الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
قدر الله جارٍ في خلقه
الحمد لله الذي قدَّر الأمور وقضاها، وعلى ما سبق علمه بها أمضاها، وكما قدَّر مبدأها قدَّر منتهاها ، قد أظهر لنا الأدلَّة على وحدانيته، وقد خلق الخلق وأعمالهم، والله خالقُ كُلِّ شيءٍ، وهذا من القواعد الأساسية في التَّوحيد: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ[النحل: 17]، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ[الزمر: 62]، لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ[النحل: 20].
فالله خلق البشر وأعمالهم، كما قال سبحانه: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ[الصافات: 96] فنحن وأعمالنا من مخلوقاته، وهو قد خلق الخير وخلق الشَّر سبحانه، وخلق لنا إراداتٍ وقدرةً يحاسبنا عليها، ونحن لا نستطيع أن نخلق شيئًا، وإنَّما نعمل بالقدرة التي أعطانا، وقد هدانا طريق الخير وطريق الشَّرِّ، وبيَّن لنا الطَّريقين، والله له قدرٌ نافذٌ ماضٍ في خلقه، ولمَّا خلق السَّماوات والأرض كان خلقه لهما مكتوبًا في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهما، فإنَّه قد خلق اللوح وخلق القلم وأمر القلم أن يكتب، فجرى بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، جرى القلم في اللوح الذي أقسم الله به، والقلم الذي أقسم الله به: وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ[الطور: 1-6]، ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ[القلم: 1].
وهذا القدر نافذٌ لا يمكن أن يخرج عنه النَّاس، فقدر الله ماضٍ.
إنَّ الله جعل لكُلِّ شيءٍ سبباً
ومن حكمته أن جعل للأمور أسبابًا، فإذا وُجدت الأسباب وجدت النَّتائج بأمره سبحانه، وهذا من سننه في خلقه، وهذه الأسباب قد لا تعمل وتتخلَّف عن العمل لأمره ، ولذلك فإنَّ الله خالقُ الأسباب وخالق النَّتائج، وقد يُوجِد شيئًا على غير العادة، كما خلق عيسى من غير أبٍ وهذه المعجزات التي كانت للأنبياء، وكذلك فإنَّه جعل أمر الخلق إليه ولم يجعله إلى خلقه، وقد ضلَّ في هذا الباب فئامٌ من البشر فزعم بعضهم أنَّهم يخلقون، ومن الغرور في البشرية أن يعتقد بعضهم أنَّه يخلق، وقد كان فيهم من يعتقد بأنَّ الإنسان يخلق فعله، وأنَّ البشر يخلقون أفعالهم بأنفسهم، ولذلك كان هؤلاء القدرية الضُّلال من أوائل من انحرف في هذه الأمَّة، وكانت القصة مع ابن عمر أن بريء منهم حتى يؤمنوا بأنَّ الله خلق أعمالهم، والله لما أرسل جبريل إلى النَّبيِّ ﷺ بأركان الإيمان السَّتة؛ كان من تلك الأركان: والإيمان بالقدر خيره وشرِّه[رواه مسلم: 8].
والقدريَّة هؤلاء الذين يقولون إنَّ الإنسان يخلق فعله بنفسه لهم صور متعددة، وهذه الصُّور تكون أحيانًا على شكل مذاهبٍ منحرفة تظهر في الواقع، ومن هؤلاء المنحرفين في هذا الزَّمان أصحاب خرافة قانون الجذب، الذي واحدٌ من صور الكفر الموجودة على وجه الأرض اليوم، والذي يزعم أصحابه أنَّك إذا فكَّرت تُفكِّر في شيءٍ فينجذب إليك، فيكون أيُّ شيءٍ تريده فكِّر به فستنجذب ذبذباته إلى الذَّبذبات التي أطلقتها بفكرك، ويكون من الذي يخلق الله وبأيِّ شيءٍ يخلق بالكلمة: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[يس: 82].
وقد سبق أن بيَّنا في سلسلة في حماية التَّوحيد وحماية منهج السلف طائفةً من الانحرافات الموجودة، وبيان مخالفتها لعقيدة التَّوحيد.
نشرع هذه الليلة بمشيئة الله في الكلام عن نوع من أنواع الانحرافات، وهذه المسألة مهمَّةٌ؛ لأنَّها تنشر كما قلنا اليوم عبر دوراتٍ متعددةٍ، وأحيانًا تأخذ سمة تطوير الذَّات ونحو ذلك، وبالتَّالي يكون فيها خداعٌ؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ يريد أن يطوِّر ذاته، فإذا بهم يقذفون إلينا بدوراتِ قانون الجذب.
نظرة في الدَّورات الحديثة المفيدة والمحرَّمة
وسبق أن ذكرنا بأنَّ من الدَّورات ما هو نافعٌ، بل منه ما هو عبادة: كدورات إقراء القرآن، وحفظ القرآن، ودورات شرح المتون الشَّرعية، والفقه، والحديث، وعلوم القرآن، ومصطلح الحديث، واللغة، وغير ذلك من الدَّورات الشَّرعية، ومنها ما هو مفيدٌ في الحياة: كدورات الإدارة والأهداف واتخاذ القرار والتَّفاوض، وقواعد فريق العمل، وكيف تتخذ قراراً؟ ودورات أسرية في تربية الأبناء والتَّوافق الزَّوجي، وفن الحوار، ومهارات الاتصال، وتنمية الشَّجاعة الأدبية، ودورات الخطابة والكتابة، ونحو ذلك ما دام هناك حكمةٌ وفائدةٌ، فإنَّ الحكمة ضالَّةُ المؤمن، وأنَّه يُشترَط في كُلِّ هذه الأشياء السَّلامة العامَّة في المنهج، وأنَّ يكون من يُلقي أن لا يلقي كفرًا ولا بدعةً ولا انحرافًا، وأن يكون هناك فائدةٌ حقيقةٌ من هذا، فليست خداعًا للنَّاس وأخذًا لأموالهم.
وأنَّ الدَّورات المحرَّمة مثل: دورات السِّحر، ودورات تعريف الكهانة والعرافة، وقضية المعالجة بالأحجار التي يُسمُّونها كريمة، وتقديس النَّفس وأنَّ الإنسان يخلق، وتقديس العقل الباطن وادِّعاء القدرات العجيبة له، والدَّورات المتأثِّرة بفلسفات الشَّرق وديانته: كدورات الطَّاقة واستمداد الطَّاقة من الكلِّي، والشّكرات والهالات الأثيرية، ونحو ذلك.
بعض الإنحرافات الحاصلة في قانون الجذب والسِّر
وهذا الموضوع من هذا الباب ما يُسمى بقانون الجذب والسِّر ونحو ذلك، كثيرٌ من هذه الأشياء كما قلنا مأخوذةٌ من إلحاديات الغرب، أو وثنيات الشَّرق، قضية رفع الإنسان فوق منزلته، وأنَّ باستطاعتك أنت يا أيُّها الإنسان أن تخلق، أن عندك طاقات وعملاقًا في داخلك يخلق ويفعل أيَّ شيءٍ تريده، إذاً فأين إرادة الله؟ وأين مشيئة الله؟ وأين قولنا في كُلِّ شيءٍ نريد أن نفعله غدًا: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ[الكهف: 23-24].
أين التَّوكُّل على الله؟ وأين اعتقاد أنَّ الله خالقُ الأسباب؟ وأين اعتقاد أنَّ السَّبب لا يعمل بنفسه؟ وأنَّه لولا الله فإنَّ السبب لا يعمل؟ وأنَّ الله لو أراد أن يسلب السَّبب خاصيته لسلبه، فما قطع السَّكين لو أراد إبراهيم أن يذبح إسماعيل، ولما أحرقت النَّار ولو أراد القوم أن يلقوا فيها إبراهيم، ومن الأحداث الكثيرة والوقائع العظيمة، يأتي اليوم من يقول تستطيع أن تخلق ما تريد وتفعل ما تريد وتجذب ما تشتهي، وتجلب الحظَّ الذي تريد، كُلُّ ما عليك أن تضبط ذبذباتك عن طريقة طاقتك مع ذبذبات ما تريده، وتحصل على ما تريد وتنهال عليك الثَّروة، يحدث النَّبي ﷺ قال: سيأتي على النَّاس سنواتٌ خداعاتٌ، يُصدَّق فيها الكاذب ويكذَّب فيها الصَّادق ويُؤتمن فيها الخائن ويخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرُّويبضة قيل: وما الرُّويبضة؟ قال: الرَّجل يتكلَّم في أمر العامَّة[رواه أحمد: 7899، وابن ماجه: 4036، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1887].
نحن الآن أمام عددٍ من الأشخاص الذين يُستضافون أحيانًا في الشَّاشات وغيرها، ويعملون الدَّورات ويُقدَّمون على أنَّهم مدرِّبون عالميون ونحو ذلك، والقضية كما نرى فيها من خرافات القوم والوثنيات والإلحاديات وغرور البشر، فالبشر في هذا الزَّمن المتأخِّر لما صار عندهم اختراعاتٍ وصار عندهم تفوُّق في العوالم المتنوعة في الطِّب، والفلك، والاتصالات التَّقنية، وفي البرمجة في الكشوفات، وفي الجغرافية، وأنواع الأجهزة والاختراعات، صار هناك غرورٌ حقيقيٌّ عند بعض البشرية، وهذا الغرور هو يعبِّر عنه أحيانًا بأنَّنا نحن نستطيع أن نفعل أيَّ شيءٍ، فالبشرية على وشك أن تكتشف سرَّ الموت، وعلى وشك أن تكتشف سرَّ الخلود، وأن عمَّا قريبٍ ستختفي الأمراض كُلُّها وينتهي شيءٌ اسمه موت، فلا هرم ولا شيخوخة ولا موت، إلى هذه الدَّرجة وصلت القضية: لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا[الفرقان: 3].
مات وهلك المخترع: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ[الزمر: 62]، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ[الرحمن: 26-27] كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ[القصص: 88] سبحانه، وعندما تختلُّ الموازين، وعندما يتصدَّر الجاهل وعندما يُخالَف التَّوحيد وعندما لا يكون هناك عقيدةُ توحيدٍ صحيحةٍ مستقرةٍ في النَّفوس يحدث كُلُّ هذا ويخرج كتابٌ بعنوان: قانون الجذب والسِّرِّ، وينتشر صيته ويحقِّق مبيعاتٍ هائلةً وملايين النُّسخ، ويُتَرجَم إلى أكثر من ثلاثين لغةٍ من اللغات الحيَّة ومنها اللغة العربية، وينال شهرةً إعلاميةً كبيرةً، وتُقدَّم برامج فضائية حوله، ويُقدَّم كتاب السِّر بصورةٍ برَّاقةٍ وقوالب متنوعة، ويوزَّع على المنافذ المختلفة، وهذا التَّقديس لهذا المخلوق الذي يريدون رفعه فوق منزلته، ويتحدَّثون عن إيقاظ المارد والعملاق، وكأنَّه سيفعل كُلَّ شيءٍ حتى يأخذ خصوصيات ربِّنا ، وعندما تُدغدِغ العواطف فكُلُّ ما تتمنَّاه سيحصل، ما عليك إلَّا أن تفكِّر فقط في الشَّيء الذي تريده، وسينجذب إليك ويقع، وتستطيع أن تجذب ثروةً وصحةً وسعادةً، تمنَّى واحلم بالشَّيء فستراه أمامك، ستحصل حتى على شفاءٍ من السَّرطان ومن الفشل الكلوي، وستذهب هذه الأشياء كُلُّها، وياليت أنَّهم قالوا بدواءٍ مثلاً، لقلنا إنَّ الله لم ينزل داءً إلا أنزل له دواءً عرفه من عرفه وجهله من جهله، ولقلنا لعلهم يبحثون عن الدواء الذي ذكره الله، وهذا شيءٌ حقيقيٌّ، لكن ليست القضية البحث عن دواءٍ مما خلقه الله في الطَّبيعة للأمراض، كلَّا بل حتى ليس بسببٍ شرعيٍ، أرأيت لو أنَّ إنسانًا يريد شجرًا وثمرًا ماذا يفعل؟ يبذل السَّبب فيزرع، أرأيت لو أنَّه يريد ولدًا ماذا يفعل؟ يتزوَّج.
أرأيت لو أنَّه يريد ثروةً ماذا يفعل؟ يتاجر، هذه أسباب خلقها الله، فيأتي هؤلاء يقولون لك أنت فكِّر وستنجذب إليك الأشياء، قضية ملامسة المزينات ودغدغة العواطف بها، المسألة مكشوفة فالله قال: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[آل عمران: 14].
لكن حتى هذه الأشياء: الْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِبالإضافة إلى النِّساء والبنين لا تحصل إلا بأسبابٍ، تقوم بالبحث عن زوجةٍ فتنال من النِّساء قتتزوجها فتحصل على البنين والبنات ما شاء الله: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًافلا ينال شيئًا مع أنَّه عمل بالسَّبب تزوج ووطئ لكن الله ما أراد له الولد، ثُمَّ قد لا يقع بأمر الله؛ ليعلم العباد أنَّ كُلَّ شيءٍ من عنده، وأنَّ المسألة ليست فقط بذل السَّبب، فلولا مشيئته لا يعمل السَّبب، وهؤلاء يقولون السَّبب وحده ينفع ويضر، فيقولون فَكِّر وركِّز وستنجذب إليك الأشياء ويقع ما تريد، فأيُّ هراءٍ هذا؟ بل أيُّ جنونٍ هذا؟.
الفرق بين التَّفاؤل وقانون الجذب
ثُمَّ يربطون المسألة بقضية الأسلمات الوهمية، يقولون مثلاً: أليس الشَّرع قد جاء بالتَّفاؤل وهذا من التَّفاؤل، ولكنهم يدَّعون التَّفاؤل بغير أسباب، نقول لهم: أنت لمَّا تريد زرعًا مثلاً: هل تتفاءل أن يحدث لك زرعٌ ويكون لك مزرعةٌ وأشجارٌ وثمارٌ بدون أن يكون عندك أرضٌ وبدون أنَّ تُبذر وتسقي وتحرث وبدون أنَّ تعتني بالزَّرع ويكون لك ثمارٌ وشجرٌ؟ ما هذا؟ أنت تتَّخذ السَّبب وتأتي بالأرض وتُفلح وتحرث وتزرع وتسقي وتتعاهد وتتفاءل، إذًا متى يكون التَّفاؤل؟ مع بذل السَّبب، أنت تتزوَّج تبتغي الولد وتتفاءل أن يكون صالحًا، هذا هو التَّفاؤل الشَّرعي، المسلمون يخرجون للجهاد في سبيل الله وقد أعدُّوا العُدَّة والجيش صفًا واحدًا كأنَّه بنيانٌ مرصوصٌ ويتفاءلون بنصر الله، هذا هو التَّفاؤل الصَّحيح وهذا هو التَّفاؤل الشَّرعي، لكن هؤلاء يقولون قانون السِّرِّ وقانون الجذب، ما عليك إلَّا أن ترُكِّز والذَّبذبات ستجذب لك ما تريد، فهل هذا هو التَّفاؤل؟ قامت منتجةُ أفلامٍ أسترالية تُدعى روندا بايرن بتألف كتاب السِّر، وأصدرته مع فلم أيضاً وأصبحت من ضمن قائمة المائة شخص الأكثر تأثيرًا، بزعم من جمع هذه القائمة -وكُلُّ واحدٍ يستطيع أن يجمع قائمة- هذه الكاتبة التي تنتمي إلى حركة الفكر الجديد الباطنية، التي يؤمن أصحابها بمجموع من المبادئ الميتافيزيقية ما وراء الطَّبيعية التي تزعم طرائق في العلاج -ما أنزل الله بها من سلطان- وقدرات خارقة للإنسان، وجعلت تُروِّج لمفاهيم من خلال هذا الكتاب، وتحكي سبب تأليفها وأنَّ حياتها قد كانت تحطمت، ثُمَّ بدا لها لمحة من سر الحياة وتتبَّعت مسار السِّرِّ عبر التَّاريخ، ووجد العظماء كُلُّهم كانوا مطَّلعين على هذا السِّر، ادِّعاءات وبعضها أقرب إلى الخبل والجنون، ثُمَّ أرادت أن تخدم البشرية فكتبت هذا الكتاب، فيتلقَّفه بعض المسلمين -مع الأسف- ويؤمنون بما فيه ويجعلون له دوراتٍ، ويجعلون أنفسهم مدرِّبين عليه، ويعملون لقاءاتٍ فضائية فيه ويقومون بكتابات ونحوه، وهي مسألة تحصيل أموال في النِّهاية من النَّاس مِن الذين سيصدِّقونهم.
قانون الجذب وعقيدة وحدة الوجود
والقضية مبنية على عقيدة الدَّهرية فحتى الكفر الذي أتت به هذه الأسترالية ليس بكفرٍ جديدٍ، وإنَّما هو كفرٌ قديمٌ كان موجوداً سابقًا، الذي يتمثل بوحدة الوجود، فعندهم كُلُّ شيءٍ هو الله الجدار وأنا وأنت، هذه عقيدة كفرية قديمة وليس بجديد، فالدَّهرية كانوا يعتقدون أنَّ كُلَّ ستة وثلاثين ألف سنة يعود كُلُّ شيءٍ على ما كان عليه، وهكذا تمضي الدَّورة والعجلة حتى تنتهي، ستة وثلاثين ألف سنةٍ بأحداثها وحروبها ومكتشفاتها ومخترعاتها، ثُمَّ تعود من جديد وهكذا، ولا يوجد بعثٌ ولا نشورٌ ولا جنَّةٌ ولا نارٌ، كلامُ كفرٍ قديمٍ، وكذا قضية تناسخ الأرواح، وأنَّه لا يوجد موتٌ ولا حياةٌ، لا يوجد بعثٌ ولا نشورٌ، فقد سبق وأن نُشر هذا الكفر في عام 1906 في كتاب ذبذبات الفكر أو قانون الجذب في عالم الفكر لوليام وكر أتكنسن، الذي أُعيدت طباعة الكتاب بعده بنحو مائة عام، وهذه المنتجة التي تقول: إنَّ الذي أوحى إليها بذلك تأثُّرها وقناعتها بعدما قرأت كتابًا اسمه علم الوصول للغنى لولاس واتلز المنشور عام 1910، حتى هذا الفيلم الذي جاء مع هذا الكتاب كُلُّه على هذه القضية: خرافة السِّرِّ، وأنَّ النَّفس البشرية فيها هذه الأسرار التي تخلق الأشياء وتجتذب من القدر المطلوبات، إذا تريد ثروةً فتستطيع من خلال الذَّبذبات والترَّكيز والفكر أن تجتذب الثَّروة، ولو كان هذا الكلام صحيحًا إذًا كُلُّ واحدٍ يفكِّر ويركِّز والذَّبذبات ستعمل عملها وستأتي بالثَّروة، ولكن كثيرًا من هؤلاء المساكين الذين قرءوا وجاءوا للدَّورات ودفعوا مالاً وحضروا وفكَّروا وركَّزوا لم يحصل لهم إلا ذهاب المال بدون مجيء الثَّروة.
الشَّرع يدعو إلى اتخاذ الأسباب والعمل بها
لما تُضخَّم إمكانيات الإنسان لدرجة أن يقال الإنسان قادرٌ على التَّحكم التَّام في مستقبله، من الذي يعلم المستقبل؟ اللهُ علَّام الغيوب: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا[الجن: 26].
الله قهر العباد بهذا، فأقوى قوةٍ في العالم لا تعرف ماذا سيحدث غدًا: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[لقمان: 34].
فلما يقول لك أصحاب هذه النَّظريات: أنت تصنع مستقبلك، نقول فهذا الذي يصنع المستقبل قد يموت غدًا وتنتهي القضية وما فعل شيئًا، فالشَّرع علَّمنا أن نتخذ الأسباب ونعمل بها، وعلَّمنا أن نزرع الزَّرع حتى لو كنا لن ندرك ثمرته، سُئِل فلاحٌ من الحكماء كبيرٌ في السِّن يزرع شجرةً -معلومٌ أنَّها ستأخذ سنواتٍ طويلة حتى تثمر- فقيل له: لماذا تزرع هذه وأنت لن تعيش حتى تدرك ثمرتها؟
قال: كما زرع آباؤنا لنا فأكلنا فنحن نزرع لأولادنا فيأكلون، هذه حكمة وهذا شيءٌ طبيعيٌّ، فإذًا ليس كُلُّ ما يريده الإنسان يحدث إذًا لصار إلهاً، من الذي إذا أراد شيئًا كان مهماً كان وما لم يشأ لم يكن؟ اللهُ ، وأمَّا ادِّعاء أنَّ ما أراده الإنسان سيحدث، وأنَّ القضية ذبذباتٌ وطاقاتٌ وأشياء ترسل وتستقبل وكن فيكون، الإنسان ضعيفٌ فما هذا التَّهويل؟ وما هذا التَّضخيم؟ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا[النساء: 28].
خُلِق ظلومًا جهولاً، لو ما أنزل الله إليه شرعًا يعمل به ولا نوَّر دربَه بهذا الدِّين لهلك وما استطاع شيئاً، فالبشريَّة بدون شريعة بهائم وأدنى من البهائم؛ لأنَّ الله قال: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا[الفرقان: 44].
فإذاً جعل الله لهم شرعًا وأنزله واتبعوه فصاروا بمنزلة عظيمةٍ، وصاروا عند الله أفضل من الملائكة.
قانون الجذب قائمٌ على فكرة أنَّ الإنسان مُدبِّر في الكون
وفي عقيدة الباطنية أنَّ الكون مؤلفٌ من ذبذباتٍ، وأنَّ تفكير الإنسان عبارةٌ عن صور تحوي ذبذبات هي الأخرى، انظر هذه الخرافة والقانون عندهم! يقولون: الكون مؤلفٌ من ذبذباتٍ وتفكير الإنسان عبارةٌ عن صور لها ذبذباتٍ فإذا استطاع الشَّخص أن يحكم المعادلة بين ذبذبات أفكاره والذَّبذبات الموجودة في الكون، ويعمل الاتصال الصَّحيح أتاه الشَّيءُ الذي يريده، وحصل وصار شريكًا في تدبيره، انظر الكلمة التي نصَّوا عليها في كلامهم وقانونهم: قانون السِّرِّ والجذب: صار الإنسان شريكًا في تدبيره، الله له شريك؟! لا شريك له في ملكه ولا شريك له أمره ولا شريك له في خلقه ولا شريك له في قضائه وقدره وهؤلاء يقولون له شريكٌ! يصبح الإنسان شريكًا في التَّدبير؟ فأولُ شيءٍ في التَّوحيد: لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، فالله لم يخلقه أحدٌ: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ[الإخلاص: 3].
بل خلق كُلَّ شيءٍ، كان الله ولم يكن شيء معه، كان الله ولم يكن شيء قبله، كان الله هو الأوَّل والآخر والظَّاهر والباطن ، إذًا المسألة هذه هي مناقضة لبدهيات التَّوحيد وأساسيات الدِّين، هذا القانون المزعوم: قانون الجذب قائم على تعظيم الذَّات الإنسانية، وتأليه النَّفس البشرية، قائمٌ على فكرة أنَّ الإنسان سيِّدٌ للقدر، إذا أمر سيحصل، من هو الذي إذا أمر سيحصل؟ اللهُ ، وهؤلاء يقولون باستطاعة الإنسان عن طريق تعديل حالته الذِّهنية أن يتحكَّم بمستقبله، ويستطيع بتغيير حالاته الذَّهنية أن يغيِّر واقعه الصِّحي، يا أخي: من هو الشَّافي؟ الله الشَّافي فلا شافي إلَّا هو: اشف أنت الشَّافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقمًا[رواه البخاري: 5410، ومسلم: 2191].
يعني: لا يترك مرضًا، ثم يُقال: أنت بالحِكم بالعقلية تستطيع أن تشفي نفسك، من اعتقد أنَّه يشفي نفسه أو يشفي غيره كَفَرَ؛ لأنَّ الشَّافي الله، وهذا من توحيد الرُّبوبية، الطَّبيب يعالج ولا يشفي ومن زعم أن الطَّبيب يشفي كَذَبَ وكَفَر، فلا يشفي إلَّا الله، وإنَّما الطَّبيب يُعالج وقد ينفع علاجه وقد لا ينفع، وعلاج الطَّبيب للمريض من باب اتِّخاذ الأسباب التي جاءت بها الشريعة، فالدَّواء إذا كان مباحًا فهو من اتِّخاذ السَّبب، والذِّهاب إلى الطَّبيب الخبير أو إلى المستشفى من اتخاذ السَّبب، وهذه الأسباب لها نتائج، وهذا هو قانون الله أن جعل له سُننًا في الكون، لكن إذا أراد الله ألَّا يعمل السَّبب، وإذا قضى وقدَّر أنَّ السَّبب يتخلَّف عن العمل لن يعمل ولن يشفى وسيموت الطَّبيب وليس فقط المريض.
قل للطَّبيب تخطَّفته يد الرَّدى | من يا طبيب بطبه أرداك |
نحن علينا بذل الأسباب الشَّرعية والتَّوكُّل على الله والتَّفاؤل بالنَّتائج، هذه هي الطَّريقة الشَّرعية الصَّحيحة، لكن أن نعتقد أنَّنا نحن نخلق الشِّفاء، وأنَّ تغيير ما في عقليتنا سيجلب الشَّفاء، ولا بُدّ وأنَّنا شركاء في القدر، وأنَّنا شركاء لله في التَّدبير؛ هذا واللهِ هو الكفر.
دوراتُ التَّنمية البشرية وما فيها من ترويج للكفر
ويروَّج الكفر في الدَّورات التي تُسمى دوراتُ التَّنمية البشرية، ودورات تطوير المهارات، ودورات تطوير الذَّات، هذا بعضهم يقول: النَّاس سيصلون للكمال المطلق، فماذا يعني الكمال المطلق؟ يعني: قوةٌ خارقةٌ لا يمرض ولا يهرم لا يموت ولا يتعب، كيف والله هو الذي خلقكم؟ خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةًشباب ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً[الروم: 54].
وقد أخبر ﷺ عن كُلِّ داءٍ أنَّ له دواء إلَّا الهرم فليس له دواء، فإذا كبر سيهرم ويموت، يعني: سيهرم ويموت حتمًا لازمًا، مهما تقدَّمت البشرية ومهما اخترعت فلا خروج عن هذا، ثُمَّ يزعم أصحاب هذا القانون أنَّ قانونهم كونيٌّ يجتذب صاحبه كُلَّ ما يريد من الحياة والصِّحة والسَّعادة والثَّروة والحب، ويقول أحدُهم: حين تُفكِّر بشأن الأمور التي تبتغيها وتركِّز عليها بِكُلِّ انتباهك، سوف يمنحك قانونُ الجذب عندئذٍ ما تبتغيه بالضَّبط في كُلِّ مرةٍ، فإذًا بهذا القانون تجذب القدر الذي تصنعه أنت، إذاً فأين ما كتبه الله في اللَّوح المحفوظ؟
فلا مكان للقدر المكتوب عند هؤلاء في الحقيقة، وبعضٌ من الذين يُقدِّمون هذه الدَّورات من المسلمين لا يجرؤ أن يُصرِّح بهذا الكفر، وقد يكون بعضُهم صادقًا أنَّه لا يعتقده، يقول: أنا لا أعتقد الكلام هذا، ولكن هذا من التَّفاؤل، والشَّرع جاء بالتَّفاؤل، نقول الشَّرع جاء ببذل الأسباب الشَّرعية والمباحة، والتَّفاؤل أمَّا بدون بذل أسبابٍ فبماذا تتفاءل؟ واليوم في عصر هزيمة الأمَّة على أصعدة مختلفة وتسلُّط أعداءها عليها يجيء بعض النَّاس بدون ما يبذل أي سببٍ واحدٍ، كسلانٌ لاهٍ في الدُّنيا يقول: بالنُّسبة لواقع المسلمين فأنا متفاءلٌ، نقول له: التَّفاؤل أنَّ على كُلِّ واحدٍ أن يدعو أو يعلِّم أو ينافح أو يبذل أو يجاهد أو يصدُّ هجمةً أو يعمل خيراً أو يُربِّي ثم ليتفاءل، أمَّا شخصٌ كسلانٌ لا يعمل شيئاً للدِّين لاهٍ في دنياه فيقول أنا متفاءل!
طُرق أسلمتهم لقانون الجذب
على أيَّة حال فقانون السِّر وخرافة الجذب هذه المزعومة: قائمةٌ على أنَّ الإيمان: بأنَّ المشاعر والأفكار تجذب الوقائع والأحداث الحقيقية، لاحِظ: ليست أعمال، وليس أنَّك تحرث أرضًا وتبذل وتزرع، ولا أن تتزوَّج امرأةً وتطأ وترجو الولدَ، ولا أن تتاجر وتبيع وتشتري وتبتغي ربحًا وثروة، لا فالمشاعر والأفكار فقط تجذب الوقائع والأحداث الحقيقية في هذا العالم إلى حياتنا، سواءً كانت أحداثًا كبرى في الكون والأفلاك، أو وقائع التَّفاعل بين النَّاس في شؤونهم الجسدية والعاطفية والمهنية، هذه عقيدةٌ كفريةٌ، عقيدةٌ أجنبيةٌ وافدةٌ، غزت عقول بعض المسلمين، فانخدعنا بها وروَّجناها، وصار لها دوراتٌ وآمنَّا بها ولبَّسناها لباسَ التَّفاؤل، وبعض المدرِّبين يجيء يشرح في قانون الجذب ويقول: وقد عاد النَّبي ﷺ رجلاً فقال له: طهورٌ، تفاؤلٌ يعني، فقال الشَّيخ: لا، أيُّ طهورٍ؟ بل حمى تفور على شيخٍ كبيرٍ تزيره القبور، فالرَّجل مات وحصل الكلام هذا فعلاً، انظر قانون الجذب كيف أثَّر! فهذا اسمه تضليلٌ وخداعٌ، ويجيء هو يقدِّمه في الدَّورة ويقول: انظروا كيف أنَّ النَّبيَّ يُعلِّمنا قانون الجذب!
يا أخي: النَّبيُّ ﷺ لما جاء إلى الرَّجل بذل سببًا عظيمًا شرعيًا وهو الدُّعاء، وقوله طهورٌ: طهَّرك الله من مرضك ومن ذنبك، ثانيًا: الرَّجل هذا مات فقط بالكلمات التي قالها وإلَّا لأنَّه النَّبي ﷺ قال: فنعم إذًا[رواه البخاري: 3420].
الرَّجل لما رفض الدُّعاء النَّبويِّ عندما قال له: طهور قال: أيُّ طهورٍ ولا طهور، بل حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور، النَّبي ﷺ قال: فنعم إذًا هذه الكلمة، فإذًا ليست المسألة فقط تفكير وجذب، هذا الكلام الذي قاله رفض الدُّعاء النَّبوي؛ لأنَّه قال له: طهورٌ يدعو له، فالنَّبيُّ ﷺ قال: فنعم إذًا دعا عليه، فإذاً حصلت بدعاء النَّبيِّ ﷺ، كما قال للرَّجل: كُل بيمينكقال: لا أستطيع -من الكبر- قال: لا استطعت[رواه مسلم: 2021].
دعاءٌ عليه أنَّه لا يستطيع، دعاء بسلب الاستطاعة فما رفعها انشلت، ولم تنشل بقانون الجذب، بل انشلت بالدُّعاء عليه، والدُّعاء سببٌ.
الفرق بين قدر الله وقانون الجذب
لو قال قائل: هذا قانون الجذب، نقول له: قانون الجذب ليس له شيءٌ ولا هو سببٌ شرعيٌ، فالله يعطيك دعاءً وهو سببٌ من الأسباب، فالله يغفر بالدُّعاء ويرزق بالدُّعاء ويحفظ بالدُّعاء ويشفي بالدُّعاء، فهو سببٌ كما أنَّ الدَّواء سببٌ وعلاج الطَّبيب سببٌ، وقد يحصل باستعمال العلاج والدَّواء وقد يحصل بالدُّعاء، فمن الممكن أنَّ المريض يدعو دعاءً ويُشفَى، فالدعاء سببٌ عظيمٌ، وليس هو فكرٌ كما يزعمون من أنَّ الذَّبذبات التي في عقلك تجذب إليك الشفاءَ لا، بل هناك دعاءٌ ندعو الله بحوله بقوته وهو الشَّافي ولا شفاء إلا شفاءه، ندعوه فيستجيب، ونبذل السَّبب في علاج الطَّبيب وفي تناول الدَّواء هذه هي الشَّريعة، ولا بأس باستعمال بعضها مع العقيدة السَّليمة فأنت عندك عقيدة لما تتداوى أنَّ الله الذي خلق الدَّواء وهو بقدرته يشفي بالدَّواء، والدَّواء سبب وأنَّ الله هو خالق الأسباب ، أمَّا هؤلاء يقولون تركيز وأفكار وذبذبات اشبك معه ويأتيك الشفاء، ويقولون: من خلال هذا القانون الأشدِّ فاعلية تتحوَّل أفكارك إلى وقائع ملموسةٍ، فهكذا هو التدريب من خلال الدَّورة أحيانًا يحثُّون المتدرِّب على تكرار جملة: "سأصبح غنيًا" ويقول له ركِّز وأطلق ذبذباتك وأغمض عينيك وفكِّر واشبك واعمل، فهو ينفخ في قربةٍ مخروقةٍ، فالله ما جعل هذا سبباً للثروة والمال، لكن هي هكذا هذه الدَّورات، فقل هذا لنفسك ودعه يتسرب ويتغلغل في وعيك وتتحوَّل أفكارك إلى وقائع ملموسةٍ! وينقلون -في مِثل هذا الذي يسمُّونه الفن- أنَّ كُلَّ الأشياء التي تحيط بك الآن في حياتك بما في ذلك الأمور التي تشتكي منها أنت المسؤول عن اجتذابها، فأنت من تجتذب المرض وأنت تجتذب الشِّفاء، وأنت تجتذب الثَّروة وأنت تجتذب الفقر، وأنت تجتذب السَّعادة وأنت تجتذب الشَّقاء، فعندهم كُلُّ شيءٍ بيدك أنت، فماذا بقي بيد الله؟ يشرح بعضهم القانون هذا ويقول أنَّ الأحداث التي تحدث لنا في الحياة ليست عشوائية، نحن نعرف أنَّها ليست عشوائية بل هي قدر من الله، وليس هناك ما يُسمى بالحظِّ والنَّحس، فهم يقولون: أنَّ كُلُّ ما يحدث لنا في الحياة سببه الأفكار التي تدور في أذهاننا.
قانون الجذب والأحداث المفاجئة
تقول روندا بايرن: إنَّني أعلم للوهلة الأولى أنَّك سوف تقول عن حادث سيارة حصل إنَّني لم أجذب السَّيارة، وأنا أقول لك هنا بكُلِّ وضوح: بلى لقد جذبت كُلَّ هذه الأشياء إليك، وممَّا يدلُّ على كذبها أنَّه تحدُثُ لنا أحيانًا حوادثٌ مفاجئةٌ ما فكَّرنا بها قبل ذلك أبداً، فقد يصير للشخص حادثُ سيارةٍ لم يُفكِّر فيه ولا ركَّز ولا جذب ولا ذبذب ولا عمل شيئاً، بل قدرٌ من الله صار فجأةً، وهذه تقول أن كُلَّ شيءٍ يحصل بالجذب، فقد يجيء بعضهم من الذين يريدون أن يُفلسفوا الباطل ويجعلوا عليه مسحةً إسلاميةً ويقول: إن هذا -كلام بايرن- هو قول الله تعالى: وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ[النساء: 79].
لا يا أيُّها الرُّجل يا أيُّها المسكين: وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَمعناه: بسبب الذُّنوب التي ارتكبتها، وليس هو أنت خلقت الحادث ولا أنت فكَّرت فيه وجذبته، لا لكن أنت عملت سيئاتٍ وعصيت الله واستحققت عقوبةً والله أنزلها بك في الدُّنيا، ولعلَّها تكون خيرًا لك وكفارةً، وعذاب الدُّنيا أهون من عذاب الآخرة: وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَففي الآية الذي أصابك هذا بسبب معصيتك وليس بسبب تفكيرك وجذبك للحادث، فكيف تقول أن كلام الأسترالية هو الذي في الآية نفسه؟ ما دخل الآية في كلام الكاتبة الأسترالية؟ الآية تقول أن المصائب التي تحدث للإنسان بسبب معصيته لله، فكُلُّ مصيبةٍ تحصل لك بسبب المعصية: وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وما أصابك من حسنةٍ فمن الله، وليس بالذَّبذبات والتَّركيز والجذب، بل هذه هبة ومنَّة ونعمة من الله: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ[النحل: 53] يعني: مصدرها الله ، وحتى الشَّر الذي يصير لنا من الله فهو خالق الخير وخالق الشَّر، وهذا الحادث قدرٌ من الله، لكن بسبب ما عصينا: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ[العنكبوت: 40]، فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[النحل: 112].
لم يهلك أحدًا إلا بذنبٍ ولم يوقع به مصيبةً ولم يعذِّبه إلا بذنبٍ: يا عبادي إنَّما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثم أُوفِّيكم إيَّاها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه[رواه مسلم: 2577].
بعضهم يريد أن يربط بين: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[الرعد:11].
وبين قانون الجذب، وهذا ربطٌ فاشلٌ، فما علاقة هذا بهذا؟ هذا سُنَّةٌ إلهيةٌ والتَّغيير يحتمل الأحسن والأسوأ، يعني: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ لا يغيِّر ما بهم من نعمةٍ إلى النَّقمة حتى يُغيِّروا من الطَّاعة إلى المعصية، ولا يغيِّر ما بهم من الجدب والهزيمة والقحط والفقر والذِّلة حتى يغيِّروا ما بأنفسهم من المعصية إلى الطَّاعة، فالتَّغيير من الجهتين، وبعض هؤلاء الذين يحاولون أسلمة النَّظريات المنحرفة هذه يربطوها مرةً بالتَّفاؤل ومرةًّ بالتَّغيير.
أعظم الكفريات في قانون الجذب والسِّر
وماذا سيفعلون لجدتهم الكبرى الأسترالية لمَّا تقول في كتابها الذي هو دستورهم تقول: إننا الخالقون لكوننا؟ هكذا تنصُّ في كتاب السِّر صفحة 27- 28. فكيف سيُمرِّرونها؟ وكيف سيأسلمونها؟ الله خالقُ كُلِّ شيءٍ: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ[الطور: 35-36].
وهذه تقول نحن الخالقون لكوننا، انظر الغرور البشري إلى أيِّ درجةٍ أنَّهم يقولون نحن خلقنا الكون ونحن خلقنا السَّماوات والأرض التي نعيش فيها! فهذا هو رأس المذهب الذي يقيمون فيه دوراتٍ ومقابلات: قانون الجذب وقانون السِّر، يقولون: الإنسان هو المتحكِّم وحده في كُلِّ شيءٍ يحدث له، فأين فعل الله وقدرته ومشيئته؟ وأين أفعال الله النَّافذة التي لا رادَّ لما قضى؟ أليس هو مُدبِّر الكون القائم على كُلِّ نفسٍ بما كسبت؟ وهؤلاء يقولون أن الإنسان مسؤولٌ ومتحكِّم في كُلِّ شيءٍ يحدث له في هذا الكون بسبب أفكاره ومشاعره وذبذباته، وحتى المرض أنت تجذبه، فإبراهيم ما قال هذا، بل قال: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ[الشعراء: 78- 80].
ما قال: وإذا أمرضتُ نفسي؛ لأنَّه استحيا أن يقول: والذي هو يمرضني ويشفين، مع أنَّ الله هو الذي يمرضه حقيقةً، ولكن أدبًا مع الله، بل قال إذا مرضت فهو يشفين وما قال أنا الذي أمرض نفسي وأنا الذي أشفيها، كما يقول أصحاب قانون خرافة السِّر وقانون الجذب، فإبراهيم إمامُ التَّوحيد يُعلِّمنا ذلك، وهؤلاء ينحرفون عن وحي الله ، فما يفعله بعض النَّاس من هؤلاء المنحرفين من أمثال صلاح الرَّاشد وغيره فهذا عملهم في هذه الكفريات، وبعضهم مساكين قد تجد عليهم مسحةَ خيرٍ فيطلعون في بعض البرامج الفضائية يقدِّمون دوراتٍ وأشياء، انظر كيف الافتتان يحدث! امرأةٌ أسترالية كتبت فهل يعني نترك ديننا وعقيدتنا وندخل في عالم الانحرافات لأنَّ في أسترالية كتبت؟ فعندنا القرآن والسُّنَّة والوحي الذي أنزله الله، فالله أولى من الأسترالية هذه، لكن إذا افتتن الشَّخص يرى الباطل حقًا والحقَّ باطلاً، ولماذا النَّبي ﷺ كان يستعيذ من هذا الحور بعد الكور ويسأل الله الثَّبات؟ يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك[الترمذي: 2140، وأحمد: 12128، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2091].
هناك أناسٌ -سبحان الله العظيم يا إخوان- إذا جاءته فكرةٌ أو وقع على كتابٍ أو شاهد فيلمًا أو قرأ روايةً يروح معها ويتأثر، ما ثبته الله وما أراد الله له ذلك.
نسأل الله أن يثبَّتنا بالقول الثَّابت في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة، وأن يحيينا مؤمنين ويتوفانا مسلمين، ويلحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.