الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
المقدمة
فقد تقدم في هذه السلسلة حماية منهج السلف ذكر موضوع التبديع، وقد تحدثنا عن ضوابط البدعة، وبعض الانحرافات في التبديع، وذكرنا أن من أجل نعم الله على عباده نعمة إكمال الدين، وأن شريعة الإسلام شريعة كاملة من جميع الوجوه لا نقص فيها، ولا تحتاج إلى من يكملها، وأن النبي ﷺ قد حذر من الابتداع في الدين تحذيرًا بليغًا في نصوص متعددة.
وذكرنا خطورة البدع والإحداث في الدين، وأن من أعظم مقاصد الشيطان إيقاع المسلم في البدعة إذا أيس من وقوعه في الكفر، وبينا أن النجاة من هذه العقبة الخطيرة لا تكون إلا بالالتزام بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
ثم ذكرنا بعضًا من خطر عدم ضبط القواعد والضوابط في باب البدعة، وأن الخلط بين البدعة والسنة سيكون نتيجة لذلك بالإضافة إلى خسارة الوسطية، وأيضاً الجور في الحكم على الناس، والوقوع في أخطاء في العبادات.
وكذلك عرفنا البدعة بأنها لغة: ابتداء الشيء من غير مثال سابق، ومعنى اسم الله البديع، وهو الخالق للأشياء على غير مثال سابق، كالسماوات والأرض.
وذكرنا معنى البدعة في اصطلاح العلماء كما ذكر ذلك الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى- فقال: "البدعة عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله " [الاعتصام:1/ 37].
وقلنا: بأن عبارة "طريقة في الدين" يخرج بهذا القيد المخترعات المادية، والمحدثات الدنيوية مما لا صلة له بأمور الدين والعبادات، وكذلك تخرج المعاصي والمنكرات دون البدعة من الصغائر والكبائر، اللهم إلا إن فعلت على وجه التقرب إلى الله، يعني: يفعل ذنبًا يتقرب به، وهذا يتخيل في بعض الأوضاع، ممكن يكون استخفاف بالدين، وممكن يكون من الجهل المطبق.
وكذلك لما قلنا: بأن البدعة "طريقة في الدين مخترعة" يعني: لا دليل عليها، "تضاهي الشرعية" يعني تشابه الطريقة الشرعية في الظاهر، لكن في الحقيقة مضادة للطريقة الشرعية.
وذكرنا بعض أوجه الالتباس، ومن ذلك أننا لا يجوز أن نحد حدود في الأعداد، أو الهيئات، أو نحدد مكان، أو زمان لم يرد في الشرع، فالذكر الجماعي بصوت واحد تسبيح تكبير من أي وجه هو بدعة الهيئة، والتزام عبادات معينة في أوقات معينة بلا دليل شرعي، كالتزام صيام نصف شعبان -لا على أنه من أيام البيض- على أنه خمسة عشر شعبان تحديدً بدون دليل، ويقصده لأنه الخامس عشر، وكذلك أول جمعة من رجب.
وذكرنا أن البدعة لو كانت لا تضاهي الأمور المشروعة لم تكن بدعة لأنها عند ذلك ستصير من الأفعال العادية، مثل التهاني المباحة التي لا علاقة لها بالعبادات، التهاني في عادات الناس، وسيتبين الآن -بمشيئة الله تعالى- المزيد حول هذا الموضوع.
من ضوابط البدعة أن يقصد بها التقرب
عندما قلنا في التعريف: "يقصد بالسلوك عليها التقرب إلى الله أو المبالغة في التعبد لله -تعالى-" صار واضحًا أن المبتدع يقصد بالبدعة التقرب إلى الله، يريد كسب الحسنات بهذه البدعة.
ومن البواعث على البدعة "كل جديد له لذة" الملل من المشروع؛ لأنه الشيطان قد يدخل على بعض الناس من باب أن المشروع عملته كثيرًا خذ شيئًا جديدًا، ويبعث الشيطان النشاط في النفس لهذا الجديد، والملل من المشروع الذي عليه الدليل الذي جاء به الدين، هذا من مسالك الشيطان بحيث ينشط في البدعة ويثبطه في السنة، ولذلك لا يرى كثيرًا ممن يفعلون البدع وجهًا للخطر فيها، يقول بالعكس نحن نحس بنشاط، ونصبر عليها، ولها أثر في نفوسنا إيجابي، وننشط، لكن هذا عمره ما كان دليلاً على أن هذا عمل مشروع، يعني: كون الواحد ينشط في الشيء لا يعني أن هذا مشروع، فقد ينشط في شر قد ينشط في بدعة، قد ينشط في معصية، لكن خطورة البدعة هنا بأن ظاهرها مرضاة الله، ولذلك الذين يجادلون في البدعة لا يلتفتون إلى وجه مخالفة الشرع، إنما كل نظره منصب ألسنا نعبد الله؟ ألسنا نتقرب إلى الله بهذا العمل؟
رأى سعيد بن المسيب -رحمه الله تعالى- رجلا يصلي بعد طلوع الفجر، فنهاه لأن النبي ﷺ قال: لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس رواه البخاري [588]، ومسلم [825]. فالرجل مجادل قال: يا أبا محمد أيعذبني الله على الصلاة؟ أحيان -مثلما قلنا- يقول: كفرنا كفرنا نحن نصلي بعد الفجر أو بعد العصر كفرنا، نصلي لله وليس إلى صنم، "أيعذبنا الله على الصلاة؟" فأجاب سعيد -رحمه الله- الإجابة العلمية، هنا يبرز العلماء لما يأتي المحك، فيأتي المناقش بكلام ظاهره الحق، قال: "لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة"، لأنك خالفت وصليت في الوقت الذي منعك من الصلاة فيه، والحديث رواه عبد الرزاق في المصنف [4755]، والبيهقي في السنن الكبرى [4234]، وإسناده صحيح في الإرواء [2/ 236]، قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: "وهذا من بدائع أجوبة سعيد بن المسيب -رحمه الله-، هو سلاح قوي على المبتدعة الذين يستحسنون كثيرًا من البدع باسم أنها ذكر وصلاة، ثم ينكرون على أهل السنة إنكار ذلك عليهم، ويتهمونهم بأنهم ينكرون ذكر الله، ينكرون الصلاة، وهم في الحقيقة إنما ينكرون عليهم مخالفة السنة في الذكر أو في الصلاة أو في غيرها" [إرواء الغليل:2/ 236]، رجل من أصحاب العقائد الباطنية عندهم صلاة غريبة، ركعتين وراء ركعتين سريعة جداً، ما فيها طمأنينة، فوقف في الحرم يصلي هذه الصلاة -نحن قلنا: أن البدع في العقائد وفي العبادات كثيرًا ما تكون موجودة معًا- فهذا الرجل المبتدع على العقيدة الباطلة، قام يصلي ركعتين وراء ركعتين وبسرعة بدون طمأنينة، فقال رجل من أهل السنة جالس بجابنه بعد ما سلم: يا فلان والله إن ركعتي بطمأنينة على السنة خير لك من كل هذه الركعات.
فالمبتدع قال: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى [العلق: 9-10].
فالسني أجابه بآيات أخرى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً[الغاشية: 1-4] لماذا تصلى نارًا حامية وهي عاملة ناصبة؟ وكذلك قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103-104].
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه، فهو ضلالة والدين برئ منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة" جامع العلوم والحكم [1/ 266].
فهذه البدعة تندرج تحت قول النبي ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، إذًا هو مردود باطل، وغير معتد به، رواه البخاري [2697]، ومسلم [1718]، وفي رواية مسلم [1718]: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا هو يقصد بالعمل هذ تعبد من عمل عملاً ليس عليه أمرنا خلاف سنتنا، خلاف طريقتنا، ليس عليه شرعنا، ليس عليه أمرنا فهو رد مردود عليه حابط.
قال الحافظ -رحمه الله-: وهذا الحديث معدود من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعده، فإن معناه من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أًصوله فلا يلتفت إليه" فتح الباري [5/302].
قال الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة"، وفي رواية: "من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن محمدًا ﷺ خان الرسالة؛ لأن الله يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ[المائدة: 3]، فما لم يكن يومئذ" -يعني في العهد النبوي- "دينًا فلا يكون اليوم دينًا" الاعتصام [1/49].
قال الشاعر:
لذ بالنبوة واقتبس من نورها | واسلك على نهج الهداية تهتدي |
وإذا رأيت الصادرين عشية | عن منهل الدين الحنيف فأورد |
الدين دين الله لم يعبأ بمبتدع | ولا يحفل بضلة ملحد |
يدخل في البدعة كل تقرب إلى الله بفعل ما نهى عنه سبحانه؛ لأنه البدعة بليغة، الله نهى عنها بالنص، وهو يتقرب بها إلي مثال التقرب إلى الله بسماع المعازف، والرقص، والغناء، وهذا موجود في حلق الذكر عند الصوفية، فعندهم مزمار ناي، طبل دف في حلق الذكر موجود، ولما يأتون بهذه الأذكار أو المدائح الملحنة ومعها هذه المعازف، وهذا موجود في القنوات الفضائية، لا يمكن أن ينكروه، هم يجاهرون به، وهذا الغناء الشرع نهى عنه، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[لقمان:6]، وصوتان ملعونان مزمار عند نعمة [مسند البزار: 7513، وحسنه الألباني السلسلة الصحيحة: 427]، ونهى عن الكوبة الطبل إلى آخره، الآن هذا شيء نهى الله عنه، فهم يتقربون به إليه، ويقولون: إن التأمل في جمال الصور والأشكال الجميلة -لا يقصدون بالصور المصورة، إنما يقصدون الأشخاص من امرأة وأمرد- يصفي النفس ويسمو بالإيمان. الله قال: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ[النور:30] أمر، وهذا يجعل ارتكاب المنهي عبادة.
كذلك من ضمن الأمثلة التقرب إلى الله بمشابهة الكافرين.
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله فعمله باطل مردود عليه، وهو شبيه بحال الذين كانت صلاتهم عند البيت مكاء وتصدية"، تصفير وتصفيق، هذه كانت عبادة قريش عند الكعبة، قال: "وهذا كمن تقرب بسماع الملاهي أو بالرقص وما أشبه ذلك من المحدثات التي لم يشرع الله ورسوله التقرب بها بالكلية، أو بكشف الرأس في غير الإحرام التقرب إلى الله بكشف الرأس بغير الإحرام" جامع العلوم والحكم [1/ 60]. يعني: ضربه مثالاً على البدعة، تقرب إلى الله ليس يتخذها زينة، في بعض البلدان تغطية الرأس زينة، وفي بعض البلدان كشف الرأس هو الزينة، فلو اتخذ كشف الرأس قربة إلى الله في غير الإحرام، ويقصد بالكشف ليس كشف الزينة خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ[الأعراف:31]، يقصد به المعنى الموجود في الإحرام، كشف الرأس في الإحرام تواضع إخبات لأن العرب كان عندهم تغطية الرأس زينة، فترك الزينة لله في الإحرام والبعد عن الترفه، والطيب، والمخيط، أضحي لمن أحرمت له، كما قال ابن عمر، هذا من التعبد في هذا المقام، فإذا كشف الرأس تعبدًا في غير هذا المقام تقربًا صار بدعة.
ويدخل في البدعة أيضاً كل تقرب إلى الله بفعل شيء من العادات أو المعاملات على وجه لم يعتبره الشارع:
أمثلة ذلك:
التقرب إلى الله بلبس الصوف، وما ورد في الشرع فضل في لبس الصوف، أنه من لبس الصوف دخل الجنة، أو عليكم بلبس الصوف، فالتعبد لله بلبس الصوف بدعة، لكن واحد لبس صوف في الشتاء يستدفئ لا شيء فيها؛ لأنه لا يقصد التقرب إلى الله بلبس الصوف، يقصد وإن لجسدك عليك حقًا [البخاري: 1975]، يقصد أن الناس يلبسون الصوف في الشتاء للاستدفاء.
التقرب إلى الله بالصمت الدائم، كذلك لو قال: أنا لا أكلم إلا بالقرآن، النبي -عليه الصلاة والسلام- تكلم بغير القرآن، والصحابة تكلموا بغير القرآن، والتقرب إلى الله بهذه الطريقة بدعة، التقرب إلى الله بترك أكل اللحم، خلاف الذي لا يأكل اللحم تطببًا علاجًا، فالأول مبتدع، والثاني لا حرج عليه، التقرب إلى الله بالقيام في الشمس وعدم الاستظلال، لا يوجد في الإسلام عبادة أنك تقف في الشمس طيلة الوقت، وهذا الإرهاق والإجهاد للنفس ما لك عليه أجر، بل في وزر لمن فعله تقربًا، بل إن حديث: إن لجسدك عليك حقًا، ولا ضرر ولا ضرار [ابن ماجة: 2341، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 250] ينهى عن ذلك، و قد تجيئه ضربة شمس، ويمكن يموت، ولا يكون شهيدًا.
الغلو في العبادة
ويدخل في البدعة أيضاً الغلو في العبادة بالزيادة على القدر المشروع، والتشدد والتنطع في الإتيان بها.
مثال: التقرب إلى الله بقيام الليل كله، وترك النوم دائمًا، النبي ﷺ قال: أنا أخشاكم لله، وأعلمكم، أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني [البخاري: 5063، ومسلم: 1401].
فإذًا التقرب إلى الله باعتزال النساء وترك الزواج بدعة، الصوفية يفعلونه مشابهة لرهبان النصارى، يعتبر النصارى أن هذا ترك الزوج ترفع عن الشهوات، ولذلك الإمام الباقلاني -رحمه الله لما أرسل ملك النصارى إلى خليفة المسلمين، قال: ابعث لنا واحداً نتناظر، نتفاهم نتناقش، نعرف ما عندكم، وتعرفون ما عندنا، فأرسل له الإمام أبا بكر الباقلاني، فلما أراد أن يدخل عليه، قال جلساء الملك: أن المسلمين لا يركعون لغير الله، وكيف يدخل عليك ولا يركع، لابد أن يركع، فاتفق رأيهم على أن يجعلوا الباب قصيرًا بحيث يضطر للانحناء، فيكون قد ركع للملك، فلما جعلوه هكذا جاء أبو بكر -رحمه الله- استدار فدخل بقفاه، هذه أول ضربة، ما نالوا مرادهم، بالعكس صارت أقبح لو دخل عادياً كان أحسن، ثم اتجه إليهم في المجلس وحياهم، ولما وصل إلى صاحب الصليب الكبير البابا، قال: كيف حالك، وكيف حال أهلك وأولادك والزوجة، فثاروا، ويلك وقر صاحبنا، لا يليق بالبابا أن يتزوج، ولا أن ينجب أولاد، قال: سبحان الله! نزهتم صاحبكم عن الزوجة والولد، ولم تنزهوا ربكم عن الزوجة والولد، هم أعدوا له، قالوا: ما خبر أن زوجة نبيكم عائشة مع رجل يقال له: صفوان خلا بها في السفر، قال: إن الله قد برأها من ذلك في كتابه، كما برأ مريم -عليهما السلام- لكن مريم أتت بولد، وعائشة لم تأت بولد، يعني هذه أبلغ. [سير أعلام النبلاء: 17/192].
التقرب إلى الله باعتزال النساء وترك الزواج مطلقاً هذه بدعة، التقرب إلى الله بصوم الدهر كله، كما جاء في حديث: أن الذي يصوم الدهر لا صام ولا أفطر [مسلم: 1162] لأنه صيام غير مشروع بدعة، اعتقاد أن الزيادة على السبع أحسن في الطواف، في الرمي سبعة، فإن الزيادة عليها بدعة قطعًا، هذا ما هو شك متأكد أنه أتى بسبع فالزيادة بدعة.
هذا سؤال جاءنا في الحج يقول: كنت أطوف مع أمي في الزحام الشديد و شككنا أنا أقول: الثاني، وهي تقول: السادس؟
قلت: يمكن مسكينة يمكن من الأهوال التي رأتها في الزحام.
حديث أنس بن مالك يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادة النبي ﷺ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، -عدوها قليلة- فقالوا في تبرير هذا: وأين نحن من النبي ﷺ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"، فهذه العبادة تكفي لكن نحن لازم نزيد، فكرة كيف يفتح باب الشر، كيف تأتي البدعة
قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا.
وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر.
وقال الثالث: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج".
وفي رواية: "قال بعضهم: أنا لا آكل اللحم.
قال بعضهم: أنا لا أنام على فراش.
فجاء رسول الله ﷺ إليهم، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني رواه البخاري [5063] ومسلم[1401].
هؤلاء أرادوا أن يتركوا أشياء أحلها الله على وجه التعبد، والتدين والتقرب.
قال الشاطبي في الاعتصام: "وكل من منع نفسه من تناول ما أحل الله من غير عذر شرعي، فهو خارج عن سنة النبي ﷺ، والعامل بغير السنة تدينًا هو المبتدع بعينه" الاعتصام [1/26].
قال شيخ الإسلام: "ينكر على من يتقرب إلى الله بترك جنس اللذات"، -هذه صوفية ما يريدون جنس اللذة، لذة النوم، لذة الطعام، لذة النكاح.
هل الشرع جعل ترك اللذات كلها عبادة؟
لا، جعل الترك مقيدًا عبادة، مثلاً: لذة الطعام والشراب والنكاح في رمضان من الفجر إلى المغرب تقييد، وأمر بتأخير السحور وتعجيل الإفطار، حتى لا تكون زيادة، هذا ترك لذات مشروع، لكن لاحظ أنه مؤقت، وفي رمضان، العيد لازم تفطر، قال: ولا لذة النساء، ولذة الفراش، ولذة الطعام، تقربًا من جنس اللذة من أصلها هذا مبتدع.
قال شيخ الإسلام: "ينكر على من يتقرب إلى الله بترك جنس اللذات" [الاستقامة لابن تيمية: 1/339].
ابن عباس لما لبس لباسه الجميل وذهب للخوارج كان عندهم قضية التقرب بتحريم أشياء أحلها.
الأصل في العبادات التوقيف
من الضوابط في موضوع البدعة أن الأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم دليل على المشروعية، وهذا معنى قول أهل العلم: العبادات توقيفية، أو العبادات مبناها على التوقيف، فلا يجوز تعبد لله بشيء لم يشرعه الله، معنى كلامهم أن العبادة متوقفة على النص، العبادة متوقفة فعلها يتوقف ويعتمد اعتمادًا كليًا على الدليل، وبهذا ينضبط الدين فمن أتى بعبادة جديدة في أصلها، أو عددها، أو هيآتها، أو مكانها، أو زمانها، بدعة أصلية، أو بدعة إضافية، هذه بدعة، فإذا لم يكن عليها دليل فهذه بدعة، ولا يقال في النقاش ما دليلك أنها بدعة؟ هذا الذي يناقش بهذه الطريقة إما مكابر مغالط، وإما جاهل، هو الذي عليه أن يأتي بالدليل، هو الذي خالف الأصل، الأصل أن العبادات بابها مغلق إلا بدليل، لا يوجد عبادة إلا بدليل، الأصل المنع إلا بدليل، شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ[الشورى: 21] هذا مهم لأنه المبتدعة يغالطون يكابرون، تنكر عليه، فيقول هات الدليل؟ فقل: هات الدليل أنت، الأصل في العبادات المنع إلا بدليل، تتقرب إلى الله بدون دليل.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "الأصل في العبادات ألا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات ألا يحظر منها إلا ما حظره الله" [مجموع الفتاوى: 29/17].
إذا نبتت أسنان الطفل نعمل طبخة أكلة فيها قمح وسكر بمناسبة نبات أسنان الطفل، ونعزم أقاربنا، ونوزع على الجيران هذه عادات، حكمها: جائز، لا يفعلونها تقربًا إلى الله، هذه الطبخة بالذات القمح بالسكر وبجوز الهند هو لا يتقرب إلى الله بهذا تحديدًا.
قال شيخ الإسلام: "الأصل في العبادات ألا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات ألا يحظر منها إلا ما حظره الله" [مجموع الفتاوى: 29/17]، فمن عبد الله بنوع من العبادات لا دليل عليه فقد ابتدع في الدين، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من أصحاب الاستقراء الشامل -هناك علماء ما كانوا متخصصين في جانب معين لا اطلاعهم- شامل يعني: تفسير، حديث، فقه، عقيدة، أصول، تاريخ، سيرة، لغة، أدب، شعر، وما يقرأ تفسير أو تفسيرين أو خمسة، قال: أنه يرجع أحيانًا في الآية الواحدة إلى سبعين تفسير، مائة تفسير، فشيخ الإسلام من أصحاب الاستقراء التام.
قال: "فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله ورسوله" [مجموع الفتاوى: 29/16].
لو نزل أنسان بيتًا جديدًا وعندهم عادة تسمى النزالة، يذبحون ذبيحة أو طعام يجمعون عليها الناس الجيران، أقارب، معارف، بمناسبة البيت الجديد، ما حكمه؟ الإباحة جائز لأنه من العادات، هو لا يعتقد أن سنة البيت الجديد ذبح ذبيحة كالأضحية، لا يعتقد بذلك، لو اعتقد ابتدع، لو اعتقد أن هذه مثل العقيقة يتقرب بها إلى الله، مثل الأضحية لكن هو يقول: هذه من عاداتنا نحن أننا إذا نزلنا بيتًا جديدًا أكرمنا الجيران، وأكرمنا من حولنا، لا شيء فيها، لكن إذا رافقتها اعتقادات، وذبح الذبيحة يطرد الجن دخلنا في بدع اعتقادية.
قال شيخ الإسلام: "لأن الأمر والنهي هو شرع الله -تعالى-، والعبادة لا بدّ أن تكون مأمورًا بها، فلم يثبت أنه مأمور، كيف يحكم عليه بأنه عبادة، وما لم يثبت من العادات أنه منهي كيف يحكم عليه أنه محذور، ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله -تعالى-، وإلا دخلنا في معنى قوله : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى: 21].
والعادات الأصل فيها العفو"، يعني: متروكة للناس، مباحة فلا يحظر منها إلا ما حرمه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا[يونس: 59]، قال: "ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه" القواعد النورانية [6/10].
قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومعلوم أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا تأثيم إلا ما أثم الله ورسوله به فاعله، كما أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، ولا دين إلا ما شرعه سبحانه" [إعلان الموقعين: 1/344].
إذًا العبادات لو جاء واحد قال: عاداتنا في الخطبة أن الخاطب يأتي معه بالعمدة، أو شيخ، أو كبير، أو شخص له منصب ليتكلم هو في الخطبة، يقول: نريد أن نخطب ابنتكم لفلان، ما حكم هذه الوجاهة؟ مباحة ليس فيها شيء.
لو قالوا: من عاداتنا أن أهل الزوج يأتون لأخذ الزوجة من بيت أهلها، لازم يأتوا يأخذوها تقديرًا أو اعتبارًا، ما حكم ذهابهم لأخذها؟ مباح ليس فيه شيء.
وهذه الأعراف قد تكون لها أهمية لأن وراءها أشياء مثل وراءها تقدير واحترام واعتبار، تعني عند أهلها الكثير تواضعوا على ذلك، وتوافقوا عليه، وصار عرفًا بينهم، سائدًا فالمشي عليه ليس فيه إشكال، ولا هو بدعة، ولا شيء، لكن البدع عندما تأتي أمور قبيحة أو محرمات، قد تكون في بعض العادات لأشياء منكرة، أشياء ينكرها الشرع.
لو قال: احنا والله عاداتنا الجلوس مختلط هذا حرام، فالعادات ممكن يصير فيها حرام، وممكن يصير فيها بدع، ولكن الأصل فيها الإباحة والحل، واعتبارها والاهتمام بها، يعني: أن يعيش بسلام الاهتمام بها من أسس يعني -إن صح التعبير- التعايش السلمي بين الناس، في عندنا جانب آخر من جوانب قضية المعاملات، يعني: بيع شراء استئجار رهن كفالة حوالة إلى آخره.
قلنا: أن الأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على هذا الأمر.
الأصل في المعاملات الإباحة
ماذا بالنسبة للعقود والمعاملات ما هو الأصل فيها؟ هل الأصل فيها الحرمة حتى يأتي في الشرع ما يبيحها؟
الجواب: أن الأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم، يعني: المعاملات تشبه العادات أن الأصل فيها الإباحة، بع كيف شئت، استئجر كيف شئت، اعمل تعاقد كيف شئت، حط شروط في العقد كيف شئت، لكن هناك ضوابط الربا ممنوع، الجهالة ممنوع، الغرر ممنوع، الميسر ممنوع، هناك أشياء معينة ممنوعة، "نهى عن الثنيا إلا أن تعلم" [أبو داود: 3405، وصحيح أبي داود: 2905]، يعني لا يجوز مثلاً تقول: أبيعك بيتي وأستثنى أني أجلس فيه المدة التي تعجبني، خالفنا الحديث يقول: "نهي عن الثنيا إلا أن تعلم" تريد تستثني لنفسك شيئًا في بيع البيت مدة حتى أخرج إلى البيت الجديد ستة أشهر، أربعة أشهر.
فإذًا الأصل في المعاملات الإباحة والصحة، الأصل العقد صحيح ما اتفق عليه المتعاقدان، ويمشي بينهما يعتمد إلا إذا ثبت أن فيه مخالفة شرعية.
والله لا يعبد إلا بما شرعه على ألسنة رسله، فإن العبادة حقه على عاده، وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه.
وأما العقود والشروط والمعاملات فهي بين العباد أنفسهم، والله قد عفا، يعني: ترك لهم ذلك يتعاقدون كيف يشاؤون، ويتعاملون كيف يشاؤون، ولكن وضع لهم ضوابط لمصلحتهم، حتى تنضبط أمورهم، لو أن هذه الضوابط ما وضعت سيظلم بعضها بعضًا، ويغبن بعضهم بعضًا، ويغش بعضهم بعضًا، ويأكل بعضهم أموال بعض.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين: "وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها، ولهذا نعى الله -سبحانه- على المشركين مخالفة هذين الأصلين، وهو تحريم ما لم يحرمه، وابتداع غير ما شرعه" [إعلان الموقعين: 1/344]، يعني: الانحراف جاء من ناحيتين، اخترعوا أشياء، شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا على أنفسهم أشياء أباحها الله، واتبعوا أحبارهم ورهبانهم في تحريم ما أحل الله، قال الله -تعالى-: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ[الأنعام:140]، الوصيلة الحامي السائبة أول نتاج الناقة -أول ولد- للصنم، وأول كذا هذا ما نركبه، اختراعات، الله لم يحرم ذلك، فلماذا تحرموا ركوبها؟ لماذا تحرمون أكلها؟ لماذا تحرمون ذبحها؟
فإذًا تحريم ما لم يحرمه باب، والتقرب إليه بما لم يشرعه باب آخر، قال تعالى: وَمَا كانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً[الأنفال: 35]، فتحريم ما لم يحرمه، والتقرب إليه بما لم يشرعه بابان عظيمان من الانحراف دخلا على البشرية، فكل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله ﷺفلا نتعبد الله بها ،كما قال حذيفة بن اليمان : فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً، بين لهم كل شيء، ما ترك طائر يطير بجناحيه إلا ذكر لنا منه خبر، ما ترك شيئًا، قال حذيفة : "فاتقوا الله يا معشر القراء وخذوا بطريق من كان قبلكم" [الاعتصام: 2/132] من الكتب العظيمة في هذا الباب الاعتصام للشاطبي، وكذلك الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة.
فكل ما أحدث بعد عهد الصحابة مما ليس له أصل في الدين مع وجود سببه ومقتضاه فإننا نرده، فالخير لا يخرج عن دائرة الصحابة، مستحيل نهتدي إلى عبادة غابت عنهم، لا يمكن، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، أهل الرفض الباطنية يعتقدون أن هناك اثنا عشر إمامًا معصومًا، كلامهم تشريع، وكلامهم ينسخ الآيات والأحاديث، فالتشريع عندنا انتهى بوفاة النبي ﷺ، والتشريع عندهم يستمر إلى سنة 260هـ، لما دخل آخر واحد في السرداب، فإذًا تصوروا الدين عبادة جديدة ليست الكتاب والسنة ما دليلك؟ قال أبو عبد الله وعلى مسؤولية من لا سند ولا أبو عبد الله .
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ[الأحقاف: 11]: أي: "قالوا عن المؤمنين بالقرآن لو كان القرآن خيراً ما سبقنا هؤلاء إليه، يعني: بلالاً، وعمارًا، وصهيبًا، وخبابًا، وأشبابهم وأقرانهم من المستضعفين"، والعبيد والإماء، انظر الكبر عند كفار العرب لو كان هذا القرآن ما سبقنا إليه هؤلاء الأعبد، هل هي بناء على اللون، أو على الطبقة الاجتماعية، الحق يعرف بالطبقة الاجتماعية أو باللون أو بالرصيد المالي.
قال: "وما ذاك إلا لأنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة، وله بهم عناية، وقد غلطوا في ذلك غلطًا فاحشًا، وأخطؤوا خطأ بينًا، كما قال الله: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا [الأنعام: 53]" هؤلاء الأعبد الفقراء المساكين، هم الذين اهتدوا إلى الحق ونحن ضللنا عنه، نحن السادة والقادة، وأهل النسب، وأهل المال والثراء والجاه، هؤلاء مهتدين توصلوا إلى الحق، هذا المنطق الجاهلي قال الله: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا[الأنعام: 53]، يعني: "كيف اهتدى هؤلاء إلى هذا توصلوا إليه ونحن ضلينا عنه وما عرفناه، ولهذا قالوا: لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ[الأحقاف:11].
لكن نحن أهل السنة" -لو جاء واحد ببدعة ما فعلها الصحابة والتابعون، نقول: لو كان خيرًا لسبقونا إليه، يعني: نحن عكسهم، "نقول: لو كانت خيرًا لسبقونا إليها الصحابة والتابعين، هل نحن نفقه أكثر منهم؟ ما يمكن فأهل السنة والجماعة يقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة هو بدعة؛ لأنه لو كان خيرًا لسبقونا إليه، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها" تفسير ابن كثير [7/279].
ومما سبق يتضح لنا بدعية تلك العبادات التي لو كانت خيرًا لسبقنا إليها خير القرون.
ومن ضمن الأمثلة تعبد جهلة المتصوفة بآلات اللهو والرقص والغناء وأنواع المعازف، قال الله -تعالى- فيهم: وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً[الأنفال: 35] هذا الكلام مهم في الرد على أصحاب الحضرات الصوفية، ومجالس الذكر الصوفية، التي فيها ضرب الدف والطبل، يقول لك: هذا حلقة ذكر تصفي النفوس.
ثانيًا: اختراع بعض الأذكار مثلاً: الله حي الله حي حي، الله حي حي، هو هو هو، من أين أتيتم بها يقول: لا إله إلا هو، يا أخي: هذا هو ليس من الأسماء الحسنى، هذا ضمير، يقول: لا إله إلا الله ذكر العامةـ والله الله الله الله ذكر الخاصة، هو هو هو ذكر خاصة الخاصة، هؤلاء إن كانوا يعقلون ما ورد التعبد لله بذكر الاسم المفرد،
قد يقول: ورد في حديث حذيفة: لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول الله الله [مسلم: 148]، هل قصده ذكر أو قصده أن يبين أن آخر الزمان آخر جيل في البشرية ما يعرفون الدين أصلاً، ولا عندهم لفظ الجلالة أساسًا، وليس المقصود فيه الذكر، الاستدلالات المنحرفة المعوجة تأتي لك بشيء ما له علاقة بالموضوع،
الاحتفال بالمولد، الأولياء الحقيقيين والمزعومين يعني: عبد القادر الجيلاني هذا من أئمة أهل السنة، احتفال بمولد عبد القادر الجيلاني، كذا واحد منحرف مثل البدوي، البدوي هذا وقف مرة على جدار فبال على المار، فبعض الناس أنكروا عليه، ماذا تفعل تبول علينا، قال: أنا على مذهب مالك في الفقه والناس يغتابوني، وبول كل ما أكل لحمه طاهر، وهذا يقول لك: مولد البدوي، وهناك ثلاثة مليون يحجون على قبر البدوي، ويطوفون ويتبركون وينحرون ويحلقون.
يمكن الآن خفت، زمان كان يجيب الجاموسة من آخر الدنيا عشان يذبحها، الأولياء الحقيقيين أو المزعومين الاحتفال بموالدهم بدعة، أصلاً الاحتفال بموالد الأنبياء، فكيف إذا كان بالأولياء على أن بعضهم يقول: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي، بعضهم يعتبر مقام الولاية أعلى من مام النبوة أصلاً.
فكل عبادة تستند إلى حديث مكذوب على رسول اللهﷺ فهي بدعة، لأن الأحاديث المكذوبة ليست من السنة، وهذا من أسباب البدع أنه وضعت أحاديث تشرع البدعة هذه، لماذا تنتشر البدع لأنه تأتيك رسالة واتس آب قال رسول الله ﷺ صلاة الرغائب، قال رسول الله ﷺ فضل قيام ليلة العيد، ليلة العيد مثل بقية الليالي إذا كنت تقوم بقية الليالي قم ليلة العيد، نفس الشيء، لماذا تخص ليلة العيد بقيام من بين الليالي؟ لماذا تخص ليلة خمسة عشر شعبان بقيام من بين الليالي؟
تخصيص العبادة بمكان أو زمان أو هيئة أو عدد
ومن الضوابط أن تخصيص العبادة بمكان أو زمان أو هيئة أو عدد بغير دليل بدعة.
قال أبو شامة المقدسي الشافعي -رحمه الله-: لا ينبغي تخصيص العبادات بأوقاتها لم يخصصها بها الشرع، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الزمان، ليس لبعضها على بعض فضل، إلا ما فضله الشرع، وخصه بنوعه من العبادة، فإن كانت تلك العبادة اختصت بتلك الفضيلة دون غيرها، يعني: إذا الشرع اختص كصوم يوم عرفة، وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل، والعمرة في رمضان، هذا مشروع، إذا الشرع اختص هذا، حق الله يشرع، يخصص، يحدد عددًا، يحدد هيئة، يحدد زمنًا، يحدد مكانًا، لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد[البخاري: 1189، ومسلم: 1397].
الأذكار بعد الصلاة ثلاثة وثلاثين مثلاً حددها هو سبحانه، حق التحديد لله، لأن التحديد تشريع.
ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلا فيه جميع أعمال البر، مثل عشر ذي الحجة، وليلة القدر، العمل فيها خير من العمل في ألف شهر.
فالحاصل أن التخصيص حق لله.
وقال شيخ الإسلام: فمن أحدث عملاً في يوم كإحداث صوم أول خميس من رجب، والصلاة في أول ليلة تلك الجمعة" -يعني: من رجب- فلا بدّ أن يتبع هذا العمل اعتقاد في القلب، يعني: أنك تعتقد أفضلية، وإلا لماذا خصيته؟
"وذلك لأنه لا بدّ أن يعتقد أن هذا اليوم أفضل من أمثاله، وأن الصوم فيه مستحب استحبابًا زائدًا عن الخميس الذي قبله، والذي بعده، إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في قلبه لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم والليلة، فإن الترجيح من غير مرجح ممتنع" اقتضاء الصراط المستقيم [1/283].
فإذًا قد تكون البدع أحيانًا إذا خصصنا شيئًا في زمن مثل قيام ليلة أول جمعة من رجب.
وقد بالمكان نصلي ركعتين عند غار حراء، أو غار ثور، هل يوجد دليل على استحباب صلاة ركعتين عند غراء حراء، أو ركعتين عند غار ثور، إذًا هذه بدعة في المكان، والصلاة عند قبور الأولياء.
وأحيانًا قد تكون بالعدد فاقرأ يس أربعين مرة لتفريج الكربة، كذا على روح الميت أربعين الأربعين، ما هو الدليل عليها؟ من الذي خصص يس بالقراءة على الأموات غير الاحتضار؟ الاحتضار ورد فيه دليل عن الصحابة، قراءة يس على المحتضر لكن بعد ما يموت أو بعد ثلاثة أيام من موت الميت، وبالأربعين وإذا دارت السنة، من الذي حدد ثلاثة أيام، وأربعين، وسنة؟ هذه بدعة.
أحيانًا قد تكون في الهيئة البدعة وضربنا أمثلة، ومنها قراءة القرآن على المقامات الموسيقية، يتعلمون مقامات الغناء التي هي أصلا ما لها دخل في الدين، أصلاً الغناء مذموم، يأتي هؤلاء يتعلمون ليقرؤون القرآن عليه، هذه بدعة في الهيئة.
بقيت بقية لعلنا -إن شاء الله- نأتي عليها في مقدمة الدرس القادم، ونسأل الله أن يرزقنا اتباع السنة، وأن يجنبنا البدع ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله على نبينا محمد.