الجمعة 14 جمادى الأولى 1446 هـ :: 15 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

01- شرح حديث (كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ..)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

نص الحديث الأول

00:00:06

الحديث رواه الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه، قال النبي ﷺ: كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض [رواه البخاري: 3191].

شرح الحديث الأول

00:00:36

وهذا الحديث له قصة، وهي أن أهل اليمن جاؤوا إلى النبي ﷺ يسألونه عن أول هذا الأمر، أمر الخلق وبداية العالم، فقال لهم النبي ﷺ: كان الله ولم يكن شيء غيره .

وفي رواية للبخاري أيضا:  كان الله ولم يكن شيء قبله  [رواه البخاري: 7418].

وفي رواية: كان الله قبل كل شيء  رواه الإمام أحمد وصححه محققو المسند [رواه أحمد: 19876، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"].

أولية الله -تعالى- مطلقة

00:01:15

ومعناه أنه تعالى هو الأول قبل كل شيء الأول، ولا شيء قبله، الأول بلا بداية كما أنه الآخر بلا نهاية سبحانه.

بعضهم يقول: الأزل، أو يصفه بالأزلية، ومعنى الأزل عدم الأولية، فليس الأزل شيئا محدودا، فلو قدر أن الأرض كلها وعاء مملوء بالذرات وبعد مليون سنة تفنى ذرة واحدة فقط لفنيت الذرات كلها، والأزل باق، وهذا للتقريب فقط، وإلا فالأزل ليس له بداية أبدا؛ وقد أفاد هذا الشيخ الغنيمان -نفع الله به- في شرحه لكتاب التوحيد.

وقد روي في الحديث: أن رسول الله ﷺ سُئل: أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ فقال: كان في عماء يعني ليس معه شيء، هذا معنى لفظة عماء  ما تحته هواء، وما فوقه هواء، وخلق عرشه على الماء ؛ لكن هذا الحديث ضعيف، رواه الترمذي [رواه الترمذي: 3109، وابن ماجه: 182، وأحمد: 16188، وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف"]، فنبقى على الرواية الصحيحة.

في تفسير حديث البخاري السابق: كان الله ولم يكن شيء غيره، ولم يكن شيء معه  يفسر حديث النبي ﷺ الصحيح الآخر:  أنت الأول فليس قبلك شيء  [رواه مسلم: 2713].

وهذا أحسن من أن أقول أزلي أو نصفه بالأزلية، نقول: الأول يغني عنه، الأول وتأكيده فليس قبله شيء.

فإذن، كان الله حتى نحافظ على النصوص، النص الشرعي حتى نعبر، لما نجي نعبر في حق رب العالمين نستعمل النصوص الشرعية  كان الله ولم يكن شيء معه، ولم يكن شيء غيره، ولم يكن شيء قبله ، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء  [رواه مسلم: 2713].

فهذا دليل على أولية الله -تعالى- وأنه قبل كل شيء.

وهذا هو الجواب لمن سأل، لا يزال الناس يقولون: هذا خالق الله كل شيء، والشيطان يقول: من خلق الله؟

فنقول: الله خالق كل شيء، وخلق كل شيء،  أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ [النحل: 17] هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر: 3]؟  فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ [لقمان: 11]؟ فهو يخلق ولم يُخلق،  لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 3-4] أي واحد يأتي ويقول: ماذا كان قبل الله؟

نقول: لم يكن شيء، ليس شيء قبله سبحانه، هو الأول فليس قبله شيء.

لما يقول واحد: من خلقه؟

نقول: هو خلق كل شيء، لم يخلقه أحد.

ولو قلنا خلقه أحد، فالأحد هذا هو الخالق، وهكذا فسيتبين بطلان السؤال بالتسلسل، فهذا دليل على أولية الله، وأنه قبل كل شيء، وعلى أبدية الله، وأنه يبقى أبدا لا يزول سبحانه؛ الآخر، هذا معنى الآخر ليس بعده شيء.

وخلاص، هذه هي الإجابات القاطعة لكل الوسوسة أو أفكار شيطانية يلقيها الشيطان في نفوس البشر، من أين جاء؟ من أوجده؟

نقول: خلاص هذا شف هذا كان الله خلاص، ولم يكن شيء قبله، ولم يكن شيء غيره، ولم يكن شيء معه، خلق ولم يُخلق سبحانه.

فالأول يدل على أن كل ما سواه كائن بعد أن لم يكن، كل شيء سوى الله مخلوق، وهذا يوجب للعبد شكر نعمة الوجود، أنت وجدت الآن اشكر ربك أنك وجدت، أنه أوجدك، وإلا كنت لا وجود، ولا تأكل ولا تشرب، ولا تنكح ولا تنجب، ولا تفكر ولا تعقل ولا تعمل، خلاص أنت عدم لولا الله ما كنت. 

والآخر يدل على أن الله هو الغاية، والصمد الذي تصمد إليه المخلوقات بتألهها وتعبدها ورغبتها ورهبتها وجميع مطالبها، كما قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في "الحق الواضح المبين".

العرش أول ما خلق الله

00:00:00

وقوله ﷺ في الحديث: وكان عرشه على الماء... وخلق السماوات والأرض [رواه البخاري: 3191] يعني وقت خلق السماوات والأرض كان العرش موجودًا أم لا؟

كان موجودًا إذن، خلق السماوات والأرض قبل وإلا خلق العرش؟

خلق العرش، ففي هذا الحديث دليل على أن خلق العرش سابق على خلق السماوات والأرض.

الماء كان موجودًا قبل وإلا السماوات والأرض؟

الماء؛ لأن الحديث يقول: وكان عرشه على الماء ، كما في الآية: وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء [هود: 7]، فقبل خلق السماوات والأرض كان هناك ماء، وكان هناك عرش، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش سبحانه.

والخلق من صفات كماله؛ لأنه يدل على قدرته: أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ [النحل: 17].

الله قال في مناقشة الكفرة المشركين: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا  [الحـج: 73] هذه قضية، أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ [النحل: 17]، هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر: 3]؟  فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ  [لقمان: 11]؟

في آيات تهز، في استفهامات في القرآن تهز النفوس ومتعلقة بالخلق، وتزلزل الملاحدة.

 أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [إبراهيم: 10]؟

 أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا [النمل: 61]؟

 مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ  [الأنعام: 63]؟

 أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور: 35]؟

 أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة: 40]؟

مثلا: النار  أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ  [الواقعة: 71-72]؟

الزرع  أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ  [الواقعة: 64]؟

المني:  أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة: 59]؟

استفهامات مزلزلة للملاحدة:

 أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ [البقرة: 140]؟

 أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الواقعة: 64]؟

 أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ  [الواقعة: 69]؟

 أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ  [النمل: 62]؟

هذه الاستفهامات الكثيرة الموجودة في القرآن مهمة جدا في مناقشة الملاحدة، والذي يتصدى لهم يعني سواء في الشبكات في الحوارات من الأهمية بمكان أن يتنبه إلى هذه الاستفهامات؛ لأنها في غاية الأهمية في إفحامهم، هذه إشارة مهمة جدا في هذا الموضوع الذي نحن بصدده.

 اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ  [الزمر: 62]، وجاء في بعض الآيات يعني في مناقشات للمشركين: أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ  [يوسف: 39]،  كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ [البقرة: 28]، أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ [الفرقان: 45].

هذه آيات فيها الحجة البالغة: قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ [الأنعام: 149].

كنا نتكلم على موضوع الخلق: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء [النحل: 20-21].

قوله ﷺ في الحديث: وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض  الكتابة هنا أضيفت إلى الله، لكن هل يلزم أن يكون باشر ذلك بنفسه سبحانه؟

لا، بل يجوز أن نقول: كتب، وقد أمر شيئا أن يكتب كالقلم.

فقوله ﷺ:  وكتب في الذكر كل شيء  الذكر: اللوح المحفوظ، الإمام المبين، فأضاف الكتابة إلى نفسه، ولكن لا يلزم من ذلك أنه باشر ذلك بنفسه، بل يجوز أن يأمر بذلك شيئا يكتب.

الذكر ما هو هنا: أطلق على محل الكتابة وهو اللوح المحفوظ، فالمراد أن الله كتب كل ما أراد إيجاده في تلك الساعة التي جرت فيها الكتابة إلى قيام الساعة، في الساعة التي جرت فيها الكتابة إلى قيام الساعة، كل شيء أراد الله أن يخلقه كتبه القلم في اللوح المحفوظ؛ كما قال الله:  إن أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب، فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد  [رواه الترمذي: 2155، وهو حديث صحيح].

إذن، أيهما خلق أولا القلم أم السماوات والأرض؟

القلم.

أيهما خلق أولا اللوح المحفوظ أم السماوات والأرض؟

اللوح المحفوظ.

ما الذي خلق أولا القلم أم العرش؟ العرش، الدليل؟

 أول ما خلق الله القلم  هذه الأولية خاصة، وليست عامة، بالنسبة للسموات والأرض والمقادير التي فيها، وما هو كائن فيها، بالنسبة لذلك القلم أول، لكن بالنسبة للعرش والقلم، العرش أول، وقد قال:  إن أول ما خلق الله القلم، ثم قال: اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة رواه الإمام أحمد وهو حديث حسن [رواه أحمد: 22705، وقال محققو المسند: "حديث صحيح، وهذا إسناد حسن"].

وفي هذا دليل على أن خلق العرش سابق على خلق القلم؛ كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء  [هود: 7].

تقدير مقادير الخلائق أزلي

00:00:00

وأصل تقدير مقادير الخلائق أزلي لا أول له، راجع إلى علم الله وإرادته، يعني العلم بها أزلي، تقدير أزلي، الكتابة كان لها بداية لما خلق الله القلم، لكن علمه بالمقدورات وعلمه بالأشياء أول؛ لأنه من صفاته، العلم من صفاته، وصفاته مثل ذاته أول، هو أول، فعلمه أول، وتقديره أول، لكن الكتابة لما خلق القلم وأمر القلم بدأت الكتابة، ما كان في كتابة قبل ذلك، الكتابة التي في اللوح المحفوظ كتابة المقادير، لكن التقدير لاحظ الفرق: بين التقدير وكتابة  المقادير، التقدير أول مثل العلم، مثل الذات، والكتابة لا تكون إلا بعد علم، فالعلم سابق على الكتابة، والله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض، وكتبها قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.