له الحمد لا يضيع أجر المحسنين عنده، ولا يُضيع أجر المؤمنين، فأجرهم عنده غير مقطوع لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [سورة الانشقاق:25].
والحمد لله الذي جعل لمن يخشونه بالغيب أجراً كبيراً، والحمد لله الذي أعظم أجر الذي يتقيه وجعل للمتصدقين أجراً كريماً، والحمد لله الذي جعل للمتأدبين مع نبيه أجراً عظيماً، وجعل لمن أطاعه أجراً حسناً.
والحمد لله الذي جعل عليه أجر من عفا وأصلح، والحمد لله الذي يؤتي المرأة الصالحة القانتة أجرها مرتين، وأعد للمحسنات أجراً عظيماً.
والحمد لله الذي يجزي الذين صبروا بأحسن ما كانوا يعملون.
والحمد لله الذي لا يضيع أجر الدعاة المصلحين، ويؤتي من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس أجراً عظيماً.
والحمد لله الذي يوفينا أجورنا يوم القيامة، فمن زُحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز فوزاً عظيماً.
مقدمة
مع اقتراب حلول الشهر الكريم تتطلع النفوس لعمل الصالحات، والازدياد من الخيرات، وحول المحفزات إلى عمل الخيرات سيكون درسنا في هذه الليلة بمشيئة الله تعالى.
أيها الإخوة: لماذا نعيش؟ لماذا نعمل؟ إننا نعمل لأجل كسب الأجر.
وهؤلاء العامة يقولون: نحن نبحث عن الأجر، نحن نرغب بالأجر، نحن نريد الثواب.
رجاء تحصيل الأجر من الله فرق بين المسلم والكافر
وهذه المسألة وهي مسألة الثواب على الأعمال مسألة عظيمة، فإن تحصيل الأجر من الفروق الأساسية بين المسلم والكافر، وربما كان العمل واحداً والفارق كبيراً من أجل تحصيل الأجر، كما قال الله تعالى: وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ.
الألم أنتم والكفار واحد: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ.
فما هو الفرق؟
الفرق كما قال الله: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ [سورة النساء:104].
قال ابن القيم -رحمه الله: "فاشتركوا في الألم وامتاز المؤمنون برجاء الأجر والزلفى من الله تعالى"[1].
الأعمال الصالحة ليست ثمناً للأجر والنعم
وهذا الأجر -أيها الإخوة- على عمل الصالحات ليست الأعمال ثمناً له، ولا معاوضة عنه، وقد قال أعلم الخلق بالله محمد بن عبد الله ﷺ: لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله.
قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل[2].
فإن قال قائل: فقد قال الله : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة النحل:32].
وإذا قلنا: إن الأعمال ليست ثمناُ للجنة، فما معنى قوله: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ؟
ما هي هذه في قوله: بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ؟
بسبب الأعمال، وليست هذه الباء باء الثمنية، وإنما هي باء السببية؛ لأننا مهما عملنا فلن نقابل نعمة واحدة، لا البصر، ولا التنفس، ولا غير ذلك.
كل الأعمال التي نعملها لو وزنت بنعمة واحدة، مثلاً نعمة التنفس، والذي عنده ربو وضيق في التنفس يعرف قيمة هذه النعمة.
لو وزنت سائر أعمالنا التي نعملها من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وقيام، ودعاء، وذكر، وقراءة فلن تعدل نعمة التنفس.
فإذن: هذه الأعمال التي نعملها هي سبب لدخول الجنة وليست ثمناً ولا معاوضة لدخول الجنة، فإن دخول الجنة من الله خالصة، ما لنا فيها شيء، لأن كل أعمالنا هذه لا تساوي نعمة ولا تقابل نعمة واحدة من النعم، فبقيت الجنة إذاً منة من الله، لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله[3].
ولكن من رحمة الله تعالى أنه جعل لنا أجوراً عظيمة، مع أنه لو طلب منا أن نعمل من غير أجر ما كان لنا ظالماً، فإنه يمكن أن يقول: اعملوا مقابل النعم التي أنعمتُ بها عليكم، كل أعمالكم هذه من أجل نعمة البصر أو نعمة السمع
ولكن من رحمته ومنته أنه قال: اعملوا وأعطيكم أجوراً عظيمة، والحسنة بعشر أمثالها.
بل إنه لم يجعل الأجور على الأعمال التعبدية المحضة، وإنما جعل لنا حتى فيما تميل إليه نفوسنا وعواطفنا أجراً عظيماً، عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله ﷺ قال: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرتَ عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك[4].
فالإنسان في غريزته أن ينفق على هذه المرأة، يطعم هذه المرأة، هذا شيء من الإحسان الذي جبل عليه، ومع ذلك مع أن هذا شيء تميل إليه نفسه ويميل إليه طبعه لكن له فيه أجر، ما هو فقط في الصلاة والقيام، بل إن الله جعل لنا أجراً حتى فيما نأتي من شهواتنا، شهوة، لذة.
كما قال النبي ﷺ: وفي بضع أحدكم أي الجماع الحلال صدقة.
قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويون له فيها أجر.
قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وزرٌ؟ فكذلك وضعها في الحلال كان له أجر[5].
بل جعل لنا حتى في الإحسان إلى البهائم أجراً، وقد قال ﷺ: بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملاً خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له.
قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجراً؟
قال: في كل كبد رطبة أجرٌ[6].
وهذا الأجر والثواب هو المحفّز والمحرك لعمل الصالحات، فإن النفوس تتحمس إذا وجدت مكافآت، حوافز، ما الذي جعل أبا طلحة -رضي الله تعالى عنه- يتصدق بأنفس أمواله وهو البستان الذي كان لديه؟
قال: يا رسول الله، يقول الله -تبارك وتعالى- في كتابه: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [سورة آل عمران:92]، وإن أحب أموالي إلي بيرُحاء"، وكانت حديقة كان رسول الله ﷺ يدخلها ويستظل بها ويشرب من مائها، فهي إلى الله وإلى رسولهﷺ.
أرجو بره وذخره -يعني عند الله- فضعها أي رسول الله حيث أراد الله"[7].
حرص الصحابة على الأعمال ذوات الأجور العظيمة
وكان الصحابة يحرصون على الأعمال ذات الأجر العظيمة، ويريدون صادقين أن ينالوا ذلك يريدون بصدق أن ينالوا الأجر، ومن ذلك أجر الشهادة في سبيل الله.
عن أبي أمامة قال: "أنشأ رسول الله ﷺ غزواً، فأتيته فقلت: يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة، فقال: اللهم سلّمهم وغنّمهم.
قال: فغزونا، فسلمنا، وغنمنا.
ثم أنشأ رسول الله ﷺ غزواً ثانياً، فأتيته، فقلت: يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة.
قال: اللهم سلهم وغنمهم.
قال: فغزونا، فسلمنا، وغنمنا.
ثم أنشأ رسول الله ﷺ غزواً ثالثاً، فأتيته فقلت: "يا رسول الله قد أتيتك تترى مرتين أسألك أن تدعو الله لي بالشهادة فقلت اللهم سلّمهم وغنّمهم يا رسول الله فادعُ الله لي بالشهادة.
واحد يريد دعاء ليموت، لكن لأجل الشهادة، هناك محفّز وهو ثواب الشهادة في سبيل الله، فقال رسول الله ﷺ: اللهم سلّمهم وغنّمهم.
قال: فغزونا وغنمنا، ثم أتيته بعد ذلك فقلت: يا رسول الله مرني بعمل آخذه عنك ينفعني الله به".
قال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له.
فكان أبو أمامة وامرأته، وخادمه -يعني تربية جماعية حتى الخادم- لا يُلفون إلا صياماً، فإذا رأوا ناراً أو دخاناً -يعني إذا الناس رأوا دخاناً أو نارا ًفي النهار في منزلهم- عرفوا أنهم اعتراهم ضيف"، رواه الإمام أحمد -رحمه الله[8].
وهكذا -أيها الإخوة- كان الصحابة يحرصون على الأعمال، ونيلها؛ لأجل الأجر الذي فيها.
وكانوا يحتسبون الأجر في خطوات من المسجد، وقوي العزيمة لم يكن يتمنى الانتقال بقرب المسجد من أجل الأجر والثواب، عن أُبي بن كعب قال: "كان رجلٌ من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة، فكان لا تخطئه الصلاة مع رسول الله ﷺ، قال: فتوجعنا له، فقلت له: يا فلان، لو أنك اشتريتَ حماراً يقيك من الرمضاء ويقيك من هوام الأرض يعني بدلاً من المشي، قال: "أما والله ما أحب أن بيتي مطنب -يعني مربوط بالحبال- ببيت محمد ﷺ فحملت بها حملاً.
قال الصحابي الذي سمعه: "أحسستُ هذه الكلمة ثقيلة، فحملتُ بها حملاً حتى أتيت نبي الله ﷺ فأخبرته، فدعاه، فقال له مثل ذلك، وعلم الصحابي الكلمة هذه الذي يمشي للمسجد، قال: وذكر له أنه يرجو في أثره الأجر، فقال له النبي ﷺ: إن لك ما احتسبت[9].
ما هي فائدة ذكر الأجر؟ كما قال العلماء: "من لاح فجر الأجر هانت عليه مشقة التكليف".
ففي ذكر الأجر فوائد منها: أن مشقة التكليف تهون عليه، الصيام فيه مشقة، الجهاد فيه مشقة، صلاة الفجر فيها مشقة، الأجر يهوّن من المشقة، كما أن العامل الذي يعمل الآن في البناء أو في أي عمل شاق، إذا أُغري براتب مجزي أو مكافأة يشتغل، بل يعمل وهو مسرور مع أن العمل شاق.
ما الذي يهون عليه العمل الشاق؟ الأجر.
هذه سياسة الأجر في الشريعة، والله حكيم، عليم، خبير بعباده، ولذلك ذُكرت لنا أجور عجيبة، ومن تأمل عاقبة المشقة الحميدة تحمّس للعمل من راح روحة في سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكاً يوم القيامة[10].
المشي في المسجد فيه مشقة في الليل: بشِّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة[11].
الجوع في الصيام فيه مشقة: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك[12].
وماذا تريد من المقابل، وماذا تتخيل؟ عند الله كله موجود.
تريد مغفرة الذنوب أن ترجع كيوم ولدتك أمك ممسوح الذنوب تماماً فيما مضى خذ:
من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه[13].
مغفرة جميع الذنوب السالفة موجود من توضأ نحو وضوء هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه[14].
صلاة ركعتين بوضوء حسن وخشوع تام، ما فيها وسواس ولا فيها شرود في الصلاة، يغفر لك ما تقدم من ذنبك.
تريد أن تنال محبة الله؟ من أحب الأنصار أحبه الله[15].
تريد حسنات كثيرة بالمقابل؟ كماً كثيراً؟ من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده كان شبعه وريه وروثته وبوله حسنات في ميزانه يوم القيامة[16].
تريد بالعدد؟ مائة حسنة؟ من قتل وزغة في أول ضربة كتب له مائة حسنة[17].
هذا الذي كان ينفخ النار على إبراهيم، فنحن نعاديه منذ أن فعل ذلك، ونقتله إذا رأيناه.
وكان لعائشة رُمح خاص لقتل الأوزاغ، وجُعل له مائة حسنة من أول ضربة؛ لأنه أحسن القتلة.
تريد حسنات بعدد الأشخاص؟ المؤمنين والمؤمنات؟ خذ: من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة[18].
وقد كان نوح أحسن إحساناً عظيماً عندما قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [سورة نوح:28]
فبدأ بنفسه كما هي السنة في الدعاء، ثم بأقرب الناس إليه بالوالدين، ثم الأقرب إخوانه الخلّص، الخاصة.
كل المسلمين إخوان لك لكن في خواص، أنت معهم في عمل خيري، في دعوة، في قوة، في علم.
وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وكل المسلمين.
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ليكون له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة.
تريد حسنات أمثال الجبال؟ مثل الجبل العظيم؟ خذ: من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد - كل قيراط مثل جبل أحد – ومن صلّى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط من الأجر[19].
تريد مضاعفات؟ خذ: من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له سبعمائة حسنة[20].
الصلوات التي نصليها هذه كم صلاة في الفرائض؟ خمس، لكنها بأجر خمسين مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ [سورة ق:29].
يقول الله تعالى: لا يبدل القول لدي كما في حديث المعراج فرض الصلاة[21].
تريد أجر بلاد حدود؟ خذ: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [سورة الشورى:40].
كم هذا؟ على الله مفتوح.
تريد أن تكفر السيئات؟ من قال سبحان الله بحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر[22].
تريد ستراً يوم القيامة؟ يوم الفضائح؟ من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة[23].
تريد نجاة في الآخرة؟ من أي شيء تريد النجاة؟ من حر الموقف؟ خذ: من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله[24].
تريد وقاية من حر النار؟ من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جدته يعني من غناه وما أنعم الله به عليه كن له حجاباً من النار يوم القيامة[25].
تريد عتقاً من النار؟ من ذبّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار[26].
تريد بيتاً في الجنة؟ بسائر مواصفاته العظيمة؟ بحسنه، وجماله، وجلاله؟
من بنى مسجداً لله يذكر الله فيه بنى الله له مثله في الجنة[27].
فإن قلتَ: أنا فقير، مسكين، ولا عندي مالاً أبني به مسجداً، أو راتبي تذهبه النفقات، ما أستطيع أن أبني مسجداً.
لم يحرمنا الله من فضله، أعطانا أعمال أجرها ببناء بيت في الجنة، فقال نبيه ﷺ: من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتاً في الجنة[28].
ثابر، فإن قلت: فاتتني أشياء.
خذ، ما انتهى فضل الله من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتاً في الجنة[29].
فإن كنت تريد حللاً وثياباً، ولك شهوة فيها وتعلق وانجذاب، فخذ هذا:
من ترك اللباس تواضعاً لله يعني اللباس النفيس الغالي يقدر يشتريه ويلبسه لكن تركه تواضعاً لله، لا بخلاً ولا فقراً وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها[30].
تريد بالذات ثوبا ًمن حرير خالص؟
من غسّل ميتاً فستره ستره الله من الذنوب، ومن كفنه كساه الله من السندس[31].
وإن كنت من أصحاب الغرس والأشجار، ولك فيها طلب ورغبة، فمن قال: سبحان الله العظيم وبحمده غُرست له بها نخلة في الجنة[32].
وليس في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب كما جاء في الحديث الصحيح[33].
وعلى ماذا؟ كم دقيقة تأخذ؟ سبحان الله وبحمده، كم تأخذ؟ خمس ثوان، ثانيتين، ثلاث؟
هذه تغرس بها نخلو في الجنة.
تريد غراس زيادة أكثر منها؟ وغراس الجنة سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فاغرس ما شئت أن تغرس... مائة، ألف، ألفين، عشرة آلاف، مليون فهو ذو الفضل العظيم .
وإن كنت تريد أن تتخير من الحور العين ولك تطلع وشهوة في النساء عظيمة، فاعمل بهذا: من كتم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه.
واحد آذاك، أو اعتدى عليك، فأغاظك وأنت قادر أن ترد الصاع صاعين، ولست ضعيفاً، ولا مهيناً، ليس من هوان، ولا جبن، ولا ضعف قادر أن ترد الصاع صاعين. من كتم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخير من الحور العين يزوجه منها ما يشاء[34].
ثم يا إخوان الأشياء في الأجور عظيمة، فهناك أجور كثيرة على أعمال قليلة، يعني إذا قارنت بين الأجر وبين العمل رأيت عجباً.
من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه كان له كأجر عمرة[35].
إذا واحد كان في المدينة، يتطهر في بيته، يذهب إلى المسجد يمشي إلى مسجد قباء له أجر عمرة.
طيب نحن لسنا في المدينة، نحن في هذه المنطقة، ماذا نفعل؟
من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة[36].
من غسّل الجمعة واغتسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع وأنصت، ولم يلغو كان له بكل خطوة يخطوها من بيته إلى المسجد عمل سنة، أجر صيامها وقيامها[37].
تريد رفع منزل، أنت -مثلاً- متطلّع للجاه، أنت تتطلع للجاه، أنت تريد جاهاً؟
هناك أشياء تعطيك ألواناً من الجاه والرفعة عند الله، كما قال نبي الله ﷺ: من تواضع لله رفعه[38].
تريد حرزاً من الشيطان، إن النبي ﷺ قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة[39].
له فيها عدة ميزات، منها: أنها تكون حِرْزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي.
تريد عصمة من الفتن، وبالذات من فتنة الدجال، لأننا آخر الأمم وهو خارج فينا لا محاله، وما من نبي إلا حذر أمته الدجال من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال[40].
إذن: احفظ عشر آيات من أول سورة الكهف.
تريد فوائد دنيوية غير الفوائد الأخرية، مثلاً: طول العمر، سعة الرزق.
من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه[41].
تريد المعافاة من الابتلاء والعاهات؟
من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً. لم يصبه ذلك البلاء[42].
تريد حراسة خفارة من الله ، حراسة؟
من صلى الفجر فهو في ذمة الله[43] يعني: كلاءته ورعايته وحفظه.
تريد دعاء من ملك لا يعصي الله؟ من واحد لا يعصي الله؟
من دعا لأخيه في ظهر الغيب، قال الملك الموكل به "آمين، ولك بمثل[44].
تريد صك براءة من النفاق؟ صك من الله ؟ براءة من النفاق؟
من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان براءة من النار، وبراءة من النفاق[45].
السؤال هو: متى يكون الإنسان مدركاً لتكبيرة الإحرام مع الإمام؟
الجواب: بشرطين، يكون مدركاً لتكبيرة الإحرام مع الإمام بشرطين، وهما:
أولاً: أن يكون قائماً في الصف عندما يكبر الإمام تكبيرة الإحرام، فإذا دخل أحد من الباب والإمام قد كبر فاتته.
إذن: الشرط الأول: أن يكون قائماً في الصف عندما يكبر الإمام تكبيرة الأحرام.
الشرط الثاني: أن يكبر بعده مباشرة.
هناك ناس يكبر الإمام تكبيرة الإحرام ثم يخرج السواك ليتسوك، ويتلفت، ويرى الجماعة يميناً شمالاً، ويمسح الصف بنظره، ثم حتى ينتهي الإمام من الفاتحة كبر.
هو واقف في الصف لكن ما أدرك تكبيرة الإحرام.
إذن: الذي يريد هذا الأجر العظيم، يأخذ صك براءة من النفاق، وبراءة من الله تعالى، فيصلي أربعين يوماً في جماعة، مائتين صلاة، يدرك تكبيرة الإحرام، يكتب له براءة من النفاق وبراءة من النار.
ثم يا إخوان، هناك أجور على أعمال قد لا نستطيع أن نقوم بالعمل، لكن نحصل أجره من باب آخر، يعني مثلاً عتق الرقاب، الآن في هذا الزمان عتق الرقاب صعب جداً، ويقرأ الإنسان في فضل عتق الرقبة وأن يعتق بكل عضو منه عضواً من المعتق، حتى الفرج بالفرج.
إذا أعتق احد عبداً لله تعالى، يعتق الله من المعتق بكل عضو من المعتَق عضواً من المعتِق من النار.
طيب... ما وجدنا رقاب، فات الأجر علينا؟
الله كريم، وهو عليم، وعل أنه يأتي وقت تشح فيه الرقاب، لكن هذا الأجر كيف ممكن يحصل عليه الواحد؟
من طاف بالبيت سبعاً وصلى ركعتين كان كعتق رقبة[46].
إذن: سبع أشواط بعدها ركعتين أجرها كأجر عتق رقبة.
أيضاً: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشراً كان كمن أعتق رقبة -ليس أي رقبة - من ولد إسماعيل[47].
وهذه سهلة في الكلام، من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، ليكون كأنه أعتق رقبة من ولد إسماعيل.
ولماذا الإنسان يعرف هذه النصوص والأحاديث والمتون؟ حتى يحتسبها، هذه أهمية العلم، بعض الناس لا يعرف الأجر، الذي يعرف الأجر يحتسب الأجر، ولذلك يكون بالاحتساب بالغاً رتبة لا يبلغها غير المحتسب.
ومن طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه، فلو قلت الآن: أين نحصل الشهادة في سبيل الله؟ نقول: من طلبها صادقاً أعطيها ولو لم تصبه.
أنت رأيت شخصاً ينفق أموالاً طائلة في سبيل الله، يبني المساجد، يبني المدارس، يحفر الآبار، يمهد الطرق، يطعم العوائل، رواتب للفقراء، يطبع الكتب، ينشر علماً، يجري نهراً، يغرس غرساً للناس، عنده أوقاف، عنده مئات الملايين، وأنت ما عندك شيء، ماذا يمكن أن تعمل؟
يمكن أن تعمل عملاً عظيماً، فإذا نظرت يا صاحب العلم الفقير إلى غني ينفق ماله في الخيرات فقل كما جاء في الحديث: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل
قل بالكلام، وليس فقط بالتمني في النفس؛ لأن القول بالكلام له ميزة، لو كان لي مثل هذا.
أنت رأيتَ واحداً بنى مشاريع عديدة، لو كان لي مثل هذا عملتُ فيه مثل الذي يعمل.
يقول الرسولﷺ: فهما في الأجر سواء[48].
وهناك أجور يمكن أن تحصل عليها من أعمال لم تعملها، أنت قد تحصل على أجور على أعمال لم تقم بها، ولا عملتها، ولا تعبتَ فيها أيضاً من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه.
هذا أجر الدعاة إلى الله، والذين يعلمون الناس الخير.
أنت تعلم وغيرك يعمل، وأنت تعمل بما قلت ولو مرة، لكن غيرك ممكن يعملها آلاف المرات، بمجموع الناس الذين يعملون، ممكن يعمل آلاف المرات من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه[49].
وقال ﷺ: من علّم علماً فله أجر من عمل به[50].
واحد ما يستطيع الذهاب للجهاد، هناك حل... من فطّر صائماً أو جهّز غازياً فله مثل أجره[51].
أنت لا تصوم الاثنين والخميس، لا تطيق الصيام الكثير أو عندك حب للطعام، لكنك تعرف من يصوم الاثنين والخميس، فتذهب له بطعام إفطاره.
أنت ما تعبتَ في الصيام، لكن أخذتَ مثل أجره، وعمل ما تعبتَ به.
حتى الكف عن الشر، واحد ما عنده شيء يعمله إطلاقاً، إذا كفّ عن الشر فهي صدقة منه على نفسه.
الدخول في أصحاب الألقاب الشريفة
ومن الحوافز كذلك: الدخول في أصحاب الألقاب الشريفة، كما قال ﷺ: من قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين[52].
ومن الحوافز إذا أردتَ صلاة من الله عليك، فصلّ على نبيه ﷺ، فقد قال: من صلّى علي مرة صلى الله عليه عشراً فإذا صلّيت مرة واحدة على النبي ﷺ الله يصلّي عليك، ويذكرك في الملأ الأعلى شرفاً وفخراً لك، يذكرك في الملأ الأعلى، يصلي عليك عشر مرات.
كانت تلك طائفة من الأحاديث التي صححها أو حسّنها العلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله، فيما مضى من ذكر الأحاديث كانت مما صححه وحسنه.
واعلموا -أيها الإخوة- أن الأجر لا يثبت إلا بالإخلاص، ولا يكتب إلا بالإخلاص، ولا يمكن أن يحصل الأجر إذا قارن العمل شرك، أو إرادة الدنيا.
فقد جاء في الحديث الصحيح في سنن النسائي عن أبي أمامة قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله، رجل غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟
يبحث عن الأجر، وأيضاً الذكر بين الناس، يقال: شجاج مقدام.
فقال رسول الله ﷺ: لا شيء له.
فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله ﷺ: لا شيء له.
ثم قال ﷺ: إن الله تعالى لا يقبل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه[53].
فهذا قد بطل أجره وحبط عمله مع أنه قصد الأجر، لماذا؟ لما ضم إليه قصد الذكر بين الناس، فلم يخلص عمله لله فبطل كله، والله غني عن الشرك، الشركاء، لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له.
فلا بد إذن -أيها الإخوة- أن نحافظ على الأجر إذا حصلناه، إذا كسبنا أجراً أن نحافظ عليه، قال الله تعالى: ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى [سورة البقرة:262].
يقول ابن القيم -رحمه الله: "على أن المنّ والأذى لو تراخى عن الصدقة وطال زمنه ضر بصاحبه"[54].
افرض إنك تصدقت، وبعد عشر سنوات قلت في مجلس متباهياً متفاخراً: أصلاً أنا صرفت كذا وكذا على فلان، وصرفت كذا في مجال فلان، أحبطتَ فضل ما حصلتَه قبل عشر سنين.
فيقول ابن القيم على أن المن والأذى ولو تراخى عن الصدقة -يعني ثم لا يتبعونه- وطال زمنه يضر ضراً ولم يحصل له مقصود الإنفاق، فالمقارن أولى وأحرى.
فإذا واحد تصدق وعند الصدقة هو مراءٍ ، هنا الإحباط أولى، فإذا كان لو راءى بعد حبط ، فلو راءى معه اولى بالحبط.
فلذلك قال : لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ... الآية [سورة البقرة:264].
فهذه الآية تضمنت الإخبار بأن المن والأذى يحبط الصدقة، وهذا دليل على أن الصدقة قد تحبط بالسيئة مع قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [سورة الحجرات:2].
وكما يجب علينا أن نحذر من حبوط الأجر فإننا يجب علينا أن نحذر من نقصان الأجر، فهناك أعمال تنقص الأجور، كل يوم يؤكل من أجرك.
قال رسول الله ﷺ: من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو كلب صيد نقص من أجره كل يوم قيراطان[55] كل يوم ينقص، من اتخذ الكلاب، كل يوم ينقص من أجورهم قيراطان، فماذا يبقى؟ واكتمال الأجر توفيق من الله كما قال خبّاب : "هاجرنا مع النبي ﷺ نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئاً -منهم مصعب بن عمير- ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها".
ثم قال عن مصعب: "قُتل يوم أُحد فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النبي ﷺ أن نغّطي رأسه، وأن نجعل على رجليه من الإذخر"[56].
طوبى لأناس يؤتون أجرهم مرتين[57].
روى مسلم عن سلمة بن الأكوع، قال: "لما كان يوم خيبر قتل أخي قتالاً شديداً من رسول الله ﷺ، فارتد عليه سيفه فقتله".
نتيجة المبارزة، سيف المسلم ارتد عليه وقتله، سيفُه قتله.
فقال أصحاب رسول الله ﷺ في ذلك وشكّوا فيه.
رجل مات في سلاحه، بسيف نفسه، فقلت: "يا رسول الله، يقولون: رجل مات بسلاحه؟
فقال رسول الله ﷺ: كذبوا، مات جاهداً مجاهداً فله أجره مرتين[58].
وأنتم تعلمون عن أعمال أخرى لمن فعلها أجر مرتين كمن آمن بنبيه، ثم آمن بالنبي ﷺ.
قواعد شرعية في مسالة الأجر والثواب
نريد أن ننتقل الآن إلى قواعد في الأجر، مسألة الآجر والثواب مسألة عظيمة، وكبيرة، وخطيرة، ولذلك تكلم العلماء فيها وذكروا قواعد في الأجر والثواب، فمثلاً:
ليس للإنسان إلا ما سعى
الإنسان ليس له إلا ما سعى، فبعد موته لا يصله شيء إلا ما استثناه الدليل.
فلو قلت: هل في أجر يصل للميت بعد وفاته.
في الأصل لا يصل إليه شيء، قال الله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [سورة النجم:39].
لكن إذا علّم علماً، حفر بئراً، عمل أي نوع من الصدقة الجارية يصل إليه ثوابها بعد وفاته.
هناك أعمال لا ينقص أجرها ولو نقص العمل، مثل حديث: هذان شهرا عيد لا ينقصان[59].
قيل: لا ينقصان في الأجر والثواب.
فرمضان ولو كان 29 لكن أجر الصائم كامل كأنه صام 30.
المؤمن يتفاءل بنفسه بثبوت الأجر، ولذلك يقول إذا أفطر في رمضان: ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله[60].
تنزيل الشارع المتسبب للأجر منزلة الفاعل له
الشارع نزّل المتسبب منزلة الفاعل التام في الأجر، هذه قاعدة.
"الشارع نزّل المتسبب منزلة الفاعل التام في الأجر" كما قال ﷺ: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه[61].
وهنا نتذكر فضل الصحابة -رضوان الله عليهم، قال ابن القيم -رحمه الله: "الدرجات الثلاث هي درجات السبق: درجة العلم، والعدل، والجهاد، وبها سبق الصحابة، وأدركوا من قبلهم، وفاتوا من بعدهم، واستولوا على الأمد البعيد، وحازوا قصبات العلا، وهم كانوا السبب في وصول الإسلام إلينا، وفي تعليم كل خير وهدى، وهم أعدل الأمة في ما ولوه، وأعظمها جهاداً في سبيل الله"[62].
فالأمة في آثار علمهم، وعدلهم، وجهادهم إلى يوم القيامة، فلا ينال أحد منهم مسألة، مسألة علم نافع إلا على أيديهم، ومن طريقهم ينالها، ولا يسكن بقعة من الأرض آمناً إلا بسبب جهادهم وفتوحهم.
بسبب فتوح الصحابة يسكن المسلمون بمصر، والشام، والعراق، يسكنون في بخارى وترمذ، ويسكنون في أذربيجان، هذه كلها بلاد فتحها الصحابة.
فأي واحد ساكن في بلد آمن من يأخذ أجر الأمن الذي يسكن فيه هؤلاء؟ الذين فتحوا هذه البلاد وهم الصحابة.
وأي حديث، وأي علم نستفيده من طريقهم، من أين عرفناه؟ من طريقهم، هم الذين نقلوا القرآن عن النبي ﷺ، وهم الذين نقلوا لنا الحديث.
فكل علم نتعلمه من طريقهم، ولا يحكم إمام، ولا حاكم بعدل وهدى إلا كانوا هم السبب في وصولهم إليه، فهم الذين فتحوا البلاد بالسيف، والقلوب بالإيمان، وعمروا البلاد بالعدل، والقلوب بالعلم والهدى، فلهم من الأجر بقدر أجور الأمة إلى يوم القيامة مضافاً إلى أجر أعمالهم التي اختصوا بها، فسبحان من يختص بفضله ورحمته من يشاء.
ومن هو أعظم الأمة على الإطلاق أجراً؟ نبيها محمد ﷺ، وكل ثواب يحصل لنا على أعمالنا فله مثل أجرنا من غير أن ينقص من أجرنا شيء؛ لأنه هو الذي علّمنا.
لا تفكر تعمل أي عمل إلا والنبي ﷺ له مثل أجرك به، وهذا الذي رد به شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بكتابه "التوسُّل والوسيلة" على من قال: لماذا لا نهدي أعمالاً للنبي ﷺ.
يعني أعمل عمرة وأهبها للنبي ﷺ، مثلاً، هذا العمل غير مشروع؛ لأنه لا يحتاجه لأنه أصلاً العمرة هذه من الذي دلّك عليها؟ فلو عملتها لنفسك فللنبي ﷺ أجر مثلها، مثل أجرها، إذاً ما في داعي تهدي له ثواباً، الثواب أصلاً ذاهب إليه، كل العمل، ما في داعي تهدي له ختمة، ولا عمرة، ولا شيء... لأنه مهما عملت فله مثل أجرك.
دلّ على هدى، دعا إلى هدى، له مثل أجرك.
من القواعد كذلك: أن المشقة ليست بذاتها سبباً لزيادة الأجر، هذه توضيح لقاعدة الثواب على قدر المشقة المشهورة بين الناس، المشقة بذاتها ليست سبباً لزيادة الأجر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "ما كان مشقاً -يعني أي عمل شاق- فليس هو سبباً لفضل العمل ورجحانه -ليس بسبب المشقة- لكن قد يكون العمل الفاضل مشقاً، ففضله لمعنى غير مشقته، والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره، فيزداد الثواب بالمشقة.
كما من كان بعده عن البيت في الحج أو العمرة أكثر يكون أجره أعظم من القريب.
ولذلك قال ﷺ لعائشة في العمرة: أجركِ على قدر نصبكِ، لأن الأجر على قدر العمل في بعد المسافة، وبالبعد يكثر النصب فيكثر الأجر.
وقوله ﷺ: والذي يقرؤه يعني القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران.
لكن هل المشقة مقصودة[63]؟
يعني مثلاً: أنت الآن تريد تحج من المنطقة الشرقية، ما رأيك تذهب إلى بخارى، ثم تحج من هناك، يكون لك أجر أكثر ولا لا؟ أو تروح كندا بعد ذلك تأتي حاجّاً من هناك.
تقول: لأن أبعد مسافة يصير أكثر أجراً.
هل يكون أكثر أجراً؟ لا، لماذا؟ لأن المشقة ليست مقصودة لذاتها في تحصيل الأجر، لكن العمل إذا اقترنت به مشقة بطبيعتة بدون مشقة، أنت ما تريد تحصل مشقة.
لكن لو اقترنت بالعمل مشقة بسبب بُعد مسافة، فيحصل لك الأجر على قدر المشقة بدون أن تتقصد أنت إيجاد المشقة، لكن إذا حصلت تبعاً وبطبيعة الحال فأنت تؤجر عليه. هذه من قواعد الأجر.
قال شيخ الإسلام: "فكثيراً ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصودة من العمل، ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب، هذا في شرعنا رُفعت فيه الآصار والأغلال، وأما في شرع من قبلنا فقد تكون المشقة مطلوبة منهم"[64].
كأن يُطلب منهم تحصيل المشقة ليؤجروا، وكثير من العبّاد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوباً، ولذلك هؤلاء الصوفية وغيرهم متأثرين بالرهبان.
والرهبان يتعبدون بالمشقات، الواحد لا ينام أبداً، يريد أن يتقرب إلى الله، يتعبّد بالمشقة، يحصل مشقات.
ويقولون: فلان ما ذبح ولا نكح، يعني: لا يتزوج النساء ولا أكل اللحم، هذه عبادة الرهبان، وعلى هذا المنوال مشى الصوفية.
مع أن هدي النبي ﷺ: إني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، وفي رواية: فمن رغب عن سنتي فليس مني[65].
تميز الفاعل للعمل عمن نوى فقط ولم يعمل
الفاعل المباشر للعمل له ميزة على مجرد من نوى... هذه من قاعدة الأجور أيضاً.
الآن أنت نويت عملاً لكن ما عملته، لك أجر أم لا؟
نويت، من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة.
طيب لو عملها؟ عشر حسنات!
إذن: الذي عمل له ميزة على الذي ما عمل.
يقول ابن القيم في عدة الصابرين: "فالغني نواه ونفذه بعلمه، والفقير العالم نواه ونفذه بلسانه فاستويا في الأجر من هذه الجهة، ولا يلزم من استوائهما في أصل الأجر استواؤهما في كيفيته وتفاصيله، فإن الأجر على العمل والنية له مزية على الأجر على مجرد النية التي قارنها القول"[66].
ومن نوى الحج ولم يكن له مال يحج به، وإن أُثيب على ذلك فإن ثواب من باشر أعمال الحج مع النية له مزية عليه.
وإذا أردتَ فهم هذا فتأمل قول النبي ﷺ: من سأل الله الشهادة صادقاً من قلبه بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه[67].
لكن لا ريب أن الإنسان المجاهد الذي خرج في الجيش، وقاتل، وصمد، وما ولى الأدبار، وقُتل محتسباً له أجر أكثر
فإذن، لو استوى الناوي والعامل في أصل الأجر، لكن لا يلزم الاستواء في تفاصيله.
يحصل للناوي أصل الأجر دون مضاعفات، والذي عمل يحصل له أصل الأجر بالإضافة إلى المضاعفات، حتى يكون للعامل ميزة؛ لأنه عمل.
كمال الأجر مع العجز عن القيام بالعمل
والأجر يكمل مع العجز بالنية، لو واحد عاجز تماماً، هذا ما هو حاله الآن؟
مثاله شخص صلى الفريضة قاعداً، وهو عاجز على القيام، ونيته أنه لو كان قادراً قام، كم له من أجر هذا؟
واحد مشلول صلى قاعداً، لو الله يعلم منه أنه لو كان غير مشلول لقام، فما أجره؟ أجر القائم، له أجره كاملاً.
قال ابن القيم -رحمه الله- في بدائع الفوائد: "فله الأجر كاملاً لو صلى قاعداً بعجزه وصلاح نيته"[68].
مضاعفة الأجور بعشرة أمثالها
وكذلك من الأمور المهمة، أو من القواعد في الأجور أيضاً: أن مضاعفة الأجور بعشرة في كلام بعض أهل العلم خاص بهذه الأمة، قال القرافي -رحمه الله- في حديث: من صام رمضان وستة أيام من شوال يكون صام السنة[69] قال: "يشبه من صام سنة من غير هذه الملة؛ لأن معنى قوله تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [سورة الأنعام:160]، أي عشر مثوبات أمثال المثوبة التي كانت تحصل لعامل من غير هذه الأمة، فإن تضعيف الحسنات إلى عشر من خصائص هذه الأمة.
فهذا من فضل الله أنه أعطانا نحن الأمة مضاعفة عشر حسنات، وما كان هذا لمن قبلنا"[70].
وكذلك من الأمور: أن الذي يدخل في بعض الأعمال يحصل له شرف خاص.
هناك أجور خاصة ليعض الأعمال مثل الجهاد في سبيل الله، كما قال ﷺ: من خرج من بيته مجاهداً في سبيل الله وأين المجاهدون، فخرّ على دابته فمات فقد وقع أجره على الله أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله أو اتى حتى أنفه -يعني على فراشه- فقد وقع أجره على الله ، ومن مات قعصاً -وهو الموت المعجّل- فقد استوجب المآب[71].
فنحن نرجو لأبي سليمان خالد بن الوليد أنه وقع أجره على الله أجر شهيد.
ثم إنه ﷺ جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غُلب.
معنى غُلِب يعني وجده قد غلب عليه أمر الله ودنى من الموت فصار مغلوباً، فصاح به رسول الله ﷺ لعبد الله بن ثابت فلم يجبه.
يعني صرخ فلم يجبه، فاسترجع رسول الله ﷺ قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقال: غُلِبنا عليك يا أبا الربيع يعني نريد حياتك لكن تقدير الله عليك غالب.
فصاح النسوة، وبكين، فجعل ابن عتيك يسكتهن، فقال رسول الله ﷺ: دعهن فإذا وجب يعني مات فعلاً خرجت روحه نهائياً فلا تبكين باكية.
قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟
قال: الموت.
قالت ابنته – يعي ابنة هذا الرجل: "والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيداً، فإنك كنت قد قضيت جهازك"
يعني أعددت العدة وتجهزت، فقال رسول الله ﷺ: إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته[72].
هذا الرجل قضى جهازه، يعني: أعد العدة للجهاد، استعد بكامل العتاد، ولكن مات قبل أن يخرج الجيش.
فإذن، طالب العلم الذي يعد العدة للطلب، أو المصلي يعد العدة للطهور للصلاة، أي واحد يعد، واحد يعد طعاماً للسحور ليصوم، أي واحد استعد للعمل فله مكانه عند الله وأجر؛ لأنه استعد.
ولذلك المنافق لا يستعد لعمل الصالحات، وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً [سورة التوبة:46] لكن ما أعدوا شيء.
هذا الحدث السابق رواه أبو داوود وصححه الألباني رحمه الله.
التجارة مع الله تعالى
ولنعلم -أيها الإخوة- كذلك أننا ينبغي علينا أن نبحث عن الأعمال ذات الأجر الأكثر، العمر محدود، ولا بد من اغتنام الوقت في أكثر ما يفيد، فما هي الأعمال التي لها أجور أكثر؟
يعني مثلاً الأعمال التي لها نفع متعدي أعظم، لو أنك أتيت بعمل نفعه لك فقط ما يستوي وعمل نفعه للمسلمين.
ولذلك قال ﷺ لعلي بن أبي طالب: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم[73].
والعالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وحتى النملة في جحرها؛ لأن نفعه متعدٍ.
الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به؟
هذه أعمال متعدية، مصحفاً علمه، نهراً أجراه، بيتاً لابن السبيل بناه، هذه أشياء نفعها متعدٍ، فإذا أردت أجراً أكثر ابحث عن الأعمال ذات النفع المتعدي، التي تنفع المسلمين، تنفعك، تنفع إخوانك، وأهلك، وعائلتك، وجيرانك، ممكن تعمل لك صندوقاً خيرياً ينتفع به عشرة أشخاص.
إذن، نبحث عن الأعمال، نركز على الأعمال ذات النفع المتعدي، هذا اعتبار.
المفاضلة في الأعمال باعتبار المشقة الحاصلة عليها
إذا أردنا أيضاً اعتبارا ًآخر في مسألة التفاضل في الأعمال، الشيء الذي فيه صعوبة على النفس أن تعمله ثم تعمله النفس مجاهدة للشيطان، ولما تأمر به من السوء.
ولذلك قال ﷺ لما سئل: أي الصدقة أعظم؟
قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى[74].
صحيح شحيح... هو إذا بلغت الحلقوم قم: اعط فلاناً كذا، واعط فلاناً كذا، هذه ذهبت للمواريث، راح للورثة، أنت الآن جئت تتصدق.
من الاعتبارات أيضاً نفع الأقارب بالذات كما قال ﷺ في امرأة أعتقت أمة، قال: لو أعطيتها أخوالكِ كان أعظم لأجركِ[75].
فإذن، هناك عمل فيه بر أقارب، هذا أيضاً يفضل بهذا الاعتبار.
هناك أعمال جنسها أفضل من أعمال، فإذن جنس الصلاة أفضل من جنس الزكاة.
جنس قراءة القرآن أفضل.
جنس ذكر الله أفضل أو جنس الدعاء أفضل؟
جنس الذكر أفضل.
ولكن أحياناً يكون في حال الشخص العمل الأقل فضلاً أكثر أجراً بالنسبة له؛ لأنه يتأثر وينتفع بهذا العمل أكثر، وهذه مسألة دقيقة جداً نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فقال: "إن العمل الذي هو في جنسه أفضل قد يكون في مواطن غيره أفضل منه، كما أن جنس الصلاة أفضل من جنس القراءة، وجنس القراءة أفضل من جنس الذكر، وجنس الذكر أفضل من جنس الدعاء".
ولكن لو أن واحداً بعد صلاة العصر أو بعد صلاة الفجر يريد أن يفعل عملاً صالحاً، هل الصلاة بعد العصر أفضل؟ ولا قراءة القرآن أفضل؟ قراءة القرآن.
نحن قلنا: إن جنس الصلاة أفضل من جنس القراءة، لكن بهذا الاعتبار يكون القراءة في هذه الحالة أفضل.
قراءة القرآن أعظم، أو ذكر الله؟ قراءة القرآن.
السجود؟ قراءة القرآن أفضل أو الذكر؟ الذكر أفضل، باعتبار السجود.
قال: والدعاء في آخر الصلاة بعد التشهد أفضل من الذكر؛ لأن الشارع حث عليه في هذا المكان، مع أن جنسه أصلاً أفضل.
تفاضل الأعمال بحسب حال الشخص المعين
وقد يكون -الآن هذه الخلاصة- العمل المفضول أفضل بحسب حال الشخص المعين.
يعني أنت بالنسبة لك ربما كونك تكون صائماً قائماً أفضل.
هذا بالنسبة له اشتغاله بالعلم والحفظ والتعليم أفضل له من أن يكون مشتغلاً بصلوات النافلة وصيام النافلة، إذا كان عنده تعارض؛ لأن هذا صاحب حفظ وذكاء، هذا عكوفه على العلم أفضل من عكوفه على قيام الليل، لأنه في حقه.
إذن: الأعمال تتفاوت بالنسبة للأجر، أجرك أنت على عمل أكثر من أجر آخر لو عمل نفس العمل؛ لأنه قد يكون يفلح فيه هو أو ينفع فيه أكثر مما تنفع أنت فيه.
قال: "وقد يكون العمل المفضول أفضل بحسب حال الشخص المعين إما لكونه عاجزاً عن الأفضل، أو لكون محبته، ورغبته، واهتمامه، وانتفاعه بالمفضول أكثر، فيكون أفضل في حقه لما يقترن به من مزيد عمله، وحبه، وإرادته، وانتفاعه".
يعني لو واحد قال لك: يا أخي أنا -سبحان الله- الصيام أجد فيه لذة عظيمة أكثر من الصلاة، الصيام بالذات، وآخر قال لك: يا أخي أنا أذهب من الصباح إلى الليل في صدقات أنفع لي من إني أصوم، أنا أتلذذ بهذا، وأشعر إني أقرب إلى الله، وإن هذا العمل يقربني إلى الله أكثر، فيكون الصدقة في حقه العمل في الصدقات.
واحد يقول: يا أخي أنا –سبحان الله- فتح الله عليّ في الدعوة، أجلس أتكلم على الناس، أجلس بجانب جماعة من الناس أنصحهم أدعوهم يتأثرون بكلامي، أحس فيها أنها تقربني إلى الله أكثر، أكثر من إني لو صمت، مع إن جنس الصيام عظيم، لكن هذا في حقه أفضل؛ لأن هذا العمل بالنسبة له يشعر ويحس أنه يقربه إلى الله أكثر، ويحيي قلبه أكثر، ولذلك كان هذا العمل بالنسبة له أفضل.
قال: "فيكون أفضل في حقه لما يقترن به من مزيد عمله، وحبه، وإرادته، وانتفاعه، وإن كان جنس ذلك أفضل".
ومن هذا الباب صار الذكر لبعض الناس في بعض الأوقات خيراً من القراءة، والقراءة لبعضهم في بعض الأوقات خير من الصلاة[76].
قد يقول لك واحد يا أخي أنا مستعد أفتح المصحف أقر جزءاً، جزئين، ثلاثة ولا أسرح، لكن لو أقوم أصلي أسرح كثيراً، أصلي نوافل أسرح كثيراً.
أنا أشعر عند القراءة أني أجد فيها خشوع ولذة وما أسرح فيها، لكن إذا قمت للصلاة للنوافل اجتهد الشيطان علي وسرحتُ كثيراً.
فقد يكون هذا الرجل القراءة في حقه أفضل؛ لأنها تقربه إلى الله أكثر، تحيي قلبه أكثر، وتفيده أكثر، مسألة مهمة نبه عليها شيخ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى لابن تيمية -رحمه الله.
رُتب الأعمال تؤثر في مثوباتها
واعلموا -أيها الإخوة- أن رُتب الأعمال تؤثر في مثوباتها، كما ذكر العز بن عبد السلام -رحمه الله- في كتابه في الأصول قواعد الأحكام، قال: "فصل في بيان الوسائل للمصالح، يختلف أجر وسائل الطاعات باختلاف فضل المقاصد ومصالحها".
فلنأخذ أمثله؛ طريق يوصلك إلى معرفة الله أفضل، أو طريق يوصلك إلى معرفة المواريث؟
لو أنت عندك تعارض درس في التوحيد، مع درس في المواريث، فيه هنا درس التوحيد.. الألوهية، والربوبية، والأسماء والصفات، وفيه درس في المواريث، وتريد تختار؟
الكلام الآن في أهمية العلم في تحصيل الأجور؛ لان العمر محدود، نريد أن نحصل أكثر قدر من الأجر، ماذا نفعل؟
لازم نتفقه، فعندك درس في التوحيد وأنت تحتاجه، ما عندك تفاصيل التوحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، ليست واضحة عندك تماماً، أنت تحتاج للدرس، وأنت في نفس الوقت تحتاج إلى درس المواريث، ما تعرف في المواريث، أو تعرف القليل ، ماذا تختار؟
درس التوحيد؛ لأن الوسيلة إلى معرفة الله أعظم من الوسيلة إلى معرفة أحكامه، كما أن الوسيلة في صلاة الجمعة أجرها أعظم من الوسيلة في صلاة الجماعة، كما أن السعي للفريضة أفضل من السعي للمندوبة، وهذه مهمة جداً.
أيها أفضل؟ أجر الفريضة أم أجر المندوبة؟ الفريضة، فلو قال قائل: أنا أصلي قيام الليل ثلاث ساعات لكن تفوت علي صلاة الفجر، صلاة الفجر تأخذ ربع ساعة، أيهما أفضل؟ صلاة ثلاث ساعات قيام ولا صلاة الفجر ربع ساعة؟ صلاة الفجر؛ لأن أجر الفريضة في الشريعة أعظم من أجر المندوبة.
فالذي يضيع هذه من أجل هذه مغبون، مسكين، فانتبه.
وكذلك إذا جئت إلى مسألة تفاوت الحسنات والسيئات يقول العز بن عبد السلام -رحمه الله: "وتتفاوت الحسنات المكتوبة والسيئات المحطوطة في مسألة الصلاة بتفاوت رتب الصلاة التي يمشي إليها".
الآن كل خطوة بحسنة، لكن تمشي حسنة لصلاة الفريضة أكثر من أن تمشي حسنة لصلاة الاستسقاء؛ لأن صلاة الفريضة أعظم عند الله، فالخطوة إلى صلاة الفريضة أعظم من الخطوة لصلاة الاستسقاء مثلاً.
ومن تصدّق بتمرة، ومن تصدق بكومة، هذا له عشر أضعاف، وهذا له عشر أضعاف، ولكن العشرة، الواحد من العشرة يختلف هنا عما يكون هنا، قال: "وكذلك الولايات، تختلف رتبها باختلاف ما تجلبه من المصالح وتدرؤه من المفاسد، فالولاية العظمى أفضل من كل ولاية -إذا كان يطبق فيها العدل الخلافة يعني -وتليها ولاية القضاء لأنها أعم من سائر الولايات، ثم ولاية الجهاد، ثم ولاية الحج".
يعني إذا قيل: تكون أميراً على الجهاد أو أميراً على الحج؟
إذا استوت كل الاعتبارات الأمير على الجهاد أفضل، إذا كان قد حج الفريضة.
وكذلك فإن الإنسان يؤجر على المباحات بالنية الحسنة كما مر معنا في حديث النبي ﷺ أنه كان يدخل بستان أبي طلحة ويستظل فيه.
ذكر ابن حجر -رحمه الله- في فوائد الحديث، قال: وفيه اتخاذ الحوائط والبساتين، ودخول أهل الفضل والعلم فيها، والاستظلال بظلها، والأكل من ثمرها، والراحة والتنزه فيها، وقد يكن ذلك مستحباً يترتب عليه الأجر إذا قصد به إجمام النفس من تعب العبادة وتنشيطها للطاعة".
دخول البستان للنزهة والفرجة، الذهاب للاستراحات، الواحد يأخذ أهله ويذهب للاستراحة مباح.
لكن لو كان فيه قصد حسن يؤجر عليه، مثل إجمام النفس من العبادة.
المشكلة الواحد مثلاً في عبادة عشر ساعات راح نصف ساعة إلى بستان دخل فيه استظل ساعة يجم نفسه من تعب العبادة ليرجع نشيط للعبادة مرة أخرى يؤجر على هذا.
المشكلة الآن عندما نعبد الله ساعة ثم نذهب للاستراحة يومين! نقول: ما يكفي.
حصول الأجر بالفعل والترك للعمل
وكذلك من قواعد الأجر: أن الأجر كما يكون على الفعل يكون على الترك، وقد نبّه على ذلك ابن حجر -رحمه الله- في الفتح في شرح حديث: تدع الناس من الشر قال: "فيه دليل على أن الكف عن الشر داخل في فعل الإنسان وكسبه حتى يؤجر عليه ويعاقب، غير أن الثواب...
يعني لو الواحد قال: طيب أنا ما أزني، ولا أشرب الخمر، ولا ولا... ما أفعل؟ هل أؤجر على هذا؟
قال: "غير أن الثواب لا يحصل مع الكف إلا مع النية والقصد، لا مع الغفلة والذهول".
يعني لو قال قائل: أنا عشر سنوات الآن ما زنيت.
هو يؤجر عليها؟
قالوا: "غير أن الثواب لا يحصل مع الكف إلا مع النية والقصد لا مع الغفلة والذهول"[77].
فلو واحد محتسب طول الوقت أنه الآن مبتعد عن الحرام، وكاف نفسه عن الحرام يؤجر على ذلك، وخصوصاً إذا وجد الداعي لفعل الحرام، دعته امرأة ما فعل الحرام يؤجر أجراً عظيماً جداً؛ لأنه كف عن الحرام.
شغلوا أفلاماً ووضعوا صوراً وأعرضت عن ذلك كله تؤجر على ذك أجراً عظيماً؛ لأنه وجد الدافع الداعي وكففت نفسك، تؤجر عليه أجراً عظيماً أكثر من الذي ما فكر فيها، أكثر من الذي ما تعرض لها ولا عرضت عليه.
والاشتراك في الأجر من الأشياء التي أنعم الله بها علينا، فهناك أعمال لا يستطيع الفرد أن يقوم بها وحده، فيتعاون مع إخوانه، قد يكون إزالة منكر مثلاً، فتكونوا شركاء في الأجر، وهذه مسألة قد لا يستطيع الإنسان وحده أن يبني مسجداً، لكن يستطيع أن يبني مع عشرة، شراء في الأجر.
فلنحرص إذاً على الاشتراك في الأجر.
التحسر على فوات الأجر من علامات الإيمان
ولنعلم -أيها الإخوة- أن تحسّر الإنسان المسلم على فوات الأجر من علامات صحة قلبه، من علامات صحة القلب أن تتحسر على فوات الأجر، انظر في هذه القصة:
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه كان قاعداً عند عبد الله بن عمر، إذ طلع خباب فقال: "يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: من خرج مع جنازة من بيتها، وصلى عليها، ثم تبعها حتى تُدفن كان له قيراطان من الأجر، كل قيراط مثل أُحد، ومن صلى عليها ثم رجع يعني بدون أن يتبعها للمقبرة كان له من الأجر مثل أحد يعني قيراط واحد.
فأرسل ابن عمر خباباً إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره.
وأخذ ابن عمرة قبضة من حصباء المسجد يقلبها في يده، قلق، ابن عمر ينتظر، حصى المسجد في يده ينتظر، يقلب ينتظر، الآن ماذا ستقول عائشة؟ كلام أبي هريرة صحيح؟ أو لا؟
حتى رجع إليه الرسول فقال: قالت عائشة: "صدق أبو هريرة".
فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض، ثم قال: "لقد فرطنا في قراريط كثيرة"[78].
وكان ابن عمر يصلي على الجنازة ويرجع إلى بيته، ما كان يعرف أن الذهاب إلى المقبرة فيه أجر آخر - قيراط - فقال: ذهبت علينا قراريط كثيرة.
وضرب بالحصى الأرض، وقال: "لقد فرطنا في قراريط كثيرة".
فتحسر الإنسان المسلم على فوات الأجر يرجى أن يكون له بهذا أجر؛ لأنه على صحة قلبة وحياة قلبه.
هذه طائفة من القواعد في الأجر والثواب، وهذه مسألة -يا إخوان- جديرة بالعناية والانتباه لأننا نحن أصلاً لماذا نعمل، نبحث عن الأجر؟ ما هي الدوافع لنا في كل الأعمال؟ نريد الأجر، نريد الأجر الأعظم، والأجر الأكثر، ولعل في هذا بيان إن شاء الله وتوضيح لكثير من المسائل لمتعلقة بالأجر والثواب.
ونسأل الله أن يرزقنا الجنة إنه هو الكريم الوهاب.
الإجابة عن الأسئلة
يقول هذا السؤال:
إذا علم فقير أن غنياً عنده أموال من الربا يريد التخلص منها، فهل يجوز أن يطلبها منه؟ وإذا طلبها هل يجوز للغني أن يعطيها إياه؟
فأجابني عن هذا الشيخ عبد العزيز -رحمه الله تعالى، قال: لا يجوز أن يطلبها ولو طلبها لا يعطيه إياها.
يقول هذا السؤال:
ورقة طلب شراء السيارة فيها تعهّد بإتمام عملية الشراء، فما حكم هذا التعهّد؟
فأجاب الشيخ -رحمه الله: التعهد ليس بشيء؛ لأن هذا البنك أو غيره لا يجوز أن يبعك شيئاً لا يملكه، ولو كتّبك، قال: اكتب تعهداً إنك تشتري، إذا اشتريت أنت تشتري مني، اكتب تعهداً.
فيقول الشيخ: هذا التعهد لا قيمة له.
يقول هذا السؤال:
واحد يحتاج سبعين ألف، الثاني يريد يشتري سيارة بسبعين ألف نقداً، فالأول قال: هات السبعين ألف أستلفها منك، وأشتري السيارة بالأقساط، وأبيعها عليك بسعر النقد، الذي هي السبعين، وأنا أقسّط السيارة بعدين، وأستفيد من السيولة، وأحل مشكلتي الآن، وأنت صارت عندك سيارة.
فقال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله: لا يحل سلف وبيع، فهذه المعاملة غير جائزة.
وهذا واحد عنده شيء من النقص في الحكمة، قال لصاحبه - شركاء بينهم خصومة: إذا ما اشتكيتك عند المحكمة زوجتي طالق.
قال الشيخ بن باز: يشتكيه ويرتاح.
لأن بعض الناس فعلاً ينقصهم الحكمة في التعامل.
السؤال:
- ما حكم أخذ مأذون الأنكحة غير المتفرغ المال إذا لم يشترط ولم يطلب، لكن أعطيه.
فقال الشيخ رحمه الله: لا أعلم مانعاً من ذلك.
يقول السؤال:
لو كانت شهادته عند المحكمة ستؤدي إلى إيقاع ضرر بالمشهود عليه أكثر مما يستحقه شرعاً كثير، فهل يشهد؟
فأجاب الشيخ: يشهد ولا يتحمل شيئاً من ظلم القاضي.
ولو قلنا لا يشهد لأدى ذلك إلى التهاون والتلاعب.
يقول السؤال:
الذهب الذي عند المرأة وليس لها راتب، ولا مورد مالي هل يجب أن تبيع منه لتخرج الزكاة؟
فأجاب الشيخ: الذهب الذي جرت عادتها باستعماله لا يجب أن تبيعه.
فلو فرضنا –مثلاً- المرأة تستعمل عادة طقمين يكفي، عندها خمسة أطقم، إذا جاء موعد الزكاة وما عندها سيولة يجب عليها تبيع منه؛ لأن عندها ذهب أكثر مما تستعمله عادة فتبيع منه وإلا فلا، فعند ذلك تنتظر حتى يغنيها الله وتخرج الزكاة.
إما إذا عندها ذهب فائض أكثر من حاجتها فتبيع منه وقت الزكاة وتخرجه.
يقول السؤال:
اشتبه في أن أحد الأشخاص من مجموعة ما قد أصابه بالعين، فإذا دعاهم إلى شاي، وأخذ بقية الفناجين وشربها، هل يجوز ذلك؟
فقال الشيخ -رحمه الله- لا أعلم فيه شيئاً، ينفع في ما جربه الناس.
يعني أن بعض الناس جربوه ونفع، فلا يعلم في ذلك مانعاً.
يقول السؤال:
أعطاني شخص صدقة جارية، هل يصلح إعطاؤها مهراً لزواج فقير يريد الزواج؟
فقال الشيخ: لا، ليس هذا من باب الصدقة الجارية، يمكن أن يطلقها من باكر.
طيب والصدقة الجارية؟ ضعها في مسجد.
يقول السؤال:
رجل أوقف مكبرات صوت على مصلى، ثم تعطلت الصلاة بالمصلى، فهل يجوز أن يستخدم المكبرات في عمل الدروس والمحاضرات خارج المكان؟
فأجاب الشيخ -رحمه الله: نعم؛ لأن المحاضرات من الخير الذي يستعمل فيه بالمصلى، ويمكن أن توضع في مسجد أو مصلى مثله.
يقول السؤال:
- إذا أحرموا بالعمرة لطفل عمره سنتين، هل يلزم بالطهارة؟ وهل يجوز أن توضع له حفاظة؟
فقال الشيخ: لا يلزم بالطهارة، ولا الوضوء، ولا إزالة النجاسة إلى سبع سنين، ويُجرّد من المخيط، ويجوز أن يضعوا له حفاظة.
السؤال:
ما حكم قراءة القرآن على العود ثم البخور به؟
فقال الشيخ -رحمه الله: غير مشروع ولا أعلم له أصلاً.
طائفة أخرى من الأسئلة التي كانت مع فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله...
يقول السؤال:
هذا يعمل في بيت أو له عمال صيانة لا تحتجب فيه النساء.
فقال الشيخ: لا يجوز، ويشترط أن يكون المحرم موجوداً ليدخل معه.
يقول السؤال:
هل يؤجر الإنسان على ما يحصل له من الآلام التي تسبب فيها بإهماله؟
فأجاب الشيخ: نعم، لعموم الحديث، لكنه قد يأثم على تقصيره في حق جسده.
يقول السؤال:
أمها تأمرها بالمجيء إليها، وهذه البنت لم تحج الفريضة، ماذا تقدم؟
فقال الشيخ: تقدم حج الفريضة.
سؤال من امرأة تقول:
نذرت أن تصوم كل يوم اثنين وخميس ولم تأخذ إذن الزوج، فلما علم، قال: أنا غير راضي، ولا أطيقه.
فقال الشيخ: تكفّر عن يمينها.
يعني تطيع زوجها في حقه.
يقول هذا السؤال:
هل يجوز للمرأة أن تقوم بتنظيف مقابر العائلة كما يفعل في بعض البلدان أن كل مجموعة عوائل لهم مقابر خاصة؟
فقال الشيخ: نعم، لأنها دخلتها بنية التنظيف وليس بنية الزيارة.
وهذه مجموعة من الأسئلة التي جاءت من الإخوان...
يقول السؤال:
هل يقع للإنسان الأجر إذا لم يكن يعلمه؟
نعم إذا عمل العمل مخلصاً لله وقع له الأجر ولو كان ما يعلم كم حسنة.
سؤال:
يترك العمل خوف العُجب والرياء؟
هذا لا يجوز؛ لأنه تركه من أجل الناس حتى لا يقول عنه "مرائي" تركه.
فإذن، هو يراعي الناس، فعليه أن يخلص لله ويعمل.
يقول السؤال:
أنا شاب في بعض أوقات الصلاة وهي السنن تكون نفسي فيها بعض الضعف، وأحياناً تكون نفس قوية، فماذا تنصحني؟
إن لهذه القلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا رأيت نفسك مقبلة أعطها، زد في العمل، وإذا رأيت نفسك مدبرة ألزمها الواجبات وكفها عن المحرمات.
سؤال:
شخص يجلس مع أشخاص يشغلون أغاني وهو لا يريد ذلك، هل يؤجر؟
لا، بل يأثم، كيف يؤجر وهو جالس وهم مشغلين أغاني؟ ينهاهم عن المنكر، فإذا لم ينتهوا يقوم، يترك المجلس.
سؤال:
رجل عنده مال كثير، هل يتبرع به للمجاهدين؟ أو بناء مركز تحفيظ نسائي؟ أو إعالة أسر فقيرة؟
ما دام المال كثير يوزعه، في هذا، وفي هذا، وفي هذا، وبحسب الحاجة.
سؤال:
يقول: أريد أن أذهب مع الشباب الأخيار إلى الأماكن الطيبة كمكتبات المساجد وغيرها.
هذه عبادة، الذهاب مع الأخيار يقي من الذهاب مع الأشرار، وإذا شغلوك بالطاعة لم تجد مكان المعصية، ولذلك فإن الذهاب مع هؤلاء الأخيار طاعة، وبر، وقربة، وبر أباك، وأبوك سيكون عوناً لك إن شاء الله على هذه الطاعات.
سؤال:
يقول: ماذا بالنسبة لصيام شعبان؟
صيام شعبان قد ورد فيه حث وورد فيه نهي، فمن النهي الذي ورد صيام يوم الشك، اليوم الذي لا يدرى هل هو من شعبان أو من رمضان، هل هو 30 شعبان أو 1 رمضان.
ورد عن النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، فما يصوم 28 ولا 29 شعبان.
ورد النهي عن صيام النصف الثاني من شبعان، إذا انتصف شعبان فلا نصومه، ورد أن النبي ﷺ أخبر أن شعبان شهر يغفل الناس فيه بين رجب ورمضان، تُرفع فيه الأعمال إلى الله وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم[79].
وأن أم المؤمنين قالت: "صام النبي ﷺ شعبان كله، ثم فسّرت ذلك لأنه صام أكثره لم يترك منه إلا قليلاً، فكيف نجمع؟
نقول: من كان له عادة في الصيام في أول الشهر، من صام النصف الأول صام في النصف الثاني.
هذا بالنسبة للذي يصوم في النصف الأول يصوم في النصف الثاني.
ثانياً: الذي تكون له عادة بالصيام مثل الاثنين والخميس، أو صيام يوم وإفطار يوم فإنه يصوم حتى لو في آخر شعبان.
والصيام فيه مستحب وفاضل، وذكر ابن رجب -رحمه الله- أن الصيام في شعبان مثل السنن الرواتب القبلية في صلاة الفرائض، فكما أن صلاة الفريضة مثلاً الظهر لها سنة قبلية وسنه بعدية، كذلك رمضان له سنة قبلية وهي الصيام في شعبان، سنة بعدية وهي الست من شوال، وأن هذه النوافل تحمي الفرائض وتكمل النقص الذي يحصل فيها، وشهر شعبان ترفع فيه الأعمال إلى الله، الصيام فيه فضل عظيم، وفعله النبي -عليه الصلاة والسلام.
قيل: فعله -أكثر من الصيام في شعبان- لأن يقضي نوافل أيام البيض والاثنين والخميس التي تفوته بسبب أسفار الجهاد وغيرها"[80].
وقيل إنه كان يكثر من الصيام في شعبان؛ لأن أمهات المؤمنين كن يقضين ما عليهن من رمضان الماضي في شعبان فيصوم معهن.
وقيل -وهو الأرجح- أنه كان يصوم لفضله، وأنه شهر يغفل الناس فيه ترفع الأعمال فيه إلى الله.
فإذاً، فضل الصيام في شعبان من سببين:
الأول: أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله.
والثاني: أنه وقت غفلة للناس، يغفلون عنه بين شهر محرم وهو رجب، وشهر فضيل وهو رمضان، فيغفلون عن شعبان.
فلذلك العبادة في أوقات الغفلة أفضل، ولذلك كان السلف، من كان من السلف يصلي بين المغرب والعشاء كثيراً، يقول: هذا وقت يغفل الناس فيه.
فإحياء أوقات الغفلة بالعبادة مثل ذكر السوق، الأذكار في السوق، وقت الغفلة، مكان الغفلة، مع الغافلين فيه فضل وأجر أكثر.
- ^ إغاثة اللهفان: (2/ 188).
- ^ رواه البخاري: (5673)، ومسلم: (2816).
- ^ رواه البخاري: (5673)، ومسلم: (2816).
- ^ رواه البخاري: (56).
- ^ رواه البخاري: (1005).
- ^ رواه البخاري: (2363)، ومسلم: (2244).
- ^ رواه البخاري: (1461).
- ^ رواه أحمد: (22195)، وقال محققه الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- ^ رواه مسلم: (663).
- ^ رواه ابن ماجه: (2775)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6260).
- ^ رواه أبو داود: (561)، والترمذي: (223)، وابن ماجه: (781)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: (570).
- ^ رواه البخاري: (1904)، ومسلم: (1151).
- ^ رواه مسلم: (1350).
- ^ رواه البخاري: (159)، ومسلم: (226).
- ^ رواه ابن ماجة: (163)، والنسائي في السنن الكبرى: (8274)، واحمد: (10820)، وصححه الألباني في السلسلة: (991).
- ^ رواه البخاري: (2853).
- ^ رواه مسلم: (2240).
- ^ رواه الطبراني في مسند الشاميين: (2155)، وقال ابن الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناده جيد: (17598).
- ^ رواه أحمد: (10391)، وقال محققه الأرنؤوط: حديث صحيح.
- ^ رواه أحمد: (19036)، والترمذي: (1625)، والنسائي في الكبرى: (4380)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (1236).
- ^ رواه البخاري: (349)، ومسلم: (163).
- ^ رواه البخاري: (6405)، ومسلم: (597).
- ^ رواه البخاري: (2442)، ومسلم: (2580).
- ^ رواه مسلم: (3006).
- ^ رواه أحمد: (17403)، وابن ماجه: (3669)، والبيهقي في الشعب: (8317)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6488).
- ^ رواه أحمد: (27609)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6240).
- ^ رواه مسلم: (533).
- ^ رواه النسائي: (1795)، وصحه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6183).
- ^ رواه الطبراني في الكبير: (397)، وصحح الألباني في صحيح الجامع الصغير: (11418).
- ^ رواه الترمذي: (2481)، وصححه الألباني في السلسلة لصحيحة: (718).
- ^ رواه الطبراني في الكبير: (8077)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6403).
- ^ رواه الترمذي: (3464)، والنسائي في الكبرى: (10594)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (6429).
- ^ رواه الترمذي: (2525)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (5647).
- ^ رواه أحمد: (15637)، وأبو داود: (4777)، والترمذي: (2021)، وابن ماجه: (4186)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6518).
- ^ رواه ابن ماجه: (1412)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6154).
- ^ رواه أحمد: (22304)، والطبراني في الكبير: (7578)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6556).
- ^ رواه أبو داود: (345)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: (373).
- ^ رواه الطبراني في الأوسط: (8307)، والبيهقي في الشعب: (7790)، وصححه الألباني في السلسلة: (2328).
- ^ رواه البخاري: (3293)، ومسلم: (2691).
- ^ رواه مسلم: (809).
- ^ رواه البخاري: (2067)، ومسلم: (2557).
- ^ رواه الترمذي: (3431)، وابن ماجه: (3892)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: (602).
- ^ رواه مسلم: (657).
- ^ رواه مسلم: (2732).
- ^ رواه الترمذي: (241)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6365).
- ^ رواه الترمذي: (959)، وابن ماجه: (2956)، والبيهقي في الشعب: (3751)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: (2725).
- ^ رواه مسلم: (2693).
- ^ رواه ابن ماجه: (4228)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ماجة: (4228).
- ^ رواه مسلم: (2674).
- ^ رواه ابن ماجة: (240)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6396).
- ^ رواه البيهقي في الشعب: (3667)، وصححه الألباني في المشكاة: (1992).
- ^ رواه أبو داود: (1398)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6439).
- ^ رواه البيهقي في الشعب: (6452)، وابن حبان: (4637)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (1331).
- ^ تفسير ابن القيم: (160).
- ^ رواه البخاري: (5482)، ومسلم: (1574).
- ^ رواه البخاري: (1276).
- ^ رواه البخاري: (3011)، ومسلم: (154).
- ^ رواه مسلم: (1802).
- ^ رواه البخاري: (1912)، ومسلم: (1089).
- ^ رواه أبو داود: (2357)، والنسائي في الكبرى: (10058)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (4678).
- ^ رواه مسلم: (2674).
- ^ طريق الهجرتين وباب السعادتين: (362).
- ^ رواه أحمد: (26296)، والترمذي: (2904)، والنسائي في الكبرى: (11582)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي: (2904).
- ^ مجموع الفتاوى: (10/ 622).
- ^ رواه البخاري: (5063)، ومسلم: (1401).
- ^ عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين: (255).
- ^ رواه مسلم: (1909).
- ^ بدائع الفوائد: (4/ 210).
- ^ رواه مسلم: (1164).
- ^ الفروق للقرافي: (2/ 192).
- ^ رواه أحمد: (16414)، والبيهقي في الشعب: (18536)، والحاكم: (2445)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
- ^ رواه أحمد: (23753)، وأبو داود: (3111)، والنسائي في الكبرى: (1985)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف أبي داود: (3111).
- ^ رواه البخاري: (2942)، ومسلم: (2404).
- ^ رواه البخاري: (1419)، ومسلم: (1032).
- ^ حديث صحيح. رواه البخاري: (2592)، ومسلم: (999).
- ^ سورة الفتاوى الكبرى لابن تيمية: (2/ 357).
- ^ سورة فتح الباري لابن حجر: (5/ 149).
- ^ رواه مسلم: (945).
- ^ رواه أحمد: (21753)، والنسائي في الكبرى: (2357)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: (1898).
- ^ لطائف المعارف لابن رجب: (129).
-
أبو دانيال حسن أنصاري
والله هذه المحاضرة قيمة جدا يا ليت الشيخ يلقي المحاضرة في معهدي (معهد الراية العالي)