الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشكر لله الذي جمعنا وإياكم في هذا المكان، ونسأله أن نكون وإياكم ممن يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر.
حال المرأة في العصر الحديث
والحقيقة -أيها الإخوة- أن موضوع المرأة موضوع مهم، ويكفي أن نقول في خطورة هذا الموضوع: أن أعداء الإسلام يهتمون بالمرأة أكثر من دعاة الإسلام.
أظن هذه الجملة كافية في توضيح الحال التي وصلت إليها المرأة في هذا العصر.
والمرأة المسلمة حتى تواجه هذه التحديات وحتى تحيا الحياة الكريمة الصحيحة على المنهاج السليم: كتاب الله وسنة الرسول ﷺ تحتاج إلى توعية، وتحتاج إلى تذكير، وتحتاج إلى تعليم وتفقيه ومتابعة، تربية إسلامية.
والموضوع الذي سنتحدث عنه مجموعة من الخصال المهم تواجدها في المرأة المسلمة.
المرأة قسيمة الرجل في الشريعة
ولا بد أن نعلم -يا إخواني- أن المرأة قسيمة الرجل، وشقيقته في الشريعة، وهذا الدين نزل للمسلمين رجالاً ونساء، ويقول الله مبيناً مشاركة المرأة للرجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة النحل:97].
فانظر ماذا بقي من أبواب الخير لم تشارك المرأة فيه الرجل.
هم يقولون: المرأة نصف المجتمع، وربما هي الآن مع دنونا من قيام الساعة هي أكثر من الرجال عدداً في المجتمع.
والغريب أن يكون هناك قطاع في المجتمع ذو عدد أكبر من الرجال لا يهتم به مثل الاهتمام بالرجال.
ولذلك -يا إخوة- لن نستغرب في ظل هذا الإهمال الحاصل لواقع المرأة أن تنشأ هناك تيارات غريبة عن الدين، غريبة عن المجتمع في واقعنا.
قد نجد أفكاراً منحرفة بدأت تتسرب إلى أذهان بعض النساء، وقد نجد بعض النساء بدأن المشاركة في أندية مشبوهة، أو في مجتمعات أو تجمعات لأعداء الإسلام يراد من ورائها هدم الدين، وهدم الفضيلة، وهدم الأخلاق، وهدم المجتمع المسلم.
هناك أفكار بدأت تتسرب إلى عقول النساء، أشياء أساسية في الدين بدأ الشك فيها عند الكثيرات، وبدأت المناقشة فيها، يعني التسليم لأوامر الله لا يجوز للمسلم مطلقاً أن يناقش في أشياء مسلمة في الدين، من المسلمات، ولكن عندما يصل الغزو إلى مرحلة معينة تبدأ الأمور تتغير، وتبدأ المناقشات في قضايا مسلمة كانت أصلاً، ولم يكن أحد يتجرأ أن يناقش فيها، يعني الآن مثلاً انظر إلى قضية الحجاب من الأشياء المسلمة في الدين، لا يمكن أحد أن يتكلم فيها، لكن الآن في هذه الأيام تسمع كلاماً عجيباً، ونقاشات غريبة، وبدأ الكلام في الحجاب حتى عند البعض من فتيات الأسر الطيبة المعروفة العريقة في المجتمع، تجد الكلام أصبح له اتجاهات بعيدة عن الدين، صارت قضية الحجاب المسَّلم بها قضية يمكن أن يؤخذ فيها ويرد، وأن تطرح للمناقشة، وما رأيكم؟ وما رأي فلان؟ وما رأي فلانة؟ وما رأي الإخوان في الندوة الفلانية؟ وما رأي كذا على الصحف والمجلات في قضية الحجاب، وهي قضية لا مجال فيها للرأي مطلقاً؟ المسلم ماذا سيرى في أحكام الله ؟
لا يمكن أن يقول: أنا أرى كذا، ولا أرى كذا، وأنا أؤيد ولا أؤيد، ليس القضية فيها مجال للتفكير والتأييد وعدم التأييد، ولكن البعد عن الله البعد عن الدين، عدم الفقه في الدين صار يفتح الباب لمثل هذه الأشياء، فالمرأة لو أنها كانت نصف المجتمع فهي تلد لنا النصف الآخر، فهي أمة بأسرها.
وفي نظري أن الاهتمام بالمرأة يجب أن ينصب على جهات متعددة، مثل: واقع المرأة والتعليم، المرأة والعمل، المرأة وحقوق الزوجية، المرأة والاختلاط، المرأة والحجاب، المرأة ودعاة التحرر، المرأة والعبادة، المرأة وتربية الطفل، المرأة وطلب العلم الشرعي، المرأة والزواج، المرأة والطلاق، المرأة الداعية إلى الله، هذه بعض المواضيع التي لابد أن تطرق، ولا بد أن تفرد بمؤلفات، وتفرد بندوات، وتفرد ببحوث حتى يكون للمخلصات الواعيات، وللأزواج وللآباء وللإخوان المخلصين يكون لهم شيء منهجي يستطيعون أن يؤدوه إلى بناتهم وأزواجهم وإخوانهم وأخواتهم.
فإذاً، المسألة تحتاج إلى جهود مكثفة وليست جهود فردية تبذل من هنا وهناك، لا بد للمرأة المسلمة أن تدرس الشخصيات النسائية المعروضة في القرآن والسنة، لابد أن تدرس مثلاً شخصية مريم، خديجة، آسيا، فاطمة، بنات الرجل الصالح الذي زوج إحداهما لموسى، لا بد أن تدرس شخصية أم موسى، بلقيس مع سليمان، صحابيات، أسماء، أم أنس، خولة بنت ثعلبة، أم عمارة، لا بد أن تدرس قصص: قصة الإفك مثلاً، حتى الشخصيات الكافرات لابد أن تدرس مثل شخصية امرأة نوح، امرأة لوط، أو التي حصل منهن فسق امرأة العزيز، لا بد أن يركز على دور المرأة المسلمة في المجتمع، وأن يفرد لها أشياء، المرأة المعلمة، المرأة كزوجة، المرأة طبيبة، المرأة أم، المرأة خادمة، لا بد أن يبحث في هذه الأشياء.
وموضوع القدوة من المواضيع المهمة أيضاً للمرأة المسلمة، ولذلك يقول رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح: ولم يكمل من النساء: إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام [1].
المرأة المسلمة لها صفات ذاتية، لها خصال شخصية، يعبر لنا عن هذه الصفات وهذه الخصال كلام عائشة -رضي الله عنها- في الصحيح قالت: "ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب" هذه عائشة تقول، مع أنها كانت ضرة لزينب، وسميت الضرة: ضرة؛ لأنها تضر بمكانة الزوجة الأخرى، ولذلك سميت: ضرة، مع أنها كانت ضرة، وهناك بينهما منافسة إلا أن هذه المنافسة لم تمنع عائشة -رضي الله عنها- من العدل في القول: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ [سورة الأنعام:152]، فتقول عائشة -رضي الله عنها-: "ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب. وأتقى لله وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله تعالى" كانت تعمل بيدها لتتقرب إلى الله بهذا العمل "ما عدا سورة من حدة كانت فيها، تسرع منها الفيئة"[2].
فإذاً، التقوى من صفات المرأة المسلمة، صدق الحديث، صلة الرحم، الصدقة، عمل اليد والتصدق منه، ولو كانت هناك خصال غير حميدة مثل الحدة، فإن الرجوع فيها سريع إلا ثورة من حدة كانت فيها تسرع منها الفيئة.
هذه إذاً صفات عامة ذكرتها عائشة أم المؤمنين لنساء المسلمين حتى يكون هناك وضوح، حتى تهدي لنا عائشة -رضي الله عنها- في هذا الزمان الخصال المهم أن تتوافر في المرأة المسلمة، المرأة المسلمة إذا جهلت وظيفتها وجهلت حدودها وجهلت ما يجب عليها، وما هو مكانها في المجتمع بالضبط، هنا يحصل الخبط ويحصل الخروج عن شرع الله ، يقول الرسول ﷺ: إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت[3].
إذاً: مجالات المرأة تختلف عن مجالات الرجل، الرجل قد لا يستطيع أن يدخل الجنة إلا بتحقيق صفات كثيرة، إذا قام داعي الجهاد لا بد أن يجاهد في سبيل الله، عليه تحصيل النفقة لأسرته، عليه أشياء كثيرة تختلف، حتى في الدعوة إلى الله، وإنكار المنكر يختلف مجال الرجل عن مجال المرأة، صحيح أن كلاهما مخاطبان بهذه الأمور، لكن طريقة الرجل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، طريقة الدعوة إلى الله تختلف عن النساء، لو أن مثلاً مجموعة من الرجال ذهبوا في رحلة أو في عمرة أو في أي مجال من المجالات يستطيعون أن يمارسوا فيه حياة إسلامية، قد لا تستطيع المرأة أن تعمل هذا العمل، الرجل يستطيع أن ينكر المنكر ويذهب إلى الرجال في مكاتبهم، ويدخل عليهم ويتكلم ويرفع السماعة ويخاطب فلاناً، ويتكلم بالهاتف مع أي واحد من الناس يريد أن يكلمه.
لكن المرأة لا تستطيع أن تذهب إلى الرجال في مكاتبهم لتنكر المنكر، أو أن ترفع الهاتف وتكلم من تشاء من المحررين مثلاً، أو من أي أناس، أو أي شخصيات تمارس سلوكاً منحرفاً، وتنكر عليهم بهذا الانفتاح.
فإذاً، هناك حدود لو جهلت تقع تجاوزات غريبة، وقد نسمع عنها في هذه الأيام.
تقوى المرأة المسلمة لله
من صفات المرأة المسلمة: تقوى الله ، القرب من الله ، العبادات التي على المرأة أن تؤديها.
وكثير من النساء يحصل عندهن تضايق من فترة الحيض والنفاس، وتشعر المرأة بأنها قد انقطعت عن عبادات عظيمة، لا تستطيع أن تصلي، ولا تستطيع أن تصوم، والذي يكون قريباً من النساء مثل الأب من بناته، أو من الأخ من أخواته، أو الزوج من زوجته، يستطيع أن يتلمس تضايق المرأة عندما تأتيها العادة الشهرية، لماذا تتضايق؟
تتضايق لأنها انقطعت عن عبادات تريد أن تؤديها قد منعها من القيام بها هذا الحيض، أو هذا النفاس الذي أتاها، ولذلك النفسيات الحساسة في النساء تجدها عندما تكون في فترة الطهر تشتد في العبادة، وتكثر من قراءة القرآن، وتكثر من صلاة النوافل، وتجتهد في قضاء ما عليها من أيام الصيام الماضية، وصيام أيام أخرى نافلة حتى تستغل الوقت، حتى إذا جاءت أيام العادة فإنها تكون قد وضعت عندها رصيداً، قد صار عندها رصيد من الأعمال الصالحة التي لا تستطيع أن تؤديها في فترة الحيض والنفاس.
هذه الإحساسات مهمة عند المرأة أن تكون بهذا الشكل، لا أن تضيع الأوقات التي تستطيع فيها الصلاة والأوقات التي لا تستطيع فيها الصلاة، والحمد لله أن ذكر الله يكون على كل حال.
التقوى هذه مهمة في أشياء كثيرة، مهمة في معرفة حقوق الزوج، مهمة في تربية الأولاد، مهمة في الإخلاص في العمل، مهمة في الرجوع إلى الحق.
تقوى الله صفة مهمة عند المرأة، خصلة مطلوبة عند المرأة، هيئة راسخة لا بد أن تكون في نفسها، عن عائشة -رضي الله عنها-: أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله ﷺ قام على الباب ولم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، فقالت عائشة: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله، فماذا أذنبت؟
لاحظ حساسية المرأة المسلمة عندما تحس أن هناك خطأ قد حصل، أن هناك أمر مريب قد صار، فهي تبادر مباشرة إلى التغيير: "يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله، فماذا أذنبت؟" فتسأل مباشرة: ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله ﷺ: ما بال هذه النمرقة؟ فقالت: اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها[4] تتوسد تقعد عليها ترتاح، اشتريتها لراحتك.
لاحظ الآن المرأة عندما تشتري شيئاً لزوجها ليرتاح الزوج، هذه الدرجة عالية.
العادة أن الرجال يشترون للنساء أشياء توفر أسباب الراحة لهن، لكن أن المرأة في بعض الأحيان تشتري أغراضاً لزوجها لكي تريحه، ما هو كل النساء يفعلون هذا، قد يكون عند المرأة مال، وقد تنزل إلى السوق في بعض حاجياتها، فيكون من الإحساس الطيب أن تشتري لزوجها في طريقها لذلك السوق وفي أثناء تجوالها شيئاً يفيده، يحتاج شيء.
هذا من الأشياء التي تقرب بين الزوج وزوجته.
هناك الآن علاقات كثيرة متفككة بين الرجال والنساء، مثل هذه التصرفات هدية الزوجة لزوجها، وأن تشتري له حاجة تريحه في البيت، "اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها"، فقال رسول الله ﷺ: إن أصحاب هذه الصورة يعذبون، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم، ثم قال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة[5].
حرص الرجل على إخراج المنكرات من بيته، هذا الحرص المفتقد في كثير من البيوت اليوم، الرسول ﷺ وقف على الباب ما دخل، ما رضي أن يدخل حتى يزول المنكر من البيت، هذه المفاصلة المبنية على سلامة العقيدة، على عمق العقيدة في النفس، ما أدخل حتى تزيل المنكر.
ولما دخل بعض الرجال لأول مرة قالوا: ندخل ونزيله تدريجياً، ورفضوا المفاصلة من البداية رضوا بالمنكر غصباً عنهم، ما دخل الرسول ﷺ البيت، ما رضي أن يدخل، قال: أزيلي هذا.
والمرأة المسلمة الطائعة التي تعرف حق الله تبادر إلى إزالة المنكر فوراً من البيت.
الآن منكرات كثيرة في البيوت، المرأة تتفرج عليها، وتستمتع بها، وتتلهى بها، ولو أراد زوجها أن يزيلها لقلبت حياة زوجها شقاءً ونكداً؛ لأنها تريد هذه المنكرات في البيت، تقول: أنت تطلع وتجي وتدخل، تزور فلاناً، تروح عزائم وولائم، أنا بماذا أتسلى؟ اجعل لي هذه الأفلام الموجودة في المنزل؟ اشتر لي مجلات أضعها في البيت؟
هذه ليست أبداً من أخلاقيات المرأة المسلمة.
"فأخذته" عائشة "فجعلته مرفقين فكان يرتفق بهما في البيت"[6].
وأيضاً المرأة المسلمة تسارع إلى جعل الأشياء المحرمة أشياء مفيدة، تحاول أن تستفيد من الشيء قدر الإمكان في ظل حدود المباح، أخذت هذه النمرقة فمزقتها، قطعتها وعملت منها مرفقا يرتفق به، يستفاد منه.
حسن التصرف داخل البيت من الأمور المهمة في المرأة المسلمة.
هذا الورع والتقوى أيضاً مهم جداً في أشياء جوانب أخرى منها مثلاً: مواجهة قضية الغيرة التي تحدث بين النساء، لو أن رجلاً تزوج بأكثر من واحدة، فإن الغالب أن يكون بين زوجاته أو زوجتيه فصام نكد، وخصام طويل، واتهامات متبادلة، وكلام من كل منهما في عرض الأخرى، ومحاولة جذب الرجل إلى جانبها، وإبعاد الزوج عن الزوجة الأخرى، كل واحدة تفعل هذا الفعل، عندما يكون هناك تقوى لله هذه التصرفات تختفي أو تخف جداً، ولذلك أسماء -رضي الله عنها- قالت في حديث في الصحيح: جاءت امرأة إلى النبي ﷺ فقالت: "إن لي ضرة، فهل علي جناح أن أتشبع من مال زوجي بما لم يعطني؟" قالت: يا رسول الله أنا لي ضرة، هل يجوز أن أقول للزوجة الأخرى أقول أمامها: زوجي اشترى لي، وزوجي أعطاني، وزوجي أهداني، وزوجي وهبني، وكذب ما حصل، فقط أتفاخر بها يعني؟ هذا شيء بين النساء يقع، الزوجة الأولى تقول للزوجة الثانية: زوجي يعاملني غيرك، أنتِ ما عندكِ، أنا أعطاني وأهداني، وسوى لي، بالكذب، ويمكن ما أعطاها ولا أهداها، فتقول المرأة الآن الضرة للرسول ﷺ: ما حكم هذا العمل؟ فقال رسول الله ﷺ: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور حديث صحيح[7].
المتشبع بما لم يعط يعني لو أن إنساناً تباهى أو تفاخر أو تظاهر أمام الناس بأشياء ليست فيه وليست عنده، ولا يملكها، ولا حصلت له، فإنه عند الله كلابس ثوبي زور، وليس ثوباً واحداً.
ما الذي دفع المرأة هذه لسؤال الرسول ﷺ؟
دفعها إلى سؤال الرسول ﷺ: التقوى، لو ما عندها تقوى كانت تباهت من زمان وتفاخرت، لكنها جاءت إلى الرسول ﷺ لتسأل تقول: ما هو الحكم؟ ما هو الحكم في هذا الأمر الذي يقع كثيراً في أوساط النساء؟
التقوى هذه مهمة في عدم تبذير مال الزوج، أو عدم أكل المال الحرام، أو عدم السرقة من أموال الزوج، وعدم أكل حقوق الآخرين، ذكر ابن الجوزي -رحمه الله-: أن امرأة من الصالحات كانت تعجن عجيناً، فبلغها وهي تعجن موت زوجها، فرفعت يدها عنه، وقالت: هذا طعام قد صار لنا فيه شركاء[8].
الآن هي تعجن لتأكل هي وزوجها، لما مات الزوج وهي تعجن، قالت: الآن هذا العجين دخل في الميراث، يمكن يطلع فيه للورثة حق.
فإذاً، هذه الحساسية الناتجة عن التقوى التي تجعل المرأة تفكر في أشياء دقيقة من الأمور عن الحل والحرمة، وعن الشبهة، ناتجة عن واعظ الله في قلبها، كلما قوي واعظ الله كلما ابتعدت عن الحرام كلما كانت أخشى لله .
تقوى الله يدفع المرأة المسلمة إلى الاجتهاد في العبادة.
والاجتهاد في العبادة كان من ديدن نساء الصحابة -رضوان الله عليهن-، ولقد كانت إحدى أمهات المؤمنين تقف الساعات الطويلة في قيام الليل.
وكانت زينب -رضي الله عنها- تجلس الساعات الطويلة بعد صلاة الفجر تذكر الله .
وحال النساء المسلمات الأوائل في عبادة الله أمر مشهود، لا يخفى على من كان له اطلاع على حال الأولين.
وعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- قالت قال رسول الله ﷺ: تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن، قالت: فرجعت إلى عبد الله، فقلت: من هو عبد الله؟ عبد الله بن مسعود، ما علاقته بالمرأة التي تتحدث؟ زوجته.
عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- قالت: قال رسول الله ﷺ: تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن، قال: فقالت: فرجعت إلى عبد الله، فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله ﷺ قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم، قالت: فقال لي عبد الله زوجها: بل ائتيه أنت، أنت اسأليه، أنا أحرج اسأل وأقول يجوز زوجتي تتصدق علي وإلا لا؟ قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله ﷺ حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله ﷺ قد ألقيت عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله ﷺ فأخبره إن امرأتين بالباب تسألانك أتجزئ الصدقة عنهما إلى أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما، ولا تخبره من نحن؟ إخفاء الأمر، إخفاء العمل، الإخلاص، قالت: فدخل بلال على رسول الله ﷺ فسأله، فقال رسول الله ﷺ: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب، يعني كلام غير معين، والرسول ﷺ يحتاج يعرف ما هو الواقع، المفتي لا بد أن يعرف حال المسألة التي سئل عنها حتى يفتي فيها، فقال رسول الله ﷺ: أي الزيانب؟ أي واحدة من الزيانب، فبلال لم يجد مناصاً، فقال: امرأة عبد الله بن مسعود، فقال له رسول الله ﷺ: لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة[9].
الآن المرأة قد تكون موظفة في بعض الأحيان، أو قد يكون عندها مال من إرث ورثته، وقد يكون زوجها خفيف ذات اليد، بعض النساء تقول: أتبرع إلى أفريقيا، وأتبرع إلى كذا، وزوجي لا داعي أتبرع له، زوجي هو أصلاً مكلف بالنفقة علي، أنا أتبرع له؟ فقد تغفل بعض النساء عن هذا الأمر، والزوج محتاج، أو مثلاً عنده ما يكفيه لكن مثلاً يحتاج سيارة يتنقل بها، ما عنده سيارة، والسيارة ضرورية مثلاً في المجتمع هذا.
فإذاً، يمكن أن تعطيه من عندها مالاً ولها أجران: أجر الصدقة، وأجر أنه زوج، أنه أقرب الناس إليها، من هو أقرب المخلوقين إلى الزوجة؟ زوجها، أقرب إليها من أبيها وأمها، ولذلك طاعة الزوج مقدمة على طاعة الأم والأب، على طاعة والدة الزوج ووالدتها.
صبر المرأة المسلمة
من الصفات المهمة أيضاً في المرأة المسلمة: قضية الصبر، بعض النساء قد لا يكون عندها صبر على زوجها، قد يكون زوجها خفيف ذات اليد، ولا يستطيع أن يشتري لها الملابس التي تريدها، ويوفر لها الأثاث المنزلي الذي تريده، وقد تطالبه بأن ينتقل بها إلى شقة أوسع أو إلى بيت أكبر وهو لا يستطيع، فتتضايق وتتضايق حتى يصل الأمر بها إلى طلب الطلاق، تقول: ما عندك طلقني، أنا غير مستعدة أن أعيش في هذا الجو، بنت عمي عندها كذا، وبنت خالي أهدى لها زوجها كذا، وأختي زوجها أعطى لها كذا، وأمي مصروفها من أبي كذا وكذا، أنت ماذا عندك؟ يا تعطيني وإلا طلقني؟! فيقول الرسول ﷺ في الحديث الصحيح: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة[10].
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: المختلعات هن المنافقات[11]، التي تريد أن تخالع نفسها من زوجها بغير سبب.
أما إن كان هناك سبب فعلاً، الرجل سيئ الدين، يضربها ضرباً مبرحاً، فعند ذلك لا بأس لها أن تطلب الطلاق؛ لأنها فعلاً لا تستطيع أن تعيش في هذا الجو، ولو كان مسلماً فصبرها عليه ربما يكون خيراً لها، وخصوصاً إذا كان لها منه أولاد.
فإذاً، الصبر مهم جداً للمرأة.
الصبر ثلاثة أنواع كما ذكر العلماء: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله.
فالصبر مهم للمرأة تصبر على طاعة الله وعلى العبادات، صبرها على طلب العلم، "نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين"[12].
وكذلك صبرها على المحرمات الكثيرة، قد يكون هناك وسائل لهو منتشرة، المرأة عندما تخرج هذه الوسائل من بيتها وتصبر أن تعيش في البيت ربما لوحدها وبعيدة عن الناس إلى حد ما، وكثيراً ما تختلي بنفسها، وقد تخاف المرأة في البيت لوحدها في كثير من الأحيان فتصبر، المرأة يصيبها خوف مثلاً في البقاء لوحدها في البيت، وأي حركة تريبها، صبرها على هذه الحال فيه أجر عظيم.
صبرها على أداء حقوق زوجها فيه أجر عظيم.
صبرها على تربية الأولاد فيه أجر عظيم.
الصبر على شقاوة الأولاد فيه أجر عظيم.
الزوج أحياناً يقول لزوجته: أنا تعبان خذي الولد واطلعي من الغرفة أريد أن أنام، فتأخذ الولد وتخرج، هذا ما في مشقة على نفسها؟ بلى في مشقة على نفسها، لها فيه أجر عظيم.
الأولاد يتنازعوها من شتى الجهات، هذا يقول: أعطيني، وهذا يصرخ، وهذا يضرب الآخر، وهذا يريد من هنا، وهذا يريد من هناك، وهذا يخرج، وهذا يمسك في فيش الكهرباء، وهذا يمسك سكيناً، وهذا يمسك مقصاً، وهذا يريد يطلع فوق الكرسي، وربما رمى نفسه، وهي تريد أن تلاحق هؤلاء كلهم، هذا الصبر على شقاوة الأولاد الأطفال فيه أجر عظيم.
فإذاً، الصبر صفة مهمة للمرأة المسلمة تحتاج إليها في كثير من الأحيان.
الصبر على سلبيات الزوج قد يكون الزوج بخيلاً، قد يكون الزوج يفتعل المشاكل في البيت لأتفه الأسباب أو بدون سبب، قد يكون الزوج ديكتاتورياً في البيت لا يسمح للمناقشة ولا يجعل مكاناً للمناقشة، ويريد أن يفرض رأيه على زوجته بكل وسيلة، ولا يسمح لها بأي خيار من الخيارات المباحة، ويفاجئها بقرارات بين يوم وليلة، وقد يسبها ويشتمها ويرميها بألفاظ شنيعة، وقد لا يحسن عشرتها، يدخل من باب البيت، يدخل الحمام، يغسل، يغير ملابسه، ويروح يأكل، وربما أكل لوحده ولا يرضى أن يأكل معها، ويذهب إلى غرفة النوم وينام ولا يسأل عنها مطلقاً، ثم يخرج إلى أصحابه فيعاشرهم ويذهب معهم ويجي معهم ويرجع آخر الليل إلى البيت، وهي قد قلقت عليه، وتأخر عليها جداً، ولا أعطاها حتى أدنى اتصال هاتفي، ولا علمها بشيء، وربما سافر ولا أخبرها، بعض الأزواج عندهم هذه الصفات.
الصبر على سلبيات الزوج هذه لا ينبغي للمرأة أن تستهين بها؛ لأن فيها أجر عظيم، لا يضيع عند الله .
بل نساء الصحابة كانت الواحدة ما هو ذا شيء عام ولكن يحدث أحياناً من إخلاصها لزوجها، أنها تصبر على عدم الزواج بعد وفاته، أم الدرداء -رضي الله عنها- لما مات زوجها أبو الدرداء خطبها معاوية فامتنعت فسأل: لماذا؟ فقالت: أبو الدرداء سمع رسول الله ﷺ يقول: المرأة لآخر أزواجها في الجنة حديث صحيح[13].
والحديث الآخر: أنه يتزوج المرأة أكثر من زوج فإنها تكون في الجنة مع أحسنهم خلقاً، حديث ضعيف.
فالحديث الصحيح إذاً: أن المرأة لآخر أزواجها في الجنة، فإذ تزوجت ثلاثة في الدنيا، فهي في الجنة مع الثالث، ولو تزوجت أربعة في الدنيا فهي في الجنة مع الرابع، فأم الدرداء من محبتها لزوجها وإخلاصها له بعدما مات صبرت عن عدم الزواج مع أنه تقدم لها الخطاب ومن هم؟ خليفة ملك معاوية، لكنها رفضت، وعنده من النعيم وعنده من الملك شيء عظيم، لكن رفضت.
هذا ليس وجوباً، المرأة إذا مات زوجها يجوز لها أن تتزوج وخصوصاً إذا خشيت على نفسها أو كانت امرأة شابة وكان عندها متسع من الجهد ومتسع من الإمكانيات، فربما يكون زواجها خير لها من بقائها لوحدها.
الصبر عن المعاصي، المرأة قد يكون زوجها فاسقاً، قد يدخل عليها في البيت آلات اللهو، وآلات الطرب، والأفلام المحرمة، والمجلات الخليعة، وقد يأتي بأصحابه الفساق، وقد يطلب منها أن تقدم لهم الضيافة، وأن تخرج إليهم، وقد يقاومها بالحجاب، وقد يشد حجابها عن رأسها، وقد يشتمها في الشارع ويعيرها؛ لأنها متحجبة أمام الناس، نكاية بها وبحجابها، وقد يكون إنساناً فاسقاً يشرب الخمر، وإذا سكر أتى بتصرفات في البيت مشينة.
فإذاً، يا جماعة المجتمع فيه آفات، الشر انتشر لدرجة أن البيوت صار فيها من المشاكل ما الله به عليم من كثرته، مثل بعض النساء تقول: والله العظيم لا أريدك! لا أريد منه أنا فقط الآن باقية معه من أجل أولادي فقط، من أجل أولادي، أخاف إن انفصلت عنه ضاع الأولاد، ربما أخذ البنات ورباهم تربية سيئة ليخرجن فاسقات مثله، أنا ما آمن على البنات، ما أدري كيف سيربيهم؟ ربما ضيعهم، ربما وداهم الملجأ.
كذلك الصبر مهم للمرأة هذه الخصلة في طلب العلم، المرأة تحتاج تتفقه في الدين، تحتاج تعرف أحكام الطهارة، تحتاج تعرف أحكام الحيض والنفاس، تعرف حجاب المرأة في الصلاة، سجود التلاوة هل يجب له الستر، والوضوء؟ وأشياء كثيرة.
المرأة الآن عندها مهمات: الزوج والأولاد كلهم من جهة، والطبخ في البيت، وغسل الملابس، وتنظيف الفرش والحائط، و... عندها مهمات كثيرة جداً، كيف تطلب العلم؟ كيف يصير عندها نفس مفتوحة لطلب العلم؟ هذه مشكلة تحتاج إلى صبر حقيقة.
الصبر على أقدار الله: المرأة قد تبتلى بزوج -كما ذكرنا- يعتبر بلاءً من الله، جاءها بلاء من الله بهذا الرجل، مصيبة حصلت عندها، قد يموت زوجها وقد تكون تحبه جداً، قد يموت ولدها وقد تكون متعلقة به جداً، جاء في الحديث عن أنس أنه قال: "مات ابن لأبي طلحة من أم سليم" أم سليم زوجة أبي طلحة، "فقالت لأهلها" الآن أنت تأمل معي في كيفية التصرف، كيف عالجت الأمور؟ فقالت لأهلها: "لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه" لا تكلموه أنا سأخبره بطريقتي الخاصة، قال: "فجاء ولا يدري عن شيء"، ولا يدري أن ولده قد مات، "فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب، قال: ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك، فوقع بها".
السؤال الآن: كيف يجي للمرأة نفس أن تتصنع وتتزين وتدع المجال لزوجها ليقع عليها وهي الآن عندها ولد ميت؟
هذا الفرق بين نساء الصحابة ونساء الآن، يعني في درجة عالية من الصبر، "فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة"، انظر الآن المدخل كيف؟ "يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت؟" لو ناس سلفوا متاعاً لهم لناس ثانيين، "فطلبوا عاريتهم" ثم قالوا: ردوا علينا السلف اللي سلفناكم؟ أعطونا حاجتنا أغراضنا اللي سلفناكم؟ "ألهم أن يمنعوهم؟" يجوز للناس المستلفين المستعيرين أن يمنعوا هذا المتاع عن الناس المعيرين المسلفين؟ ما يجوز حقهم لأنه ملكهم، قال: "لا"، ما يجوز، قال: "لا، قالت: فاحتسب ابنك".
انظر المدخل كيف؟ الآن يموت واحد، المسكين الرجال يعرف أن الولد مات من صياح المرأة، من النياحة والصراخ في البيت .
ويمكن بعضهم تنوح على ماذا؟ إذا جرح الولد يصيح كأن يقول هذا فيه ثلاثة ماتوا.
يا معشر النساء: انظرن الآن، دققن النظر في تصرف أم سليم، الرجل أبو طلحة غضب، قال: "فغضب أبو طلحة، فقال: تركتني حتى إذا تلطخت ثم أخبرتني بابني؟" تركتني حتى إذا تلطخت وعافستك ثم أخبرتيني بابني؟ "فانطلق حتى أتى رسول الله ﷺ فأخبره بما كان"، يا رسول الله فعلت كذا وكذا وكذا؟ "فقال رسول الله ﷺ: بارك الله لكما في غابر ليلتكما "، يعني بما حدث، قال: "فحملت أم سليم من تلك الليلة"، دعاء الرسول ﷺ، قال: "فكان رسول الله في سفر وهي معه، وكان رسول الله ﷺ إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طرقاً، فدنوا من المدينة، فضربها المخاض"، أم سليم وأبو طلحة مع الرسول ﷺ في السفر قبل المدينة بقليل جاء لها المخاض، "فاحتبس عليها أبو طلحة" وضع الآن، مسكين، الآن ما يمكن يتحرك بها، جلس معها في الطريق، وانطلق رسول الله ﷺ، يقول أبو طلحة: "إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج وأدخل معه إذا دخل"، من شدة محبة الصحابي للرسول ﷺ ويريد أن يكون ملتصقاً به، "وقد احتبست بما ترى يا رب"، تقول أم سليم انظر إلى الدعاء لما يخرج من القلب ودعاء مسافر ودعاء ملهوف مستغيث مضطر: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [سورة النمل:62]، تقول أم سليم بعد الدعاء مباشرة: "يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد، انطلق"، راح الوجع مني، ألم المخاض راح، "انطلق، فانطلقنا، قال وضربها المخاض حين قدما، ولما قدم المدينة رجع المخاض"، قضايا مثل هذه تأتي من عند الله، تيسير، وأحسن دكتور يقول: هذه يمكن تلد الآن هذه كيف تلد؟ "وضربها المخاض حين قدما فولدت غلاماً، فقالت لي أمي: يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله ﷺ، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله، قال: فصادفته ومعه ميسم، فلما رآني قال: لعل أم سليم ولدت؟ قلت: نعم، قال: فوضع الميسم، وقال وجئت به فوضعته في حجره ودعا رسول الله ﷺ بعجوة من عجوة المدينة فلاكها حتى ذابت ثم قذفها في في الصبي"[14].
لذلك كان من السنة أن يحنك المولود بالتمر عند ولادته، يأخذ أبوه قطعة من التمر فيمضغها أو يعجنها بشدة حتى تذوب تقريباً ثم يضعها في فم المولود، ويمررها وعلى حنكه من الداخل، فجعل الصبي يتلمظها، قال: فقال رسول الله: انظروا إلى حب الأنصار التمر على الفطرة من يوم ما طلع من بطن أمه وهو يحب التمر، قال: "فمسح وجهه وسماه: عبد الله"[15] لا إله إلا الله.
الصبر مهم للمرأة أيضاً تصبر على ما يصيبها من الأذى في سبيل الله، قد تضطر لأن تخرج من بلدها، قد تفصل من مكان دراستها ظلماً وعدواناً، يحصل لها اضطهاد زوجها يطردها من البيت، فهي تخرج من المكان الذي ألفته صابرة محتسبة، عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج رسول الله ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، وكانت معهم أسماء بنت عميس ذهبوا إلى الحبشة، والتقوا مع المسلمين الذين كانوا قد هاجروا من مكة إلى الحبشة، وقال لهم جعفر بن أبي طالب : أنتم خرجتم إلى رسول الله، ونحن أرسلنا رسول الله إلى الحبشة أقيموا معنا، حتى قدموا جميعهم إلى رسول الله ﷺ في المدينة بعد أن هاجر، عمر سمع أن أسماء بنت عميس قالت كلاماً بعدما جاؤوا من الحبشة إلى المدينة، فقال: من هذه؟ عمر سمع أن أسماء بنت عميس قالت كلاماً بعدما جاؤوا من الحبشة إلى المدينة، فقال: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر : الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ يعني أتت عن طريق البحر، فقالت أسماء: نعم.
فقال عمر، عمر كان يحب أحياناً يداعب بالكلام، والكلام أحياناً يزعل الحريم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله منكم، فغضبت أسماء وقالت كلمة، قالت: كذبت يا عمر، كلا والله، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البعداء والبغضاء في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، أيش اللي طلعنا من بلدنا، أنتم مع الرسول ﷺ يطعم الجائع ويعلم الجاهل نحن من كان؟ وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله، ونحن كنا نؤذى ونخاف، والنجاشي تعرض لمحاولات عزله عن ملكه، كان الصحابة يخافون؛ لأنه إذا غلب النجاشي من الذي يحميهم، والقصة ذكرها الذهبي في السير، لكن هذا الحديث الذي أقوله الآن حديث في الصحيح، وعندما نقول في الصحيح، إما أن نعني البخاري ومسلم، أو أحدهما، لكن هذا الحديث في الصحيحين.
وقالت أسماء: وسأذكر ذلك لرسول الله وأسأله، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك، تأمل أمانة المرأة في النقل أمانة المرأة المسلمة، دقة في المرأة المسلمة في النقل، مع الأسف أن النساء أحياناً تجمح بهن العاطفة والمبالغة والتهويل، فينقلن الخبر إما أنه أطول مما كان عليه، مثل ما قال المحدث عن أهل الكوفة: يأتي إليهم الحديث شبراً فيخرج من عندهم ذراعاً، أو أنهن يهولن في القصة ويعظمن فيها حتى يتحسس الواحد إذا سمع الخبر إنه قامت الدنيا ولم تقعد، عند النساء طبع مثل هذا، لكن المرأة المسلمة من صفاتها أنها دقيقة في نقل الأخبار لا تزيد عليها، ولا تتذرع فيه من استنتاجاتها الخاصة، وتقول: حصل كذا، ولا تهول في الموضوع، تنقل بدقة، تقول أسماء: ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك، قال: فلما جاء النبي ﷺ، قالت: يا نبي الله إن عمر قال: كذا وكذا، فقال رسول الله ﷺ: ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان، هجرتان من اليمن إلى الحبشة، ومن الحبشة إلى المدينة، قالت: فلقد رأيت أبا موسى وهو من أصحاب الهجرتين، لأنه جاء في السفينة هذه، وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث، اضطر الرجال إلى أخذ العلم عن المرأة، يسألونني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله، قال أبو بردة: فقالت أسماء: لقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني، يقول: عيدي علي، عيدي علي؛ لأن فيه إنكم أصحاب السفينة لكم هجرتان[16].
تضحية المرأة المسلمة
من صفات المرأة المسلمة كذلك: التضحية، المرأة المسلمة قد تضحي بنومها من أجل أولادها، قد تضحي براحتها من أجل إراحة زوجها، قد تضحي بشيء من نفقتها على زوجها، يعني نفقتها المستحقة لها على زوجها، المرأة المسلمة تراعي إذا كان زوجها ضيق ذات اليد لا تطلب منه أشياء لا يستطيعها، قد يجمع مالاً لشراء سيارة، لا تقول: عندك مال اشتر لي مثلاً ثياباً، شفت فستاناً بألف ومائتين ريال في محل كذا، أريد أن أشتري هذا.
المرأة المسلمة تراعي زوجها فتضحي؛ لأن فعلاً فيها تضحية، فتضحي بشيء من حقها، وتضحي بما لها على زوجها، وتضحي براحتها، وتضحي ببدنها، تضحي بوقتها من أجل زوجها.
كذلك هذه نقطة مهمة جداً التي سأذكرها الآن: كثير من الزوجات اللاتي من الله عليهن بالهداية وتزوجن من رجال مستقيمين، الرجل المستقيم له متطلبات كثيرة، إذا كان الرجل المستقيم داعية إلى الله، طالب علم، عليه مسؤوليات كثيرة متعددة، دعوته إلى الله ستجعله يبذل من وقته كثيراً، ويبذل من ماله كثيراً، لا بد أن يذهب من هنا ومن هنا، يحضر جلسات علم، وحلقات علم، ويعلم غيره، ويخرج مع غيره.
وهو إذا كان طالب علم قد يدخل مكتبته الخاصة ويقفل عليه الباب ويجلس يقرأ بعيداً عن ضجة الأولاد، وبعيداً عن المؤثرات.
وقد يكون الرجل يستغل الكرم في الدعوة إلى الله، فيدعو الناس، ويدعو أصحابه وزملاءه على ولائم وعلى غداء وعلى عشاء، وطاحت فوق رأس من؟ المرأة، هي التي ستطبخ لهم، وتلحق العزيمة وراء العزيمة، وزوجها يرجع متأخراً في الليل تعبان، ويمكن ما يكلمها وينام مباشرة، ماله قد ينفق في أشياء من الطاعات أخرى غير النفقة على الزوجة، أو التوسيع على الزوجة، يجلس إذا جلس في البيت قد ينشغل بقراءاته الخاصة وبأبحاثه هو، ويدخل إلى البيت متعباً، ينام قليلاً، يطلب الغداء بعد العصر يروح من هنا مشوار، بعد المغرب يأتي له ناس، بعد العشاء يكون عنده عزيمة، المشكلة الآن يا جماعة العصر الذي نعيش فيه عصر بُعد عن الله.
وعصر البعد عن الله يطلب من المسلمين مضاعفة الطاقات ومضاعفة الجهود، لا شك أن الرجل في أيام السلف كان عنده وقت لأهله أكثر من الرجل في هذا العصر، لماذا؟ لأن المنكرات من أول كانت قليلة، والطيبون كثر، والمجتمع الإسلامي نظيف، وليست هناك هذه الثغرات الكثيرة الموجودة الآن التي تتطلب السد.
المرأة إذا لم يكن عندها تضحية ستتضايق من زوجها حتى لو كان مستقيماً، تقول: تزوجتك أريدك تقعد معي، أريدك أن تخرج بي، أريدك أن تفسحني، أريدك أن تأخذنا في جولة أنا والأولاد، أريدك أن تذهب بنا مثلاً إلى متنزه فلان، وإلا إلى البر، وإلا إلى كذا، أريد منك أن توصلني إلى أهلي كل كذا يوم، أريد منك أن توصلني إلى صويحباتي وصديقاتي، أريد أن أزورهم وأنت مشغول عني، لا تجلس معي ولا تكلمني، تأتي تعباناً، تنام مباشرة، ما عندك وقت أنك تذهب بي في زيارات، وتفاجئني بالولائم والعزائم، اتصل عليها، استعدي خمسة أشخاص، استعدي لعشرين شخص، وتتضايق، وما عندها الحاجيات الكافية، وهو يقول: عجلي بسرعة الضيوف وصلوا، وهو ما جاب لها المقاضي، هذه الحياة المعروفة لا تخفى عليكم.
فالمرأة لا بد أن تكون صاحبة تضحية، بعض النساء الحقيقة الله يجزيهن الخير على صبرهن، فعلاً فيه تضحية ليست سهلة، والزوج في الأخير يجي: جيبي الأكل بسرعة، الناس بيمشون، أنت مستعجل جاي هي الآن تعبت وشقيت ووضعت الطعام، يجي وبسرعة: افتحي الباب ويأخذ الأكل ويمشي ولا كلمة شكر واحدة، المرأة طبعاً تتأثر هو الآن فاجأها، أو بدون هاتف حتى اتصال، دخل البيت وعندي الآن ناس وتشتغل وتعمل وتشتغل، وبعدين يأخذ الأكل ويضع، وبالأخير يتكلم مع الناس ويمكن يطلع معهم ويقول: يالله لمي السفرة، أو يدخل لها السفرة على البيت بقضها وقضيضها، لا يقول: جزاكم الله خيراً، وأحسن الله إليكم، وأنتِ اليوم بيضت وجهي عند الضيوف، ملاطفة لزوجته، مكافأة لزوجته، لو اشتغلت طلعها آخر اليوم يا أخي، نزهها قليلاً، روح عنها، اذهب بها إلى أهلها، إذا أردت أن تخرج في مشاوريك الخاصة ضعها عند أهلها وعند صديقاتها، أحياناً الرجل مثلاً من الأخطاء يضع زوجته عند عائلة ويروح في مشوار ويرجع الساعة إحدى عشر، اثنا عشر في الليل، والناس بينامون، والزوجة محرجة من أصحاب البيت، وأولادها ناموا، وهي يخفق رأسها، ومضيفتها يخفق رأسها، والزوج تأخر، وإلا لا؟
التصرفات مثل هذه كثيرة جداً.
ولكن المرأة المسلمة التي تضحي في ذات الله وفي سبيل الله مأجورة أجراً عظيماً.
والغربيون يقولون: الجندي المجهول!
ونحن عندنا ما في داعي للجندي المجهول، نقول: إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي، إذا غابوا لم يفتقدوا، وطوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع.
بعض النساء في البيوت مع بعض الرجال هذه الحال حالهم بالضبط مثل كذا، نسأل الله أن يؤجرهن أجراً مضاعفاً، والمرأة تقول أحياناً للرجل: أنت تعلم غيرك وأنت تنصح غيرك يا زوجي انصحني أنا، علمني أنا، طيب كلمة واحدة من هذه الأشياء التي تقرأها، حطونا نقرأ، أنت تسمع الآن أعطونا شيئا نسمعه، وهو قد يهمل في هذا الجانب، وهذا شيء موجود عند الرجال مع الأسف.
فالمرأة طبعاً عندما تصبر على هذا وهي ستقرأ بنفسها، وهي ستسمع بنفسها، وأحياناً زوجها يقرأ هي تسأل مثلاً تقرأ وسألته سؤالاً: أخري عني، لا تقطعي حبل أفكاري.
طيب مثلما أنت تعلم غيرك علم زوجتك.
طيب لما تصبر الزوجة على هذا الصدود من زوجها يعني ما ضاع إن شاء الله ما ضاع هذا الأجر، ما ضاع هذا العمل عند الله.
احتساب المرأة المسلمة للأجر
وكذلك يقودنا إلى النقطة التالية مما سبق: الاحتساب، يعني أن تحتسب المرأة المسلمة كل هذه الأشياء التي تفعلها عند الله ، أن تطلب الأجر من الله وحده، إخلاصها لله سيدفعها إلى أن تحتسب هذه الأمور، والشعور بعظم الأجر، وفضل الاحتساب، وما لها عند الله لو صبرت، هذا سيدفعها إلى عدم التذمر، وعدم التضايق، ممن كان هذا حاله مما وصفنا قبل قليل.
وأذكر الآن حديثاً صحيحاً أيضاً يبين لنا بجلاء كيف كن نساء الصحابة -رضوان الله عليهن- يتحملن المشاق في الصبر على الشدائد، ومساعدة الزوج، والوقوف بجانبه، وألفاظ الحديث كافية في التعبير بدون زيادة، في الصحيح: أن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء، غير ناضح؟" الجمل الذي يسقى عليه الماء، وغير فرسه.
"فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء، وأخرز به غربه"، والغرب هو الدلو الذي يصنع من جلد الثور.
"وأعجن" تصور الآن تعلف الفرس، "وتسقي الماء، وتخرز الدلو، وتعجن"، كل هذه الأشياء وهي تتطلب جهد كبير جداً.
"ولم أكن أحسن الخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق"، يعني نكمل الحديث ثم نقف عند هذه النقطة، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله ﷺ على رأسي، تنقل النوى على رأسها، وهي مني على ثلثي فرسخ، مسافة، فجئت يوماً والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله ﷺ ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: إخ إخ، وهي الكلمة التي تقال للبعير حتى ينزل ليحملني، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله ﷺ أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله ﷺ وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لي أركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك، فقال الزبير: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه، يعني كلمة ملاطفة صحيح أنه شيء شاق لكن الزبير قال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر، يعني لا زالت على هذه الحال حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم يكفيني سياسة الفرس فقط الفرس، فكأنما أعتقني[17].
فانظر إلى هذه المرأة التي تعمل كل هذه الأعمال وتتعب كل هذا التعب خدمة لزوجها، شيء هذا من الذي يعمله؟ لو قلنا لرجل يعمله والله لا يعمله، لا يقوى عليه رجل تعمله هذه المرأة.
التعاون والتكامل بين النساء المسلمات
ثم انظروا -رحمكم الله- إلى هذا التعاون بين النساء، تقول هذه أسماء -رضي الله عنها-: "ما كنت أعرف أن أخبز، فكن نساء الأنصار يخبزن لي، وكن نسوة صدق".
وهذا المجتمع مهم جداً أن يوجد فيه التعاون النسائي، تعاون على طلب العلم.
ومن أجمل الأمثلة التي نسمعها أحياناً عن بعض النساء اللاتي يطلبن العلم، كل واحدة معها أطفال، والأطفال إذا صرخوا ما تسمع ولا واحدة من النساء شيئاً في حلقة العلم، فيتعاون، فيوم تمسك الأولاد فلانة، ويوم تمسك الأولاد فلانة، والحلقة التي بعدها تمسك الأولاد فلانة، واحدة تضحي والباقيات يستمعن وينصتن ويتعلمن، ويجيها الدور، وهكذا .. وهكذا تعاون.
وواحدة أيضاً من الأمثلة الجميلة جارات سمعن أن فلانة عندها اليوم وليمة كبيرة، الفزعة مباشرة، فلانة هذه تطبخ لها في بيتها صنفاً وتأتي به، وتلك تساعدها في بيتها، هذه تمسح، وهذه تضع، وهذه تسكب، وهذه...! ببساطة توزع العمل، وكل واحدة من هذه النساء زوجها عنده وليمة، فدوريات تصير، هذه مجموعة يساعد بعضهن بعضاً في هذه الأشياء.
فإذاً، حياة التعاون مهمة.
وبعض الرجال يعزلون نساءهم عن النساء الأخريات، حتى أن المسكينة قد لا تجد من يعينها ومن يشد من أزرها ويساعدها.
المفروض أن المرأة لها جارات طيبات، أخوات طيبات، زميلات طيبات، إذا احتاجت ما في كلفة اتصال: في عندي كذا، مباشرة الفزعة، هذه الحياة لا بد أن تكون موجودة.
كذلك المرأة المسلمة تحتاج إلى صفة الهمة الهمة، لماذا الهمة؟
لأنه مع مشاكل الزوج والبيت والأولاد، وأحياناً الحمل والرضاع هذا يأخذ من المرأة شيء، ما هو بسيط من الجهد والمشقة، إذا ما كان عندها همة مع هذه الأشياء قد تكسل، وقد يضيع أكثر وقتها في النوم، وهذا ما يحصل عند الكثيرات، أكثر الوقت يروح في النوم، والراحة والدعة، والتمدد والاسترخاء، إذا ما في همة لن تستفيد المرأة من وقتها، فلا بد من الهمة.
أيضاً بالنسبة للنقطة التي سبق ذكرناها: الاحتساب، بعض النساء قد لا يفكرن في احتساب الأجر على الحمل والرضاع، خلاص تقول: والله هذا كتب الله علي، وتصبر على مضض، وهذا حتى يأتي الولد، وقد يكون الرجل ممن يحب الأولاد الواحد وراء الآخر، يجي الواحد على الآخر، والمرأة تتعب جداً، فإذا احتسبت الأجر هذا، هذه كل أنة من أنات الولد، وكل رضعة ترضعه إياه، وكل قومة يوقظها بها في منتصف الليل وهو يصرخ، ما تضيع عند الله ولا تروح هباءً منثوراً، لكن ما الذي يجعل الأجر يثبت؟ الاحتساب والنية الصالحة.
قناعة المرأة المسلمة
وكذلك: القناعة من الصفات المهمة، أن تقنع المرأة بما رزقها الله، بما يجلبه الرجل من الأشياء إلى البيت، بعفش البيت، بأثاث البيت، تقتنع به، ولا تطالب بالمزيد، وقد ذكرنا هذه النقطة سابقاً، ولكن القناعة كنز فعلاً، والذي عنده امرأة قنوعة فإن عنده كنز قد لا يقدر بقيمة، ولن يحس بعظم المرأة التي عنده حتى يذهب إلى زوجة أخرى، إذا فقدها جاءه الويل من غيرها، قال: والله هذيك زوجتي كانت فعلاً امرأة قنوعة، هذه تتطلب وتتطلب وتتطلب، وتلك ما فتحت فمها بشيء، الذي أجيبه إلى البيت تستعمله وتأخذه، وإذا أنا عرضت عليها شيئاً أشتريه لها توافق، والحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله ﷺ فوجد الناس جلوساً ببابه، لم يأذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر أو فأذن فدخل، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النبي ﷺ جالساً حوله نساءه واجماً ساكتاً، قال: فقال: لأقولن شيئاً أضحك النبي ﷺ"، الواحد إذا دخل على واحد مغموم -يا جماعة - لا يزيده غماً، وإنما ماذا؟ يحاول أن يبسط أساريره، وأن يروح عن نفسه ما هو فيه، فقال عمر: "يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة" يعني زوجته "سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها" ماذا رأيك بهذا؟ "فضحك رسول الله ﷺ، وقال: هن حولي يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة بنته يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله ما ليس عنده؟ قلن: والله لا نسأل رسول الله شيئاً أبداً ليس عنده[18].
الزوج أحياناً -يا جماعة- يحتاج إلى تأييد من أقارب الزوجة.
هذه من أهم الأشياء، أقارب الزوجة عليهم أن يراعوا الرجل، لو شافوا أن بنتهم تتطلب -يا جماعة- انصحوها، يا فلانة ترى ما هو من مصلحتك، ترى هذا الكلام قد يغضب الرجل ويأتي بتصرف لا يحمد عقباه، يمكن بكرة لا يقوى على أن يعيش معك، يقول أنا لا أقوى أن أعيش مع امرأة تتطلب، وبالذات من النساء، كلام الأم مع ابنتها في هذا الموضوع أشد تأثيراً من كلام الرجل مع بنته المتزوجة، وكلام الأخت لأختها كذلك، فعلى النساء أن ينظرن إلى هذه المسألة بعين الاعتبار.
حنان وشفقة المرأة المسلمة
من الأشياء أو الأمور أيضاً المهمة الصفات: صفة الحنان والشفقة، المرأة القاسية القلب الفضة الغليظة يمقتها ربها كما يمقتها البشر أيضاً، وحدثنا رسول الله ﷺ حديثاً في الصحيح قال: ودنت مني النار حتى قلت: أي رب فإذا امرأة تخدشها هرة في النار، الرسول ﷺ بمعجزة أراه الله النار فيها امرأة تخدشها هرة في وجهها تخمشها (قلت: ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها" المرأة حبست الهرة "حتى ماتت جوعاً، لا أطعمتها ولا أرسلتها تأكل من الخشاش"[19].
فإذاً، المرأة إذا صارت فضة وغليظة تقسو على الرجل، تقسو على الأولاد، حتى على الحيوانات وعلى الجارات وعلى الأخوات، وعلى...، فإن الجميع سينفر منها ويكرهونها.
ومن الصفات المهمة: وجود الحنان، والحنان صفة المرأة مجبولة عليها، يعني لا تزول إلا إذا طبع الله على القلب، ولذلك يقول في الحديث الصحيح: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش[20].
لماذا كان نساء قريش أفضل النساء؟
يقول لأن من طبعهن: أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده، ما في أشد منهن حناناً على الولد في الصغر، ولا أشد رعاية للزوج، لمال الزوج، وللممتلكات الزوج، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة، وله قصة: أنه خطب أم هانئ فاعتذرت بكبر سنها وأنها أم عيال، فرفقت بالنبي ﷺ ألا يتأذى بمسنة، قالت: أنا مسنة لا أدع الرسول يتأذى بمسنة، ولا بمخالطة أولادها؛ لأن الرجل لو جاء له أولاد من امرأة أخرى ما هو مثل أولاده مهما كان.
صحيح أنهم ما هم أولاده لكن لا يعني هذا أن يعاملهم بالفضاضة والغلظة، بعض النساء مسكينة عندها أولاد من زوج آخر، تزوجها رجل ضم الأولاد إليه لكن لا يعطف على الأولاد، ولا يعامل أولادها من الزوج الآخر بمثل أولاده، وربما يشتري لأولاده المباشرين هدايا، وألعاب، وأشياء، ويترك، طيب يا أخي هؤلاء أيتام، أو هؤلاء يمكن أبوهم طلق المرأة ضاعوا، أنت ضمهم إلى أولادك، عاملهم مثل أولادك يأجرك الله .
والحنان -يا جماعة- من الأشياء التي فقدها النساء خصوصاً في المجتمع الغربي، وأنا أنقل لكم هذا الكلام من امرأة "وشهد شاهد من أهلها" تقول مريم كوربي وهي هولندية وأم لثلاثة أطفال: زوجي يعمل من الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساءً، وأنا أعمل من الثامنة صباحاً حتى الواحدة ظهراً، أعتقد أننا في حالة مادية معقولة، ونسكن في شقة جيدة، ويبدو أن هذا لا يكفي، فثمة تشققات هائلة داخل العائلة، لكأننا من عالم غريب مختلف عن عالم أطفالنا، أنا وزوجي نجتر بعض الحنين السابق، وبعض التفاؤل السابق، الأمر لأطفالنا مغاير تماماً، قد أكون مخطئة لكنني أشعر بحدس الأم أن أطفالي ملوثون بيأس خاص، أعتقد أنه استوطن بقوة في اللاوعي، إنني لا أفهم الدافع لذلك، فهم يتابعون دروسهم في مدرسة متفهمة، كما أنهم يشاهدون التلفزيون كل مساء، ولقد سألت أحد الأصدقاء وهو أستاذ في علم النفس عن هذه الحالة، فأجاب أن ملاحظتي هذه مجرد خيال، وأن الأطفال في صحة حضارية جيدة.
شوف الكلام الفاضي، الأطفال هم في الغرب هذه النظرة، ما دام عنده مدرسة وعنده بيت وعنده مال وعنده حاجيات، وعنده وسائل اللهو واللعب، خلاص، ما يحتاج أكثر من ذلك.
وأن الأطفال في صحة حضارية جيدة، كلمة الحضارية هذه هي التي أفزعتني، فأنا أعتقد أن أولادي ككل الأولاد الآخرين، يعانون حصاراً ما، إنني لا أفهم، كل ما أستطيع أن أقوله هو أن الحنان الذي أقدمه لأطفالي لا يكفيهم على ما يبدو، لا يمكنني أن أقدم أكثر من ذلك، وأعتقد أننا نبني جيلاً يكرهنا بالضرورة.
فعلاً، الحنان هذا هو السر، السر في كل الكلام هذا هي الجملة الأخيرة التي قالتها: كل ما أستطيع أن أقوله هو أن الحنان الذي أقدمه لأطفالي لا يكفي.
ولذلك -يا جماعة- خروج المرأة من بيتها دمار، وعملها خارج البيت دمار على دمار، وانشغالها عن بيتها وعن أطفالها مصيبة.
والآن مع وجود مشكلة في الخادمات، صار الطفل يتعلق بالخدامة أكثر من أمه، الأم الآن صارت تقرف أنها تغير لولدها أعزكم الله، صار هذه شغل الخادمة، الرضاع هي ترضعه وتسوي له الهذا، وصار جيل النيدو هذا الذي طلع الآن محروم من رضاع الأم، محروم من حنان الأم، الخادمة هي التي توقظه، وهي التي تلبسه للمدرسة، وهي التي تستقبله من المدرسة، وهي التي تصنع له طعامه، وهي التي، وهي التي... وفي النهاية وصلنا إلى مستوى عجيب.
واحد من الإخوان يقول: ذهبت العائلة إلى المطار مع الأم والأب، والأولاد لأن الخادمة تريد أن تسافر، يقول: فلما ذهبت الخادمة إلى صالة السفر، ودخلت الأطفال، يعني فارقوا، بدأوا يبكون بشكل عجيب في صالة المطار، والذي يخلع يده من أمه، والذي يصيح، والذي يبكي، والذي متأثر جداً، لماذا؟
لأن الخادمة تريد أن تسافر، وصارت الخدامة كل شيء.
ومهما كانت الخدامة لن تعطي الحنان للطفل مثل الأم.
فالآن هذه مشكلة اجتماعية خطيرة، صح الخدامة كانت تكنس البيت ممكن تنظف تغسل الصحون، ممكن تعتني بأشياء، وتكوي الملابس، لكن الأشياء المتعلقة بذات الطفل والزوج ينبغي أن الأم المرأة هي التي تشتغل لنفسها في هذا الجانب، بس كل شيء تريد خدامة وفي النهاية الأم تقول مع السلامة، قبلة باردة تطبعها على وجنة الطفل، من أين له أن يحس بالحنان؟
حياء المرأة المسلمة
وكذلك من الصفات المهمة للمرأة: الحياء، الحياء صفة مهمة، والرسول ﷺ لما وصف أنه كان أشد حياءً من العذراء في خدرها[21].
إذاً، المرأة بطبيعة الحال تستحي، وينبغي لها أن تستحي، وهذا خلقها.
ولما خرجت من البيت ولما صارت الحفلات! وصار النزول إلى الأسواق، وصار التبرج والتهتك، ذهب الحياء، وهذا شيء طبيعي جداً، ماذا ننتظر بالله يعني؟ تخرج نساؤنا إلى الشوارع، وإلى الأسواق، وإلى الحفلات، والزينات، والتبرج، والخلوة بالسائق، و.. و.. ثم بعد ذلك نريد منهن حياءً. متى؟! لن يحدث هذا، الله جعل لكل شيء سبباً.
وأيضاً من ضمن الأشياء هذه مثل ملاحظات قضية الكلام، كلام المرأة مع الرجل الأجنبي، صار الآن شيئاً طبيعياً جداً، صارت تكلمه بالهاتف، وتستقبله في البيت وقد تتحدث معه، وتتحدث مع السواق بكلام طويل، وتتحدث المرأة مع ابن عمها بكلام طويل، ومع ابن خالها وهو رجل أجنبي عنها.
فإذاً، ذهب الحياء.
وفي المدرسة أيضاً يحدث أو في الخروج من المدرسة هذا التهتك وفي الأسواق.
فإذاً، وخصوصاً بالنسبة لبعض الأصناف من النساء مثل الطبيبات.
الطبيبة إذا لم تنتبه إلى نفسها قد يذهب حياؤها، ولا شك بتجربة المجربين أن الطبيبات في المستشفيات أقل حياءً من باقي الأصناف من النساء، لماذا؟
لأنها تخالط الرجال، تخالط الأطباء، وتخالط المرضى، وتخالط.. وتخالط، وتذهب وتجي في السيب وفي المستشفى، رائحة غادية، فقدت الحياء.
شيء طيب أن بعض النساء لما تذهب إلى الطبيب ولا يوجد غيره ولا يوجد طبيبة نسائية لا ترضى أن تكشف بسهولة هذا شيء مهم جداً، وهذه ظاهرة طيبة، ينبغي أن نبقي هذه الأشياء، ولا نمسحها من نفسية المرأة.
وأحياناً يصل الأمر في بعض البيئات التي فيها رجال ونساء التضاحك، والنكت مع بعض، والسوالف والكلام، وكأنه أخوها.
شجاعة المرأة المسلمة
الشجاعة من الصفات المهمة للمرأة المسلمة.
الشجاعة في مواجهة اللحظات الطارئة، في مواجهة اللحظات الحرجة، قد يحصل حادث، قد يجرح الولد، قد ينزل منه الدم، بعض الأولاد أنت لما تحلل المشكلة النفسية، لماذا يخاف بعض الأولاد يزعق زعيقاً لو رأى الدم خرج منه؟ لو رأى الدم خرج منه، لماذا خاف الطفل من الدم؟
ربما كان يمكن ألا يخاف، لكن بسبب التربية؛ لأن الأم إذا جرح الولد وشاهدت الدم فزعت وصاحت وخافت، الولد المسكين يتعقد الآن، وصار يعرف أن الأم كلما نزل الدم تصيح، إذاً هذا الدم مصيبة، فصار الطفل أيضاً يفزع، انتقلت المسألة من الأم إلى الطفل، انتقل الخوف من الأم إلى الطفل، انتقل الفزع من الأم إلى الطفل.
إذاً، التربية مهمة لا بد أن تكون الأم متماسكة، الولد حرق يده، نفضت الكهرباء في الفيش، صار جرحاً، وقع، طاح، تعور، لا تلطم وتندب وتصيح وتفزع، تخوف الولد ويتربى على الجبن.
لماذا أطفالنا الآن في حالة سيئة؟
من هذه الأشياء.
ومن الأمثلة على الشجاعة التي وردت في السيرة ما ورد في صحيح البخاري: أن الرسول ﷺ كان ساجداً عند الكعبة فبعض الكفار تواصوا، قالوا: من يأتي بسلا جزور ميت ويطرحه على ظهره ، لعنهم الله، فأتوا بسلا الجزور وكرشة البعير المملوءة بهذه البقايا والمخلفات، على كراهة رائحتها ووضعوها على ظهره وهو ساجد ﷺ، ثم أقبلوا يتضاحكون حتى مال بعضهم على بعض من الضحك كما في صحيح البخاري، فبقي ﷺ لا يرفع رأسه في السجود، فانطلق منطلق إلى فاطمة وهي جويرية، يعني بنت صغيرة فاطمة، فأقبلت تسعى، أخبروها قالوا: أبوك وضعوا عليه كذا، فجاءت تركض، فطرحت عن ظهره الأذى، "وأقبلت عليهم تسبهم ودعت على من صنع ذلك"، وهي بنت صغيرة، ما خافت من صناديد قريش، ولا من كفار قريش، "وأقبلت عليهم تسبهم"[22]، وتدعو عليهم
فإذاً، الشجاعة في مواقف كثيرة قد تواجهها المرأة، لا بد أن تكون هذه صفة ملازمة.
انقياد المرأة المسلمة لزوجها وموافقتها له
وكذلك الشيء الأخير الذي نذكره الآن أو يمكن بقي صفتان الانقياد وخصوصاً للزوج، وموافقته على آرائه، خير نسائكم الودود الولود، الودود يعني المتحببة إلى زوجها، المواتية يعني الموافقة لزوجها، المواسية التي تواسيه لو وقع فيه خطب أو حزن، إذا اتقين الله، إذا خفنه وأطعنه، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات يعني المعجبات المتكبرات وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم صحيح، في صحيح الجامع رواه البيهقي عن أبي أذينة[23].
خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم ما هو الغراب الأعصم؟
الغراب الأعصم هو الذي أحمر المنقار والرجلين، عمركم رأيتم غراباً أحمر المنقار والرجلين، صعب نادر جداً ، ولذلك يقول الرسول ﷺ على الندرة هذه.
وأقل ساكني الجنة النساء، كما ورد في الحديث الصحيح[24]، وأكثر أهل النار النساء[25].
-طبعاً- هم أكثر من الرجال الآن، لكن بسبب غلبة النفس الأمارة بالسوء، وكثرة انقياد المرأة إلى مزالق الشيطان، والمرأة من انقيادها أنها تأخذ برأي الرجل الحكيم، قد ينصحها أبوها يقول: يا فلانة ترى هذا الرجل لا يصلح لك، هذا إنسان فاسق، هذا سألنا عنه كذا وكذا.
أحياناً البنت تركب رأسها وتقول لأبيها: إلا أريده، ولا بد، ولا تكلمه، وهو أبوها،وتقاطعه، وتقلب وجهها، وتتغير ملامحها أمام أهلها، وأمام أمها، وتدخل من البيت من بره إذا كانت موظفة وإلا مدرسة وتقفل على نفسها البيت، ولا تأكل، ويصيبها المرض، ويذهبون بها إلى المستشفى، كل هذا عناداً لهم، لماذا؟
إذا كانوا هم غير محقين، قد أنتِ عندك مبرر أن تفعلين هذا، لكن أحياناً يكون الأب طيباً حريصاً على مصلحة البنت، وهذه القصة عن الصحابية فاطمة بنت قيس تبين لنا عاقبة الأخذ بالرأي الحميد، عن فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها-: أن زوجها طلقها ثلاثاً فلم يجعل لها رسول الله سكنى ولا نفقة، قالت: قال لي رسول الله: إذا حللت فآذنيني أخبريني إذا انتهت العدة؟ فآذنته فخطبها معاوية، وأبو جهم، وأسامة بن زيد، تقدم ثلاثة لخطبة فاطمة بنت قيس، فقال رسول الله: أما معاوية فرجل ترب فقير مسكين، وقد لا يناسبك، وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء، لا يضع عصاه عن عاتقه كناية عن كثرة ضربه للنساء، ولكن أسامة بن زيد، فقالت بيدها هكذا: أسامة! أسامة![26] لماذا قالت بيدها هكذا؟ مولى كان، ابن زيد، ولكنه أيضاً كان أسود اللون جداً.
-طبعاً- لأنه كان مولى هذا شيء وراد.
واحد يقول للناس: يا عالم أنا أبغاكم تجيبون على سؤال واحد، آدم خضيري وإلا قبيلي؟ قال: لو علمتوني آدم خضيري وإلا قبيلي أنا موافق معكم على هذا التفصيل الذي أنتم الآن تتشددون فيه، آدم أبوهم كلهم، كيف نشأت هذه المشكلة؟ كيف نشأت القضية؟ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [سورة الحجرات:13].
الشاهد من الكلام: أسامة بن زيد كان أسوداً، وكان أبوه زيد بن حارثة أبيض جداً كالقطن، لدرجة أن بعض الناس يمكن شككوا في نسب أسامة بن زيد من أبيه، قالوا: هذا كيف طلع ولد أسود من أبيض؟ فكان الرسول ﷺ لحبه لهما يتأذى من هذه الأشياء، فمرة من المرات ثبت في الحديث الصحيح أن رجلاً من الأعراب الصحابة عنده خبرة بماذا؟ بالقافة، إيه يعرف أثر من الأرجل، يعرف علاقات، لما دخل كان أسامة وأبوه نائمين قد تغطيا بشيء فلم يبد إلا أقدامهما، يعني ما ظهر الآن من أسامة وأبيه إلا القدمين، فدخل الأعرابي، هذا الرجل الخبير فنظر في القدمين، قال: إن هذه الأرجل أو الأقدام بعضها من بعض، ولا سأله أحد، لكنه دخل بخبرته طالع كذا اختبر، أخبر بما قال: إن هذه الأقدام الأرجل بعضها من بعض، فالرسول ﷺ سر جداً بهذا الكلام [27]؛ لأنه قطع الكلام، الرجل شهد من نفسه، بالعلم الذي عنده، إن هذه بعضها من بعض.
هؤلاء لهم شأن خاص، الناس هؤلاء عندهم عجب في هذا، أخبروني عنهم بقصص كثيرة، أنه قد يخبر من هي؟ وهل هي حامل وإلا لا؟ وهل هي شابة وإلا عجوز؟ من وقع الأثر على الرمل، من وقع الأقدام، فقالت بيدها هكذا أسامة، فقال لها رسول الله: طاعة الله وطاعة رسوله خير لك قالت: فتزوجته فاغتبطت[28]، يعني تزوجته فانبسطت وارتاحت وعاشت معه عيشة سعيدة.
وعي المرأة المسلمة
ختاماً: نختم كلامنا بصفة مهمة من صفات المرأة أو لازمة للمرأة المسلمة وهي صفة: الوعي.
صفة الوعي -يا جماعة- صفة مهمة، المرأة المسلمة تحاك حولها المؤامرات، وتنسج لها شباك التحرر، وشباك الرذيلة، حتى تقع فيها.
فإذا ما كانت المرأة على مستوى من الوعي، إذا ما كانت مطلعة، إذا ما كانت تقرأ، إذا ما كانت إنسانة فاهمة، إذا كانت مغفلة وسطحية، لا تستطيع أن تواجه المخطط، ولا تستطيع أن ترد كيد الأعداء في نحرهم، وقد تقع بسهولة في أشياء مثل مساجد الضرار، ظاهرها الطيبة، ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب، ومساجد الضرار التي أنشئت لتحتوي المرأة ولتوقعها في الرذيلة منتشرة ، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
وقد تكون من الجمعيات التي لها ارتباط بأعداء الله تخرب المرأة.
والمرأة مسكينة تجد أشياء خيرية وكذا ثم تذهب فتجد رفيقات السوء، وتجد المجتمع السيئ تذهب وتضيع وتنحل.
إذا لم يوجد هناك وعي بسهولة تبتلع المرأة وتسقط بسهولة في حبائل شياطين الإنس والجن.
فنحن لا نريد أن يكون حال المرأة كما قال الشاعر الأول:
علموهن الغزل والنسج والردن وخلوا كتابة وقراءة
بس علموهن الأشياء وخلوا ما نريدها لا تقرأ ولا تكتب
فصلاة الفتاة بالحمد والإخلاص تجزئ عن يونس وبراءة
هذا كذا يدعي يقول بس الأشياء التي يريدها أن تبقى مقفلة
وقال آخر:
ما للنساء والكتابة والعمالة والخطابة | هذا لنا ولهن منا أن يبتن على جنابة |
سبحان الله، شوف عقلية الرجل، فقط المرأة هذه وظيفتها أن يعاشرها الرجل ويجامعها بس، هذه خلاصتها.
لا يا أخي، هذه امرأة عندها طاقات ، لكن المشكلة ما هي الحدود؟ ما هي الضوابط الشرعية؟ ماذا تقرأ المرأة؟ ما هي المجالات المناسبة لدراسة المرأة؟
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله- مرة عن هذا الموضوع، قال: ما فائدة دراسة المرأة مثلاً لأشياء من الهندسات، والأمور هذه التي تدرس، وتدرس لا فائدة، لكن تدرس العلم الشرعي، اللغة العربية، تدرس أشياء الطب مثلاً، شيء طيب، التمريض في الحدود الشرعية، في البيئات الشرعية في الأماكن الشرعية على المناهج الشرعية بالإشراف الشرعي، فعند ذلك تخرج النوعيات المنتجة في المجتمع.
ومن الوعي كذلك يدخل في مسألة الوعي غير إحباط المخططات الهدامة قضية وعي المرأة عند الزواج، بعض النساء لا تعرف من سذاجتها وقلة وعيها لا تعرف كيف تسأل عن زوجها، وتقدم لها واحد سألت قالوا: إيه زين ممتاز يصلي فيه خير وهذا وهذا وأخلاقه مرة جيدة جداً.
مرة امرأة سألت تقول: إني تزوجت رجل وسألت عنه، فقالوا: أخلاق ودين وصلاة ورجل يعني ملتزم بالسنة وإنسان دين مستقيم، فلما دخل بي وجدت أنه لا يصلي، ويستعمل المخدرات، قلت: سبحان الله العظيم، ما في تمييز أبداً، ما في وعي، أنت لما ترى المسألة أنه صالح ومستقيم وداعية إلى الله وطيب ودين وخير وملتزم بالسنة، ثم يكون حقيقة الأمر أنه لا يصلي ويستعمل المخدرات، فيه خلل فيه شيء غريب في الموضوع، ما هو؟ ليس هناك وعي في السؤال عن الزوج، ولا عن تقصي الأخبار.
يقابله في النوع الآخر غلو، امرأة تقول: أنا سألت عن زوجي، سألت مديره في العمل، سألت أصحابه في العمل، سألت ولد عمه، سألت كذا ورجال وكلام واتصالات تقول أنا بتوثق، ماذا الكلام الفاضي هذا؟
فإذاً، لابد من قنوات اتصال وسؤال وتستطيع المرأة أن تسأل النساء، لكن الوعي يكمن في تحليل الأخبار، وتبين مدى ثقة هذا الخبر من ذلك الخبر، واستبيان مدى ثقة هذا المصدر من ذلك المصدر، واستبيان هل هذا الخبر فيه عاطفة وتهويل، هذا الخبر فعلاً من جهة موثوقة، هنا تكمن قضية الوعي أيضاً.
وأذكر هنا حادثة طريفة في نهاية الكلام، امرأة تورطت، تقدم رجل وسألت وسألت وقالوا: زين، وتزوجت، عقد عليها، فقبل الدخول قال: لماذا ما نروح نتفسح وإلا نأخذ جولة على محلات الأثاث أو كذا من هذا النوع، فذهبت معه، شيء جائز؛ لأنه زوجها، حتى لو ما صار العرس ، ففي الطريق تقول المرأة هذه لاحظت أن الرجل متهاون، يفتح الراديو فتطلع موسيقى، ما يوطي الصوت، فخافت تقول: إني انفجعت، قلت: هذا ما هو الرجل الذي أنا أريده، لكن تريد أن تتبين الأمر، وكان فيها ذكاء وحنكة، قالت: ما رأيك بعبد الحليم حافظ؟ فالرجل استغرب، لا، ما يجوز الغناء حرام، كيف؟ قالت له: لا، كيف أنا أسمع، سمعت له كذا وكذا، وأعرف قصة أشياء، وسردت له أشياء كانت هي تعرفها من جاهليتها السابقة، فبعدما سردت له قال: الحمد لله والله أنا كنت أظنك معقدة ومتزمتة ورجعية ومتخلفة، وأنا تعبت نفسي، الآن الحمد لله أنك وفرت علي المشوار، وخليتني ما أتكلف بالتظاهر بهذا، الحمد لله طلعنا أنا وإياك متفاهمين، وعلى خط واحد، وهذا الشريط، نسمع الحين، فلما وصلت إلى البيت طلبت منه فسخ العقد، وقالت: أنت ضحكت علي.
لكن، ما هو كل النساء يتهيأ لهن هذه الفرصة في الاختبار، صحيح، يمكن أنها تتورط فعلاً.
المعاملة الطيبة بين الزوجين
الشاهد من الكلام -أيها الإخوة-: أن مسألة الوعي بهذه الأمور، وعدم الاستعجال من المرأة في انتقاء الزوج، وإحسان العلاقة معه والعشرة، وهذه آخر نصيحة أوجهها: إحسان العشرة، والمعاملة الطيبة من كلا الجانبين للآخر، وأن لا تغتر المرأة وتكره زوجها، قد تقول: والله هذا قبيح وأنا جميلة، هذا مستواه الاجتماعي منخفض وأنا من فين من عائلة الفلان الفلاني، أو تقول: أنا ذكية وهو بطيء الفهم، أو أنا أعلم منك.
على المرأة هذه أن تتقي الله ، وأن ترعى حق الله في نفسها وفي زوجها.
وختاماً -أيها الإخوة-: أسأل الله لي ولكم الهداية في الأمور، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرزقنا وإياكم حسن التصرف، وحسن الخلق.
- ^ رواه البخاري: (3411)، ومسلم: (2431).
- ^ رواه مسلم: (2442).
- ^ حديث صحيح رواه ابن حبان عن أبي هريرة رواه أحمد: (1661)، وابن حبان في صحيحه: (4163)، وقال الألباني: "حسن لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب: (1931).
- ^ رواه البخاري: (2105)، ومسلم: (2107).
- ^ رواه البخاري: (2105)، ومسلم: (2107).
- ^ رواه مسلم: (2107).
- ^ رواه البخاري: (5219)، ومسلم: (2130).
- ^ صفة الصفوة: (2/ 532).
- ^ رواه البخاري: (1466)، ومسلم: (1000).
- ^ رواه أبو داود: (2226)، والترمذي: (1187)، وابن ماجه: (2055)، وأحمد: (22440)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: (1928).
- ^ رواه الترمذي: (1186)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: (632).
- ^ رواه مسلم: (332).
- ^ رواه الطبراني في الأوسط: (3130)، وصصحه الألباني في السلسلة الصحيحة: (1281).
- ^ رواه مسلم: (2144).
- ^ رواه مسلم: (2144).
- ^ رواه البخاري: (4230)، (4231)، ومسلم: (2502)، (2503).
- ^ رواه البخاري: (5224)، ومسلم: (2182).
- ^ رواه مسلم: (1478).
- ^ رواه البخاري: (745).
- ^ رواه البخاري: (3434)، ومسلم: (2527).
- ^ رواه البخاري: (3562)، ومسلم: (2320).
- ^ رواه البخاري: (520).
- ^ رواه البيهقي في السنن الكبرى: (13478)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: (1849).
- ^ رواه مسلم: (2738).
- ^ رواه البخاري: (304)، ومسلم: (79، 80).
- ^ رواه مسلم: (1480).
- ^ رواه البخاري: (3731)، ومسلم: (1459).
- ^ رواه مسلم: (1480).