الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

15- شرح حديث (اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي..)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

نص الحديث الخامس عشر

00:00:05

قال ﷺ: استووا حتى أثني على ربي ، ثم قال: اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هاديا لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك  [رواه الإمام أحمد: 15492، والبخاري في الأدب المفرد: 699، وصححه الحاكم: 4308، والألباني].

شرح الحديث الخامس عشر

00:01:00

مناسبة الحديث هذا: عن عبد الله الزرقي أو عبيد بن رفاعة الزرقي، قال: "لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون" رجعوا بيوتهم، طبعا يوم أحد حصل فيه مقتلة عظيمة في المسلمين، ونكبة عظيمة، ومصيبة عظيمة، لما انسحب الكفار، ماذا قال النبي ﷺ بعدما حصل كل ما حصل؟ ماذا قال للمسلمين قبل أن يرجع إلى المدينة بعد هذا المصاب الجلل والكارثة والمصيبة التي حصلت؟

قال لهم: استووا حتى أثني على ربي -عز وجل-  فصاروا خلفه صفوفًا، وذكر الحديث:  اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك .

وهناك تكملة لهذا الدعاء، قال:  اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك النعيم يوم العيلة  الحاجة  والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا، وشر ما منعت، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة .

وهذا -طبعا- الشاهد له علاقة مباشرة بعدما ذكر كلما تقدم، قال:  اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب، إله الحق هذا ثناء على الله، وذكر لعظمته، وتوسل إليه ببعض صفاته.

الخلق خلقه، والأمر أمره، والعبيد عبيده، والخير كله بيديه، لا مانع لما أعطى، فإذا أعطى أحدًا شيئا لا يستطيع أن يمنعه أحد من ذلك، وإذا منع أحدا شيئا فلا يستطيع أحد أن يجلبه إليه: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  [فاطر: 2] لا قابض لما بسط، ولا باسط لما قبض، لا أحد يستطيع أن يضيق ما وسعه رب العالمين، ولا أحد يستطيع أن يوسع ما ضيقه رب العالمين؛ لكمال قدرته ومشيئته، وأنها نافذة في العباد، وأنه لا يمكن لأحد أن يضاد الله، ولا أن يغلبه ولا أن يعاكس أو يخالف مشيئته، ولا أن يقاوم فعله، فمشيئته كاملة نافذة، وإرادته ماضية، وقدره واقع لا محالة، ولا يمكن لو اجتمع من بأقطارها لا يمكن أن يرفعوا أو يدفعوا ما يريد أن يحدث أو ينزل، له القدرة الكاملة، ولا يهدي أحد من أراد الله إضلاله، ولا يضل أحد شخصا أراد الله هدايته:  مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ  [الأنعام: 39]،  مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ [الأعراف: 186]، وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ [الإسراء: 97]،  أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً [النساء: 88].

 ولا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى  من علم أو رزق أو سلطان أو ولد أو جاه وغير ذلك،  ولا مقرب لما باعد، ولا مباعد لما قرب ، الله يقرب الطائع، ويقرب أهل الإيمان، ويباعد الكفار والفجار والمنافقين، ولا يستطيع أحد أن يقربهم، فإذا بعّدهم الله فمن ذا الذي يقربهم؟

والله يقبض ويبسط، ويوسع ويضيق، ويخفض ويرفع، ويؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعطي ويمنع، ويضل ويهدي، ويعز ويذل، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، فالحكم لله العلي الكبير، والله يحكم لا معقب لحكمه، ما أحد يستطيع البشر بعضهم يلغي قرارات بعض، وبعضهم يعاكس رغبة بعض، وبعضهم يوافق بعضا، وبعضهم يخالف بعضا، لكن الله ما الذي يعقب؟

 لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ  [الرعد: 41]،  إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: 1]،  فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ  [البروج: 16]،  وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ  [الأنعام: 17]،  وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 18].

إذن، خضعت له الرقاب، وذلت له الجبابرة، وعنت له الوجوه، وقهر كل شيء، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمته وجلاله وكبريائه الأشياء، واستكانت وتضاءلت بين يديه، وتحت حكمه وقهره سبحانه؛ [تفسير ابن كثير].

قوله ﷺ في الحديث:  اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك  ما هو الملاحظ هنا؟ يعني ماذا كان قبل هذه العبارة، وما هي هذه العبارة؟

أن التوسل سبق الدعاء، يعني  اللهم ابسط علينا هذا جاء بعد كل الثناءات السابقة، يعني شف كم ثناء مر؟ كم ثناء على الله؟ وكم وصف من أوصافه العظيمة قدم قبل أن يسأل سؤالا واحدا؟

 اللهم   اللهم  ولا مانع   ولا مقرب ، ولا مباعد   ولا مضل  يعني بعدما ذكر صفات لله، وأثنى على الله، ومجد الله، وعظم الله، وذكر مشيئته النافذة، وأمثلة على مضاء قدره، وعلى نفوذ مشيئته، بعدما مجد وعظم، بعد ذلك جاء الطلب، قال: اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك .

إذن، الدرس الذي نستفيده أن الثناء على الله والتوسل بأسمائه وصفاته قبل الطلب قبل الدعاء، ثم يشرع الداعي في مطلوباته الدنيوية والأخروية، فيسأل الله أن يوسع عليه، أن يؤتيه من فضله، أن يرزقه، أن يعافيه، أن ينصره، ونحو ذلك، وإذا سأل من خيرات الدنيا ما ينسى الآخرة؛ لأن الآخرة هي الأصل، ولذلك قال: اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول  وهو نعيم الآخرة؛ لأنه النعيم الدائم.

 اللهم إني أسألك النعيم يوم العيلة  يوم الحاجة، يوم الشدة، وكذلك طبعا سواء كان في الدنيا أو في الآخرة  أسألك النعيم يوم العيلة  يعني حتى لو صار مجاعة، لو صار قحط، لو صار فقر، لو صار حرب  أسألك النعيم يوم العيلة ، وكذلك في الآخرة، الآخرة ما أحد يملك شيئا، قال:  والأمن يوم الخوف  والاطمئنان إذا حل الفزع في الناس يوم الفزع الأكبر أو في الدنيا يوم الخوف في الحرب وغيرها  أسألك الأمن، اللهم إني عائذ بك طبعا هذا مناسب لمعركة أحد حصلت حرب، وحصل خوف وحصل.. اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا، وشر ما منعت ؛ لأن الرزق أو العطاء في الدنيا قد يكون في بطر وراءه قد يجر إلى معاصي، قد يكون سببا في الطغيان والاستكبار: كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى [العلق: 6-7]، ولذلك استعاذ من شر ما أعطاه، قال: من شر ما أعطيتنا  يعني يسأل الله الإعطاء ويستعيذ بالله من شر العطية.

وكذلك استعاذ من شر ما منع؛ لأن الفقر ممكن يقود إلى الكفر، والفقر أحيانا يُنسي، فيستعيذ من الغني المطغي، والفقر المنسي.

وقد يكون سببا في الحسد والبغي والظلم والحزن والهم والغم، والإشغال عن العبادة، ومصالح الآخرة الذي هو الفقر، ثم قال: اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان  فإذا حبب الله الإيمان إلى العبد خلاص العبد يتوجه إليه مباشرة، ولا يجد عناء، ولا يصد ولا يحيد، بل يرغب ويقبل، فيكون العمل صالحا، وإذا كره الله الكفر والفسوق والعصيان إلى شخص مهما صارت المغريات، ومهما عظمت الفتن، ومهما تزينت الشهوات المحرمة ما يقع فيها؛ لأن الله يكرهه فيها: واجعلنا من الراشدين، المستقيمين على الرشد  اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين  الخزي الذل الفضيحة  ولا مفتونين  لا فتنة دنيوية، ولا فتنة أخروية.

ثم دعا النبي ﷺ على المشركين  اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك  لخطرهم وشرهم؛ لأنهم يشغلون المؤمنين عن العبادة وعن الدعوة، يشغلون المؤمنين بقتال المؤمنين، ويصدون عن سبيل الله  فيخاف من كان يريد الإسلام لما يرى هؤلاء الكفرة في طغيانهم، واجعل عليهم رجسك وعذابك، الرجس هو شدة العذاب.

 اللهم قاتل الكفرة الذين أتوا الكتاب، إله الحق  الإله المألوه المعبود المستحق للعبادة المحبوب، الحق ضد الباطل.