عاقبة السكوت عن المنكر
ولكن لما نزل العذاب ما ذكر إلا فرقتين: الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف: 165]، فهنا اختلف المفسرون ماذا حصل، وحل بالفرقة الثالثة، ولعل الراجح والله أعلم أن هذه الفرقة الثالثة نجت؛ لأن الله ذكر أنه أنزل العذاب بالذين ظلموا، وهؤلاء كانوا كارهين في الحقيقة، كارهين لعمل أولئك القوم، منكرين بقلوبهم، والدليل على كرههم للمنكر، وكرههم للفرقة التي تعمله أنهم قالوا: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا [الأعراف: 164].
إذًا الفرقة الثالثة التي سكتت تعتقد بأن الله سيهلك الفرقة الأولى المعتدية، ويعذبها عذابًا شديدًا، إذًا هم غير راضين بالمنكر، لكن لظنهم أنه لا يفيد الإنكار سكتوا، إنما في قلوبهم غير راضين، بل هم يعلمون أن الله سيعذب هؤلاء، قالوا: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا [الأعراف: 164].
فماذا كان العذاب؟ قال الله في عذابهم وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا [البقرة: 65-66]، نجعل هذه القرية بهذا الظلم فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا [البقرة: 66] عبرة لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا[البقرة: 66] لمن قبلهم ولمن بعدهم، لمن أمامهم ولمن خلفهم مكانًا وزمانًا، جعلهم الله عبرة لمن بعدهم، وعبرة لمن أمامهم في المكان، ومن خلفهم في المكان، ولمن بعدهم في الزمان، فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً [الأعراف: 166]، فكانوا قردة، لأن الله إذا قال: لشيء كن، فإنه سيكون، كما أمر ، في الآية هذه، قال: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً [الأعراف: 166]، فكانوا قردة كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف: 166].
فانقلبوا بإذن الله قردة، وأبعدهم عن رحمته، وجعلهم خاسئين، ضرب عليهم الذلة والصغار، وسامهم سوء العذاب ، كان ذلك العذاب الذي نزل بهؤلاء عذابًا شديدًا ولا شك، وعذابًا بئيسًا، كان هذا العذاب في قلب الصورة من إنسان إلى قرد، وصاروا بسبب هذا الانقلاب في الخلقة أذلاء صاغرين، لقد مسخوا وتغيرت أشكالهم، وحل بهم البؤس، وكانوا كالقردة في الطيش والشر والإفساد، وليس بصحيح أن قلوبهم مسخت فقط، وإنما المسخ تعدى إلى الشكل والصورة، كان هذا المسخ لمخالفتهم الأوامر، وتماديهم في العصيان، ومن ضمن ذلك اصطيادهم الحيتان في اليوم الذي نهوا عن الاصطياد فيه، فقل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين عندك في المدينة: ما حال أسلافكم الذين مسخوا قردة؟
ولماذا مسخوا قردة؟ ذكرهم بما كان عليه أسلافهم لعلهم يتعظون، وهم يكذبونك بنبوتك، وينكرونها، والله قال: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف: 167]، وقال الله: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا [الإسراء: 8]، وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا [الأعراف: 168] وفرقهم فيها في الأرض، وكلما حاولوا العودة للإفساد فإن الله سيعود إلى عقابهم والبطش بهم.
نعود إلى قضية هؤلاء الذين سكتوا واختلاف العلماء على قولين:
قال بعضهم إنهم من الناجين وقيل إنهم من الهالكين والصحيح الأول عند المحققين وهو الذي رجع إليه ابن عباس في مناظرته مع مولاه عكرمة تلك المناظرة التي كوفئ عليها عكرمة رحمه الله بحلتين نفيستين ما هي هذه المناقشة، روى عبد الرزاق وابن جرير عن عكرمة -عكرمة كان مولى ابن عباس- قال: جئت ابن عباس يومًا وهو يبكي وإذا المصحف في حجره، فأعظمت أن أدنو منه، ثم لم أزل على ذلك حتى تقدمت" تجرأت واقتربت من ابن عباس "فجلست، فقلت ما يبكيك يا أبا عباس جعلني الله فداك، فقال: هؤلاء الورقات"، هذه ورقات المصحف التي أبكتني ما هي؟ وماذا فيها؟ "وإذا هو في سورة الأعراف"، ثم ذكر ابن عباس له قصة أصحاب السبت، "ثم قرأ ابن عباس، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف: 165].
قال ابن عباس: فأرى الذين نهوا قد نجوا، ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها شيئا" نحن نرى أشياء في واقعنا ننكرها لكن لا نتكلم، لا نستطيع أن نتكلم، سكتنا لم ننكر كل المنكرات، إذًا نحن الآن من الهالكين؛ لأن الله ذكر أنه نجا الذين ينهون عن السوء، فقال عكرمة: "جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه؟". يعني: هؤلاء الذين سكتوا كرهوا ما عليه المعتدون، "ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم، وقالوا: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ [الأعراف: 164]، قال: فأمر لي فكسيت ثوبين غليظين مكافأة". [تفسير عبد الرزاق: 926، وتفسير جامع البيان: 15272] يعني: ليسا برقيقين نفيسين مكافأة له.
عقوبة المسخ
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لم يعيشوا إلا فواقًا ثم هلكوا ما كان لهم نسل إذًا هؤلاء الممسوخين لم يعيشوا كثيرًا، وجاء عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: "لم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل هؤلاء ولم يشربوا ولم ينسلوا". [تفسير القرطبي: 1/441].
والمسخ هو تغيير الصورة الظاهرة للإنسان وقد أخبرنا الله تعالى عنه في مواضع من كتابه، قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف: 166].
فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة: 65]، هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ [المائدة: 60]، وهذا المسخ عقوبة من الله تعالى، وبالمناسبة فإن هذا المسخ ليس خاصًا ببني إسرائيل، وإنما سيقع في هذه الأمة، ومن الموعودين بالمسخ في هذه الأمة، المكذبون بالقدر، والذين يشربون الخمر ويستمعون الغناء.
روى ابن ماجه عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: بين يدي الساعة مسخ وخسف وقذف [رواه ابن ماجه: 4059، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1787].
إذًا قبل قيام الساعة يوجد مسخ في ناس سيمسخون تنقلب صورتهم الآدمية إلى صورة أخرى هم من بني أدم من البشر لكن سيمسخهم الله في هذه الأمة، وخسف والخسف ذهاب في الأرض بأن تنشق وتبتلع أشخاصًا أو بيوتًا أو بلادًا، حصل فيما قبلنا، وخسف الله بقارون، فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ [القصص: 81]، بالنسبة للقذف لأنه قال: بين يدي الساعة مسخ وخسف وقذف، ما هو القذف؟ القذف الرمي بالحجارة، لقد حصل في قوم لوط وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [الحجر: 74]، ما هو الدليل أنه سيحصل في المكذبين بالقدر؟ حديث الترمذي عن ابن عمر قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: يكون في هذه الأمة خسف أو مسخ أو قذف في أهل القدر [رواه الترمذي: 2152، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 4274].
يعني الذين يكذبون بالقدر، التكذيب بالقدر له صور كثيرة: مثل واحد يقول: إن الله ما قضى، ولا قدر، ولا كتب، ولا علم ماذا سيحصل، وأن الناس هم الذين يخلقون أفعالهم بأنفسهم، والله لا يخلق أفعال العباد، وأن الله لا يعلم بالشيء إلا بعد حصوله، وأن الله يخلق الخير ولا يخلق الشر مثلاً، كل هؤلاء مكذبون بالقدر، مكذبون بأفعال الله، لأن عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة الطائفة المنصورة عقيدة الحق أن الله خالق الخير وخالق الشر، يعلم ما كان قبل أن يكون، كتبه عنده في اللوح المحفوظ، وهو خالق أفعال العباد، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 96]، وأعطاهم إرادة ليحاسبهم.
الدليل على وقوع الخسف والمسخ والقذف في هذه الأمة
أما بالنسبة لوقوع الخسف والمسخ والقذف في أصحاب الخمور والأغاني، فاسمع الدليل عليه، روى الترمذي عن عمران بن حصين أن رسول الله ﷺ قال: في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله، ومتى ذاك؟ قال: إذا ظهرت القينات القينات: يعني المغنيات، وعصرنا هذا ظهرت المغنيات، يقول: ظهرت والآن ظهرت على الشاشات، والقنوات، والمسارح، والصالات، قال: إذا ظهرت القينات، والمعازف، المعازف: العود، الكمنجة، الجيتار، القانون، المزمار، الطبل، كل المعازف، كل الآلات التي تقرع قرعًا، وينفخ فيها، ويعزف عليها، ويضرب عليها، كل ذلك قد ظهر، قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور [رواه الترمذي: 2212، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1787].
إذًا هذه الأحاديث تدل على وقوع المسخ في الأمة عقوبة على بعض المعاصي، ذكر لنا من الناس الممسوخين في هذه الأمة أهل القدر، وأهل الخمر، وأهل الأغاني، فيجب على المسلم أن يحذر من هذه أشد الحذر، وهذا دليل على تحريم الأغاني، لأن الله لا يمسخ على شيء مباح، هل الله يمسخ ناس يسمعون أشياء مباحة؟
لا، ولذلك لو قال واحد أعطينا دليل على تحريم الأغاني نقول هذا هو من الأدلة هذا هو أن الأمة سيكون فيها خسف ومسخ وقذف فقال رجل من المسلمين يا رسول الله ومتى ذاك؟
قال: إذا ظهرت شوف من زمان يمكن يعني لو حضرت مغنية كم واحد سيستمع لها ستظهر أمام من كان في مغنيات في القصور عند بعض الكبراء والأغنياء، لكن الآن زماننا غير يختلف، الظهور الآن كلمة ظهر فعلاً ظهر، ظهرت في الشوارع، في الأسواق الأغاني، في كل مكان، تدخل مطعم تسمع أغاني، تدخل سوق تسمع أغاني، تدخل محلات تسمع أغاني تدخل في البيت تسمع أغاني تدخل في كل مكان تسمع أغاني ظهرت أليس هذه الكلمة قد انطبقت ظهرت، وهذه القنوات الفضائية، والبث، والإف إم، والموجات الطويلة، والموجات القصيرة، والموجات المتوسطة، والهوائيات، والفضائيات، والمسارح، وعلى الهواء الطلق، يقول لك: هذا مهرجان كذا الغنائي.
إذًا ظهرت القينات وحصل الشر، بقي يحصل المسخ، فلا تستغرب إطلاقًا، ولا تستنكر إذا نمنا وقمنا سمعنا أن في ناس مسخوا قردة أو خنازير في الأمة هذه، ممكن يقول لك: واحد كان في حفلة، إلا وتغير بدل الناس قردة وخنازير، لأن النبي ﷺ لا يقول باطلاً يقول حقًا إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 4]
هل حصل مسخ يعني من عهد النبي ﷺ إلا عهدنا هل حصل طبعًا هو لو حصل كان اشتهر بكتب التاريخ قاله العلماء وذكروه يمكن ذكرت حالات فردية عن أشخاص من أهل البدع ذكر بعض العلماء عن بعض أهل البدع مثل الرافضة قال إنهم مثلاً كان فلان يقع في الصحابة ويفعل كذا ويقول كذا ولما حضرته الوفاة ومات كشفت عن وجهه فإذا وجه خنازير ذكروا حالات فردية حالات ذكرت في بعض التاريخ في العقيدة حالات فردية من أشخاص يعني عند الموت انقلبت خلقته إلى خلقة خنزير وجد يعني لكن الحالات فردية إنما قرية أو بلد أو مجمع كذا انقلبوا إلى قردة وخنازير ربما ليس موجودًا في الكتب يعني من عهد النبي ﷺ إلى عهدنا يمكن هذا الشيء لم يحدث حتى الآن اللي هو المسخ الجماعي مثلاً يمكن صار في مسخ حالات فردية ذكرها بعض العلماء في كتب التاريخ، إذًا لا بدّ أن يحصل في زماننا بعد زماننا لا بدّ أن يحصل.
هل القردة والخنازير التي نراها في الواقع من أجيال أو نسل الممسوخين
هل القردة والخنازير الموجودين الآن البهائم هذه الحيوانات هي من نسل القردة والخنازير الذين كانوا على عهد بني إسرائيل الأولين؟
سؤال قد يرد في الذهن هل القردة والخنازير هذه من نسل أولئك؟ لقد خطر هذا السؤال ببال أحد الصحابة رضوان الله عليهم، فروى مسلم رحمه الله عن عبد الله بن مسعود قال: قال رجل: يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ؟ هذه القردة والخنازير التي نراها في الواقع هل هي من أجيال أو نسل الممسوخين، فقال النبي ﷺ: إن الله لم يجعل لمسخ نسلاً ولا عقبًا، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك [رواه مسلم: 2663].
طبعًا النسل معروف والعقب: الذرية، فقوله ﷺ: وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك، أي: قبل مسخ بني إسرائيل، فدل ذلك على أن هذا ليس من المسخ هنا ممكن نتكلم في موضوع نظرية دارون الذي، قال: إن الناس تطوروا من قردة، والقردة تطورت من مخلوقات قبلها، وذات الخلية الواحدة والأميبا ثم صارت برمائيات وثديات وقرد على رأس الهرم على رأس الهرم تطور إلى إنسان.
طبعًا هذه نظرية سخيفة مضحكة، لأنك لو قلت لدارون: هذا القردة تطورت إلى بشر، والقردة الموجودة في حدائق الحيوانات هذه لماذا ما تطورت إلى بشر؟ لماذا لم تتطور؟ من الذي تطور؟ وأين المراحل التي بين القرد والإنسان؟
يعني: مثلاً هات قرد مثلاً يتكلم كلمتين على بعض بعدين، كم كلمة فأين المراحل، وما بال القردة الموجودة الآن لم تتطور؟ بقيت قردة لماذا؟ سبحان الله! وهذه نظرية على عفونتها وفشلها وعدم استطاعتهم أن يأتوا بالمراحل بدقة الموجودة التطور، وأنهم افترضوها افتراضًا، وقالوا: عثرنا على أحفورة، وعثرنا على افتراضات ونظريات، طبعًا هي تصادم قول الله: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ[التين: 4].
والله خلق آدم من تراب، ثم نفخ فيه من روحه، فإذًا آدم خلق هو أصلا بهذه الهيئة، هو خلق بهذه الهيئة أصلاً، خلق من تراب من طين، مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر: 26]، سواه ونفخ فيه من روحه، فقام بين يديه، عطس، قال: الحمد لله، قالت الملائكة: يرحمك الله يا آدم، إذًا الله خلق آدم أول ما خلقه بهذه الصورة وخلق القردة.
النبي ﷺ أجاب عن الصحابي قال: إن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك كانوا قبل مسخ بني إسرائيل، الله لما خلق الأرض ماذا قال: وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ [البقرة: 164]، وهذه الخنازير والقردة من الدواب، الدابة كل ما يدب على الأرض، كل ما يتحرك.
إذًا نقض نظرية دارون، وغيره من النظريات مثل هذه واضح في الكتاب والسنة والعقل كله سقوطها، لكنه من باب تعريج على ما قال هؤلاء، طبعًا وبالتالي بعض ما يتداول الآن على ألسنة بعض الخطباء والمتكلمين أن اليهود أحفاد القردة والخنازير، ليسوا هم أحفاد الممسوخين، ما لهم نسل، يمكن ما عاشوا إلا ثلاثة أيام، وماتوا فقط، عاشوا فترة يحصل لهم بهم الغم، يحصل الغم لهم بخلقتهم، أما نسل ما تناسلوا، ولا كان لهم ذرية ولا عقب، وبناء عليه فإن اليهود الموجودين الآن ليسوا من أحفاد أولئك، لأن أولئك لم يكن لهم أحفاد ما كان لهم نسل، ولذلك عائشة قالت: "وعليكم السام واللعنة إخوان القردة والخنازير". [رواه أحمد: 13531].
إخوان فهذا هو الصحيح أن تقول عن اليهود: يا إخوان القردة والخنازير، كما ناداهم الصحابة بذلك، وليس يا أحفاد القردة والخنازير، هذا أصلاً ظلم للقردة والخنازير أنك تقول لليهود هذا الكلام، القردة والخنازير توحد الله، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ[الإسراء: 44].
خطر التحايل على الشرع
وهؤلاء اليهود في القصة تحايلوا على شرع الله، وكان قضية التحايل فيها مسألة واضحة جداً في هذه الآيات، وكان الامتحان الذي فشلوا فيه وسقطوا، امتحان جرى امتحان مشابه لأصحاب محمد ﷺ، فمثلاً قال الله للصحابة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ [المائدة: 94]، يا أيها الصحابة لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ [المائدة: 94]، قريب في متناول اليد تمد يدك تأخذه، لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة: 94].
إذًا الله ابتلى الصحابة بصيد قريب، لا يوجد تعب يمد يده يأخذه، يرمي الرمح يصيبه مباشرة، ابتلى الصحابة به لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [المائدة: 94]، حتى لو ما أحد رآه يمكن أن يأخذ الصيد.
فهل نجح الصحابة فيما فشل به بنو إسرائيل؟ هل أثبت الصحابة فعلاً طاعتهم لله عند الامتحان فيما فشل فيه بنو إسرائيل؟ الجواب: نعم.
فإن الصحابة رأوا الصيد أمامهم، وما مدوا أيديهم إليه، لما أحرموا والمحرم لا يجوز له أن يصيد، لم عاونوا صاحبهم غير المحرم عليه، أبو قتادة ما كان محرمًا كان في مهمة عسكرية، وجاء والصحابة أحرموا رأى حمارًا وحشيًا، رأى صيدًا طلب منهم أن يعينوه، رفضوا لعله لم يمكن علم بالتحريم هذا، رفضوا أن يعينوه، فطارده وأمسك به، وطلب أن يعينوه، ورفضوا لا في المطاردة، ولا في الإمساك أبدًا، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة: 96]، وكان ما حصل أنهم لما رأوا الصيد ابتسموا، فرأوا أبو قتادة الصيد، طلب منهم الإعانة، فلم يجيبوه، وهكذا حصل من الصحابة الثبات وعدم التحايل، ووقفوا عند حدود الله، والتزموا أوامر الله ، لقد كان الصحابة ممن يخاف الله بالغيب فلما قال الله: لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [المائدة: 94]، كان أولئك ممن يخافه بالغيب.
لقد كانت قصة تلك القرية التي حدثنا الله تعالى عنها، وعن موقف أهلها، ومن أوامره كانت فيها عبرة، والله يبتلي الناس ويمتحنهم بالتكليف، فمنهم من يجاهد نفسه، فيلتزم وينجح، ومنهم من يتبع هواه، فيعتدي ويسقط، وقد كان الفرق واضحًا بين صحابة نبينا ﷺ وبين اليهود لقد جاهد أصحاب نبينا أنفسهم ونجوا، واتبع اليهود أهواء أنفسهم وظلوا، لقد كانت تلك الأسماك والحيتان تأتي بأمر الله، والله تعالى يتصرف في ملكه كيف يشاء، وهو الذي يأمر هذه الحيوانات تأتي يوم السبت، ويصرفها في غير يوم السبت.
فوائد إنكار المنكر
لقد كان الانقسام في أهل تلك القرية إلى معتدين، ودعاة، وساكتين، كان نموذجًا لما يمكن أن يحصل عليه موقف الناس في أي وقت، وفي أي مصر وعصر من المنكرات، أنهم ينقسمون إلى ثلاث أقسام: ناس يفعلونها، وناس ينكرونها، وناس يسكتون، وليعلم الذين يسكتون أنهم إذا كانوا راضين فهم من المشاركين في المنكر؛ لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، والمتكلم بالباطل شيطان ناطق، والمعافاة أن يعافيك الله منهما، إذًا هذه الطائفة المعتدية أمرها واضح، والطائفة المنكرة أمرها واضح تنجوا، الطائفة الساكتة إذا سكتوا عن رضا فهم من الهالكين، وإن كانوا ينكرون في قلوبهم فسكتوا لعدم القدرة على الإنكار لبطش يقع عليهم لا يطيقونه، فهؤلاء لعل الله يتجاوز عنهم؛ لأنهم ما أنكروا عجزًا عن الإنكار، ولكن ليعلم الساكت أنه على خطر عظيم، وفهم بعض العلماء للآية: وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأعراف: 165]، اعتبروا الساكتين ظلمة لماذا ما تكلموا؟ اعتبروهم من الظلمة، ولذلك يجب الحذر من السكوت، وارتكاب المنكر، وفعل المحظور نذير شؤم، وطريق لغضب الله .
ولو قال قائل: لماذا ننكر؟
الجواب: إن الإنكار فيه فوائد عظيمة:
أولاً: إعلان الحق هذا مهم جداً، لازم يعلن الحق، ويعلن أن هذا منكر لازم، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال: 42]، لأنه إذا ما أنكر المنكر ينشأ أجيال لا يعرفون أنه منكر أصلاً، ولذلك يكون السكوت جريمة.
فلو قال قائل: لا يوجد فائدة لماذا ننكر عليهم؟
نقول: الفائدة أنك تعلن الحق ويظهر الحق، ويعرف كل الناس أن هذا منكر، هذا واجب، واجب أن يعلن المنكر أنه منكر، هذا قيام لله بالحجة، الله على ماذا أخذ العهد على أهل العلم؟ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187]، فيجب الانطلاق في الدعوة والوعظ من الباعثين الأساسيين، الإعذار أمام الله من خلال القيام بالواجب، وأنه أمرنا بالإنكار.
فإذا أنكرنا قمنا بالواجب، اثنين أقمنا الحجة وأعلناها، ثلاثة لعل هؤلاء يرتدعون، لعله يكون فيها فائدة، لعل التذكرة تنفع، لعل الموعظة تجدي، لا نعلم الغيب، صحيح هذا ظاهره أنه معرض وسادر في الغي ومصر لكن قد يهديه الله، ثم إذا أنكرت عليه اليوم لا يشترط أنه اليوم يقلع، قد يقلع بعد أسبوع، قد تؤثرك موعظتك فيه بعد شهر، قد تكون موعظتك نصف مؤثرة في نفسه، فتأتي موعظة من آخر فيكتمل التأثير فيترك، يعني: لا تفترض أن نصيحتك ما تؤثر أبدًا في المعرض هي نقطة في قلبه، ستبقى كلماتك ترن في أذنه حتى يأذن الله يوم من الأيام أن يستجيب، ما هو شرط الاستجابة تكون فورية، ممكن استجابة تكون بعد فترة، لماذا لا فائدة من الإنكار؟ هل شققت عن قلوب العباد؟ هل نعلم ماذا رسخ فيها؟ هل نعلم أنهم لن يستجيبوا في المستقبل؟ ما يدرينا، ولذلك نحن علينا القيام بالواجب، بيان الحق، إنكار المنكر، ثم الكلمة لها قوة، وقيمة، وتأثير، وبالذات إذا خرجت من قلب صادق، ثم الإنكار يدل على الغيرة على محارم الله، يعني حتى لو ما استجاب المنكر عليه، كونك تبين غيرتك كونك تسجل موقفًا، كونك تعلن الحق هذا مكسب عظيم.
وأما الذين يكتفون بالسلب، ويؤثرون الانعزال، والهروب من ميدان النصح والدعوة والتذكير، فهؤلاء جبناء، لماذا يفعلون ذلك؟ ثم إذا تفشت المعاصي ما في واحد ينكر ستتفشى أكثر، لكن لو في منكرين يمكن أهل المعصية يحذرون من إعلان المعصية التي بعدها، يعني في هذه القضية هب أن منكرًا قام، قام واحد قال: يبدو أنه لا فائدة من الإنكار، المنكر قائم، يا أخي: إذا أنكرته، وأنكره فلان، وفلان وفلان لو فرضنا ما زال المنكر، لكن أهل الباطل هل تتوقع إذا أرادوا أو كان في خطتهم أن يعلنوا منكرًا.
ثانيًا: أن ذلك يسهل عليهم، أو أنهم سيحسبون هذه الإنكارات، إذًا الإنكارات لها فائدة ولو ما كان في هذا المنكر، فإن هناك يمكن منكرات أخرى لا تقوم بسبب الإنكار الآن، ولذلك لا بد من الاستمرار في الإنكار، شعارك الاستمرار في الإنكار، ثم إن نسيان الأحكام الشرعية مصيبة عظيمة، وقلنا: إن الأجيال ممكن تنسى مع الوقت، وبقاء الإنكار على الأقل للصغار والناس الآخرين الجهلة يعرفون أن هذا حرام منكر، يعرف أنه منكر، أما إذا سكتنا الصغار الأجيال الجديدة لن تعرف أن هذا منكر، ولن تفرق بين الحق والباطل، وكذلك فإن المعاصي تنتج المصائب، كما تدل عليه هذه القصة، وأنها نذير شؤم، وأنها شؤم هي بنفسها على العباد، لقد كان المسخ في هذه القرية إلى قردة مسخًا حقيقيًا، وآية من آيات الله ، ليبين قدرته في خلقه.
أقسام الحيل
ومسألة التحايل قضية خطيرة جداً، قضية التحايل أن يستعمل ما خفي وما دق، ويتوصل إلى المقصود بطريقة خفية، ممكن أحيانًا تكون الحيلة مشروعة والهدف حرام، ممكن تكون الحيلة محرمة والهدف مشروع، وممكن تكون الحيلة محرمة والهدف محرم، وممكن تكون الحيلة صحيحة والهدف مشروع، فمثلاً لو أراد شخص أن يقر له آخر بدين عليه، لو أعطاه فلوس وجحدها، قال: مالك شيء اذهب اشتكي، فلو أن هذا الشخص صاحب الحق دعا رجلين يقفان وراء الستار في مكان خفي، ثم أتى هذا الذي أخذ منه المال أتى به إلى المجلس، وقال: يا فلان أنا ما أعطيتك المال يوم كذا، قال: بلى، أخذته منك، قال: طيب رده لي، قال: لا، قال: نروح المحكمة نشتكي، أصلاً ما عندك بينة، ثم خرج الرجلان فرأياه وعرفاه، وهو صاحب الصوت الذي أقر وتكلم، ثم ذهبا إلى القاضي، وقالا: نحن البينة، هذه حيلة جائزة، وما كذب ولا عمل شيئًا محرمًا، والهدف مشروع، وهو إثبات حقه؟ نعم، إذًا حيلة مشروعة لهدف مشروع جائزة.
طيب ممكن تكون حيلة محرمة لهدف مشروع، كأنك إنسان مثلاً يريد الحج أو يريد العمرة ويعمل حيلة للذهاب للحج العمرة، لكن حيلة محرمة لا يجيزها نظام العمل بينه وبين الشركة، أو بينه وبين الدائرة الحكومية، يعمل حيلة مثلاً يقول: هاتوا خطاب أن راتبي كذا، وليس راتبه كذلك، هو يريد أن يتوصل إلى شيء مشروع، أن يتزوج، أو يذهب للحج، أو للعمرة، القصد مباح لكن الحيلة حرام، والغايات لا تبرر الوسائل في الإسلام، عند اليهود الغاية تبرر الوسيلة، في الإسلام الغاية لا تبرر الوسيلة، لا بد أن تكون الوسيلة مشروعة مباحة جائزة، والهدف مشروع، أحيانًا واحد ممكن يرتكب حيلة محرمة في التوصل إلى شيء محرم، وكمن يزور ليأكل مال أيتام، يعني: كلها حرام في حرام، من الحيل مثلاً قضية نكاح التحليل، واحد طلق زوجته ثلاثًا، فقال لشخص: تزوجها وطلقها حتى أتزوجها بعدك، أنا متعلق بها جداً، والأولاد تشردوا بعدها، وأنا أريدك أن تعتد على الزوجة وتطلقها بعد ذلك، الرسول ﷺ يقول: لعن الله المحلل، والمحلل له [رواه داود: 2076].
إذًا ما حكم نكاح التحليل حرام لا يجوز، واحد يريد يسلف واحدا ثلاثين ويأخذ منه أربعين، قال: أبيعك سيارتي بأربعين ألف بالأقساط، ثم تبيعها عليّ نقدًا بثلاثين، ويبقى عليك أربعون ألف بالأقساط إلى سنة، ما حكمها؟ محرمة يتوصل إلى الربا بهذه الحيلة، حيلة محرمة يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان.
تغيير الاسم لا يغير من الحقيقة شيئًا، فمثلاً يسمون المحرمات بأسماء، مثل تسمية الربا فائدة، أو عوائد بنكية، أو عائد على الاستثمار، أو كلفة القرض، أو القيمة الزمنية للقرض، الربا هو ربا، ربا ما في كلام، لكن يسميه ضريبة تأخير، إذا تخلف عن السداد في الوقت المحدد يجعل عليه غرامة جزاء كل مائة ثلاثة، هذا حرام ربا لا يجوز، لكن سموه غرامة ضريبة تأخير.
فالذي يسمي الخنزير خروفا، أو أخذت بخاخ، وكتبت على الخنزير خروف بخط الرقعة، والنسخ، والفارسي، والكوفي؟ فهل هذا يتحول إلى خروف بالكتابة عليه؟ يبقى خنزيرًا، إذًا سمه ما شئت سيبقى خنزير، ومهما تفنن الناس، ولذلك الذين يغيرون هذه الأشياء الرسول ﷺ أخبرنا عن ناس يأتون يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها، كما قال ﷺ: ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير [رواه ابن ماجه: 4020، وهو حديث صحيح صححه الألباني صحيح ابن ماجة: 3247].
الآن يسمى في عصرنا الكفر يسمى حرية رأي، الردة عن الإسلام تسمى حرية الفكر، موالاة الكفار يسمى حكمة وبعد نظر، الميسر والقمار يسمى يناصيب خيري، الفاحشة والخمور تسمى سياحة، الموسيقى المحرمة ونحت التماثيل والصور تسمى فنون جميلة، الزنا جيرل فرند، وهكذا تسمى الأشياء بغير اسمها، ومشكلة اليهود ومصيبتهم أنهم استحلوا محارم الله بأدنى الحيل، حرم الله عليهم الشحوم فجملوها وأذابوها وباعوها وأكلوا ثمنها، قالوا: نحن بعنا دهن، بعنا مائع، نحن ما بعنا الشحم، نحن ما اشترينا الشحم، ولا شك أن هذا أشد إثمًا، وكونهم فعلوا ذلك لا يجديهم شيئًا، ولا ينفعهم في شيء.
إذًا يؤخذ من هذه القصة العظيمة تحريم الحيل المحرمة، وأنها لا تجوز الحرام بل تبقيه حرامًا لكن الإثم يكون أشد.
نسأل الله السلامة والعافية، وصلى الله على نبينا محمد.