الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
مقدمة عن أشراط الساعة الكبرى وعددها
فحديثنا في هذه الليلة في أشراط الساعة الكبرى بمشيئة الله في هذا الدرس.
والأشراط الكبرى هي الأمور العظام التي تظهر قرب قيام الساعة، وهي غير معتادة الوقوع؛ كظهور الدجال، ونزول عيسى ، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها.
وقد وردت الأشراط الكبرى العشرة مجموعة في حديث واحد، وهو ما رواه مسلم -رحمه الله- عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: "اطّلع النبي ﷺ علينا ونحن نتذاكر، فقال: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آياتفذكر: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم ﷺ، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوفٍ: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم[رواه مسلم: 2901].
وقد جاء في الأحاديث الصحيحة ما يفيد أن هذه الآيات إذا وقعت أي بدأت فإنها تتوالى، وذلك فيما رواه الطبراني في حديث الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: خروج الآيات بعضها على إثر بعض يتتابعن كما تتابع الخرز في النظام صححه الألباني [رواه الطبراني في الأوسط: 4271].
وروى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: الآيات خرزات منظومات في سلك فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضاًقال أحمد شاكر: "إسناده صحيح"، وصححه الألباني [رواه أحمد: 7040].
وخروج الآيات هي أشراط الساعة الكبرى.
وقوله: بعضها على إثر بعض يتتابعن كما تتابع الخرز في النظام يعني لا يفصل بينها فاصل طويل عرفاً.
وقال ابن حجر -رحمه الله-: "وقد ثبت أن الآيات العظام مثل السلك إذا انقطع تناثر الخرز بسرعة، وهو عند أحمد"[فتح الباري، لابن حجر: 13/ 77].
ويؤيد ذلك ما سبق من ترتيب الآيات الكبرى أن بعضها يظهر في زمن متقارب، فإن أول العلامات بعد المهدي: خروج الدجال، ثم ينزل عيسى بن مريم فيقتله، ثم يظهر يأجوج ومأجوج فيدعو عليهم عيسى فيهلكهم الله، ثم قال عيسى : "ففيما عهد إلي ربي أن ذلك إذا كان كذلك، فإن الساعة كالحامل المتم التي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادها ليلاً أو نهاراً"[رواه أحمد: 3556، وابن ماجه: ، وقال أحمد شاكر: "إسناده صحيح" وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال السندي في حاشية ابن ماجه: "وفي الزوائد: هذا إسناده صحيح ورجاله ثقات"، وذكره الألباني في سلسلته الضعيفة].
وهذا الحديث يدل على قرب الساعة قرباً شديداً، فإن بين موت عيسى وقيام الساعة بعض العلامات الكبرى؛ كطلوع الشمس من مغربها، وظهور الدابة، والدخان، والنار التي تحشر الناس، فهذه العلامات تقع في وقت قصير جداً قبل قيام الساعة.
إذن، عندنا عشر آيات، وهذه الآيات إذا وقع أولها تتابعت.
ولا يمنع أن تتخلل بعض أشراط الساعة الكبرى أشياء من الأشراط الصغرى -كما تقدم-.
فلا يلزم من حصول أول شرط من أشراط الساعة الكبرى أن تكون آخر أشراط الساعة الصغرى قد انتهت، بل يمكن أن تتخلل بعض أشراط الساعة الصغرى أشراطاً من الكبرى.
ترتيب أشراط الساعة حسب حدوثها
لكن السؤال الآن ما هو ترتيب الآيات الكبرى هذه؟ ما هو أول شرط من أشراط الساعة الكبرى سيقع؟
نحن الآن عرفنا أنها عشر، وأن النبي ﷺ ذكرها: الدخان، والدجال، والدابة، طلوع الشمس، نزول عيسى، ويأجوج ومأجوج، والخسوف الثلاثة، والنار التي ستحشر الناس إلى أرض الشام. فما هي ترتيب هذه الآيات؟ هل هناك أدلة تفيد بترتيب هذه الآيات في وقوعها؟
وروى مسلم -رحمه الله- عن أبي زرعة قال: "جلس إلى مروان بن الحكم بالمدينة ثلاثة نفرٍ من المسلمين" وكان مروان في وقت من الأوقات أميراً على المدينة قبل أن يكون خليفة، وكان يحضر مجالس العلم، ويسمع ويروي أحاديث "فسمعوه وهو يحدث عن الآيات أن أولها خروجاً الدجال" أولها خروجاً: الدجال، أول العشرة: الدجال "فقال عبد الله بن عمروٍ: لم يقل مروان شيئاً" يعني يعتبر ويعتد به "قد حفظت من رسول الله ﷺ حديثاً لم أنسه بعد، سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن أول الآيات خروجاً: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحىً، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً[رواه مسلم: 118].
هذا نص الحديث المرفوع، أن أول الآيات خروجاً: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحىً، وأن أيتهما حصلت أولاً فالأخرى ستقع بعدها مباشرة.
لكن هذا الحديث: أن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها هل هو آيات معينة من العشر؟ يعني هل يمكن تقسيم العشر إلى قسمين؟ قسم منها سيبدأ بطلوع الشمس وقسم قبل؟ أم أن طلوع الشمس هو أول الآيات؟
فعندنا الآن قولان:
القول الأول: قول مروان الذي حدث به أن الدجال أول.
وقول عبد الله بن عمرو أن طلوع الشمس وخروج الدابة أول.
ولا شك طبعاً أن عبد الله بن عمرو بن العاص أعلم وأفضل وأجلّ، ولكن لا يمنع أن يكون مروان قد تلقى معلومته التي ذكرها من مصدر معتمد.
فماذا قال العلماء؟
فالذين ظاهر الحديث، حديث عبد الله بن عمرو أن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها، لكن هناك أدلة أخرى تدل على أن الدجال ونزول عيسى سيكون قبل طلوع الشمس من مغربها. لماذا؟
لأن الكفار سيسلمون في زمن عيسى ، حتى تكون الدعوة واحدة، يعني كل الدين في الأرض واحد، يعني ما في ملة أخرى غير الإسلام والتوحيد، فلو كانت الشمس طلعت من مغربها قبل خروج الدجال، ونزل عيسى بعد طلوع الشمس، لم ينفع الكفار إيمانهم أيام عيسى.
مرة ثانية: لو أن الشمس طلعت من مغربها قبل عيسى، إذا طلعت الشمس من مغربها ما ينفع أحد إيمانه، انتهى، خلاص، الذي ما كان مؤمن من قبل ما عاد ينفعه إيمانه، فلو قلنا: الشمس تطلع قبل من مغربها قبل عيسى، معنى ذلك الذين سيؤمنون بعيسى لن ينفعهم إيمانهم، فلا بد من القول بأن ظهور عيسى قبل طلوع الشمس من مغربها، فيخرج عيسى ، ينزل، ويقتل الدجال، ويدعو الناس للإسلام، ولا يقبل غير الإسلام، وأي واحد لا يرضى بالإسلام يقتل، وتكون الدعوة في الأرض واحدة، والملة واحدة، ثم بعد موت عيسى يكون التغير، ويرجع ناس إلى الكفر، وتطلع الشمس من مغربها، والذين ما كانوا من المؤمنين لا ينفعهم إيمانهم، وتخرج الدابة تختم على الناس: مؤمن، كافر، تختم عليهم.
هذا هو الأوفق، وهذا هو الأكثر تماشياً مع مجموع النصوص.
ونقل الحليمي -رحمه الله- أن أول الآيات ظهور الدجال، ثم نزول عيسى ، ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها.
طيب، ماذا سنفعل بالحديث: أن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها؟
قالوا: سنحمل على محمل معين: أن هناك آيات معينة أولها طلوع الشمس.
قال ابن كثير: "أي أول الآيات التي ليست مألوفة"[البداية والنهاية: 19/254] يعني الآن خروج الدجال، ونزول عيسى، وخروج يأجوج ومأجوج، صحيح أنها أحداث عظام ضخمة جداً، لكن يبقى أن الدجال بشر، وعيسى بشر، ويأجوج ومأجوج من البشر، والصراع والجهاد الذي سيكون بين البشر. لكن طلوع الشمس من مغربها هذا يعني إيذان بتغير العالم العلوي، هذه أحداث يعني فوق... حدث "طلوع الشمس من مغربها"، بدل ما تخرج من المشرق تخرج من المغرب، هذا شيء يعني.. أكبر، من جهة نوع الحدث، وليس من جهة الفتنة، لأن الفتنة: الدجال، لكن من جهة نوعية الحدث، يعني لو قلت: أيهما غير مألوف أكثر: طلوع الشمس من مغربها أو الدجال؟ ليس في الفتنة والأثر وإنما في نوعية الحدث، أيهما من جهة يعني أنه غير مألوف، أيهما أغرب؟
فقالوا: إن طلوع الشمس من مغربها إيذان بتغير العالم العلوي.
الآن بعد ذلك سيحدث تغيرات ضخمة في الكون، في السماء، وفي الكواكب، في الشمس والقمر.
ولذلك حملوها محملا معينا، حملوا حديث: أن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها حملوها على شيء معين، قال ابن كثير: "أي أول الآيات التي ليست مألوفة وإن كان الدجال ونزول عيسى بن مريم قبل ذلك، وكذلك خروج مأجوج ومأجوج، كل ذلك أمور مألوفة؛ لأنهم بشر، مشاهدتهم وأمثالهم مألوفة، فإن خروج الدابة على شكل غريب غير مألوف، ومخاطبتها الناس ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر فأمر خارج عن مجاري العادة، وذلك أول الآيات الأرضية كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية".
قال الحافظ ابن حجر: "فالذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى ابن مريم، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب"[فتح الباري: 11/353].
فإذن، هذا هو في التوفيق بين الأدلة.
وأحسن ما يمكن أن يقال في مسألة الترتيب: إن خروج الدجال أول تغير العالم السفلي، في الأرض، وطلوع الشمس أول مراحل تغير العالم العلوي.
طبعاً خروج الدجال سيعقبه نزول عيسى، سيعقبه خروج يأجوج ومأجوج، وهذه لا شك آيات عظام، آيات عظام ضخمة، لكن هذه أرضية.
طلوع الشمس من مغربها هذا إيذان بتغير العالم العلوي، وحيث أنها إذا خرجت لن ينفع نفساً إيمانها ستخرج الدابة بعدها مباشرة، ابن حجر يقول: في نفس اليوم، لتختم على الناس: مؤمن، كافر، مؤمن. وانتهى الوضع على هذا، من جهة إيمان الناس وكفر الناس.
قال الحاكم أبو عبد الله: "الذي يظهر أن طلوع الشمس يسبق خروج الدابة، ثم تخرج الدابة في ذلك اليوم، أو الذي يقرب منه".
قال ابن حجر: "والحكمة في ذلك أنه عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة، فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر، تكميلاً للمقصود من إغلاق باب التوبة، وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة: النار التي تحشر الناس، كما في حديث أنس في البخاري، قال: "وأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب"[فتح الباري: 11/353].
إذن، هذه "النار" أول الآيات المؤذنة بقيامها.
إذن الآن سينفخ في الصور.
وعلى هذا يكون ترتيب الآيات، هذه الخلاصة: خروج المسيح الدجال بعد الملحمة، الملحمة التي بيننا وبين النصارى، كما سبق فيما مضى، وشرحنا موضوع الملحمة الضخمة بيننا وبين النصارى، وستكون الغلبة للمسلمين، وسيقتل لهؤلاء مقتلة عظيمة جداً في النصارى، بعدها تفتح القسطنطينية، بعدها سيخرج الدجال، ثم ينزل المسيح ابن مريم، ويقتل الدجال، ثم يخرج يأجوج ومأجوج فيهلكهم الله في زمن المسيح ابن مريم.
فالترتيب إلى هنا واضح وظاهر.
ثم عندنا طلوع الشمس من مغربها والدابة.
آخر شيء قبل قيام الساعة النار التي تحشر الناس.
بقي عندنا قضية الخسوف، قضية الدخان، في بعض الأشياء في الترتيب، بعض العلماء قال هذه غير واضحة الترتيب، يعني ما نستطيع نتكلم في ترتيبها؛ لأنه لم يرد فيها أشياء قاطعة.
وحتى هذه التي تقدمت باجتهاد في الجمع بين النصوص، ومحاولة للخروج بترتيب على قدر المستطاع، وإلا هناك أشياء لا تزال غامضة في قضية الترتيب، فنحن الآن ما انتهينا من ترتيب العشر كلها، لكن هذا الذي أمكن من الترتيب عند بعض العلماء، والله يؤتي الفهم والعلم من يشاء.
إنكار بعض الناس للدجال
فإذن، نأتي الآن إلى أول الآيات وهي: الدجال.
وقبل أن نتكلم في الدجال، فالكلام في الدجال قد يجعل بعض الناس يعيش في جو من الغرابة الشديدة، مما يجعله يستنكر الموضوع ويستغربه، وقد يؤدي إلى أن يقول: يعني معقول كل هذا يحدث؟ أو هذا معقول؟
ولكن نحن ذكرنا في الضوابط السابقة أن الإيمان بالغيب أول صفات المؤمنين: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3].
وما دامت الأحاديث ثبتت، والنصوص ثبتت، فلا بد من الإيمان، ما في مناص.
ومهما كان الخبر غير مألوف وغير عادي، والأشياء والتفاصيل الموجودة لا يوجد لها مثيل ونظير، وما مرّ على الناس من قبل مثلها، لكن شيءٌ سيقع، وليس هذا أول شيء غريب وقع، وقعت عدة أشياء مستغربة، يعني النار التي خرجت في الحجاز وأضاءت أعناق الإبل ببصرى، هو شيء حدث، وفي القرن السابع الهجري، طيب، يعني ما كان شيئاً غريباً؟
ولكن وقعت عدد من أشراط الساعة الصغرى وفيها غرابة، وقعت، لكن هذه أحداث أضخم، أحداث أضخم وأكبر من أشراط الساعة الصغرى.
فالشاهد: أننا سنمر بأشياء في أخبار المسيح الدجال غريبة جداً، ومهما تخيل الإنسان ربما لا يستطيع أن يعتاد على هذا الخبر، ولكن لا بد من الإيمان به، ليس لنا مناص.
وفي في العالم الآخر وفي اليوم الآخر أشياء أغرب وأغرب، وبما أن الله على كل شيء قدير، فالله قادر أن يخرج الدجالـ، وغير الدجال، وأكبر من الدجال، لو أراد .
عظم فتنة المسيح الدجال
فتنة المسيح الدجال، النبي ﷺ قال فيها: ما بين خلق آدم"ما" نافية ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال[رواه مسلم: 2946].
أكبر من جهة الفتنة، لا يوجد فتنة منذ أن خلق الله الناس، منذ أن خلق الله آدم إلى قيام الساعة، ما في فتنة أكبر من فتنة الدجال، إطلاقاً، لم يمر على البشرية، أبداً، إطلاقاً، فتنة أكبر من فتنة الدجال.
ولذلك كل نبي حذر أمته الدجال، من عظيم خطره وشدة فتنته، فروى ابن ماجه عن أبي أمامة الداري عن النبي ﷺ أنه قال: إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال، وإن الله لم يبعث نبياً إلا حذر أمته الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وبما أنه لم يخرج من قبل قطعاً، قال: وهو خارج فيكم لا محالة[رواه ابن ماجه: 4077، وهو في صحيح الجامع].
ما دام أننا نحن آخر أمة، نبينا آخر الأنبياء، وبما أنه ما حصل قبل ذلك، فلا بد أنه حاصلٌ في عهد هذه الأمة.
وعن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: ما بعث الله من نبيٍ إلا أنذر قومه الأعور الكذاب، إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، مكتوبٌ بين عينيه كافر" متفقٌ عليه [رواه البخاري: 7408، ومسلم: 169].
قال الصحابي: "قال لنا فيه النبي ﷺ قولاً لم يقله أحد قبله" يعني حتى الصفات التي وردت عن النبي ﷺ لم ترد عن الأنبياء من قبل، في مزيد من التفاصيل عن الدجال، في كلام النبي ﷺ لأمته، ما قالها الأنبياء من قبل لأممهم، جاء هذا عن عبد الله بن المغفل قال الهيثمي: "رجاله ثقات، وفي بعض اختلاف لا يضر".
تعريف المسيح الدجال وسبب تسميته بذلك:
فنبدأ بالتعريف في هذا المخلوق الغريب والعجيب.
ما معنى المسيح؟ وما معنى الدجال؟
المسيح: رجلٌ ممسوح الوجه.
ومسيح: ليس على أحد شقي وجهه عينٌ ولا حاجب.
والمسيح: يطلق على الدجال وعلى عيسى بن مريم ، لكن إذا أريد الدجال قيد به، فيقال: المسيح الدجال، وإذا قلته عن عيسى فلا يحتاج أن تقيده، فتقول: المسيح ، لكن إذا أطلقت "المسيح" على الدجال لا بد أن تقيد، تقول: المسيح الدجال.
وقال بعضهم عن الدجال: المسَيح، وليس المسيح.
وقال بعضهم: المسيح كلاهما صحيح.
وقال بعضهم: المسيخ؛ لأنه ممسوخ.
وقال بعضهم: إن هذا تصحيف، وإنما هو المسيح.
لماذا سمي المسيح الدجال بالمسيح؟
إذا كان المسيح ابن مريم سمي بالمسيح؛ لأنه كان إذا مسح على صاحب عاهة برأ بإذن الله، فما هو سبب تسمية الدجال بالمسيح؟
قال ﷺ: الدجال ممسوح العين، مكتوب بين عينيه: كافر[رواه مسلم: 2933].
إذن سبب: لأنه ممسوح العين.
وقيل: لأن أحد شقي وجهه خلق ممسوحاً لا عين فيه ولا حاجب.
وهذا هو المعنى اللغوي في كلمة المسيح كما جاء في "لسان العرب".
وقيل: لأنه يمسح الأرض، أي يقطعها ويأتي أطرافها وجهاتها كلها، ويسير فيها سيراً شديداً.
وهذه المعاني صحيحة كلها في المسيح الدجال، فإنه ممسوح العين، وإنه سيمسح الأرض، ويأتي عليها، ويتجول فيها.
والدجال مأخوذ من قولهم: دَجَلَ البعير، إذا طُلي بالقطران، وغُطي بالقطران.
وأصل الدجل: الخلط، ويقال: دَجَلَ إذا لبّسَ ومَوّهَ، فسمي المسيح الدجال بالدجال؛ لأنه كذاب يغطي الحق بباطله، أو أنه يموه على الناس ويلبس عليهم، ويغطي الأمر بكثرة جموعه.
والدّجّال صيغة مبالغة: دَجَلَ، دجَال، فعَال؛ لأنه يكثر منه الكذب والتدليس.
والجمع دجّالون؛ كما جاء في الحديث: لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون، قريبا من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وقد مرَ معنا الحديث[رواه البخاري: 3609].
ويجمع دجال على وزن دجاجلة أيضاً كما قال بعضهم.
وتتابع العلماء على استعمال كلمة: المسيح الدجال في حق هذا، وأصبح علماً على المسيح الأعور الكذاب، فإذا قيل: "الدجال" فلا يتبادر إلى الذهن غيره، يعني في دجاجلة كثيرون، وفي ناس كذبوا، وموهوا ولبسوا، وابن صياد من الدجاجلة -كما سيأتي معنا-، لكن إذا قيل: "الدجال" لا ينطلق الذهن إلا للدجال الأكبر، المسيح الدجال، الأعور الكذاب.
صفات المسيح الدجال الخلقية
فما هي صفاته الخِلْقيّة؟
الدجال: رجلٌ من بني آدم، جاءت له صفات كثيرة في الأحاديث، مفصلة تفصيلاً شديداً، للتحذير منه وحتى لا يخفى على المؤمنين وليتميز، وألا يغتر به الجاهل، ولتقام الحجة على الناس "أنه وصف لكم وصفاً دقيقاً" فلا عذر لأحد بعد ذلك بأن يقول: ما كنت أدري أن هذا الدجال.
ولذلك جاءت الأوصاف الدقيقة، ولذلك ينبغي علينا أن نعرف صفات الدجال، يعني الآن معرفتنا بصفات الدجال عبادة، نتقرب بها إلى الله، وعلم مطلوبٌ منا أن نتعلمه؛ لأنه لو خرج لازم كل واحد يكون عنده علم تفصيلي بالدجال حتى لا يخفى عليه.
وهذا مما أقيمت به الحجة علينا: أنه ذكر لنا في الأحاديث "تفصيل الدجال".
وكل صلاة نصليها نستعيذ من فتنة الدجال، فالدجال قضية كبيرة ليست هينة، وقضية شرعية، والإيمان بها شيء شرعي، وليس يعني من نافلة الكلام أو شيء يعني من الأطراف، من أطراف العلم التي لو إن الإنسان ما علم لا تضره.
الدجال قضية العلم بها قضية مهمة، والإلمام بصفاته مهم، وحتى تقام الحجة أننا لا أحد يخفى عليه، لا بد نصل إلى هذه المرحلة: أننا نعرفه بصفاته الدقيقة جداً لدرجة كأننا نراه، ولا يخفى علينا.
إنه رجلٌ وليس بامرأة، شابٌ وليس طفلاً ولا شيخاً، أحمر في اللون، يميل للاحمرار، قصير وليس بالطويل.
أفحج: المباعدة ما بين الرجلين عند المشي عيب.
أجلى الجبهة، أفحج الرأس، أجلى الجبهة، منحسر شعره عن مقدم رأسه، عريض النحر، ممسوح العين اليمنى، وهذه العين ليست بارزة ولا جحراء، ليست بظاهرة، كأنها عنبة طافية، وعينه اليسرى عليها ظُفرةٌ غليظة، وهي اللحمة التي تنبت عند المآقي، وقد تمتد إلى السواد فتغشاه، ومكتوبٌ بين عينيه "كافر" يقرأها كل مؤمن أميّ أو كاتب.
وهو عقيم لا يولد له.
هذا في الجملة.
وله صفات في شعره، أنه كشعر الزنجي، وكأغصان الشجرة.
وسنأتي إلى هذا في الأحاديث والأدلة على هذه الصفات:
أولا: البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال: بينا أنا نائم أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه ماءً، قلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم، ثم ذهبتُ ألتفتُ فإذا رجلٌ جسيمٌ أحمرٌ، جعدُ الرأسِ، أعورُ العينِ، كأن عينه عنبةٌ طافية، قالوا: هذا الدجال، أقربُ الناس به شبهاً ابن قَطَن، رجل من خزاعة[رواه البخاري: 7128].
كان هذا الرجل حياً مولوداً في زمن النبي ﷺ، لكن التشبيه لا يستلزم أن المشبه به كافر، قد يكون شبهه برجل مسلمٍ؛ لأنه يقصد بالشكل.
فقوله: آدم، عن عيسى بن مريم، أسمر، سبط الشعر مسترسل، عيسى ، لكن الدجال قال عنه: رجل جسيم أحمر جعد الرأس، شديد خشونة الشعر.
وجاء في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال عنه: جفال الشعر[رواه مسلم: 2934].
إذن، شعره كثيف، شعره كثير، ولكن هذا الشعر الكثيف الكثير مجعد.
وثبت عند أحمد أن الرسول ﷺ وصف الدجال، فقال: كأن شعر رأسه أغصان شجرة[رواه أحمد: 3546] أقرب الناس به شبهاً ابن قطن رجل من خزاعة.
وابن قطن عبد العزى بن قطن بن عمرو الخزاعي ليس له صحبة فقد هلك في الجاهلية.
وأما رواية أنه قال للنبيﷺ: "هل يضرني شبهه؟ قال: لا، أنت مسلم وهو كافرفهذه زيادة ضعيفة جاءت في حديث اختلط فيه على الراوي "المسعودي" قد اختلط في سنده، فنتجاوز هذا؛ لأنه ورد في حديث أنه شبهه برجلٍ، رجلاً قال: يا رسول الله أيضرني أنك شبهت الدجال بي؟ قال: لا، أنت مسلم وهو كافر، لكن هذا حديث ضعيف وعبد العزى بن قطن رجل ليس له صحبة، هلك في الجاهلية، وقال أحمد شاكر: "دل كلام الحافظ على أنه لا يوجد صحابي بهذا الاسم".
وعن عبد الله بن عمر قال: "ذكر النبي ﷺ يوماً بين ظهراني الناس المسيح الدجال، فقال: إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، وأراني الليلة عند الكعبة في المنام، فإذا رجل آدم كأحسن ما يرى من آدم الرجال، تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماء، واضعاً يديه على منكبي رجلين يطوف بالبيت، فقلت: منْ هذا؟ فقالوا: المسيح بن مريم، ثم رأيتُ رجلاً وراءه، جعداً، قططاً، أعور العين اليمنى، كأشبه من رأيت بابن قطن، واضعاً يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت، فقلتُ: منْ هذا؟ قالوا: المسيح الدجال[رواه البخاري: 3439، 3440، ومسلم: 169].
طبعاً رؤيا النبي ﷺ حق.
ما معنى الجعد القطط؟
شديد جعودة الشعر، كشعر الزنجي، كذا في "لسان العرب".
إذن، عرفنا الآن صفة شعره: كثيف، شديد الجعودة، كأغصان الشجرة.
وأما عيسى فإن شعره مسترسل، رجل الشعر، قد سرحه ودهنه، له لمة قد رجلها تقطر ماء.
واللمة: الشعر إذا جاوز شحمة الأذنين، وألمً بالمنكب فيسمى: لمة.
وفي سند أبي داود عن عبادة بن الصامت أنه حدثهم أن رسول الله ﷺ قال: إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا[رواه أبو داود: 4320].
إذن، الذي يحدث عن الدجال يهيئ عقول الناس، لا تقولوا: أن هذا شيء لا يعقل، وبالتالي يستنكر ويرمى.
إنه وإن كان الكلام فيه كلاماً ضخماً، وكبيراً على العقول، لكن ليس أكبر من إيمان المؤمن بالغيب، إيمان المؤمن بالغيب أكبر!
إن مسيح الدجال رجل قصير، أفحج، جعد، أعور، مطموس العين ليست بناتئة ولا جحراء، فإن ألبس عليكم فأعلموا أن ربكم ليس بأعور[رواه أبو داود: 4320، وهو حديث صحيح].
إذا خرج الدجال وأراكم من الخوارق حتى قلتم: ما هذا؟ يحي ويميت، هذا رب العالمين، فاعلموا أن ربكم ليس بأعور، مهما أتاكم من الخوارق، وقتل، أمات وأحيا، وأخرج نبات الأرض، وأمطرت السماء بأمره، عندك علامة فارقة ما يمكن أن تضيع عنك: إن الله ليس بأعوروهذا أعور، واضح إنه أعور، عوره بين جدا.
ما معنى: أفحج؟
يعني إذا مشى باعد بين رجليه كالمختتن.
كيف يمشي المختتن من جرح الختن؟
هكذا يمشي هذا..
من جملة عيوبه: أنه أفحج.
مطموس العين ممسوحها بالنظر إلى الأخرى.
الطمس في استئصال أثر الشيء، وسمي المسيح بهذا الدجال؛ لأن عينه الواحدة ممسوحة.
ويقال: رجل ممسوح الوجه ومسيح، لا يبقى على أحد شقي وجهه عين ولا حاجب إلا استوى، ممسوحة، مستوى واحد، ليست ناتئة ولا داخلة، مستوى واحد، مع صفحة الوجه مستوى واحد.
قوله في الحديث: ليست بناتئة ليست مرتفعة من النتوء، ولا جحراء، يعني ليست بظاهرة.
وهذا يؤكد أنها ممسوحة.
وهذه الرواية لا تنافي الرواية الأخرى أن العين الأخرى ناتئة بارزة كنتوء حبة العنب، كأنها عنبة طافية، ناتئة.
توضيح بعض الإشكالات المتعلقة بعين الدجال:
وفي بعض الإشكالات في عين الدجال، في عدة إشكالات.
في رواية: طافية.
وفي رواية: طافئة.
وطافية يعني بارزة مثل حبة العنب إذا طفت على سطح الماء.
لكن طافئة يعني ذهب نورها.
فطافية غير طافئة.
ففي واحدة من الكلمتين تنصرف إلى عين، والكلمة الثانية إلى العين الأخرى.
وفي مسند أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: وأما مسيح الضلالة فإنه أعور العين، أجلى الجبهة[رواه أحمد: 7905].
إذن، هذه صفة أخرى.
عريض النحر، فيه دفأ[رواه أحمد: 7892] خذ هذه صفة أخرى، كم صفة الآن؟
كثير!
ما معنى فيه دفأ؟
الدفأ: هو الإنحناء، فيه انحناء.. فيه دفأ، وهذا الحديث حسنه ابن كثير، وصححه أحمد شاكر "رواية أن فيه دفأ.
وفي صحيح مسلم عن حذيفة قال: قال رسول الله ﷺ: الدجال أعور العين اليسرى، جفال الشعر[رواه مسلم: 2934].
جفال الشعر يعني كثير كثيف.
فالآن نلاحظ يعني العلامات عموماً واضحة.
تأتي "قضية العين اليمنى، والعين اليسرى" هي التي فيها إشكالات.
صفة الشعر واضح، الإنحناء واضح، أجلى الجبهة واضح، عريض النحر واضح، الدفأ..
طيب.. الإنحناء، الأحمر، قصير.
طبعاً كونه ضخماً لا ينافي كونه قصيراً؛ لأن الرجل قد يكون قصيراً ضخماً.
في مسألة العين اليمنى واليسرى فيه إشكالات؛ لأن هناك روايات صحيحة، وقد يتوهم منها التعارض، ولذلك ذهب العلماء فيه مذاهب، في قضية العين، عيني الدجال.
القول الأول: مال إليه الحافظ، وذكر أن ابن عبد البر أشار إليه.
الإشكال فيما هو؟ لماذا صارت في المسألة أقوال؟
لأنه ورد أن العين اليسرى عوراء، والعين اليمنى عوراء، فأيتهما التي هي عوراء؟
وكلا الروايتين صحيحة.
ذهب الحافظ -رحمه الله- إلى الترجيح، المسألة وصلت إلى الترجيح، قال: "إن وصف اليسرى بالعور رواه مسلم، ووصف اليمنى بالعور رواه البخاري، قال ابن حجر: فيكون الأرجح".
إذن، أيتهما العوراء؟
اليمنى.
وأشار ابن عبد البر إلى ذلك، فقال: حديث مالك أصح من جهة الإسناد؛ لأنه اتفق البخاري ومسلم على إخراجه، بينما انفرد مسلم في إخراج الثاني عن حذيفة.
فإذن، هذا المسلك الأول: أن العور في اليمنى.
المسلك الثاني: الجمع بين النصوص، فذهب القاضي عياض: إلى تصحيح الروايتين بأن تكون المطموسة والممسوحة هي العوراء الطافئة -بالهمز- التي ذهب ضوؤها، أي العينين منهما؟ المطموسة، الممسوحة، العوراء، الطافئة، التي ذهب ضؤوها"؟ أي عين؟ اليمنى على حديث ابن عمر، وتكون الجاحظة التي كأنها كوكب دري، لأنه في صفاته أن عينه كأنها كوكب دري، يعني في اللمعان والبريق، وأن الجاحظة التي كأنها كوكب دري، والطافية، بالياء الآن البارزة الطافية، وكأنها نخاعة في حائط، أنها أي عين؟ اليسرى.
وعلى هذا فكلتا عينيه معيبة.
لكن واحدة معيبة بالعور وواحدة معيبة بشيء آخر، فكلا عيني الدجال معيبة فإحداهما معيبة بذهاب ضوءها وأنها ممسوحة، ما يرى بها، أعور، معطل اليمين، وأن اليسرى هي الناتئة الجاحظة اللامعة، الطافية، بالياء، كأنها نخاعة في حائط.
فهذان المسلكان في موضوع العينين، وبالتالي نعرف الذين سلكوا مسلك التوفيق بين النصوص، وقالوا ما دام ثبتت الروايتان، نحاول الجمع بينهما على هذا.
طيب، الآن المطموسة التي ليست ناتئة ولا جحراء، ممسوحة مع مستوى الوجه فقدت الإدراك، أيتهما التي عليها جلدة غليظة؟
لأنه قد ورد في النصوص أن إحدى عينيه عليها ظفرة غليظة.
قال القرطبي: "المطموسة التي ليست ناتئة ولا جحراء هي التي فقدت الإدراك، والأخرى وصفت بأن عليها ظفرة غليظة وهي جلدة تغشى العين، وإذا لم تقطع عميت العين، وعلى هذا فالعور فيهما بأن الظفرة مع غلظها تمنع الإدراك أيضاً، فيكون الدجال أعمى أو قريباً منه. إلا أنه جاء ذكر: الظفرة في العين اليمنى في حديث سفينة، وجاء في العين الشمال في حديث سمرة"[فتح الباري لابن حجر: 13/98]
وهذا إشكال آخر.
وقال في "التذكرة" القرطبي: يحتمل أن تكون كل واحدة منهما عليها ظفرة، فإن في حديث حذيفة أنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة، قال: وإذا كانت الممسوحة عليها ظفرة فالتي ليست كذلك أولى، وقد فسرت الظفرة بأنها لحمة كالعلقة [فتح الباري لابن حجر: 13/98],
وقد وقع في حديث أبي سعيد عند أحمد: وعينه اليمنى عوراء جاحظة، لا تخفى، كأنها نخاعة في حائط مجصص، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري.
وعند أبي يعلى: أعور ذو حدقة جاحظة لا تخفى كأنها كوكب دري.
وعند أحمد والطبراني: إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء، وهذا يوافق رواية الكوكب الدري.
فالذي يتحصل من مجموع الأخبار أن الصواب في طافية أو طافئة أنها بغير همز، وأن الممسوحة العوراء: اليمنى، وإن كانت اليسرى فيها تشويه، وفيها عيب، وأنها كالكوكب الدري، كالزجاجة الخضراء، وأنها ناتئة، وأنها طافية، وأنها كالنخاعة في الحائط.
ويحتمل أن تكون الجلدة أيضاً، بالإضافة إلى ذلك، عليها جلدة.
وقيل: الجلدة أن تخرج في العين من الجانب الذي يلي الأنف، لأن العين لها طرفان، فالجلدة من أي جهة؟
قالوا: من الجهة التي فيها الأنف.
ولا يمنع أن تكون في العين السالمة بحيث لا تواري الحدقة بأكملها.
إذن، هذه الجلدة قالوا ممكن تكون في العين السليمة التي ليست بعوراء، لكنها لا تواري الحدقة بأكملها، بل تكون على طرف العين.
فإذن، هذا بعض ما ورد في صفة عيني الدجال، وكلتاهما معيبة، وكلتاهما غريبة، وأن العور، الراجح أنه في اليمنى، وأنها معطلة وأنه لا يرى بها.
الكتابة بين عينيه حقيقية
ومما ورد في صفة الدجال أيضاً: الكتابة بين عينيه، ففي البخاري ومسلم عن أنس قال: قال النبي ﷺ: ما بعث نبيٌ إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، وأن بين عينيه مكتوب كافر[رواه البخاري: 7131، ومسلم: 2933].، وفي رواية: ثم تهجاها: ك ف ر، يقرؤه كل مسلم[رواه مسلم: 2933]، وفي رواية عن حذيفة: يقرؤه كل مؤمن كاتبٍ وغير كاتب[رواه مسلم: 2934].
وهذه الكتابة حقيقية، لكن الآن في شيء عجيب في الموضوع وهو: أن الكافر لا يقرأ كلمة "كافر"، والمؤمن يقرأ كلمة "كافر".
بإذن، الدجال مكتوبٌ بين عينيه كافر، لكن من الذي يقرؤها؟ المؤمنون، حتى لو كانوا أميين لا يعرفون القراءة والكتابة، حتى لو كان فلاحاَ، بعيداً عن التعليم سيقرؤه، من الأعاجيب.
وأما الكفار فلو كانوا دكاترة جامعات لن يقرؤه، فالذي سيستطيع قراءة كلمة: كافر بين عيني الدجال هو "المؤمن" دون الكافر.
وهذا الإدراك سيرزقه الله -تعالى- للمؤمنين فيقرؤونه جميعاً.
وليس بغريب أن يخرق الله العادة فيستطيع الأمي القراءة، لأن ذلك الزمان أصلاً زمان خرق عادات، يعني إذن ما وقفت على هذه.
الخوارق الآن في الدجال وغير الدجال كثيرة في آخر الزمان، ستكون شيئا مذهلا، لكن الأمي المسلم سيقرؤها، قال النووي -رحمه الله-: "الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقية، جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله، ويظهرها الله -تعالى- لكل مسلم كاتبٍ وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته، ولا امتناع في ذلك"[شرح النووي على مسلم: 18/60].
ضخامة خلقة الدجال وبعض صفاته
ومن صفات الدجال: أنه عظيم الخلق جداً، وسنعرف دليل هذا في القصة العجيبة التي جاء بها تميم الداري -رحمه الله-.
طبعاً: حديث تميم الداري ملخصه: أن تميماً الداري خرج من اليمن، قاصداً المجيء للنبي ﷺ فضاعوا في البحر فذهبوا إلى جزيرة فرأوا الدجال موثقاً مقيداً.
قبل طبعاً الخروج، فهذا الكلام في عهد النبي ﷺ، ثم جاؤوا إلى النبي ﷺ فأخبروه بصفة الشخص الذي رأوه في الجزيرة، فقالوا في صفته إنه: فإذا به أعظم إنسان رأيناه قط.
فالآن، ورد عن النبي ﷺ أنه "قصير"، وورد في حديث تميم الداري الذي رأى الدجال أنه "أعظم إنسان خلقاً"، فقال بعضهم: إنه لا يمنع أن يكون قصيراً عظيم الخلقة.
وقال البعض: أن الله يغيره عند الخروج، إذا خرج في الأرض، هذا قول آخر.
وجاء في صفاته أيضاً: أن النبي ﷺ سئل عن الدجال، فقال: رأيته فيْلمَانياً، أقمرَ، هِجاناً، إحدى عينيه قائمةٌ كأنها كوكب دري، كأن شعر رأسه أغصان شجرة[رواه أحمد: 3546].
فالفيلم: هو العظيم الضخم الجثة من الرجال، وإليه النسبة فيلمان، فيلماني.
والأقمر الهجان: شديد البياض.
ويمكن أن يُجمع بين الأحمر والأبيض كما أن النبي ﷺ ورد في صفته أنه أبيض، ولكن ضارب إلى الحمرة.
إذن، الأبيض الأحمر يمكن الجمع بينهما.
الدجال موجود في جزيرة من الجزر
نأتي إلى القضية التي وردت في حديث تميم الداري، وهي: هل كان المسيح الدجال موجوداً في عهد النبي ﷺ؟ المسيح الدجال هل هو الآن موجود أو هو سيخلق فيما بعد؟
حديث تميم الداري يدل على أن المسيح الدجال موجود من زمان، وأنه في وقت النبي ﷺ كان موجوداً، موثقاً، مربوطاً في جزيرة من جزائر البحر، ينتظر متى يؤمر بالخروج، ويأذن الله بالخروج فيخرج.
وبناءً عليه فإنه الآن موجود، المسيح الدجال الآن موجود في مكان ما، في جزيرة من الجزر، في بحر ما من البحار، وأنه في جهة المشرق كما سنعرف من حديث تميم الداري، وهو أيضاً حديث من العجائب.
روى حديث تميم الإمام مسلم -رحمه الله- من طريق الشعبي أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس وكانت من المهاجرات الأول، فقال: حدثيني حديثاً سمعتيه من رسول الله ﷺ لا تسنديه إلى أحد غيره، فقالت: لئن شئت لأفعلن، فقال لها: أجل حدثيني؟ فقالت: سمعت نداء المنادي -ينادي رسول الله ﷺ ينادي-: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله ﷺ، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، يعني الرجال، فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء وبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام [رواه مسلم: 2942].
إذن، خرجوا من اليمن عن طريق البحر يريدون الحجاز لكي يأتوا للنبي ﷺ، فلعب بهم الموج شهراً في البحرالموج غير الاتجاه، ولعب بهم شهراً كاملاً في البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر، حتى مغرب الشمس فجلسوا في أقْرُب السفينة، هذا قارب في السفينة الكبيرة، قارب صغير في السفينة الكبيرة، يجعلونه أحياناً لأغراض خاصة، فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب، كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة؛ لأنها تتجسس للدجال فسميت جساسة؛ لأنها تتجسس الأخبار للدجال، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمّت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير، في الجزيرة، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً، وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، كله مسلسل مقيد يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، فقلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم، يعني هاج، فلعب بنا الموج شهراً ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان الرجل الموثق يسأل: أخبروني عن نخل بيسان اسم موضع، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر، قال: أخبروني عن بحيرة طبرية؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ وهي بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام، يسأل عن عين زغر، قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على منْ يليه من العرب وأطاعوه، قال: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة يمسح العالم في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة فهما محرمتان عليّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً مسلولاً يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكةً يحرسونها.
هنا في هذا الموضع النبي ﷺ غير في الحديث، قالت: قال رسول الله ﷺ، وطعن بمخصرته في المنبر: هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة يعني المدينة مفتخراً بها، ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ يعني أن الدجال لا يدخل المدينة، قبل خبر تميم هذا، وقبل أن يأتي تميم، ألم أكن حدثتكم أن الدجال لا يدخل المدينة؟ فقال الناس: نعم. قال: فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة.
ثم قالﷺ: ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق [رواه مسلم: 2942].
فإذن، أورد احتمالات، ثم عين جهة المشرق، الدجال يعني فيها، وأكد ذلك ثلاث مرات أن مكان الدجال في جهة المشرق، قالت الصحابية: "فحفظت هذا من رسول الله ﷺ" الحديث رواه مسلم -رحمه الله- في صحيحه[رواه مسلم: 2942].
وفيه عجائب، أشياء عجيبة في ذلك الحديث في هذه الدابة الأهلب كثيرة الشعر، غليظة الشعر، وأنها قادتهم إلى لقاء مع الدجال الموثق المربوط في جزيرة من جزائر البحر، وأنه سيكسر قيوده إذا أذِن الله ويخرج.
لم تنفرد برواية هذا الحديث فاطمة بنت قيس، بل له شاهد من حديث أبي هريرة وجابر عند أحمد من طريق عامر الشعبي عن فاطمة بنت قيس بنحو سياق مسلم، قال عامر الشعبي: فلقيت المحرز ابن أبي هريرة فحدثته حديث فاطمة بنت قيس قال: أشهد على أبي أنه حدثني كما حدثتك فاطمة غير أنه قال: قال رسول الله ﷺ: أنه نحو المشرق، ثم لقيت قاسم بن محمد فذكرت له حديث فاطمة، فقال: أشهد على عائشة أنها حدثتني كما حدثتك فاطمة غير أنها قالت: الحرمان عليه حرام: مكة والمدينة" [رواه أحمد: 27101]
وهذا الحديث قد رواه أبو يعلى أيضاً من وجه آخر عن أبي هريرة قال: "استوى النبي ﷺ على المنبر قال: "حدثني تميم فرأى تميماً في ناحية المسجد، فقال: يا تميم حدث الناس بما حدثتني" فذكر الحديث وفيه، يعني إضافة في رواية أبي يعلى: فإذا أحد منخريه ممدود، وإحدى عينيه مطموسة.
إذن، أحد منخريه، حتى الأنف فيه تشويه، أحد المنخرين ممدود.
وفيه أيضاً: لأطأن الأرض بقدمي هاتين إلا مكة وطابا يقصد طيبة وهي المدينة.
قال ابن حجر: وأما حديث جابر فأخرجه أبو داود بسند حسن قال: قال رسول الله ﷺ ذات يوم على المنبر: أنه بينما أناس يسيرون في البحر فنفد طعامهم فرفعت لهم جزيرة فخرجوا يريدون الخبر فلقيتهم الجساسة.. فذكر الحديث وفيه سؤالهم عن نخل بِيْسان أو بَيْسان [فتح الباري لابن حجر: 13/329]
فإذن، هذا حديث الجساسة، وفيه المزيد من وصف الدجال، وإنه موجود على عهد النبي ﷺ، وأن هذا معناه أنه حي الآن، وأنه سيؤذن له بالخروج، ولا غرابة في أن يعيش هذه المدة، فقد عاش نوح كثيراً ودعا قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، والله على كل شيء قدير، وهو قادر على إبقاءه حياً هذا الدجال حتى يأذن له بالخروج.
شدة فتنة الدجال
والفتنة في الدجال كبيرة جداً، والنبي ﷺ قد أخبر عن عظمها وشدتها، وشبهها بالقبر، فقال ﷺ: ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريباً من فتنة الدجاليعني من شدة فتنة الدجال شبهها شبه فتنة القبر بفتنة الدجال، قال: ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريباً من فتنة الدجال [رواه البخاري: 1053].
ومن أسباب عظم فتنة الدجال وشدتها ما أخبر به ﷺ قال: معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار [رواه مسلم: 2934].
وفي رواية حديث في صحيح مسلم- في رواية أخرى قال رسول الله ﷺ: لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركنّ أحد لو أحد منكم يا أيها الأمة أدرك الدجال فليأت النهر الذي يراه ناراً، وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد[رواه مسلم: 2934].
إذن، هذه الفتنة العظيمة، يعني يتصور كل واحد منا أن الدجال خرج، وأن معه جنة أو نهر ماء أبيض، ونار نهر يتأجج ناراً، فالنبي ﷺ يأمر بشيء، والصعوبة الآن البالغة أين؟ في أشياء كثيرة ستكون في الدجال، لكن خذ هذا الأمر منْ الذي سيطيقه ويقدر عليه؟ قال: فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً هذا الآن مطلوب منا نحن أن نعتقد، الآن مطلوب منا أن نعتقد، وأن ننفذ الذي حصل، ننفذ إذا حصل، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً وليغمض ثم ليطأطىء رأسه فيشرب فيشرب، منه فإنه ماء بارد يعني خلاف الظاهر تماماً، فقد قال: فناره جنة، وجنته نار، فإذا جئت إلى جنته ودخلتها في الحقيقة نار جهنم، وإذا جئت إلى ناره في الظاهر فإنها في الحقيقة جنة، وإذا شربت فإنه ماء بارد.
فالآن السؤال: منْ الذي سيثبت هناك أو هنالك ويأتي النار التي تتأجج ويغمض عينيه ويطأطئ رأسه ويشرب؟
لن يفعل ذلك إلا أهل الإيمان الصادق.
أما الإيمان المهزوز والذين فيهم النفاق وفيهم.. وفيهم.. كيف سيفعلون أمام هذه الفتنة الضخمة جداً؟
هذا الآن واحد من فتن الدجال، واحد فقط من الأشياء التي معه، معه نار وجنة.
منْ الذي سيفعل ذلك؟ منْ الذي سيقدر على هذا؟
لن يقدر عليه إلا أصحاب الإيمان.
قال العلماء، قال النووي: هذا من جملة فتنته، امتحن الله -تعالى- به عباده، ليحق الحق، ويبطل الباطل، ثم يفضحه ويظهر للناس عجزه"[شرح النووي على مسلم: 18/61].
لكن بعد أربعين يوم من المحنة، والدجال يطوف في الأرض، ويمسح الأرض كلها، ويقابله من يقابل من أهل الأرض، ويتبعه من يتبعه، ويؤمن به من يؤمن به، ويكفر به من يكفر به.
وقد ورد أن معه أنهار الماء، وجبال الخبز.
وهذه فتنة أخرى.
فقد روى البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة قال: "ما سأل رسولَ الله ﷺ أحدٌ عن الدجال أكثر مما سألته عنه".
إذن، المغيرة من الذين أكثروا السؤال عن الدجال، أكثروا السؤال، الصحابة تعاملوا مع النصوص كأنهم سيواجهونها؛ لأن إيمانهم بالغيب يعتقدون أنه سيقع وقد يقع لهم، أليس هناك احتمال لما حدثهم أنه سيقع لهم؟ ممكن بعد موت النبي ﷺ، تعاملوا مع الموضوع على أنه قريب، وأنه لا بد من السؤال والمعرفة كيف الموقف.
من كثر ة الأسئلة عن الدجال النبي ﷺ قال للمغيرة: أي بني! وما ينصبك منه؟ إنه لن يضرك قال: قلت: إنهم يزعمون أن معه أنهار الماء وجبال الخبز؟ قال: هو أهون على الله من ذلك[رواه مسلم: 2152] يعني بالرغم مما مع الدجال من الأشياء التي تفتن إلا أنه الدجال عند الله لا يساوي شيئاً، يعني يقول يا أيها الناس لا تغتروا بما معه، معه أشياء ضخمة تفتن لكنه عند الله ليس بشيء، فلا تغتروا، قال عياض: "هو أهون من أن يجعل ما يخلقه على يديه مضلاً للمؤمنين ومشككاً في قلوب الموقنين"[فتح الباري لابن حجر: 13/ 93] يعني إذا كان إيمانك قوياً فلا تخشَ فإن هذه الأشياء التي معه فتنة فهو أهون على الله من أن يجعل زيغ المؤمن قوي الإيمان على يدي الدجال بالرغم مما معه.
هذا شرط بعض الأئمة بهذا الكلام.
قال: "بل ليزداد الذين آمنوا إيماناً، ويرتاب الذين في قلوبهم مرض"[فتح الباري لابن حجر: 13/93].
ولذلك سيأتي أن شاباً من أهل المدينة سيخرج، من خيار أهل الأرض أو خير أهل الأرض في ذلك الوقت، والدجال يقسمه نصفين، ويباعد ما بين النصفين، ويقول لمن معه: قتلته! أمته! يريدون أن يحييه؟ فيجمع نصفيه فيقوم الشاب، فيقول للناس: أنا أميت وأحيي، فيقول الشاب: ما ازددت فيك إلا بصيرة. أنت الدجال الذي حدثنا عنه النبي ﷺ.
إذن، المؤمن الذي إيمانه يقين وحق حتى لو جاء الدجال بكل ما معه سيثبت.
وأما الإيمان المهزوز وفيه نفاق مخلط، ونصف نصف، فهذا يمكن أن يزيغ بسهولة أمام هذه الأشياء التي يأتي بها الدجال.
فإذن، معه جنة، ومعه نار، معه نهر أبيض، ونهر يتأجج ناراً، ومعه جبال الخبز.
والآن من فتنته: أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت.
ونذكر هذه المسألة نختم بها درس الليلة.
من فتنة الدجال: أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، ويأمر كنوز الأرض أن تخرج فتخرج، وتتبعه كنوز الأرض، ويقطع الأرض بسرعة عظيمة كسرعة الغيث استدبرته الريح، روى مسلم -رحمه الله- من حديث النواس أن الصحابة: قالوا: يا رسول الله كم لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قالوا: وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم يعني ماشيتهم أطول ما كانت درا أعالي، ظهور مرتفعة، سمينة وأسبغه ضروعاً، وأمده خواصر[رواه مسلم: 2937].
وأسبغه ضروعاً الضرع طويل من كثرة اللبن، وأمده خواصر هذه الماشية من كثرة امتلائها من الشبع.
إذن، فالذين يؤمنون به ماذا سيحصل لمواشيهم؟
تسمن، وتدر اللبن، وتكتنز، ويأمر السماء أن تمطر عليهم فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت لهم فتنبت، ومواشيهم تسمن.. الذين يؤمنون به.
ثم يأتي القوم فيدعوهم، يعني يقول: أنا الله فآمنوا بي، فيردون عليه قوله، يقولون: كفرنا بك، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلينقحط وجدب، ليس بأيديهم شيء من أموالهم، راحت أموالهم وحتى الماشية التي عندهم تموت، أموالهم تذهب، أراضيهم قحط، وما في مطر، ويمر بالخربة، بالأرض الخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل الكنوز الموجودة في هذه الأرض ستتبعها كجماعات، ستتبعه كجماعات النحل؛ لأن اليعسوب ملك النحل متى طار تبعته، فتتبعه كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين قطعتين رمية الغرض.
ما بينهما من المسافة كرمية السهم في المسافة، كم البعد؟
كبير بين القطعتين ثم يعيده، ويقول للناس: آمنتم؟ أنا أحيي وأميت[رواه مسلم: 2937].
ويكفي في الدلال على شدة فتنته أن النبي ﷺ أمرنا بالتعوذ من فتنته في كل صلاة، فجاء في الصحيحين أنه ﷺ قال: إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال[رواه مسلم: 588]
هذا الذي نقوله في كل صلاة، لعظم فتنة الدجال في كل صلاة نستعيذ بالله منه.
وكان طاووس وهو من السلف -رحمه الله- يأمر ابنه بإعادة الصلاة إذا ما أستعاذ بالله من الأربع هذه.
مكان خروج الدجال
أما مكان خروج الدجال، فإنه يخرج من جهة المشرق من خراسان، من يهودية أصبهان، ثم يسير في الأرض فلا يترك بلداً إلا دخله ما عدا مكة والمدينة، فلا يستطيع دخولهما؛ لأن الملائكة تحرسهما، فقد جاء في حديث الدجال على أنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من المشرق، لا هو من قبل المشرق، ما هو وأومأ بيده للمشرق"[رواه مسلم: 2942].
فأكد أنه في جهة المشرق.
وقال ﷺ: الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها: خراسان[رواه الترمذي: 2237، وصححه الألباني].
وكذلك روى أحمد أن النبي ﷺ قال: يخرج الدجال من يهودية أصبهان معه سبعون ألف من اليهود[رواه أحمد: 13344، وصححه ابن حجر -رحمه الله-].
قال الحافظ: وأما من أين يخرج فمن قبل المشرق جزماً.
وقال ابن كثير: فيكون بدء ظهوره من أصبهان من حارة يقال لها: اليهودية.
إذن، حارة في أصبهان يقال لها: اليهودية، سيخرج منها المسيح الدجال.
صفة الزمن الذي سيخرج فيه الدجال
وأما صفة الزمن الذي سيخرج فيه الدجال، فقد قال النبي ﷺ: يخرج الدجال في خفقة من الدين، وإدبار من العلم قال الهيثمي: "رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح"[رواه أحمد: 14954].
ومعنى: خفقة يعني ضعف من الدين وأهله.
وفي رواية: ولكن الدجال يخرج في بغض من الناس، وخفة من الدين، وسوء ذات بين وقال الحافظ: "صحيح الإسناد ووافقه الذهبي عن حذيفة ابن أسيد"، وقال الألباني: وهو كما قال"[رواه الحاكم في المستدرك: 8612].
إرهاصات وعلامات قبل خروج الدجال
وأما إرهاصات خروج الدجال وما يكون قبل خروج الدجال من العلامات:
غفلة الناس عن ذكر الدجال
أولاً: أن يغفل الناس عن ذكره، يعني يخرج عندما يغفلون عن ذكره ولا يذكرونه، وذلك لما جاء في زوائد المسند عن راشد بن سعد قال: "لما فتحت اصطخر نادى مناد: ألا إن الدجال قد خرج"، واحد ظن أن الدجال خرج فصاح، فلقيهم الصعب بن جثامة هؤلاء الذين حضل عندهم النداء، فقال: "لولا ما تقولون لأخبرتكم إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابرصححه الهيثمي -رحمه الله-، ونقل تصحيحه الألباني، وذكر الحافظ عنه بأن إسناده صالح [رواه أحمد: 16667].
تمايز الناس بسبب كثرة الفتن
ومن إرهاصات خروج الدجال: تمايز الناس بسبب كثرة الفتن وشدة الفتن التي تجعل الإنسان يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، أو يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، وهذا فيما رواه الإمام أحمد -رحمه الله- قال في فتنة الأحلاس، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً إلا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت تمادت[رواه أحمد: 6168].
وقد سبق شرحها، شرح الفتن الثلاثة الأحلاس والسراء والدهيماء.
وهذه كلها قبل الدجال، هذه الثلاثة قبل الدجال، فنحن قادمون عليها في الزمن.
نسأل الله السلامة.
قال: ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنا، ويمسي كافراً حتى يصير الناس إلى فسطاطين يعني في النهاية بعد هذه الفتن الثلاثة يتمايز الناس ويصبح الناس ينقسمون إلى معسكرين، ينقسمون إلى فسطاطين، قسمين، قال: فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده[رواه أبو داود: 4242، وصححه الألباني].
إذن، إذا تمايز الناس وانقسموا فصاروا فسطاطين فإن الدجال خروجه بعدها مباشرة، بعد انقسام الناس وتمايز الناس إلى قسمين سيكون خروجه مباشرة.
فتح القسطنطينية بالتهليل والتكبير
وكذلك لا يخرج الدجال حتى تفتح القسطنطينية، وقد قال النبي ﷺ: عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال[رواه أبو داود: 4294، وحسنه الألباني].
وسبق معنا حديث: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة[رواه مسلم: 2899].
وتقدم حديث قتال الروم، وأن مليون من الروم يسيرون إلى المسلمين، وأن المقتلة ستكون في النهاية على الروم، وأن هؤلاء الذين ينتصرون على الروم يبقون هم ثلث جيش المسلمين فقط؛ لأن الثلث الأول انهزم هزيمة لا يتوب الله عليهم بعدها أبداً، والثلث الثاني قتلوا وهم أفضل الشهداء عند الله، والثلث الثالث الذين ينتصرون على هؤلاء المليون نصراني صليبي، وتكون نهاية النصارى، أو تكون النهاية العسكرية والضربة القاصمة لهم في تلك المعركة، وسيتوجه المسلمون بعدها لفتح القسطنطينية، وأنهم سيفتحونها بالتكبير والتهليل وليس بالسيف، وأنهم سيكبرون ويقولون: "لا إله إلا الله والله أكبر" فيسقط أحد جانبيها، هو الذي في البحر، ثم يقولون الثانية "لا إله إلا الله والله أكبر" فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولون الثالثة "لا إله إلا الله والله أكبر" فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا أبدا.
فبينما هم يقتسمون الغنائم، غنائم فتح القسطنطينية، وقلنا أنه فتح آخر غير الفتح الذي فتحه السلطان العثماني محمد الفاتح، وإنما ستعود تحت سلطان النصارى مرة أخرى، القسطنطينية، وسيفتحها المسلمون مرة أخرى، وسيكون الفتح بالتكبير، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، سيكون القتال بالسيوف، والسيوف ستعلق في أغصان الزيتون بشجر الزيتون بعد الفتح، "إذ صاح فيهم الشيطان" يعني لينغص عليهم الفتح "إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، ويكون عقر دار المسلمين بالشام، ويكون مركز قيادة المسلمين في الغوطة في دمشق، فيرجعون إلى مكانهم فيتركون كل شيءٍ، ويرجعون وذلك باطل" يعني الشيطان كذب، "فإذا جاؤوا الشام خرج" يعني خرج الدجال فعلاً.
حبس المطر والنبات عن الأرض
وجاء أيضاً من الإرهاصات التي تكون قبل خروج الدجال أن المطر يحبس عن الأرض، وأن النبات يحبس منا، فعن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت: "كان رسول الله ﷺ في بيته فذكر الدجال فقال: إن بين يديه ثلاث سنين، سنة تمسك السماء ثلث قطرها، والأرض ثلث نباتها، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها، والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء قطرها كله، والأرض نباتها كله
إذن، لا بقي مطر في السماء ينزل، ولا بقي نبات في الأرض يخرج، انتهى في السنة الثالثة.
فلا يبقى ذات ضرس ولا ذات ظلف من البهائم إلا هلكت[رواه أحمد: 27579]
ثم خرج رسول الله ﷺ لحاجة ثم رجع قال والقوم في اهتمام وغمٍ مما حدثهم به قالت: فأخذ بلجمتي الباب وقال: مهيم أسماء؟ قلت: يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال، قال: وإن يخرج وأنا حي فأنا حجيجهأنا الذي سأتولى أمره وإفحامه وإقامة الحجة عليه، وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن قالت أسماء: يا رسول الله إنا والله لنعجن عجينتنا، فما نختبزها حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذٍ؟
إذن، ما في مطر ولا في نبات فكيف سيعيش الناس في ذلك الوقت؟
وهذا من باب الاهتمام بالأخوة في الله، يعني هؤلاء وإن كانوا، قد لا يكونون من جيل الصحابة لكن أسماء تسأل كيف بالمسلمين، طيب كيف سيعيشون؟ وفي ناس من غير نبات ومن غير مطر كيف سيعيشون؟
فقال: يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح والتقديس الحديث قال عنه ابن كثير: "إسناده لا بأس به"[رواه أحمد: 27579] يعني أن التسبيح والذكر سيقوم مقام الأكل والطعام والماء، سيعيشون على الأذكار، أكل لا يوجد، سيعيشون على الأذكار.
تسلسل الأحداث لخروج الدجال
وبداية خروج الدجال ستكون حسب التسلسل التالي، وهو مجموع من الروايات بالاجتهاد:
أولاً: الدجال سيخرج قبله دجالون كثر، منهم ثلاثون كبار كلهم يزعم أنه نبي، قال أبو بكرة الثقفي: "أكثر الناس في شأن مسيلمة الكذاب قبل أن يقول الرسول ﷺ فيه شيئاً، ثم قام رسول الله ﷺ في الناس فأثنى على الله -تبارك وتعالى- بما هو أهله ثم قال: أما بعد ففي شأن هذا الرجل الذي قد أكثرتم في شأنه، فإنه كذاب من ثلاثين كذاباً يخرجون قبل الدجالرواه عبد الرزاق في مسنده، وإسناده صحيح على شرط البخاري [رواه أحمد: 20464].
إذن، قبل خروج الدجال هناك ثلاثون سيخرجون يدعون النبوة، ومسيلمة واحد منهم، وأدعى النبوة أكثر من ثلاثين، لكن فيهم ثلاثون كبار، يعني مثلاً خذ هذا أحمد القادياني، مثلاً، القادياني ادعى النبوة، كم مليون تبعه؟ كم محطة فضائية في العالم الآن؟ كم مرة مركز يقوم على ديانة القاديانية؟
شيء مهول جداً، ميزانيات ضخمة، محطات القاديانية الفضائية باللغات، عربي، إنجليزي، فرنسي، أوردو.
طيب، هذا واحد ادعى النبوة، يتبعه في العالم ملايين الناس.
إذن هناك ثلاثون كبار فتنتهم كبيرة، والذين ادعوا النبوة ممن هم أقل شأناً كثيرون.
قبل الدجال هناك ثلاثون سيدعون النبوة على مر التاريخ الإسلامي.
ولا يخرج الدجال حتى تصيب الناس مجاعة شديدة.
إذن، قبل خروج الدجال هناك خروج الكذابين الثلاثين، قبل خروج الدجال هناك المجاعة الشديدة، قال ﷺ: وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء اللهقيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد، ويجرى ذلك عليهم مجرى الطعام حديث بصحيح[رواه ابن ماجه: 4077].
وهذا من كرامة الله للمؤمنين، حيث يجزيهم وقت فتنة المسيح ما يجزي ملائكته.
وقد جاء عند أحمد عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت: "كان رسول الله ﷺ في بيته فذكر الدجال، فقال: إن بين يديه ثلاث سنين، سنة تمسك السماء ثلث قطرها، والأرض ثلث نباتها، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها، والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء قطرها كله، والأرض نباتها كله، فلا يبقى ذات ضرس ولا ذات ظلف من البهائم إلا هلكت[رواه أحمد: 27579].
وفي الحديث قالت: ثم خرج رسول الله ﷺ لحاجة ثم رجع، قالت: "والقوم في اهتمام وغمٍ مما حدثهم فأخذ بلجمتي الباب.." الحديث وقد تقدم، وقال ابن كثير: "لا بأس به".
فإذن، ستكون مجاعة قبل الدجال ويهلك من البهائم ما شاء الله ومن الناس من شاء الله، والمؤمنون هذا زادهم.
البلدان التي سيدخلها الدجال
أما عن البلاد التي سيدخلها الدجال ويطأها، ويسير فيها، فقد تقدم أنه يخرج من المشرق من خراسان.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "وأما من أين يخرج فمن قبل المشرق جزماً"[فتح الباري: 13/91].
ثم جاء في رواية "أنه يخرج من خراسان".
وفي رواية: "أنه يخرج من أصبهان" أخرجها مسلم.
قال القرطبي: ووجه الجمع أنه يبدأ خروجه من خراسان من ناحية أصبهان.
إذن، خراسان هي الإقليم الأكبر، وأصبهان المدينة تحديداً، وحارة اليهودية تحديداً.
وقال بعض الباحثين: ويبدو من النظر في الأحاديث أن ابتداء خروجه يكون من الجزيرة التي هو مربوط فيها منفرداً.
وتقدم معنا في الدرس الماضي كيف أنه مربوط في جزيرة من جزائر البحر في جهة المشرق، وأنه سيخرج من غضبة يغضبها، تتكسر القيود التي هو مقيد بها ويخرج. فأول بلد سيمشي منه هي الجزيرة هذه ثم يدخل إقليم خراسان متعدياً إلى أصبهان، وفيها سيخرج مع أتباعه.
إذن، أتباعه سبعون ألف يهودي سيخرجون معه من أصبهان.
وأما عن الطريق التي يخرج منها الدجال إلى جزيرة العرب، يعني مدخله إلى جزيرة العرب من أين؟ عرفنا الآن: هو مربوط الآن في الجزيرة، سيخرج إلى أصبهان، ومعه جيشه اليهودي، ثم سيخترق جزيرة العرب، سيكون مدخله لجزيرة العرب من أين؟ هل هو طريق بحري؟ هل هو طريق بري؟ قال ﷺ: إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً يا عباد الله فاثبتوا[رواه مسلم: 2937].
والخلة هي الطريق بين البلدين.
فيخرج بين العراق والشام يذهب للحجاز.
البلدان التي لا يستطيع الدجال دخولها:
وفي رواية لأحمد قال ابن حجر عنها: "رجاله ثقات" والألباني كذلك قال: "إسناده صحيح": يبلغ سلطانه كل منهل يعني كل مكان لا يأتي أربعة مساجد هذه خارج عن سلطان الدجال، ليست تحت سلطانه الكعبة، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى، والطور[رواه أحمد: 23090].
إذن، هذا حديث يبين الأماكن الخارجة عن سلطانه، بقية الأماكن على الأرض كلها مسيطر عليها الدجال، تحت سلطانه.
طبعاً الطور وبيت المقدس، مسجد بيت المقدس لا يدخلها، لكن كبلاد ليس إلا مكة والمدينة، من ناحية الدخول لا يدخل مكة ولا المدينة.
وقد تقدم في حديث الجساسة لماذا لا يدخل مكة والمدينة، قال: كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها.
وفي صحيح مسلم قالﷺ: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال ولا بلد في العالم إلا سيدخله الدجال إلا مكة والمدينة، وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين تحرسها هذا في صحيح مسلم[رواه مسلم: 2943].
وفي المسند قال رسول الله ﷺ: إن المدينة مشبكة بالملائكة على كل نقب منها ملكان يحرسانها، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال، من أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء إسناده صحيح[رواه أحمد: 1591].
وفيه أيضاً عن أنس أن قائلاً من الناس قال: يا نبي الله أما يريد الدجال المدينة؟ قال: أما إنه ليعمد إليها، ولكنه يجد الملائكة صافة بنقابها وأبوابها يحرسونها من الدجال[رواه أحمد: 13145].
إذن، الطرق والأبواب محروسة من الدجال.
بل إن المدينة لا يدخلها حتى رعب الدجال لا يدخلها، ليس فقط لا يدخلها هو شخصياً بل حتى رعبه لا يدخلها وأهلها آمنون، قال ﷺ: لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان[رواه البخاري: 1879].
ذكر ابن حجر نقلاً عن عياض في قضية الأبواب السبعة: إما أن تكون أبواباً قال: وفوهات الطريق. وفوهات الطريق، يعني مداخل المدينة الأساسية سبعة طرق أساسية لداخل المدينة، فإما أن تكون أبواباً أو تكون طرق، فوهات الطرق، لا يستطيع أن يدخلها؛ لأنها محروسة من الملائكة.
طيب لو قال قائل أنه قد ورد في الصحيحين أنه ﷺ قال: أراني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلاً، وذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال، قال: وإذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية، فسألت من هذا؟ فقيل: المسيح الدجال[رواه البخاري: 5902].
هذا لا يدل على أن الدجال يدخل مكة ولا المدينة؛ لأنه رآه في المنام وليس أنه رآه في اليقظة في مكة. وعيسى نفسه هو في السماء..
الحمار الذي سيركب عليها الدجال
ماذا سيركب الدجال إذا ظهر؟
وروى الإمام أحمد عن جابر حديثاً عجيباً عن النبي ﷺ في دابة الدجال، شيء عجيب، قال ﷺ: وله حمار يركبه.
إذن، الدجال سيكون في تنقلاته راكباً حماراً، لكن هذا الحمار خلقه عجب.
قال: وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعاً وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما في "الإتحاف"، وصححه الألباني في سياقه لقصة المسيح الدجال.
وجاء عند عبد الله بن أحمد في كتاب السنة من حديث حذيفة ابن أسيد مرفوعاً: ولا يسخر له من الدواب إلا حمار، رجس على رجس قال الشيخ حمود التويجري في "إتحاف الجماعة": "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، وقد أخرجه الحاكم بلفظ: فهو رجس على رجس قال الذهبي: "وهو على شرط البخاري ومسلم".
زعم بعض العصريين من الذين يغامرون ويقتحمون النصوص بلا علم، أن الدجال سيركب طائرة كبيرة عرض ما بين جناحيها أربعون ذراعاً، وأن هي الحمار المقصود.
وهذا تكلف واضح، بل سخف؛ لأن الرسول ﷺ قال: ولا يسخر له من الدواب إلا الحمار، فهو رجس على رجس .
هل تسمى الطائرة رجساً؟
لا.
الحمار إيه، لكن مثل الطائرة لا.
والحديث قال: رجس على رجس.
إذن، سيكون على حمار حقيقي، لكن هذا الحمار عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعاً، ولو كان على طائرة لن تكون الفتنة كبيرة للدجال، لكن على حمار ما بين أذنيه أربعون ذراعاً فيها فتنة، فيها فتنة؛ لأن الدجال سيري الناس دابة ما عمرهم رأوها، ما سبق رأوا مثلها، فيها فتنة.
وبما أن الدجال معه الخوارق بإذن الله فهذا واحد منها، وهذا من فتنته.
شيعة الدجال وأنصاره وأتباعه
من هم شيعته وأنصاره؟
دلت الأحاديث أن أول من يشايعه وينصره اليهود، بل هو مسيحهم المنتظر في الحقيقة، وقد جاء في صحيح مسلم: ويتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألف عليهم الطيالسة[رواه مسلم: 2944].
وهي الأكسية من الصوف الأخضر.
وعند أحمد قال ﷺ: لينزلن الدجال خوز وكرمان منطقتان معروفتان جغرافياً في سبعين ألفاً وجوههم كالمجان المطرقة وإسناده حسن.
نحن الآن عندنا يقين أن الدجال سيخرج معه سبعون ألف يهودي.
اليهود في كلامهم يقولون أنهم موعودون بملك منتظر من نسل داود يأتي ليقيم مملكة الرب، ويتحول الناس له إلى خدم، وأن هذا المَلَك عندهم هو المسيح ولكن في الحقيقة هو الدجال، مسيح الشر والضلالة؛ لأنه يهودي وسيتبعه اليهود، وهو المسمى في كتبهم: "المسياء"، عندهم موجود الآن، يقولون هذا المسيح، لكن في اللغة العبرانية عندهم مسمى موجود وفي كتبهم: "المسياء".
ولليهود من طقوسهم الآن عندهم صلوات يستحثون خروج الملك المنتظر ويصلونها ويدعون فيها بأدعية، وخصصوا ليلة عيد الفصح اليهودي بأدعية تتعلق بهذا الأمر، جاء في التلمود: "لما يأتي المسيح تطرح الأرض فطيراً وملابس من الصوف وقمحاً حبه بقدر كلاوي الثيران الكبيرة، وفي ذلك الزمان ترجع السلطة لليهود وكل الأمم تخدم ذلك المسيح وتخضع له، وفي ذلك الوقت يكون لكل يهودي ألفان وثمانمائة عبد يخدمونه، وثلاثمائة وعشرة أكوان تحت سلطته، ولكن لا يأتي المسيح إلا بعد انقضاء حكم الأشرار، ويتحقق منتظر الأمة اليهودية بمجيء إسرائيل، وتكون تلك الأمة هي المتسلطة على باقي الأمم عند مجيئه".
طبعاً هم الآن يحاولون إقناع العالم أن الأشرار نحن، وأنه لابد من القضاء علينا، نحن المسلمين، حتى يخرج المسيح، ويستغلون أن النصارى عندهم اعتقاد بالمسيح، بنزوله، فيقولون للنصارى: لن يخرج مسيحكم حتى تقوم دولة إسرائيل، وتتمكن، ويقضى على الأشرار، وهم المسلمون؛ حتى يصير هناك حلف يهودي صليبي للقضاء على المسلمين، لكي يأتي المسيح.
على أية حال: كلنا ننتظر المسيح، نحن ننتظره، اليهود ينتظرونه والنصارى ينتظرونه، لكن نحن ننتظر المسيح ابن مريم، واليهود ينتظرون المسيخ الدجال، والنصارى ينتظرون المسيح الذي سيأتي ويقضي عليهم، ويكسر صليبهم، ويذبح خنزيرهم، ولا يقبل الجزية، وليس إلا السيف أو الدخول في الإسلام.
طيب، الآن قلنا أن من شيعته وأنصاره أنهم اليهود وأنه إذا خرج من أصبهان معه سبعون ألف يهودي، ماذا أيضاً عن أتباعه؟ روى الإمام أحمد عن عثمان بن أبي العاص مرفوعاً عن أبي نظلة قال: "أتينا عثمان بن أبي العاص في يوم جمعة لنعرض عليه مصحفاً لنا على مصحفه" مطابقة مصحف على مصحف وقت كتابة المصاحف لأجل التأكد والتفسير "فلما حضرت الجمعة أمرنا فاغتسلنا ثم أتينا بطيب، ثم أوتينا بطيب فتطيبنا ثم جئنا المسجد فجلسنا إلى رجلٍ، فحدثنا عن الدجال، ثم جاء عثمان بن أبي العاص فقمنا إليه فجلسنا، فقال سمعت رسول الله ﷺ يقول: ومع الدجال سبعون ألفاً عليهم السيجان وأكثر تبعه اليهود والنساءالسيجان يعني الحديد. الحديث هذا رجاله رجال الصحيح ما عدا علي بن زيد فهو ضعيف، لكن له شاهد عن أسماء بنت يزيد، وفيه: وأكثر من يتبعه اليهود والنساء والأعراب، وفيه شهر بن حوشب وفيه ضعف وقد وثق، لكن هذه الرواية على تلك الرواية يكون الحديث حسناً.
فإذن، أكثر أتباع الدجال اليهود والنساء.
وأما الأعراب فلأن الجهل غالب عليهم، وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجه أن النبي ﷺ قال: وإن من فتنتهيعني الدجال أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك يأتي بشخص قد مات أبواه، أعرابي فيقول: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم لجهل، يقول: نعم.
بينما لو كان صاحب علم ودين قال: أشهد أن الله الذي يحي ويميت، وكفرت بك، لكن يقول: إذا بعثت أبواي، قال: فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه والشياطين عندها القدرة على التلبس والتمثل بصور البشر، فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربكصححه الألباني.
وأما النساء فحالهن أشد من حال الأعراب لسرعة تأثرهن وغلبة الجهل عليهن، فقالﷺ: ينزل الدجال في هذه السبخة، وهي الأرض ذات الملح التي لا تنبت بمر قناة وهذا وادي في المدينة معروف الآن، معروف مكانه، وادي قرب المدينة، عند المدينة. فالدجال سيأتي وادي قناة بالسبخة ويعسكر فيها فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، يقول ﷺ سيخرج إليه النساء من المدينة، طبعاً والمنافقون سيخرجون له كما سيأتي، قال: حتى أن الرجل ليرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليهسيأتي الرجال ومن خوفهم على نساءهم سيقيدونهن تقييداً، حتى لا يستطعن الخروج إلى الدجال [رواه أحمد: قال أحمد شاكر: "بإسنادٍ صحيح".
وسيخرج إليه الكفار والمنافقون والمنافقات والفساق والفاسقات ولو كانوا من سكان المدينة، قال ﷺ: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين تحرسها فينزل بالسبخة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج إليه منها كل كافر ومنافق[رواه مسلم].
وفي لفظٍ: فيأتي سبخة الجرف، وسبخة الجرف مكان معروف قرب المدينة فيضرب رواقه، يضرب خيمته الدجال، يعسكر هناك فيخرج إليه كل منافق ومنافقة.
وفي مسند الإمام أحمد عن محجن بن الأدرع أن رسول الله ﷺ خطب في الناس فقال: يوم الخلاص وما يوم الخلاص! يوم الخلاص وما يوم الخلاص! يوم الخلاص وما يوم الخلاص! ثلاثاً، فقيل له: وما يوم الخلاص؟ قال: يجيء الدجال فيصعد أُحداً فينظر المدينة، من فوق جبل أحد منظر علوي للمدينة فيقول لأصحابه: أترون هذا القصر الأبيض؟ هذا مسجد أحمد، قلنا المدة ليست بالطويلة، من سنوات قليلة، قبل توسعة الحرم كان هناك من الأبنية والنخل والأشجار ما يحجب رؤية المسجد النبوي من بعيد، لكن لما دعت الحاجة إلى توسعته، وسع الآن المسجد النبوي، وعمر هذا العمار الحسن والبنيان الضخم الكبير، وشيد هذا التشييد، الآن لو صعدت إلى جبل أحد سترى المسجد النبوي كالقصر الأبيض.
إذن، المنظر الذي سيراه الدجال موجود الآن، الآن ممكن تروح لجبل أحد وتراه، واضح جداً، يعني انظر كيف يجلي الله قدره لكي يأتي الدجال فيراه بهذه الصفة، قال: فيصعد أحداً فينظر المدينة فيقول لأصحابه: أترون هذا القصر الأبيض؟ هذا مسجد أحمد، ثم يأتي المدينة فيجد بكل نقب منها على كل طريق، مدخل للمدينة، على كل مدخل، على كل فوهة طريق، على كل نقب منها ملكاً مصلتاً يعني سيفه فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه هناك لأنه عجز عن دخول المدينة فيضرب معسكره خارج المدينة ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه، فذلك يوم الخلاص[رواه الإمام أحمد: وصححه الألباني، إسناده صحيح].
كما يتبع الدجال بعض أهل البدع من الخوارج، فقد روى الإمام أحمد عن يونس الحارثي قال: ليت أني رأيت رجلاً من أصحاب محمد ﷺ يحدثني عن الخوارج فلقيت أبا برزة في نفر من أصحاب رسول الله ﷺ فقلت: حدثني شيئاً سمعته من رسول الله ﷺ في الخوارج، فذكر له الحديث وأن رجلاً منهم قال: "اعدل، يا محمد ما عدلت اليوم في القسمة"، وأن النبي ﷺ قال في هذا وأصحابه الخوارج: لا يزالون يخرجون يعني يقتلون المسلمين بالسيف، لا يزالون يخرجون، يكفرون المسلمين ويقتلونهم، لا يزالون... قال: سيماهم التحليق دائماً شعورهم محلوقة لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال.
إذن، من أتباع الدجال: الخوارج، قال: فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شر الخلق والخليقة، قال الشيخ حمود التويجري -رحمه الله-: رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والنسائي بأسانيد حسنة".
وفي سنن ابن ماجه، عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: ينشأ نشء يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يعني ما في تأثر بالقرآن، لا يجاوز تراقيهم: حناجرهم، والترقوة هذه عظمة الرقبة كلما خرج قرن قطع يعني وقضي عليه، قال ابن عمر: سمعت رسول الله ﷺ يقول: كلما خرج قرن قطع أكثر من عشرين مرة حتى يخرج في عراضهم الدجال.
كلما خرج قرن يعني طائفة منهم، قطع كما قطعهم علي فينتهون حتى يخرج في عراضهم أي آخرهم يقابلهم الدجال، ويكون في خداعهم.
وقال ﷺ: الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها: خراسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة، جمع مجين وهو الترس، مجن وهو الترس، والمطرقة التي غطيت بالجلود، طرقة فوق طرقة.
فشبه وجوههم في عرضها وكثرة لحمها بالترس المغطى بالجلد.
قال ابن كثير: والظاهر والله أعلم أن المراد بهؤلاء الترك أنصار الدجال.
وفي "تحفة الأحوذي": وهذا الوصف إنما يوجد في طائفة الترك والأزبك ما وراء النهر.
فإذن، فيمن أتباع الدجال: عرفنا الآن اليهود أولاً، والأعراب والنساء والخوارج والمنافقون والفساق وخوز وكرمان، إقليمان ما وراء النهر من بلاد الترك سيكونون معه أيضاً، سيكون معه أقوام منهم، من أصحاب الوجوه العريضة المكتنزة لحماً، وبالجملة سيكون معه الكفار.
مدة مكث الدجال وسرعة سيره في الأرض
وأما عن مدة مكثه وسرعة سيره في الأرض، فجاء في صحيح مسلم: وإن أيامه أربعون يوماً يوم كسنة، يعني في الطول من أربع وعشرين ساعة تمضي كسنة في الطول، ما هي أربع وعشرين ساعة، يعني منذ بدء اليوم إلى نهايته، فلو أخذت الفجر للفجر أربع وعشرين، من الفجر للفجر، كالسنة في الطول، فالشمس تشرق ببطء شديد، وتطلع ببطء شديد، حتى تستوي ببطء شديد، حتى تغرب ببطء شديد، سنة كاملة، يوم طوله سنة، والناس في كرب - ويوم كشهر - في الثاني - ويوم كجمعة - في الثالث - وسائر أيامه - السبعة وثلاثين الباقية- كأيامكم.
قالوا: فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره.
إذن، تنظر في الأيام العادية كم بين الفجر والظهر ثم صل الظهر، كم بين الظهر والعصر ثم صل العصر وهكذا وسنصلي في ذلك اليوم الطويل صلوات كثيرة جداً، ماهي خمسة، صلوات كثيرة جداً نغطي بها صلوات سنة.
وجاء في رواية لابن ماجه ضعفها الألباني، مع أنها ضعيفة لكن نذكرها فقط لتكميل الصورة: يا رسول الله كيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ قال: تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال ثم صلوا.
طيب، قالوا: وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح[رواه مسلم: 2937].
وقد سبق أن قلنا في فتنته إن معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض والآخر رأي العين نار تأجج، وعرفنا ما هو الموقف، ما هو الموقف إذا رأينا هذا؟
أن نأتي النهر الذي هو نار تتأجج، ماذا يفعل الواحد منا إذا كان هناك؟
يغمض عينيه ويطأطأ رأسه ويشرب فإنه ماء بارد، خلاف الظاهر، الظاهر نار تأجج، ولكن في الحقيقة ماءٌ بارد.
جاء في رواية لأحمد: فمن دخله حط أجره ووجب وزره الذي هو من دخل نهره، من دخل نهره الذي هو ماء بارد، حط أجره ووجب وزره ومن دخل ناره التي هي في الحقيقة ماء بارد وجب أجره وحط وزره.
وفي رواية: فمن ابتلي بناره واحد الدجال أخذه وألقاه في ناره فليستغث بالله وليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، فإنها جواركم من فتنته[رواه ابن ماجه: 4077].
وعرفنا فتنته في إحياء ناس من القبور بصورة شياطين، وإلا فهو لا يستطيع أن يحي حقيقة، وإن من فتنته أن يأمر السماء بمطر السماء، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا تبقى لهم سائبة إلا هلكت، أي دابة لهم تموت، والذين يصدقونه كيف سيكون حالهم في الرخاء، وخروج الكنوز عندما يمر حتى بالخربة، الأرض المهجورة فتخرج كنوزها.
فرار الناس من الدجال إلى الجبال
ومما سيحدث أيضاً: أن النبي ﷺ قال: ليفرن الناس من الدجال في الجبال قالت أم شريك: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل[رواه مسلم: 2945].
العرب هؤلاء الذين إذا استنجد الواحد فيهم أهل النجدة والمروءة، أين هم؟ قال: العرب قليل.
إذن، سيفر أناس من الدجال في الجبال.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري: حدثنا رسول الله ﷺ يوماً حديثاً طويلاً عن الدجال فكان فيما حدثنا قال: يأتي وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فإذا وصل هناك فيضرب رواقه[رواه البخاري: 1882، ومسلم: 2938].
وذكرنا قضية خروج المنافقين والمنافقات والفسقة والفاسقات.
حديث ينطبق على أيام الدجال
في حديث رواه أبو داود يحتمل أن ينطبق على أيام الدجال، يعني أن يحدث أن يكون أيام الدجال، هذا احتمال، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح[رواه أبو داود: 4299] يعني سيأتي يوم، النبي ﷺ يقول سيأتي يوم على المسلمين يحاصرون في الأرض حتى يضيق عليهم الخناق في المدينة، حتى يكون أبعد مسالحهم، جمع مسلحة وهي موضع السلاح، ثم استعمل للثغر، يعني أبعد ثغور المسلمين مكان اسمه: "سلاح"، وسلاح هذا موضع قرب خيبر، يعني المنطقة سيضيق الأمر على المسلمين فيحاصرون إلى المدينة وما حولها، وأبعد منطقة للمسلمين، أبعد موقع: سلاح قرب خيبر.
فقوله، كما قال في "عون المعبود في شرح أبي داود": "يوشك المسلمون أن يحاصروا" يحبسوا ويضطروا ويلجؤوء إلى المدينة، النبوية، لماذا؟
لمحاصرة عدو لهم، ويجتمعون في المدينة، وأبعد ثغورهم: "سلاح".
والثغر: الموضع الذي يخاف منه هجوم العدو، فهو يترصد فيه المترصدون.
فإذن، من كمال التضييق عليهم وإحاطة الكفار حواليهم سيحصرون في هذه المنطقة.
قال الشيخ عبد الحق الدهلوي: الظاهر أن هذا إخبار عن حال المسلمين زمن الدجال حين يأرز الإسلام إلى المدينة المطهرة أو يكون هذا في زمان آخر.
ولذلك قلنا في بداية الكلام عن النقطة هذه: "احتمال" أن يكون المقصود بهذا الحديث زمن الدجال.
البداية لنهاية الدجال على يد شاب مؤمن من أهل المدينة
فإذا أراد الله نهاية فتنة الدجال وانكشاف الغمة العظيمة التي ما مر على الأرض فتنة مثلها أبداً، تكون بداية النهاية على يد شاب مؤمن من أهل المدينة، فقد روى الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه قصة عظيمة فيها عبر بالغة، قال رسول الله ﷺ: فيتوجه قبله يعني إذا جاء الدجال المدينة وحوصرت فيتوجه قبله رجل من المؤمنين ممتلئ شباباً وهو يومئذ خير الناس أو من خيرهم فتلقاه المسالح مسالح الدجال جنود الدجال يقبضون عليه فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج. فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فيقولون: اقتلوه! فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم يعني الدجال أن تقتلوا أحداً دونه؟ يعني بدون أمره فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله ﷺ يصيح محذراً، منبهاً، ناصحاً، مبلغاً، هذا الشاب المدني، من أهل المدينة، قال: فيأمر الدجال به فيشبح يعني يمد للضرب فيقول: خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضرباً، فيقول: أو ما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب.
طيب هذا شاب مؤمن ثبته الله بالإيمان بالرغم من التعذيب لا يتنازل عن الحق ويبقى مصراً على أن هذا هو الدجال، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ يعني كأنه من المشكوك فيه، أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، أتباعه، فيؤمر به فيؤشر بالمئشار من مفرقه.
إذن هنا من مفرق الشعر في مقدم الرأس يبدأ المنشار - حتى يفرق بين رجليه – ويصبح الشاب ذا نصفين - قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين - يبين أنهما قد انفصلتا تماماً - ثم يقول له: قم! فيستوى قائماً - بإذن الله وفتنة للناس - ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة - ما ازددت فيك إلا بصيرة، أنت الدجال الذي حدثنا عنه رسول الله ﷺ".
الشاب هذا يعلم أنه سيفعل به هكذا؛ لأنه يعلم سلفاً من الأحاديث أن الدجال سيفعل به هكذا، ولذلك فكلما الدجال عمل فيه شيئاً ماذا يكون عند الشاب؟ يقين أن الشيء الذي عرفه في الأحاديث يتطبق.
الآن يطبق واحدة واحدة، فلماذا يكفر؟ فيزداد يقيناً
ثم يقول الشاب يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس خلاص، بعدي لن يسلط على أحد، من أين يعرف الشاب؟
من هذا الحديث! حديث مسلم هذا، الذي نحن نعرفه أيضاً.
قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً يجعل الله منطقة الذبح كلها نحاس، الرقبة إلى الترقوة هذه كلها نحاس فلا يستطيع إليه سبيلاً، قال: فيأخذ بيديه ورجليه أي الدجال، قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه في النار؛ لأن الدجال معه جنة ونار وإنما ألقي أي في الحقيقة وإنما ألقي في الجنة، فقال رسول الله ﷺ: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين[رواه مسلم: 2938].
هذا الشاب أعظم الناس شهادة عند رب العالمين.
وفي رواية لمسلم أيضاً تبين ثبات هذا الشاب واستمساكه بالحق قال: ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرضما بينهما.. بين القسمين والشقين مسافة رمية السهم يعني بعيدة عن بعضهما ثم يدعوه فيقبل بأمر الله يلتصق النصفان ويقوم الشاب فيقبل ويتهلل وجهه يضحك[رواه مسلم: 2937] يعني الشاب يقبل يتهلل وجهه يضحك.
قتل عيسى للدجال بالشام
إذا انتهت المنازلة هذه مع الشاب هذه بداية النهاية لفتنة الدجال، فتصرف الملائكة وجهه قبل الشام، كما جاء في صحيح مسلم: يأتي المسيح من قبل المشرق همته المدينة حتى ينزل دبر أحد، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام، وهنالك يهلك[رواه مسلم: 1380].
في رواية: ثم يأتي جبل إيلياء وإيلياء: بيت المقدس فيحاصر عصابة من المسلمين، فيلقى المؤمنون شدة شديدة، وهذا الحصار يشتد في أزمة فتنفرج.
هذه هي نهاية الدجال؛ لأنه من الذي سيكون في بيت المقدس ويحاصر مع المسلمين؟
المسيح ابن مريم.
فإذن، تصرف الملائكة وجه الدجال جهة الشام فيذهب الدجال ومن معه إلى بيت المقدس، والمسلمون داخل بيت المقدس، فالمسيح الدجال ومن معه يحاصرون المسلمين ومعهم عيسى، والمسلمون وعيسى داخل بيت المقدس، فماذا سيحدث؟
في حديث أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله فأين العرب يومئذٍ؟ قال: هم يومئذٍ قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح المهدي فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى يعني ليتقدم عيسى يصلي بالناس فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصل فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم.
الآن المهدي وعيسى والمسلمون في بيت المقدس، ثم يأتي الدجال جبل إيلياء فيحاصر عصابة من المسلمين، فيقول لهم الذي عليهم، قائدهم: ما تنتظرون بهذا الطاغية إلا أن تقاتلوه حتى تلحقوا بالله؟ خلاص اقتحموا، افتحوا البلد واقتحموا عليه! أنتم محاصرون إلى متى! اقتحموا وإذا متم إلى الله: وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ[آل عمران: 158].
فيأتمرون أن يقاتلوه إذا أصبحوا.
يتفقون على أن تبدأ المعركة في الصباح ليفتحوا البلد المحاصر ويقتحموا، خلاص الذي يصير يصير، فيصبحون قال: فبينما هم يعدون للقتال ويسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة صلاة الصبح، فيصبحون ومعهم عيسى ابن مريم، فإذا رفع رأسه من ركعته قال: سمع الله لمن حمده قتل الله المسيح الدجال وظهر المسلمون.
إذن، هذا التفاؤل في الصلاة يأتي على لسان عيسى فإذا انصرف يعني انتهت الصلاة وسلم الإمام انصرف قال عيسى : افتحوا الباب، فيفتح ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلى وساج، وعرفنا السيجان الحديد فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هارباً الدجال ويقول عيسى : إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها لن تذوب حتى تأخذ الضربة فيدركه عند باب لد الشرقي فيقتله فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق هذه الأشياء كلها ماذا تقول الدواب والجمادات والأشجار؟ يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال فأقتله.
وروى مسلم -رحمه الله- من حديث النواس بن سمعان الكلابي عن النبي ﷺ: فبينما هم كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفع تحدر منه جمان كاللؤلؤ.
سنعرف -إن شاء الله- شرح هذا في قصة نزول المسيح بن مريم وفيها درس مستقل فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه يعني عيسى يطلب الدجال حتى يدركه بباب لد فيقتله ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه.
بعدما تنتهي فتنة الدجال، في ناس في الأرض من المسلمين ثبتوا وعصمهم الله من فتنة الدجال فيأتون لملاقاة نبي الله عيسى قال: فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة بشارات يسوقها عيسى لمن ثبت في فتنة الدجال.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ لما ذكر فتح القسطنطينية قال: فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشام خرج فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم ﷺ فأمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده يعني بيد عيسى فيريهم دمه في حربته.
فعيسى يقدم لمن معه برهاناً على قتل الدجال دم الدجال في الحربة.
وبمقتل الدجال تنتهي أعظم فتنة مرت على الأرض منذ أن خلقها الله ، منذ أن خلق الله آدم وأهبطه للأرض تنتهي أعظم فتنة في الأرض.
طبعاً واضح من الروايات أن بعض الأحاديث فيها إجمال، وبعض الأحاديث تفصل فقرات معينة أجملت في أحاديث أخرى، ولا تتضح الصورة إلا إذا جمعنا الروايات كلها.
وهناك أمور تتعلق بفتنة الدجال، من هم أشد الناس عليه؟ هل في ناس سيبدون في قتال الدجال أكثر من ناس؟
عرفنا قصة الشاب المدني.
روى أبو هريرة قال: "لا أزال أحب بني تميم منذ ثلاثٍ، سمعت من رسول الله ﷺ يقول فيهم، سمعته يقول: هم أشد أمتي على الدجال، وجاءت صدقاتهم فقال رسول الله ﷺ فقال: هذه صدقات قومنا، وكانت سرية منهم عند عائشة فقال: أعتقها فإنها من ولد إسماعيل.
إذن، بنو تميم نسبهم إلى إسماعيل، ميزة، لما أسلموا حسن إسلامهم، كانوا من قبل كفار، كان بنو تميم كفاراً، لكن بعد ذلك أسلموا وجاؤوا بصدقاتهم.
الشيء الثالث الميزة: أن النبي ﷺ قال: أشد أمتي على الدجال يعني بنو تميم.
وفي المسند عن عكرمة بن خالد قال: حدثني فلان من أصحاب النبي ﷺ: أن تميماً ذكروا عند رسول الله ﷺ فقال رجل: أبطأ هذا الحي من تميم عن هذا الأمر يعني تأخر إسلام بني تميم فنظر رسول الله ﷺ إلى مزينة، فقال: ما أبطأ قومٌ هؤلاء منهم، وقال رجل يوماً: أبطأ هؤلاء القوم من تميم صدقاتهم، فأقبلت معهم حمر وسود لبني تميم إبل، فقال النبي ﷺ: هذه نعم قومي يعني الآن يثني عليهم، جاءت صدقاتهم.
ونال رجل من بني تميم عند رسول الله ﷺ يوماً فقال: لا تقل لبني تميم إلا خيراً فإنهم أطول الناس رماحاً على الدجال قال الشيخ التويجري في "الإتحاف": "إسناده صحيح على شرط مسلم".
إذن، والقتال بالرماح والله أعلم كيف ستؤول الأمور إلى الرماح.
إذن، أطول الناس رماحاً على الدجال.
طيب هل هناك أشياء أخرى وردت في التعامل مع الدجال؟
أمر غريب، كيف يحتقر المسلم الدجال وما معه من الفتن هذه كلها، التي تفوق الوصف، وتطغى على عقول كثير من الناس فيتبعونه؟
لكن المسلم يحتقره، المؤمن الحقيقي يحتقر الدجال، ففي كتاب السنة لعبد الله بن أحمد وقال المحقق: "إسناده حسن" من حديث أبي أمامة قال: خطبنا رسول الله ﷺ فكان أكثر خطبته ما يحذرنا من الدجال، قال: إنه يبدأ فيقول: أنا نبي - أول الأمر يدعي النبوة - ثم يثني فيقول: أنا ربكم - بعد ذلك تتطور القضية إلى إدعاء الربوبية - قال ﷺ: ولن تروا ربكم حتى تموتوا - فإذا جاءكم قال: أنا ربكم، مستحيل!، لا يمكن! فإن الله لا يرى في الدنيا، بعيني الرأس لا يرى في الدنيا قال: وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور.
وسائل مقاومة الدحال
هذه عرفنا صفات ثلاث ثابتة، الإضافة الآن في هذا الحديث في هذه الرواية من لقيه فليتفل في وجهه قال الشيخ حمود التويجري: "رواته ثقات" وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي".
إذن، من الإجراءات يعني لو واحد قابله عرفنا بعض الأشياء التي يتصرفها الإنسان، ومنها: التفل في وجه الدجال، وهذه عبادة عظيمة.
طيب في ناس عندهم قدرة على المواجهة، على مواجهة الدجال، سيقاتلونه بالرماح، سيقاتلون جيشه بالرماح من بني تميم، وفي ناس سيتجرؤون يشربون من نهر النار الذي معه، وفي ناس سيتفلون عليه، وفي ناس سيقرؤون عليه فواتح سورة الكهف.
وفي ناس إيمانهم فيه ضعف، وهؤلاء يظنون أنهم إذا واجهوا الدجال قد يفتنون به فما هو الحل، فيمن يخشى عليه؟
روى أبو داود بإسناد صحيح عن عمران بن حصن قال: قال رسول الله ﷺ: من سمع بالدجال فلينأ عنه يهرب، يهرب منه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات.
فلينأ يبعد، عنه عن الدجال، فإن الرجل يحسب أنه مؤمن سيثبت ولو واجه الدجال يتبعه، من كثرة ما يثير الدجال من الشبهات، ويستعمل من السحر وإحياء الموتى بأمر الله فيتبعه ويصبح من جند الدجال ويكفر.
من الإجراءات أيضاً والاحتياطات: السكن في المدينة، عن جابر بن عبد الله قال: أشرف رسول اللهﷺ على فلق من أفلاق الحرة ونحن معه، فقال: نعمت الأرض المدينة إذا خرج الدجال يعني لو سمعنا الدجال خرج، مثلا خرج في العراق، في المشرق، من الإجراءات، من الأشياء التي ممكن يعملها الواحد: إلى المدينة مباشرة.
أسباب الوقاية من الدجال
وأيضاً من الأسباب الواقية من الدجال، سبق وأن قلنا في تحذير النبي ﷺ: إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، أن:
أولاً: العقيدة الصحيحة أعظم ما يقاوم به الدجال، أن يعتقد بالله ، اعتقادا صحيحاً في ربوبيته وألوهيته وأسماءه وصفاته وأن الله لا يلحقه نقص وليس به نقص وليس بأعور، إذا اعتقد الإنسان بالله العقيدة السليمة، وأن الله لا يرى في الدنيا، لأن هذه دراسة العقيدة ما هي فائدتها؟ والأسماء والصفات ورؤية الله؟
الفائدة إذا بعث الدجال والإنسان عنده عقيدة قوية يثبت.
الثاني: التعوذ من فتنة الدجال وخاصة في الصلاة، نحن ماذا نقول في كل صلاة؟
كان النبي ﷺ يدعو: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات [رواه البخاري: 832].
وأمر طاووس الإمام ابنه أن يعيد الصلاة لما لم يقرأ الدعاء.
قال السفاريني في "لوامع الأنوار البهية": مما ينبغي لكل عالم أن يبث أحاديث الدجال بين الأولاد والنساء والرجال.
وقد ورد أن من علامات خروجه نسيان ذكره على المنابر كما ورد معنا.
إذن، شوف الآن بعد ما تتعلم قضية الدجال وفتنة الدجال هذه تجد للاستعاذة بالله من فتنته في الصلاة طعماً آخراً لم تجده من قبل، والآن نحن نقرأ يعني "أعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال..."، لكن الآن يصبح لها بعد العلم طعماً آخراً.
وماذا يقال عند رؤيته؟
قال ﷺ: إن من بعدكم الكذاب المضل وإن رأسه من بعده حبك حبك حبك ثلاث مرات [رواه أحمد: 23159].
ومر معنا سابقاً: أن شعر الدجال أجعد، أجعد.
وإنه سيقول: أنا ربكم، فمن قال:لست ربنا، لكن ربنا الله عليه توكلنا، وإليه أنبنا، نعوذ بالله من شرك[رواه أحمد: 23159].
إذن، هذه عبارة تقال عند رؤية الدجال: لست ربنا، لكن ربنا الله عليه توكلنا وإليه أنبنا، نعوذ بالله من شرك .
إذا قال العبارة هذه ماذا سيحصل؟
قال ﷺ: لم يكن له عليه سلطان لم يكن للدجال على قائل هذا الكلام سلطان، قال في صحيح مسلم من أحاديث الفتن: "إسناده صحيح"[رواه أحمد: 23159].
ومن أهم الأشياء حفظ آيات من سورة الكهف لقراءتها على الدجال لو خرج، قال ﷺ: من أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف [رواه مسلم: 2937].
وقال: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال[رواه مسلم: 809].
يعني من فتنة الدجال.
طيب لو قال واحد: ماذا في أول عشر آيات؟ فيها ذكر النبأ العجيب في الفتية الذين آمنوا بربهم، كيف أن الله آواهم إلى غار أو إلى كهف وألقى عيهم النوم ثلاثمائة سنة، وجعلهم من الآمنين. أليست أعجوبة؟ ما طالت شعورهم وأظفارهم! بقوا محفوظين! ما عفنت أجسادهم، محفوظين! حتى الكلب، يحرس! وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا[الكهف: 18] الله ألقى الرعب في قلب أي واحد يأتي يقترب ويرى هؤلاء في الكهف.
وذلك ما أحد مسهم ثلاثمائة سنة، ثم بعثهم الله، "قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [الكهف: 19].
لو كانت الأظفار طويلة كان عرفوا، لكن ظنوا أنه يوم أو بعض يوم.
إذن، بداية سورة الكهف فيها أعجوبة، فكأن الذي يقرأ العشر آيات هذه يذكر نفسه أن لله أعاجيب في خلقه، والدجال واحد من الأعاجيب.
فالله خلق الفتية وآواهم ثلاثمائة سنة، والدجال كذلك.
فإذن، في مناسبة بين العشر آيات وبين الدجال من هذه الجهة.
وقال ﷺ: من قرأ سورة الكهف كما أنزلت ثم خرج إلى الدجال لم يسلط عليه أو لم يكن له عليه سبيل يعني إذا الدجال اقترب، من أراد المواجهة فليقرأ سورة الكهف قبل أن يخرج. قال الألباني: "صحيح لغيره".
والذي يظن أنه لا يستطيع المواجهة يهرب ولو في الجبال، ولو في الجبال يهرب.
طيب، هذا الدجال كيف الله أعطاه هذه الأعاجيب! يعني أمام الناس يحيي الموتى! الناس يفتتنون به!
ولكن أصلا الحياة هذه بإذن الله.
في معجزات عيسى وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي [المائدة: 110] يعني هو إذن الله، والله على كل شيء قدير، إذا شاء وأذن ما يبقى في طريقه، خلاص لا يبقى أحد، لا يمكن أن يعترض هذا أحد، خلاص شيء قدره الله وسيقع.
طبعاً الأعاجيب هذه في فتنة الدجال، بعض الناس، خصوصاً من كان علمه قليلاً، إذا فوجئ بهذا التدفق من المعلومات عن فتنة الدجال والتفاصيل هذه، يعني يقول: كأنه فيلم! كأنه يعني خيال! لكن نحن المسلمون، ونؤمن بالغيب، والخبر من الصادق المصدوق ﷺ ، وإذا جاءت هذه الأشياء في الأحاديث الصحيحة ما يمكن أن ندفعها، ولا يمكن أن نردها، ولا يمكن أن نقول: ما هذا! هذه أشياء مستبعدة!
بعض الناس يمكن يستبعد، بل بعض الناس يكذب بالدجال، في منْ يقول: يا أخي هذا كلام، يعني ما هذا! هذه قصة! ما هذه! هذه قصة غريبة كذا! هذا معقول الكلام هذا!
وهؤلاء قد أخبر عنهم النبي ﷺ، فقد جاء في الحديث عن ابن عباس قال.
طبعاً الكلام الآن عن عمر لكن له حكم الرفع، عن ابن عباس قال: "خطب عمر بن الخطاب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "ألا وإنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم" يجحدون رجم الزاني، رجم ما في، "يكذبون بالرجم، وبالدجال وبالشفاعة وبعذاب القبر وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا" قال الألباني: "إسناده حسن"[رواه أحمد: 156].
طبعاً عمر لا يقول هذا من عنده، بالتأكيد أنه أخذها عن النبي ﷺ، يعني هذا إخبار عن أشياء مغيبة.
فالنبيﷺ أخبر أن هناك ناس سينكرون الدجال.
وفي ناس الآن إذا جلست معه قلت له يقول هذه، هذه أشياء غريبة عجيبة، هذه مستبعدة، ما أظن، وما هذا؟ هذا شيء! هل هذا يدخل العقل؟ في ناس يقول هل هذا يدخل العقل؟ يعني معقول يعني! وين الأقمار الصناعية؟ كان اكتشفوه من زمان!؟
سبحان الله! يعني الآن الأقمار الصناعية اكتشفت كل بوصة مربعة في الأرض؟
نحن الآن نسأل الكفار يعني: نقول أنتم الآن بأقماركم الصناعية اكتشفتم كل بوصة مربعة في الأرض؟ يعني أنتم الآن تعلمون كل ما في باطن الأرض، وما في باطن البحار أنتم تعلمونه؟
أنتم الآن مسحتم باطن قيعان المحيطات كلها؟ أنتم تعرفون القارة القطبية الجنوبية والشمالية كلها؟ وتعرفون ما الذي تحت الجليد كله؟ وتعرفون ما الذي تحت الجبال؟ وتعرفون قيعان المحيطات؟
لا.
طبعاً وبالتأكيد لا.
إذا كانوا ما اكتشفوا كل الأرض فكيف يقول قائل: لو كان الدجال موجود كانوا اكتشفوه!
وسيأتينا في خبر يأجوج ومأجوج، ويأجوج ومأجوج هؤلاء يعني ملايين، ما هو واحد واثنين، وسيقول المكذبون: وين يأجوج ومأجوج عن الأقمار الصناعية؟
إذن، الدجال حق، ومن يكذب به من أهل الباطل، ونحن نتعوذ بالله من فتنة الدجال في كل صلاة. قال النووي عن عياض: "هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم في فتنة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخبز معه، وجنته وناره ونهريه وإتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله -تعالى- ومشيئته.
ثم يعجزه الله بعد ذلك، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ويبطل أمره، ويقتله عيسى ﷺف: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ[إبراهيم: 27].
هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار، خلافاً لمن أنكره من الخوارج والجهمية والمعتزلة.
فإذن، هؤلاء عميت أبصارهم عن الحق فأنكروا.
قال الشيخ التويجري: وقد اشتملت الأبواب في ذكر الدجال على أكثر من مائة وتسعين حديثاً من الصحاح والحسان سوى ما فيها من الأحاديث الضعيفة.
كل هذه الأحاديث أين نذهب بها؟
حق، الأحاديث الصحيحة التي وردت فيه حق عن النبي ﷺ: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3-4].
وقد أجمع أهل السنة والجماعة على خروج الدجال في آخر الزمان، وذكروا ذلك في العقائد السلفية، وبذلك يعلم أن من أنكر خروجه فقد خالف ما عليه أهل السنة والجماعة مع مخالفته للأحاديث الصحيحة، وكفى بذلك جهلاً وضلالاً عن الحق.
وفتنة الدجال طبعاً -أيها الإخوة- فيها دروس بليغة، وعظات عظيمة، فهذا خلق من خلق الله، والله على كل شيء قدير، ويدل على عظم الله تعالى، وعظمة الله أنه يخلق مثل هذا المخلوق، يعني فعلاً ترى مثالاً على قدرة الله وأنت تقرأ قصة الدجال، كيف أن الله خلق هذا الإنسان، هذا اليهودي، وكيف جعل له هذه الفتنة هذه الفتنة ليمتحن العباد.
ومن حكمة الله أنه يبتلي العباد ويتبين المرتاب من المؤمن.
وهذه الأحاديث ينبغي أن تنقل، والعلم بالدجال ينبغي أن يشاع؛ لأنه ما دام سيظهر لا بد أن يكون المسلمون على دراية بالموضوع وعلى معرفة بهذا، وكيف المواجهة، كيف ستتم مواجهة الدجال.
إذن، علينا أن نغرس الاستعاذة منه ومن شره في نفوس أبنائنا وأهل بيوتنا، ونذكر أنفسنا بالاستعاذة من شره في كل صلاة، ونحفظ أول عشر آيات من سورة الكهف، مهم جداً حفظ أول عشر آيات من سورة الكهف؛ لأنه السلاح الذي نقاتل به الدجال إذا خرج.
مع دراسة العقيدة الصحيحة الإيمان بالله حتى يكون الإنسان محصن إذا خرج الدجال، مهما زخرف له وأثار من الشبهات لا ينخدع به.
بهذا نكون قد أنهينا موضوع الدجال الأكبر، وبقي في الموضوع بحث ذو صلة وهو: قصة ابن صياد.
قصة ابن صياد الذي كان على عهد النبي ﷺ، الغلام اليهودي الذي كان النبي ﷺ يظنه الدجال، ونهاية بحث عدد من العلماء فيه أنه دجال من الدجاجلة، وليس الدجال الأكبر.
لكن قصة ابن صياد وكيف ظهر، وكيف تعامل النبي ﷺ معه، وما هي قصة هذا الولد، ثم كبر بعد ذلك، إذا سنح وقت في أثناء هذه الدورة سنمر عليه إن شاء الله.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد.