الثلاثاء 2 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 3 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

07- تتمة ما جاء في نعل رسول الله ﷺ


عناصر المادة
تحريم الأكل والشرب بالشمال  

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فكنا قد تكلمنا في صفة نعال رسول اللهﷺ، وأنه ﷺ أُهدي إليه خُفّين أسودين ساذجين فلبسهما، ثم توضأ ومسح عليهما، وقلنا: إن معنى ساذجين أي: سوداوين؛ لم يخالطهما لون آخر.

ثم قال المصنف -رحمه الله-: وعن الشعبي قال المغيرة بن شُعْبة: "أهدى دحية الكلبي لرسول الله ﷺ خُفَّين فلبسهما" وهو حديث صحيح. [رواه الترمذي: 1769، وصححه الألباني في مختصر الشمائل: 59]. 

ثم الباب العاشر: باب ما جاء في نعل رسول الله ﷺ وحديث قتادة، قلتُ لأنس بن مالك: كيف كان نعل رسول الله ﷺ؟ قال: "لهما قِبالان"، وعرفنا أن القِبال هو الشَّسْع أحد سيور النعل، وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: "كان لنعل رسول الله ﷺ قبالان مثني شراكهما"، وحديث عيسى بن طهمان قال: "أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان، فحدّثني ثابت البُناني بعدُ عن أنس أنهما نعلا نبي الله ﷺ" ومعنى جرداوين يعني: لا شعر لهما.

ثم قال: وعن عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر: "رأيتك تلبس هذه النعال السبتية، قال: إني رأيت رسول الله ﷺ يلبسها ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها" [رواه البخاري: 166، ومسلم: 166].

وهذا الحديث قد رواه البخاري مطولًا عن عُبيد بن جُريج أنه قال لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعًا لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها، قال: وما هي يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال السبتية، ورأيتك تصبغ بالصفرة، ورأيتك إذا كنتَ بمكة أهلّ الناس إذا رأوا الهلال ولم تُهلّ أنت، حتى كان يوم التروية؛ قال عبد الله: أما الأركان: فإني لم أر رسول الله ﷺ يمس إلا اليمانيين، وأما النعال السِّبتية: فإني رأيت رسول الله ﷺ يلبس النعل التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة: فإني رأيت رسول الله ﷺ يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها، وإما الإهلال -الإهلال يعني: التلبية-: فإني لم أر رسول الله ﷺ يُهلُّ حتى تنبعث به راحلته".

"لم أر أحدًا من أصحابك": أصحاب النبي ﷺ والمراد: بعض الصحابة، و"الأركان": هي أركان الكعبة الأربعة، وظاهره أن غير ابن عمر من الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمونها كلها، وقد صحّ ذلك عن معاوية وابن الزبير.

وعبد الله بن الزبير حقق أُمنية كان النبي ﷺ تمناها؛ وهي أن يُعاد بناء الكعبة على أساس إبراهيم ، ويُزاد فيها الأذرُع التي لم تستطع قريش أن تكملها في البناء، فإن إبراهيم الخليل لما بنى الكعبة لم تكن مثلما هي الآن مربعة، وإنما كانت مستطيلة، وحجارتها في الأرض كالأسنمة خضراء، عندما كُشف عن أساسات إبراهيم الخليل كانت مستطيلة وكانت مكتملة، وأركانها أربعة، ولما جاء السيل فهدمها في إحدى السنوات في الجاهلية، أرادت قريش أن تعيد بناءها، ونذروا أن لا يستعملوا في بنائها إلا مالًا حلالًا، فلم يجدوا إلا سفينة ألقاها البحر في جدة أخذوا خشبها، والنفقة التي جمعوها من مال حلال خالص لم تكف لبناء كل الكعبة التي بناها إبراهيم فبنوا منها المساحة المبنية الآن، ورفعوا الباب وجعلوا يتحكمون في الدخول إلى الكعبة، فلما فتح النبي ﷺ مكة وهدم الأصنام ودخل الكعبة، وتمنّى قال: لولا أن قومكِ حديثو عهد بكفر لهدمتها وأعدتها إلى ما كان عليه بناء إبراهيم )) زدتُ فيها ستة أذرع وسبعة أذرع الجهة التي تركتها قريش غير مبنية وأحاطوها بهذا القوس الذي يسميه العامة: "حِجر إسماعيل"، وهذه التسمية غير ثابتة، يسمى: "الحجر" هذه المنطقة محتجرة؛ لأنها أصلًا داخل الكعبة جزء من الكعبة، المساحة التي داخل هذه مثل حدوة الحصان أو القوس هذه المساحة من الكعبة، لكن قريش قصُرت بهم النفقة، ما استطاعوا أن يبنوا إلا هذه المساحة فقط، الباقي احتجروا عليه حجرًا جعلوا له هذه الحدود، دلالة على أنه من الكعبة، لكن غير مبني، تمنّى النبي ﷺ أن تُنقض هذه البناية ويُعاد بناؤها على أساس إبراهيم الخليل كاملًا وتُضم المساحة التي في الحِجْر إلى البناء، ويُجعل للكعبة بابين، باب يدخل منه الناس وباب منه يخرجون، وينزل مستوى الباب إلى الأرض، لكن النبي ﷺ خشي أن تُفتن قريش، لأنهم كانوا خارجين من جاهلية، حديثو عهد بالإسلام، لو نقض الكعبة لقامت الدنيا، فترك الأمر.

مضى على هذا عهد أبي بكر الصديق، وعهد عمر بن الخطاب، وعهد عثمان، وعهد علي ، حتى بويع ابن الزبير بالخلافة في الحجاز، بويع بالخلافة وصار له سلطان عظيم، أقوى من سلطان بني أمية، لكن كان أمر الله قدرًا مقدورًا، لما تولى عبد الله بن الزبير الصحابي نقض الكعبة، وكان الناس يتهيبون من نقضها، ولكن عبد الله بن الزبير قال: نحن لا نريد إلا الخير، نحن نريد تحقيق أمنية النبي ﷺ وأعاد بناءها على أساس إبراهيم الخليل وكشفوا عن أساس إبراهيم الخليل الأحجار المسنمّة الخضراء في أساس الكعبة، وجعل لها بابين، وأدخل فيها الحِجر، وصارت مستطيلة كما كانت،  وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ  [البقرة: 127]، على هذه الحدود، وهذه الحدود بالوحي، وهكذا حصل البناء الكامل للكعبة.

ولما جرى أمر الله على عبد الله بن الزبير، وجاء الحجاج وقصف الكعبة بالمنجنيق، وقتل من الصحابة خلْق كثير، ودخل مكة واستولى عليها، وأسقط حكم عبد الله بن الزبير، قال: هذا المبتدع الضال غيّر البيت الذي كان على عهد النبي ﷺ، وأمر بهدمها وإعادتها كما كانت أيام قريش، لما صارت في عهد عبد الله بن الزبير كاملة، عبد الله بن الزبير استلم الأركان الأربعة، طاف بالبيت واستلم الأركان الأربعة؛ لأنها اكتملت، لما جاء الحجاج أعاد هدمها وأعادها كما كانت على عهد قريش ناقصة، وهذا الحجر.

ولما جاء عهد هارون الرشيد -الدولة العباسية- أراد أن يعيدها على بناء عبد الله بن الزبير، فقال الإمام مالك: "يا أمير المؤمنين دع بيتًا أسلم الناس عليه"، لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك، الآن أنت تبني ويأتي من يهدم ويبني وتصير الكعبة ملعبة، كل من جاء يقول: لا، نرجعها مثل ما، لا، لابد أن نعيد ... وهكذا، فقال: "دع بيتًا أسلم الناس عليه"، وهو على هذه الحال اتركه، واستمرت القضية حتى الآن ما زيد البنيان، لعل أمنية النبي ﷺ أن يكون للكعبة بابين، باب يدخل منه الناس، وباب منه يخرجون، أن هذه الأمنية تحققت بوجود الفتحة بين الحِجْر وبين الكعبة، في فتحة مثل الباب يدخل منه الناس، ومن أراد أن يصلي داخل الكعبة يصلي داخل الحِجْر؛ لأن هذا داخل الكعبة ما يلزم يدخل من الباب المرتفع، فلو دخل وصلى داخل فهو داخل الكعبة، وباب يخرجون من الناحية الأخرى، وبالتالي الركنان اللذان بناهما إبراهيم الخليل الحجر الأسود والركن اليماني فقط، الركنان الباقيان غير حقيقيين، الثالث والرابع هذه ليست هي الأركان الحقيقية؛ لأنها كان حقيقية في تكملة البناء، إذا مُدّ كاملًا هنالك يأتي الركن الثالث والرابع، لكن الآن لا يوجد ثالث ورابع.

وبعض الناس من جهلهم إذا أراد أن يطوف الكعبة دخل في هذا الحجر وطاف حول القماش الأسود، يظن نفسه يطوف حول الكعبة، هذا ما طاف حول الكعبة، هذا طاف حول جزء من الكعبة، فمن فعل هذا في حج أو عمرة، فحجُّه غير صحيح وعمرته غير صحيحة، لأنه ما طاف بالكعبة، طاف بجزء من الكعبة، هذا معنى.

نعود إلى الرواية أن ابن عمر ما استلم من الأركان إلا الركنين فقط، اليماني والأسود، اليماني جهة اليمن، والأسود جهة الشام، عندك اليمن والشام والركن العراقي والركن، هذه الأركان إلى جهات البلاد، فلذلك سموه الركن اليماني والركن العراقي غير موجود، الركن الشامي والركن اليماني، فالكعبة في هذا البناء الموجود على ما كان الأمر عليه في عهد النبي ﷺ.

قال في الحديث: "النِّعال السِّبتية" التي لا شعر فيها؛ مشتقة من السِّبت: وهو الحلق؛ كأنها محلوقة ما فيها شعر، وقوله: "أهلّ الناس": رفعوا أصواتهم للتلبية من أول ذي الحجة، قوله: "ولم تهلّ أنت حتى كان يوم التروية" يعني الثامن من ذي الحجة، ويتبين من جواب ابن عمر أنه كان لا يُهلّ حتى يركب قاصدًا إلى منى.

قال ابن حجر -رحمه الله-: "واستُدل بحديث ابن عمر في لباس النبي ﷺ النعال السَّبتية ومحبته لذلك على جواز لبسها على كل حال".

قال: وعن أبي هريرة ، قال: كان لنعل رسول اللهﷺ قبالان، وفي هذه الأحاديث بيان لشكل نعلي النبي ﷺ، وبيان أنه كان يحب النعال السَّبتية، يعني التي صنعت من جلد مجرود من الشعر، وكان لهما سيران مزدوجان على ظهر القدم: وهما الشراكان، وكان لهما قبالان: وهما قطعتا الجلد التي تكون بين أصابع القدم.

وفي الأحاديث: حرص السلف على اقتفاء آثار النبي ﷺ، وعبد الله بن عمر من أشهر الصحابة الذين عرفوا بالاقتداء بالنبي ﷺ.

 قال: وعن عمرو بن حريث ، قال: رأيت رسول الله ﷺ يصلي في نعلين مخصوفتين، والنعلان المخصوفتان أي: المخروزتان أو المرقعتان، وهذا فيه بيان حال نعلي النبي ﷺ، وأنه كان متواضعًا زاهدًا في الدنيا، لبس نعلين مخصوفتين وصلّى فيهما، وكان يخصف نعليه بيديه ﷺ كما حكت ذلك أُم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وهذا يبين مشروعية الصلاة في النعال، وأن ذلك كان من هديه ﷺ.

وفي صحيح مسلم عن سعيد بن يزيد قال: قلت لأنس بن مالك: أكان رسول الله ﷺ يصلي في النعلين؟ قال: "نعم" [رواه مسلم: 555]. فهذا يدل على جواز الصلاة في النعال والخفاف ما لم يتحقق من نجاسة عليهما.

قال: وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال:  لا يمشي أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعًا أو ليحفهما جميعًا حديث صحيح، وهو متفق عليه. [رواه الترمذي: 1774، وصححه الألباني في مختصر الشمائل: 66].

 لينعلهما جميعًا  يعني: لينعل قدميه جميعًا، يجعل فيهما النعلين، أو ليُحفهما جميعًا من الإحفاء ضد الإنعال، وهو جعل الرجل حافية بلا نعل ولا خف، إما يمشي حافي الرجلين أو يلبس النعال في الرجلين، يعني لا يلبس فردة ويترك فردة، لماذا هذا النهي؟ لماذا النهي عن أن يلبس إحدى النعلين ويترك الأخرى حافية؟

قال القاضي: "إنما نهى عن ذلك لقلة المروءة والاختلال والخبط في المشي"، هذا المنظر واحد يمشي بفردة وترك فردة يعني قلة مروءة، يعني الناس إذا رأوه يقولوا عنه: هذا مجنون؟ هذا عاقل؟! هذا كذا، أو الاختلال أثناء المشي والتخبط يحصل نتيجة أنه رجل أعلى من رجل.

قال الخطابي: "المشي يشق على هذه الحال مع سماجته في الشكل، وقبح المنظر في العين"، وقيل السبب: عدم العدل بين الجوارح، هذا سبب النهي أنه لم يعدل بين الجوارح، وقيل: إن هذا يدل على اختلال الرأي وضعفه، يعني ضعف في العقل هذا المنظر.

وقال النووي - رحمه الله-: "يًكره المشي في نعل واحدة أو خُف واحدة أو مداس واحد إلا لعذر"، قال العلماء: وسبب ذلك أنه تشويه ومُثْلة، الشكل تشويه مشوهة ومثلة، ومخالف للوقار؛ ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى، فيعسر مشيه وربما كان سببًا للعثار" [شرح النووي على مسلم: 14/75]، يعني سببًا أن يتعثر ويسقط.

وقال ابن العربي: "العلة فيها أنها مشية الشيطان" [فتح الباري لابن حجر: 10/310]، الآن تقدم علل متعددة، العلة الآن أنها مشية الشيطان، وهذا هو الأرجح، السبب في النهي الأقوى والأظهر مخالفة الشيطان، فهل الشيطان يمشي في نعل واحدة؟

الجواب: نعم، لقد ثبت في السُّنة أن النبي ﷺ قال: إن الشيطان يمشي في النعل الواحدة  [رواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار: 1358، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 348]. وهذا يدل على مخالفة الشيطان، وأن التشبُّه بالشيطان منهي عنه، ولذلك فإن المسلم لا يمشي في نعل واحدة حيث أن الشيطان يمشي في نعل واحدة، المسلم لا يأكل بالشمال؛ لأن الشيطان يأكل بالشمال، المسلم لا يجلس بين الضح والظل؛ لأنه مجلس الشيطان، إما يجلس في الشمس كاملًا أو يجلس في الظل كاملًا، المسلم لا يصلي عند طلوع الشمس وعند غروبها، تغرب بين قرني شيطان، تشرق بين قرني شيطان، وهكذا الشيطان تنبغي مخالفته،  إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ  [الأعراف: 27]، لكن الله أخبرنا بالكتاب وفي سنة نبيه ﷺ عن أفعال الشيطان حتى نتجنبها، مثلًا قال: إن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله، ويأخذ بشماله، ويعطي بشماله، مخالفة الشيطان تقتضي أن نأكل باليمنى، ونشرب باليمنى، ونأخذ باليمنى، ونعطي باليمنى، لكن أصحاب "الإتيكيت" يصرون على مسك الشوكة باليسار والسكين باليمين ويأكل باليسار، يقول لك هو كذا، فإذن، مخالفة الشيطان الأصل فيها الوجوب، وفي بعض الأحكام الكراهية والمخالفة مستحبة، وهل القضية مختصة بالنعل؟

قال ابن حجر -رحمه الله-: "قد يدخل في هذا كل لباس شفع: كالخفين، وإخراج اليد الواحدة من الكم دون الأخرى، والتردي على أحد المنكبين دون الآخر" [فتح الباري لابن حجر: 10/311].

يعني يضع الرداء على أحد المنكبين ويترك الآخر بدون، أو أنه يدخل يد في الكم واليد الأخرى لا يدخلها، يلبس جوارب في رجل والأخرى لا، خف في رجل والأخرى لا، ونحو ذلك من الأشياء، وبالنسبة للاضطباع الاضطباع فيه كشف الكتف الأيمن هذا ثبت في السنة، ثم بعد ذلك يغطيهما جميعًا.

وقد جاء النهي عن المشي في نعل واحدة في حديث: "لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ولا خف واحد"، وهو عند مسلم من حديث جابر بلفظ: إذا انقطع شسع أحدكم، أو "من انقطع شسع نعله فلا يمشي في نعل واحدة حتى يصلح شسعه، ولا يمشي في خف واحد، ولا يأكل بشماله، ولا يحتبي بالثوب الواحد، ولا يلتحف الصماء".

قال الحافظ رحمه الله: "وإلحاق إخراج اليد الواحدة من الكم وترك الأخرى بلبس النعل الواحدة والخف الواحد بعيد، إلا إن أخذ من الأمر بالعدل بين الجوارح وترك الشهرة، وكذلك وضع طرف الرداء على أحد المنكبين"، يعني: هذا إذا جئته من باب العدل بين الجوارح ينبغي أن تعدل بين جوارحك فتلبس التي بالكمين وبالنعلين وإلى آخره، وكذلك إذا خشي من الشهرة، يعني تصور واحد مثلًا عليه جاكيت ومدخل يد في المعطف وتارك الثانية بلا إدخال اليد، ما هذا المنظر؟ من خوارم المروءة، من قلة العقل، من قلة الرأي، يعني الناس يرونه يزدرونه الذي يرونه على هذه الحال.

قال: وعن جابر أن رسول الله ﷺ "نهى أن يأكل الرجل بشماله أو يمشي في نعل واحدة" [رواه مسلم: 2099]. فيريد المصنف -رحمه الله- أن يبين أن المشي في نعل واحدة منهي عنه، وليس من أفعال النبي ﷺ ولا من شمائله، وثبت تعليل النهي عن الأكل بالشمال في أنه مشابه للشياطين كما في صحيح مسلم من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، أن رسول الله ﷺ قال: "لا يأكلن أحد منكم بشماله ولا يشربن بها؛ فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بها".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ومما يشبه الأمر بمخالفة الكفار الأمر بمخالفة الشياطين، فإنه علل النهي عن الأكل والشرب بالشمال بأن الشيطان يفعل ذلك، فعلم أن مخالفة الشيطان أمر مقصود مأمور به".

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والتشبه بالشيطان أو بالكفار أن يعمل الإنسان بأعمالهم، أو يلبس ملابسهم الخاصة بهم، أو يتزين بزيهم الخاص سواء قصد التشبه أو لم يقصده"، يعني: لو واحد راح لبس لباس أهل الكنيسة لباس الرهبان، فقيل له: اتق الله ما هذا كيف تتشبه بالكفار؟ قال أنا ما قصدت، أنا ما قصدت، نقول: ولو لم تقصد لا يجوز ولو لم تقصد، أنت تقر أعينهم بهذا، وأنت تزري على أهل الإسلام بمشابهة الكفار، وأنت تكثّر سواد أهل الكفر، والذي يراك يظنك من أهل الكنيسة.

قال -رحمه الله-: "وكذلك الشيطان لا نتشبه به في أعماله، لكن الشيطان من عالم الغيب، لا نعلم من أعماله إلا ما حدّثنا عنه رسول الله ﷺ".

تحريم الأكل والشرب بالشمال  

00:22:53

وهذا الحديث يدل على تحريم الأكل بالشمال، وتحريم الشرب بالشمال، وأن من أكل أو شرب بشماله فإنه مشابه للشيطان الذي هو عدونا وعدو الله -عز وجل-.

وقال -رحمه الله-: "وإنك لتعجب من قوم الآن امتزجوا بالكفار وشاهدوهم يقلدون زعيمهم الشيطان في الأكل بالشمال والشرب، تعجب من هؤلاء القوم أن يأكلوا بشمالهم ويشربوا بشمالهم، ويدع هدي رسول الله ﷺ؛ فيكونون متشبهين بالشيطان والكفار غير متأسين برسول الله ﷺ مخالفين لهديه وسنته" ومن الناس من يأكل باليمين ويشرب باليمين، ولكن إذا قدم له الشرب وهو يأكل شرب بالشمال، يأخذ سندويتش باليمين وعلبة البيبسي باليسار، ويأكل ويشرب، يا أخي لماذا تشرب بالشمال، قال: يعني شغلة أحط السندويتش وآخذ العلبة، يعني كأنه يريد يمشي ألف كيلو أو يصعد جبلًا متعبًا؛ مع أنه ما يأخذ وقت في الحقيقة لو وضع هذا.

ثم إن السنة أن يأكل جالسًا وهؤلاء يريدون الأكل مشيًا والشرب مشيًا وهذا مخالف للسنة، وإذا قيل لواحد على المائدة يأكل باليمين إذا جاء الشرب يشرب بالشمال لماذا؟، قال: أخاف يتسّخ الكأس!، فعنده أن وصول شيء من الدسم إلى الإناء أو إلى الكأس هذا أصعب على نفسه من مشابهة الشيطان، والفعل مثل فعل الشيطان، كأن عنده التشبه بالشيطان أسهل، طيب وإذا صار فيها زفر على الكأس ماذا يعني، أيهما عندك أصعب، أيهما عندك أولى بالمراعاة، مخالفة إبليس أو وصول هذا إلى الزفر إلى الكأس؟ فلذلك ينبغي أن يحرص الإنسان على آداب الشريعة؛ يعني ما جاءت الأحاديث هذه اعتباطًا أو أن هذه أشياء غير مهمة، لا، مهمة، ما في سنة غير مهمة، ما في أحاديث غير مهمة، أو بعض الناس لو كلمته في مثل هذا قال هذه أشياء غير مهمة، كيف غير مهمة، يعني في البخاري ومسلم ورواة وأحاديث ووحي غير مهمة، هذه كلمة خطيرة، ما جاءت الشريعة إلا بأشياء مهمة، صح في أشياء أهم، في أولويات في حرام وفي كبائر وفي شرك وفي بدع وفي صغائر وفي مكروهات، لكن كلها أشياء مهمة، ولا يمكن أن نصف السنة، يجي واحد يقول: هذه أشياء غير مهمة، هذه أشياء تافهة، لا، ما في أحاديث نبوية.

ومن الناس من يأكل باليمين ويشرب باليمين، ولكن إذا قُدّم له الشراب وهو يأكل شرب بالشمال وقال أخاف أن يتلطخ الإناء، فسبحان الله، وماذا لو تلطخ الإناء، لكن الشيطان يزين للإنسان سوء عمله فيراه حسنًا، فيحرم على الإنسان بأي حال أن يأكل أو يشرب بشماله إلا لضرورة، إذا كانت اليد اليمنى مشلولة أو مكسورة أو ليس لها أصابع أو ما أشبه ذلك من الضرورة، مثلًا إنسان مقيد اليد اليمنى مثلًا، فهذه ضرورة، وما جعل الله علينا في الدين من حرج، وفي صحيح مسلم أن رجلًا أكل عند رسول الله ﷺ بشماله، فقال: كل بيمينك فقال: لا أستطيع، بالكبر كبرًا، قال هو في الحقيقة يستطيع، قال: لا استطعت [رواه مسلم: 2021]، ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه، شلت ما استطاع، قال: لا استطعت؛ دعا عليه: لا استطعت، فما رفع اليمنى بعد ذلك.

قال الشيخ -رحمه الله-في شرح رياض الصالحين: "فدعاء الرسول ﷺ يدل على تحريم هذا الفعل"، وعن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال:  إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشمال، فلتكن اليمنى أولهما تُنْعَلُ، وآخرهما تُنزع  [رواه البخاري: 5855].

"تنتعل" لبس النعل، انتزع خلع النعل، والبداءة باليمين مشروعة في جميع الأعمال الصالحة لفضل اليمين حسًا في القوة، وشرعًا في الندب إلى تقديمها، تفضيل الجهة اليمنى.

وقال النووي: "يستحب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم أو الزينة، والبداءة باليسار في ضد ذلك: كالدخول إلى الخلاء، ونزع النعل والخف، والخروج من المسجد، والاستنجاء، وغيره من جميع المستقذرات".

وقال الحليمي: "وجه الابتداء بالشمال عند الخلع أن اللبس كرامة؛ لأنه وقاية للبدن، فلما كانت اليمنى أكرم من اليسرى بدأ بها في اللبس، وأخرت في الخلع؛ لتكون الكرامة لها أدوم وحظها منها أكثر" [فتح الباري لابن حجر: 10/312].

وقال ابن عبد البر: "من بدأ بالانتعال في اليسرى أساء لمخالفة السنة، ولكن لا يحرم عليه لبس نعله، هذا مما يعلّم الصبيان" [غذاء الألباب: 2/299]. ينبغي أن يؤدّب عليه الأولاد كيف يبدءون باليمنى، وبعد ذلك اليسرى.

قال: وعن عائشة -رضي الله عنها- "كان رسول الله ﷺ يحب التيمُّن ما استطاع في ترجُّله وتنعُّله وطهوره" [رواه البخاري: 426].

 وقد سبق شرح هذا الحديث، وأنه ﷺ كان يجعل لترجيل الشعر وتسريح الشعر ودهن الشعر يبدأ بالشق الأيمن، وفي الغسل وفي الحلق يبدأ بالشق الأيمن، وكل ما كان من باب العبادة أو التكريم أو التزيين نبدأ به باليمين، وإذا كان في الأمور المستقذرات والمستخبثات نستعمل الشمال؛ قاعدة الشرع المستمرة: استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين، وما كان بضدهما استحب فيه التياسر.

وقلنا: كيف أن الوضوء يكون في اليمنى، ومن أعضاء الوضوء ما لا يكون فيه تيامن، كمسح الرأس والأذنين، تمسح اليمنى مع اليسرى سويًا.

ذكر أهل السير أن عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله ﷺ كان صاحب النعلين والوساد والمطهرة، فإذا أقام النبي ﷺ ألبسه إياهما، وإذا جلس جعلهما في ذراعيه، ابن مسعود من قربه من النبي ﷺ كان صاحب نعلي النبي ﷺ والسواك هو المسئول عن سواك النبي ﷺ ويحضره له والوساد والطهور، وكان يحمل الطهور للنبي ﷺ يتولى خدمة النبي ﷺ، يحمل نعلي النبي ﷺ، هذا الذي قال الصحابي أبو الدرداء عنه: أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة، هذا صاحب سر النبي ﷺ ممكن يدخل عليه في أي وقت، وكان يخدم النبي ﷺ يحمل له المطهرة، وكان يحمل نعليه؛ ابن أم عبد صاحب نعلي رسول الله ﷺ يحملهما ويتعاهدهما للنبي ﷺ، ويحمل له مطهرته، وقال ﷺ: "إذنك علي أن ترفع الحجاب وتسمع سِوادي"، يعني: سراري، خصوصية له؛ حتى ظن بعض القادمين من خارج المدينة أن عبد الله بن مسعود من آل بيت النبيﷺ لما كانوا يرون من طريقة دخوله وكثرة دخوله -عليه رضوان الله تعالى-.

هذا نهاية باب النعلين؛ نعال النبي ﷺ، وبذلك نكون أنهينا باب النعلين، وأنهينا أيضًا باب الخاتم، ووصلنا إلى باب سيف النبي ﷺ، هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.