الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [سورة آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [سورة النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [سورة الأحزاب:70-71]، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
طلب العلم في الإجازة
عباد الله: اتقوا الله في السر والعلانية، وراقبوه في جميع أموركم وأعمالكم، إنما توعدون لآت، وكل ما هو آت قريب، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى.
عباد الله: الناس قادمون على إجازة صيفية عند كثير منهم، وتنتهي امتحانات الأولاد ليبدأ التفكير، وقد بدأ، ويبدأ التنفيذ، تنفيذ ما قد خطط له في الأيام القادمة، فماذا عسى أن يفعل المرء المسلم لكي يقضي هذا الوقت -وقت الإجازة من العمل أو الدراسة- في طاعة الله ؟ لأن المسلم وقف لله تعالى، ينبغي أن يقضي أوقاته في طاعة الله: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [سورة الأنعام:162، 163].
ولا شك أن أعظم ما يقضي به المرء المسلم وقته في عبادة الله وطلب العلم، طلب العلم والعبادة هما رأس المال، الذين يخططون أوقاتهم للازدياد، يخططون في زيادة العبادة، وطلب العلم في هذه الإجازات، وصلة الرحم، وعمل الطاعات، والدعوة إلى الله، ونصح الخلق، وإغاثة الملهوف، وإعانة الضعيف، هؤلاء هم أهل الله: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته[1].
لَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ [سورة التوبة:122]، طلب العلم فريضة على كل مسلم[2]، ومن هنا كان عليك -أيها الشاب المسلم، وأيها الأخ المسلم-، أن تفكر جيداً في قضاء هذه الإجازة في زيادة من العلم، في حضور حلق العلم إذا تيسرت، المواظبة عليها، والتبكير إليها، والإنصات فيها، والأدب مع الشيخ، والكتابة والتلخيص، والمراجعة بعد الدرس، والمذاكرة مع الأقران، وتكرار ما سمعت لتحفظه، والسؤال عما لم تفهمه، هذه كلها من الأمور التي ينبغي أن تندفع إليها الهمم وتتسامى، وتعلو إليها الإرادات وتتفانى؛ لأن هذا دين، ودين الله مطلوب فهمه من المسلم الحق الجاد غير اللاعب، وهكذا تكون الإجازة بالنسبة لهؤلاء الجادين فرصة عظيمة لزيادة معلوماتهم، والحرص على التطبيق، وإزالة الجهل عن أنفسهم، ورفع هذا العار والشنار الذي ينزل بالإنسان إلى مستوى أدنى من مستوى البهائم، فإن الجاهل من شر خلق الله.
إذن: إذا توافرت حلق العلم ودروسه، فينبغي الإقبال عليها، والمسارعة إليها، فكن يا عبد الله ممن يذكرك الله فيمن عنده، اجعل نفسك من أهل الله، من الذين قدموا إلى الله، وأرادوا عبادته، والتفقه في دينه، كثير من الناس يضيعون أوقاتهم لم يرد الله بهم خيراً، يقضونها في المعاصي، وينفقون الأموال في محاربة الله، وأنت يا عبد الله تغشى هذه الحلق، وتأتي إلى أهل العلم، وتسافر إلى العلماء، وتطلب منهم، وتطلب عليهم، لا شك أنه شتان ما بين هؤلاء وهؤلاء، وليكن شعارك: "مع المحبرة إلى المقبرة"، وهكذا يكون دأب طالب العلم الحريص على رفع الجهل عن نفسه، والزيادة من العلم؛ لأنه طريق إلى خشية الله وطاعته: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [سورة فاطر:28]، العلماء أهل الخشية حقاً؛ لأن العلم زادهم معرفة بالله، وتمسكاً بدينه، ومعرفة لشيء من حكمه ، فأهيب بك يا أخي المسلم أن تكون حريصاً على ذلك، وإياك إياك من التفريط والتضييع، واحرص على كل فرصة، لقد كان بعض أهل العلم يحضر ستة دروس في اليوم، وبعضهم يحضر اثني عشر درساً، ما بين قراءة وكتابة، ما بين سؤال وفهم ومذاكرة، يحضرون دروساً كثيرة، ولذلك رفع الله قدرهم، وأقبلت الأمة على كتبهم، ولا يزال الناس عالة على إنتاجهم، وأجورهم تصل إليهم في قبورهم، وهم تحت التراب، والله يجري عليهم تلك الأرزاق.
وكذلك ينبغي على الشاب المسلم أن يقضي وقته في طاعة الله مع أهل الدين، وأهل الخير والصلاح، فلا تفوتنك تلك المجتمعات في مثل المراكز الصيفية الطيبة التي تقوم في هذه الإجازة لأجل تعليم الناس دين الله ، وإبراز المواهب والطاقات، وتوجيهها لخدمة الشريعة، ولحفظ الأوقات من الضياع، ولحفظ فلذات الأكباد من قرناء السوء.
لا شك أن مثل هذه المنتديات والأماكن والمجتمعات ينبغي على الإنسان -وبالذات الشاب الذي وقر في قلبه محبة الله ورسوله، ومحبة دينه وشريعته- أن يغشى هذه الأماكن، وأن يبادر إليها إما إعطاءً وعطاءً، أو أخذاً وتلقياً، إما إشرافاً وتدبيراً، أو حضوراً واستفادة، إما تربية وتعليماً، أو تعلماً وتدريباً، ينبغي أن يكون ذلك هو دأب الصالحين.
وأما أهل الوظائف -فإنهم وإن كانوا في وظائفهم- فإن عليهم مسؤولية في طلب العلم، وإتيان حلقه بعد الدوام والوظيفة ما أمكن ذلك، ثم عليهم نقل هذا العلم إلى أهاليهم إلى زوجاتهم وأولادهم، ينبغي أن يحسوا بالمسؤولية تجاه بيوتهم، ينبغي أن ينيروا هذه البيوت بالعلم والعبادة، وأن يزينوها بطاعة الله .
السفر في الإجازة الصيفية
لقد تعود الناس كثيراً على السفر لإضاعة الأوقات وتزجيتها حتى صار دأب بعضهم أن يسأل بعضاً إلى أين ستسافرون في هذه الإجازة، وأين تذهبون؟ وأي البلاد ستغشون؟ وهل نلتقي بكم هناك أم لا؟ ونحو ذلك من التخطيطات، ولكن المسلم الحق هو الذي يجعل أهله في هذه الإجازة في طاعة لله، في أجواء الطاعة، ولو سافر بهم، فإنه يسافر بهم سفر طاعة، وليس سفر معصية، أو إضاعة للأوقات، ولو روح عنهم، والترويح عن الأهل مشروع، وتغيير الجو الذي فيه إدخال السرور على الأولاد بما يُرضي الله أمر مباح ولا شك، وهو من الطاعة والعبادة، ينبغي أن يكون هذا السفر لو حصل من أسفار الطاعة لا من أسفار المعصية.
وقد ذكر أهل العلم وتكلموا في مسألة السفر وتقسيمه، وأن سفر النبي ﷺ كان دائراً بين الجهاد والهجرة، والحج والعمرة، وكان أهله إذا خرجوا معه -وكان يقرع بين نسائه، كانوا يخرجون في هذه الأسفار- كانت أسفاره ﷺ أربعة أنواع: جهاد وهجرة، وحج وعمرة، ولذلك كان سيد الخلق ﷺ قريباً إلى مرضاة ربه.
وقد يكون السفر طلباً، وقد يكون هرباً، قد يكون طلباً للعلم، أو العدو، أو الرزق، أو يكون هرباً من عدو، أو هرب من فتنة، أو تسلط بعض أعداء الله ، وكذلك فإن زيارة العلماء، وزيارة الإخوان، والسفر إلى المساجد الثلاثة هذه من الطاعات والقرب، أما السفر إلى بلاد الكفر فحرام لغير ضرورة، وحاجة شرعية.
ويدخل في الأسفار المذمومة شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصحابة ونحوهم، أو المساجد غير المساجد الثلاثة، أو للتبرك بالبقاع، فهذه من الأسفار المحرمة، فمن سافر إلى المدينة ونيته السفر لأجل القبر، فسفره حرام، ومن سافر إلى المدينة لأجل الصلاة في مسجد النبي ﷺ الذي تعدل الصلاة فيه ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، فإن سفره يكون سفر طاعة وقربة إلى الله .
ومن الأسفار الطيبة سفر العلماء، وطلبة العلم، والدعاة إلى الله، والتجار إلى مناطق المسلمين المنكوبة في أنحاء العالم الإسلامي لتقديم الدعم المادي، وتفقد أحوال إخوانهم المسلمين من تعليم لجاهل، أو تنبيه لغافل، أو إغاثة لملهوف، أو إعانة لمسكين، أو مساعدة لفقير، أو إقامة ملجأ، أو مستشفى، أو مدرسة، أو مسجد يعبد الله فيه، بنفسه يذهب إلى تلك الأماكن لا شك أن هذه الأسفار من أسفار الطاعة والقربة العظيمة التي تتعدى فيها المنفعة إلى أناس كثيرين، ولا تكون مقتصرة على الشخص بنفسه.
ثم لا بد لك -يا أيها المسافر- من رفيق صالح لو سافرت، عن مبارك بن سعيد قال: أردت سفراً، فقال لي الأعمش رحمه الله: سل ربك أن يرزقك صحابة صالحين؛ فإن مجاهداً حدثني قال: خرجت من واسط -مدينة واسط-، فسألت ربي أن يرزقني صحابة، ولم أشترط في دعائي -يعني صحبة صالحة-، فاستويت أنا وهم في السفينة، فلما سارت بنا فإذا هم أصحاب طنابير -والطنابير آلات اللهو، من أنواع الأشياء التي تصدر الأصوات الموسيقية، وتستعمل في الغناء-.
لا بد من تغيير المنكر في الأسفار، منع وقوعه، أو تخفيفه، وتعليم الناس الذين تذهب إليهم، وسيصادف المسلم أوضاعاً متعددة، إذا دخل بلداً يجد في بعض البلدان شركاً، أو بدعة، أو جهلاً، أو معاصي منتشرة، فيحتاج إلى رفع عقيرته بالعلم، وتنبيه الناس ونصحهم، وخصوصاً الذين يسافرون إلى أقاربهم: وكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته[3]، لا يكفي أن تنفق عليهم من بعيد، وترسل إليهم بالنقود، ولكن ينبغي عليك أن تقدم العلم والدين إليهم، أن تصل الرحم، وأن تعلم، وأن تدعو، ولا بد من ذلك.
ثم هؤلاء الذين يسافرون إلى أماكن اللهو والمعصية، ويقولون: إن تلك سياحة، والنبي ﷺ قال في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود، والحاكم عن أبي أمامة قال ﷺ: إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله[4]، ما كان النبي ﷺ يسافر قصداً للفرجة، وإهداراً للوقت، وإنفاقاً للأموال في هذه التفاهات، وإنما كان ﷺ يسافر لطاعة الله، وفي طاعة الله، وفي طريقه يشاهد من آيات الله، كما قال الله: وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ [سورة الرعد:4]، فإذا رأى سبح ربه.
وهؤلاء الذين لما ضاقت بهم الأحوال المادية صاروا يسافرون بمفردهم، ويتركون أهاليهم لأجل أنهم لا يطيقون أخذ العيال في الأسفار، لا ندعوهم إلى تحمل الديون لأخذ العيال في الأسفار، ولكننا ندعوهم إلى عدم ترك العيال وتضييعهم، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: أما سفر صاحب العيال، فإن كان السفر يضر بعياله لم يسافر، فإن النبي ﷺ قال: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت[5]، وسواءً كان تضررهم لقلة النفقة، أو لضعفهم سفر مثل هذا حرام، وإن كانوا لا يتضررون بل يتألمون، وتتنغص أحوالهم، فإن لم يكن في السفر فائدة جسيمة -يعني شرعية- تربو على ثواب مقامه عندهم، كعلم يخاف فوته، وشيخ يتعين الاجتماع به، فمقامه عندهم أفضل، وهذا لعمري إذا صحت نيته في السفر، وكان مشروعاً.
أما إن كان كسفر كثير من الناس إنما يسافر تزجية للوقت، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: فهذا مقامه يعبد الله في بيته خير له بكل حال.
ثم إنهم هؤلاء الذين يأخذون أهاليهم وأولادهم للأماكن المحرمة، وبلاد الكفار ينفقون الأموال، والذي ضاقت به الأحوال صار يسافر بالتقسيط! صار هناك شيء اسمه السفر بالتقسيط، كل شيء صار بالتقسيط! فهذه الأسفار التي تضيع الأموال، وربما قعد طوال السنة يسدد الديون المتراكمة عليه، ويتعرض لما يتعرض له من الفتنة في دينه.
وبعض الناس يقولون: السفر إلى الخارج قد قل، إلى بلاد الكفر، لكنهم يذهبون إلى أماكن أرخص للسياحة بزعمهم، يقولون: نذهب إلى تركيا وغيرها، وإلى بعض الجزر التي المقام فيها رخيص، فنقول: ليست القضية قضية غلاء ورخص أيها المسلمون، إن القضية قضية دين وعباده، ماذا ترجو من وراء السفر؟ وماذا تريد؟ وأي مراد سيحصل لك؟ ليست القضية أن دول شرق آسيا أرخص من الدول الأوروبية، وإنما القضية قضية الدين والصلاح، أو الكفر والفساد، ماذا سيطلع عليه عيالك؟ وماذا سيشاهدون؟ ماذا سيحدث لنسائك؟ وأي شيء سيواجهون؟ وقضية نزع الحجاب في الطائرات عند مغادرة الطائرة للبلد صار أمراً معروفاً ومشاهداً، ألا فليتق الله هؤلاء الأولياء لأمور هؤلاء النساء الذين يدعونهم يعصون الله عياناً بياناً، ويكشفون من عوراتهم ما أوجب الله سترة، وهو كالخنزير، أو أقل من ذلك؛ لا عنده غيرة تتحرك، ولا دين يدفعه حمية على بناته ونسائه وعرضه، فهو يترك دياثة أوامر الله، ويقولون: الأجانب يضحكون علينا إذا تحجبنا، أنتم السبب ذهبت بهم إلى الأجانب، ثم قلت: إن الأجانب يضحكون علينا إذا تحجبنا!
وبعض المسلمين ربما فعلوا في تلك البلاد من المعاصي والفسق والفجور ما لا يفعله اليهود، وربما دخلوا من الملاهي وأماكن الدعارة ما الله به عليم، وحتى بعضهم الذين يذهبون لدخول بعض المساجد الأثرية مع الخواجات لا يصلون فيها ركعتين.
وتنفق الأموال في الفنادق والمطاعم على غير فائدة، وعلى أماكن الترفية والفرجة، والإثارة والسياحة، والملاعب والأماكن السحرية، وحلبات المصارعة، ودور السينما والرقص، وأماكن اللهو واللعب، وتلك الفنادق، وما فيها من الفساد والمنتديات، والعروض الغنائية والموسيقية، والعهر والرذيلة، وغير ذلك من الأماكن ما الله به عليم، واسأل نفسك ماذا ستسأل يوم القيامة عن مكان ذهبت إليه، ففتح ولدك ثلاجة الفندق، فرأى فيها قوارير الوسكي.
وما يتعرضون إليه من الذهاب إلى المتاحف والآثار التي تؤدي إلى الإعجاب بحضارات الكفار، والمعارض الفنية واللوحات، بل وحتى الكنائس والجولات السياحية على تلك الأماكن.
تأمل في أدعية السفر
ولا بد -أيها المسلمون- أن نتقي الله ، وأن ندع هذا جانباً، وأن نتذكر أدعية السفر وما فيها من العبر، عندما يقول المسافر: "اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى"، وإلى أي مكان سيذهب وهو يسأل الله في سفره البر والتقوى؟ ثم يقول: "ومن العمل ما يرضى"، وهو يعلم علم اليقين أنه سيسافر في غير طاعة، ويرتكب كذا وكذا من المعاصي، "ومن العمل ما ترضى"، ثم يقول: "اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده"، فإذا كان سفر معصية أفلا يستحي أن يقول: "اللهم هون علينا سفرنا، هذا واطوي عنا بعده"؟!
ثم يقول: "اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر" يعني شدة السفر ومشقته، "وكآبة المنظر"؛ لأن السفر يغير الجو على الإنسان، فقد تصيبه الأعراض والأمراض، وفيه قربة تشعره بالتغير والانكسار، والهم الذي يصيبه نتيجة ابتعاده عن أهله، وما يلاقيه من المصاعب في غربته، "وكآبة المنظر، وسوء المنقلب" أي: الرجوع بما يسوء، "وسوء المنقلب في المال والأهل".
وماذا يقول المقيم للمسافر؟ عبارات كلها تذكير بقضية طاعة الله في السفر: "زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير" وليس الشر، "ويسر لك الخير حيثما كنت"، ويقول المسافر: "أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه"، المقيم يوصي المسافر، ويقول: "عليك بتقوى الله، والتكبير على كل شرف" كل مرتفع، حتى عند صعود الطائرة، أو ارتفاعها تكبر، وعند نزولها، وحتى في المطبَّات الجوية تسبح، ويقول المقيم: "اللهم اطو له البعد، وهون عليه السفر، وقربه وسهله له"، والإنسان يحتاج إلى أسفار هذا هو الحال، والمهم تقوى الله في جميع الأحوال.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يخافك ويتقيك، اللهم اجعلنا ممن يحرصون على مرضاتك، ويجتنبون معصيتك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا في جميع أحوالنا في سفرنا وقرارنا من المهتدين، واجعلنا من عبادك الصالحين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين، واختم بالصالحات أعمالنا يا كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره، وأثني عليه، وأشكره، ولا أكفره، وأشهد ألا إله إلا هو وحد لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأنعم وأكرم، فله الحمد، وله المنة، وله الشكر، وله الثناء الحسن.
وأصلي وأسلم على محمد رسول الله، أشهد أنه رسول الله حقاً، وأنه المبعوث رحمة للعالمين، والمبلغ عن ربه صدقاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى خلفائه الراشدين، وعلى سائر الأصحاب والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون، يا عباد الله، يا أيها المسافرون: يقول المقيم لمن يودعه: "أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك"، يأخذ بيده فيصافحه، ويقول له: "أستودع الله دينك"؛ لأن السفر مظنة المشقة، وربما أهمل بعض أمور الدين، كتضييع الصلاة، أو ارتكاب المحرمات في المكان الذي سيذهب إليه؛ لأنه غير معروف فيه، والأمانة الأهل وما تخلفه من مال وغيره.
"أستودع الله دينك، وأمانتك"، والله إذا استودع شيئاً حفظه، "وخواتيم عملك"؛ لأنه يبعث العبد على ما مات عليه، ولو مات في هذا السفر، يبعث على ما مات عليه.
وكثير من الناس سيسافرون، ويكملون سفرهم إلى الدار الآخرة، ولا تخلو الأسفار من حوادث، ولذلك يركز الإنسان على هذا، "أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك".
الرزق موانعه وأسبابه
ومن الأمور أيضاً التي ينبغي التذكير بها في هذه الإجازة، وأرى من المناسب -أيها الإخوة- أن نطرح هذه القضية، أنه في ختام السنة يسافر بعض الناس، فتتغير وظائفهم، أو ينتقلون من وظيفة إلى أخرى، أو يتم الاستغناء عنهم في أعمالهم، ويضطرون للبحث عن عمل آخر، تتبدل الأحوال وتتغير، وتستغني بعض الشركات والمؤسسات عن الموظفين، ونحو ذلك، وبعضهم يأخذ إيذاناً من الشركة، أو المؤسسة، أو الدائرة التي يعمل فيها بإنهاء عمله وخدماته، وهنا لا بد من وقفات عند هذه المسألة في آخر السنة التي يكون فيها عادة عدة تغيرات:
أولاً: لا بد أن نعلم أن هذه قضية تتعلق بطلب الرزق، أو تتعلق بالرزق، والله قد قال في كتابه العزيز: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ [سورة الذاريات:58]، وكثير من الطلاب يبحثون عن أعمال ووظائف في الإجازات، ونقول: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ [سورة الذاريات:58]، وكثير من الطلاب يتخرجون من الجامعات في آخر السنة، ويبدؤون بالبحث عن الوظائف في الإجازات: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ [سورة الذاريات:58]، هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ [سورة فاطر:3]، وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [سورة الذاريات:22]، إذن الله هو الرزاق ليس أحد يستطيع أن يرزق أحداً، وما هو مكتوب لك من الرزق سيصل إليك، ولا يجوز أن تقول لفلان: قطعت رزق فلان؛ لأنه لا يملك قطع رزق، والله يرزق الأديان والأبدان، ويرزق الإنسان الذرية، والصحة والعافية، والمال والوظيفة، والمكانة بين الخلق، ويرزقه العلم النافع، والعلم الصالح، رزق الله واسع، وليس فقط مقتصر على المال: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ [سورة الذاريات:58].
ثم ينبغي التوكل على الله ، التوكل على الله، والتوجه إليه: فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ [سورة العنكبوت:17]، هذه آية مهمة جداً في الموضوع، فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ [سورة العنكبوت:17]، ما هو الفرق بين هذه الآية وبين قول القائل: فابتغوا الرزق عند الله؟ لماذا قال: فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ [سورة العنكبوت:17]، ولم يقل: فابتغوا الرزق عند الله؟ لأن قوله تعالى: فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ [سورة العنكبوت:17] أبلغ، وأحسن، والمعنى فيها أدق، وأشمل، وأكمل، فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ [سورة العنكبوت:17]، قدم العندية، عند الله؛ ليبين أنكم تطلبونه منه لا من غيره، وعندما يقدم عند الله على الرزق يبين أن الابتغاء فقط من عند الله، فابتغوا عند الله، هذا التقديم والتأخير يفيد تخصيص الطلب بالله ، من الله لا من غيره، فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ [سورة العنكبوت:17].
إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا [سورة العنكبوت:17]، إذن الطلب من الله، الدعاء لله، والتوكل على الله، لو توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير[6] تذهب في الصباح جياع فارغة البطون، وتعود في آخر النهار بطاناً، تعود بطاناً بعد أن كانت خماصاً، ممتلئة البطون من رزق ربها، من الذي رزقها؟ من الذي رزق الطير؟ شركة؟ مؤسسة؟ إنسان موكل بإطعام الطيور في الأرض؟ كلا، هو الله : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [سورة هود:6].
ثم إن الإنسان لو أطاع الله جاءته الأرزاق؛ لأن الله قال: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [سورة الطلاق:2، 3]، فإذا أردت أن تتيسر لك الوظيفة والتجارة فلا بد أن تتقي الله، ولذلك مريم لما كانت قانتة طائعة عابدة محصنة لفرجها عاملة بما أنزل الله: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً [سورة آل عمران:37]، قال أهل العلم: كان تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، إذن عندما تتأمل قول الله: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا [سورة الطلاق:2]، لا بد أن تتقي الله ليس فقط في عدم العمل في البنك، أو المكان المحرم، أو أنك لا تأخذ رشوة، وإنما ينبغي أن تتقي الله من جميع الجوانب، ينبغي أن تتقي الله في بيتك، وأولادك، وأهلك، وفي نفسك، وفي العبادات.
ينبغي أن تتقي الله فتجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ليس فقط من قضية عدم العلم في المكان المحرم، أو تقول إنني خرجت من البنك، أو من المؤسسة الفلانية؛ لأنها حرام، ثم أنت تقيم على معاصي أخرى من اللهو والغناء وغيره، ثم تقول: ما رزقني، ولا عوضني، ولا أعطاني، تركته له فلم يعطني بدلاً منه، فنقول: التقوى ناقصة، وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يعني من جميع الجوانب يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [سورة الطلاق:2، 3]؛ ولذلك فكر -يا عبد الله- إذا فصلت من وظيفة، أو لم تجد عملاً فكَّر ما هي المعصية التي قطعت عنك الرزق.
حكمة الله في الرزق
ثم لا بد أن نعلم أن المسألة لا بد فيها من السعي والأخذ بالأسباب، فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، وكون الإنسان يأتي إليه إرث مفاجئ لا يحدث مع كل الناس، والله يرزق بسبب، وبغير سبب ظاهر، ولكن ما هو الأصل؟ السعي، فامشوا في مناكبها، وكلوا من رزقه، إذن لا بد من المشي في مناكبها لنأكل من رزقه، والله أيضاً يضيق ويوسع كما يشاء لحكمة منه سبحانه، ولا شيء من أفعاله إلا لحكمة، إلا وفيه حكمة: اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ [سورة الرعد:26] يوسع، الله يرزق من يشاء، ويقدر رزقه على من يشاء، يقدر يعني يضيق، والله إذا رزق يرزق بغير حساب: وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ [سورة آل عمران:27].
والله فاوت بين الناس في الأرزاق، وجعل أغنياء وفقراء لتظهر حكمته في الواقع، وما من فعل منه سبحانه إلا لحكمه: وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ [سورة النحل:71] كما قال ، وفاوت بينهم ليتخذ بعضهم بعضاً ًسخريا، يسخر بعضهم بعضاً، فصاحب الشركة يسخر الموظفين، وكل واحد يسخر من هو دونه، ويستخدم من هو دونه، فيكون هناك معطي ومعطى، وخادم ومخدوم، وكل منهما محتاج للآخر، فلو لم يكن عند صاحب الشركة موظفون ما استطاع أن ينمي أمواله، وهم لو لم يكونوا فيها ما كانت عندهم رواتب، هذا من حكمة الله، جعل الناس مراتب يستفيد بعضهم من بعض، ويجعل الله رزق بعضهم على يد بعض.
وكذلك فإننا لا بد أن نأكل من الحلال الطيب لا من الخبيث: وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا [سورة المائدة:88]، كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ [سورة البقرة:172]، ينبغي الأكل من الطيب، وترك الخبيث والحرام، وأن نشكر لله ، لا تقل: السوق طايح، المبيعات قليلة، ربح ما في، اشكر الله ، يكفي أنك تعيش آمناً في سربك، وعندك قوت يومك، وغيرك من الناس يعيشون تحت الأشجار، أو تحت الخيام، وليس عندهم قوت يومهم، والأمراض متفشية فيهم، لكن الناس إذا ما نظروا إلى من هو دونهم في الدنيا بطروا، وكفروا نعمة الله.
وينبغي على الإنسان أن لا يتسخط قدر الله في رزقه، ولا يقل: وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [سورة الفجر:16]، هذه ليست إهانة، الإهانة أن يركسه الله، فيجعله عابداً لصنم، أو مشركاً، أو مبتدعاً، هذه هي الإهانة، أن يجعله في أوحال الذنوب والمعاصي، أما أن يقدر عليه رزقه، ويضيق في أوقات، ويوسع في أوقات، والأموال تأتي وتذهب، وتروح وتجيء، فهذا ليس إهانة من الله، هذا ابتلاء من الله، ليرفع به الدرجات، ويكثر به الحسنات.
وقال الله : وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [سورة الأنعام:151]، إذا صاروا عندك لا تقتلهم من الفقر، فالله هو الذي يرزقهم، يرزقك ويرزقهم: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ خشية إملاق، خشية الفقر، الفقر لم يحدث بعد؛ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم [سورة الإسراء:31]، ولذلك قدم هنا، وأخر هناك.
الآية الأولى في حال الفقر، والثانية خشية الفقر، وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [سورة الطلاق:7].
ثم إنه لا للعمل المحرم، وأماكن الفتنة ابتعد عنها، والطلاب الذين يعملون في الصيف ينبغي عليهم أن يعملوا بجد، ولا يجوز أن يجلس في بيته، ويأخذ الراتب إذا كان مفروضاً فرضاً على الشركة، فإنها تعطيه بغير وجه حق إكراهاً، ولذلك ينبغي عليه أن يعمل ويأخذ.
الحياة كلها لله
وعلينا -عباد الله أن نبتعد عن اللهو واللعب؛ فإنه لا يغني شيئاً: كل شيء ليس من ذكر الله فهو لعب، لا يكون أربعة، هذا حديثه ﷺ: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرضين يعني للرمي، تعلُّم الرمي، وتعلم الرجل السباحة[7].
إذن: لا يجوز أن يجعل الإنسان حياته لهواً ولعباً، والمشاعر خلقها الله، خلق الله فينا الفرح، والضحك والبكاء، والغم والهم، والغضب والرضا، خلق فينا مشاعر، فإذا جعلت فرحك للهو ليس لله فأنت ستحاسب عليه يوم القيامة، إذا رضيت وانبسطت أساريرك لغير الله، فستحاسب عليه يوم القيامة؛ لأن هذا تصرف، إذا غضبت لغير الله ستحاسب عليه يوم القيامة.
ولذلك كان من مستكملات الإيمان أن عطي لله، ويمنع لله، ويغضب لله، ويرضى لله، ويحب لله، ويكره لله، ويمنع لله، هذه مقتضيات الإيمان، فكروا الآن في فرح الناس، يفرحون لأي شيء؟ للهو واللعب لا لله، والله سيحاسبهم، سيحاسبهم، هذه مشاعر: الحب والبغض والكره، هذه مشاعر ينبغي أن تنفق المشاعر في طاعة الله، وأن يعبَّر عما يرضي الله .
آيات في أرض البوسنة
وأخيراً في هذه الخطبة وقفة إعجاب نسجلها للمسلمين في بلاد البوسنة الذين ما بقي قوة في الأرض إلا وتكالبت عليهم، وما بقي وسيلة لمنع القوة عنهم، وتخذيلهم، وإضعافهم إلا وفعلت، وما بقيت جريمة من أنواع الجرائم التي نتخيلها، والتي لا نتخيلها إلا وقد فُعلت بهم، أليس كذلك؟
ثم تأتي الأنباء الآن أنهم في حال انتصارات، وتقدم على الصرب الكفرة، ولا شك أن هذا من آيات الله، لا شك أن هذا من آيات الله أبداً؛ لأنك -يا عبد الله- إذا نظرت إلى ما فعل بهم، واستطاعتهم بعد ذلك القيام من الهزيمة النفسية والحسية، ومعاودة القتال، ورجوعهم إلى الله ، كانوا شعباً بعيداً عن الله، وعاد كثير منهم إلى الله حتى كانت المساجد في رمضان تمتلئ؛ يصلون التراويح، فيخرج أهلها بعد صلاة التراويح ليدخل آخرون يصلون فيها التروايح، وهكذا على نوبات؛ لأن المسجد لا يتسع لكل المصلين، عادوا إلى الله .
ومن حكمة الله -ولاحظ معي أيها المسلم- من حكمة الله أن يجعل الله للكفار قوة وتسلط، ويجعل في المسلمين ضعفاً، ثم إن الصدام يحصل بينهما، الكفار بكل قوتهم، والمسلمين على ضعفهم، ونتيجة الصراع يحدث اصطدام، ويحدث في النهاية شيء من الانتصار، أو انتصار كلي للمسلمين، فيظهر في الواقع أن هذا الدين دين الله! يظهر في الواقع أن الله ناصر دينه! وإلا أليس من العجائب فعلاً أن يصمدوا إلى هذه المدة، ثم يحققوا انتصارات بالإضافة إلى ذلك؟ ما هو السبب، لو كانت أمة أخرى، أو شعب آخر من غير المسلمين؟ إذن القضية فيها إشارة إلى أن دين الله باقٍ وموجود، وأنه منتصر، وأنه مع هذا الرجوع الجزئي، وإلا فالجهل كثير، فمع الرجوع الجزئي حصل هذا الانتصار، كيف لو كان الرجوع كلي؟ كيف لو عادت الأمة كلها إلى الله ؟ ما هي النتيجة؟ إن الله يرينا آياته في هذه الدنيا حتى نتجه إليه .
فنسأل الله أن ينصر المجاهدين، وأن يعلي كلمة الدين، وأن ينقذ المسجد الأقصى من أيدي اليهود الملاعين، اللهم طهر أرضك من رجس يهود، اللهم وأقم فيها شرعك المطهر يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تنصر إخواننا في كل مكان، اللهم رد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
وقوموا إلى صلاتكم.