الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، وجعل بيننا مودة ورحمة.
الحمد لله الذي أنعم علينا بإباحة النكاح ليكون ذلك وسيلة مهمة جداً لبناء المجتمع المسلم الذي يتكون من الأسر المسلمة التي تركب بنيانه، ولذلك كان الحديث عن مشكلات الأسر المسلمة، وإلقاء الضوء الشرعي على تكوينها، وتركيبها، وحل مشكلاتها ومعضلاتها من لوازم الأمور.
يأتي الكلام على هذا الموضوع في هذه المرحلة الحساسة وهذا الوقت العصيب.
وأقول: إن الصحيح أن تحُل المشكلات فوراً، ما دمنا نعيش هذا الخطر، وما دمنا نعيش هذه الأيام التي لا ندري ماذا يكون وراءها وماذا ستلد؟ والأيام حبالى، ولا أقول تناسي المشكلات، وإنما أقول: حل المشكلات؛ لأن بعض الناس قد يتناسون خلافاتهم أيام الخطر، فإذا زالت أيام الخطر، رجعوا إلى ما كانوا فيه، ولذلك نقول: حل الإشكالات وفض النزاعات حتى نستطيع أن نواجه الخطر بخلايا محكمة من الأسر المسلمة، وأن يكون هناك علاقة مودة ووئام وتراحم بين الزوج والزوجة.
أيها الإخوة: لقد هالني ما سمعته ووصل إلي شفوياً وتحريرياً من المشكلات الكثيرة، من العدد الكبير الهائل من المشكلات التي تعاني منها الأسر والبيوت المسلمة في المجتمع، والحقيقة أنني كنت أفاجأ بين فترة وأخرى بكثرة هذه النزاعات وهذه المشكلات، وهذا مما اطلعت عليه يمثل جزءًا قليلاً من الحجم الحقيقي الموجود في المجتمع.
ولذلك فإن أهمية هذا الكلام تكون عالية؛ نظراً لكثرة المشكلات وشيوعها، حتى أنه لا يكاد يسلم بيت منها، وأنتم ترون جدراناً ونوافذ ولا ندري ماذا وراءها، ولكن كثيراً ما يكون وراء هذه الحيطان وتلك الجدران مشكلات عويصة، وأمور خطيرة، لا يعلمها إلا الله .
لن نتكلم في هذا الدرس عن حقوق الرجل على المرأة في الإسلام، أو حقوق المرأة على الرجل في الإسلام، فهذا له موطن آخر، والكلام على قضية النفقة والكسوة والسكن والطاعة إلى آخره، هذه مسألة لها مكان آخر، لكن نريد أن نلقي الضوء على بعض المشكلات التي تحصل، وأقول: إن الكلام سيكون أكثر عن جانب العلاقة والتعامل أكثر منه من القضايا الشرعية، والأحكام الدينية المتعلقة بالرجل وزوجته، ولن نتكلم عن مشكلة الطلاق وأسبابها وعلاجها، ولن نتكلم عن تعدد الزوجات، والعدل بين الزوجات، فإن ذلك سيكون له مجال آخر، وإن كنت أعدكم بأنني سأتكلم عن القضيتين الأخيرتين، الطلاق، وتعدد الزوجات في مناسبات قادمة إن شاء الله تعالى.
أهمية النظرة الواقعية في حل المشكلات الزوجية
إن من أهم الطرق لحل المشكلات والخلافات الزوجية: النظرة الواقعية للأمور، فبعض الخطباء والوعّاظ والمتحدثين إذا تكلموا عن هذه الأمور أعطوا نظرة مثالية جداً لما ينبغي أن تكون عليه الأمور، وقالوا للزوج: يجب أن تكون كذا وكذا وكذا، وللزوجة يجب أن تكوني بالصفات الآتية، كيت وكيت وكيت، حتى أنه يندر أو يكاد ينعدم وجود هذه الصفات في أي زوج أو زوجة، ومسألة عدم وجود مشكلات زوجية على الإطلاق هذه قضية شبه مستحيلة، لا يكاد يوجد بيت إلا وفيه مشكلات، ولذلك الكلام عن بيت مثالي لا توجد فيه أي مشكلة هذا نوع من المستحيل تقريباً، ولذلك فإننا لا بد أن ننظر إلى الأمور بواقعية، ونحن نعلم من واقعية الأمر أن المشاكل لا بد أن تحدث، أن المشاكل لا بد أن تحدث لا بد، ولكن القضية ما هي الكثرة والقلة في هذه المشكلة؟ ولا بد أن نستعد نفسياً لمواجهة المشكلات.
وعندما تأملت في الشكاوى الواردة في هذا الموضوع ظهر لي أولاً أن الشكاوى من جانب النساء أكثر منها بكثير من جانب الرجال، وهذا يعود لعدة أسباب في نظري:
الأمر الأول: أن مبنى المشكلات الزوجية في كثير من الأحيان على الظلم، سبب النشوء: الظلم، والظلم يتأتى من الرجل أكثر من المرأة، نظراً لأنه الجانب الأقوى.
وثانياً: أن الشكاية من النساء كثيرة، ورسول الله ﷺ قال في الحديث الصحيح في التعليل لسوء حال كثير من النساء قال: تكثرن الشكاية[1].
وثالثاً: أن المرأة ضعيفة، فهي تشتكي، والرجل قد يكون عنده من المشكلات شيء كثير جداً، لكنه يحجم عن الشكوى؛ لأن الشكوى بالنسبة له عبارة عن نقطة ضعف، وهو لا يريد أن يظهر بمظهر الضعف، ولا يريد أن يقول للشيخ أو للواعظ أو للمحدث أو للصديق: إنني أعاني من مشكلات لا أستطيع حلها، وأنني ضعيف أمام زوجتي، ونحو ذلك، ولذلك يحجم كثير من الرجال عن الشكوى، بينما تكثر من النساء.
عظيم حق الزوج على زوجته
وأقول كذلك أن الشرع يأمر الجميع بالإحسان، يأمر الرجل بالإحسان، ويأمر الزوجة بالإحسان، ولكن حق الرجل على زوجته أكبر من ناحية أن الشرع ندبها إلى إرضائه أكثر، وتجد الآيات والأحاديث في تبيان حق الزوج أكثر؛ لأنه هو القوّام، وهو الذي يقود السفينة، ولذلك يحتاج إلى طاعة ويحتاج إلى إعانة، ويحتاج إلى مساعدة، ولكن في نفس الوقت لم يهمل الإسلام المرأة ولا حق المرأة، وجاءت النصوص المتكاثرة بحقوق المرأة على زوجها، وأستطيع أن أقول لكم إن الأسباب التي تتحصل
مشكلة العناد لدى الزوج والزوجة
من المشكلات الزوجية بالإضافة للظلم قضية العناد الذي يكون كثيراً مترسباً في نفس الزوجة والزوج عند التعامل، بل إن صغر العقل إن صحت التسمية أو تعامل الأطفال إن صحت العبارة كذلك هو سبب مباشر لأخطاء التعاملات الزوجية كما ظهر لي، وكذلك مسألة أن كل واحد منهما يريد إثبات شخصيته، وإزاحة الشخص الآخر عن موقع التأثير نهائياً، وإثبات الكيان، وإثبات الموقف هو من الأسباب الرئيسية للمشكلات الزوجية.
وكذلك فإن الحساسية المفرطة عند المرأة؛ وهي مسألة مقابلة لظلم الرجل تقريباً الحساسية المفرطة عند المرأة من أكبر أسباب المشكلات الزوجية كذلك، ومن الأمور أيضاً أن الواقع الحاضر في مسألة تعليم المرأة وعمل المرأة ووظيفة المرأة جعل هناك تفريطاً كبيراً في جانب النساء تجاه حقوق الأزواج، جعل الأمور تسير وكأنها طبيعية في قلة أو تدني مستوى خدمة الزوجة للزوج، وكأنها تقول له: هذه الحياة وماذا نفعل؟ لا بد أن نذهب إلى المدرسة، ولا بد أن نذهب إلى الكلية، ولا بد أن نذهب إلى الوظيفة، وأنت عليك أن تتحمل، وكأن هذا الشيء صار واقعاً مفروضاً، مع أن الخلل قد يكون في أساس هذه المسائل.
وسيكون الحديث عن المشكلات على شقين عندنا مشكلة تبدأ من الزوج أو الزوجة والعياذ بالله الكافرَين المرتدين عن دين الله، وتنتهي بالمشكلات الطفيفة الموجودة في بعض البيوت، ولعل الكلام عن المشكلات المتعلقة بالزوج المرتد، أو المرأة الكافرة، الأمر فيها يكون أوضح؛ لأن الحل في كثير من الأحيان قد يكون حلاً تغييرياً شاملاً، تغير الطرف الآخر وتنتهي القضية، ولا يمكن الاستمرار على تلك الحالة، ولكن الكلام الأكثر تعقيداً من جهة الحل، وليس من جهة صعوبة الحالة هو في المشكلات التي تكون بين الأزواج والزوجات المسلمين، ولا بد أن نشير كثيراً إلى قضايا تتعلق بمشاكل الدعاة مع زوجاتهم، والمستقيمين والمستقيمات مع زوجاتهم، إذ أن القضية تفاقمت كثيراً في الآونة الأخيرة حتى أن نسبة الطلاق زادت حتى بين كثير مما يطلق عليهم الملتزمين والملتزمات، ونبدأ الكلام بذكر بعض الحالات من المشكلات الموجودة في البيوت ذات الطرف المرتد، أو الكافر.
مشكلة مجانبة الشريعة والبعد عنها لدى بعض الأزواج
عندنا مشكلات مستعصية جداً وحالات سيئة جداً موجودة في المجتمع، تتمثل في أزواج وزوجات مجانبين لشريعة الله تماماً، وفي غاية الانحراف، وهاكم بعض الأمثلة الواقعية وأصارحكم بأنني قد قضيت في تحضير هذا الدرس شهوراً عديدة، حتى توصلت إلى جمع كثير من النقاط المتعلقة بحال الأسر الآن من الواقع ومن الأخبار، ومن الأسئلة التي تأتي بعد الدروس في المساجد، حتى أن البعض سيظن من الكلام أنني أتكلم عن مشكلته هو شخصياً، أو عن مشكلة زوجته هي شخصياً مع أن الكلام أعم من ذلك؛ لأن الحالات تتكرر وتتشابه، فقد يظن البعض عند السماع أن هذا الكلام هو مسألته شخصياً فلان بن فلان الفلاني، وليس الأمر كذلك، فإن المسألة أعم وإن الحالات تتشابه والأمور متكاثرة، وإن الطيور على أشكالها تقع.
عندنا أزواج عندنا زوجات مكتويات بنار أزواج مرتدين عن دين الله، وقد يكون الزوج علمانياً، أو حداثياً، أو على أي ملّة من ملل الكفر، ومرتداً عن دين الله، تتمثل ردته عن دين الله باستهزائه بالدين وبالشرع وبالسنن المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، أو ترك أمور تخرج من الإسلام بالكلية كترك الصلاة نهائياً، ماذا يكون حال امرأة زوجها يرفض الصلاة، ولا يصوم، ويريد أن يأتي زوجته في نهار رمضان في دبرها، وهو مع ذلك يهينها، وإذا دعته إلى الإسلام والشريعة قال: ما لك دخل ربي يحاسبني، وهو يطلقها في كل حين، وهي تظن أنها تعيش الآن معه بالحرام، ليس فقط من جهة حكمه الشرعي بأن الله يقول: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُن [سورة الممتحنة:10].
ولكن من جهة هذه الطلقات الكثيرة المتتابعة، ما هي حال امرأة تحت رجل إذا صلت أمامه ورفعت كفيها تدعو قال: أنت شحاذة، ما عندك إلا شحاذة، تشحذين من ربك، فيستهزئ بها في صلاتها، ودعائها؟
ما حال زوجة تحت رجل لا يصلي ولا يصوم ويسكر، ويضربها ضرباً شديداً مما أدى إلى إسقاط جنينها؟
ما حال امرأة تحت رجل يدخل البيت مخموراً، ويضرب أولاده، وطلقها مرات كثيرة جداً، وهو يسب الدين ويلعن الرب، ويحرم زوجته من المصروف، ويقول لها: اذهبي واشتكي؟
ما حال امرأة قد لعب عليها رجل باطني من ملّة منحرفة عن دين الإسلام، فضحك عليها، وعقد عليها وتزوج بها، وعندما رأى أن عندها بعض الأحاديث عن أبي هريرة مزقها وألقاها في القمامة ولما سألته قال: هذا كذاب هذا خبيث، هذا منافق وهكذا.
ما حال امرأة إذا تحجبّت قال لها زوجها: أنت مثل القرد، وأهله قد يمالئونه على الإثم والعدوان، ويقول لزوجته: أنت عجوز، أنت قبيحة، أنت كبرت استهزاء بالحجاب؟
ما حال زوجة قد أمهلها زوجها ثلاثة أيام لتكشف وجهها أمام إخوانه، وإلا فإنه سيطلقها إذا رفضت، وهو لا يدخل بيته ولا ينام معها حتى تنتهي المهلة، وسنتدرج معكم من الزوج الكافر المرتد إلى الزوج العاصي الفاسق الفاجر وهكذا، طيب ماذا يكون حال النوع هذا الذي ذكرناه قبل هذا المثال الأخير، الزوج المرتد، الزوج الكافر؟ وفي المقابل يوجد زوجات كافرات، ربما تسب الدين وتستهزئ بأهل الدين، وهي تاركة للصلاة بالكلية، وربما أنها متمردة على شرع الله، وتقول: الحجاب لا أعترف به، وهذه تعقيدات، الأوامر التي تقولون عنها في القرآن والسنة وهذه لا تناسب العصر، وتنادي مثلاً بتحرير المرأة ونحو ذلك، ما هي حال مثل هذا الوضع الموجود؟
نقول: قال الله : لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُن [سورة الممتحنة:10]، فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [سورة الممتحنة:10]، فبين الله أن الرجل المسلم لا يجوز له أبداً أن يتزوج من امرأة كافرة، إلا ما كان من المحصنات من أهل الكتاب، وبين الله في هذه الآية أن المرأة المسلمة لا يجوز أن يعقد عليها رجل كافر لا يصلي أبداً، ويستهزئ بالدين ويفعل من الأمثلة التي ذكرناها، فإذن الحال أن العقد باطل ويجب التفريق بينهما، وأن المرأة ترجع إلى أهلها، إذا كان زوجها على الحال التي ذكرناها، وأن المرأة إذا كانت كافرة وزوجها مسلم فإن العقد باطل، وهو ينفصل عنها، ولا تجوز العشرة بينهما، وإذا استمر على العشرة معها، أو استمرت على العشرة معه إذا كان هو كافراً أو كانت هي كافرة، فإن الحال هو زنا وفاحشة والعياذ بالله.
وإنني أتساءل كما تتساءل بعض النساء المظلومات التي تقول: كيف أخرج من البيت؟ عندي أولاد، زوجي كافر، أنا أعلم أنه كافر، وقد أقمت عليه الحجة ونصحته بلا فائدة، كلمت الأقارب، استعنت بالأهل بالأصدقاء، ليس هناك فائدة، عندي أولاد منه، إذا ذهبت إلى بيت أهلي ماذا يحدث للأولاد؟ ثم أنها قد تقول أكثر من ذلك إن أهلي يرفضون عودتي إليهم، ولو رجعت لردوني إليه، وقالوا: اذهبي إلى بيت زوجك، وليس لك عندنا مكان، أو تقول: لا أخ ولا أب ولا عائل، وليس لي أهل وأهلي في بلد بعيد، أو ليس لي أهل يؤونني إليهم، فماذا أفعل؟ أجلس عند بيت أختي، وأضايق زوج أختي، أو ماذا أفعل؟
إن هناك كثيراً من المشكلات المستعصية من هذا النوع، هذا نتيجة انحراف المجتمع عن شرع الله، ونتيجة شيوع التيارات الإلحادية الكافرة في المجتمع، نتيجة تخلف الدعوة وتخلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتخلف إلزام الناس بشعائر الدين، هذه واحدة من الآثار السيئة التي نعاني منها في المجتمع نتيجة انحرافه عن شرع الله ، إذن، المسؤولية لا تتحملها المرأة فقط، يتحملها المجتمع كله بسبب حصول هذا التقصير، وإلا لو كانت الشرائع مطبقة تماماً لكانت هذه الحالات نادرة جداً، ولكن ما دمت تسمع يميناً وشمالاً ودائماً فمعناها أن قضية هذه الانحرافات الموجودة المتكاثرة تعني بأن الحال لا زال من السوء بحيث يفرض علينا دعاة الإسلام أن نتحرك لمواجهة هذه الانحرافات ونصلح ويعود الناس إلى دين الله.
وعند ذلك لا يكون هناك من الحلول إلا أن تجتنب إذا تعذر عليها الخروج من البيت، أن تجتنب الزوج وأن لا تكشف عليه، وأن تبتعد عنه، ولا تجعله يقترب منها؛ لأنه كافر وهي مكرهة، ثم أنه لو اضطرها للجماع وهو كافر بالقوة فهي مكرهة والإثم عليه، علما بأنه يجب عليها أن تسعى بكل طريق من المحكمة إلى أي إنسان آخر، أو مصدر من مصادر القوة والسلطة للابتعاد عن هذا الرجل الكافر، فلا خير مطلقاً في البقاء عنده، ولو كانت أخلاقه عسلاً مصفى.
ثم إن هذا الرجل من الأنواع المتدرجة أقل من ذلك الذي يقول يجب أن تكشفي على إخواني لو ما كشفتِ سأطلقك ويعطيها مهلة أو يكون الزوج فاجراً فيقيم العلاقة المحرمة مع الخادمة وتعلم الزوجة بأن ذلك الرجل زانٍ وأنه يفعل الفواحش، ثلاث خادمات رفضن الإقامة في البيت؛ لأن هذا الرجل يحاول أن يفجر بهن، وإذا كان الرجل أيضاً يفعل أموراً أخرى من الفواحش كأن يصر على وطء الزوجة في الدبر، ويقول: يكفينا العيال وأنا أريد أن آتيك من الخلف ونحو ذلك، فماذا يمكن أن تفعل؟ أو أنه يبلغ به السوء من أول ليلة الزفاف أن يضربها ويعطيها حبوباً مخدرة وأن يربطها ويأتيها بالقوة في المكان الذي حرمه الله في الوقت الذي حرمه الله مثلاً زمن الحيض.
مشكلة وجود بعض الأزواج الفاسقين
فإذن، هناك نوعية أخرى من المشكلات، وبلغ من فجور بعضهم أنه ربما قطع الكتب الإسلامية لزوجته، وأتلف الأشرطة التي عندها، ومنعها من طلب العلم، وماذا نفعل في زوج فاسق؟ قد يكون مصلٍ مسلم، لكنه يشرب الخمر، وهي تأمره وتنهاه وهو يضربها، وهي تدفعه بقوة للصلاة فرضاً وراء فرض، حتى صارت الحياة مملة؛ لأنها سئمت هذا الرجل المتقاعس عن الصلاة الذي يصلي مرة ويترك مرة، وقد أخذ مصاغها ونقودها وهو يبقى ثلاثة أيام ربما جنباً ولا يغتسل، ماذا نفعل في زوج آخر قد يستهزئ من التزام زوجته بالدين، يعني في بعض الشعائر ويعتبر أنها تزمت وتنطع، وقد يكون يصلي يفعل أشياء من الإسلام، لكنه عنده هذه النظرة القاتمة النقدية إلى شيء من أمور الدين التي لا يمكن أن يتنازل عنها الشخص المسلم المتمسك بالسنة.
هذه امرأة تقول: إذا دخلت السوق وقلت ذكر السوق: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي وهو حي بيده الخير وهو على كل شيء قدير إلى آخره، قال: بعدين يكفي، خلاص باسم الله يكفي، أنت تريدين إلقاء خطبة لماذا؟ لأنه حتى ذكر السوق لا يريد من زوجته أن تتلفظ به، أو أنه يريد أن يرغمها بالقوة على أن ما تفعله من العبادة رياء ونفاق، وهذه المسألة موجودة.
واحد بلغ من فجوره أنه إذا رأى زوجته تتسنن وتصلي وتقوم الليل، وتقرأ القرآن وتدعو ربها، قال: هذا نفاق وهذا رياء، وأنت تظنين نفسك مأجورة على هذا، كلا، أنت لا تريدين وجه الله، وأنت تفعلين ذلك أمام الضيوف، وأنت وأنت، حتى بدأت المسكينة فعلاً تشك في نفسها أنها منافقة، وأنها مرائية من جراء هذه الألفاظ وهذه الحيل التي يأتي بها.
مشكلة تكاسل بعض الأزواج عن الصلاة
مسألة تكاسل بعض الأزواج عن صلاة الفجر نوع من الفسوق، حتى أنهم لا يصلون الفجر إلا بعد طلوع الشمس، ومنع النساء من حِلق الذكر، ومن القراءة والاطلاع في المسائل الشرعية.
إذن: هذه حالة أخرى من الفجور أدنى من الحالة السابقة، ماذا تفعل المرأة في مثل هذه الحالات؟
وبالنسبة للزوج المسلم الفاجر الفاسق، يجوز شرعاً للمرأة أن تبقى عنده، يجوز من ناحية الجواز يجوز، ما يمكن أن نقول لها: إن بقاءك مع الزوج المسلم شارب الخمر هو زنا أبداً، لكن ينبغي عليها أن تواصل في دعوته إلى الله علَّ الله أن يهديه، وبما أن الواقع قد أثبت أنه قد أمكن هداية كثير من الأزواج على يد زوجاتهم الصالحات، فإن الحالة الاستمرارية في الوعظ لا بد أن تستمر، ولكن المرأة إذا لم تتحمل فجور زوجها، فإنه يحل لها شرعاً أن تطلب الطلاق، لأن بعض الرجال في فجورهم لا يمكن العيش معهم أبداً.
وكذلك في الجانب المقابل، فإنه يوجد زوجات فاجرات كما وصفن قد لا ترد يد لامس، وقد تقبل أن تعاكس بالهاتف، وتتكلم مع الأجانب، وتخرج من البيت بغير إذن زوجها، وقد تذهب إلى محلات مريبة، وقد ترفض لبس الحجاب، تقول: مقتنعة بالحجاب لكن ما يمكن أن أغطي وجهي وأن أخنق نفسي، وترفض لبس الحجاب، وإذا كانت مثلاً ربما أنها وقفت في السوق معها ولدها الرضيع فأخرجت ثديها أمام الناس لترضعه، ماذا يكون الحال إذن في مثل ذلك؟
نفس الشيء على الزوج أن يدعوها إلى الله، وأن يفعل كما أمر الله في التدرج في معاملة الزوجة العاصية الناشز، وخصوصاً عندما يكون النشوز ليس في مسألة عصيانه في بعض الأشياء الدنيوية، وإنما في قضايا شرعية، فيجب عليه أن يقوم بالوعظ والتذكير والتنبيه وأن يعمل من الإجراءات الشرعية المذكورة التي ستمر معنا يعمل ما يحمل به زوجته على شريعة الله، فإن أصرت وبقيت على فجورها لا يمكن أن يستمر البيت على هذا، ولا يمكن واحد يطمئن لأولاده وهم يعيشون مع مثل هذه المرأة الفاجرة أو السافرة، فعند ذلك لا يكون بد من الكي وهو آخر الدواء، ومفارقة تلك المرأة والاستغناء عنها؛ لأنها امرأة سوء، وامرأة مخربة، وإن الله يبدله خيراً منها، ولو كانت جميلة ولو كان متعلقاً بها، ولو كانت غنية من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه[2].
ولذلك كان من الأسباب المانعة لرفع الدعاء، أن يبقى الرجل عند امرأة سيئة الخلق دون أن يطلقها.
والعجيب أن بعض الناس يتهاونون في علاج الوضع المتردي لزوجاتهم من ناحية الالتزام، فقد تتهاون في الالتزام شيئاً فشيئاً، أول ما يتزوجها تكون ملتزمة بالدين ثم تتراخى وتتهاون، وبالعكس قد يكون هو ملتزماً بالدين ثم يتراخى ويتهاون، وحصلت أمثلة كثيرة لهذا.
فإذن، الدعوة والنصح للوصول إلى إصلاح الأوضاع مطلوب، لكن إذا استحال الأمر، ومضت فترة زمنية كافية للحكم على أنه لا يمكن الرجوع في هذا المنظور القريب، فعند ذلك يكون الفراق في الأمر هو النهاية، ولذلك فإنني أنصح كل رجل مستقيماً إذا صار عنده نوع من التهاون في زوجته بأن وصل إلى مراحل فجور وفسوق عندها ألا يتهاون مطلقاً في العلاج؛ لأن بعض الأزواج قد ينشغل بعمله، أو وظيفته، وربما أحياناً بالدعوة إلى الله، والمرأة تتردى في الالتزام وتتردى في مستواها الإيماني حتى أنها تصل في النهاية إلى حالة سيئة جداً، ويمكن أن أقول لكم عن قصة رجل تنازل عن كشف زوجته، قالت: أما الحجاب لا، أنا ما يمكن أن أغطي وجهي، وأصرّت وألحّت، وصممت، ورضخ الرجل، وسكت عن كشف وجهها، وبعد ذلك صارت تحسر عن شعرها، وأكثر وأكثر حتى وصل الأمر أنها صارت تغازل الشباب بالهاتف، وتخرج مع فلان وعلان، فإذن، مسألة ترك الأمور حتى تستفحل دون أن تعالج علاجاً حاسماً بحكمة وبالموعظة الحسنة من البداية هو أمر سيئ وخطير جداً.
زوج فاسق يسافر ويشرب وزوجته متدينة، يقول: أنا الآن مبسوط جداً لماذا؟ قال: يا جماعة أنا أنصحكم أن تتزوجوا نساء متدينات، لماذا؟ قال: لأني أخرج من البيت وأنا مطمئن، هو فاجر، لكن هو يريدها أن تكون مستقيمة، وهذه نوعية من الرجال موجودة، هو فاجر ويعمل الفسوق، لكن يقول: لا، هذه أم الأولاد، لا يشركني فيها أحد، هذه المتدينة هذه وهذه، وقد يمجدها وهو إنسان فاسق ومتمسك بها، وعند ذلك ينبغي على الزوجة أن تستغل هذه العلاقة وهذا التمسك في جعل زوجها يستقيم على طريق الحق.
وإنني أقول: أن كثيراً من النساء يملكن المفتاح والزمام، وإن المرأة قد تستغل أوضاعاً يجوز لها شرعاً أن تستغل أوضاعاً نفسية معينة في جعل زوجها يمشي على الطريق المستقيم، وهناك زوجات فاضلات إذا رأت عند زوجها منكراً، أو صوراً أتلفتها، وأفلاماً أتلفتها، أو أشياء من الأمور المشروبات المحرمة ونحو ذلك كسرتها وأراقتها، ومنعت زوجها من السفر وضغطت عليه ولا تريد أن يسافر، وهناك كثير من الأزواج قد يستجيبون لنسائهم في هذه القضية، فينبغي على الزوجة ألا تتهاون أيضاً في العلاج الحاسم لمثل هذه الأمور.
وأنبّه هنا إلى أنه قد يقع شيئاً من الذنوب من الزوج أو من الزوجة، قد يقع والعياذ بالله فواحش من الطرفين، فماذا يفعل كل طرف؟ يعتمد على الحال التي تكون عليها القضية، مثلاً بالنسبة للزوجة إذا تابت إلى الله توبة نصوحاً فستر عليها الحمد لله، وإذا لم تتب إلى الله فينبغي أن يفارقها، ولا يمكن لإنسان أن يعيش مع امرأة فاجرة، وكذلك هي لها الحق أن تطلب الطلاق منه إذا عرفت أنه إنسان فاجر زان وأنه مصر على الفجور والفواحش، فإذا حصلت التوبة فلا بد من الستر ولا يجوز فضح الطرف الآخر بأمور كان يفعلها في الجاهلية أو في جاهليته الخاصة به، وهذه مسألة مهمة، فإنني أعلم من الواقع أن هناك كثيراً من الأزواج قد يعير زوجته بأمور باحت له بها في بعض المناسبات، وقالت له عن أشياء معينة وهي تابت إلى الله، وهو كل ما حصل مشكلة قال: أنت كنت تفعلين، وكنت تفعلين، وبالعكس أيضاً يمكن أن يحدث بالنسبة لأشياء كان يفعلها الرجل في الماضي.
لذلك الستر الذي أمرنا الله به مطلوب، ونحن لا بد أن ننستر بستر الله استر نفسك، لا داعي أن تخبرها ولا أن تخبرك بأشياء حدثت مادام تابت فيما بينها وبين الله ، ونبقى على الستر، ونبقى على ما أمر الله به من الطهر والعفاف، أما بالنسبة لبقية المشاكل التي هي أقل من هذا، بمعنى أنها قد لا تصل إلى فواحش أو كبائر، لكن قد تكون معاصي، وتكون ظلماً، وتكون أخطاء في التعامل، وتكون مخالفات واضحة جداً لقوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [سورة النساء:19]، وحقوق المرأة على الزوج كحقوق الزوج على زوجته.
المشكلات الواقعة في بيوت المستقيمين وزوجاتهم
فالآن دعونا نتكلم في هذا القسم الثالث -إن صح التقسيم- في هذه المشكلات التي تقع حتى بين بعض المستقيمين وزوجاتهم الملتزمات بشرع الله.
أولاً: كل المشاكل يمكن أن تعالج بكلمتين من كتاب الله ، ونحن لا ينقصنا العلم في بعض الأحيان إنما ينقصنا التطبيق، قال الله : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [سورة النساء:19].
لو كل رجل طبق هاتين الكلمتين فقط وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [سورة النساء:19] لانتهت قضايا كثيرة جداً لا يعلم بها إلا الله، لكن لأننا نغفل ونهمل ونعصي الله في المعاشرة بالمعروف يقع الظلم في العلاقات الزوجية، وتقع الإشكالات، ثم إن الرسول ﷺ قال: أحرّج عليكم حق الضعيفين[3]، استوصوا بالنساء خيراً[4] تكفي هذه المقاطع يا أخي استوصوا، عاشروهن بالمعروف، استوصوا بالنساء خيراً، خيركم خيركم لأهله[5].
تكفي هذه الأشياء النصوص الشرعية كافية جداً في حملنا على العلاج، لكن القضية في الإرادة وفي مجاهدة النفس، هذا بالنسبة للرجل، تعال بالنسبة للمرأة، يكفي أنها تلتزم بما أمر الله به من معاملة البعل بالإحسان وطاعته في ذلك: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [سورة النساء:34]، إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت حديث صحيح[6]، لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها[7] من عظم حقه عليها، والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تجري بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه[8].
فالمرأة يكفيها هذه الأحاديث لتحل الإشكالات التي بينها وبين زوجها، ينقصنا تطبيق الشريعة، نحن نتكلم عن تطبيق الشريعة في قضايا الاقتصاد والسياسة، ونغفل عن تطبيق الشريعة في القضايا على مستوى أدنى من ذلك في البيوت والأسر، ولو طبقنا الشريعة في البيوت لانحلت جميع المشكلات، وانظر إلى الخطبة الرائعة التي أخبر بها ﷺ وخطبها في حجة الوداع، مائة وأربعة وعشرون ألف شخص مع الرسول ﷺ، ما ينتهز الفرصة هذه ليتكلم إلا إذا كان الكلام مهم جداً، وإلا لانتقى ما هو أهم منه، لكن ركز على أشياء في خطبة حجة الوداع، فقال: إلا واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم أسيرات ليس تملكون شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن ذلك فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا وإن لكم على نسائكم...
الطرف المقابل هذا من العلاج الشرعي، لا ننسى الرجل ولا المرأة، بعض الناس يتكلمون عن الرجال كأنهم هم المخطئون فقط وينسون النساء، وبعض الناس يتكلمون عن النساء كأن النساء هن المخطئات فقط وينسون الرجال، وأنت ترى طريقة الشريعة والنصوص تعالج الجانبين معاً: ألا وإن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن الحديث[9].
وأريد أن أقول في مطلع الكلام عن المشكلات التي ذكرناها من قبل نقطة من النقاط التي تحدث في الحياة الزوجية، البداية أول ما يدخل الإنسان بزوجته أو يعقد عليها، قل من العقد إلى وقت نشوء المشكلات تمر الحياة الزوجية بمراحل بعد العقد في فترة أحاديث ودية جداً، وتبادل الأحاسيس والمشاعر، والإنسان يدخل الحياة الزوجية ويحس أن له طرف آخر مرتبط به، وأنه مقبل على شيء جديد، وأن هذه لذة أباحها الله ، وأنه سيقيم الآن علاقات أسرية، ولذلك يبدأ كثير من الشباب يكلمون زوجاتهم التي عقد عليها، ماذا سنقرأ؟ وماذا سنسمع من الأشرطة؟ وكيف سنقوم الليل في المستقبل؟ وكيف سنربي الأولاد؟ ويتكلمون عن أحلام كثيرة هذا بعد العقد وقضايا شرعية، ونسأل المشايخ، وإلى آخره، ويتواصى معها، قرأت كتاب كذا، وسمعت شريط كذا، وهي تقول له: حفظت سورة كذا، وحضرت محاضرة كذا، وهكذا بالهاتف قبل الدخلة، بعد الدخلة هناك فترة مجاملة، فترة المجاملة هذه عبارة عن مداراة وكلام طيب وأشياء من العسل.
ولكن هذه فترة المجاملات بعد حين من الزمن تبدأ تنتهي، وإذا انتهت المجاملات ظهرت المشكلات؛ لأن بعد فترة المجاملات بعد الدخلة بعد فترة سواء كانت أسبوع أسبوعين، شهر شهرين، المهم في فترة مجاملات كل واحد يحاول أن يغطي عيوبه عن الآخر، ويحاول أن يراعي نفسية الآخر، ومشاعر الآخر، والآن هما مقدمان على حياة جديدة، وعلاقة جديدة، ويريد أن يكسب ودها، وتكسب وده، وهكذا.
بعد فترة المجاملات تظهر الشخصيتان على حقيقتهما، تظهر كل شخصية على حقيقتها، تبدأ المجاملات تنحسر وتبدأ المشكلات تظهر، وتبدأ عيوب الزوج وعيوب الزوجة في الظهور، قضية عيوب في التعامل وأشياء في الاحتكاك قوي كان غير موجود في فترة المجاملات الآن ظهر، وتبدأ المشكلات والاحتكاك والمصادمة، وقد تكون الطبائع فيها اختلاف لكن في فترة المجاملات كان في تغطية من الطرفين، فإذا انحسرت المجاملات تبدأ قضية الاحتكاك والمصادمة والمشكلات والعناد، وربما وصل الأمر إلى الشتائم والضرب وإلى آخره من الأشياء الموجودة في الحياة الزوجية.
بعد فترة المصادمة هنا المصادمات هنا البيوت تختلف والأزواج يختلفون والزوجات يختلفن، فبعد انتهاء فترة المجاملات تأتي فترة المصادمات وظهور العيوب والمشاكل، بعد فترة المصادمات والعيوب والمشاكل يبدأ كل طرف بالتعود على عيوب الطرف الآخر، ويبدأ كل منهما في استيعاب مشكلات الطرف الآخر، ويبدأ كل منهما أو أحدهما بمحاولة تضييق فجوات الخلاف وشقة الخلاف، ومحاولة التكيف مع هذه العيوب، وهذه الأخطاء الموجودة، ومحاولة المداراة كل واحد من الآخر؛ خصوصاً إذا صارت المسألة فيها أولاد، وتبدأ الحياة تسير سيرها الطبيعي، فالمشاكل موجودة، لكن صار هناك توعد الآن، وربما أعقبه وئام إذا وفق الله وحصل التقاء أيضاً مقابل بعد ذلك، ولكن هذه المرحلة الأخيرة ربما لا تحدث، وربما تستمر المصادمات وتستمر المشاكل إلى أن تنتهي القضية بالطلاق أو الموت، ولذلك هذه المراحل التي ذكرتها تحدث يعني في الأحيان العادية، ولكن ليس كل الزواجات تنتهي بالتعود ومواءمة في النهاية، وليس كل الزواجات فيها مشاكل في البداية فربما يكون الزواج سلساً جداً، ولذلك الإنسان لا يغفل لحظة واحدة من الإقبال على الله في أن يختار له الخير، ويختار له الأحسن والأفضل، ونحن الآن نتكلم إذاً بعد فترة المجاملات، نحن سبق تكلمنا في المحاضرة المرأة المسلمة على عتبة الزواج، وكانت موجهة للمرأة قبل الزواج إلى العقد، نحن الآن نتكلم في هذه اللحظات، وما سيليها من كلام، وليس بعد فترة العقد، أو ما بعد العقد من الملاطفات، أو ما بعد الدخلة من المجاملات، نحن نتكلم الآن بعد تلك المرحلة، عندما تبدأ العيوب في الظهور، وهي الفترة التي يعيشها ربما كثير من الأزواج والزوجات.
مشكلة تعيير أحد الطرفين للآخر
من المشكلات الزوجية قضية تعيير أحد الطرفين للآخر وأضرب لكم أمثلة: بعض الرجال يعيرون زوجاتهم بعيوب خلقية، يا عرجاء يا حولاء، يا قصيرة، يا دميمة، وهي تقول له: أنت يا بدين، يا سمين ونحو ذلك من الألفاظ، الآن نحن في قضية التعيير مشكلة من المشكلات، وربما يكون هو مثلاً إنسان عنده سوء بحيث أنه قد يعيرها بشيء بحادث أصابها، القضية ليس العيوب الخلقية أصلاً، ليس ذم للشخص ولا للمرأة، لا للرجل ولا للمرأة، شيء من الله، كيف إذا كان هذا العيب نتيجة حادث معين حصل قدره الله على الرجل أو المرأة؟
فإذن: هذا إثم كبير أن يقول لها: كذا وأنت فيك وفيك، اذهبي عالجي نفسك، سبحان الله، كأنه أيضاً لا علاقة له أبداً في قضية علاج زوجته، وقد يكون السب والشتم بكلمات نابية، وقد يكون من الأشياء الخلقية التي لا تفوتني أن أتحدث عنها لأنها تحدث قضية العقم، إذا كان الزوج لا ينجب أو الزوجة لا تنجب، أثناء المصادمات يعيرها يقول: أنت يا عقيم، أو تقول له: أنت يا عقيم، وأنت اللي أنا صابر عليك وصابر على عدم إنجابك، وصابرة على أن السبب منك، وتنزل عليه، أو ينزل عليها في المقابل، قضية العقم هذه من الله : يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا [سورة الشورى:49، 50] على كل شيء قدير، حكيم عليم.
مشكلة السباب واللعن بين الزوجين
ومن قضايا الشتائم والسباب الذي يحدث مسألة اللعن -مع الأسف- في قطاع لا بأس به من الأزواج والزوجات بينهم لعن متبادل، مع أن الرسول ﷺ نهى عن اللعن، اللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، إذا قلت لها: لعنة الله عليك، معناه: أنك تدعو الله ألا يرحمهما، وألا يدخلها في رحمته، وإذا كانت هي بريئة، وإذا كنت ظالم ومتعدٍ في اللعن، اللعن يرجع عليك، تصعد اللعنة للسماء، فإذا كانت تستحق ولجت، وإذا كان الملعون لا يستحق في اللعن رجعت إلى الأرض ونظرت يميناً وشمالاً فإن كان الملعون يستحق أصابته، وإن كان الملعون لا يستحق رجعت على اللاعن، وكم لعن في اليوم يحدث من كثير من الأزواج والزوجات في البيوت؟ الذي يقول: لعنة الله عليكِ، ولعن الله وجهكِ وقفاكِ وإلى آخره من ألفاظ اللعن وهي قد تبادله الشيء الآخر.
مشكلة الألفاظ الجارحة بين الزوجين
وأيضاً مسألة الألفاظ الجارحة؛ اقلبي وجهكِ، الله يقطع ها الوجه، أنتِ عقدة في نفسي وحياتي، وإذا ما وضعتك في مستشفى المجانين ما يكون اسمي فلان، وما أريد أرى رقعة وجهك، أكلك زي الزفت أكل المطاعم أحسن منه، أنا راح أحطم حياتك وحياتي مع بعض إلى آخره من هذه الأشياء، أو أنت ما تفهمي، أنت هندية، أنت بقرة، ونحو ذلك، أو يا بلهاء، أو يا غبية، أو يتفل عليها أمام أولادها، المشكلة قد يكون السب أمام الأولاد، وكم يكون لذلك من أثر سيئ على نفسية الأولاد، وعقد لا يعلم بها إلا الله تتركز وتترسب في نفسيات الأطفال، ثم بعد ذلك يكون عندنا العقد، وأطفال انطوائيون، وأطفال فيهم عيوب قد تكون في الكلام واللسان، وأطفال غير مبدعين وغير منتجين، وأطفال قد يكون عندهم قصور في جوانب حتى في وظائفهم الجسدية، وأطفال عندهم عقد نفسية، ولا يجرءون على مواجهة المجتمع، ولا يحل مسألة، ولا يتكلم في فصل أمام أستاذ، ولا أمام طلاب، إلى آخره، والسبب هو ما يرى هذا الولد يومياً من المشكلات والسباب والشتائم التي تحصل بين أبيه وأمه، وإهانة الطرف الآخر من الأشياء الموجودة قضية الإهانة، قد تكون الإهانة باللفظ، مثل أن يقول: أنا أخذتك من الشارع، لاحظ هذا أنا أخذتك من الشارع، نقول: إن الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ [سورة الحجرات:11]، ونقول: وقال الله : وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [سورة الحجرات:11].
مشكلة الضرب
ومشكلة أخرى من المشكلات في الحياة الزوجية قضية الضرب، قضية الضرب، الضرب يحصل في الغالب من الرجل، ما سمعنا، نادراً تسمع لك زوجة ضربت زوجها هذا شيء، لكن الغالب أن الظلم في هذا يقع من الرجل، فهو الذي يحمل العصا أو الأنبوب مثلاً البلاستيكي، أو غيره، والحذاء -مثلاً- ويضرب زوجته، وبعد ذلك يد الرجل حتى لو ضرب باليد، يد الرجل غير جلد المرأة وجسد المرأة، فالضرب هذا أول شيء إذا كان غير مشروع فهو حرام وظلم وتعدي، ويأثم الرجل عليه، يعتبر ظلماً، وإذا كان نزل منها دماء، فأول ما يقتص يوم القيامة في الدماء، والجرح الذي يجرحه لزوجته مثلاً هذا عند الله حقوق العباد ما تضيع، وكم من ظلمة في البيوت قد كسر عظم زوجته، أو جرحها وأسال دمها، أو كسر سنها، وربما عطل شيئاً من حواسها، أو أسقط جنينها، ونحو ذلك في قضية الضرب وربما لا تستطيع أن تمشي، وثم أن هذا الضرب إذا علّم في جسدها وصار علامة خضراء أو علامة حمراء أو علامة سوداء في الجسد، وكيف تقابل الناس؟ وعندما يكون هذا في الوجه، كيف تقابل أهلها، وكيف تقابل الجيران –مثلاً- كيف بالضرب هذا علامات الضرب؟ ثم أن الضرب في الوجه أصلاً حرام، غير أن الضرب أصلاً إذا كان غير مشروع هو ظلم، إذا صار الضرب في الوجه يكون حرام، ولذلك نهى ﷺ عن الضرب في الوجه، فأما بالنسبة لقضية الضرب فإليكم هذه الأحاديث المبينة: قال ﷺ: لا تضربوا إماء الله[10].
أصدر ﷺ أمر بعدم ضرب النساء، فجاء عمر إلى رسول الله ﷺ، فقال: "ذئرن النساء على أزواجهن" يعني النساء تمردن، أنت منعت الضرب، بعض النساء العاصيات الناشزات أخذوا راحتهم، ما دام الضرب ممنوعاً، فرخص ﷺ في ضربهن ضرب الناشز، الناشز العاصية، فأطاف بآل رسول اللهﷺ النساء يشكين للنساء، جئن نساء المدينة لنساء الرسول ﷺ وزوجاته تشتكي كل واحدة إلى امرأة من زوجات الرسول ﷺ، نساء كثير يشكون أزوجهن، فقال رسول الله ﷺ: ولقد أطاف بآل بيت محمد نساء يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم إن الرجال هؤلاء الذين يضربون ظلم ليسوا بخياركم.
وقال ﷺ: ائت حرثك أنى شئت، وأطعمها إذا طعمتَ، واكسها إذا اكتسيتَ، ولا تقبّح الوجه، ولا تضرب[11]، لا تقول: قبح الله وجهك، ولا تضرب في الوجه، فإذن، الضرب الذي يحصل الآن في كثير من البيوت هو تعدٍ لحدود الله؛ لأنه ليس عقاباً تعزيرياً مشروعاً للناشز؛ لأن المرأة قد تكون مطيعة، وإنما تُضرب لأتفه الأسباب، أو تضرب ظلم، هناك ناس عندهم نزعة سيادية كما يقولون في مذاهب علم النفس، يتلذذ بالتعذيب، عنده تعذيب الزوجة، هذه مسألة لذة فيها لنفسه، ولذلك فهو يشفي غليله، ويريح نفسه إذا ضرب، وإذا ما ضرب ما يستريح، فهذه النوعية السيئة يقول ﷺ مبيناً: يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد البعير، ولعله يضاجعها في آخر النهار[12] يلفت النظر، يقول: يعمد أحدكم إلى امرأته فيجلد امرأته جلد البعير جلد ضرب مبرح جداً يعلم في الجسم والجسد، وفي آخر النهار يطلبها للفراش! كيف تتوافق القضية؟ كيف تتناسب هذه مع بعضها؟ كيف ينتقل الإنسان من مرحلة الضرب الشديد إلى مرحلة الملاطفة الفراش كيف؟ فهذا التناقض الذي يعيشه بعض الرجال مع زوجاتهم يعبر عن نفسية سيئة، على الأقل لابد للإنسان ما يضرب إلا إذا أول شيء أخطأت ونشزت وما انتصحت، ولا وعظت وهجر في الفراش لا فائدة يلجأ إلى الضرب، بعد أن استنفذ جميع الحلول يلجأ إلى الضرب، أما الضرب من أول شيء خطأ ولو كانت المرأة مخطئة: فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [سورة النساء:34]، في ترتيب كما سنتكلم بعد قليل.
مشكلة عدم خروج الزوج بزوجته
هذه مشكلة، وهي قضية أن بعض النساء تشتكي مثلاً تقول: زوجي لا يذهب بنا إلى السوق أبداً، ويقول: أنا أشتري لكم جميع الأشياء حتى ملابس النساء، وحتى الأولاد هو يشتريها، السوق لا شك أنه شر البقاع عند الله الأسواق، طيب وليس من المحمود أبداً التجوال في الأسواق، وكثرة ما فيها من منكرات على الرجل وعلى المرأة، لكن الإنسان من أين يشتري حاجياته؟ لا بد أن يكون عندنا نظرة واقعية من السوق، وينبغي على الإنسان أن يتحين الفرص ما يذهب وقت الجمعة والخميس عندما تكون بعد المغرب أو العشاء عندما تكون الأسواق مزدحمة والناس كلهم أنزلوا عوائلهم إلى الأسواق، مثلاً بعد الوظيفة أو في الليل، والخلط والهرج والمرج في الأسواق والمنكرات قد عظمت جداً، ممكن يحاول ينزل مثلاً الخميس صباحاً، في أوقات مثلاً ما يكون فيها ازدحام العصر قد يكون أحسن من الليل مثلاً فيشتري الأشياء، وهذه قضية.
قضية أخرى: هناك بعض الأشياء في السوق لا يحسن شراءها إلا المرأة، وقليل من الرجال الذين يعرفون النوعيات الجيدة أو المناسبة للأطفال، أو الأشياء المناسبة، المرأة هي التي ستلبس، على الأقل يكون عندها حرية في الاختيار والأشياء التي ستلبسها، طيب أقل شيء اجعلها تنظر لبعض الأشياء يعني مثلاً ألوان أقمشة مثلاً إذا كنت مصمماً على الأقل تقول لك: أريد من هذا النوع بدلاً من أن تقول: أنا سأتحكم فيك وفي لبس الأولاد، وأنا الذي سأشتري، وأنتِ عليك أن تلبسي كما أريد، وكما أنتقي، وربما هو لا يفهم في أشياء النساء، وفي الملابس، ويشتري أشياء غير مناسبة -مثلاً- حتى الأشياء التي فيها تشبّه بالكفار من أنواع الملابس والأشياء المحرمة قد لا يدركها إلا الزوجة، فإذن، ليس من الصحيح القذف بالزوجات في الأسواق، وترك الزوجة في السوق، ويذهب الرجل وتكون هي عرضة للأذى من الغادي والرائح، وتحصل المنكرات العظيمة، وربما تؤدي إلى فواحش والعياذ بالله، هذا حرام لا يجوز، وفي نفس الوقت لا بد من مراعاة حس المرأة في مسألة شراء الأشياء المناسبة لها ولأولادها من السوق، وبعض الناس ربما لا يفرق بين الأشياء الرجالية والنسائية، فيذهب يشتري لابنته شيئاً يصلح للذكور، وقد يشتري لولده شيئاً ما يصلح إلا للبنات، ولكن الأمر الأول: إذا أنزلت زوجتك أنزلها في وقت لا يكون فيه السوق مزدحم بالمنكرات، والأمر الثاني: شيء لا تكثر التنزيل للسوق، والأمر الثالث: تلبي لها رغبة في أن تشتري ما يناسبها بنفسها.
مشكلة الإهانة بالفعل
وقضية أخرى من القضايا وهي مسألة الإهانة، نحن تكلمنا قبل قليل عن الإهانة بالقول، ولا يفوتنا أن نتكلم عن الإهانة بالفعل،أحياناً رجال يهينون زوجاتهم، كيف تكون الإهانة؟ كأن المسألة أنه يريد أن يكسر رأسها وأن يكسر أنفها، طبعاً الكسر أقصد الكسر المعنوي، ما هو الكسر الحسي؟ الكسر المعنوي؟ وأن يرغمها أن تكون خاضعة ذليلة عنده، وأن تكون مثل العبد عند سيده تماماً، بحيث أنها لا رأي لها ولا شخصية ولا كلمة ولا شيء، وأن تكون حقيرة مهينة أمامه، فمثلاً بعض الرجال يعتمدون سياسات في معاملات الزوجات خاطئة من جهة الإذلال وتحطيم الشخصية ومسحها تماماً، فهو كأنه يريد ألا يرى أمامه أي رأي وأي كلام وأي نقاش، فهو يريد أن المرأة تسكت وتخرس، ولا تقول أي كلمة، وهذا دائماً شأنه في كلامه، دائماً هذه كلمة اخرسي هي عنوان الحديث، وربما أن بعضهم إذا دخل البيت يمد رجله وهو واقف حتى تنزل هي وتخلع الجورب، ولا بد هذا عنده، هذا من الأساسيات مراسيم دخول البيت، وينبغي كذلك أن تخلع له جزمته، وإذا جاءت له بكوب الماء ينبغي أن تكون واقفة عند رأسه حتى يشرب، ولو قعد يشرب كأس الماء على نصف ساعة، لا بد أن تكون واقفة مثل الصنم عند رأسه يشرب، ولا تتكلم ولا تتحرك ولو صاح الولد ولو حصل ما حصل من الطبخ على النار ولو يجب أن تكون، وأقول لكم: إنه ﷺ كان يراعي زوجاته، وكان يراعي مشاعرهن جداً.
انظر إلى هذا الحديث: "أن صفية زوج النبي ﷺ ورضي الله عنها قالت: "كان النبي ﷺ معتكفاً، لاحظ المعتكف المعتكف ما يخرج من المسجد إلا لضرورة، حتى عيادة المريض ما يخرج، تشييع جنازة ما يخرج، ما يخرج لقضاء حاجة، غسل، طعام لا يستطيع أكله في المسجد معتكف، قالت صفية: "فأتيته أزوره ليلاً في المسجد، وهو معتكف، فحدّثته ثم قمت لأنقلب أرجع إلى البيت، فقام معي ليقلبني، محافظته على زوجته، ومن حمايته لها، ومراعاة لمشاعرها، قام معها ليرجعها إلى البيت بنفسه ﷺ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي ﷺ أسرعا فقال النبي ﷺ: على رسلكما إنها صفية على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال شيئاً[13].
تأمل؛ قام معها من المعتكف ليرجعها إلى البيت، انظر قضية حماية المرأة بدلاً من أنك تذلها ينبغي أن تحيطها وتحميها، خذ هذا المثال الآخر: "عن أنس بن مالك قال في حديث طويل: "لما أولم الرسول ﷺبصفية وتزوج صفية، قال: "ثم خرجنا إلى المدينة فرأيتُ رسول الله ﷺ يحوي لها وراءه بعباءة -يعني يحيطها ويشملها بها- ثم يجلس عند بعيره، انظروا إلى المعاملة، معاملة الرسول ﷺ الرسول الكريم ﷺ وأنا خيركم لأهلي ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب، هو يصعدها على البعير، ويضع ركبته لتصعد على ركبته وتركب، هذا التواضع، وهذه الرحمة، والشفقة والإحسان، ومعاملة الزوجة ﷺ[14].
مشكلة تسلّط الزوجة على زوجها
وينبغي أن نشير في المقابل إلى أن بعض النساء عندهن قضية إذلال الزوج، وعدم تلبية رغباته، هذه مسألة، فبعض الزوجات من إهمالها لزوجها إذا أمرها أن تضع الطعام، كأنه يشحذ منها شيئاً، أرجوك تضعي الطعام ما وضعت الطعام، وإذا دعاها إلى الفراش كذلك كأنه يشحذ منها شحاذة، ويتوسّل إليها توسّلاً، وبعض النساء عندهن من قضايا الإهمال وقضايا حب تركيع الزوج -إن صح التعبير- في هذه المسائل أمور سيئة جداً، وهذا مما يسبب على المدى الطويل كره الزوج، يقول الزوج أتحمل إلى متى؟ إلى متى أنا أذل نفسي؟ وكلما أردت أن أدعوها إلى الفراش، لا بد أن أذل نفسي حتى تأتي، وأن أتوسّل إليها، وآتي بعبارات كثيرة جداً، ولذلك الرسول ﷺ أمرها قال: لتأتي وإن كانت على قتب[15] وإن كانت على تنور وعلى فرن وهي تخبز، تترك كل شيء وتأتي إلى فراش الزوج؛ لأن الزوج لا يعلم نفسيته الآن.
قد يكون رأى شيئاً في السوق، قد يكون رأى شيئاً في الشارع، قد يكون ثار في نفسه رغبة الآن، ولا بد من تحقيقها، والزوجة إذا ما لبّت رغبته لماذا تتزوج؟ إذا ما لبت رغبته بالحلال، لماذا تتزوج؟ حتى أنها تأتي وتتمنّع عليه، وترفض طلبه، ولا تأتي إلا بعد التماسات، وبعد توسلات ما يمكن هذا، لا يمكن أن يكون هذا من شريعة الله في العلاقات الزوجية، ولئن كنا تكلمنا عن تسلّط الزوج في أشياء فهناك تسلط لبعض الزوجات، تسلّط بمعنى أنها هي كأنها هي القوامة، وهي المتحكمة في البيت، والمتحكمة في الرجل، توجهه يميناً وشمالاً وشرقاً وغرباً، اشتر، لا تذهب، اذهب، لا تسافر، سافر، حتى تتحكم فيه في قضايا عمله الخاص به، تتحكم هي في قضايا العمل الخاص، افعل ولا تفعل، حتى أن بعض الناس يبحثون وساطات يقولون: عليك زوجة المسئول تصل على طول.
مشكلة الزوجة الموظفة ذات الراتب
نأتي الآن إلى مشكلة أخرى، وهي قضية الزوجة الموظفة ذات الراتب، وحق الزوج في الراتب، وماذا يحدث في هذه المشكلة؟ وأول شيء المرأة الأصل ترى أنها في البيت تخدم زوجها وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [سورة الأحزاب:33].
لكن قد يحصل أن تعمل المرأة في عمل مباح، بحشمة كاملة، ويكون عملاً مباح، وبيتها خير لها، لكنها تعمل في وظيفة معينة تدريس إلى آخره، الآن شرعاً، من الذي عليه النفقة؟ الزوج ليس فيها كلام، سواء كانت الزوجة ثرية جداً جداً تملك الملايين، أو كانت معدمة فقيرة جداً، النفقة على الزوج، ولذلك بعض الأزواج يعملون خطأ ويرتكبون خطأ عندما يقول لزوجته: عندك أنت إرث من أبيك لم تكلفيني؟ أنا ما أعطيك ولا شيء، عندك مال وعندك خير، وعندك أراضي، وعندك عقارات، وعندك أموال وعندك...، و هل رأيتَ شيئاً في الشريعة اسمه إذا كانت الزوجة ثرية فإن النفقة تسقط على الزوج؟ لا يوجد، إذا رضيت لك وجادت بأن تعطيك من مالها، أو أن تسقط النفقة عنك؟ وتقول: أنا أنفق على نفسي وأنتَ وفّر مالك، ربما تحتاج تبني بيتاً، وربما تحتاج مصروفات للمستقبل، تشتري سيارة، وهذا من طيبها، وجزاها الله خيراً إن فعلت ذلك.
نأتي الآن بالنسبة للوظيفة، إن شرطوا عليك في عقد الزواج أن تشتغل والنقود لها فلا يجوز لك أن تمنعها من العمل إذا رضيت بالشرط إلا إذا صار في حرام في العمل صار في منكرات، فلا يجوز لك أن تمنعها من العمل وراتبها لها ما في إشكال أبداً في هذا، أحق الشروط بالوفاء ما استحللتم به الفروج، لكن لو لم يكن هناك شرط، تزوجتها وهي موظفة، ما نختلف، تزوج، الآن المرأة تأخذ راتباً، وبعض الأحيان راتب المرأة أكثر من راتب الرجل، ربما يكون راتبه أربعة آلاف خمسة آلاف، وهي راتبها في التدريس مع الخبرة مع كذا يوصل سبعة آلاف ثمانية آلاف، فيطمع الرجل في نقود زوجته، ويقول: بدل ما أنت تروح تصرفيها على أهلك وجاراتك وزيناتك وملابسك، لا لا أنا أحق فيها هاتيها، فيريد أن يأخذ راتبها بالقوة.
طيب هنا لا بد أن ننظر نظرة فيها عدل، الحالة الآن ليس فيها شرط في العقد، الآن الزوجة عندما تذهب إلى العمل هل تخل بشيء من حق الزوج؟
أنا أقول لكم الجواب ولا شك ما يمكن للواحدة ترجع منهكة من العمل وتكون طبختها أحسن ما يمكن، وترتيب بيتها أحسن ما يمكن، والعناية بالأولاد أحسن ما يمكن، واستقبال الزوج أحسن ما يمكن، هذا ما يمكن يكون أبداً، نادراً جداً ما يحدث هذا فهو في الغالب المرأة الموظفة لا بد أن تقصّر في حق الزوج، فالآن ممكن أن تحدث عملية مفاهمة واتفاقية غير مكتوبة ومعلنة، كأن يقول الزوج لزوجته في هذه الحالة التي نتكلم عنها الآن: مقابل أن عندك تقصير في حقوقي وواجباتي فإن من المناسب أن تعطيني من الراتب شيئاً يعادل التقصير في الحقوق الذي نتج من الوظيفة التي أنت تعملين فيها! فإذا اصطلحا على نسبة تعطيها إياه من الراتب مثل النصف أو الربع، أو الثلث، ونحو ذلك، فإن هذا جائز شرعاً ولا غبار عليه بل هو أمر محمود مقابل خروجها من البيت وربما ترك الأطفال عند الخادمة، أو ترك الأطفال في حضانة، أو نحو ذلك، وعدم ترتيب البيت، والرجوع منهكة في العمل وربما لا تعطيه حقه في الفراش تماماً أو في الطبخ أو إلى آخره، فيه فرق بين الزوجة بحيويتها التامة عندما تستقبل الزوج، وفرق بين الزوجة المنهكة عندما تستقبل زوجها المنهك، فإذا حصل هذا الاتفاق هذا أمر طيب جداً جداً، ويمكن أن يتفاهما عليه شفوياً، يقول: هلا سمحت لي بجزء من الراتب مقابل العمل والوظيفة، وخروجك من البيت؟ فطابت نفسها الحمد لله، انتهت المشكلة هنا، لكن المشكلة أين تكون؟
وإذا منعها من الوظيفة وهذا شرط في العقد والعمل ليس فيه محرم، لا يجوز له، ولها أن تطلب الفسخ، لو ما كان فيه شرط في العقد بعض الرجال يعمدون ظلماً مثلاً فيستولي على جميع ممتلكات زوجته، ما في شرط في العقد تريد أن تمنعها من العمل لك الحق امنعها من العمل، لكن تخليها تشتغل ثم تستولي على أموالها كلها دون رضا منها حرام يا أخي لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه[16] ما يجوز لك أن تفعل هذا، وبلغت الدناءة ببعضهم أنه يتقدم إلى امرأة عندها شهادة، يقول والله –لاحظ- أشترط لكي أتزوج بنتكم أن تشتغل وتعطيني الراتب، حصل، وهذا الأخذ للاستيلاء على المال الذي يحصل أنه يسلبها راتبها كله لا يبقي لها شيء، والمرأة عندها -مثلاً- هدايا، صديقتها جاءها مولود، تريد أن تهدي لصديقتها، تريد أن تهدي هدية لأمها لأبيها تبر أهلها من راتبها، تشتري شيئاً لنفسها، وهو يسلب الراتب كله ويضعه باسمه في البنك، ويقول: سنبني بيتاً ونفعل ونحن محتاجون وهذا، وربما هو يصرفه وربما يتزوج زوجة أخرى عليها من مال الزوجة الأولى، الزواج الثاني حلال يا أخي، لكن هذا الكيد أن يصل إلى درجة أنه يفقرها يستولي على راتبها لكي يتزوج ويكون مهر الثانية هو رواتب الأولى، وهذه مسألة أظن أنه فيها ...
ومن الأشياء أن بعض الناس ما عندهم زوجات موظفات، زوجته عادية المهنة ربة بيت، ونعم المهنة، فتقع عندنا مشكلة مالية أخرى وهي مسألة مصروفات الزوجة، لها فساتين وثياب وأدوات زينة وأغراض شخصية، هدايا إلى أهلها إلى كذا، لها مصروف، فيقع كثير من النزاعات، ما تعطيني شيئاً، أو أنه قليل، لا هذا يكفيك، أنت مبذرة، أنتَ ظالم أنتَ بخيل، أنتِ مسرفة أنتِ ... وتقع المشاجرات في هذه القضية، فالآن ينبغي أن ينظر الواحد إلى المسألة بعين العدل والإنصاف، يا أخي إذا وسّع الله عليك وسِّع على أهلك وهذا شيء تؤجر عليه، النفقة تؤجر عليها، والتوسعة تؤجر عليها، وهذه أقرب الناس لك هي زوجتك، فإذا كان الواحد عنده سعة من المال لم لا يجعل لها مصروف جيد، وهو متأكد أنها تصرفه في الحلال إن شاء الله، إما إذا كان في الحرام لا يعينها بقرش واحد، هذه منتهية المسألة، ومن الأشياء الآن عندنا طريقتان: إما أنها تطلبه ويعطيها مثلاً خياطة ثوب، خياطة فستان، وهذه الأجرة، اشتريت قطعة هذه أريد أن أشتري هدية لأهلي هذا المال.
والحالة الثانية التي ربما تكون تضبط بعض الناس عندهم نظام محاسبي، يعني يريد أن يبرمج نفسه ويمضي على نظام معين، ويعرف مصروفاته ومدخولاته، إنسان مرتب، هذا قد يكون من المصلحة له أن يعمل لزوجته مصروفاً شهرياً، ومما يحل النزاعات أحياناً عمل مصروف شهري، افرض مثلاً أعطيتها في الشهر حسب راتب الشخص، ليس شيئاً محدوداً أعطيها ألف ريال سبعمائة ريال خمسمائة ريال، ليس هناك شيئاً محدوداً، بحسب راتبك أنت والتزاماتك، ليس فقط الراتب، قد يكون راتب الزوج مثلاً خمسة عشر ألف ريال، لكن عنده التزامات، قد يعول أكثر من عائلة، وعنده بناء بيت وأقساط سيارة، فإذن المسألة ليست فقط أن تقول: أنت راتبك خمسة عشر ألف ريال لا بد أن تعطيني، لا، قد يكون عليه التزامات، فإذن مصروف الزوجة الشهري يحدد بناء على راتبه ومصروفاته والتزاماته، والناس يتفاوتون في الالتزامات، وليسوا سواء في المستويات الاجتماعية، هناك ناس مصروفاتهم أكثر من ناس، هناك ناس مثلاً اجتماعيون وعندهم عزائم وعندهم ولائم، وهناك ناس مثلاً انعزاليون انطوائيون نوعاً ما، ما يدخل الضيف بيوتهم إلا نادراً، فيكون مصروفهم أقل، هناك واحد حجم عائلته عشرة أشخاص، وهناك واحد حجم عائلته شخصان.
فإذن المسالة لا بد أن تراعى فيها هذه العوامل، ثم بعد ذلك يرتب لزوجته مصروفاً شهرياً يعطيها في أول الشهر، مثلاً إذا استلم الراتب أعطاها، هي بعد ذلك حرة توفر منه، تنفقه كله في أول يوم، تخليه معتدل التوازن تنفق منه في آخر الشهر خلاص هذا لها، وهذه المسألة مجربة ونافعة في حل كثير من المشكلات المالية التي تنشأ بين الزوجة وزوجها، بدلاً من أنها تتخيل أنه ما أعطاها شيء وبخيل، وبدلاً من أن يتخيل هو لا أنه أعطاها، وبدلاً أن يتمنى كل واحد على الآخر، يقول لها مثلاً: أعطيتك في تلك المرة كذا، وأعطيتك كذا، وأعطيتك كذا، وأنت تنكرين الجميل، وأنتن تكفرين العشير، وكذا وصحيح أنه يحصل منهن كفران العشير، لكن قد يكون أحياناً الزوج متعدٍ في الأوصاف، فإذاً قد تحدث مثل هذه، تكون قضية المصروف حلاً، وقد يكون كل ما لزمها أعطاها، ولا يرد لها طلب مادام معقول والحمد لله وتمضي الأمور.
مشكلة بخل الزوج على زوجته وولده
نأتي الآن إلى مسألة أخرى مشكلة عويصة وهي الزوج البخيل، مرتبطة بالمسألة هذه، الزوج البخيل هذا طبعاً يتصور في الزوج لا يتصور في الزوجة، الزوجة قد يكون فيها بخل لكن ينعكس أكثر إذا كان من الزوج، ويظهر أثره السلبي الواضح في الأسرة، بعض الأزواج الحقيقة أنهم لا يخافون الله في الصرف على العائلة وحتى الأولاد، فمثلاً البيت قذر، البلاعات تطفح، ويخرج ما فيها في البيت، الروائح كريهة، ودهان الجدران مقشر، والمكيفات لا تعمل، والثلاجة تسح بالماء، والغسالة معطلة ونحو ذلك، والأشياء تتلف في البيت تدريجياً، وهو من بخله لا يصرف ولا ينفق، ولا يصلح البيت، وقد يكون عنده قدرة لشراء بيت جيد، وإذا أنعم الله على عبده فليرى أثر نعمته عليه، ومع ذلك لا يصرف ولا شيء في البيت.
بالنسبة للمصروف لا يعطيها مصروفاً ولا تشتري ثياباً، وربما تكون ثيابها التي عليها هي ثياب أختها، الطعام قد يكون مقتراً في البيت جداً ولا يأتي بالأكل حتى أن بعض الجيران قد يشفقون عليهم ويلاحظون فيعطونهم على الغداء وعلى العشاء أحياناً أطباق من الجيران، لأنهم يعرفون أن هذه زوجها حتى الطعام للبيت ما يشتريه، ما في الثلاجة إلا الخبز، وربما لا تفطر ولا تتعشى إلا خبز وشاي فقط، واللحم قد لا يوجد، بعض الناس عندهم عجائب في هذا الجانب، عجائب ولا يدري إلا من سمع وتقصّى الأخبار، لا يدخل اللحم إلى البيت ربما إلا في العيدين، من العيد إلى العيد، عقيقة الأولاد، ربما لا يذبحها من بخله، إذا جاء ضيف يقول: قولي له غير موجود، وهذا الوضع سيئ.
وربما بعض الأزواج تصل بهم ما أدري ماذا أقول ربما الدناءة أنه هو أهم شيء يشبع بطنه، فمثلاً يمكن يعزم أو في العمل يصيب وليمة أو شيء من هذا القبيل، لكن لا يهتم أبداً ماذا عندهم طعام في البيت ما عندهم طعام زوجته عندها ما عندها طعام أبداً، المهم أن حضرته هو يتغدى، ويكون هذا يضمن بطنه وملأ بطنه وشبعه والزوجة بكيفها والأولاد بكيفهم، وبعضهم من البخل لا يشتري ألعاباً لأولاده، وألعاب الأطفال شيئ ضروري، اللعب للأولاد شيء ضروري ضروري، وقد لا يشتري لهم حلويات حتى بعض النساء ممكن تجمع من ضيافات الناس عندما تذهب إليهم وتقول والله أخبيها لعيالي؛ لأن أبوهم عمره ما أخذ لهم قطعة سكر قطعة حلويات أو أتى لهم بأشياء، تقول: أنا أهلي يصرفون علي، آخذ نفقتي من أهلي، وربما نشتري أغراض البيت من أهلي، زوجني لكي يتخفف عنه بعض المصروفات، لا وإذ بي جبت له مصروفي ومصروف زوجي وأولادي إلى أبي، وهذا شيء حاصل، وربما أخوها يعطف عليها ويعطيها وربما أقرباء آخرين، وهكذا، أو هو ما ترى، فإذا كان الوضع بهذا الحال، فماذا تفعل الزوجة يا ترى؟
عن عائشة -رضي الله عنها- أن هند بنت عتبة قالت: "يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلمه، اشتكت مضطرة تشتكي وهذه ليست غيبة، لأنها مضطرة أن تشتكي حالها، لا بد من إيجاد حل، وهذا أمر عائلي وهذا أمر مستمر، هذه ليست عيشة ساعة أو ساعتين ويوم ويومين، هذه حياة مستمرة، وهذه مشكلة متأصلة ومستمرة ولا بد من إيجاد حل، قال ﷺ لها: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف[17].
وبناء عليه يكون عندنا حكم شرعي مقر من الرسول ﷺ، وهو أن المرأة إذا بخل عليها زوجها فعلاً يجوز أن تأخذ ما تحتاج بالمعروف، لاحظ: الشرط بالمعروف، تحتاج تأخذ من جيبه حتى لو لم يعلم، تأخذ تصرف على نفسها وبيتها وأولادها وهو لا يعلم، ولا تعتبر سرقة ولا يعتبر حرام، بشرط أن يكون ماذا؟ بالمعروف، أما أن تختلس منه وتسرق وهو ينفق عليها وغير مقصر معها، فإنه لا يجوز لها ذلك أبداً، ويا ويلها عند الله إن فعلت ذلك وأخذت ماله بغير علمه، ما الذي يحدد لنا قوله ﷺ: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف بالمعروف.
مشكلة الخوف المفرط لدى المرأة
ننتقل إلى مشكلة أخرى في بعض النساء عندها طبيعة وهي الخوف، فهذه المرأة تخاف من الظلام، وتخاف من الحشرات كبيرها وصغيرها، وتخاف من الوحدة في البيت، وتخاف من الأصوات إذا صارت خارج البيت، وهذا شيء نراه طبيعياً نوعاً ما، لكن أحياناً قد يزيد جداً بحيث أنه يصبح أمراً غير طبيعي، ويصبح هذا الخوف معطلاً للزوج عن قضاء مصالحه الدنيوية والشرعية، فما يستطيع يذهب إلى جلسة علم، ولا يصلي الفجر في المسجد؛ لأن الزوجة خائفة وتتمسك به، أرجوك لا تخرج، لا تذهب، اسمع أنا أسمع وهناك شيئاً خارج، هناك لص، هناك كذا، وإذا سقطت كرة الأولاد في الشارع على البيت ويقفز الولد ليأتي بها، فهنا قد تقطعت الأمعاء وقد اصفرّت الوجوه، وقد اسقط في أيديهم، وأُغمي عليهم، أو عليهن، وحصلت هذا، صحيح أن الرجل أثبت فؤاداً وأقوى جناناً، لكن يعني ما هو صحيح أن المرأة تصل إلى هذه الدرجة من الخوف، ثم إن المسألة إذا صار فيها تعطيل للزوج عن شيء شرعي مثل صلاة العشاء أو صلاة الفجر بحجة تتركني وحدي وتذهب تصلي، لا، وما يمكن أن يذهب إلى محاضرة وإلى جلسة علم؛ لأن فيها هذا الخوف القاتل، ما يمكن، نحن نتكلم بشرط أن يكون الرجل مؤمن لزوجته المسكن المناسب، الإجراءات الأمنية في البيت أقفال والأبواب والمفاتيح والأشياء والسور وهذا أشياء مؤمنّة موجودة متوفرة، وبشرط كذلك أن يثبت أن الزوجة كلامها أوهام، لا هناك حرامي، ولا هناك لص، ولا هناك شيء، ولا هناك أصوات، ولا يوجد قرقعة، وأن هذه اختلاقات ووسوسة وأوهام تأتي بها هذه المرأة الخوافة إلى نفسها، فعند ذلك تتعود مع الزمن، ويكون الزوج له مواقف حاسمة وجادة في هذه القضية، ومسألة ترك واجبات وترك صلوات من أجل هذا لا يمكن أن يحدث.
تأخر الأزواج عن الرجوع إلى البيت
الآن ننتقل إلى مشكلة أخرى وهي تأخر الأزواج عن الرجوع إلى البيت، بعض الرجال يعكف عند زوجته مرابط عندها طيلة الوقت، يعتذر عن حلقات العلم، أنا تغيرت الآن حياتي وتزوجت وصار عندي مسؤولية، وأنا إنسان الآن في أسرة وكذا، فأنا أعتذر منكم عن جميع الأشياء العلمية والحلقات الشرعية، وأعتذر عن دعوة فلان وفلان، وأنا الآن صارت عندي أسرة؛ لأنه متعلق بزوجته تمام التعلق، بحيث أنه لا يفارقها لحظة واحدة، كل شيء الآن مع الزوجة، كله مع الزوجة، لا في عطاء للدعوة، ولا لطلب العلم، ولا في عطاء للمجتمع، ولا زيارات اجتماعية، ولا صلة رحم، ولا دعوة الجيران ولا الأقارب إلى آخره، الآن هذه الأشياء كلها ذهبت مع الزواج، وهذا قد يكون منعطفاً من المنعطفات السيئة، لكن في المقابل بعض الأزواج عندهم العكس تماماً، سبحان الله! الأمور دائماً تكون بين إفراط وتفريط، الحق وسط بين طرفين دائماً، فيتأخر دائماً في الرجوع إلى البيت، لا تراه زوجته إلا نادراً، لا يراه أطفاله أبداً، لأنه أصلاً عندما يرجع إلى البيت متأخراً يكون الأطفال قد ناموا، فيحرم الأولاد من ملاعبة أبيهم لهم وحنانه عليهم وتربيته لهم وتأديبه لهم، وهكذا؛ لأنه دائماً خارج البيت، دائماً خارج البيت.
بعض الناس قد يذهبون في أشياء شرعية، لكن بعض الناس يذهبون في أشياء دنيوية، في واحدة تقول: إن زوجي لا يرجع من العمل إلا الساعة ثلاثة في الليل، ليس نظاماً، هذا رجل عنده وظيفة عادية، لكن تجارة لكن من فرط انشغاله بتجارته ما يرجع إلا متأخر جداً في الليل، العمل والأشغال والأعمال والتجارات وهكذا، وبعضهم قد يكون سبب الانشغال، أو التأخر وأشياء شرعية حلقة علم كنت مع شباب طيبين، كنت في مشروع خيري كذا وكذا، فالآن لا بد يكون الإنسان متوازناً، فلا هو الذي يمتنع عن عمل الخيرات ويلتصق بالبيت، ولا هو الذي يرجع دائماً في وقت متأخر من الليل، ثم أنت ممكن يكون عندك يوم يومان ثلاثة تخرج من البيت وقد تتأخر، لكن ليس تتأخر طيلة أيام الأسبوع.
ثم إن الأزواج ترى يختلفون بعضهم قد يكون عنده مسئوليات دعوية وعلمية كثيرة جداً، وبعضهم قد يكون عنده مسئوليات قليلة في هذا الجانب، والزوجة لا بد أن تعذر زوجها من أي نوع، ولذلك بعض المصلحين مثلاً امرأة الزهري تقول: إن كتبه أضر علي من ثلاث ضرائر، أشد علي من ثلاث ضرائر، لأن من عكوفه على العلم، فرق بين العالم، وزوجة العالم ينبغي أن تعذره أكثر من زوجة الإنسان العادي، وزوجة طالب العلم، أو زوجة الداعية ينبغي أن تعذره أكثر من الشخص العادي الذي ليس عنده إمكانيات في هذا الجانب.
أرى أن الوقت قد انتهى تقريباً، والمسألة ما اكتملت وانظر المشاكل ما أكثرها، فالله يكفينا شر المشكلات، ولذلك الظاهر أنه ينبغي أن نعدكم بمحاضرة أخرى نكمل فيها الكلام على بقية المشكلات، والحقيقة أن هذه أشياء واقعية واجتماعية ومأخوذة من الواقع، وليست أجنبية أو غريبة.
ونسأل الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يوفقنا لحياة زوجية مستقرة، وأن يرزقنا تقواه في السر والعلن.
وصلى الله على نبينا محمد، وإلى لقاء قادم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- ^ رواه النسائي في الكبرى: (1797)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي: (1575).
- ^ رواه أحمد في مسنده بلفظ: "إنك لن تدع شيئا لله إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه" برقم: (23074)، وقال محققه الأرناؤوط: إسناده صحيح.
- ^ رواه الحاكم في المستدرك: (211)، والبيهقي في السنن الكبرى: (20452)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (2447).
- ^ رواه مسلم: (1468).
- ^ رواه الترمذي: (3895)، وابن ماجة: (1977)، والطبراني في الكبير: (853)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (3314).
- ^ رواه أحمد: (1661)، والطبراني في الأوسط: (4598)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (660).
- ^ رواه أحمد: (12614)، والنسائي في الكبرى: (9102)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (7725).
- ^ حديث حسن، رواه الإمام أحمد في المسند: (12614)، وقال محققه الأرناؤوط: "صحيح لغيره".
- ^ رواه الترمذي: (1163)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (7880).
- ^ رواه أبو داود: (2146)، والنسائي في الكبرى: (9122)، والحاكم في المستدرك: (2765)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (7360).
- ^ رواه أبو داود: (2146)، والنسائي في الكبرى: (9122)، والحاكم في المستدرك: (2765)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (7360).
- ^ رواه البخاري: (4942).
- ^ رواه البخاري: (7171)، ومسلم: (2175).
- ^ رواه البخاري: (2235).
- ^ رواه ابن ماجه: (1853)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (5295).
- ^ رواه أحمد: (20695)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (7662).
- ^ رواه البخاري: (5364)، ومسلم: (1714).