نص الحديث
الحديث الرابع عشر:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدًا، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا [رواه النسائي: 3110، وهو حديث صحيح].
شرح الحديث
المقصود بقوله: لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدًا هذه بشارة للمجاهد في سبيل الله إذا جاهد بإخلاص وصدق، أن الله لا يدخله النار، فالغبار والنار ضدان لا يجتمعان، أي غبار في سبيل الله، صادقًا في نصرة الدين، ليس في العصبيات، ولا في الأهواء، ولا القتال في مغانم الدنيا، أو في سبيل تكوين زعامات.
المقصود بقوله: ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا:
قوله: ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا الشح أشد البخل.
وقيل: هو بخل مع الحرص.
وقيل: البخل بالمال والشح بالمال وبالمعروف، يعني لو واحد أمكن أن يبذل شفاعة، وما بذلها، شحيح، عنده شح، قيل: البخل خاص بالمال، والشح بمنع المعروف عمومًا.
البخل أكثر ما يكون في إمساك النفقة: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 180]، وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ[محمد: 38]، لكن الله قال في الشح: أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ [الأحزاب: 19] ما يخرج منه خير أبدًا أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا [الأحزاب: 19]، وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُُ الْمُفْلِحُونَ[التغابن: 16]، ولذلك نقول: الشح في المال وفي كل وجوه الخير، الشح في الشفاعة، الشح في الإعانة، المساعدة، الحمل، الشح في الشرح، في الدلالة على المكان، الشح في بذل النصيحة، في الرأي، الشح في المال، الشح في إعطاء الحقوق، الشح يحمل على ارتكاب المحارم، وسفك الدماء، وأخذ الحرام، وأكل الحرام، وإتيان الفواحش، لذلك جاء في الحديث الصحيح: أن من قبلنا أهلكهم الشح، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم [رواه مسلم: 6741].
وقوله ﷺ: ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًاتنبيه على أن الشح من أعظم أدواء القلوب، وأمراض القلوب ومفاسده عظيمة، بل من وقي الشح فهو بخير، قال الله: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[التغابن: 16] فليس بشحيح ولا بخيل من أنفق في سبيل الله، وأعطى الزكاة، وحق الضيف، قال أبو الهياج الأسدي: رأيت رجلاً في الطواف يدعو: اللهم قني شح نفسي، اللهم قني شح نفسي، لا يزيد على ذلك، طيلة الطواف، فقلت له: يعني لم تقول هذا؟ هذا الطواف موطن عظيم؟ قال: ""إذا وقيت شح نفسي، لم أسرق، ولم أزن، ولم أفعل، ولم أفعل، فإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف، صاحب رسول الله ﷺ [ينظر: مُصنف ابن أبي شيبة: 10/335].
الشح يدفع إلى أخذ الأشياء من غير حلها، ومنع الحق عن أصحاب الحقوق، هذا الملخص للشح، لا يرضى بما قسم الله من الطيب، ويمنع المعروف والحقوق عن أهلها، والنبي ﷺ قال: ثلاث مهلكاتأول شيء بدأ به شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه [رواه الطبراني في الأوسط: 5452، وقال الألباني: "حسن لغيره"؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب: 2607].
الشح مفسد للقلوب، إذا انتشر في آخر الزمان، قال ﷺ في أشراط الساعة: يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح يعني في النفوس ويكثر الهرج يعني القتل.
القتل المقصود -طبعًا- القتل بالباطل، كما أن أهل الشام الآن لما أعمل فيهم السيف من الرافضة والباطنية بمعاونة اليهود والنصارى، قتل منهم أكثر من أربعمائة ألف، وهجر منهم أكثر من سبعة مليون، من إحدى عشر مليون، يعني الآن إذا استمر الأمر على ما هو عليه ممكن أهل السنة يصبحوا في الشام أقلية؛ لأن هذا القصف ينتج عنه تهجيرا، ويأتون بالإحلال من غير المسلمين، من غير أهل السنة، يوطنونهم، يعني تغيير التركيبة السكانية، هذا من أعظم الإجرام الذي يحدث اليوم على وجه الأرض، ما يحدث بالشام، وكذلك بالعراق، وكله على المسلمين، فنحن نرى الآن ما أخبر عنه النبي ﷺ من كثرة الهرج، أشراط الساعة، آخر الزمان، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل القتل[رواه البخاري: 6037، ومسلم: 6964].
والشح داء عظيم، وبلاء قديم: واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم[رواه مسلم: 6741] الشح يمنع حقوق الإخوة، والبذل، والمواساة، ويؤدي للتهاجر والتقاطع والتعادي والتشاجر، واستباحة الدماء، ومن كان في قلبه الشح ما يكون معه الإيمان.