السبت 22 جمادى الأولى 1446 هـ :: 23 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

ثابت كالنخلة نافع كالنحلة


عناصر المادة
الخطبة الاولى
المؤمن في دينه ثابت كالنخلة
المؤمن كله خير
الخطبة الثانية
المؤمن كالنحلة في حسن صفاته وأخلاقه
المؤمن كالنحلة في إتقان العمل

الخطبة الاولى

00:00:07

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

المؤمن في دينه ثابت كالنخلة

00:00:43

عباد الله:

لقد ضرب الله لنا الأمثال في القرآن لعلنا نتذكر، ولعلنا نعقل، ولعلنا نعلم، ومن ذلك قول الله : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ [سورة إبراهيم:24] وهذه الشجرة -كما جاء تفسيرها عن صحابة رسول الله ﷺ، هي النخلة، وهذه الكلمة التي مثل بها هي كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، وقد قال ﷺ: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنما مثل المسلم فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله، يعني ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، يعني لمكان الصحابة الكبار في المجلس، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ فقال: هي النخلة[1].

وهذه النخلة شأنها عظيم، هي شجرة طيبة أصلها ثابت، وهكذا المؤمن ثابت على التوحيد، ثابت على الإيمان، ثابت على الحق، مهما هبت عليه رياح الفتن والشبهات، فإنه ثابت، ثابت أمامها لا يتزعزع، ولا يتزحزح، بيقينه وصلته بربه وتمسكه بدينه.

النخلة شأنها عظيم، هي شجرة طيبة أصلها ثابت، وهكذا المؤمن ثابت على التوحيد، ثابت على الإيمان، ثابت على الحق، مهما هبت عليه رياح الفتن والشبهات، فإنه ثابت، ثابت أمامها لا يتزعزع، ولا يتزحزح، بيقينه وصلته بربه وتمسكه بدينه.

وهكذا يجب أن نكون اليوم في رياح الفتن العاتية، من الشبهات والشهوات، هذه الشجرة الطيبة في كثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجودها على الدوام، حتى لو يبست فإنه يستفاد من جمارها، وهو ما في قلبها يؤكل، وكذلك من خشبها وورقها وأغصانها، فيستعمل جذوعًا وحطبًا وعصيًا وحصيرًا وحبالاً وأوان، كما كانت القلاقل، وكما كانت الزنابيل تنسج منه، وآخر ذلك نواها علف للإبل، ثم في  جمال هيأتها، وحسن ثمرتها، وتؤكل هذه الثمار رطبة ويابسة، وتؤكل كذلك رطبًا في الصيف، وتمرًا في الشتاء، والمؤمن خير كله، من كثرة طاعته، ومكارم أخلاقه، ومواظباته على عباداته، هذا المسلم لا ينقطع من الخير كما لا تنقطع النخلة من الخير، وهذه النخلة التي لا يسقط ورقها على خلاف كثير من الشجر الذي يسقط ورقه، وهكذا المسلم لا يزال ينتفع به فهو مورق باستمرار، يورق ثمار الطاعات وأنواع الخير والمستحبات، وكذلك فإنه ينتفع به ليلاً ونهارًا، صيفًا وشتاءً، لا يزول عنه لباس التقوى، المسلم مبارك حيث ما حل وارتحل، المسلم متعدد الخيرات والمنافع دائمًا، في رمضان وفي غيره، خيره للقريب والبعيد، للقريب من أم وأب ورحم، والبعيد من ضيف ومسلم محتاج، يتألم لحال المسلمين ويواسيهم، كان أويس القرني -رحمه الله- على ضيق ذات يده وفقره يقول: "اللهم إني أعتذر إليك من كل كبد جائعة، وجسد عار، وليس لي ما على ظهري وفي بطني، المسلم ينفع من خالطه وصاحبه، وهو كذلك لا يخلو من خير، عال من غير تكبر، كهذه النخلة التي تعلو، واستعلاء المؤمن على الباطل، استعلاء المؤمن على السفاسف، وأما التواضع فإنه متواضع، وثمره دان، أكلها دانية، وظلها فهو يعطف ويشمل كعطف النخلة بظلها على من يقعد تحتها.

المؤمن كله خير

00:05:24

المؤمن -يا عباد الله- ثمره طيب حلو، لا يعافه الناس، وكذلك أعماله، وكذلك كسبه، وكذلك فإن النخلة معمرة والمؤمن كلما طال عمره وحسن عمله فهو أفضل عند ربه، هذه الشجرة التي إذا قذفت بالحجر عادت بالثمر.

كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعًا بالطوب يرمى فيرمي أطيب الثمر

قال رجل لعمر بن العاص: والله لو قلت واحدة لتسمعن عشرًا، قال: والله لو قلت لي عشرًا ما تسمع واحدة، وحقيق بنا أن نكون كالمثل الذي ضربه الله : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ [سورة إبراهيم:24]، وهذا الطيب في الدين والتوحيد والعقيدة والأخلاق والمعاملة، شجرة طيبة أصلها ثابت، نحتاج إلى تأمل باستمرار إلى الثبات في زمن الفتن، والأعاصير التي تهب علينا، في هذا الوقت.

نسأل الله أن يثبنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ونسأله أن يثبتنا في قبورنا ويوم نلقاه، وأن يجعل حسابنا يسيرًا، وأن يجعل مأوانا جنة المأوى إنه سميع مجيب.

أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:07:15

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأكبره تكبيرًا، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى الله بإذنه، أرسله الله رحمة للعالمين وسراجًا منيرًا .

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى صحابته وأزواجه وذريته الطيبين، وخلفائه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

المؤمن كالنحلة في حسن صفاته وأخلاقه

00:07:50

عباد الله، هذه النخلة لو أزلت النقطة من الخاء لطلع وظهر أمامك شيء آخر لكنه مثل آخر للمسلم، قالﷺ: مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيبًا، ولا تضع إلا طيبًا[2]، وفي رواية لأحمد: والذي نفس محمد بيده، إن مثل المؤمن لكمثل النحلة، أكل طيبًا، ووضع طيبًا، ووقعت فلم تكسر ولم تفسد[3]، وقعت على الأغصان، وقعت على الأزهار فلم تكسر ولم تفسد، تشبيه آخر جميل، من النبي ﷺ والتشبيهات بالوحي عظيمة، نخلة ونحلة، شبه المؤمن في نقائه وصفائه بنقاء وصفاء هذا الذي تضعه النحلة من العسل، في طيب معدنه، وحسن صفاته وأخلاقه، بهذه النحلة، لا تأكل إلا طيبًا، تمص رحيق الأزهار، منزهة عن الأقذار والأوساخ، حذقة فطنة، تعرف أين تنزل؟ وتعرف ماذا تمص؟ وماذا تحتاج لإنتاج ذلك العسل؟ لا تضع إلا طيبًا، نفعه للناس، وقد قال الله: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ  [سورة النحل:69] فهو مفيد للآخرين.

هكذا المؤمن كالنحلة، مفيد للآخرين، يعلمهم، يقومهم، ينصحهم، يعينهم، يغيثهم، يحمل معهم، وكذلك فإنه يشترك معهم ويتعاون على البر والتقوى، هذا المؤمن لا يفسد، لا يكسر لا المشاعر ولا كذلك ممتلكات الآخرين، لا يعتدي لا حسًا ولا معنى ، النحل لا يكاد يؤذي إلا من آذاه، ولا يكسر العود الذي يسقط عليه، ويأكل من كسبه، لا من كسب غيره، وهو جاد غير كسول، وهكذا المؤمن ينبغي أن يكون، وهو يعمل ويكد بجهد ونشاط، ويسعى بالليل والنهار، يقنع باليسير، ويطيع الأمير، وينفع الناس بما عنده، المؤمن طيب لا يأكل إلا طيبًا، فلا يأكل من حرام ولا من شبهة، بل يتحرى الحلال المحض، كما يتحرى النحل ماذا يقع عليه، المسلم يتحرى الحلال الخالص وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا [سورة المائدة:88]، فكسبه طيب، طعامه طيب، شرابه طيب، نفقته طيبة، كلامه طيب، عمله طيب، وهكذا ما ينتجه طيب للناس من عمل وإعانة، هكذا من علم يعلمه ونصيحة، والمؤمن يأخذ من العلم المفيد، والمسائل النافعة، ما يعمل به هو وما ينقله للناس، وهكذا يساهم في إصلاح أحوالهم، هذا المؤمن لا يقع إلا طيب، لا يقع على أوساخ، ولا على قاذورات، ولا على جيف، يعني لا يقع في أعراض الناس، لا يغتاب، لا يتتبع العورات، يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله[4] لا ينشغل المؤمن بعورات الآخرين من المسلمين، بل يسترها، وهو لا يخرج منه إلا القول الطيب، ونفقته طيبة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [سورة البقرة:267].

المؤمن كالنحلة في إتقان العمل

00:12:23

كالنحلة يتقن العمل، وينتج الأطايب، وهو متعدد المصادر الطيبة، حيث ما وجد الحكمة أخذها، فهي ضالته، يأخذ من مصادر الحكمة، من هذه الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة وسير السلف، وما أنتجه البشر من الحكمة، وهو إذا دخل الجنة طيب، حتى أن الملائكة تشهد له بذلك وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [سورة الزمر:73]، هذا المؤمن كالنحلة إذا وقعت على العود لم تكسره، وإذا وقعت على زهرة لم تفسدها، وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [سورة الفرقان:63]، أينما حل وارتحل لا يؤذي حتى لا يرمي النجاسات والقاذورات في طريق الناس وهكذا نجد أن الأمثلة في الكتاب والسنة الوحي فيها عظة بالغة.

المؤمن كالنحلة إذا وقعت على العود لم تكسره، وإذا وقعت على زهرة لم تفسدها، وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا أينما حل وارتحل لا يؤذي حتى لا يرمي النجاسات والقاذورات في طريق الناس وهكذا نجد أن الأمثلة في الكتاب والسنة الوحي فيها عظة بالغة.

عباد الله: ومجال عظيم للتفكر والتدبر، نسأل الله أن يجعلنا ممن عقل كتابه، وفهم سنة نبيه ﷺ اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يرفع، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم إنهم قد طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، اللهم فصب عليهم سوط عذاب، اللهم عليك باليهود والباطنية وأعداء الدين، والغلاة المنحرفين، اللهم اقمع زيغهم وباطلهم، واكسر شوكتهم، اللهم إنا نسألك أن تعز دينك وعبادك الصالحين يا رب العالمين، وأن تعجل فرج المسلمين، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واقض عنا ديوننا، وأغثنا بفضلك ورحمتك، اللهم اشملنا بعفوك، وأخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، اجعل الجنة مثوانا، وأعتق رقابنا من النار، إن عذابها كان غرامًا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الغنى والفقر، اللهم إنا نسألك نعيمًا لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت، اجعلنا في سبيلك إخوة متحابين يا أرحم الراحمين، لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، آمنا في الأوطان والدور،وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، ربنا آتنا في  الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وقوموا إلى صلاتكم، يرحمكم الله.

  1. ^ رواه البخاري:(61)، ومسلم: (2811).
  2. ^  رواه ابن حبان: (247).
  3. ^ رواه أحمد: (6872).
  4. ^ سنن الترمذي: (2032).