الخطبة الأولي
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
الصراع بين الحق والباطل
فطالما يوجد في الأرض كفر وإسلام، وطالما يوجد في الأرض إيمان ونفاق، وطالما يوجد في الأرض شرك وتوحيد، وطالما يوجد في الأرض حق وباطل؛ فلابد أن يوجد التحدي والصراع بين الطرفين، الحق والباطل، والتوحيد والشرك، والإسلام والكفر، والإيمان والنفاق، شاء الله -تعالى- أن توجد، ويكون الصراع، ويعلم مِن عباده وخلقه يكون مع هؤلاء، ومن يكون مع أولئك، وهناك تحد مستمر، وهناك مراغمة، وهناك صراع، وهناك معركة، وهناك مواجهة، ولابد أن يعلم المسلمون هذه الحقيقة، وأنه لا يمكن أن يوجد بين الطرفين مجاملات، ولا مداهنات، ولا تعايش؛ لأن الله يريدها معركة: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُالبقرة:251.
يريدها مدافعة ، وحتى عندما يكون المسلمون في ضعف، وحتى عندما كانوا في مكة، كان هناك عزة إسلامية في النفوس، عزة تجعل بلال يقول: "أحد أحد" رافضاً إعطاء أبيجهل، وأمية بن خلف، ما يريدان.
هذه المواجه والتحدي التي جعلت أباذر يشمخ بإعلان القرآن في وسط الكفار، ورفع الصوت بشهادة أن لا إله إلا الله، فيضرب حتى يصبح نصباً أحمر من كثرة الدماء المتفجرة من الجراحات الناتجة عن اعتداءات الكفار وضربهم، إنه التحدي الذي يفرضه الأمر.
وعزة الإسلام في نفس ابن مسعود التي تجعله يذهب ليقرأ عليهم سورة الرحمن، فيقوموا إلى ضربه، ولكنه أعلن ذلك الحق أمامهم.
وكانت مواجهة ولو لم يكن للمسلمين قدرة أن يعملوها بالسلاح،لكنهم عملوها بالقرآن، عملوها بالكلام وإعلان الحق، أعلنوها بسلاح اللسان، بعد أن صارت حقيقة في قلوبهم، ثم أعلنوها بالسنان لما انتقلوا إلى المدينة.
إغاظة المشركين عبادة
وهناك عبودية مهمة جداً، ولون من العبادة يغفل عنه كثير من المسلمين، ألا وهو إغاظة المشركين، إغاظة الكفار: مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إغاضة الكفار عمل صالح: إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ التوبة:120.
لا يجلسون مكاناً يغيض الكفار الذين هم أعداء الله وإغضاب العدو إغضاب العدو.
وهكذا إغاظة الكافر من أمر الدين: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًاالفتح: 29.
قال المفسرون: كثرهم وقواهم ليكونوا غيظاً للكافرين أي الصحابة، كثرهم الله وقواهم ليكونوا غيظاً للكافرين، فمن غاظه أصحاب محمد ﷺ فقد كان كافرا،ولذلك كل من يغتاظ من الصحابة، ويغيظونه فهو كافر بنص الآية؛ لأن الله قال: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ.
مظاهر إغاظة المشركين
الهجرة من مكة إلى المدينة كان فيها مغايظة للكفار، فحاولوا منعها،حاولوا منعها بشتى السبل؛ لأنهم لا يريدون أن يخرج عدوهم الذي يراغمهم من مكة؛ ليصبح حراً طليقاً، يدعوا إلى دينه، ويعمل ما يشاء، بل يريدونه تحت القهر والإذلال في مكة، فكان من فوائد الهجرة المراغمة لأعداء الله: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةًالنساء: 100.
آية لا يعرفها كثير من المسلمين، ولا يعرفون معناها: مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًاالنساء: 100.
قال ابن القيم -رحمه الله- في قوله تعالى: يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا أي مكانا يراغم فيه أعداء الله، المراغم موضع المراغمة اسم مكان، وهو أن يرغم كل واحد من المتنازعين أنف صاحبه بأن يغلبه على مراده، فكأن كفار قريش أرغموا أنوف المحبوسين في مكة، فلو هاجر منهم -أي من هؤلاء المحبوسين- مهاجر لأرغم أنوف قريش؛ لحصوله في منعة منهم، فتلك المنعة هي موضع المراغمة، مادام بين أظهر المشركين فدينه في غاية النقض، وكثير ما لا يستطيع أداء حتى العبادات الظاهرة، فإذا بحث في الأرض عن موضع يقيم فيه شرع الله، ويعلن كلمة الحق، ويكون منطلقاً لجهاد أعداء الله، فقد حصل، وفعل ما أمر الله به، يجد في الأرض مكاناً يسكن فيه رغم أنف الكفار الذين هاجرهم.
والشيطان أتعلمون أن من إغاظته ومراغمته سجدتا السهو في الصلاة، قال ﷺ: إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع، فكانت هذه هي التي قام إليها هي الرابعة في الحقيقة، فما فائدة سجود السهو حينئذ؟
عرفنا أنه لو كان صلى أربعاً وقام وهو يظنها ثلاثا، فصارت في الحقيقة خمسا أن سجدتي السهو تشفعان له وتره الخمس، فيصبح شفعاً بهما، شفعن له صلاته، فإن كان حقيقة صلى ثلاثاً، وهذه التي قام إليها عند الشك الرابعة، فما فائدة سجود السهو؟
قال: وإن كان صلى إتماما لأربع، كانتا ترغيما للشيطان.
قال النووي في شرح الحديث: كانتا ترغيماً للشيطان أي إغاظة له وإذلالا، مأخوذ من الراغم، وهو التراب، ومنه: أرغم الله أنفه، والمعنى: أن الشيطان لبس عليه صلاته، وتعرض لإفسادها ونقصها، فجعل الله -تعالى- للمصلي طريق إلى جبر صلاته، وتدارك ما لبسه عليه، وإرغام الشيطان، ورده خاسئاً مبعداً عن مراده، وكملت صلاة ابن آدم، وامتثل أمر الله الذي عصى به إبليس من امتناعه للسجود، فالسجدتان ترغيماً للشيطان؛ لأنه لما قصد التلبيس على المصلي، وإبطال صلاته، كانت السجدتان لما فيهما من الثواب ترغيماً له.
لما خرج النبي ﷺ إلى الحديبية في جيش المسلمين، وساق معه هدياً، ومن السنة الهدي في العمرة أيضاً، وليس فقط في الحج، لما خرج في عمرة الحديبية، وساق معه هدياً كان من جملة هدي النبي ﷺ جمل، ما هي قصة هذا الجمل؟ ولمن كان الجمل؟ ولماذا خرج بهذا الجمل ضمن هديه؟
قال ابن عباس : أن رسول الله ﷺ أهدى عام الحديبية في هدايا رسول الله ﷺ نحر جملاً، أهدى بالنحر جملاً كان لأبي جهل-أخذ من أبي جهل في بدر- كان لأبي جهل في رأسه برة فضة، لماذا؟
قال ابن عباس: يغيظ بذلك المشركين".
يغيظ بذلك المشركين، قال ابن القيم في فوائد هذه الغزوة العظيمة: ومنها: استحباب مغايظة أعداء الله، فإن النبي ﷺ أهدى في جملة هديه جملاً في أنفه برة من فضة يغيط به المشركين، وقد قال -تعالى- في صفة أصحابه: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَالفتح: 29.، وقال : ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌالتوبة: 120.
الكبر محرم، ومشية الخيلاء يجلجل الله صابحها في النار يوم القيامة، ويمكن أن يخسف به الأرض، مشية الخيلاء التبختر في المشية وإسبال الإزار حرام كبر، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، لكن النبيﷺ قال: وإن من الخيلاء مايبغض الله، ومنها مايحب الله، فأما الخيلاء التي يحب اللهخيلاء يحب الله ما هي هذه الخيلاء التي يحبها الله؟ فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل نفسه عند القتال، وأما التي يبغض الله فاختياله في البغي.
اختيال الرجل نفسه، أي اظهاره الاختيال والتكبر بأن يمشي مشية المتكبرين عند التقاء الصفين، وإذا توجه الجيشان في المعركة، فإن قيام المسلمين بالتبختر أمام الكفار، ومشي مشية الكبر أمام الكفار عبادة، ويحبها الله في هذا الموضع، والدخول في المعركة بالنشاط وقوة، وإظهار الجلادة والتبختر والاستهانة والاستخفاف بالأعداء لإدخال الروع في قلوبهم، وتخويفهم، وكذلك مشية الصحابي التي مشاها أبو دجانة يتبختر، يتبختر بثوبه أمام الكفار لإغاظتهم، يحبها الله.
خزي الكفار يتم بأمور، ومن ذلك: استثناء قطع النخل، وتحريق الأشجار لأجل لإغاظة الكفار، فإنه ليس من طريقة المسلمين قطع الأشجار ولا تحريقها، فإن الشجر مفيدة، لكن عندما تكون المسألة فيها إغاظة للكفار، وخزي لهم فإنها تفعل، ولماذا لا تفعل؟
ولما حاصر ﷺ بني النظير، قطع نخلهم، وحرقها، فقال اليهود: مابال هؤلاء يقطعون النخيل، ويفسدون، وهم يقولون بأنهم لا يحبون الفساد، فأنزل الله -تعالى- قوله: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ هو الذي أذن وشرع وسمح: فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ الحشر: 5.
لأجل خزيهم أذن بقطع نخيلهم وتحريقها، وهم يرون بأم أعينهم من داخل حصونهم ماذا يجري لزرعهم الذي تعبوا عليه وزرعوه، وأنفقوا الأموال في بذره وسقيه، في تلقيحه وسقيه، وتهيئته ورعايته حتى كبر فأثمر، ثم هاهم يرونه الآن يسقط صريعا، إغاظة للكفار، ولذلك قال العلماء ومنهم الشنقيطي -رحمه الله- في تفسيره "أضواء البيان": وبهذا يمكن أن يقال: إذا حاصر المسلمين عدوا، ورأواأن من مصلحتهم، أو من مذلة العدو إتلاف منشئاته وأمواله، فلا مانع من ذلك -والله تعالى أعلم-.
ولما أراد النبي ﷺ فتح الطائف، وحاصر مكاناً لرجل من ثقيف مشرك، قال: إما أن تخرج إلينا، وإما أن نخرب عليك حائطك؟ فأبى أن يخرج، فأمر رسول الله ﷺ بإخرابه.
عباد الله: كان بلال -كما تقدم- يغيظ الكفار بثباته على الحق، ويقول تلك الكلمة التي كانت ترفع ضغط أمية بن خلف، وتجلب العصبية الشديدة لأبي جهل: "أحد أحد" ولو أعلم كلمة أحفظ لكم منها لقلتها".
كان بلال يقول هذا: "أحد أحد، ولو أعلم كلمة أحفظ لكم منها" يعني تستثيروا حفيظتكم أكثر من هذه الكلمة "لو أعلم كلمة تغيظكم أكثر من هذه الكلمة لقلتها".
وجه عمر جيش إلى الروم، فأسروا عبدالله بن حذافة، عبدالله بن حذافة صحابي جليل ، فذهبوا به على ملكهم ملك النصارى، فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد، فقال: هل لك أن تتنصر وأعطيك نصف ملكي؟ قال: لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ملك العرب ما رجعت عن دين محمد طرفة عين، عبارة لإغاظة الكافر، قال: إذن أقتلك؟! قال: أنت وذاك، فأمر به ملكهم، فجرب بأشياء، صبر عليها، يعني من أنواع التعذيب، ثم جعلوه في بيت، وجعلوا معه الخمر ولحم الخنزير ثلاثاً لا يأكل، مافي طعام أمامه إلا هذا، يريدون إرغام المسلم، فاطلعوا عليه بعد مدة، فقالوا للملك: قد انثنى عنقه، فإن أخرجته وإلا مات، فأخرجه، قال: ما منعك أن تأكل وتشرب؟ قال -اسمعوا لهذه العبارة- أما إن الضرورة كانت قد أحلتها لي، أما إن الضرورة في شريعتنا وديننا، أما إن الضرورة كانت قد أحلتها لي، ولكن كرهت أن أشمتك بالإسلام، فلا يريد أن يهنأ الكافر، ولا يريد أن يرتاح الكافر، ولا أن تقر عينه، ولا أن يرى ما يسره أبداً.
النبي ﷺ في الحج لماذا رمل؟ لماذا أسرع حول الكعبة؟
لقد صعدت قريش إلى الجبال، لا يريدون رؤيته ومشمئزين من الوضع وكارهين، خلوا محمدا والكعبة ومكة، وصعدوا إلى الجبل، فماذا فعل ﷺ؟ لقد دخل وقريش تقول عن المسلمين: "إنه يقدم عليكم وقد وهنتهم حمى يثرب" هذا ادعاء بأن المسلمين قد وهنوا نتيجة حمى يثرب، وأمرهم النبي ﷺ أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم، لماذا أمر بالمشي السريع الذي فيه النشاط والقوة، وهذه الهرولة في ثلاثة جهات من الكعبة التي كان الكفار فوق الجبل يرون المسلمين عندها، الطرف الرابع بين الركنين، ما كانوا يرون المسلمين عنده، فلذلك مشوا مشياً، وعندما يصلون الحجر يعودون مرة أخرى إلى الرمل، وفي حجة الوداع رمل النبي ﷺ في الثلاثة الأشواط كلها، وثبتت السنة في ذلك أن الرمل في الأشواط الثلاثة كلها، لكن أصلاً هكذا، كان لماذا؟
قال ابن عباس : إنما سعى رسول الله ﷺ ورمل بالبيت، ليري المشركين قوته" دخل المسجد وقعدت قريش نحو الحجر في تلك الجهة، فاضطبع بردائه، أظهر الكتف الأيمن، النشاط والقوة، علامة التحدي، ثم قال: لا يرى القوم فيكم غميزةيعني ضعفاً، فاستلم الركن، ثم دخل حتى إذا تغيب بالركن اليماني، مشى إلى الركن الأسود، فقالت قريش: ما يرضون بالمشي؟ إنهم لينقزون نقز الضباء، يعني يثبون كالضباء.
وفي رواية ابن ماجة قال النبي ﷺ لأصحابه حين أرادوا دخول مكة في عمرة: إن قومكم غدا سيرونكم فليرونكم جلداً فلما دخلوا المسجد استلموا الركن، ورملوا والنبي ﷺ معهم.
قال الحافظ -رحمه الله-: "ويأخذ منه جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح، ونحو ذلك إرهاباً للكفار، إرهاباً لهم، ولا يعد ذلك من الرياء المذموم".
قال الشيخ عز الدين: كان ذلك ضرباً من الجهاد" فإذن إغاضة للكفار، يدعون أن المسلمين في وهن، هذه العلامة والاضطباع، وإظهار الكتف الأيمن، وهذه الهرولة، وهذا الجد والنشاط، لإغاظة المشركين، والرد على ادعاءاتهم.
وكذلك، فإن رجلاً من الكفار لما جاء للنبي ﷺ يكلمه في غزوة الحديبية، والمفاوضات قائمة، جعل الكافر يمد يده إلى لحية النبي ﷺ، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي ﷺ، ومعه السيف، وعليه المغفر، فكل ما أهوى المشرك بيده إلى لحية النبي ﷺ ضرب يده بنعل السيف، وقال له: أخر يدك عن لحية رسول الله ﷺ، ثم إن هذا الرجل المشرك جعل يرمق أصحاب النبي ﷺ بعينيه، قال: فوالله ما تلخم رسول الله ﷺ لخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك لها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوؤه، وإذا تكلم خففوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له، فرجع وقلبه ممتلئ هيبة للنبي ﷺ، ونقل الأخبار التي فيها العز للمسلمين، والإغاظة للمشركين.
وكذلك زيد بن الدَّثِنَةِ المسلم الصحابي، لما أخذ غدراً، ونصبته قريشاً لقتله، قال له أبو سفيان: أنشدك بالله يا زيد أتحب أن محمدا الآن في مكانك عندنا، مكانك نضرب عنقه، وإنك في أهلك، يعني سالما معافى، قال: والله ما أحب أن يكون محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة بالمدينة، شوكة تؤذيه، وأني جالس في أهلي، قال أبو سفيان:"ما رأيت أحدا من الناس يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا" ثم قتلوه .
لكن ماذا فعل؟
قال الكلام الذي قال، كلام العزة الذي يغيظهم، ما كان المسلمون ليرضوا بالذل، ولو على خشبة الصلب، ولحظة القتل .
ولذلك المسلم لا يمكن أن يتكلم الكافر، ولا يرد عليه، لا يمكن في مجلس أن يتكلم الكافر بالباطل، أو يسب دين المسلمين، ويسكت المسلم، لابد للمسلم أن يرد، يغلي دمه لأجل الرد، وإغاظة الكفار.
قال أبو سفيان في أحد بعد المصيبة العظيمة التي لحقت بالمسلمين: أفي القوم محمد؟ ثلاثاً، أوفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاثاً، أفي القوم عمر؟ ثلاثاً،فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا، فما ملك عمر نفسه، لا يمكن أن تجعل نفس المشرك تطيب بهذا الكلام، وأن يهنأ، قال: كذبت يا عدو الله، إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك، هذا موضع الشاهد: "وقد بقي لك ما يسوءك" فجعل أبو سفيان يرجز محاولاً أن يظهر باطلاً:"أعل هبل" قال النبي ﷺ: ألا تجيبوه؟!قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قولوا: الله أعلى وأجل، قال: لنا العزى، ولا عزى لكم، فقال النبي ﷺ: ألا تجيبوه؟!، قولوا: يا رسول اللهما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا، ولا مولا لكم.
لماذا اشتغل حسان بن ثابت؟ لماذا قدم؟ لماذا سعى النبي ﷺ لفتح المعركة الإعلامية على الكفار بلسان حسان؟ وطلب من الشعراء من الصحابة أن يتكلموا، لماذا؟
قال ﷺ: اهجو قريشاً، فإنه أشد عليها من رشق بالنبل.
وقال لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله.
وقال ﷺ: هجاهم حسان، فشفى واشتفى.
وهكذا -أيها الإخوة- كان المسلمون، بلال يخرج ويرتفع فوق الكعبة ليؤذن في فتح مكة، إرغاما لأنوف كفار قريش، الذين جعلوا يحاولون القول: إن آباءهم قد أكرمهم الله بالموت في بدر لأولى، يشهدوا هذا اليوم، لماذا؟
لما فيه من الخزي للكفر، وهكذا كانت الحمية حمية الجاهلية تقابل بهذا التحدي، وهذه الإغاظة من المسلمين للكفار.
اليهود ادعوا عندما قدم المسلمون المدينة أنهم سحروا المسلمين،وأنه لا يوجد للمسلمين مولود، لما ولد عبدالله بن الزبير بن العوام، ولد أسماء، كبر المسلمون تكبيرة واحدة، حتى ارتجت المدينة تكبيراُ، كما في رواية ابن سعد.
وفي رواية البخاري: وكان أول مولود ولد في الإسلام ففرحوا به فرحاً شديداً؛ لأنهم قيل لهم: أن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم" .
وكان الصحابة بعد النبيﷺ على ذلك.
مواقف السلف في إغاظة المشركين
وسبحان الله! حتى لما صارت الفتنة بينهم، كانت الروح موجودة التحدي للكفار، فلما حصلت الخلافات بين المسلمين بعد النبي ﷺ بمدة، طمع ملك الروم بالمسلمين، وأعد جيشاً كبيراً، وصار يقترب من بلاد المسلمين شيئاً فشيئاً، لما رأى اشتغال المسلمين بالمعارك فيما بينهم، فكتب إليه معاوية يقول: والله لئن لم تنتهِ، وترجع إلى بلادك يا لعين، لأصطلحن أنا وابن عمي عليك،ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت" عند ذلك خاف ملك الروم، وانكف، وبعث يطلب الهدنة.
وكذلك، فإن ربعي بن عامر لما استدعوه، إغاظة لهم، وقد جاء إلى رستم في هيلمانه وزينته وفخره، وخيلائه، وحريره، وذهبه، وعرش ملكه، وأسلحته وجنوده، نزل عن فرسه القصيرة، وثيابه الصفيقة، وسيفه وترسه، رفض أن يسلمها، وقال: أنتم دعيتموني، وإلا رجعت، قال: اتركوه، فجعل يتكأ برمحه على نمارقهم، فخرق عامتها،، خرقها يتكأ عليها، ويمشي مشية متعرجة، يتجول فوق تلك النمارق من الحرير، فخرق عامتها، إغاضة للمشركين، ولما جلس بجانب رستم، طاروا جنوناً، يريدون أن يفتكوا به، فقال: مال أسخف عقولكم!.
وعمرو بن العاص لما وجهه عمر بن الخطاب لمنابذة الروم، وكان على الروم الأرطبون قائدهم، وكان داهية، وكان عمر بن العاص يريد أخبار من داخل معسكر الروم، ومهما أرسل من العيون والجواسيس لا يشفون غليله، فقرر أن يدخل بنفسه، فتنكر على أنه رسول من المسلمين، مع أنه هو قائدهم في تلك الموقعة، ودخل على الأرطبون، ورأى ما يريد أن يرى، حتى شفى صدره من المعلومات التي يريدها، وناقش الأرطبون على أنه رسول، فقال الأرطبون في نفسه، قال: الأرطبون في نفسه، والله أن هذا لعمرو، أو أنه الذي يأخذ عمرو برأيه، وما كنت لأصيب القوم بأمر هو أعظم من قتله، فدعا حرسياً، فساره، فأمره بالفتك به، ففطن عمرو بن العاص، فقال للأرطبون: أيها الأمير إني قد سمعت كلامك، وسمعت كلامي، وإني واحد من عشرة، بعثنا عمر بن الخطاب لنكون مع هذا الوالي، يعني عمرو بن العاص لنشهد أموره، وقد أحببت أن آتيك بهم ليسمعوا كلامك، ويروا ما رأيت، فقال الأرطبون: نعم، فاذهب فأتني بهم، ودعا رجلاً فساره، وأمر بمنع القتل رجاء هؤلاء العشرة أن يحصدهم، فخرج عمرو وسلم، فقال الأرطبون: خدعني الرجل هذا والله أدهى العرب، فلما بلغ عمر ذلك، قال: لله درك يا عمرو.
لما أراد عمر بن عبدالعزيز بعدما صار خليفة أن ينزع الرخام والفسيفساء والزينة من مسجد جامع بني أمية في دمشق لأنها زينه غير مشروعة، ويردها في بيت المال، لما أراد ذلك فصادف أن عشرة من الروم جاؤوا رسلاً إلى الخليفة، وطلبوا أن يدخلوا المسجد، فلما دخلوا المسجد، وقد أرسل عمر بن عبدالعزيز معهم رجلاً يعرف لغتهم من المسلمين، ويقول له ماذا قالوا؟ لما مروا بالصحن، واستقبلوا القبلة، ورفعوا رؤوسهم إلى المسجد، نكس رئيسهم رأسه، واصفر لونه، فسألوه الروم الذين معه، لماذا؟
قال: إنا كنا معاشر أهل رومية نتحدث أن بقاء العرب قليل، يعني في بلاد الشام، فلما رأيت ما بنوا، أي هذا المسجد الواسع المرتفع المشيد، علمت أن لهم مدة لابد أن يبلغوها، يعني أن لبثهم طويل، فلما أخبر عمر بن عبدالعزيز بذلك، قال:"إني أرى مسجدكم هذا غيظاً على الكفار" وترك ما هم به.
وطبعاً، لا يمكن أن تفهم هذه القصة فهماً خاطئاً،ويقال: لماذا لا نزخرف المساجد إغاظة للمشركين؟
أبداً، لكن شيء حصلت به الإغاظة، دون قصد من عمر بن عبدالعزيز في صرف المال، هو شيء صرف، ولذلك تركه؛ لأنه مصلحة الإغاظة صارت حينئذ أكبر من مفسدة ترك هذا، ترك هذا الرخام، الرخام وضع وانتهى. وهكذا -أيها الإخوة-، وهكذا حصلت هذه المواقف من المسلمين دلالة على التحدي، ووجود روح الإباء، والشموخ والعزة في نفوسهم أمام الكفار.
اللهم إنا نسألك أن تعزنا بدينك يا عزيز، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، يا سميع الدعاء يارب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وشرع لنا الدين، لا إله إلا الله، أشهد أنه وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدا رسول الله، علمنا العزة، وأحيا في قلوب الأمة بصحابته، وقيادته، وقوله، وفعله هذا المبدأ الإسلامي العظيم، عزة المسلمين، والتحدي للكفار،وإغاظة المشركين.
المراغمة عبودية الخواص
هذا النوع من العبودية الذي لا يكان يعرفه إلا القليل في زمن الذل الذي نعيش فيه، وزمن الاستسلام الذي لم ينجو منه إلا القليل من المسلمين، هذه عبودية خواص، حقيقة في هذا الزمان، ولذلك يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: كلما جد، أي المسلم في الاستقامة، والدعوة إلى الله، والقيام له بأمره، جد العدو في إغراء السفهاء به، فهو في هذه العقبة، قد لبس لامة الحرب، وأخذ في محاربة العدو لله وبالله، فعبودته فيها عبودية خواص العارفين، وهي تسمى: "عبودية المراغمة" ولا ينتبه لها إلا ألو البصائر التامة، ولا شيء أحب إلى الله من مراغمة وليه لعدوه، وإغاظته له، وقد أشار سبحانه إلى هذه العبودية في مواضع من كتابه، أحدها: قوله: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةًالنساء: 100.
سمى المهاجر الذي يهاجر إلى عبادة الله مراغمة، يراغم به عدو الله وعدوه.
والله يحب من وليه مراغمة عدوه وإغاظته، كما قال تعالى: وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَالتوبة: 120، وكما قال تعالى: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَالفتح: 29.
فمغايظة الكفار، غاية محبوبة للرب، مطلوبة له، فموافقته فيها من كمال العبودية، وشرع النبي ﷺللمصلي إذا سهى في صلاته سجدتين، وقال: إن كانت صلاته تامة كان ترغيماً للشيطان، وسماهم المرغمتين، فمن تعبد الله بمراغمة عدوه، فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر، وعلى قدر محبة العبد لربه، وموالاته ومعاداته لعدوه يكون نصيبه من هذه المراغمة، وهذا باب من العبودية لا يعرفه إلا القليل من الناس، ومن ذاق طعمه ولذته، بكى على أيامه الأول، هكذا يقول ابن القيم -رحمه الله-: ومن ذاق طعمه ولذته، بكى على أيامه الأول التي مارد فيها على كافر، ولا أغاظ مشركا، ولا كبت باطلا، ولا نهى عن منكر، يبكي على أيامه الأول، كيف ما كبت الشيطان وأولياء الشيطان؟ كيف لم يحاول الرد؟ كيف سكت على الباطل؟ كيف؟ لماذا لم يقارع وينازل؟
وإذا كان لا يستطيع بالسلاح فباللسان، بالكلمة، في الصفحات، وفي المواقع، وفي المجالس، يراغم أعداء الله من المنافقين.
هؤلاء المنافقون المرتدون، منهم صنف خارج عن الإسلام، يتلبس بلبوس المسلمين، ويسمي نفسه اسماً مسلما، ومنهم من هو منافق نفاق عملي، لا يخرج من الدين، لكن فيه الكثير من صفات المنافقين، ومن هؤلاء أصحاب شهوات.
حكم الاحتفال بعيد الأم
عباد الله: ويحتفل العالم أيضاً بما يسمى ب"عيد الأم"، فما هو الموقف الشرعي من هذه القضية التي طنطنت بها القنوات الفضائية، وجهر بها من جهر؟ ما هو موقفنا نحن المسلمين؟
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله تعالى-: اطلعت على ما نشرته صحيفه في عددها الصادر بتاريخ، تحت عنوان: تكريم الأم، وتكريم الأسرة، فألفيت الكاتب قد حبذ من بعض الوجوه ما ابتدعه الغرب من تخصيص يوما في السنة يحتفل فيه بالأم، وأورد فيه شيء غفل عنه المفكرون في إحداث هذا اليوم، وهو ما ينال الأطفال الذين ابتلوا بفقد الأم من الكآبة، والحزن حينما يرون زملاءهم يحتفلون بتكريم أمهاتهم، واقترح أن يكون الاحتفال للأسرة كلها، واعتذر عن عدممجيئ الإسلام بهذا العيد، سبحان الله! الدين ناقص! نعتذر اعتذاراً؟! نتعذر للكفار! لأن الدين ناقص! ما أتى بعيد الأم؟!.
ولقد أحسن الكاتب، واعتذر عن عدم مجيئ الإسلام بهذا العيد؛ لأن الشريعة قد أوجبت تكريم الأم، وقد أحسن الكاتب فيما أورده من سيئة هذا العيد الذي غفل عنها من أحدثه، ولكنه لم يشر إلى مافي البدع من مخالفة صريح النصوص الواردة عن رسول الله ﷺ، ولا إلى مافي ذلك من الإضرار، والمشابه للمشركين والكفار، فأردت بهذه الكلمة الوجيزة أن ننبه الكاتب وغيره على ما في هذه البدعة، وغيرها مما أحدثه أعداء الإسلام والجاهلون به من البدع في الدين، حتى شوهوا سمعته، ونفروا الناس منه، وحصل بسبب ذلك من اللبس والفرقة مالا يعلم مدى ضرره وفساده إلا الله سبحانه.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ التحذير من المحدثات في الدين، وعن مشابهة أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين، مثل قولهﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد، فهو مردود على من أحدثه.
وكان يقول في خطبة يوم الجمعة: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله،وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
ولا ريب أن تخصيص يوم من السنة للاحتفال بتكريم الأم أو الأسرة من محدثات الأمور التي لم يفعلها رسول الله ﷺ ولا صحابته المرضيون، فوجب تركه، وتحذير الناس منه،والاكتفاء بما شرعه الله ورسوله.
وقد سبق أن الكاتب أشار إلى أن الشريعة الإسلام قد جاءت بتكريم الأم، والتحريض على برها كل وقت، وقد صدق في ذلك.
فالواجب على المسلمين أن يكتفوا بما شرعه الله لهم من بر الوالدة، وتعظيمها، والاحسان إليها، والسمع لها في المعروف كل وقت.
إذن نحن عندنا بر الأم على مدار السنة، وهم يحتفلون به مرة واحدة في السنة،يأتي إلى الملجأ فيلقي على أمه باقة زهور ويمشي، ويسمونه احتفالاً، وعيد الأم! وهي في الملجأ، في ملجأ العجزة، فأي احتفال؟! وأي عيد هذا؟! يعقونها طيلة العام! ويرمون عليها باقة زهور في يوم من الأيام! ثم يقولون: عيد!.
وليس ذلك خاص بالأم، بل قد شرع الله للمسلمين بر الوالدين جميعاً، وتكريمهما، والإحسان إليهم.
وبذلك تعرف -يا أخي- سيئة البدعة؛ لأنه يقال: أين عيد الأب؟
فشريعتنا كاملة، وأعيادهم ناقصة مبتدعة خسيسة، ولذلك فقد أغنانا الله بشريعته عن هذه الأعياد المبتدعة، وهكذا فتواه -رحمه الله تعالى-، وكذلك فتوى الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله تعالى- في أن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية أعياد بدع حادثة، ومن ذلك قال: وإذا تبين، فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى "عيد الأم" لا يجوز إحداث شيء من شعائر العيد، كإظهار الفرح والسرور، وتقديم الهدايا، وما أشبه ذلك.
والواجب على المسلم: أن يعتز بدينه، ويفتخر به، وأن يقتصر على ماحده الله -تعالى- لعباده، فلا يزيد فيه، ولا ينقص منه.
والذي ينبغي للمسلم أن لا يكون إمعة، يتبع كل ناعق، بل ينبغي أن يكون شخصيته بمقتضى شريعة الله -تعالى-، حتى يكون متبوعاً لا تابعاً: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْالمائدة: 3.
الحث على صيام شهر محرم
وأخيراً: فقد أظلنا شهر محرم الحرام، وهو أحد الشهور الأربعة الحرم عند الله: فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْالتوبة: 36.
هذا الشهر المحرم: أفضل الصيام بعد رمضان، شهر الله المحرم.
أضافه النبي ﷺ إلى الله، فقال: "شهر الله" وهذه إضافة تعظيم، والله يصطفي ما يشاء من الزمان والمكان.
وفيه يوم عاشوراء، يوم نجى الله فيه موسى ومن معه، وكان النبي ﷺ مفروض عليه صيام عاشوراء في مرحلة من مراحل التدرج في تشريع الصيام ثم نسخ، وجوب صيام عاشوراء بوجوب صيام رمضان، وبقي صيام عاشوراء على الندبية والاستحباب.
وهكذا كان النبي ﷺ ينوي أن يصوم تاسوعاء، لمخالفة المشركين، ومخالفة المشركين مقصودة في الشريعة، وتمنى أن يصوم اليوم التاسع في العام القادم، ولذلك قال العلماء: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً؛ لأن النبي ﷺ صام العاشر، ونوى صيام التاسع، وإذا صام العاشر وحده يجوز، وإذا صام التاسع قبله أفضل، وكلما زاد الصيام في محرم كان أفضل وأفضل، وبما أن هذا الشهر قد ثبت دخول هلاله بما يفيد أن الجمعة هو الأول منه، وأن السبت هو التاسع، والأحد هو العاشر، فلذلك يندب صيام السبت والأحد في هذه السنة، ولا يمنع من ذلك ما ورد في صيام السبت؛ لأننا قصدنا عاشوراء، ولم نقصد السبت، أو قصدنا تاسوعاء ولم نقصد السبت، وكذلك الأحد أيضاً، فلا مانع من صيام السبت والأحد، وإذا أضاف الاثنين، فهو طيب، وكلما زاد من محرم، فهو أطيب وأطيب.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: تكفير الطهارة والصلاة وصيام رمضان وعرفة وعاشوراء للصغائر فقط.
إذن الكبائر يحتاج لها توبة أخرى، وإذا كفر عاشوراء سنة كاملة، ولم يصادف سيئات فرضاً، فإنه يزيد في حسنات صاحبه، ويرفع درجاته.
وقال رحمه الله تعالى: في الطوائف في يوم عاشوراء: فصارت طائفة جاهلة ظالمة، إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية، طائفة تظهر موالاة علي، وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهلية، فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتماً، وما يصنعون فيه من الندب، والنياحة، وإنشاد قصائد الحزن،ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلا تجديدالحزن، والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب، وإرخاء الفتن بين أهل الإسلام، والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين، وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام.
ثم ذكر طائفة أخرى تظهر الزينة في عاشوراء، وتوسع النفقات على العيال، وأن كلاهما من المبتدعة، قال: وإن كان أولئك أسوء قصداً، وأعظم جهلاً، وأظهر ظلماً.
إذن، يوم عاشوراء يمر كأي يوم من الأيام، ولكننا نصومه؛ لأن النبي ﷺ شرعه لنا.
اللهم انصر المسلمين، اللهم انصر المجاهدين،واعل كلمة الدين، اللهم اخذل اليهود والنصارى والصليبيين المشركين، والهندوس الظالمين، اللهم العنهم لعناً كبيرا، مزقهم كل ممزق، وشتتهم شملهم، وفرق جمعهم يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، اللهم اجعلنا آمنين مطمئنين، اللهم آمنا في أوطاننا وفي الدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَالصافات:180-182.