الأحد 23 جمادى الأولى 1446 هـ :: 24 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

بيان أعظم مشروع في العالم


عناصر المادة
أهمية البيان وقت الحاجة
وسائل البيان
حالات يجب فيها البيان ويحرم تأخيره
صفات البيان وآدابه
بيان عظمة منهج السلف
وسائل نشر البيان
حكم البيان وبعض ذرائع الساكتين والمحجمين عنه
حالات يجوز فيها تأخير البيان

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:

أهمية البيان وقت الحاجة

00:00:28

 فهذا موضوع غاية في الأهمية؛ لأنه من وظيفة الرسل وأتباع الرسل.
إنه موضوع نحتاج إليه حاجة ماسة، وهو موضوع البيان وقت الحاجة.
لقد امتن الله على الإنسان بمنة كبيرة، وهي القدرة على البيان: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن: 1 - 4].
فلولا البيان لم تكن تتعدى فوائد العلم عالمها، ولا ظهرت أزاهير العقل والحكمة.

ألم تر مفتاح الفؤاد لسانه *** إذا هو أبدى ما يقول من الفم
وكائن ترى من صامت لك *** معجب زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده *** فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

البيان المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير.
البيان الكشف والإيضاح والظهور.
أبان الشيء إذا وضحه.
البيان وقت الحاجة توضيح ما يجب على الإنسان أن يتكلم به لأجل ما يحتاجه الناس من علم أو عمل.
لقد أنزل الله هذا القرآن ليكون بياناً للناس، وقال ربنا في كتابه: هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 138].
ما أنزل الكتاب على عبده ونبيه ﷺ إلا ليبين: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ [النحل: 64].
هذا العهد الذي أخذه الله على العلماء: لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187].
هذا القرآن الذي سمى الله نفسه بالمبين، وسمى الله القرآن بالمبين، وسمى نفسه بالمبين، فكتابه بيان، وهو تعالى مبين:  يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور: 25].
إذاً، الله يبين لعباده سبيل الرشاد والنجاة، يبين لهم دينهم، قال: يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النساء: 26]، وقال: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ [التوبة: 115] حتى تقوم عليهم الحجة، حتى يعلمون ماذا يجب عليهم أن يجتنبوا، خاطب الله عباده بجميع أنواع البيان، وأقام عليهم كل حجة وبرهان، فجاء هذا الكتاب حاوياً هذا كله: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ [يوسف: 1]، الله مبين، والقرآن مبين: طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ  [الشعراء: 1 – 2] الآيات التي فيه في غاية الوضوح: وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [البقرة: 99]،  قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ [المائدة: 15] يبين ما يحتاجه الناس في دينهم، في دنياهم من العلم بالله وأسمائه وصفاته وعظمته وثوابه وعقابه وأحكامه، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89]، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "قد بين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شيء"، قال مجاهد: "كل حلال وكل حرام، اشتمل على كل علم نافع، وكل خبر سابق يفيدنا، اشتمل على علم ما سيأتي مما أذن الله بالاطلاع عليه، وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89]، قال السعدي: "في أصول الدين وفروعه، في أحكام الدارين وما يحتاج إليه العباد.
هذا القرآن بين لفظاً ومعنى، ليصير حجة على العباد، الله لما يعذب أهل النار يعذبهم على أساس أن الحجة قامت عليهم، فلا بد من رسول ناطق، وكتاب مبين، لتكون الحجة قائمة، ولذلك بعد إنزال القرآن وإرسال الرسول محمد ﷺ ما بقي حجة للظالمين أبداً، ما هي فائدة البيان؟ إقامة الحجة وبيان المحجة، لئلا يحتج المخالفون بعدم بلوغ الدعوة: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165] لذلك كانت وظيفة وراث الرسل الخلفاء أئمة المسلمين الإبلاغ، توصيل البيان للناس، ولذلك لما نقول في الرؤية والرسالة لبعض المشاريع الإسلامية إبلاغ دين الله للناس بكل وسيلة ممكنة، وبكل لغة ممكنة، فإن هذه الرؤية تصلح منطلقاً لكثير من المشاريع، حتى لو قال لك واحد أنت كداعية ماذا تريد أن تعمل؟ ما هي رؤيتك؟ الرؤية والرسالة، المشروع الذي عندك، لو كان المشروع إبلاغ دين الله للناس، أو لأكبر عدد من الناس في العالم، هذا الإبلاغ يحتاج إلى وسائل ويحتاج إلى لغات، يحتاج إلى منهجية، يحتاج إلى تدرج، يحتاج إلى صياغة، يحتاج إلى خطوات، هذه المشاريع النافعة، هذه المشاريع العظيمة، هذه المشاريع التي تنفق فيها الأوقات والجهود والأموال، وتسخر لها الإمكانات هذه.
الفائدة: إقامة الحجة على الناس في العالم .
إنقاذ الناس من جهنم، ونقل الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهداية، هذا إنجاز عظيم -يا إخوان-.


ما هو أعظم منجز لك في الحياة بعد ما تعبد الله أنت شخصياً من أن تنقل ناس من الضلالة إلى الهداية، من أن تكون سبباً في إنقاذهم من النار، أي منة أعظم، وأي جهد أعظم من هذا الجهد، والله لا يقارن به لا جهد الساسة ولا أهل الاقتصاد ولا أهل الطب ولا أهل... هذا إنقاذ الناس من النار، وسبب دخولهم الجنة، هذا أعظم أثر على العالم، أعظم فضل على العالم، وهذا الذي أرسل الله من أجله محمداً ﷺ، محمداً أرسله لأجل الإنقاذ، يا بني فلان يا بني فلان أرأيتم لو أن خيلاً تريد أن تغير عليكم، أنقذوا أنفسكم من النار، كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ  [إبراهيم: 1].
أنت -يا أخي- لما تدخل الإنترنت تكتب وإلا تعمل أي نوع من أنواع الدعوة، لازم تحتسب ويكون عندك هذا الهدف واضح جداً، عندك هذا الهدف واضح جداً، إنقاذ بنات جنسك يا أيتها الداعية الفتاة المرأة، يا أيها الرجل أنت هدفك الآن إنقاذ، حملة إنقاذ لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، من الضلالة إلى الهداية: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران: 185] أي مهمة أعظم من هذه المهمة، بالله عليكم أي مهمة أعظم من هذه المهمة؟ أي هدف أشرف من هذا الهدف؟ يوجد ناس عندهم أهداف كثيرة وطيبة في الحياة، إنقاذ العالم من الركود، إنقاذ القارة الفلانية من الملاريا، هذه جيدة، لكن والله الذي لا إله إلا هو إنقاذ الناس من النار، والتسبب في دخولهم الجنة لا يوجد مهمة أشرف من هذه.
-طبعاً- البدء بالنفس، كل واحد مسئول عن نجاة نفسه أولاً، أنت وأنا، نحن مخاطبون بإنقاذ أنفسنا من النار أولاً، ثم إنقاذ غيرنا، ولا أظن أن هنالك شيء أهم من هذا في العالم.
كذلك من فوائد البيان: بناء المجتمع المسلم، الحفاظ على تدين الناس، التعامل مع العلل الفردية والجماعية، ووضع العلاجات المناسبة للأدواء، المحافظة على قوة وترابط المجتمع المسلم لأجل المواجهة أيضاً للإنقاذ يعني، نريد إنقاذ الداخل والخارج، نجاة الجميع وصلاح الدين والدنيا، وحسن العاقبة، إن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، حديث السفينة، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً، البيان باب من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران: 110] البيان وظيفة نبينا حبيبنا قدوتنا: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر: 1 - 7].

وسائل البيان

00:10:44

 بأي شيء يكون البيان؟ ما هي الوسائل؟
تارة يكون بالقول، النبي ﷺ كم مرة صعد على المنبر؟ كم مرة قال: ناد الناس، أذن في الناس، اجمع الناس، لما العامل الذي أرسله من بيت المال، قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، وأخذ الرشوة، النبي ﷺ صعد وتشهد وأثنى على الله بما هو أهله، وقال: أما بعد: فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول: هذا من عملكم وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه، فنظر هل يهدى له أم لا؟  الحديث.. [رواه البخاري: 6636].
أمثلة كثيرة فيها تجد القصة في الحديث: قام رسول اللهﷺ في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال:  إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور [رواه البخاري: 3337، ومسلم: 169]، بين، المسألة خطيرة هذه، هذه فتنة ستؤثر على العالم كله.
أحياناً يكون البيان بالفعل، عندما يكون البيان عملياً أيضاً يقرب للأفهام، أوقع في النفوس، أدعى للثبات في الذهن، خرج النبي ﷺعام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم، اسم لمنطقة، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب [رواه مسلم: 1114].
ما هو هذا البيان؟
عملي.
خرج حلق رأسه أمام الناس، فحلقوا رؤوسهم، عن بريدة بن الحصيب عن النبي ﷺ أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة، فقال له: صل معنا هذين اليومين، كن قريباً مني في هذين اليومين، حتى أعلمك وشوف الشرح، فلما زالت الشمس عن وسط السماء، بدأ الظل يتكون من الجهة الأخرى، يعني دخل وقت الظهر، فأمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، يعني في أول وقت العصر، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس في أول الوقت، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني، هذه عملية تعليمية، هذا بيان يستغرق ثمانية وأربعين ساعة، أمره فأبرد بالظهر، فأبرد بها فأنعم أن يبرد بها، صلى قبيل العصر، وصلى العصر والشمس مرتفعة آخرها فوق الذي كان، لكن ما اصفرت، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، أخر، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل، لكن ما وصل نصف الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، لكن ما طلعت الشمس، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ الرجل الآن يتعلم وينظر على مدى ثمانية وأربعين ساعة عشر مرات، كل وقت له أول وآخر عشرين ملاحظة، أصحاب التعلم بالمراقبة، عندك تدوين عشرين ملاحظة في ثمانية وأربعين ساعة، الأعراب طبعاً يدونون بالذهن بالرؤيا بصرياً وذهنياً، أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، فقال: وقت صلاتكم بينما رأيتم [رواه مسلم: 613].


أحياناً يكون البيان بالإقرار؛ كما في حديث جابر : "كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن" [رواه البخاري: 5208، ومسلم: 1440] فاستدلوا به على عدم تحريم عزل الرجل عن المرأة في الجماع إذا كان برضا الحرة، "كنا نعزل والقرآن ينزل"، وما أنكر الله علينا في وقت الوحي، لما كان ﷺ حياً أيش معناها؟ أن هذه جائزة، وما كان ربك نسياً، وما الله بغافل.
كذلك في قصة أكل خالد للضب والنبي ﷺ ينظر وما أنكر، قال ابن عباس: "فأكل على مائدة رسول الله ﷺ ولو كان حراماً ما أكل على مائدة رسول الله ﷺ" [رواه البخاري: 2575].
يكفي البيان والتبيين بالدين فخراً أنه تولاه أشرف خلق الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: 4].
فإذاً،يوجد علاقة بين البيان واللغات إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ .
ومن لطف الله -تعالى- أنه ما أرسل رسولاً لقوم إلا منهم، يكلمهم بلغتهم، ويتمكنون من تعلم ما أتى به، بخلاف لو كان ملكاً أو كان بغير لسانهم،  لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ[الحديد: 25]، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ  [الروم: 47] وأنت شخصياً يا محمد ﷺ، وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: 64] يبين لهم المحكمات وما اختلفوا فيه، المجمع عليه، لِتُبَيِّنَ لَهُمُ  هذا في الآية إعرابه في موضع المفعول لأجله، يعني كأنه قال: ما أرسلناك إلا للبيان، لأجل البيان، مفعول لأجله.
المشركون في النار يقرون تمام الإقرار أنهم مستحقون لدخول جهنم؛ لأن البيان قد حصل: قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ [غافر: 50] ما في فائدة، خالدون في النار، خالدون في النار: وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ  [البقرة: 92]، فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ [آل عمران: 184].
أمر الله الأنبياء أن يبينوا للناس ما أشكل عليهم: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 43 - 44].
بل حصر الله وظيفة نبيه ﷺ في التبليغ والبيان، نحن نقول هذا الكلام ونتلو هذه الآيات -أيها الإخوة والأخوات- ونستشعر ونتفاعل ونستحضر في أذهاننا وقلوبنا ماذا نفعل؟ وما هي مهمتنا؟ وماذا ينبغي أن نشغل به أوقاتنا؟ ما هي برامج العمل؟ هذا، كلام مهم جداً، حتى تدور حياتك على هذا، كل القضية الآن هذه التي نبينها لنجعلها مدار حياتنا، وأسمى غاياتنا، وأولى أهدافنا هذه، أولى أهدافنا أن نقوم بالبيان: وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الملك: 26]، وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44].
من أشرف وأعظم المهام: أنك تبين للناس القرآن، أنتَ شخصياً، أنتِ شخصياً، تدرس التفسير، وتفهم المعاني، وتشرح للناس، في درس، في جلسة، في خطبة، محاضرة، نصيحة، موعظة على الواقف على الماشي، إلكترونياً، فضائياً، وجاهياً، الأعمال كثيرة جداً، والأوقات ضيقة، والأعمار محدودة، طيب أنا أنفق عمري في ماذا؟ أنا أريد الاستغلال الأمثل، أنفع شيء، أكثر أجراً، أرفع شيء عند الله، حتى أنال أعلى درجة من الجنة ممكن أن أحصل عليها كيف؟
تريد الجواب، بين للناس ما نزل إليهم من ربهم، اعمل لك درس تفسير -يا أخي- ولو عشر دقائق، اعمل حلقة مدارسة مع زوجتك وأولادك للقرآن ولو عشر دقائق؛ لأن هذه أشرف، لتبين للناس ما نزل إليهم من ربهم، هذه أعظم شيء.


لم يقبض الله نبيه ﷺ إلا بعد أن بين للناس، كان ممكن يجعله يعيش ثمانين سنة، مائة سنة، وكان ممكن يقبضه في أربعين، وممكن يقبضه في خمسين، قبضه بعد ثلاثة وعشرين سنة من أداء المهمة؛ لأنه كانت ثلاثة وعشرين سنة كافية لأداء المهمة، والقيام بالمطلوب، ولذلك قال قبل موته: قد تركتم على البيضاء ليلها كنهارها، ولا يزيغ بعدي إلا هالك حديث صحيح [رواه ابن ماجه: 43، وأحمد: 17142، وصححه الألباني في الصحيحة: 936].
وأصحابه فهموا تماماً هذا، قال أبو ذر: "لقد تركنا محمد ﷺ وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علماً" [رواه أحمد: 21361، وهو حديث صحيح] بيان كامل مرضي واضح، مثل بيان النهار من الليل: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل: 35] هذه الوظيفة الكبرى، العلماء بعد الأنبياء، الواحد لما يرى عالماً، عالماً على منهج السلف، عالماً بالكتاب والسنة، عالماً بالأدلة الشرعية، عالماً يخشى الله، لماذا ينبغي أن يقدره حق قدره؟ لماذا ينبغي أن يجله؟ أن يحترمه؟
لأن هذا من ورثة محمد بن عبد اللهﷺ.
 وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ  يعني علماء بني إسرائيل  لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ أخذ عليهم عهداً مؤكداً، ما في شيء اسمه سكوت وخنوع، وغمغمة وإخفاء، ودبلوماسية، يسمونها: دبلوماسية، صار الآن إخفاء الحقائق تسمى: دبلوماسية، صار الجواب المغمغم الذي لا يبين للناس الحقيقة صار دبلوماسية، كأنه صار شيئاً ممدوحاً، الميثاق العهد الغليظ المؤكد الثقيل  إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: 159] الملائكة، البهائم، كلها تلعن.
إذا كان العالم الذي يبين تستغفر له الملائكة والحيتان في البحر والنمل في الجحر، كذلك الذي يكتم تلعنه الملائكة والدواب  إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ تَابُواْ  من الكتمان، وَأَصْلَحُواْ ما أفسدوه، وبينوا الحقائق وما يجب عليهم بيانه،  إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 160].
ما هي أعظم جريمة من جرائم اليهود؟
كتم نبوة محمد ﷺ ، ذهب حيي بن أخطب وياسر، لما سمعا أن النبي ﷺ قدم المدينة، قبل ما يطلع النهار، بكرا ورجعا في آخر النهار، كالين، متعبين، يقول أحدهما لصاحبه: أهو أهو؟ قال: نعم، قال: ماذا ستفعل؟ ما الموقف؟ قال: عداوته والله ما بقيت، الجمع بين المفاسد، يكتمون ويحرفون ويلبسون ويقولون غير الحق، ويحرفون اللفظ ويحرفون المعنى، يلعنهم الله، يلعنهم اللاعنون جميع الخليقة، لغش الخليقة؛ لأنهم غشوا الخلائق، فتلعنهم الخلائق، هذا الكاتم لما أنزل الله مضاد لأمر الله عاصٍ مخالف ، يعمل على العكس، الله يريد أن يبين للناس وهذا يغطي ويخبئ ويضل ويلبس، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً، ثم تلا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى  إلى قوله: الرحيم [رواه البخاري: 118].
وقال رسول الله ﷺ: من سئل عن علم علمه، ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار [رواه أبو داود: 3658، والترمذي: 2649، وهو حديث صحيح].


قال الخطابي: فإذا ألجم لسانه عن قول الحق، والإخبار عن العلم، والإظهار به، يعاقب في الآخرة بلجام من نار، وهذا على معنى مشاكلة العقوبة للذنب، يعني العقوبة تشبه الذنب، من جنس الذنب، في معنى الذنب، كما كتم، سكت، أغلق فمه، يأتيه يوم القيام لجام من نار، يعني الجزاء من جنس العمل، مشاكلة، هذا الكاتم لما يتعين عليه وجوباً أن يبينه، كمن رأى كافراً يقول: علموني الإسلام، كيف أصلي، وهذا معرض عنه، ويستطيع أن يبين له بأن الدخول في الإسلام النطق بالشهادتين والصلوات هذا حالها ووصفها، ما نتكلم الآن عن قضايا خيالية فلسفية لا تدعو الحاجة إلى بيانها، إلى أين يتجه الذين في كوكب بلوتو عند الصلاة؟ نحن الآن ما نتكلم عن قضايا خرافية وقضايا خيالية، الكلام الآن عن قضايا واقعية، قضايا حقيقية، الناس يحتاجونها، تنزل نوازل، تحدث أحداث، الناس يبحثون عن حل للمشكلات، الله مدح الذين يصدعون بكلمة الحق: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [الأحزاب: 39] قال أبو إسماعيل الأنصاري الهروي -رحمه الله-: "عرضت على السيف خمس مرات"، يأتي بي السلطان يضع السيف فوق رقبتي، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، لكن يقال: اسكت عمن خالفك، لا يقال له: غير عقيدتك، يقال له: اسكت فقط، ما نبغى منك إلا أن تسكت فقط، اعتقد ما شئت لكن لا تتكلم، خمس مرات عرض على السيف، فأقول: لا أسكت، القصة في [سير أعلام النبلاء: 18/509].
فما أعظم المسؤولية في بيان الحق، كل واحد عنده علم بشيء، أنت عندك علم بآية، وغيرك عنده علم بألف آية، أنت عندك علم بثلاثة أحكام، وغيرك عنده علم بألف حكم، كل واحد يبين ما يعلم، وما يجب عليه أن يبينه، قد لا يوجد غيره يبين، لا يعلم غيره الحكم، والذين ينكصون على الأعقاب لهم عذاب أليم، والذين يحتسبون الأجر والثواب فلهم ثواب عظيم، كلما كان الإنسان إماماً يقتدى به، أنت أب في البيت يقتدي بك أولادك، أنت رئيس قسم في العمل يقتدي بك الموظفون، أنت إمام مسجد يقتدي بك المأمومون، كلما تأكد البيان في حقه كلما عظمت مسؤوليته، وكلما توسعت الدائرة، وكلما ارتفعت الدرجة، وكلما كثر الناظرون، وراقب المراقبون، وسمع المستمعون كلما صارت المسؤولية في البيان أعظم وأعظم، أنت مدرس لطلاب موقعك يفرض عليك البيان بقدر المسؤولية التي ألقيت عليك؛ لأنه إذا دلس وأخفى سيضل خلقاً، اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا [رواه البخاري: 100، ومسلم: 2673].
إذاً، هذه خطورة عدم البيان، سيتجه الناس إلى مصادر غير موثوقة، ويسألون ناساً ليسوا بأهل، وهناك من هو متبرع بالفتوى جاهل، متصدر متساهل، ترى فتنة الشهرة الآن في عصر الإعلام ليست سهلة، ما هي قليلة، أضواء، توقيرات تعظيمات، إجلالات، ترحيبات، فلوس، مناصب، فدخل من دخل يلبسون على الناس دينهم، اتخذ الناس رءوساً جهالاً ، وبعضهم يعاند، أهل العلم الثقات يبينون أن الصوم بالرؤية والإفطار بالرؤية، يقول: لا، حسابات، قال وهب: "أتى رجل من أفضل أهل زمانه إلى ملك كان يفتن الناس على أكل لحم الخنزير، فأعظم الناس مكانه وهالهم أمره، فقال له صاحب شرطة الملك سراً بينه وبينه: أيها العالم اذبح جدياً مما يحل لك أكله، أي اذبح غنماً ثم ادفعه إلي أنا صاحبك، أنا راح أطلعك من الورطة هذه، هو هذا السلطان يريدك أن تأكل لحم الخنزير أمام الناس وإلا القتل، أنا سأساعدك على الخروج من الورطة أنت صاحبي عزيز علي، خذ جدياً واذبحه وهاته لي أنا أطبخه وأنا المسؤول عن ترتيب المائدة، وأعرف أين يجلس السلطان وأين ستجلس أنت وأين سيجلس الناس، فسأضع هذا اللحم الحلال أمامك، وإذا الشيطان قال: كل ، أنت كل من الحلال، فإذا دعا الملك بلحم الخنزير أمرت به فوضع بين يديك فتأكل منه حلالاً، ويرى الملك والناس أنك إنما أكلت لحم الخنزير، فلما كان ذلك أبى العالم أن يأكل وأمر الملك به أن يقتل، فقال له صاحب الشرطة سراً: ما منعك أن تأكل من اللحم الذي ذكيته أنت ودفعته إلي؟ فقال له العالم: إني خفت أن يتأسى الناس بي، وهم إنما ينتظرون أكلي منه، هم لا يعرفون الحقيقة أن هذا لحم غنم حلال، هم يظنونه خنزيراً، وهكذا السلطان يظنه خنزيراً، ولا يعلمون إلا أني إنما أكلت لحم الخنزير، وكذلك كل من أريد على أكله فيما يأتي من الزمان، يقولون: قد أكله فلان، فأكون فتنة لهم، وقتل رحمه الله [والقصة في البداية والنهاية لابن كثير: 9/292].


هذا مبدأ، مات الرجل ومات ناس كثيرون، لكن بقيت قصته، يثبت بها الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا، بقيت قصة الرجل من جنس قول إبراهيم الخليل: وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء: 84]، بقيت قصة الرجل يثنى بها عليه إلى ما شاء الله، الموت حاصل حاصل، لكن هذه ميتة فيها شهادة.
لماذا سمي العلماء شهداء؟
لأنهم يشهدون بالحق ويعلنونه، لما ظهرت بدعة القول بخلق القرآن، وأجبر الخلفاء العلماء على القول بها، ثبت أحمد وغيره من القلة الصابرة، قال أحمد يتكلم عن شاب يعني كان من الثابتين معه: ما رأيت أحداً على حداثة سنه، وقدر علمه، أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، إني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير، قال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله، الله الله إنك لست مثلي، أنت رجل يقتدى بك، قد مد الخلق أعناقهم إليك، لما يكون منك، فاتق الله واثبت لأمر الله، قال المروذي: قلت وأبو عبد الله بين الهنبازين: يا أستاذ قال الله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ [النساء: 29]، قال: يا مروذي اخرج وانظر، فخرجت إلى رحبة دار الخلافة، فرأيت خلقاً لا يحصيهم إلا الله، والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر، فقال لهم المروذي: ماذا تعملون؟ قالوا: ننظر ما يقول أحمد فنكتبه، فدخل فأخبره، فقال: يا مروذي أضل هؤلاء كلهم، القصة لها إسناد منقطع، وهي مشهورة في كتب السير، ساقها الذهبي في [سير أعلام النبلاء: 11/253 - 254].
البيان عند السلطان الجائر هذا نوع، ويطيقه من يوفقه الله ويقويه ويصبره ويثبته، ولذلك أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، وأعظم الشهداء عند الله رجل قام إلى إمام جائر أمره ونهاه فقتله، المرتبة عظيمة ، أفضل الشهداء يعني مرتبة عظيمة، هذا الحديث رواه طارق بن شهاب: أن رجلاً سأل النبي ﷺ وقد وضع رجله في الغرز: أي الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند سلطان جائر  [رواه النسائي: 4209، وهو حديث صحيح].
كذلك حديث النبي ﷺ: ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم [رواه أحمد: 11474، قال محققو المسند: "حديث صحيح"].
النبي ﷺ حدثنا بقصة الدجال مع الشاب المدني: يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين، فتلقاه المسالح، مسالح الدجال، حرس الدجال الخاص، فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم، يعني الدجال، أن تقتلوا أحداً دونه، بدون إذن، فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله ﷺ، قال: فيأمر الدجال به فيشبح، مد على بطنه وضرب، قال فيقول: خذوه وشجوه، حتى جرح في الرأس، الجرح في الرأس شجة، فيوسع ظهره وبطنه ضرباً، فيقول: أو ما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب، فيأمر به فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول قم، فيستوي قائماً، لكن بأمر الله، وإذن الله، وتحيي الموتى بإذني لعيسى المسيح، وهذا فتنة للناس، الله يأذن بقيام الشاب سليماً عندما يتكلم مسيح الضلالة، ثم يقول الدجال: قم، فيستوي قائماً، فيقول له: أتؤمن بي؟ يعني أنا الآن أمتك ثم أحييتك، فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة، لأن الشاب عنده علم بالحديث هذا، في الحقيقة الشاب يرى الحديث يطبق أمامه، فأي بينة أعظم من هذه؟ ثم يقول الشاب بالعلم الذي عنده من الكتاب والسنة: يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس"، خلاص ما يسلط الآن على أحد بعدي، "فيأخذه الدجال ليذبحه"، ليتخلص من هذا المصدر للحقيقة، هذا الداعية المبين، "فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً، فلا يستطيع إليه سبيلاً"، لا يستطيع ذبحه، عند ذلك يتبين حقيقة الرب المزعوم غير قادر على ذبح، قال في النهاية لما يعجز الدجال، "فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به"، الدجال معه جنة ونار من فتنته فيما يظهر للناس، فجنته نار وناره جنة، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة، قال رسول الله ﷺ: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين [رواه مسلم: 2938].
هذا قدم نفسه لبيان الحق أمام أعظم فتنة في العالم، وأشد رجل في العالم بطشاً وقوة وجبروتاً الدجال، فتعريض النفس للخطر لأجل بيان الحق، هذا إيثار عظيم، هذا إيثار للآخرة على الأولى، لكن نحن مشكلتنا بل تؤثرون الحياة الدنيا.

من أعظم مواقف البيان التي استوجب صاحبها منازل الشهداء: الغلام في قصة أصحاب الأخدود، الغلام دفع حياته ثمناً لبيان الحقيقة، أي حقيقة؟ أعظم حقيقة، حقيقة الربوبية، الملك كان يقول: أنا ربكم، ما علمت لكم من إله غيري، فقال الغلام للملك في آخر القصة: "إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد"، ليتم البيان، "وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني"، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على الجذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه، السهم من الغلام ما هو من الملك حتى السهم، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، أعظم منجز للبيان هو الإيمان، لما آمن الناس نتيجة بيان الغلام، هذا هو المكسب الحقيقي الكبير والكبير جداً، فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، قالها عليه الصلاة والسلام ثلاثاً [رواه مسلم: 3005].
أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل الرملي ابن النابلسي.
وطبعاً نحن نعرف أن القرامطة والباطنية أسوأ عدو للإسلام عبر التاريخ، هذا ما يثبتونه الآن في الشام وفارس وغيرها، وبنو عبيد من هؤلاء أخذوا هذا الرجل تراجع؟ لا، اسكت؟ لا، صلبوه على السنة، كان الدار قطني يذكر قصة هذا الرجل ويبكي، ويقول: كان يقول وهو يسلخ: كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا  [الإسراء: 58] قال له صاحب نصر العبيدي: بلغنا أنك قلت إذا كان مع الرجل عشرة أسهم، وجب أن يرمي في الروم سهماً وفينا تسعة، بلغنا عنك في مجالس خاصة، مسجل عليك أنت أنك قلت أن النصارى يرمون بواحد من عشرة من سهام المسلمين، والباطنية ومنهم العبيديون والقرامطة هؤلاء بتسعة، قال: ما قلت هذا، بل قلت: إذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرميكم بتسعة وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً، قال: لماذا؟ قال: لأنكم غيرتم الملة، غيرتم الدين، وقتلتم الصالحين، وادعيتم نور الإلهية [سير أعلام النبلاء: 16/149].
انظر الذي يحدث الآن في الشام، فشهره ثم ضربه ثم أمر يهودياً فسلخه، يعني انظر العبيدي هذا اختار يعني أنجس مخلوقات في عملية التعذيب، وحشي تبناً وصلب، يقول: بلغني أن أبا بكر سلخ من مفرق رأسه حتى بلغ الوجه، فكان يذكر الله ويصبر، حتى بلغ الصدر فرحمه السلاخ، فوكزه بالسكين في موضع قلبه فقضى عليه [سير أعلام النبلاء: 16/149].
وقت السلخ كان الموت سيأتي وهذه معاناة، لكن كون واحد يثبت ويقول الحق ويصبر على هذا ويقرأ القرآن وهو يسلخ، ومنه قول الله في القضاء والقدر المحتم: كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الإسراء: 58]؛ لأنه هذا الذي يحدث يحل به الآن مقدر مكتوب عند رب العالمين لا محيص ولا مناص ولا مفر، يصبر نفسه بالآية، بعدما صبر على الحق الذي وصل به إلى القتل، هي الجنة درجات يعني بناءً على ماذا؟ قارن، هذا أو ضعوا هذا الذي يرتع الناس كثير منهم اليوم في عالم الملذات والاستمتاعات والترف والكماليات أنواع، هذا لون، وهذا لون.


لما يكون بيان الحق فرض كفاية إذا قام به البعض قياماً يكفي في البلاغ سقط الإثم عن الباقين، يؤجر المبلغ ولا يأثم الساكت، لكن عندما يكون البيان واجباً على الجميع، لأن المبلغ قليل، والمهمة لم تؤد والجهود لم تكف، فلا بد من القيام:  وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104] لا بد من حصول شرط البيان والإحاطة بالشيء، وأهل العلم هم المخولون بالبيان، وهم القادرون على الاجتهاد، من دونهم ينقلون فتاوى العلماء، حسبهم أن يفقهوها يفهموها يحفظوها دون تحريف يبلغوها، وعلى العالم أن يستقصي ويستثبت ويجتهد ويتناقش مع غيره من أهل العلم، تتم عملية تلاقح في الأفكار لاستخراج الحق والوصول إليه.

حالات يجب فيها البيان ويحرم تأخيره

00:47:03

 متى يجب البيان؟
من القواعد الأصولية المعروفة التي نسمعها كثيراً علمياً: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما في المستصفى وشرح الكوكب المنير، قال ابن قدامة: "ولا خلاف في أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة" [روضة الناظر: 1/534].
لماذا؟ لأن الله أمر العلماء بالبيان: وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187]، وهدد: فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران: 187].
فلا يصح تأخير البيان عن وقت الحاجة، يعني حتى لو واحد قال: أنا سأبين لكن اصبروا علي سنة، والناس يحتاجونها الآن، ما يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، نريد أن نأخذ أمثلة على هذا، على قاعدة: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، مثال: إذا حضر وقت العمل المأمور به، فالحاجة لبيان أحكام الصيام للناس الذين لا يعرفون الأحكام قبل دخول الشهر واجب.
الحاجة لبيان أحكام الحج لمريدي الحج واجب.
الحاجة لبيان أحكام الزكاة قبل تمام الحول واجب.
إجابة السائل عن الأمور الضرورية التي لا تحتمل التأجيل.
مثال آخر: عن أبي رفاعة قال: انتهيت إلى النبي ﷺوهو يخطب فقلت: يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه، فأقبل علي رسول الله ﷺ وترك خطبته حتى انتهى إلي، فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديداً، فقعد عليه رسول الله ﷺ، وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها [رواه مسلم: 876].
هذه فيها مبادرة لبيان شيء، لعله كان يسأل عن قواعد الإيمان المهمة العظيمة الأصلية الأساسية، ومثل هذا يجب تعليمه على الفور، والنبي ﷺ قعد على الكرسي ليسمع الباقين ويروا شخصه عند الحديث.
ثالثا: عند وقوع اللبس واللغط والتشويش والبلبلة في بعض الأمور، فهنا يجب أن يقوم المبين بواجبه في البيان، لما يقع لغط الآن في قضية الصيام والإفطار على الرؤية والحسابات، وما أحدثه بعض المنتسبين لعلم الفلك من الضجة، وما نفخ به المنافقون في كلام هؤلاء في وسائل الإعلام تلبيساً على الناس، ومشاغبة على العبادات، وتشويشاً في الدين، طبعاً هذه مؤامرة ليست عفوية، ممكن واحد فلكي يقول كلاماً يخطئ فيه ويزل، لكن الذي يأخذه وينفخ وينشر، الخطة هي التشويش على دين الناس، التلبيس عليهم في العبادة، يعني صمنا وفرحنا واستفدنا من الصيام، لكن يعني تظنون أن المنافقين سيتركوننا في شأننا نخرج من رمضان بانتعاش إيماني، لا، تعال أعكر عليك الصيام، وأشوش عليك الأحكام، وألبس عليك الأمور، وأجعلك يا من صمت تتحير، علي قضاء يوم زيادة، ما علي قضاء يوم زيادة، فيها كفارة، صمنا غلط أو صح، على من الكفارة؟ الحكومة تدفع عن الشعب ؟ والمشكلة أن بعض الناس ضعاف عقول، وضعاف أفهام، ومروجو إشاعات، وسماعون للقوم، وإذا جاءهم أمر أذاعوا به، كله موجود متوفر في الساحة، وجنود إبليس أجمعون، فماذا يحدث للناس؟ شوشرة، لغط، سخط، يا ترى هل صمنا؟ صمنا غلط؟ والله ما ندري، لا عليهم علينا، حسابه في ذمتهم في ذمتنا،المنافقون لا يتركون المسلمين يتلذذون بعبادة، ولا يستفيدون منها، ولا يهنأون بها، وممكن يدخل عليك من مصلحة الدين يقول: أنا عشان أنت ما يكون في ذمتك يوم إضافي أنا أتكلم، أنا أنصحكم أنصحكم لله أنكم تصومون، أنتم أنقصتم يوماً، جاء إبليس يوماً في ثياب الواعظين، النبي ﷺ لما كسفت الشمس على عهده، وتزامن الكسوف سبحان الله العظيم مع موت إبراهيم بن محمد ﷺ، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، هذه مصيبة، هذا الاستنتاج والربط خطير، ما يمكن السكوت، فقال رسول الله ﷺ: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد من الناس ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله [رواه البخاري: 1043، ومسلم: 915].
فقد شاء الله -تعالى- أن يكون الكسوف عقب موت إبراهيم مباشرة، وكان هذا التوافق تقديراً من الله سبباً لبيان الحق في المسألة؛ لأنه نشأ فهم خاطئ عند بعض الناس، وربطوا بين الحديثين ربطاً خاطئاً، ولا علاقة بينهما في الحقيقة، ليس إلا محض القدر الإلهي، توافق، والنبي ﷺ قام وبين وأزال اللبس، وصحح الخطأ في الفهم، وأنه ليس هناك ارتباط في الحقيقة، لماذا؟ لأن القضية ترى متعلقة بمبدأ جاهلي، كانوا عليه في الجاهلية، قال الخطابي في الشرح: "كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر، فأعلم النبي ﷺ أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله، ليس لهما سلطان في غيرهما، ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما" [فتح الباري: 1/528].
الآن يقولون: إذا جاء المذنب هالي سوف تحدث مصائب في الأرض، إذا مر هذا النجم في هذا الوقت ستكون هناك كوارث كبيرة في العالم.


بعضهم يفلسف المسألة؛ لأنه لا يريد أن يقال عنه: مشعوذ، فيقول: وعندما يمر النجم الفلاني بقرب الأرض على مسافة كذا سيحدث هناك تجاذبات نتيجتها سيكون مداً بحرياً، وسيكون إغراق، يعني يفلسف لك لأجل أن تعتقد، الآن الناس منتظرين كم؟ كم سبتمبر؟ ستة وعشرين، يا الله آية ما بيننا وبينهم يوم الجنائز، كم مرة قالوا: القيامة راح تكون يوم الأحد؟ كم مرة قالوا: نهاية العالم في الوقت الفلاني؟ كم مرة؟
يا جماعة العالم سيفنى بالنفخ في الصور، لا بمرور نجم ولا مذنب ولا كويكب ولا حرب نووية، ولا وباء، ولا... العالم سيفنى بالنفخ في الصور، غير هذا لن يفنى العالم.
تقول: هناك كوارث كبرى، نقول: نعم، الشرع أخبرنا عن ثلاثة خسوف عظيمة في العالم كبيرة جداً: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، بالتأكيد سيهلك فيها أعداد هائلة من الناس، هذه من أشراط الساعة الكبرى، لكن أنت الآن تأتي وتقول لي: ويوم ستة وعشرين ستحدث كارثة عظيمة، نعم، ستختفي اليابان واستراليا ونيوزلندا والساحل الغربي لأمريكا وكندا، وكذا، ويذوب القطب الشمالي، وتغرق أوروبا ويموت، من سيبقى؟ كأن خسائرها هذه أكبر من خسائر الخسوف الثلاثة التي جاءت في أشراط الساعة.
النبي ﷺ ما أخبرنا أن قبل الدجال في ثلاث سنوات يأمر الله الأرض أن تمنع النبات، ويأمر الله السماء أن تمنع المطر، قال: حتى لا يبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله، فما يعيش الناس؟ قال: التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد [رواه ابن ماجه: 4077] يجزئ عنه مجزأة الطعام.
أنت قل لي أنه في خبر صادق، أنه فيه سيفنى كثير من الخلائق نتيجة قبل الدجال بثلاث سنوات نتيجة منع المطر ومنع النبات، هذا خبر يعني وحي، نصدقه.
أما يأتي واحد يقول: راح يمر نجم من هنا كذا كويكب مذنب كذا سيمر والنتيجة نص العالم يموت!  
على أية حال: نحن نؤمن بما جاء عن الله ورسوله ﷺ، وكلام هؤلاء ما بين الشعوذة الكذب الظن والتخرص؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا الله يا أخي يمكن آخر لحظة والمذنب ما شي يجي شيء يحرفه وتنتهي العملية، علماً أن بعض المختصين يقولون: هذا غير صحيح ولن يحدث، وهذا المذنب وإلا هذا الكويكب وإلا هذا النجم مسيره بهذه السرعة، إذا اقترب من الأرض سيكون تقريباً تلاشى وما بقي منه إلا شيء يسير، وما راح يؤثر، الفلكيون يقولون: استحالة يرى القمر واستحالة يرى الهلال واستحالة.. واستحالة، ويجي بعضهم يقول: لا ممكن يرى، وبعضهم يقول: ممكن بصعوبة، أنتم يا أيها الفلكيون أنفسكم مختلفون، نترك حديث: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته [رواه مسلم: 1909، ومسلم: 1081]، ونمشي وراءكم، عجباً لكم! إيه يعني كنا نترك الكتاب والسنة لأجل ناس ، آراء الرجال.
من المواطن التي يجب فيها البيان قيام الشبهة واستحكامها، مثال: يقوم بعضهم الآن عبر مسلسلات كوميدية، لاحظ كوميدية بأن الربا في الأوراق النقدية لا يجري، تلبيساً على الناس وتضليلاً عليهم، وإيقاعاً لهم في السبع الكبائر والموبقات، طبعاً هذه خطة، المنافقون الكفار لا يهنأون، الله قال: حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ [البقرة: 217] لازم لا بد لا يألونكم خبالاً، لابد يوقعوكم في الحرام وفي الكبائر وفي الشرك وفي البدعة، هذه الخطة، الخطة إيقاعكم يا أيها المسلمون في هذه الموبقات، الربا لا يجري في الأوراق النقدية؛ لأنها ليست ذهباً ولا فضة ولا....


العلماء بينوا، والمجامع الفقهية بينت، فقهاء العصر بينوا، هذه بديل عن هذه، وما يجري في هذه يجري في هذه، وانتهينا، يعني راح تطلع أنت يا أيها الكوميدي أفقه من كل الفقهاء، ثنوا الركب، وقرأوا الكتب واجتهدوا واستنبطوا، وراح تجي أنت الآن يعني على عقلك هذا وستأتي بالاستنتاج العظيم.
يوجد الكثير من الناس شاهدوا التمثيلية وراجت عليهم ومشت، نقول: هنا يجب على أهل العلم القيام لله بيان الحجة، هنا يجب عليهم البيان، هنا يجب عليهم إزالة الشبهة، هنا يجب عليهم أن يبينوا حكم الربا في الأوراق النقدية، هنا يجب أن يبينوا بطلان ما قاله الآخرون والرد عليه.
الذي يروج أن التأمين هذا الميسر هذا حلال، يجب أن يرد عليه تكشف شبهته.
الذي يقول: إن هذه البرامج الفضائية المشاركة في المسابقات برسائل مدفوعة القيمة مسبقاً، هذا ميسر الآن هذا ميسر فضائي منكر كبير علني قائم يعني أمام الله وخلقه منتشر.
هناك تلبيسات كثيرة، أبو بكر الصديق في قضية المرتدين لما قام وبين، بعض الصحابة صار عندهم لبس، كيف نقاتل من قال: لا إله إلا الله؟ فقط لمنع الزكاة، يجوز قتاله لمنع الزكاة، فأبو بكر الصديق بين إنه نعم، نعم يقاتل، "لو منعوني عقالاً" وبين أن لا إله إلا الله لها شروط، لما توفي رسول الله ﷺوكفر من كفر من العرب، ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة، قال له عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ:  أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها [رواه البخاري: 392]، هذا الحديث أتى به الصديق؛ لأنه حديث يتناول القتل والمقاتلة، أقاتل الناس حتى يشهدوا، فإن قالوها عصموا إلا بحقها  هذه  بحقها  هي الكلمة التي وضحت لمن لم يتضح لديه الحق من الصحابة، هي التي كشفت، هذه المفتاح، هذه الكاشفة، مفتاح الحل وإزالة الغموض، إلا بحقها ، فقال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعها"، فقال عمر -رضي الله عنه-: "فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر -رضي الله عنه-، فعرفت أنه الحق" [رواه البخاري: 6925].
وحتى أبو بكر بعد نهاية حرب الردة، وجاء هؤلاء في ذلة وصغار، وقالوا: ماذا علينا يا خليفة رسول الله أن نفعل؟ وقال أبو بكر لهم أشياء متعددة أنكم تودون الكراع ولا تحملون السلاح وتكونون خلف أذناب الخيل، ووضع عليهم من شروط المهانة والصغار والذل، ومنعهم من أشياء كثيرة حتى تثبت توبتكم، حتى تستبين حقيقتكم، قال من ضمن الكلام: "تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم"، هنا عمر قام قال: يا خليفة رسول الله قتلانا شهداء، والشهيد لا دية له، ولا يطالب الكافر القاتل للشهيد بدية المؤمن الذي قتله حتى لو قبضنا على الكافر؟ فرجع أبو بكر لقول عمر، وألغى هذا الشرط عن المرتدين [ينظر: البداية والنهاية: 6/351].
على أية حال: الصحابة كان عندهم نقاشات، كان فيه أدلة، وكان فيه أشياء تكشف الحقائق، شيخ الإسلام ابن تيمية لما هاجم التتر بلاد المسلمين، كان التتر أظهر بعضهم الإسلام، وغير اسمه، وتسمى باسم الخليفة والإمام وإمام المسلمين، ودخلوا بعض بلاد المسلمين ومعه إمام ومؤذن وقاضي وشيخ وعمايم، راجت الخدعة، يعني مثل نابليون لما جاء مصر ووضع عمامة الأزهر، راجت الخدعة على بعض المسلمين، قالوا: كيف نقاتل هؤلاء؟ بالعكس هذا لازم نسلم له الجمل بما حمل، نعطيه البلد ، وجاء يقول: أنا مسلم واسمي كذا عبد الله، وأنا خليفة أنا إمام، ومعي مؤذن، وهذا إمام يصلي الصلوات بالقرآن، وهذا وهذا، من الذي قام ببيان الحقيقة للناس، أن التتر هؤلاء لا زالوا على كفرهم، وهذا الذي يفعلونه خدعة، ولا تكفي هذه المظاهر لحسم القضية، الذي قام هنالك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وأعلن النفير وحمل الراية وحرض المؤمنين على القتال، وبين، قال: هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية -رضي الله عنهما-، وأروا أنهم أحق بالأمر منهما، وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين، الآن المسلمون لهم سلطان في مصر والشام، وهذا جاء الآن هو من جنس الخوارج، ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصي والظلم، وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة، فتفطن العلماء والناس لذلك، وكان ابن تيمية يقول للناس: "إذا رأيتموني من ذلك الجانب، يعني إذا رأيتموني أنا معهم وفي عسكرهم وعلى رأسي مصحف فاقتلوني، فتشجع الناس في قتال التتر وقويت قلوبهم ونياتهم، كما ساق ابن كثير في [البداية والنهاية: 14/28].


وبين العلماء أن هذا جنكيز خان وضع للناس كتاب: الياسق، شيء من القرآن وشيء من الإنجيل وشيء من التوارة والإنجيل المحرفين، وضع كتاب خلط، وقال هذه شريعة القانون الجديد، وهذا خلط كفري، وكونه وضع أشياء من القرآن لن ننخدع بها عن الحقيقة أن هذا الإنسان يحكم بغير ما أنزل الله، وما في شيء اسمه دستور مشترك من القرآن والإنجيل والتوراة، وأنه هو الفيصل بين الناس، كيف إسلام وكفر ؟ شرك وتوحيد مع بعض؟ من الذي كشف؟ أهل العلم منهم شيخ الإسلام وغيره.
متى يجب البيان أيضاً؟
الحاجة إلى البيان عند وقوع الخطأ، عن جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله ﷺ فقال:  ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة؟ ، ثم خرج علينا فرآنا حلقاً، فقال: ما لي أراكم عزين؟ ، جماعات متفرقة، ثم خرج علينا فقال: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ ، كلها ملاحظات على أخطاء، فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف [رواه مسلم: 430].
ذكر الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- أن والده الشيخ محمد شاكر وكيل الأزهر سابقاً حضر عند أحد خطباء مصر، وكان فصيحاً متكلماً، فأراد هذا الخطيب أن يمدح أحد أمراء مصر عندما أكرم طه حسين، يعني واحد من الخديوية كرم طه حسين، وطه حسين معروف مغموص في الباطل، عمل له حفل تكريم، فأراد هذا الخطيب المفوه المصقع أن يمدح ذلك الأمير عندما أكرم طه حسين، فقال في خطبته يمدح الأمير: جاءه الأعمى، فما عبس بوجهه وما تولى، طه حسين كان أعمى، انظر إلى النفاق إلى أي درجة ، على حساب النبي ﷺ كذا، قام وكرمه وجاء الخطيب هذا زاد الطين بلة ، يا الله هذا يشير إلى الأمير، جاءه الأعمى فما عبس بوجهه ولا تولى، بعد الخطبة قام محمد شاكر والد أحمد شاكر -رحمه الله- فقال: يا أيها الناس إن صلاتكم باطلة، لأن هذا الخطيب كان قد أمهم في الصلاة، قال على الكلام هذا ترى صلاتكم باطلة، اللي هذا عقيدته الصلاة خلفه باطلة، وأمرهم أن يعيدوا الصلاة، لأن الخطيب كفر بهذه الكلمة التي هي في الحقيقة انتقاص من النبي ﷺ، يعني صار الأمير هذا أحسن من النبي ﷺ ولو تعريضاً لا تصريحاً، قال الشيخ أحمد شاكر: ولكن الله لم يدع هذا المجرم في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه، فأقسم بالله لقد رأيته بعيني رأسي بعد بضع سنين وبعد أن كان عالياً منتفخاً مستعزاً بمن لاذ بهم من العظماء والكبراء، رأيته مهيناً ذليلاً خادماً على باب مسجد من مساجد القاهرة يتلقى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار، يعني عشان قرشين بالأخير يعطوه لما يطلعوا، حتى لقد خجلت أن يراني وأنا أعرفه وهو يعرفني، لا شفقة عليه، فما كان موضعاً للشفقة، ولا شماتة فيه، ولكن لما رأيت من عبرة وعظة.
الحاجة للبيان يعني في مثل هذه المواقف.


كذلك عند حصول فهم خاطئ للموقف، لما قسم النبي ﷺغنائم هوازن على قريش والمؤلفة قلوبهم وترك الأنصار، فهم بعضهم أن النبي ﷺ حزنوا ، ظنوا ظناً خاطئاً، قالوا: حبه لقومه حمله على كذا، فضلهم علينا ونحن الذين نصرناه وآويناه وقاتلنا معه وأريقت دماؤنا، فالنبي ﷺ لما بلغه اللبس الذي حصل دعاهم، فقط هم ما دعا غيرهم، الأنصار فقط، وبين وقال: أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا، فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، بين، قال: أرى في قلوب هؤلاء من الجزع والهلع، وأكل أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير.
البيان عند حدوث خطأ في فهم آية أو حديث أيضاً مجال آخر، لما نزلت:الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [الأنعام: 82] قال الصحابة: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال ﷺ: ((ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13] [رواه البخاري: 32، ومسلم: 124].
أحياناً يكون البيان من شيء سيقع، البيان لشيء سيقع، كما أن النبي ﷺ خرج على أصحابه مرة وذكر الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، حتى ظنناه خرج قريب منا الآن خلف النخل هذا، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال:ما شأنكم؟، قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل، قال:  غير الدجال أخوفني عليكم، أن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم، وأن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، أنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا [رواه مسلم: 2937].
وهكذا بين لهم عند نزول نازلة مستجدة لا بد أن يقوم العلماء بالبيان، النوازل كثيرة، نوازل في الطب، نوازل في الاقتصاد، نوازل في التقنية والأجهزة الإلكترونية، لا بد أن يكون هناك بيان، هذا سؤال مشروع يجي واحد يقول: طيب لو ظهر القرآن على سطح الشاشة هل أستطيع- الآن صارت الشاشات كلها باللمس-، مسه على طهارة وإلا على غير طهارة؟ سؤال مشروع، ولا يأتي يقول واحد: هذا تعقيد والدين ما يدخل، لا يدخل ليش ما يدخل، واحد يسأل يقول: ظهر القرآن على هذا، هذا مصحف له حكم المصحف وإلا لا؟


وتجد أنظار أهل العلم تتفاوت منهم يقول: نعم ظهر الحكم لما ظهر، ومنهم يقول: لا، الحكم للثبات، إذا كان عرضياً ولا يثبت لا تجب الطهارة، فأهل العلم يبينون، وطلبة العلم ينقلون الفتوى، والناس تأخذ.
فإذاً، البيان في أي قضية الآن المستجدات كثيرة نتيجة التطورات العلمية في عالم الطب، تطورات المعاملات في عالم الاقتصاد، تطورات الأجهزة والتقنية، هذه تنتج أحوالاً ومنتجات تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي فيها، يا لله بينوا لنا الصلاة في الطائرة، بينوا لنا حكم بنوك حليب الأطفال، بينوا لنا حكم طفل الأنابيب، بينوا لنا حكم الهندسة الوراثية والاستفادة منها؟ بينوا لنا حكم استعمال حمض "دي إن إيه" في معرفة إثبات نسب؟ بينوا لنا لمس الشاشات التي فيها المصحف، بينوا لنا حكم نسخ البرامج، بينوا لنا...
هذه طيب كلها نوازل تحتاج إلى بيان.
من مواطن البيان المهمة: البيان عند وقوع المنكر، فإذا قام منكر لا بد من بيان الحكم الشرعي فيه.

صفات البيان وآدابه

01:13:50

 ما هي صفات البيان وآداب البيان؟
من صفات البيان: الوضوح، وهو أصلاً من معنى البيان:وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ[العنكبوت: 18] يعني الذي لا يبقي شكاً ولا شبهة.
فإذًا، لا بد المبين أنت -يا أخي- إذا أردت أن تدخل في هذا المجال لا بد من مراعاة أمور معينة:
ابتعد عن الألفاظ الغامضة، ابتعد عن الألفاظ المشكلة، لما جاء السؤال في بلد فيها سنة ورافضة وجاء السؤال: أيهما أفضل أبو بكر أم علي؟ وذاك الذي يريد الجواب يخشى من الفتنة ويقوم بينهما حرب، طبعاً هو يقدر، هذه تقدير المفاسد اجتهادات، طيب أيهما أفضل أبو بكر أم علي؟
الذي أجاب ما بين واستعمل التقية، واستعمل الألفاظ المشكلة الغامضة المشتركة، أيش قال؟
خيرهما من كانت ابنته تحته، انظر إلى الجواب الفني هذا، الجواب الفني، خيرهما من كانت ابنته تحته، هذا ما هو بيان، هذا ما هو بيان، ليش؟ الضمير في ابنته الهاء تعود على من؟ وتحته الهاء تعود على من؟ خيرهما من كانت ابنته تحته، يعني أبو بكر؛ لأن ابنة أبي بكر كانت تحت النبي ﷺ زوجته عائشة، واللا ابنته يعني فاطمة بنت النبي ﷺ كانت تحته يعني علي -رضي الله عنه-، هذا ما هو بيان، هذا لما سئل أيهما خير أبو بكر أم علي؟ أجاب إجابة دبلوماسية، خيرهما من كانت ابنته تحته، هذا ما هو بيان، فالبيان لا بد أن يكون واضحاً، فما تستعمل الألفاظ الغامضة، ولا العبارات المشكلة، ولا الضمائر الملخبطة التي يتيه السامع فيها، وكذلك يأتي باللغة السهلة الواضحة، يبتعد عن التقعر والإلغاز، الآن هذا ما هو موضع إلغاز، تأتي لهم بعبارة لغز، لا، والناس تحتاج إلى بيان.
ثانياً: أن يكون كافياً وافياً شافياً، ما يحتاج استدركات تعقيبات زيادات إضافات تصحيحات إلحاقات، هات كاملاً دقيقاً مفصلاً.
ثم من الأدب أن يكون بأحسن صياغة، هاته بليغاً له وقع في النفس، إذا عندك أسلوب أدبي استعمله في البيان، تريد أن تقول: فليت شعري، قل: فوالله الذي لا إله إلا هو إنه كذا، استعمل القسم.
كذلك فإن من البيان الاقتصار على ما يحتاج الأمر إلى بيانه وعدم الإسهاب والإطالة المفضية إلى نسيان المهم من الأمر المراد بيانه، فالنبي ﷺ كان يقتصد ليفهم السائل، وليكون بيان ﷺ ليس من النوع المسهب المطنب الذي ينسي آخره أوله، لما سأل الرجل: أيش عليه من الصلاة، بين له باختصار، هو رد الجواب السؤال على حسب حال السائل، ما هو من أهل العلم حتى تفصل وتطيل معه، عامي يسأل عن الواجب.
في موضع آخر لما سئل عن ماء البحر نتطهر نتوضأ من ماء البحر؟ قال: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته [رواه أبو داود: 83، والترمذي: 69، والنسائي: 332، وابن ماجه: 386، وأحمد: 8735، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 479] فأجابهم أكثر مما سألوا، فكان ذلك جوداً بالعلم، فهذا بحسب حال السائل.


هل أنت الآن في موضع إسعاف وإلا موضع بحث؟
السائل يريد إسعافاً يعني شيئاً عاجلاً أو يريد تفصيلاً؟
إذا كان يريد تفصيلاً وكان من طلبة العلم، وهذا الفرق بين إجابات العلماء، يقول بعض تلاميذ شيخ الإسلام: ولقد شاهدت من شيخ الإسلام -قدس الله روحه- في ذلك أمراً عجيباً، كان إذا سئل عن مسألة حكمية ذكر في جوابها مذاهب الأئمة الأربعة إذا قدر، ومأخذ الخلاف، وترجيح القول الراجح، وذكر متعلقات المسألة التي ربما تكون أنفع للسائل من مسألته، فيكون فرحه بتلك المتعلقات واللوازم أعظم من فرحه بالمسألة، وهكذا..، ويذكر له نظائر ويفيده.
البيان أحياناً من الأدب أن لا يكون فيه تجريح لشخص معين، فيستعمل أسلوب: ما بال أقوام .
وكذلك ينبغي على المبين: إصلاح النية، أن يبين لله؛ لأن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة: متصدق، وقارئ قرآن، ومقاتل، ظاهره مجاهد، أول من تسعر بهم النار يوم القيامة [رواه الترمذي: 2382، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 22].
ثم ينبغي التلطف والرفق والرحمة واللين: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ [آل عمران: 159]، ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل: 125].
ثم مراعاة الحال أيضاً: "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة" [صحيح مسلم: 1/11].
إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله[رواه مسلم: 19] انظر مراعاة الحال، هؤلاء قوم من أهل الكتاب، بماذا يبدأ؟ ماذا يكون بعد ذلك؟
حسن صياغة البيان ومناسبة ذلك للحكم، فيصاغ الكلام في أقرب عبارة تبين المقصود، قد يكون الإسرار والجهر له علاقة، قد يحتاج البيان إلى تكرار، النبي ﷺ:ويل للأعقاب من النار كرر:ويل للأعقاب من النار، ويل للأعقاب من النار[رواه البخاري: 60، ومسلم: 241] لخطورة الموضوع.
تهاون بعض الناس في الأمر، لإسماع من لم يسمع، مراعاة الناس في هذه المسائل: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ [الأنفال: 1] إجابة، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ[البقرة: 189] إجابة.
يوسف الصديق لما دخل معه السجن فتيان، وسألاه، ما بدأ مباشرة بتأويل الرؤيا، مع أنه هو السؤال، لكن لأن هناك مقدمة أهم من السؤال فبدأ بها: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ [يوسف: 39 - 40].
لو جاءك نصراني الآن يسألك في تفسير منام مثلاً، بماذا تبدأ؟ لذلك البيان فيه ترتيب، يعني بيان عقيدة التوحيد هذا مما يبدأ به، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: 36].
بيان عظمة الشريعة ووجوب طاعة الله ورسوله وامتثال الأحكام مهم.
بيان من صاحب الخلق وصاحب الأمر وصاحب النهي وصاحب الحكم، من هو؟ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ [الأنعام: 62]، الله عز وجل:  أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ  [الأعراف: 54].
هذا المبدأ مهم توضيحه للناس؛ لأنه في لخبطة كبيرة الآن في عالم الديمقراطية والحريات الكاملة الشاملة، الناس صار عندهم ظن أن البشر يشرعون للبشر، وأن البرلمانات من حقها أن تضع قوانين خارج الكتاب والسنة.
بيان حقائق الآن مهمة جداً، الآن في شعوب تهتف بعبارات أحياناً ترفع شعارات مخالفة للكتاب والسنة تدل على أن البيان واجب، حتى أحكام الشعارات التي ترفعها، ترفعها بعض العامة، حكمها الشرعي مهم بيانه.


أحياناً البيان يكون بذكر بعض محاسن الشريعة، واحد تريد أن تدعوه للإسلام.
بيان حقيقة دين الإسلام أنت في الخارج أنت مبتعث أنت الآن مسافر تجارة حضور معرض، دخلت مع ناس من غير المسلمين، قد يكون هناك شبهات رائجة حول النبي -عليه الصلاة والسلام-، تعدد الزوجات، الحدود الشرعية، إلى آخره، تبين.
مهم جداً بيان الأصول -يا أخوان- الآن: الولاء لله ورسوله وللمؤمنين، البراء من الشرك والبدعة، والكافرين.
الآن من المهم بيان في أشياء بدأت تغيب عن الناس، بدأت تحذف المناهج، بدأت تنسى، مهم جداً بيانها، لا بد إعادة التذكير بها.

بيان عظمة منهج السلف

01:23:25

 في هجوم على منهج السلف لازم نبين الآن عظمة منهج السلف، وجوب اتباع منهج السلف، لابد الآن نبين ما هي مصادر الأحكام في الشرع، لازم نبين الآن الحجة ما هي، الكتاب والسنة والإجماع، ما هي الآن طرق الاستدلال الصحيحة، مصادر التشريع، في أسس الآن مهمة لا بد من تعميمها، لما يطلع واحد مشرك مثل حسن نصر الله يروج أمره على كثير من الشعوب الإسلامية والعربية، لازم يبين حكم هذا الرجل في الكتاب والسنة، لا بد أن يبين مخازي وفساد عقيدة هذا الإنسان.
بيان مذاهب وبدع وطرائق لا بد تبين للناس وإلا يعتنقونها.
فيه قنوات شغالة تصب على الأدمغة، فيه شرك وبدعة تقذف، يصب البلاء عليهم صباً على الناس في آخر الزمان.
لما جاءت قضية الرؤية والحسابات الفلكية.
الآن حتى ما يتعلق ببعض الثورات العربية.
المدارس الفكرية المعاصرة: وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام: 55].
حتى في عالم الدورات! طلعت البرمجة اللغوية العصبية! طلع أشياء أخرى! أيش حكم هذه؟
الآن يتكلمون عن قضية الانتخابات والبرلمانات والأحزاب السياسية إلخ..، طيب أيش بلاد هذه فيها شعوب وعالم ناس تريد أن تدخل فيها وتعمل و... أيش حكمها الشرعي؟ وإذا كانت جائزة أيش الشروط؟ وإذا كان من باب المفسدة الأدنى لتحمل المفسدة الأعلى أيش الشروط؟
أخطاء أصحاب المهن في الهندسة في الزراعة في الطب، إلخ...
مسائل الاقتصاد، كل المعاملات الجديدة التي تصدر.

وسائل نشر البيان

01:25:17

 ثم البيان له وسائل في النشر، ليست اللسان والحنجرة فقط، والحركات، فيه خطبة، وفيه رسالة مكتوبة، فيه محاضرات، فيه الآن قنوات، فيه صحف ومجلات، فيه مواقع، فيه تطبيقات جوال، ورسائل جوال، فيه إذاعات، فيه أشياء صوتية ومرئية نصية.

حكم البيان وبعض ذرائع الساكتين والمحجمين عنه

01:25:45

 لا بد من التنبه في ضوء المستجدات والنوازل والتغيرات المتكاثرة إلى أن يبادر أهل العلم بالبيان، وعندما تشيع القضية يتأكد؛ لأن المسألة تتعلق بأعداد كبيرة من الناس، البيان فرض كفاية ما يلزم الجميع، لكن لا بد من قيام من يكفي في ذلك.
هناك ذرائع للتهرب من البيان والإحجام عنه، بعض الناس يقول: والله أنا علمي قليل! وقد يكون الحاجة يكفيها علمه:  بلغوا عني ولو آية [رواه البخاري: 3461].
وإذا قلنا ما يبلغ إلا العالم تتعطل الدعوة تقريباً.
بعض الناس يتعلل بعدم البيان بكثرة المنكرات، يقول: الآن شاعت هذه وانتشرت، نقول: لا، ولو شاعت وانتشرت، هل نسكت ؟
بعضهم يقول: أنا مقصر كيف أبين؟ أنا مقصر وأنا عندي ذنوب ومعاصي وأنا عارف أيش أسوي بيني وبين الله؟!
تضيف إلى هذه المعاصي والآثام إثم السكوت، إثم آخر، على الأقل ارفع عن نفسك هذا الإثم -يا أخي-، وتب إلى الله من بقية الآثام.
وكذلك بعض الناس إذا أوذي يقول: والله أنا ما أتحمل يا جماعة! خلاص والله أنا سمعت كلمتين الصراحة ترى...؟
نقول: لماذا يا أخي اصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور.
بعضهم يقول: يا جماعة ما في فائدة، ما في جدوى، خلاص قنوات تخرب، ومفسدون يعملون، وميزانيات وخطط ومؤتمرات وناس أجهزة شغالة، أنا الآن إذا ألقيت لي كلمة في مجلس أيش راح تنفع؟
يا أخي: الله يبارك في الجهود، ثم ما لا يدرك كله لا يترك كله، افعل ما تستطيع، يا أخي: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، افعل ما تستطيعه، لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ [البقرة: 272]، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران : 20] ما لك؟ موسى ما قال: فرعونمعه كل هذه الإمكانات أنا أيش أسوي؟ استعان بالله، ونصره الله.
فإذا قال قائل: وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا  ماذا يكون الجواب؟
 قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف: 164].
يا أخي: حسبك أن تنجو أنت إذا بينت، الله يرفع عنك العذاب، الله ينجيك من العذاب، فإذاً أنت مستفيد.

حالات يجوز فيها تأخير البيان

01:28:41

 -طيب- هل هنالك أحوال ممكن فيها السكوت عن البيان أو تأخير البيان؟
الجواب: نعم.
ما هي؟
قلنا: القاعدة: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، لكن قد يحصل التأخير للحاجة من جهة المبلغ أو المبلغ، فإن ما يجب البيان على الوجه الذي يحصل المقصود، فإذا كان في الإمهال مصلحة يمهل، مثال: بينما النبي ﷺ في مجلس يحدث قوماً جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله ﷺ يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه، بعد ما انتهى قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا ذا يا رسول الله، قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة [رواه البخاري: 59].
بوب عليه ابن حبان: "إباحة إعفاء المسئول عن الإجابة على الفور"، ولكن هذا ليس على الإطلاق، وإنما أخره لآخر الحديث فقط، ما حذفه بالكلية، وفيه تأديب للسائل، أنت سألت الآن عما لا يجوز السؤال عنه، متى الساعة؟ الساعة لا يعلمها إلا الله، فيها تأديب، فيها إشعار.
كذلك إذا كان البيان في وقت معين مفسدته أكبر، ليس فقط المفسدة على الشخص، يقول: أنا سأموت سأؤذى، قد يكون من المفسدة الأكبر أن يفهم على غير وجهه، عن ابن عباس قال: أن رجلاً أتى عمر فقال: إن فلاناً يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلاناً"، هذه فكرة خطيرة جداً، يعني فيه ناس الآن بدأت تفكر في قضية ما بعد هذا الخليفة، إذا مات نبايع فلاناً، سريان الكلام هذا الآن بين الناس، قال عمر: "لأقومن العشية فأحذر هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم"، قال عبد الرحمن بن عوف: "لا تفعل، فإن الموسم" أنت الآن في الحج يجمع رعاع الناس يغلبون على مجلسك، من الذي سيجلس أمامك في الزحمة هذه؟ من؟ أنت الآن لست في مسجد فيقترب منك الأخيار، أو أخير الناس، أو المبكرين للصلاة، لا، أنت الآن في الحج، الزحمة، قال: "لا تفعل"، لا تتكلم في الموضوع الحساس الآن، "فإن الموسم يجمع رعاع الناس يغلبون على مجلسك، فأخاف ألا ينزلوها على وجهها، فيطير بها كل مطير"، يعني يطيروها على غير وجهها، ينشروها بغير القصد الذي تريده، "فأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة، ودار السنة، فتخلص لأهل الفقه وأشراف الناس وذوي رأيهم من المهاجرين والأنصار، فيحفظوا مقالتك وينزلوها على وجهها، فقال: والله لأقومن بها في أول مقام أقومه المدينة" [رواه البخاري: 7323].
فإذاً، ملاحظة الوقت، ومنهم السامعون مهم جداً.


أحياناً لو بين الآن لو بين ممكن تعمل فتنة، ويكون الحكمة السكوت، جاء عن ابن عمر قال: خطب لما تكلم بعض الناس في قضية معاوية -رضي الله عنه-، قال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر، يعني الخلافة فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه، فليظهر لنا نفسه، قال حبيب بن مسلمة: "فهلا أجبت يا ابن عمر؟ قال عبد الله: فحللت حبوتي، وهممت أن أقول أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام" يعني يوم أحد والخندق، "فخشيت"، هنا ابن عمر وقف، قال لو أنا أجبت الآن بالحق الآن الذي أعرفه، ماذا سيحدث؟ الناس اجتمعوا الآن ، "فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع، وتسفك الدم، ويحمل عني غير ذلك"، إنه مثلاً إني أنا أولى منك، أنا ابن عمر أنا عبد الله بن عمر أولى منك، أنا أفقه منك وأبي عمر وأنا من المهاجرين الأولين، وأنا ... وأنت أسلمت متأخراً و... قال: "فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع، وتسفك الدم، ويحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان" يعني كظمه الغيظ الآن "فذكرت ما أعد الله في الجنان" [رواه البخاري: 4108].
همَّ ابن عمر يبين، لكن الآن البيان هنا كلفته، ما هو قضية أن ابن عمر يسلم، ما هي قضية السلامة الشخصية، قضية مصلحة المسلمين، وماذا سينتج عن البيان هنا من المفاسد.
مثل حديث: فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، فبشره بالجنة [رواه البخاري: 31] لماذا عمر جاء وقال: يا رسول الله الناس يتكلوا [رواه البخاري: 129] ما يفهموها، بعض الناس لن يفهمها صح، ما راح يفهم أن لا إله إلا الله لها شروط وإلا بحقها، ويظنون أنها كلمة وخلاص، ويتكلوا عن العمل ويتركوا، أو لو فهموا يقولون: نحن نقولها بشروطها، ثم يتكلوا على العمل، فقال النبي ﷺ: فخلهم، وافق عمر على هذا.
فإذاً، إمساك بعض العلم، أو بعض البيان، أو بعض العلم خوف المفسدة صحيح شرعاً.
لكن مرة أخرى ليست مفسدة ضد السلامة الشخصية. ومع ذلك أخبر بها معاذ عند موته تأثماً [رواه البخاري: 128، ومسلم: 32].
ترك بيان العلم لمن يسيء استخدامه عن قصد أو من غير قصد، لماذا ندم أنس بن مالك عن تحديث الحجاج بحديث العرنيين؟
حديث العرنيين القوم الذين جاؤوا وغدروا براعي النبي ﷺ وقتلوه وكفروا وأخذوا إبل بيت المال، وسرقوها وأخذوها وهربوا بها، يعني قتلوا ونهبوا وكفروا، ماذا فعل بهم النبي ﷺ؟ فعل بهم فعلاً شنيعاً جداً [الحديث أخرجه البخاري: 3018].
الحجاج لما سمع حديث العرنيين راح يطبق على المسلمين، على عباد الله المساكين، اقطعوا أيديهم وأرجلهم وخلوا دماءهم تسيل، وألقوهم على الصخور الحارة حتى يموتوا من العطش والنزف.
قال أنس: "ما ندمت على شيء ما ندمت على حديث حدثت به الحجاج".
قال الحافظ ابن حجر: "وإنما ندم أنس على ذلك، لأن الحجاج كان مسرفاً في العقوبة، وكان يتعلق بأدنى شبهة" [فتح الباري: 10/142]
ترك البيان للعجز: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: 286] ما عنده علم، أو شيء كتمه لا يضر الأمة ويضر الشخص المتكلم، لاحظ معي، لا يضر الأمة الجهل به، ويضر المتكلم لو تكلم به؛ مثال: قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "حفظت من رسول الله ﷺ وعائين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم" [رواه البخاري: 120].
ماذا قال ابن حجر في الوعاء الذي لم يبث به أبو هريرة؟
قال: الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وكان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به[فتح الباري: 1/216] قال: قطع هذا البلعوم.
قال الذهبي: هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك الفتنة في الأصول أو الفروع أو المدح أو الذم، أما حديث يتعلق بحل أو حرام، فلا يحل كتمانه بوجه، فإن من البينات والهدى [سير أعلام النبلاء: 2/597].
هذا الموضوع -يا إخوان- والله وأنا إن شاء الله ناصح لي ولكم موضوع مهم جداً في غاية الأهمية، هذا الموضوع موضوع الليلة رسالة نريد أن نحملها وأن نوصلها، أحث نفسي وأحثكم جميعاً على القيام بهذا الواجب الشرعي، لو قمنا وبلغنا وبينا سينشر كثير من الخير وينكفئ كثير من الشر، لو حصل القيام بهذه، الرسالة هذه، هذه رسالة حياتك أنت، يعني رسالة حياة، هدف عمر، هدف عمري.
نسأل الله أن يتقبل منا، وأن يتوب علينا، وأن يصلح شأننا، وأن يغفر ذنبنا، وأن يرفع شاهدنا، وأن يدخلنا جنته، ويعيذنا من ناره، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.