الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
نص الحديث العاشر
قوله ﷺ: اللهم رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر [رواه مسلم: 2713].
شرح الحديث العاشر
هذا الدعاء والذكر أحد الأدعية والأذكار التي تقال عند النوم، وهو دعاء عظيم يحسن بالمسلم أن يحفظه ويحافظ عليه، وأن يقوله عندما يأوي إلى فراشه، وهو مشتمل على توسلات عظيمة إلى الله -تعالى- بربوبيته رب السماوات والأرضين السبع والعرش العظيم .
وكذلك التوسل إليه بإنزاله لكلامه، ووحيه المبين، وتوسل إليه بإحاطته بالإنسان وعنايته وحفظه له، وتوسل إليه بأسماء عظيمة له .
ومن اللطائف في ترتيب هذه التوسلات أنه عليه الصلاة والسلام بدأ بقوله: اللهم رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم يعني خالقها، ومالكها، ومدبر أمورها، ومودعها وموجدها من العدم، وقد خص هذه الموجودات المخلوقات لعظمها، واتساعها، وكبرها، وكثرة ما فيها من الآيات الدالات البينات، والدلالات الباهرة على عظيم مبدعها، وقوة فاطرها، وقدرة خالقها .
بعدما بدأ بهذه الأشياء الكبيرة قال: ربنا ورب كل شيء ؛ الصغير، والكبير، الدقيق، والجليل، والعظيم، والحقير رب كل شيء فيكون هذا تعميم بعد تخصيص، بدأ بالمخلوقات الكبيرة ثم قال: ربنا ورب كل شيء لئلا يظن أن الربوبية خاصة بالأشياء الكبيرة كل شيء، فالسماء مخلوق عظيم، ولذلك أقسم الله به، والله يقسم بما شاء من مخلوقاته، لكن لا يقسم إلا بعظيم، فلم يقسم مثلا بالبعوضة، ولا بالعنكبوت، لكن أقسم بالسماء وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا [الشمس: 5]؛ لأن فيها من بديع خلقه أشياء تحير الألباب، وفيها من حسن بنائها وكمالها وعلوها وسعتها واستدارتها، وعجائب شمسها وقمرها وكواكبها وأفلاكها ومقاديرها وأشكالها ومشارقها ومغاربها الكواكب هذه، يعني متقنة الصنع عالية بغير عمد ترونها: رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا [النازعات: 28]، وجعل لها زينة الكواكب: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ [الصافات: 6-7]، وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل: 16]، وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات: 47]، أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا [النازعات: 27-28]، لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [غافر: 57].
وفيها آيات لأولي الألباب، والأرض وما بين السماء والأرض من الموجودات والمخلوقات والهواء قلَّ أن تجيء سورة في القرآن إلا وفيها ذكر السماء، يعني السماء مذكورة في أكثر سور القرآن إما إخبارا عن عظمها واتساعها أو إقساما بها أو دعاء للنظر فيها وفي آياتها، والاستدلال على عظم بانيها ورافعها، وحسن خلقها، وجمالها وبهائها وزينتها، وكل هذا يستدل به على الخالق -سبحانه-، يعني من أين أتى كل هذا كل هذا الخلق البديع من أين؟ أتى من أين أتى يعني أيش يعني ما في موجد يعني يا أيها الملاحدة يعني اخجلوا يعني استحوا يعني يا أيها الملاحدة هذا من أين من أتت كل هذه الأشياء كواكب شمس قمر عجائب.
وكذلك الأرض مخلوق عجيب الله مهده وبسطه، ودحاها و أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا [النازعات: 31]، وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ [لقمان: 10]، وأعد السكن للساكن قبل أن يخلق الساكن خلق السكن أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ [النمل: 61]، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُل [طـه: 53]، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية: 20].
فالله واحد في ملكه خالق لكل هذه الأشياء رب كل المخلوقات يا أيها الملاحدة الذين تجحدونها وتنكرونها ما فيكم عقل ما فيكم رشد ما تهتدون؟ ما تعقلون؟ لا تعلمون؟ مالكم كيف تحكمون؟
والحديث فيه ذكر العرش العظيم أنه رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض [رواه البخاري: 3191].
مر معنا وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء [هود: 7]، فالعرش كان على ماء قبل خلق السماوات والأرض، والكرسي موضع قدمي الرب، بالنسبة للعرش مثل حلقة ألقيت في صحراء، والسماوات السبع والأرض وما فيها بالنسبة للكرسي مثل حلقة ألقيت في صحراء، فأيش يطلعوا الخلق هؤلاء كلهم بالنسبة لله؟
ويجي واحد يقول لك يعني هو فوق، ونحن كذا، طيب الذي من هذه الجهة أصلا لما تفكر في حديث إذا تبغي في جواب على هذا الكلام يجي يقول يعني هذه الكرة الأرضية، يعني الله فوق، طيب من الجهة هذه كيف يكون، يعني لو يعقل أصلا ما يجي هذا السؤال يعني هو لأنه يروح يمثلك يقول لك طيب العرش، طيب هذه الأرض وهو هنا، طيب الناس الذي هناك كيف يصير هنا، نحن هنا وهؤلاء تحت، طيب هو فوق وتحت هؤلاء فوق، وإلا هؤلاء فوق، يا مسكين الأرض هذه بالنسبة للكواكب بالنسبة للمجموعة الشمسية كم حجمها؟ المجموعة الشمسية بالنسبة لباقي المجموعات كم حجمها؟ مجموعات كلها الشمسية بالنسبة للسماء كم حجمها؟ السماوات السبع كلها ما هو السماء السابعة الأولى السبع كلها وسكانها، والملائكة الذين فيها، والأبواب وسمكها، والمسافة من كل سماء إلى سماء، والأرض وما فيها، والسبع أرضين كلها بالنسبة للكرسي موضع الكرسي مثل حلقة في صحراء، والكرسي بالنسبة للعرش مثل حلقة في صحراء، والعرش بالنسبة لله إيش يطلع؟ أنت تتكلم عن إيش؟ يعني مثل واحد أخذ هباءة كذا، وبعدين يقول لك فوقه وتحته ومن الجهة.
يا أخي: هؤلاء الخلق بالنسبة ما يطلعوا هباءة، وتجي تقول لي: من هنا يطلعوا، ومن هنا تحت، ومن فوق، مسكين هذا يعني كل المشكلة: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر: 67]، يعني لو فكرت فعلا فساد تصورات الناس وفساد عقائدهم، يعني موفقهم من رب العالمين كل مشكلته: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ حتى الذنوب والمعاصي وسع كرسيه السماوات والأرض أحاط وشمل الكرسي كيف العرش؟
وقد جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- والكرسي موضع القدمين [رواه ابن خزيمة والحاكم وهو حديث صحيح موقوفا].
والعرش أكبر من الكرسي "ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة".
وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة، بدأ النبي ﷺ: اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم لعظم هذه المخلوقات، ثم قال: ربنا ورب كل شيء تعميم بعد تخصيص، لئلا يظن أن الأمر مختص بما ذكر، ثم قال: فالق الحب والنوى الحين فلق الحبة وفلق النواة، هذا مظهر من مظاهر الربوبية، مظهر من مظاهر القدرة الإلهية.
مثال على القدرة الإلهية: أنه يفلق الحبة، ويفلق النوى، يفلق الحبة، وتخرج النبتة، يفلق النواة، وتخرج الشجرة: فالق الحب والنوى أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الواقعة: 64].
من ينبته من الذي يفلق الحبة؟ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ الله ينبته هو الذي أنبته فالق الحب والنوى من الفلق يعني: الشق؛ فيشقها سبحانه ليخرج شجرها ونبتها وثمرها فالنباتات إما أشجار أصلها النوى أو زروع أصلها الحب ليش، قال: فالق الحب والنوى ؛ لأنهما نوعان: إما أشجار أصلها نواة مثل النخل والمشمش، وإما زروع أصلها حبوب: حبة شعير قمح ذرة، فتخرج منها الزروع والأشجار العظيمة.
هذه من الآيات الباهرة إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [الأنعام: 95] سواء قلت نخلة وإلا سنبلة كلها هذه من النواة، وهذه من الحبة لا يعجزه شيء.
في التوسلات في هذا الحديث يعني يتوسل بأشياء دالة على عظمته ورب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم، وربنا ورب كل شيء، وفالق الحبة والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان هذه النعمة العظيمة، وهذه الكتب العظيمة، أعظم كتب الله هذه التوراة والإنجيل والفرقان، هذه المشتملة على هداية الناس، وسعادة الناس، والأحكام اللازمة لإصلاح حياة الناس، وجعل العدل فيها، وتمشي بالقسطاس والصراط المستقيم.
تأمل قوله: رب في الأرض والعرش والسماوات والأرض، والحب والنوى فالق ، والتوراة والإنجيل والفرقان منزل ؛ فصار عندنا: رب وفالق ومنزل بحسب الأشياء التي أضيفت إلى كل كلمة توسل إلى الله بربوبيته بالسماوات السبع، والأرضين السبع، والعرش العظيم، وبإنباته لطعام الناس والحيوان، وإنزال الكلام المبين، هذه كلها ماذا يريد من وراء حشدها في هذا الذكر؟
الاستعاذة من شر كل ذي شر الله آخذ بناصيته، وهذا في الحقيقة درس عظيم لنا في حسن الدعاء، وحسن الذكر، وحسن الاختيار للكلمات أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته أنت آخذ بناصية الأعداء، أعداء الدين أعداؤنا، أنت آخذ بناصية السحرة والمشعوذين، أنت آخذ بناصية الحيات والعقارب، أنت آخذ بناصية كل ذي شر.
فإذن، ذكر التوسلات الخالق الفالق المنزل آخذ بناصية كل شيء، فهذه الآن كلها توكل على الله، جميع المخلوقات داخلة تحت قهره وسلطانه، أليس ربها؟ أليس ربها خالقها موجدها؟ كل شيء أنت آخذ بناصيته إيش يعني آخذ بناصيته، الأخذ بالناصية يدل على التحكم، القهر، القدرة، كل شيء أنت آخذ بناصيته قهره -سبحانه-، يصرفه كيف يشاء، يمنعه يتركه يضعفه يقويه يقتله يميته يحييه، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، هذه العظمة، ذكر العظمة الإلهية بأوليته تعالى ما في قبله شيء، الآخر لا شيء بعده، ظاهر لا شيء فوقه، باطن لا شيء دونه -سبحانه-، وكل اسم فسره هو الحديث نفسه لو تقول إيش معنى الباطن؟ نقول: الباطن معناه ليس دونه شيء، ومطلع على البواطن والدقائق والخوافي، الإحاطة الزمانية والإحاطة المكانية، الإحاطة الزمانية أين؟ الأول والآخر، الإحاطة المكانية، فأين؟ الظاهر والباطن، أوليته وعلوه واستواؤه كل شيء غير الله حادث، الله أول ما في شيء قبله، آخر هو الغاية، تصمد إليه المخلوقات، تحتاجه، الظاهر ما في أحد فوقه، عظيم عظمة عظمة الباطن، مطلع على السرائر والضمائر والخبايا والخفايا، فهو قريب مع علوه على عرشه.
بعد كل هذه الإرادات قال: اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر يعني أعنا على قضاء حقوق العباد، أعنا على قضاء حقوق العباد، بعدما تعيننا على أداء حقوقك اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك اقض عنا الدين وأغننا من الفقر أغننا من احتياج المخلوقين، أغننا من الفقر، أول شيء فقر القلب قبل فقر المال، فقر البدن، والغنى غنى النفس، الغنى غنى النفس الحقيقي، والغنى بالله، هذا الغنى الحقيقي، الغنى بالمال، المال يروح ويجي، وفي ناس هلوع حتى عنده مال الدنيا وهلوع.
فإذن، المؤدى بعد ذكر كل هذه الأشياء اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر معناها كم الدين هذا شين ثقيل مربك مؤلم، مجهد، مأساة الدين هذا شيء يثقل الكاهل، فلا تتعجب أنه حشد كل هذا ليقول: اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر ؛ لأن الفقر يحوجك ويؤلمك، أيضا تكون محتاجا بئيسا لا تجد كساء أو دارا أو مأوى أو طعاما أو شرابا لباسا زوجة، أغننا من الفقر والاحتياج للمخلوقين، اجعلنا أغنياء بك. هذا من شرح هذا الحديث العظيم.