الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أساس العدل بين الأولاد
الحمد لله الذي جعل العدل الميزان بين الخلق، والحمد لله الذي قامت السماوات والأرض بالعدل بحكمته ، والعدل أساس مصالح البشر، والشريعة مبنية على العدل، وهو من أحكم الحاكمين، وهو العدل اللطيف الخبير العليم الحكيم، قال ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد والنسائي: اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم[رواه أحمد18452، والنسائي3687]. وقال ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه الطبراني: اعدلوا بين أولادكم في النِحَل، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف[رواه الطبراني69]. والنِحَل: هو ما ينحله الوالد لولده من العطايا والهدايا.
وقد أخرج أبو داود في سننه تحت باب في الرجل يفضل بعض ولده في النُحْل: عن النعمان بن بشير قال: أنحلي أبي نحلاً أو نُحلةً غلاماً له. عنده عبد أعطاه لولده، قال: فقالت له أمي عمرة بنت رواحة: ائتي رسول الله ﷺ فأشهده، فأتى النبي ﷺ، فذكر ذلك له، فقال: إني نحلت ابني النعمان نُحلاً، وإن عمرة سألتني أن أشهدك على ذلك، فقال رسول الله ﷺ: ألك ولد سواه؟ قال: قلت: نعم، قال: فكلهم أعطيت مثل ما أعطيت النعمان؟، فقال: لا، فلما قال: لا، قال ﷺ: فأرجعه[رواه بمعناه: البخاري2586، ومسلم1623]. وفي رواية: فرده، وفي رواية: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم[رواه البخاري2587]. فرجع أبي في تلك الصدقة، وفي رواية: فلا تشهدني إذن، فإني لا أشهد على جور[رواه مسلم1623]. ظلم، وفي رواية: فأشهد على هذا غيري[رواه مسلم1623]. وفي أخرى: أيسرك أن يكون بنوك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذن[رواه مسلم1623]. وفي لفظ: أفكلهم أعطيته مثلما أعطيته؟قال: لا، قال: فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد إلا على حق[رواه مسلم1624]. وكل هذه الروايات والألفاظ في الصحيح.
حكم التفضيل بين الأولاد
وزعم بعض أهل العلم أن التفضيل مكروه، ولكن المتأمل في الحديث ورواياته وألفاظه يعلم علماً بأن التفضيل محرم، وأن المساواة بين الأولاد في الأعطيات واجبة، وأن الذي يخالف في ذلك فهو آثم، واستدل من قال بالكراهية: أشهد على هذا غيري[رواه مسلم1623]. وهذا اللفظ تهديد، وليس إذناً أبداً؛ لتسميته ﷺ بذلك الأمر جوراً.
وهذه الألفاظ التي سقناها كما ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله صحيحة صريحة في التحريم والبطلان من عشرة أوجه تؤخذ من الحديث، وقد ألف في ذلك مصنفاً مستقلاً.
وقوله: أشهد على هذا غيري، فإنه ليس إذناً منه قطعاً، فإن رسول الله ﷺ لا يأذن في الجور، ولا فيما لا يصلح، ولا في الباطل، فإنه قال: إني لا أشهد إلا على حق[رواه مسلم1624]. فدل ذلك على أن الذي فعله النعمان لم يكن حقاً بل باطلاً، فقوله إذن: أشهد على هذا غيري حجة على التحريم، كما قال تعالى: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْسورة فصلت40. وكما قال ﷺ: إذا لم تستح فاصنع ما شئت[رواه البخاري3483]. هل يعني هذا أن الذي لا يستحي يجوز أن يفعل ما يشاء؟ كلا، بل هو توبيخ وتقريع وتهديد.
وقال رحمه الله في إغاثة اللهفان تحت مبحث سد الذريعة: "وأمر ﷺ بالتسوية بين الأولاد في العطية، وأخبر أن تخصيص بعضهم بها جور لا يصلح، ولا تنبغي الشهادة عليه، لا يجوز أن تشهد، لو قال لك أب: اشهد يا جاري على هذا أن هذه الأعطية لأحد أولادي دون الآخرين، قل له: لا أشهد، وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِسورة الطلاق2. شهادة زور ظلم لا تشهد، فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْسورة الأنعام150.وأمر فاعله برده، ووعظه وأمره بتقوى الله تعالى، وأمره بالعدل لكون ذلك ذريعة، عدم العدل وسيلة، باب، إلى وقوع العداوة والبغضاء بين الأولاد، وقطيعة الرحم كما هو مشاهد عياناً، فلو لم تأت السنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بين بالمنع منه لكانت أصول الشريعة والقياس يقتضيان العدل ووجوبه بين الأولاد.
وتأمل قوله ﷺ لأبي النعمان بن بشير وقد خص ابنه بالنحل: أتحب أن يكونوا في البر سواء، كيف تجد كلامه ﷺ مبيناً الوصف الداعي إلى شرع التسوية بين الأولاد، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات، فكما أنك تحب أن يكونوا سواءً في برك، وأن لا ينفرد أحدهم ببرك دون الآخرين فكيف ينبغي أن تفرد أحدهم بالعطية وتحرم الآخر.
وقال في أعلام الموقعين في علة النهي في الفتوى: ينبغي للمفتي أن يذكر الحكم بدليله، ومن ذلك قوله ﷺ للنعمان بن بشير: أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، وفي لفظ: إن هذا لا يصلح، إني لا أشهد على جور[رواه مسلم1623].
وقال رحمه الله في الإعلام، في ذكر طرف من تخبط المقلدين في الأخذ ببعض السنة وترك البعض الآخر: واحتجوا على جواز تفضيل بعض الأولاد على بعض بحديث النعمان بن بشير، وفيه أشهد على هذا غيري، ثم خالفوه صريحاً فإن في الحديث نفسه أن هذا لا يصلح، وفي لفظ: إني لا أشهد على جور، وقال: فقالوا: بل هذا يصلح وليس بجور، ولكل أحدٍ أن يشهد عليه، فانظر كيف خالف المقلدة المتعصبون حديث رسول الله ﷺ، واستدلوا على الإباحة بأن أبا بكر قد أعطى عائشة جذاذ عشرين وسقاً من سائر أولاده.
والجواب: أن أهل العلم قد ذكروا ضعف هذا الحديث في طريقيه، وأنه يحتمل أنه خصها لحاجة، وإذا حصل الاحتمال بطل الاستدلال، وافرض أنه صحيح ولا احتمال، فهل تعارض بفعل صحابي حديثاً صحيحاً عن الرسول ﷺ.
وممن قال بوجوب التسوية من أهل العلم: الإمام البخاري رحمه الله، وطاووس، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وبعض المالكين، قال الشوكاني: "فالحق أن التسوية واجبة"، وقال الإمام أحمد في دخول الأم مع الأب في وجوب التسوية، قال: "إن حج بها ولدها دون أخويه تعطيه أجرته وتسوي بين أولادها. تعطيه الأجرة فقط، وتسوي بين أولادها، ولا يجوز لها أن تخص أحداً من أولادها دون أحد، فإن فعلت أثمت كما يفعل الأب، ووجب عليها رد الزائد أخذه، كما يجب على الأب، أو زيادة الأولاد الآخرين، إذا أعطيت واحداً زيادة دون سبب، إما أن تعطي الآخرين مثله أو أن تسحبها من الولد الذي أعطيته، وحديث النعمان دليل على جواز رجوع الأب في عطيته وهبته للولد إذا كان ظالماً، والعطية والهبة لا يجوز الرجوع فيها، على القول المختار لحديث: ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه بعد إذ قاءه[رواه البخاري2622]. لكن الأب يجوز له أن يعود في العطية والهبة، ولو لم يسوِ ومات، قال الإمام أحمد: يرد على بقية الأولاد ويوزع بينهم بالتساوي، ولا وصية لوارث، لا يجوز أن يكتب في الوصية لأحد الأولاد؛ لأن الله أعطاهم حظوظهم، قسم بينهم في القرآن والسنة، فلا وصية لوارث، لا يكتب لأحد الورثة في الوصية شيئاً أبداً، ويجوز للأب أن يرجع إلا إذا تغيرت الهبة عند الولد، مثل أن سمن الغنم، أو أعطاه مالاً ثم نماه الولد، فلا يجوز له أن يأخذه بعد التنمية، وبعد أن زاد بمجهود الولد.
العدل بين الذكور والإناث
ويسأل الناس فيقولون: لقد عرفنا أن العدل بين الأولاد واجب، فهم ذكور وإناث، فكيف نعدل بينهم؟
قال بعض أهل العلم: "يجب العدل بينهم الذكر مثل الأنثى"، وقال بعضهم: "يجب العدل بينهم كما عدل الله في كتابه، فالله عدل بينهم بأن للذكر مثل حظ الأنثيين"، وعلى ذلك لو أعطيت الولد مائة تعطي البنت خمسين، والشريعة هذه طريقتها في الدين، وفي الإرث وفي العقيقة وغير ذلك؛ ولأن الذكر صاحب حاجة أكثر من الأنثى.
قال بعض أهل العلم: "يجب العدل بينهم الذكر مثل الأنثى"، وقال بعضهم: "يجب العدل بينهم كما عدل الله في كتابه، فالله عدل بينهم بأن للذكر مثل حظ الأنثيين"، وعلى ذلك لو أعطيت الولد مائة تعطي البنت خمسين، والشريعة هذه طريقتها في الدين، وفي الإرث وفي العقيقة وغير ذلك؛ ولأن الذكر صاحب حاجة أكثر من الأنثى.
ولذلك لما سأل بعض الإخوان فقال: إني آخذ من راتبي مائة ريال مثلاً، وأخص، أسجله باسم ولدي فلان، أوفره له، وآخذ خمسين، وأسجله باسم بنتي فلانه، عندي ولد وبنت فقط.
فنقول: لقد جوَّز بعض أهل العلم هذا، ولكن أن تفعل هذا في التوفير لأولادك إذا أردت.
ومن عمق هذه المسألة، قال أهل العلم: يعدل بين الأولاد حتى في البشاشة، والترحيب، والتقبيل، قال إبراهيم رحمه الله: كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القبلات، ولا يخصوا أحداً بطعام دون آخرين لغير سبب.
وقد تدعو الحاجة لتخصيص أحد الأولاد بنوع من الشفقة، كما إذا كان مريضاً، أو زيادة في الترحيب كما إذا قدم من السفر، وهذا لا بأس به لقيام السبب الموجب لذلك.
وفي الأشياء التافهة تسامح أهل العلم في عدم العدل فيها، كقطعة مثلاً من الحلاوة ليس عنده غيرها، أعطاها للصغير مثلاً، ولكن الأصل أن يعدل بينهم لو استطاع.
صور ظلم الآباء للأبناء، وحفظ الأب لمال الولد
واعلموا أيها الإخوة: أن كثيراً من الناس لا يتقون الله، كثير من الآباء يظلمون أولادهم، فتجد الواحد منهم يميل إلى أحد الأولاد لسبب تافه، كأن يكون هذا الولد أوسم من إخوانه، وأجمل في الشكل والصورة فيميل إليه، أو أن الولد يشبه أباه، والولد الآخر يشبه أمه، فيقول: أنت منا، ويعطيه، ويقول للآخر أنت لأخوالك، اذهب. هذا من الأسباب التافهة التي يترتب عليها الظلم بالأولاد، وكذلك أن يدخل بعض الآباء أولاد الزوجة الأولى في مدارس خصوصية خاصة، وأولاد الزوجة الثانية في المدارس العادية، هذا من الظلم أيضاً، يجب أن يسوي بينهم.
وهذا الظلم وعدم التسوية تولد الغيرة والحسد بين الأولاد بعضهم على بعضهم، تربية سيئة، ولنا في قصة يوسف عبر، إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّاسورة يوسف8. مع أن يعقوب عادل، لكن محبته القلبية سببت هذا، فكيف بالظلمة، قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًاسورة يوسف5. فكيف بمن يتعمد الظلم بين الأولاد.
ويسأل بعض الإخوان فيقول: لي أولاد يعطونني من رواتبهم، وأولاد آخرون لا يسألون عني، فماذا أفعل، وأنا أريد أن أعطي هؤلاء شيئاً؟
وقد أجاب الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن هذا السؤال بما ملخصه: "لو كان الأولاد يعطونك من رواتبهم لك لتتملكه أنت براً بك، فيجب العدل، ولا تعطيهم شيئاً بعد إذ تملكته زيادة على إخوانهم، أما لو أعطوك المال لتحفظه لهم، لتوفره لهم، بعض الأولاد يعطي راتبه كاملاً للأب ليحفظه له، وهو ينوي أن أباه سيعطيه إياه في المستقبل، أو جزءاً منه على الأقل، فعند ذلك يجوز للأب أن يعطي الولد بما لا يزيد عما أعطاه الولد في البداية.
وكذلك بعض الآباء من أصحاب الشركات والمؤسسات والدكاكين مثلاً يشتغل معه ولده في الدكان أو الشركة، والأولاد الآخرون موظفون بوظائف مستقلة، فما هو الحكم؟
الجواب: له طريقتان: إما أن يعطي الولد الذي يشتغل معه أجرة، راتب، بنفس كفاءة، لو أنه أعطى إنساناً آخر بنفس الكفاءة موظف عنده، أو أن يدخل الولد شريكاً معه، فيقول: يا ابني تريد أن تعمل معي وتفرغ لي وقتك، وتنشط أعمالي، تدخل معي شراكة في الربع مثلاً، فإن اتفقا على هذا كانت شركة، دون أن يظلم بقية الأولاد، كونه يشتغل معك لا يعني أن تظلم بقية الأولاد، تعطيه راتباً أو تشركه معك، فيدخل شراكة.
وكذلك إذا خلَّص أحد الأولاد قطعة أرض لأبيه، وجرى في المعاملة حتى أنهاها، فإن الوالد يجوز له أن يعطيه أتعابه، كما يعطي المحامي، وكما يعطي المخلص.
وكذلك إذا اضطر أن يعطي الولد راتب؛ لئلا يتركه كما تركه بقية الأولاد، فهذا جائز يعطيه راتباً، على قدر عمله وكفاءته.
حقوق الأولاد على الآباء
وإذا بلغ الولد سن الزواج فإنه يجب على الأب أن يزوجه إذا كان قد زوَّج إخوانه الكبار، مثلما زوجهم يزوجه، لو كان عنده قدرة وطاقة، وإذا مات الأب وأوصى للولد الذي لم يتزوج بمقدار مثلما زوج إخوانه يجوز هذا، إذا مات الأب والولد بالغ في سن الزواج، يجوز له أن يوصي له بمثل ما أعطى إخوانه، لكن لو مات وهو صغير، فلا يجوز له بشيء وإنما حظه مثل حظ إخوانه في التركة.
وكذلك يجب العدل بين الأولاد، وأن يراعي ذلك ولا يفضل أحداً على أحد إلا لمسوغ شرعي بالزيادة، فمثلاً لو كان أحد الأولاد فقير والآخرون أغنياء، واحد من الأولاد لا يجد عمل ولا وظيفة، والآخرون موظفون، واحد من الأولاد عنده عائلة كبيرة والآخرون ليس عندهم ذلك، فيجوز أن يدعم الأب ابنه في هذه الحالة لوجود السبب، ليسوا سواءً الآن فيجوز أن يعطيهم، كذلك لو أرادت إحدى بناته أن تتزوج يعطيها بمناسبة الزواج ذهباً ونحوه، فإذا تزوجت البنات الباقيات يعطيهن مثلما أعطى ابنته، وقال أحمد: "يعوض البنات الباقيات".
وكذلك ما يتفاضل به بعضهم على بعض في الطعام والكسوة مثلاً، فلا شك أن الولد الكبير يحتاج لثياب أكثر مما يحتاج الولد الصغير، مثلاً، فهذا الاختلاف لا بأس به، والولد الأكبر يأكل أكثر من الولد الأصغر، لا بأس به، البنت تنفق على ملبوسها أكثر مما ينفق الذكر، لا بأس بذلك، تحتاج إلى حلي، والولد لا يحتاج، لا بأس بذلك، هذا سبب؛ لتفاوت الطبيعة بينهم، الولد قد يحتاج إلى سيارة، البنت لا تحتاج، ونحو ذلك.
وكذلك إذا وقع أحد الأولاد في مصيبة مثل إنه ترتب عليه دية بسبب حادث، فيجوز للأب أن يسدد عن ولده، لحقه فقر أو دين يسدد عن ولده، هذه أسباب، وكذلك ألعاب الأطفال فإنه لا شك أن الولد الصغير حاجته من الألعاب ليس مثل الذي أكبر منه، ولو أنه اشترى لهم مثلاً دراجات فلا شك أن دراجة الولد الأكبر ستكون أغلى من دراجة الولد الأصغر، مثل هذا لا بأس؛ لأنه شيء موجود في أصل خلقتهم، في طبيعتهم مختلفون.
وكذلك إذا أعطى لأحدهم في ظرف من الظروف مالاً فينبغي أن ينوي أن الأولاد الآخرين لو مروا بنفس الظرف فإنه سيعطيهم مثلما أعطى أخاهم أو أختهم، ينوي أن يعطيهم في المستقبل، وكذلك فإذا أراد أن يعطي الولد الأكبر سيارة مثلاً وليس عنده ما يعطي إخوانه الآخرين سيارات، والسيارة لقضاء أغراض البيت، أو يذهب بها الولد إلى الجامعة ونحو ذلك، فإنه يجعلها عند ولده عارية، لا تزال السيارة بسبب الأب، لكن يعير للولد، لا يجعلها هبة للولد، يعيرها للولد، تبقى باسم الأب، يقضي فيها الولد الكبير حاجاته، ويقضى حاجات البيت، وإلا فينبغي أن يساويهم في الأعطيات، نبهنا على هذا شيخنا عبد العزيز حفظه الله، في هذه المسألة.
أيها الإخوة: العدل من شريعة الله، بنيت شريعة الله على العدل، فينبغي على المسلمين أن ينتبهوا لهذه الأمور وإلا فإن الظلم مرتعه وخيم، وعاقبته سيئة، والله لا يهمل الظالم، يمهله حتى إذا أخذه لم يفلته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله ولكم، وأرجو من إخواني أن يتقدموا إلى الأمام حتى يدخل إخوانهم الواقفون.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا إله إلا هو، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وهو أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين ، حرَّم الظلم على نفسه وجعل محرماً بين عباده، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، الذي حكم بشريعة ربه، وبالقسطاط المستقيم.
المسوغات الشرعية لتفضيل بعض الأولاد على بعض
أيها الإخوة: ومن المسوغات الشرعية لتفضيل بعض الأولاد على بعض، أن يكون أحدهم طالب علم مثلاً، متفرغ لطلب العلم، فيجوز لأبيه أن يعطيه راتب لتفرغه، أو يشتري له كتب العلم؛ لأنه أنبغ من إخوانه في طلب العلم، وكذلك لو أن أحدهم مثلاً حفظ أشياء من القرآن، فأعطاه الأب مكافأة لأنه حفظ من القرآن ما لم يحفظ إخوانه، فإن هذا أمر جيد، ومستحب، ومشجع لبقية الأولاد أن يحذو حذو أخيهم الذي نبغ في العلم أو في حفظ القرآن مثلاً، أو لتفوقه العلمي، وجديته في الدراسة، هذا إذن أنتم تعلمون معي هنا بأن إعطاء أحد الأولاد لسبب شرعي زيادة على إخوانه لا بأس به، والمحرم أن يعطي واحد بلا سبب شرعي، وأن يميز واحد منهم بلا سبب شرعي، هذا الحرام.
ومن المسوغات الشرعية لتفضيل بعض الأولاد على بعض، أن يكون أحدهم طالب علم مثلاً، متفرغ لطلب العلم، فيجوز لأبيه أن يعطيه راتب لتفرغه، أو يشتري له كتب العلم؛ لأنه أنبغ من إخوانه في طلب العلم، وكذلك لو أن أحدهم مثلاً حفظ أشياء من القرآن، فأعطاه الأب مكافأة لأنه حفظ من القرآن ما لم يحفظ إخوانه، فإن هذا أمر جيد، ومستحب، ومشجع لبقية الأولاد أن يحذو حذو أخيهم الذي نبغ في العلم أو في حفظ القرآن مثلاً، أو لتفوقه العلمي، وجديته في الدراسة، هذا إذن أنتم تعلمون معي هنا بأن إعطاء أحد الأولاد لسبب شرعي زيادة على إخوانه لا بأس به، والمحرم أن يعطي واحد بلا سبب شرعي، وأن يميز واحد منهم بلا سبب شرعي، هذا الحرام.
وكذلك يجوز للأب، بل يجب عليه أن يمنع الأعطية عن الولد الفاسق، أو المبتدع، أو الذي سيستعملها في معصية الله ، أو ينفقها في معصية الله ومحادته، ، وكثير من الآباء عندهم اعوجاج فكري في هذه المسألة، فتراه يعطي الولد العاصي الفاسق يقول: أنت تحتاج إلى بنطلونات، وأنت تحتاج لثياب السهرات والحفلات، وأنت تحتاج أن تأكل في المطاعم الراقية، وأنت تحتاج أن تصرف على شلة الفساد، ويعطيه، يعطيه، ويدعمه، ويعينه على المعصية، وعلى الإثم، وعلى الفسق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد يكون عنده ولد آخر متدين، لا يسأل أباه شيئاً، باراً بأبيه، لم يفتح فمه، لم يتطاول على الأب، ينتهز الأب الفرصة، ويقول: هذا المسكين الدين القنوع ما يحتاج. ويعطي ذلك الفاسق بدلاً من العكس، وهو أن يمنع المال عن الفاسق، الذي سيستخدم المال في السفريات المحرمة، شراء المخدرات، المعاصي، الإنفاق على أصدقاء السوء، ونحو ذلك، والمفروض أن يدعم الولد المتدين، الملتزم بدينه؛ لأنه عنده نفقات لنفسه، لطلب العلم، لإخوانه، الولد المتدين يتصدق منها، الولد الفاجر يضعها على ظهرك يوم القيامة.
ومن الأمور السيئة أيها الإخوة: أن يعاون بعض الآباء أبناءهم على الإثم والعدوان، وأن يمدوهم بالأموال، يحدث أحد رجال الأمن في مطار من المطارات، يقول: جاءنا ولد عمره خمسة عشر عاماً، يريد أن يسافر إلى بانكوك، معه التذكرة، قال له: النظام لا يسمح، لا بد من موافقة أبيك، قال: أبي موافق، هذا تلفون السيار، اتصل على أبي، يتصل على أبيه: فلان؟ نعم، ابنك فلان؟ نعم، هو عندنا في المطار يريد أن يذهب إلى بانكوك، قال: إي، نعم، أنا أذنت له، أنا أعطيت له ثمن التذكرة، أذنت له؛ ليلحقنا بعد ذلك إلى باريس، قاتلهما الله.
كم يجني الآباء على أبنائهم أيها الإخوة، كم يجنون على أبنائهم بمثل هذه الأمور؟ كيف وقع كثير من الأبناء في المعاصي، كيف وقعوا في المحرمات، إلا بسبب أن الأب لا يبالي بإعطاء ولده، يعطيه، ويعطيه، وهو يعلم أنه ينفقها في الفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعلى الأب العاقل أن لا يستجيب لضغط الأم، الأم أحياناً تلين بعاطفتها، تعلم أن الولد ينفق في محرمات، لكن مع الضغط والإلحاح تقول للأب: أعطه، أعطه، أعطه، الأب العاقل لا يستجيب، ويعلم أن مصلحة الولد في عدم إعطائه ليستعين بها على المحرمات.
وتنبيه أخير أقوله للأبناء: افرض أن والدك قد ظلمك وفضل عليك إخواناً لك، فلا تقع في خطأ مقابل، فتعق أباك فترتكب جريمة أعظم من التي فعلها أباك، أباك ظلم بإعطائه لأحد إخوانك شيئاً أكثر مما أعطاك، لا تقابله بجريمة أكبر وهي عقوق الوالدين، انصحه واصبر عليه، والله يحكم بينه وبينك وهو خير الحاكمين.
اللهم إنا نسألك السداد في الأمر، اللهم إنا نسألك أن توجهنا الوجه الصحيحة، وأن تجعلنا ممن يكسبون أموالهم من الحلال، وينفقونها في الحلال، اللهم ارزقنا العدل بين أبنائنا، والصبر على آبائنا، اللهم ارحمنا وارحم آباءنا وأجدادنا، اللهم واغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نسألك العون على الدين، ونعوذ بك من الدين وقهر الرجال، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم أنت أكرم الأكرمين، أنت الغني ونحن الفقراء أغننا من فضلك، اللهم إنا نعوذ بك من الغنى المغطي ومن الفقر المنسي، اللهم أغننا ولا تطغنا، واجعل بلدنا هذا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا فيه، وأطعمنا من خيراته، اللهم لا تجعلنا ممن يظلمون أنفسهم ويظلمون الناس.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.