الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

صفة الحج وأحكام الأضحية


عناصر المادة
الخطبة الأولى
الحج وأحكامه 
صلات الحج بموضوعات تتعلق بحياتنا
فضائل العشر من ذي الحجة
أعمال العشر من ذي الحجة
الخطبة الثانية
التوبة إلى الله
أحكام الأضحية
أهمية الرجوع إلى أهل العمل الراسخين

الخطبة الأولى

00:00:04

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الحج وأحكامه 

00:00:45

عباد الله: لا يزال اهتمام المسلم متوجهاً إلى مباني الإسلام العظام، وأركانه التي شرعها الله ، كلما مرت الأيام والشهور، وتجددت الأعوام، مع ما تهوي إليه قلوب المؤمنين، وأفئدة المسلمين نحو البيت العتيق، كلما اقترب موسم الحج، تعالت النبضات، ذلك الركن الذي فرضه الله على عباده، وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاًسورة آل عمران97ورحمة الله بعباده أن قيد الأمر بالاستطاعة، مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، وجعله مرة واحدة في العمر، ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌسورة البقرة178، المسلم، البالغ، العاقل، المستطيع بماله وبدنه، يجد النفقة التي توصله إلى البيت العتيق، فاضلة عن قضاء ديونه، وحاجاته الأصلية، إنها مراعاة الشريعة لحال أهلك وأولادك يا عبد الله، فهي تقول لك: إذا ملكت ما يزيد عن حاجتك، وحاجة أولادك إذا غبت عنهم؛ لأنه كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت[رواه أبو داود 1692وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير4481]، فعند ذلك تذهب.

وذكر العلماء رحمهم الله، في الزاد والراحلة التي تليق بمثله، إنها مراعاة الفقهاء لأحوال الناس، إنه النظر الفسيح الممتد الذي يعرف المصالح، وعندما تجد كلامهم في مسألة تقديم الزواج على الحج إذا كان ماله لا يتسع لهما، فإن كان لا يصبر، ويخشى على نفسه العنت، والوقوع في الحرام؛ قدم النكاح، وتعلم حينئذ يا عبد الله كيف يراعي الفقهاء العفة، وكيف يقررون في كلامهم ما يحمي الأعراض، ويحفظ الأخلاق، ولو بتأخير هذه الفريضة من أجل ألا يقع هذا الشاب في الحرام، فإن كان يصبر قدم الحج، وإن كان يستطيع الجمع بينهما، فلا بد أن يأتي بيت الله.

أيها المسلمون: عندما نجد مراعاة الفقهاء لأحوال الناس، فيقولون: لا يحج برأس مال تجارته، ولا يلزمه أن يبيع المصلحة التي يعيش من ورائها؛ كأدوات الحرفة، والورشة، والمحل، ونحو ذلك، فإنك تجد هذه النظرة المتوازنة في المحافظة على مكاسب الناس، فإن زاد عما يحتاجه لزمه أن يحج.

وعندما تجد كلامهم في تقديم قضاء الدين على الذهاب للحج، تعرف من خلال ذلك المحافظة على حقوق الناس، أموالهم.

والديون ثلاثة: معجل جاء وقت سداده يطالب به أصحابه، فيجب سداده ولو تأخر الحج، ومطل المستطيع ظلم، والثاني: دين يرضون بتأخيره، ويأذنون لصاحبه بالحج، فيجوز له الذهاب إلى الحج، مع بقاء قضاء الدين مقدم؛ لأنهم ولو سمحوا له، فإن الذمة لا تزال مشغولة، ولذلك قال الفقيه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قضاء الدين أهم من الحج، والريال الذي يصرفه في قضاء الدين خير من عشرة يصرفها في الحج". فأين الذين يماطلون، أين الذين يؤخرون بلا عذر، أين الذين يريدون التوسع في أموال الناس، يستدينونها، يقترضونها، ولا يردونها، ويؤخرونها، ويطاردهم صاحب الدين، يريد حقه، ولا يقضونه، يعدون فلا يفون، ويحدثون فيكذبون، وكأن المهارة أن تأخذ من هذا وهذا، وتقترض، وتتوسع، وتماطل الجميع لتحقق كل الملذات على حساب صبر الآخرين، أو إرغامهم على الصبر.

الثالث: الدين المؤجل الذي لم يحن وقته في زمن الحج، فلا يمنع الحج؛ كالأقساط المنتظم صاحبها بتسديدها، فله أن يذهب للحج، اللهم إلا أن يؤثر الحج على القسط القادم.

عباد الله: هذه شريعة عظيمة فيها المحافظة على حقوق الآخرين، ولو اقترض جاز، ولكن لا يجب عليه، وهذه رحمة، فلا تكلف الشريعة الناس أن يقترضوا ليحجوا، فإن فعل صح حجه، ومن حج بمال غيره الذي بذله له أجزأه ولو عن حج الفريضة، وتبرع الإنسان لغيره صدقه وقربه، وتمكين الغير من الحج عبادة، ولعل له مثل أجره إذا صلحت نيته.

كان ابن المبارك رحمه الله يحج على نفقته في كل عام عشرات ممن لم يحجوا من قبل، فيذهب بهم، ويشتري لهم كل شيء حتى الهدايا لأولادهم عند الرجوع.

أيها المسلمون: انظروا إلى محافظة الفقهاء على نفوس الناس، عندما يقولون: لو بذل له غيره مالاً ليحج لا يلزمه أن يقبل، ولو ما حج الفريضة، لماذا؟ قالوا: لما فيه من المنة، حتى لا يتحمل الإنسان منة، لا يكون لغيره عليه منة، حتى لا يراق ماء الوجه، حتى تكون النفوس عزيزة كريمة، فقالوا: لا يلزمه القبول، لكن لو قبل صح حجه، ولو حج الفريضة، وإذا تبرع الابن بتحمل تكاليف حج والده، فالوالد له المنة من قبل ومن بعد، ولذلك قالوا: يلزمه الذهاب، لكن الأب لا يلزمه نفقه حج أولاده حتى البالغين؛ لأن تكلفة الحج لا تدخل في النفقة الشرعية الواجبة على الأب، هذه دقة الفقهاء رحمهم الله، وكذلك الزوج ملزم بنفقة الزوجة من أكل، ولبس، ومسكن، لكن نفقة الحج لا تلزم الزوج للزوجة، إنما من حسن العشرة أن ينفق عليها في الحج، ومن حسن التربية للأولاد، أن يبذل لهم المال ليحجوا إذا بلغوا، فأنت تحتاج يا عبد الله إلى كل ما يعين على بناء الإيمان في نفوس أولادك، كل ما يحصنهم، كل ما يزيد في دينهم، وهذا الحج يزيد في دينهم، فإذا بذلت لهم كان ذلك من التربية، ومن حسن البذل والمعروف للأولاد.

أيها المسلمون: لقد ذكر بعض العلماء أن الحج والعمرة يدخل في سبيل الله، في المصارف الشرعية، ولذلك أفتوا بدفع الزكاة للفقير الذي لم يحج الفريضة، وجمهورهم على أن المراد في سبيل الله هو الجهاد في سبيله.

عباد الله: هذه الرحمة بالمعذور، والمريض، وكبير السن، فيقال له: إن كان عذرك مؤقت انتظر فلا توكل أحداً بالحج عنك، حتى يزول العذر لتحج، وإن كان العذر لا يرجى زواله في المنظور البشري؛ كالأمراض المزمنة المستعصية، الخطيرة المقعدة، وكذلك كبر السن، قالت امرأة: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم[رواه البخاري1513 ومسلم1334]، بر البنت بأبيها، حج الأنثى عن الذكر.

أيها المسلمون: إن الأصل فيمن يحج عن غيره أن يكون محسناً، لا يطلب مالاً على ذلك، فإن بذل له المال جاز أخذه إذا كان قصده الحج والإحسان إلى العاجز أو الميت، ليست القضية متاجرة، ولذلك فرق شيخ الإسلام وغيره، بين من يأخذ ليحج، ومن يحج ليأخذ، وهذا درس في حسن النية، وفي صحة القصد، وفي صفاء الإخلاص، الإخلاص لله، من حج ليأخذ صار الحج وسيلة والأخذ هو الغاية، فهو يقول: ما عندكم أحد تريدونني أن أحج عنه؟ دبروا لي حجة، عليَّ ديون، دبروا لي من هنا ومن هنا، هذا لا يكفي هاتوا زيادة، فقصده المال، فليس له عند الله من خلاق، أما إن أخذ ليحج، فالأخذ وسيلة لتمكينه للذهاب، ونفقات الرحلة التي لا يطيقها، ولذلك ذكر العلماء أنه لا يستحب للرجل أن يأخذ مالاً يحج به عن غيره إلا أحد اثنين:

الأول: رجل يحب الحج، ورؤية المشاعر، وهو عاجز، فيأخذ ما يقضي به وطره، والنفوس لا تزال تشتاق إلى البيت العتيق، تهوي إليه الأفئدة، مثابة للناس، يثوبون إليه، ويرجعون ويعودون، ولا ينقضي وطرهم منه، فسبحان من أودع في تلك البناية ذلك الشوق العجيب، إنه شيء يلفت النظر، لا تزال القلوب تشتاق إلى البيت العتيق مهما ذهبت ورجعت، تشتاق مرة أخرى، إنه إيمان، إنه دين، إنها شريعة الله تعالى، وهل مكان في الأرض تشتاق إليه نفوس الجموع كهذا المكان؟ كلا والله.

والثاني: رجل يحب أن يبرئ ذمة ميته لصلة بينهما، أو رحمة عامة بالمؤمنين، مات زميله في العمل أراد أن يحسن إليه، فيأخذ ليؤدي به الحج عن ذلك الميت.

صلات الحج بموضوعات تتعلق بحياتنا

00:12:12

وهنا لا بد أن نذكر بقضية المال الحلال، فأحكام الحج لها صلات بموضوعات كثيرة تتعلق بحياتنا، وعندما يقول العلماء: لا بد من المال الحلال تتذكر يا عبد الله كثرة المصادر المحرمة الموجودة الآن للأموال في الدنيا، والفتن الكثيرة، زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِسورة آل عمران14، الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَاسورة الكهف46، المال فتنة،  فتنة أمتي المال[رواه الترمذي2336 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير2148]، ولذلك مع كثرة ما فتح الآن من أبواب، ترى هؤلاء يلجون بلا حساب لقضية الحل والحرمة، فيأتي الحج ليذكر بأنه لا بد أن تكون النفقة حلالاً.

إذا حججت بمال أصله سحت فما حججت ولكن حجت العير
لا يقبل الله إلا كل طيبة ما كل من حج بيت الله مبرور

لما تأتي قضية المحرم في الحج تذكرنا بصيانة المرأة، وخطورة إهمال المرأة، وعدم التخلي عن المرأة، وترك المرأة؛ لأن هنالك ذئاب، ووحوش، وأرباب شهوات يريدون نيل مآربهم، هناك شياطين، وأعداء للدين، يريدون فتح أبواب الشهوات على مصارعها، فتأتي الشريعة لتقول: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج، قال:  اخرج معها[رواه البخاري1862 ومسلم 1341]فصرفه عن الغزو في سبيل الله إلى الحج ليكون محرماً لامرأته، فدل ذلك على أهمية المحرم، وفيه الرد العظيم على من يريد إسقاط الولي، والمحرم، وإسقاط ما جاءت به الشريعة من أنواع ولاية الرجل على المرأة حماية، وليس تسلطاً، صيانة وليس إذلالاً، حماية ورفقاً، إنها ضعيفة فلا بد من يسندها ويحميها، ومع ذلك تجد الإنصاف في أن نفقة المحرم على المرأة؛ لأنه يذهب لمصلحتها، فإن تبرع من عنده فجزاه الله خيراً، وأحسن إليه وأثابه، وبارك له في ماله.

أيها المسلمون، يا عباد الله: عندما يتكلم الفقهاء في الذهاب إلى الحج أنه ينبغي فيه قضاء الديون، ورد المظالم إلى أهلها، ورد الأمانات إلى أصحابها، وأن يترك لأهله ما يكفيهم في غيبتهم، وكتابة الوصية، هذه رحلة مسافر فيها موعظة، ونحن في الحياة مسافرون إلى الله، والموت باب وكل الناس داخله، ماذا بعد الموت؟ ما هي الدار؟ جنة أو نار؟ إنها تذكرة لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.

فضائل العشر من ذي الحجة

00:15:37

وتأتينا عشر ذي الحجة، ولا ينقضي عجب المسلم، وهو يتأمل مواسم الطاعات تتوالى، وانظر إلى هذه الرحلة الإيمانية من رمضان إلى الحج من شهر الصيام الذي يعبر بك بعد ذلك في ست من شوال ليدخلك في أشهر الحج، شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة، ثم المسألة لها علاقة بالأشهر الحُرم، ومن يعظم شعائر الله وحرمات الله فإن ذلك يدل على تقوى قلبه، فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْسورة التوبة36، أشهر حُرم، تعظم السيئات فيها، كما تعظم الحسنات لتدخلك بعد ذلك في هذه العشر العظيمة التي لا يوجد عمل صالح أحب إلى الله فيها من هذه الأيام، ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء[رواه أبو داود 2438 وصححه الألباني في صحيح أبي داود2107]، لما كانت النفوس تشتاق إلى الجهاد في سبيل الله جُعل لهم في حال فقده، وعدم القدرة عليه ما يعوض، هذه الأعمال الصالحة في العشر تفوق الجهاد عموماً، كما أن النفوس تشتاق للعتق في وقت لا يكاد يجد الإنسان فيه هذه العبادة ممكنة ليعتق العبد، فيعتق بكل عضو منه عضو من المعتق، فتأتي الأذكار وغيرها، طواف سبعة أشواط بالكعبة يعدل عتق رقبة، والتهليل، والذكر العظيم الذي إذا جاء بالعدد المعين يعدل عتق أربع رقاب من بني إسماعيل، عبادات تعوض في بعض الأبواب التي لا يقدر عليها بعض المسلمين في بعض الأزمان، هذه الليالي والأيام العشر أقسم الله بها فقال: وَالْفَجْرِ ۝ وَلَيَالٍ عَشْرٍسورة الفجر1-2، قال ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف: إنها عشر ذي الحجة.

شهد النبي ﷺ بأنها أفضل أيام الدنيا

أعمال العشر من ذي الحجة

00:18:11

ماذا نفعل فيها وهي قادمة؟

التسبيح، والتحميد، والتكبير، معنى ذلك أن الذكر فيها عظيم، وفيها اليوم المشهود، ويوم عرفة بصيامه، ويوم النحر أعظم أيام السنة عند الله، تجتمع فيه من العبادات ما لا تجتمع في غيره، إنها طاعات حتى الصيام في هذه العشر إلا يوم النحر، والتكبير شأنه عظيم.

عباد الله: الحمد لربنا تعالى شرع لنا فمن علينا، وآتانا هذا الدين الذي لم يؤته أحداً من العالمين، فنسأل الله أن يعيينا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته.

أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:19:09

الحمد لله، وسبحان الله، ولا أشهد أن لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، أحمدك وأثني عليك، أشكرك ولا أكفرك، وأخلع كل من يكفرك، نشهد أن لا إله إلا الله ربنا حقاً، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى سبيله صدقاً، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك، ونبيك، وصفيك من خلقك محمد، وعلى آله، وأزاوجه، وذريته الطيبين، وخلفائه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

التوبة إلى الله

00:20:01

أيها المسلمون: التوبة إلى الله عامة في مواسم الخير وغيرها، التوبة إلى الله عامة في الأشهر الحرم وغيرها، التوبة النصوح إلى الله مطلوبة في العشر وغيرها، هذه التوبة والرجوع إلى الله من ذنوب كبيرة قارفناها.

أيها المسلمون: إن مما اخترعه الطب الحديث جهاز يسجل نبضات وحركات القلب لأربعة وعشرين ساعة ليقرأها الأطباء، ويقرؤا التقرير، ما بالكم لو اخترعوا جهازاً يلازم الإنسان، وهذا موجود ليسجل حركة اللسان أربعة وعشرين ساعة، لننظر ماذا يفعل اللسان في أربعة وعشرين ساعة! والتقرير المكتوب موجود، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ۝ كِرَامًا كَاتِبِينَ ۝ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَسورة الإنفطار10-12، يسجلون، ويرفعون الأعمال إلى الله.

أحكام الأضحية

00:21:03

أيها المسلمون: إن من الأعمال الصالحة في هذه العشر؛ هذه الأضحية، والاستعداد لها، بجمع المال، وتحصيل المال، وتوفير المال، من أجلها، وربما اشتراها قبل بسعر يقدر عليه؛ لأن الموسم إذا جاء ربما لا يقدر على السعر؛ لارتفاع الأسعار والغلاء، ولذلك فينبغي على التجار الرحمة بالناس، وأن يبذلوا لهم من أنواع التيسير، والتخفيض، وعدم الجشع والطمع حتى يواسوا إخوانهم؛ لأن هذا الدين مما بني عليه المسامحة، وأن يكون المسلم أخاً لأخيه حقاً، الأخوة الحقيقة التي فيها أن يشعر بشعوره، بحزنه، بفقره، بمصيبته، بمرضه، بضعفه، بحاجته فيسد خلته، هذه الأضحية التي فيها شيء عظيم، إنهار الدم لله، كان الكفار والمشركون ينحرون ويذبحون لآلهتهم، فإنهار الدم بحد ذاته عبادة، إذا صار لله، يذبح على اسمه، من أجله، يتقرب بها إليه، لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَاسورة الحـج37، لكن ماذا يصعد إليه؟ لا يصعد اللحم والدم، وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْسورة الحـج37، ولذلك الأضحية ليست عادة، وإنما عبادة، ويذكر الإنسان نفسه دائماً بها أنها توحيد، يوحد بها ربه عندما يذبحها على اسمه، مخالفاً المشركين الذين يذبحون لآلهتهم، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْسورة الكوثر2، يعني: وانحر لربك، ثم هذه المشاركة الكريمة التي جاءت بها الشريعة للقاعدين، يشاركون فيها إخوانهم الحجاج في شيء من النسك، إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي[رواه مسلم 1977 والنسائي4361] حتى يضحي، فتحس أنت بالمشاركة لهم، وقد قعدت وذهبوا، ولكن أنت تمسك عن الشعر والأظفار، وبعض الناس يقول: ما الفائدة شعر وأظفار، نقول: المعنى كبير، وهذه نعمة، ثم إنك تمسك من ليلة الأول من ذي الحجة، فإذا لم تعرف دخول الشهر فتتم ذي القعدة ثلاثين على القاعدة، وبعد المغرب تمسك إذا غربت شمس آخر يوم من ذي القعدة، والذي يمسك صاحب الأضحية، الذي دفع المال، لا الوكيل، ولا الجزار.

عباد الله: إن التقرب إلى الله بذبح الأضاحي منسك عظيم لهذه الأمة، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الأنعام162، يستثمنها، يأتي بها من غير عيوب، إنه يتقرب بها إلى ربه، ولذلك فيطيب نفساً بأن تكون طيبة سليمة، ذبحها أفضل من التصدق بثمنها، هذه الأضحية من شعائر الإسلام، هنالك عبادات ذكر العلماء أن أهل البلد يقاتلون إذا رفضوا أن يؤدوها، لا يجوز أن تختفي من البلد مثل الأذان، وصلاة الجماعة، فالبلد يقاتل أهله إذا رفضوا كلهم، ولم يكن هناك صلاة جماعة في المساجد، ولا أذان، الأضحية من الشعائر، ولذلك فهي عبادة ظاهرة وليست خفية، البلد له هوية، له شخصية، الأذان، وصلاة الجماعة، والأضحية من شخصية البلد المسلم.

أيها المسلمون: أكل، وإهداء، وصدقة لا ينس نفسه، وأهله، ومن يحبهم في الله من إخوانه، وأصدقائه، وجيرانه، ومن يتقرب إلى الله بالصدقة لهم من الفقراء، والمساكين، فما أعظمها من عبادة.

أهمية الرجوع إلى أهل العمل الراسخين

00:25:52

ثم نتذكر أن هذا الدين متين، انظروا إلى الفقه في شموله، وانظروا إلى هذه الثلة العظيمة من رجالات الأمة التي سطرت لنا، ودونت هذه الأحكام لنعبد الله على بصيرة، إنه قول فصل وليس بالهزل، إنها ليست تنازلات وتساهلات، لا، إنها أقوال مقرونة بالأدلة، إنها اجتهادات قائمة على القواعد المتينة يا عباد الله، ولذلك فينبغي على المسلم أن يتبع الثقة في دينه، صاحب الأمانة غير المعروف بالتساهل، غير الناضج، ولذلك لما مضى من علمائنا، وفقهائنا من لقي ربه بعد رسوخ أقدامهم في طريق الفقه والدين، صاروا أهلاً لئن يؤخذ عنهم، وأن تتبع فتاواهم، فعليكم بمن مضى، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، والنوازل المستجدة يرجع فيها إلى الثقات الأحياء، أهل الفقه والأمانة، أهل الرسوخ والقدرة على الاجتهاد، وهذه أمانة في أعناقنا، من نستفتي؟ ومن نسأل؟ وإلى من نرجع؟ وطلاب العلم يدلون العامة على العلماء، وينقلون إليهم فتاواهم.

اللهم اجعل بلادنا عامرة بذكرك يا رب العالمين، اللهم اجعلها آمنة مطمئنة بشرعك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم من أراد بلدنا بسوء فامكر به، اللهم من أراد بلدنا وبلاد المسلمين بشر فابطش به، اللهم إنا نسألك العافية في الجسد، والأمن في البلد والصلاح في الذرية والولد، آمن روعاتنا، واستر عوراتنا، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم اغفر لنا أجمعين، وتب علينا يا أرحم الراحمين، اللهم هيأ لنا من أمرنا رشداً، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اجعل الجنة مثوانا واعتق رقابنا من النار يا ربنا، اللهم إنا نسألك أن ترزقنا الفردوس الأعلى، وأن تدخلنا الجنة بغير حساب ولا عذاب، وأن تجعلنا من أهل شفاعة نبيك يوم الدين، اللهم ارزقنا شفاعته، وأوردنا حوضه، وأسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبداً، أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه أبو داود 1692وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير4481
2 - رواه البخاري1513 ومسلم1334
3 - رواه الترمذي2336 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير2148
4 - رواه البخاري1862 ومسلم 1341
5 - رواه أبو داود 2438 وصححه الألباني في صحيح أبي داود2107
6 - رواه مسلم 1977 والنسائي4361