعًا اليوم أن نقوم باستعمال ما يمكن من وسائل الإعلام، والسبل النفسية والمادية في محاربة الكفار.
إنهم قد غزونا اليوم بأمور يفتون بها في عضدنا، ولما قامت هوليود التي هيمن عليها اليهود بتصوير تلك الأفلام التي فيها تمجيد اليهود، وتعظيم هؤلاء، وأخرجت أفلاماً كثيرة فيها تشويه سمعة المسلمين، وإظهار قوة الغرب واليهود وفيها وصف العربي بأنه: قذر، متسخ، مهزوم، همجي، لا حل إلا بقطع رأسه.
ولما أنتج أحد اليهود فيلمًا عظيمًا سارت به هذه الدور السينمائية والشاشات قالت أم اليهودي لما رأت الفيلم الذي أنتجه ابنها: إني أنجبت نبيًا يهوديًا يمسك التوراة بيد والكاميرا بيده الأخرى.
أفلام مؤثرة تظهر بطولة وشهامة وتضحية عند اليهودي والنصراني في الفيلم مقابل الوحشية والهمجية عند العربي المسلم، بعض الأفلام تقوم على تعظيم الكفار وقوتهم، وأنهم أسطورة، وأن رامبو هذا لا تمكن هزيمته، لتمتلئ شعور جمهورهم بالمحبة والإعجاب والفخر، وفي المقابل الازدراء والانتقاص والكره لكل ما هو مسلم.
هذه فحوى الأفلام وخصوصًا الأخيرة التي أنتجوها، ثم جاؤوا بتلك العبارات الكثيرة التي يقولون فيها: إن العمليات ستكون مجرد نزهة، وإن القضاء على جيش هؤلاء أمر مفروغ منه، وإن النظر الآن فيما بعد الحرب، الحرب منتهين منها، لكن ترتيب ما بعد الحرب، وإن هذه الكيان الفلاني عمره كذا يوم، وسننتقل بعده إلى كذا وكذا، حتى أرجفوا وزلزلوا بالكثيرين، وهكذا تقوم خطتهم على إضعاف المعنويات، وخلق جو عام من الرهبة لهم، وخلخلة صفوف المسلمين، ورسم صورة مبهرة قوية لقدراتهم، وتضخيم قواتهم مما يؤثر ويوهن في عزائم المسلمين.
وقد ألقوا لهذه المنشورات فيما يعرف بقنابل المنشورات التي تنفتح صناديقها بعد إلقائها من الطائرة بمدة لتلقي الآلاف من هذه الأوراق الداعية إلى الاستسلام، ولماذا تقتل نفسك؟ ولماذا كذا؟ ألا تريد أن ترجع إلى زوجتك سالماً؟ ألا تريد...؟
وهكذا تساندهم محطات ووكالات وبهرج عظيم، ولكن أهل الإسلام لا يهونهم ذلك.
أهل الإسلام عندهم الله أكبر، أكبر من كل هذه الأمور، الله أكبر من السلاح، الله أكبر من الدول، الله أكبر من كل كبير وعظيم في الأرض.
وإن الله ناصر دينه، ومعل كلمته .
وكذلك فإن الأصوات الكثيرة التي تنبح الآن تؤثر في النفوس ولا شك، والناس يسمعون التصريحات ويسمعون الأخبار، ولكن لابد من أخذ العبرة، فأنت تسمع: سقطت مدينة كذا، لم تسقط، سيطرنا عليها، لم تكن السيطرة تامة، هيمنا، بقيت جيوب مقاومة، كسرنا، لا لم يعد، دخلنا المدينة، لم ندخل.
-سبحان الله- إذن، هذه الأشياء التي تجعل الإنسان المسلم يعرف فعلًا خطورة هذه الحرب النفسية، وهذه الوسائل من أهل الباطل للفت في عضد المسلمين، وماذا لأهل الإسلام؟ أشياء قليلة، وهناك دخن كثير وخلط أيضًا مما يزيد الفتنة، وجود الخلط، وأن الصف ليس إسلاميًا نقيًا، لكن المسلم قلبه مع إخوانه المسلمين، فإن هناك من أهل السنة من هو موجود، هناك من أهل السنة من يحارب، وينافح عن الدين، هناك من أهل السنة من هو قائم لله بما يستطيع.
الوحدة والاجتماع
وينبغي على المسلمين أن يكونوا يدًا واحدة، وأن يتعاونوا على الكفار، وأن لا ترهبهم قوة هؤلاء، فإنه -والله- لو صدق المسلمون لانهزم الكفار؛ لأن الله قال: وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ [الفتح: 22]، وتستغرب فعلًا كيف تنزل مروحية بمن فيها يستسلمون؟ كيف؟ ولمن؟ لناس أقل عدة وعتاد بلا شك، لو صدق المسلمون مع الله وكان الصف نقيًا، كيف كانت النتيجة ستكون؟
والله ستكون أضعاف أضعاف أضعاف القتلى في الكفار، وأضعاف أضعاف أضعاف الأسرى في الكفار، وأضعاف أضعاف أضعاف ما يسقط من أسلحتهم ومراكبهم بيد المسلمين.
المسألة ليست قوة مادية وعدد وعُدد، هذه أشياء الآن رأيناها هناك آيات لله -سبحانه وتعالى- تحدث في هذا الواقع، هذه آيات، ريح مصفر فيه غبار يعطل الآليات، يعطل النظر، يعطل السير، يعطل العمليات، أي مهما كانت المخططات، الله قال للمسلمين في غزوة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا [الأحزاب: 9]ٍ أيش يعني جنود؟ خلاص الريح تتكفل بالجنود بأمر الله -تعالى- فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا المسلم يرى أمامه الأشياء في الواقع وقائع حقائق، فماذا يريد؟ يرى أقدار الله، يرى أفعال الله في الواقع، يرى قوة الله في الواقع، يرى جنود الله في الواقع، ومن جنوده: الريح وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر: 31] .
فنسأل الله أن ينصر الإسلام وأهله، وأن يذل الكفر وأهله، ونسأله عز وجل أن يوحد صفوف المسلمين على التوحيد، وأن يجعلها نقية خالصة لوجهه.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الحي القيوم يا ذا الجلال والإكرام أن تنجي المستضعفين من المسلمين، وأن تنشر الأمن والإيمان في بلاد الإسلام يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك الأمن لبلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين، ونسألك بعزك وقوتك وقدرتك وجبروتك أن تذل الكافرين، وأن تجعل بأسهم بينهم، وأن ترغم أنوفهم، وتشتت شملهم، وأن تفرق جمعهم، وتردهم على أعقابهم، اللهم ابطش بهم، وأنزل بهم بأسك وعذابك ورجزك وسخطك ولعنتك يا رب العالمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات: 180-182].