الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
نصائح للمعلم
عباد الله: لقد بعث الله محمداً ﷺ معلماً للناس، فعلمهم ما نزل إليهم من ربهم، وبين لهم ما يحتاجون إليه، وكانت قضية التعليم في المسلمين قضية عظيمة، وكان للطريقة التعليمية عند المسلمين مكانة كبيرة لها أثرها على الأجيال، ولما ضعفت هذه العملية التعليمية بضعف المعلمين، وطرق التدريس وكسل الطلاب، وعدم إقبالهم على ما ينفعهم، ضعفت هذه العملية في المسلمين مما أدى إلى ضعف الأجيال، ونحن على مشارف العام الدراسي نحتاج أن نتلمس كيف كان التعليم عند المسلمين، عند النبي ﷺ بالذات، كيف كان المعلم؟ وكيف كان أسلوب التعليم؟ وكيف كانت المتعلم؟
إن المعلم إذا رزق الإخلاص لله كان لذلك أكبر الأثر وأبلغه في وصول العلم، والتأثير في نفس المتعلم، بالإضافة إلى نيله للأجر والثواب من الله ، فينبغي أن تكون النية متجهة لتربية النشئ، وتعليمه ما ينفعه، وإعداد جيل ينقذ الأمة من الوهدة التي وقعت فيها، خصوصاً في عالم الهزيمة الذي شمل كثيراً من نواحي امتدادات هذه الأمة، فلا بد من الاهتمام بالتعليم؛ لأجل الوصول إلى إعداد جيل النصر الذي يقود الأمة إلى المقدمة مرة أخرى.
والإخلاص الذي يعني: تجريد النية عن شوائب الدنيا، وابتغاء وجه الله ، وترك التطلع إلى المرتبات فقط، إن العملية التعليمية ليست قضية حرفية لأجل كسب الرزق بالدرجة الأولى، وإنما هي عملية تنشئة جيل وصياغته على معاني لا إله إلا الله.
وإن الصدق تاج على رأس المعلم، إذا حصل له كان لذلك أيضاً الأثر البالغ في نفوس الطلاب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَسورة التوبة119.
ومن علامات الصدق: أن يطابق القول العمل، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ سورة الصف2، فكيف يتأثر المتعلم إذا كان ما يراه من واقع معلمه يختلف عما يقوله له ويلقنه إياه، من ذكر أو أنثى، فكيف مثلاً يتأثر بقضية المظهر الإسلامي الذي يتحدث عنه ويلقى إذا كان مظهر المعلم غير إسلامي، وكيف تتأثر طالبة مثلاً بمسألة عدم ارتكاب المخالفات الشرعية في الحجاب إذا كانت معلمتها ترتكب ذلك حتى في حذائها.
وعندما يكون العدل والمساواة من صفات المعلم،وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُسورة الشورى15، في القول والعمل، كما قال الله: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْسورة الأنعام152، فإن ذلك مما يحبب نفسه إلى نفوس طلابه؛ لأن الله جبل النفوس على العدل، ومحبة العدل وأهل العدل، ولذلك كان العادلون يوم القيامة في مكانة عظيمة على منابر من نور عن يمين الرحمن، والعدل قضية صعبة تحتاج إلى مجاهدة النفس، ولذلك كان أجره عظيماً، والأخلاق الفاضلة الأخرى التي تترفع بصاحبها عن سفاسف الأمور، وتنأى به عن خوارم المروءة، وعما يشين النفس، إن هذه الأخلاق التي تبعث على الفضيلة والبعد عن الرذيلة مما يجمل المعلم عند طلابه، ويكون له الأثر البالغ؛ لأنه قدوة بأخلاقه وتعامله.
إن مسألة العفة مهمة جداً، سواءً كانت عفة ضد الشهوات، أو عفة ضد المال الحرام وغيره، قضية في غاية الأهمية، واللين والرحمة من الأخلاق العظيمة، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَسورة آل عمران159، لقد جاءنا معلم لهذه الأمة عظيم الشأن، لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌسورة التوبة128، يشق عليه أي شيء يسبب لنا العنت والحرج، وهو حريص على مصلحتنا، وكل ما ينفعنا وهو رؤوف رحيم، صفات عظيمة للمعلم.
إن التواضع الذي ذكره الله للمؤمنين بقوله: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَسورة المائدة54 يكسب المحبة ولا شك، ويؤدي إلى النصح الحق، والرفق، والرأفة، والرحمة، وهذه الرحمة شيء يجعله الله في قلوب العباد، على نسب متفاوتة قسمها بينهم، فيا حظ من أوتي الرحمة.
عباد الله، يا أيها المعلمون: إن منصب المعلم فوق المتعلم، وله عليه درجة، فلا يفخر عليه ولا يتكبر، وإنما يستعمل هذا الفرق في المنزلة للتأثير الإيجابي، وإن شيئاً من المزاح الذي يخلو من الكذب، والاستهزاء، والسخرية بالمسلمين، ويكون حقاً كما كان النبي ﷺ يمزح، ولا يقول إلا حقاً، أمرٌ في غاية الأهمية، وكان النبي ﷺ يمازح الصبيان، نفوسهم لا تستقيم إلا بهذا.
أيها الإخوة: يحتاج المعلم إلى صبر طويل في هذه العملية التعليمية؛ نظراً لكثرة الانحرافات الموجودة في نفوس هذه الأجيال، وتقذف البيوت إلى المدارس سنوياً بشخصيات متعددة، في عدد منها انحرافات واللتواءات نفسية مختلفة، نتيجة لتراكمات من الإهمال، أو التربية الخاطئة، والمعاصي، والمنكرات الممتلئة بها البيوت، هذه الشخصيات للطلاب، وكثير منها شخصيات غير سوية، فيها اعتداء، أو ظلم، أو كذب، أو حب للتخريب، وكسل، وقلة شعور بالمسؤولية، نتيجة لما حصل في تربية البيوت بالأجهزة الموجودة فيها، والترف الموجود فيها، والإهمال، تقذف هذه البيوت بشخصيات متعددة إلى المدارس، فيتلقفها أولئك المعلمون، فتحتاج إلى صبر، وكبت الغضب، ونفس طويل في التعامل معه، وتجنب الكلام الفاحش، والبذيء، والسيطرة ليست بالعضلات، والكلام الفاحش، لا تكون بفرد العضلات، واستعمال القوة، والإيذاء البدني، وإنما القوة قوة النفس، والشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
أيها الإخوة: إن مرافقة الطالب في العملية التعليمية مرحلة بعد مرحلة، بل لحظة بعد لحظة في تعليمه ما ينفعه، ودلالته على الخير، وإحياء هذه البذور الموجودة في نفسه، فبقي هنالك شيء من الفطرة سليم، وهنالك عدد من الآباء والأمهات قد اجتهدوا على أولادهم، فلا بد من إكمال المشوار وتعزيز ما بدؤوا به، وهناك أيضاً تصحيح للأخطاء والانحرافات، كل ذلك وظيفة المعلم، بالإضافة إلى ما يقوم به الأبوان أصلاً الذين عليهما المسؤولية الأساسية، قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُسورة التحريم6، ولو تضافرت الجهود لأزيل من المجتمع كثير من هذه الجرائم والانحرافات الموجودة، والتي أيضاً تمتد إلى الأسر المستقبلية في نشأتها بهؤلاء الطلاب.
أيها الإخوة: إن خوفاً يزرع في القلوب من موعظة حسنة، وتربية صالحة، وقصة مؤثرة، واغتنام للحدث، سيكون له أثر كبير على نفس الولد في المستقبل، سواءً حضر أم سافر، قبل الزواج أم بعده، إن هذا الغرس له أثر للمستقبل، ولكن من الذي يحسن الغرس، إن الغرس يحتاج إلى بذر، وتعاهد، وسقي، إنه يحتاج إلى صبر وعناء، إنه يحتاج إلى تلمس مواطن التأثير في نفوس الطلاب، إنه يحتاج إلى تحين الفرص المناسبة لإلقاء ما تستقبله نفوسهم فيثمر عملاً صالحاً في القلب والجوارح بإذن الله، هذه العملية دقيقة جداً، أما إذا صارت المسألة الراتب في آخر الشهر، وغياب كثير بدون عذر، ونحو ذلك من عدم الاستقامة الشخصية، والبعد عن التدين، ومخالفة أوامر الله ورسوله، فلا يرجى عند ذلك إصلاح، بل العكس هو المتوقع.
أساليب النبي ﷺ في التعليم
عباد الله: لقد كان النبي ﷺ يعلم بأساليب عدة، ومن تأمل أساليبه رأى عجباً، في طريقة تأليفه للنفوس، وتأثيره فيها، فهو يهيئها للاستماع والتقبل، ويستنصت الناس ويقول: هلم عباد الله، إلي عباد الله، ويقول: خذوا عني، خذوا عني[رواه مسلم1690]، ويقول: اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد[رواه مسلم221]، كان إلقاؤه ﷺ كلاماً فصلاً، وليس سرداً سريعاً لا تحفظه العقول، وإنما هو كلمات لو شاء العاد أن يعدها لأحصاها، كان كلاماً بعيداً عن التشدق، والتكلف، والتفاصح؛ لأن هذه من علامات المتكبرين، أولئك الثرثارون المتشدقون، المتفيهقون.
وكذلك فإنه ﷺ يرفع صوته تارة، عندما يحذر من أمر، ويقول: ويل للأعقاب من النار[رواه البخاري60]، وربما نادى بأعلى صوته لأجل لفت النظر إلى مثل هذه القضية الخطيرة التي تترتب عليها صحة العبادة، وكذلك فإنه يصرف الطالب والمتلقي والحاضر عنده عن شيء غير مهم إلى شيء أهم، أو عن شيء لا يجوز السؤال عنه، مثل: متى الساعة، إلى الشيء الأهم وهو: ما أعددت لها؟[رواه البخاري3688].
وكذلك ربما سكت أحياناً ويلقي عليهم سؤالاً؛ لفتح مغاليق، وربما سألهم سؤالاً فسكت حتى تفكر العقول ماذا يريد، ويقول: أي شهر هذا؟، فيسكت، ثم يقول: أليس ذا الحجة؟، أي بلد هذا؟ ثم يسكت، ويقولون: الله ورسوله أعلم، من أدبهم مع معلمهم، ثم يجيب، وهكذا؛ لكي يوضح القاعدة في النهاية ويقول: إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم، في شهركم هذا[رواه البخاري1739].
وهكذا كان ﷺ يتابعهم بنظراته، ينظر إليهم، ويرى هذا الذي دخل ولم يركع ركعتين، فيقول له وهو داخل إلى صلاة الجمعة: أصليت يا فلان، قال: لا، قال: قم فاركع ركعتين[رواه البخاري930]؛ لأن الداخل إلى صلاة الجمعة لا يجوز أن يجلس من غير أن يصلي ركعتين، وهكذا كان يستقبلهم بوجهه على المنبر، وهكذا كانت تبدو عليه العلامات في وجهه، إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر، وإذا غضب رؤي ذلك في وجهه، إذا رأى منكراً تلون وجهه، ليس كوجه بعضهم اليوم، لا تعرف فيه أثراً، ولا تعرف حاله، ولا تعرف أهو غضبان أم فرحان.
التبسم كان من سمته ﷺ، كان يعلم تعليماً لم يعلم أحد قبله مثله قط، ولا بعده أحد مثله قط، كان ﷺيعلمهم كلاماً وفعلاً، ويصلي أمامهم ليأخذوا عنه صلاته، وفوق المنبر، وهم يرونه، ويقول للمخطئ: ارجع فصل فإنك لم تصل[رواه البخاري757]، وهكذا كان عليه الصلاة والسلام يخاطبهم على قدر عقولهم، ويترفق بهم، وما لا يتحمله قريش الخارجون من جاهلية حديثاً كان يؤجله، ويقول ابن عمه علي بن أبي طالب للمعلمين: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله".
وكذلك يحاور، ويناقش، ويقول له شاب مجترئ: ائذن لي في الزنا، قال: ادن، فأدناه، ولم يقم عليه ليضربه، ويستشيط غضباً، بل يقول: ادن فدنى منه قريباً، فقال: أتحبه لأمك؟، قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، أفتحبه لابنتك؟، قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم.
وهذه المزني بها ستكون إذن واحدة من هؤلاء، فالناس لا يحبونه لهؤلاء، إذن فكيف تفعله، ثم جاء الدعاء في آخر هذه المناقشة: اللهم اغفر ذنبه، طهر قلبه، وحصن فرجه[رواه أحمد22211]، فلم يكن الشاب بعد ذلك يلتفت إلى شيء، يعني من الحرام.
وهكذا كان ﷺ يرد على من أصابه شيء من الوسوسة، عندما جاء غلام أسود ولد لرجل ليس بأسود، فظن ظن سوء بزوجته، فقال له: ألك إبل؟ نعم، ما ألوانها؟ حمر، هل فيها من أورق؟ قال: نعم، قال: فأنى ذلك؟ قال: نزعه عرق، قال: فلعل ابنك هذا نزعه عرق[رواه البخاري5305]، فجاء من جدة له أو جد أعلى هذا اللون، وهذه الصفات الوراثية.
أيها الإخوة: كان يقص ﷺ القصص، والقصص لها أثر بليغ في النفوس، إنها تكسب صبراً على شدة، ووقفة أمام محنة، ولما جاء خباب يشتكي إليه ما صنعه كفار قريش به وبإخوانه المسلمين، ويقول: ألا تدعو لنا، ألا تستنصر لنا؟، يقول: لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط من الحديد، ما دون لحمه وعظمه، فلا يصده ذلك عن دينه[رواه البخاري6943].
وهكذا القصص تضرب بها الأمثال لتثبيت المؤمنين، ويعطي ﷺ الأمثلة، المثل تلو المثل، للمؤمن الذي يقرأ القرآن، والمنافق الذي يقرأ القرآن، وكذلك الذي لا يقرأ القرآن أبداً، ويضرب المثل للصراط المستقيم، ويضرب المثل لنفسه عندما أتى وبعث إلى هذه الأمة، وأنها الوليمة والدعوة، وهذه الدار التي فيها لبنة، ناقصة، والناس يدورون فيها، ما أحسن الدار إلا هذه اللبنة، أنا اللبنة وأنا خاتم النبيين[رواه البخاري3535]، ويعلمهم بأسلوب مشوق، ويقول: احشدوا، سأقرأ عليكم ثلث القرآن[رواه مسلم812]، والناس يستغربون كيف سيقرأ عليهم ثلث القرآن في هذا المجلس، ويقول لأبي: لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد[رواه البخاري4474]، ثم ذهب فتبعه أبي متشوقاً لهذه السورة التي هي أعظم سورة من القرآن، أسلوب التشويق والإثارة أسلوب علمي يلفت أنظار الطلاب، ويستجلب قلوبهم، وكذلك يوضح بوسائل مختلفة، ويرفع السباحة المشيرة، وهكذا يقرن بين أصبعين، ويشير بيده، ويلتفت بوجهه ﷺ، ويخط لهم في الأرض مبيناً خط الأجل، والأمل، والأعراض التي تنهش الإنسان بهذه الأساليب.
كان ﷺ يجيب، ويبين، وطرق التعليل يستعملها، ويسأله شخص عن ذبح إبل له بمكان، فيقول له: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ يقول: لا، فيقول: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟، فيقول: لا، فيقول: أوف بنذرك[رواه أبو داود3313]، وهكذا يعلمنا من خلال الأسئلة ما هي العلة في الحكم، لماذا لا يجوز أن نذبح في مكان ما، هل فيه وثن من أوثان أهل الجاهلية، عيد من أعياد أهل الجاهلية، وربما أحياناً استخرج الجواب من المتعلم، ويستخدم أسلوب التكرار، ويعيد القضية ثلاثاً، ويستخدم أسلوب التقسيم، ويقول: ثلاث، ثم يعددهن، أربع، ثم يعددهن، بادروا بالأعمال ستاً[رواه مسلم2947]، ثم يعددهن، وهكذا كان ﷺ يعلم أصحابه.
عباد الله: ما أحوجنا اليوم إلى اتباع أسلوب النبي ﷺ في التعليم، إنها تربية أيضاً، ليست حشو معلومات في الأذهان، لكن تربية بقدوة من قبل المعلم، وتأثر من قبل الطالب والمتعلم.
نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً، إنه هو العليم الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له رب الأولين والآخرين، ومالك يوم الدين، وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، البشير والنذير والسراج المنير، وخاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، علمنا، نشهد أنه أحسن تعليمنا، وأدبنا، فنشهد أنه أحسن التأديب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين نقلوا علمه ونشروه، ورضي عنهم وأرضاهم إلى يوم الدين، وعلى من سار معهم، وبعدهم على منوالهم.
أهمية الأدب والصحبة الصالحة
عباد الله: إن قضية الأدب قضية مهمة جداً، في مجلس الإمام أحمد رحمه الله ربما جلس اثنا عشر ألفاً، ثلثاهم لتعلم الأدب، قبل أن يتعلموا المعلومات، وهذه القضية لما فقدت صرت ترى الوقاحة معلماً عند الكثيرين، وخبث اللسان كذلك، وسوء المعاملة وازدراء الآخرين.
عباد الله: نحن إلى كثير من التأديب أحوج منا إلى كثير من التعليم، ولذلك فلا بد من الجمع بين التعليم والتأديب، وهؤلاء الطلاب الذين يتوجهون غداً إلى المدارس ماذا عليهم أن يفعلوا؟ لقد وجدت المدارس ولا بد من الذهاب إليها، بل هذه المدارس في تأثيرها العجب العجاب، فهي التي تفرق الناس في الإجازة، وهي التي تجمعهم جميعاً بعدها، وتعيدهم إلى بلدانهم، ما هي؟ المدارس.
لقد وجدت المدارس فلا بد إذن أن يحسُن، وأن يُحسَن اغتنامها لتكون دور، هذه المدارس دور عبادة وتعليم وتربية وتأديب وصياغة للجيل، وإعداده، والأخذ بأسباب القوة لرفعة شأن المسلمين، وسواءً كان العلم الذي فيها دينياً، مما يجب أن يبتغى فيه وجه الله، أو دنيوياً مما يتقرب إلى الله بكسبه إذا كان ينفع المسلمين، هذا أو هذا يجب عليك يا أيها الطالب أن تخلص النية عند توجهك إلى هذه المنشأة التي تقضي فيها أكثر من خمس ساعات في اليوم، إنها ساعات طويلة والله، لو أحسن استغلال خمس ساعات في اليوم، كيف كانت الأجيال ستخرج.
أيها الإخوة: القضية خطيرة بتأثيرها وأبعادها، خمس ساعات فأكثر يومياً تصوغ جيلاً، لو كان هنالك إحسان والله كتب الإحسان على كل شيء، لا بد أن تكون هناك نية صالحة منك يا عبد الله الطالب، وأن يكون هنالك سعي للاستفادة لما بعد الموت، وليس فقط لهذه الدنيا، وعندما ننشئ أبناءنا يجب أن نذكرهم بقضية الاستفادة من العلم للآخرة، وليس فقط أن نذكرهم بأنك تريد أن تدرس لتنال شهادة، وأن تتفوق لتحصل على جامعة، فوظيفة، وإلا فلا مستقبل لك، أن نزيد مع هذا أشياء أخرى أهم.
أيها الإخوة: الإنصات وحسن الاستماع، وترك المنازعة، وعدم مقاطعة المدرس، ومراجعته فيما أشكل، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون، وعندما تقول عائشة رضي الله عنها، تقول إيراداً؛ لأنها سمعت النبي ﷺ يقول: من حوسب عذب فتقول عائشة: أوليس الله يقول: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًاسورة الإنشقاق8، استفهام، فقال: إنما ذلك العرض[رواه البخاري103]، المقصود به العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك، فإذا لم يتجاوز الله عنه بل ناقشه معنى ذلك أن الرجل هالك، وترديد الدرس، واستعادته، والانتباه أثناء الشرح، والحرص على الواجبات، إنها قضية مهمة.
الاجتماع على الخير، يا عبد الله الطالب إن الذي يجلس بجانبك في الفصل هذا له أثر كبير وخطير عليك، وربما يكون أكثر الناس تأثيراً عليك وخطورة في اليوم والليلة هو الذي يجلس بجانبك خمس ساعات يومياً، القرين، القرين، والقرين بالمقارن يقتدي ويهتدي، ولذلك لا بد من إحسان اختياره، تجلس بجانب من؟ ما أمكن ذلك، والطلاب يتسرب إلى بعضهم من بعض شر كثير كما يتسرب إليهم خير كثير، بحسب هذا المتسرَب منه.
وأولياء الأمور ينبغي عليهم متابعة أولادهم في المدرسة أيضاً، فهو يجلس بجانب من، ويأخذ عمن؟ وما حاله؟ وما مشكلاته؟ وكيف العلاج؟ والمناقشة، والمتابعة.
ويوجد في سلك التعليم بحمد الله كثير من الأخيار، فالفرصة مواتية للاستفادة منهم والتواصل معهم من أجل منفعة هؤلاء الذين يمكن أن ندخل الجنة بسببهم أو ندخل النار بسببهم، قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ سورة التحريم6.
والصحبة الطيبة في نشاط طيب داخل المدرسة مما يكون رافداً آخر في صلاح الولد، فلا يغفل عن هذه الصحبة الطيبة.